فصل: نَصّ الْقُرْآنَ عَلَى إجَازَةِ الظّئْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الثّمَرُ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ:

يُوَضّحُهُ الْوَجْهُ الثّانِي: وَهُوَ أَنّ الثّمَرَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ فِي الْوَقْفِ وَالْعَارِيَةِ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الشّجَرَةَ لِيَنْتَفِعَ أَهْلُ الْوَقْفِ بِثَمَرَاتِهَا كَمَا إعَارَةُ الشّجَرَةِ كَمَا يَجُوزُ إعَارَةُ الظّهْرِ وَعَارِيَةُ الدّارِ وَمَنِيحَةُ اللّبَنِ وَهَذَا كُلّهُ تَبَرّعٌ بِنَمَاءِ الْمَالِ وَفَائِدَتِهِ فَإِنّ مَنْ دَفَعَ عَقَارَهُ إلَى مَنْ يُسْكِنُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ دَابّتَهُ إلَى مَنْ يَرْكَبُهَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ شَجَرَةً إلَى مَنْ يَسْتَثْمِرُهَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَزْرَعُهَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ شَاتَه إلَى مَنْ يَشْرَبُ لَبَنَهَا فَهَذِهِ الْفَوَائِدُ تَدْخُلُ فِي عُقُودِ التّبَرّعِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ مُحَبّسًا بِالْوَقْفِ أَوْ غَيْرَ مُحَبّسٍ. وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي عُقُودِ الْمُشَارَكَاتِ فَإِنّهُ إذَا دَفَعَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِجُزْءِ مِنْ دَرّهَا وَنَسْلِهَا صَحّ عَلَى أَصَحّ الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْعُقُودِ لِلْإِجَارَاتِ.

.الْمَرْتَبَةُ الْوُسْطَى بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ:

يُوَضّحُهُ الْوَجْهُ الثّالِثُ وَهُوَ أَنّ الْأَعْيَانَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يَسْتَخْلِفُ شَيْئًا فَشَيْئًا بَلْ إذَا ذَهَبَ ذَهَبَ جُمْلَةً وَنَوْعٌ يُسْتَخْلَفُ شَيْئًا فَشَيْئًا كُلّمَا ذَهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلّفَهُ شَيْءٌ مِثْلُهُ فَهَذَا رُتْبَةٌ وُسْطَى بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَبَيْنَ الْأَعْيَانِ الّتِي لَا تُسْتَخْلَفُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي شَبَهِهِ بِأَيّ النّوْعَيْنِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ شَبَهَهُ بِالْمَنَافِعِ أَقْوَى فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى.

.نَصّ الْقُرْآنَ عَلَى إجَازَةِ الظّئْرِ:

يُوَضّحُهُ الْوَجْهُ الرّابِعُ وَهُوَ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ نَصّ فِي كِتَابِهِ عَلَى إجَارَةِ الظّئْرِ وَسَمّى مَا تَأْخُذُهُ أَجْرًا وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إجَارَةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي شَرِيعَتِنَا إلّا إجَارَةَ الظّئْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلَاقُ 6]. قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنّمَا ظَنّ الظّانّ أَنّهَا خِلَافُ الْقِيَاسِ حَيْثُ تَوَهّمَ أَنّ الْإِجَارَةَ لَا تَكُونُ إلّا عَلَى مَنْفَعَةٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْإِجَارَةُ تَكُونُ عَلَى كُلّ مَا يُسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً كَمَا أَنّ هَذِهِ الْعَيْنَ هِيَ الّتِي تُوقَفُ وَتُعَارُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَعِيرُ بِلَا عِوَضٍ يَسْتَوْفِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ وَبِالْعِوَضِ فَلَمّا كَانَ لَبَنُ الظّئْرِ مُسْتَوْفًى مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ كَمَا جَازَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ فَإِنّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ يُحْدِثُهَا اللّهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَأَصْلُهَا بَاقٍ كَمَا يُحْدِثُ اللّهُ الْمَنَافِعَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَأَصْلُهَا بَاقٍ.

.الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ وُجُوبُ الْوَفَاءِ:

أَحَلّ حَرَامًا أَوْ حَرّمَ حَلَالًا فَلَا يَحْرُمُ مِنْ الشّرُوطِ وَالْعُقُودِ إلّا مَا حَرّمَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلَيْسَ مَعَ الْمَانِعِينَ نَصّ بِالتّحْرِيمِ الْبَتّةَ وَإِنّمَا مَعَهُمْ قِيَاسٌ قَدْ عُلِمَ أَنّ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِيهِ مِنْ الْفَرْقِ مَا يَمْنَعُ الْإِلْحَاقَ وَأَنّ الْقِيَاسَ الّذِي مَعَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى مُسَاوَاةِ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَهَذَا مَا لَا حِيلَةَ فِيهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.مَا تَمَحّلَهُ الْمَانِعُونَ لِعِلّةِ جَوَازِ إجَارَةِ الظّئْرِ:

يُوَضّحُهُ الْوَجْهُ السّادِسُ وَهُوَ أَنّ الّذِينَ مَنَعُوا هَذِهِ الْإِجَارَةَ لَمّا رَأَوْا إجَارَةَ الظّئْرِ ثَابِتَةً بِالنّصّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ إنّمَا هُوَ اللّبَنُ وَهُوَ عَيْنٌ تَمَحّلُوا لِجَوَازِهَا أَمْرًا يَعْلَمُونَ هُمْ وَالْمُرْضِعَةُ وَالْمُسْتَأْجِرُ بُطْلَانَهُ فَقَالُوا: الْعَقْدُ إنّمَا وَقَعَ عَلَى وَضْعِهَا الطّفْلَ فِي حِجْرِهَا وَإِلْقَامِهِ ثَدْيَهَا فَقَطْ وَاللّبَنُ يَدْخُلُ تَبَعًا وَاللّهُ يَعْلَمُ وَالْعُقَلَاءُ قَاطِبَةً أَنّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنّ وَضْعَ الطّفْلِ فِي حِجْرِهَا لَيْسَ مَقْصُودًا أَصْلًا وَلَا وَرْدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَا عُرْفًا وَلَا حَقِيقَةً وَلَا شَرْعًا وَلَوْ أَرْضَعَتْ الطّفْلَ وَهُوَ فِي حِجْرِ غَيْرِهَا أَوْ فِي مَهْدِهِ لَاسْتَحَقّتْ الْأُجْرَةَ وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إلْقَامَ الثّدْيِ الْمُجَرّدِ لَاسْتُؤْجِرَ لَهُ كُلّ امْرَأَةٍ لَهَا ثَدْيٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ حَقّا وَالْفِقْهُ الْبَارِدُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنّ إجَارَةَ الظّئْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَيُدّعَى أَنّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصّحِيحُ.

.نَدْبُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنِيحَةِ الْغَنَمِ لِلَبَنِهَا:

الْوَجْهُ السّابِعُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَدَبَ إلَى مَنِيحَةِ الْعَنْزِ وَالشّاةِ لِلَبَنِهَا وَحَضّ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ ثَوَابَ فَاعِلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعِ وَلَا هِبَةٍ فَإِنّ هِبَةَ عَارِيَةُ الشّاةِ لِلِانْتِفَاعِ بِلَبَنِهَا كَمَا يُعَيّرُهُ الدّابّةَ لِرُكُوبِهَا فَهَذَا إبَاحَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِدَرّهَا وَكِلَاهُمَا فِي الشّرْعِ وَاحِدٌ وَمَا جَازَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِالْعَارِيَةِ جَازَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِالْإِجَارَةِ فَإِنّ مَوْرِدَهُمَا وَاحِدٌ وَإِنّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي التّبَرّعِ بِهَذَا وَالْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْآخَرِ.

.إجَارَةُ الشّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا:

وَالْوَجْهُ الثّامِنُ مَا رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيّ فِي مَسَائِلِهِ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدّثَنَا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ تُوُفّيَ وَعَلَيْهِ سِتّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ غُرَمَاءَهُ فَقَبَلَهُمْ أَرْضَهُ سَنَتَيْنِ وَفِيهَا الشّجَرُ وَالنّخْلُ وَحَدَائِقُ الْمَدِينَةِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا النّخْلُ وَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا قَلِيلٌ فَهَذَا إجَارَةُ الشّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا وَمَنْ ادّعَى أَنّ ذَلِكَ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ فَمِنْ عَدَمِ عِلْمِهِ بَلْ ادّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَقْرَبُ فَإِنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ النّبَوِيّةِ بِمَشْهَدِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهِيَ قِصّةٌ فِي مَظِنّةِ الِاشْتِهَارِ وَلَمْ يُقَابِلْهَا أَحَدٌ بِالْإِنْكَارِ بَلْ تَلَقّاهَا الصّحَابَةُ بِالتّسْلِيمِ وَالْإِقْرَارِ وَقَدْ كَانُوا يُنْكِرُونَ مَا هُوَ دُونَهَا وَإِنْ فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَغَيْرُهُ شَأْنَ مُتْعَةِ الْحَجّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَسَنُبَيّنُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى أَنّهَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَأَنّ الْمَانِعِينَ مِنْهَا لَابُدّ لَهُمْ مِنْهَا وَأَنّهُمْ يَتَحَيّلُونَ عَلَيْهَا بِحِيَلِ لَا تَجُوزُ.

.تَشَابُهُ إجَارَةِ الْأَرْضِ بِإِجَارَةِ الْحَيَوَانِ:

الْوَجْهُ التّاسِعُ أَنّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ وَهُوَ الْمَغَلّ الّذِي يَسْتَغِلّهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَيْسَ لَهُ مَقْصُودٌ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَانَ لَهُ قَصْدٌ جَرَى فِي الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ الزّرْعِ فَذَلِكَ تَبَعٌ. فَإِنْ قِيلَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ مَنْفَعَةُ شَقّ الْأَرْضِ وَبَذْرِهَا وَفِلَاحَتُهَا وَالْعَيْنُ تَتَوَلّدُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِحَفْرِ بِئْرٍ فَخَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الْعَمَلِ لَا الْمَاءُ. قِيلَ مُسْتَأْجِرُ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مَقْصُودٌ فِي غَيْرِ الْمَغَلّ وَالْعَمَلُ وَسِيلَةٌ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بَلْ هُوَ تَعَبٌ وَمَشَقّةٌ وَإِنّمَا مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللّهُ مِنْ الْحُبّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَهَكَذَا مُسْتَأْجِرُ الشّاةِ لِلَبَنِهَا سَوَاءٌ مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلْفِهَا وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتّةَ إلّا مَا لَا تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْفُرُوقِ الْمُلْغَاةِ وَتَنْظِيرُكُمْ بِالِاسْتِئْجَارِ لِحَفْرِ الْبِئْرِ تَنْظِيرٌ فَاسِدٌ بَلْ نَظِيرُ حَفْرِ الْبِئْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَكّارًا لِحَرْثِ أَرْضِهِ وَيُبَذّرَهَا وَيَسْقِيَهَا وَلَا رَيْبَ أَنّ تَنْظِيرَ إجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ بِإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِمَغْلِهَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَهُوَ كَمَا تَقَدّمَ أَصَحّ مِنْ التّنْظِيرِ بِإِجَارَةِ الْخُبْزِ لِلْأَكْلِ.

.الْغَرَرُ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي إجَارَةِ الْحَيَوَانِ:

يُوَضّحُهُ الْوَجْهُ الْعَاشِرُ وَهُوَ أَنّ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ الّذِي فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ لِحُصُولِ مَغَلِهَا أَعْظَمُ بِكَثِيرِ مِنْ الْغَرَرِ الّذِي فِي إجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ فَإِنّ الْآفَاتِ وَالْمَوَانِعَ الّتِي تَعْرِضُ لِلزّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللّبَنِ فَإِذَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ فِي إجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

.فصل الِاخْتِلَافُ فِي الْعَقْدِ عَلَى اللّبَنِ فِي الضّرْعِ:

فَالْأَقْوَالُ فِي الْعَقْدِ عَلَى اللّبَنِ فِي الضّرْعِ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: مَنْعُهُ بَيْعًا وَإِجَارَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثّانِي: جَوَازُهُ بَيْعًا وَإِجَارَةً.
وَالثّالِثُ جَوَازُهُ إجَارَةً لَا بَيْعًا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللّهُ. وَفِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ اللّبَنِ فِي الضّرْعِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ فَرّوخٍ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مِنْ قَوْلِهِ دُونَ ذِكْرِ السّمْنِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُ.

.جُمْلَةُ بُيُوعٍ مَنْهِيّ عَنْهَا:

وَالثّانِي حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمّارٍ حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدّثَنَا جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْيَمَانِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتّى تَضَعَ وَعَمّا فِي ضُرُوعِهَا إلّا بِكَيْلِ أَوْ وَزْنٍ وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتّى تُقَسّمَ وَعَنْ شِرَاءِ الصّدَقَاتِ حَتّى تُقْبَضَ وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَلَكِنّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ وَالنّهْيُ عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ ثَابِتٌ بِالنّهْيِ عَنْ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَالنّهْيِ عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَهُوَ آبِقٌ مَعْلُومٌ بِالنّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَالنّهْيُ عَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتّى تُقْسَمَ دَاخِلٌ فِي النّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ وَمُخَاطَرَةٍ وَكَذَلِكَ الصّدَقَاتُ قَبْلَ قَبْضِهَا وَإِذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مَعَ انْتِقَالِهِ إلَى الْمُشْتَرِي وَثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَتَعْيِينِهِ لَهُ وَانْقِطَاعِ تَعَلّقِ غَيْرِهِ بِهِ فَالْمَغَانِمُ وَالصّدَقَاتُ قَبِلَ قَبْضِهَا أَوْلَى بِالنّهْيِ. وَأَمّا ضَرْبَةُ الْغَائِصِ فَغَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.

.بَيْعُ اللّبَنِ فِي الضّرْعِ:

وَأَمّا بَيْعُ اللّبَنِ فِي الضّرْعِ فَإِنْ كَانَ مُعَيّنًا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْعُ لَبَنٍ مَوْصُوفٍ فِي الذّمّةِ فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مُطْلَقَةٍ مِنْ هَذِهِ الصّبْرَةِ دَلّ عَلَى جَوَازِهِ نَهْيُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسْلَمَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إلّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الشّاةِ وَقَدْ صَارَتْ لَبُونًا جَازَ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا إلّا بِكَيْلِ أَوْ وَزْنٍ فَهَذَا إذْنٌ لِبَيْعِهِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مُعَيّنًا أَوْ مُطْلَقًا لِأَنّهُ لَمْ يُفْصَلْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ سِوَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَلَوْ كَانَ التّعْيِينُ شَرْطًا لِذِكْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ بَاعَهُ لَبَنُهَا أَيّامًا مَعْلُومَةً مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ. قِيلَ إنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلّا بِكَيْلِ أَوْ وَزْنٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَكَانَ لَبَنُهَا مَعْلُومًا لَا يَخْتَلِفُ بِالْعَادَةِ جَازَ بَيْعُهُ أَيّامًا وَجَرَى حُكْمُهُ بِالْعَادَةِ مَجْرَى كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فَمَرّةً يَزِيدُ وَمَرّةً يَنْقُصُ أَوْ يَنْقَطِعُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَجُوزُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنّ اللّبَنَ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ بِعَلْفِهِ الدّابّةَ كَمَا يَحْدُثُ الْحَبّ عَلَى مِلْكِهِ بِالسّقْيِ فَلَا غَرَرَ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنْ نَقَصَ اللّبَنُ عَنْ الْعَادَةِ أَوْ انْقَطَعَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقّ الْفَسْخِ أَوْ يَنْقُصُ عَنْهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: إذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ لَزِمَتْهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ لِأَنّهُ رَضِيَ بِالْمَنْفَعَةِ نَاقِصَةً فَلَزِمَهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا وَالصّحِيحُ أَنّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِأَنّهُ إنّمَا بَذَلَ الْعِوَضَ الْكَامِلَ فِي مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ سَلِيمَةٍ فَإِذَا لَمْ تُسَلّمْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ. وَقَوْلُهُمْ إنّهُ رَضِيَ بِالْمَنْفَعَةِ مَعِيبَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ مَعِيبًا جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّهُ إنْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا بِأَنْ يَأْخُذَ أَرْشَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ مَعَ الْأَرْشِ لَا يُسْقِطُ حَقّهُ.
الثّانِي: إنْ قُلْنَا: إنّهُ لَا أَرْشَ لِمُمْسِكِ لَهُ الرّدّ لَمْ يَلْزَمْ سُقُوطُ الْأَرْشِ فِي الْإِجَارَةِ لِأَنّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ رَدّ الْمَنْفَعَةِ كَمَا قَبَضَهَا وَلِأَنّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي رَدّ بَاقِي الْمَنْفَعَةِ وَقَدْ لَا يَتَمَكّنُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يَجِدُ بُدّا مِنْ الْإِمْسَاكِ فَإِلْزَامُهُ بِجَمِيعِ الْأُجْرَةِ مَعَ الْعَيْبِ الْمُنْقِصِ ظَاهِرًا وَمَنْعُهُ مِنْ اسْتِدْرَاكِ ظُلَامَتِهِ إلّا بِالْفَسْخِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَلَا سِيّمَا لِمُسْتَأْجِرِ الزّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ أَوْ مُسْتَأْجِرِ دَابّةٍ لِلسّفَرِ فَتَتَعَيّبُ فِي الطّرِيقِ فَالصّوَابُ أَنّهُ لَا أَرْشَ فِي الْمَبِيعِ لِمُمْسِكِ لَهُ الرّدّ وَأَنّهُ فِي الْإِجَارَةِ لَهُ الْأَرْشُ. وَاَلّذِي يُوَضّحُ هَذَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَكَمَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَهِيَ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ مُشْتَرِي الثّمَارِ مِنْ الثّمَرَةِ بِقَدْرِ مَا أَذْهَبَتْ عَلَيْهِ الْجَائِحَةُ مِنْ ثَمَرَتِهِ وَيُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثّمَنِ وَهَذَا لِأَنّ الثّمَارَ لَمْ تَسْتَكْمِلْ صَلَاحَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَخْذِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً وَإِنّمَا تُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ سَوَاءٌ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُصَرّاةِ خَيّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرّدّ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِلَا أَرْشٍ وَفِي الثّمَار جَعَلَ لَهُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْإِجَارَةُ أَشْبَهُ بِبَيْعِ الثّمَار وَقَدْ ظَهَرَ اعْتِبَارُ هَذَا الشّبَهِ فِي وَضْعِ الشّارِعِ الْجَائِحَةَ قَبْلَ قَبْضِ الثّمَنِ. فَإِنْ قِيلَ فَالْمَنَافِعُ لَا تُوضَعُ فِيهَا الْجَائِحَةُ بِاتّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. قِيلَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ فِي الْمَنَافِعِ وَمَنْ ظَنّ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِي الْمَبِيعِ كَمَا فِي الثّمَرِ الْمُشْتَرَى بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَلَفِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ أَوْ فَوَاتِهَا.
وَقَدْ اتّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ إذَا تَلَفّتَ قَبْلَ التّمَكّنِ مِنْ اسْتِيفَائِهَا فَإِنّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ حَيَوَانًا فَيَمُوتُ قَبْلَ التّمَكّنِ مِنْ قَبْضِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَتَتْلَفُ الصّبْرَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتّمْيِيزِ فَإِنّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِلَا نِزَاعٍ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَتَمَكّنْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ ازْدِرَاعِ الْأَرْضِ لِآفَةِ حَصَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. فَطَائِفَةٌ أَلْحَقَتْهُ بِالثّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَطَائِفَةٌ فَرّقَتْ وَاَلّذِينَ فَرّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ قَالُوا: الثّمَرَةُ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ وَهُنَا الزّرْعُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَقَدْ اسْتَوْفَاهَا وَاَلّذِينَ سَوّوْا بَيْنَهُمَا قَالُوا الْمَقْصُودُ بِالْإِجَارَةِ هُوَ الزّرْعُ فَإِذَا حَالَتْ الْآفَةُ السّمَاوِيّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ بِالْإِجَارَةِ كَأَنْ قَدْ تَلِفَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ التّمَكّنِ مِنْ قَبْضِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَاوِضْ عَلَى زَرْعٍ فَقَدْ عَاوَضَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ الّتِي يَتَمَكّنُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ حُصُولِ الزّرْعِ فَإِذَا حَصَلَتْ الْآفَةُ السّمَاوِيّةُ الْمُفْسِدَةُ لِلزّرْعِ قَبْلَ التّمَكّنِ مِنْ حَصَادِهِ لَمْ تَسْلَمْ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا بَلْ تَلِفَتْ قَبْلَ التّمَكّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فِي أَوّلِ الْمُدّةِ أَوْ فِي آخِرِهَا إذَا لَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنّ الْآفَةَ السّمَاوِيّةَ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الزّرْعِ مُطْلَقًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ مَعَ تِلْكَ الْآفَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدّمِهَا وَتَأَخّرِهَا.

.فصل بَيْعُ الصّوفِ عَلَى الظّهْرِ:

وَأَمّا بَيْعُ الصّوفِ عَلَى الظّهْرِ فَلَوْ صَحّ هَذَا الْحَدِيثُ بِالنّهْيِ عَنْهُ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَمْ تَسُغْ مُخَالَفَتُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الرّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ فَمَرّةً مَنَعَهُ وَمَرّةً أَجَازَهُ بِشَرْطِ جَزّهِ فِي الْحَالّ وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنّهُ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالرّطَبَةِ وَمَا يَقْدِرُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَزُولُ بِجَزّهِ فِي الْحَالّ وَالْحَادِثُ يَسِيرٌ جِدّا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ هَذَا وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ جَزّهِ فِي الْحَالّ وَيَكُونُ كَالرّطَبَةِ الّتِي تُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِنْ كَانَتْ تَطُولُ فِي زَمَنِ أَخْذِهَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَغَايَتُهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ فَهُوَ كَأَجْزَاءِ الثّمَارِ الّتِي لَمْ تُخْلَقْ فَإِنّهَا تَتْبَعُ الْمَوْجُودَ مِنْهَا فَإِذَا جَعَلَا لِلصّوفِ وَقْتًا مُعَيّنًا يُؤْخَذُ فِيهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الثّمَرَةِ وَقْتَ كَمَالِهَا. وَيُوَضّحُ هَذَا أَنّ الّذِينَ مَنَعُوهُ قَاسُوهُ عَلَى أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ وَقَالُوا: مُتّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ فَلَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَأَعْضَائِهِ وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ لِأَنّ الْأَعْضَاءَ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْحَيَوَانِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّبَنِ فِي الضّرْعِ وَقَدْ سَوّغْتُمْ هَذَا دُونَهُ؟ قِيلَ اللّبَنُ فِي الضّرْعِ يَخْتَلِطُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ سَرِيعًا فَإِنّ اللّبَنَ سَرِيعُ الْحُدُوثِ كُلّمَا حَلَبَهُ دَرّ بِخِلَافِ الصّوفِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.