فصل: قَوْلُ الْمُصَنّفِ التّمَتّعُ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادٍ تَعْقُبُهُ عُمْرَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.قَوْلُ الْمُصَنّفِ التّمَتّعُ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادٍ تَعْقُبُهُ عُمْرَةٌ:

فَإِنْ قِيلَ فَأَيّمَا أَفْضَلُ إفْرَادٌ يَأْتِي عَقِيبَهُ بِالْعُمْرَةِ أَوْ تَمَتّعٌ يَحِلّ مِنْهُ ثُمّ يُحْرِمُ بِالْحَجّ عَقِيبَهُ؟ قِيلَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ نَظُنّ أَنّ نُسُكًا قَطّ أَفْضَلُ مِنْ النّسُكِ الّذِي اخْتَارَهُ اللّهُ لِأَفْضَلِ الْخَلْق، وَسَادَاتِ الْأُمّةِ وَأَنْ نَقُولَ فِي نُسُكٍ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ الّذِينَ حَجّوا مَعَهُ بَلْ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ إنّهُ أَفْضَلُ مِمّا فَعَلُوهُ بِأَمْرِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَجّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَفْضَلَ مِنْ الْحَجّ الّذِي حَجّهُ النّبِيّ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَأُمِرَ بِهِ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَاخْتَارَهُ لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِفَسْخِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَنْسَاكِ إلَيْهِ وَوَدّ أَنّهُ كَانَ فَعَلَهُ لَا حَجّ قَطّ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا. وَهَذَا وَإِنْ صَحّ عَنْهُ الْأَمْرُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ بِالْقِرَانِ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْ بِالتّمَتّعِ فَفِي جَوَازِ خِلَافِهِ نَظَرٌ وَلَا يُوحِشْك قِلّةُ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَإِنّ فِيهِمْ الْبَحْرَ الّذِي لَا يَنْزِفُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الظّاهِرِ وَالسّنّةُ هِيَ الْحَكَمُ بَيْنَ النّاسِ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ.

.فصل عُذْرُ مَنْ قَالَ حَجّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَارِنًا طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ:

قَالَ إنّهُ حَجّ قَارِنًا قِرَانًا طَافَ لَهُ طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُ سَعْيَيْنِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ، فَعُذْرُهُ مَا رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، وَقَالَ: سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ. وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْت. وَعَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ. وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ قَارِنًا، فَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ طَافَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَجّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ. وَمَا أَحْسَنَ هَذَا الْعُذْرَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةً بَلْ لَا يَصِحّ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ. أَمّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْحَكَمِ غَيْرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الْأَوّلُ فَيَرْوِيهِ حَفْصُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ حَفْصٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: هُوَ كَذّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، ضَعِيفٌ. وَأَمّا حَدِيثُهُ الثّانِي: فَيَرْوِيهِ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيّ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ يُقَال لَهُ مُبَارَكٌ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَأَمّا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ فَيَرْوِيهِ أَبُو بَرْدَةَ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حَمّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: وَأَبُو بَرْدَةَ ضَعِيفٌ وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ ضُعَفَاءُ انْتَهَى. وَفِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، قَالَ يَحْيَى: هُوَ كَذّابٌ خَبِيثٌ. وَقَالَ الرّازِيّ وَالنّسَائِيّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَأَمّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَهُوَ مِمّا غَلِطَ فِيهِ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيّ، وَحَدّثَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ فَوَهِمَ فِيهِ وَقَدْ حَدّثَ بِهِ عَلَى الصّوَابِ مِرَارًا، وَيُقَالُ إنّهُ رَجَعَ عَنْ ذِكْرِ الطّوَافِ وَالسّعْيِ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتّرْمِذِيّ، وَابْنُ حِبّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الدّرَاوَرْدِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجّتِهِ وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ» وَلَفْظُ التّرْمِذِيّ: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا، حَتّى يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمّ قَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلّ بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ ثُمّ لَا يَحِلّ حَتّى يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَطَافَ الّذِينَ أَهَلّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمّ حَلّوا، ثُمّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمّا الّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنّمَا طَافُوا طَوَافَا وَاحِدًا وَصَحّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: «إنّ طَوَافَكِ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ، يَكْفِيكِ لِحَجّكِ وَعُمْرَتِك» وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا لِحَجّهِ وَعُمْرَتِهِ. وَعَبْدُ الْمَلِكِ: أَحَدُ الثّقَاتِ الْمَشْهُورِينَ احْتَجّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السّنَنِ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْمِيزَانُ وَلَمْ يُتَكَلّمْ فِيهِ بِضَعْفٍ وَلَا جُرْحٍ وَإِنّمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الشّفْعَةِ وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْهُ عَارُهَا.
وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْحَجّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرّزّاقِ، وَالْخَلْقُ عَنْهُ. قَالَ الثّوْرِيّ: وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْرَفُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ وَعِيبَ عَلَيْهِ التّدْلِيسُ وَقَلّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ كَانَ مِنْ الْحُفّاظِ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَهُوَ صَدُوقٌ يُدَلّسُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ إذَا قَالَ حَدّثَنَا، فَهُوَ صَادِقٌ لَا نَرْتَابُ فِي صِدْقِهِ وَحِفْظِهِ. وَقَدْ رَوَى الدّارَقُطْنِيّ، مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ حَدّثَنِي عَطَاءٌ وَطَاوُوسٌ، وَمُجَاهِدٌ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ وَالْمَرْوَةِ إلّا طَوَافًا وَاحِدًا لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجّهِمْ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، احْتَجّ بِهِ أَهْلُ السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: كَانَ صَاحِبَ سُنّةٍ وَإِنّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الْجَمْعَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ حَسْب وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَقَالَ أَحْمَدُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَلَكِنْ حَدّثَ عَنْهُ النّاسُ وَضَعّفَهُ النّسَائِيّ، وَيَحْيَى فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُهُ حَسَنٌ. وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الصّحّةِ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَائِشَةَ ثُمّ وَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلّ النّاسُ وَلَمْ أَحِلّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ اغْتَسِلِي ثُمّ أَهِلّي فَفَعَلَتْ ثُمّ وَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمّ قَالَ قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجّكَ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ أَحَدُهَا: أَنّهَا كَانَتْ قَارِنَةً وَالثّانِي: أَنّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ.
وَالثّالِثُ أَنّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الْعُمْرَةِ الّتِي حَاضَتْ فِيهَا، ثُمّ أَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجّ وَأَنّهَا لَمْ تَرْفُضْ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بِحَيْضِهَا، وَإِنّمَا رَفَضَتْ أَعْمَالَهَا وَالِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا، وَعَائِشَةُ لَمْ تَطُفْ أَوّلًا طَوَافَ الْقُدُومِ، بَلْ لَمْ تَطُفْ إلّا بَعْدَ التّعْرِيفِ وَسَعَتْ مَعَ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسّعْيُ بَعْدُ يَكْفِي الْقَارِنَ فَلِأَنْ يَكْفِيَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ مَعَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسّعْيُ بَعْدُ يَكْفِي الْقَارِنَ فَلِأَنْ يَكْفِيَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ مَعَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مَعَ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لَكِنّ عَائِشَةَ تَعَذّرَ عَلَيْهَا الطّوَافُ الْأَوّلُ فَصَارَتْ قِصّتُهَا حُجّةً فَإِنّ الْمَرْأَةَ الّتِي يَتَعَذّرُ عَلَيْهَا الطّوَافُ الْأَوّلُ تَفْعَلُ كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ تُدْخِلُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ: وَمِمّا يُبَيّنُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَطُفْ طَوَافَيْنِ وَلَا سَعَى سَعْيَيْنِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: وَأَمّا الّذِينَ جَمَعُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ جَابِرٍ لَمْ يَطُفْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ إلّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوّلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ لِعَائِشَةَ يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجّك وَعُمْرَتِكِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ لَهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ لَهَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتّفَقِ عَلَيْهِ لَمّا طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا قَالَ وَالصّحَابَةُ الّذِينَ نَقَلُوا حَجّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهُمْ نَقَلُوا أَنّهُمْ لَمّا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَمَرَهُمْ بِالتّحْلِيلِ إلّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنّهُ لَا يَحِلّ إلّا يَوْمَ النّحْرِ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنّ أَحَدًا مِنْهُمْ طَافَ وَسَعَى، ثُمّ طَافَ وَسَعَى. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ مِثْلَ هَذَا مِمّا تَتَوَفّرُ الْهِمَمُ وَالدّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ. فَلَمّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ عُلِمَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ. وَعُمْدَةُ مَنْ قَالَ بِالطّوَافَيْنِ وَالسّعْيَيْنِ أَثَرٌ يَرْوِيهِ الْكُوفِيّونَ، عَنْ عَلِيّ وَآخَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. وَقَدْ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ خِلَافَ مَا رَوَى أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَمَا رَوَاهُ الْعِرَاقِيّونَ، مِنْهُ مَا هُوَ مُنْقَطِعٌ وَمِنْهُ مَا رِجَالُهُ مَجْهُولُونَ أَوْ مَجْرُوحُونَ وَلِهَذَا طَعَنَ عُلَمَاءُ النّقْلِ فِي ذَلِكَ حَتّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ كُلّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصّحَابَةِ لَا يَصِحّ مِنْهُ وَلَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ بِلَا رَيْبٍ. وَقَدْ حَلَفَ طَاوُوسٌ مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَجّتِهِ وَعُمْرَتِهِ إلّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَقَدْ ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبّاسٍ، وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَهُمْ أَعْلَمُ النّاسِ بِحَجّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُخَالِفُوهَا، بَلْ هَذِهِ الْآثَارُ صَرِيحَةٌ فِي أَنّهُمْ لَمْ يَطُوفُوا بِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ إلّا مَرّةً وَاحِدَةً.

.هَلْ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتّعِ سَعْيَانِ أَوْ سَعْيٌ وَاحِدٌ:

؟ وَقَدْ تَنَازَعَ النّاسُ فِي الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتّعِ هَلْ عَلَيْهِمَا سَعْيَانِ أَوْ سَعْيٌ وَاحِدٌ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ:
أَحَدُهَا: لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلّا سَعْيٌ وَاحِدٌ كَمَا نَصّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ قُلْت لِأَبِي: الْمُتَمَتّعُ كَمْ يَسْعَى بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ إنْ طَافَ طَوَافَيْنِ فَهُوَ أَجْوَدُ. وَإِنْ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، فَلَا بَأْسَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السّلَفِ.
الثّانِي: الْمُتَمَتّعُ عَلَيْهِ سَعْيَانِ وَالْقَارِنُ عَلَيْهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثّانِي فِي مَذْهَبِهِ وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشّافِعِيّ رَحِمَهُمَا اللّهُ.
وَالثّالِثُ إنّ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَعْيَيْنِ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ وَيُذْكَرُ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَاَلّذِي تَقَدّمَ هُوَ بَسْطُ قَوْلِ شَيْخِنَا وَشَرْحُهُ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل عُذْرُ مَنْ قَالَ حَجّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفْرِدًا اعْتَمَرَ عَقِيبَهُ مِنْ التّنْعِيمِ:

وَأَمّا الّذِينَ قَالُوا: إنّهُ حَجّ حَجّا مُفْرَدًا اعْتَمَرَ عَقِيبَهُ مِنْ التّنْعِيمِ، فَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ عُذْرٌ أَلْبَتّةَ إلّا مَا تَقَدّمَ مِنْ أَنّهُمْ سَمِعُوا أَنّهُ أَفْرَدَ الْحَجّ، وَأَنّ عَادَةَ الْمُفْرِدِينَ أَنْ يَعْتَمِرُوا مِنْ التّنْعِيمِ، فَتَوَهّمُوا أَنّهُ فَعَلَ كَذَلِكَ.

.فصل عُذْرُ مَنْ قَالَ لَبّى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَاسْتَمَرّ عَلَيْهَا:

وَأَمّا الّذِينَ غَلِطُوا فِي إهْلَالِهِ فَمَنْ قَالَ إنّهُ لَبّى بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَاسْتَمَرّ عَلَيْهَا، فَعُذْرُهُ أَنّهُ سَمِعَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَمَتّعَ وَالْمُتَمَتّعُ عِنْدَهُ مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ قَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: مَا شَأْنُ النّاسِ حَلّوا وَلَمْ تَحِلّ مِنْ عُمْرَتِك؟ وَكُلّ هَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ قَالَ لَبّيْكَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عَنْهُ أَلْبَتّةَ فَهُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ وَالْأَحَادِيثُ الصّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي لَفْظِهِ فِي إهْلَالِهِ تُبْطِلُ هَذَا.

.فصل عُذْرُ مَنْ قَالَ لَبّى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجّ وَحْدَهُ وَاسْتَمَرّ عَلَيْهِ:

وَأَمّا مَنْ قَالَ إنّهُ لَبّى بِالْحَجّ وَحْدَهُ وَاسْتَمَرّ عَلَيْهِ فَعُذْرُهُ مَا ذَكَرْنَا عَمّنْ قَالَ: أَفْرَدَ الْحَجّ وَلَبّى بِالْحَجّ وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطّ: إنّهُ قَالَ لَبّيْكَ بِحَجّةٍ مُفْرَدَةٍ وَإِنّ الّذِينَ نَقَلُوا لَفْظَهُ صَرّحُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ.

.فصل عُذْرُ مَنْ قَالَ لَبّى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجّ وَحْدَهُ ثُمّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ:

وَأَمّا مَنْ قَالَ إنّهُ لَبّى بِالْحَجّ وَحْدَهُ، ثُمّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَظَنّ أَنّهُ بِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ فَعُذْرُهُ أَنّهُ رَأَى أَحَادِيثَ إفْرَادِهِ بِالْحَجّ صَحِيحَةً فَحَمَلَهَا عَلَى ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ ثُمّ إنّهُ أَتَاهُ آتٍ مِنْ رَبّهِ تَعَالَى فَقَالَ قُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجّةٍ، فَأَدْخَلَ الْعُمْرَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْحَجّ فَصَارَ قَارِنًا؛ وَلِهَذَا قَالَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: إنّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ، فَكَانَ مُفْرِدًا فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ وَأَيْضًا فَإِنّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنّهُ أَهَلّ بِالْعُمْرَةِ وَلَا لَبّى بِالْعُمْرَةِ وَلَا أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ وَلَا قَالَ خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إلّا الْعُمْرَةَ بَلْ قَالُوا: أَهَلّ بِالْحَجّ وَلَبّى بِالْحَجّ وَأَفْرَدَ الْحَجّ وَخَرَجْنَا لَا نَنْوِي إلّا الْحَجّ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْإِحْرَامَ وَقَعَ أَوّلًا بِالْحَجّ ثُمّ جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنْ رَبّهِ تَعَالَى بِالْقِرَانِ فَلَبّى بِهِمَا فَسَمِعَهُ أَنَسٌ يُلَبّي بِهِمَا، وَصَدَقَ وَسَمِعَتْهُ عَائِشَةُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ يُلَبّي بِالْحَجّ وَحْدَهُ أَوّلًا وَصَدَقُوا. قَالُوا: وَبِهَذَا تَتّفِقُ الْأَحَادِيثُ وَيَزُولُ عَنْهَا الِاضْطِرَابُ. وَأَرْبَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَا يُجِيزُونَ إدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجّ وَيَرَوْنَهُ لَغْوًا، دُونَ غَيْرِهِ. قَالُوا: وَمِمّا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَبّى بِالْحَجّ وَحْدَهُ، وَأَنَسٌ قَالَ أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إهْلَالُهُ بِالْقِرَانِ سَابِقًا عَلَى إهْلَالِهِ بِالْحَجّ وَحْدَهُ لِأَنّهُ إذَا أَحْرَمَ قَارِنًا، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجّ مُفْرَدٍ وَيَنْقُلَ الْإِحْرَامَ إلَى الْإِفْرَادِ فَتَعَيّنَ أَنّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجّ مُفْرَدًا، فَسَمِعَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَجَابِرٌ فَنَقَلُوا مَا سَمِعُوهُ ثُمّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَأَهَلّ بِهِمَا جَمِيعًا لَمّا جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنْ رَبّهِ فَسَمِعَهُ أَنَسٌ يُهِلّ بِهِمَا، فَنَقَلَ مَا سَمِعَهُ ثُمّ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنّهُ قَرَنَ وَأَخْبَرَ عَنْهُ مَنْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الصّحَابَةِ بِالْقِرَانِ فَاتّفَقَتْ أَحَادِيثُهُمْ وَزَالَ عَنْهَا الِاضْطِرَابُ وَالتّنَاقُضُ. قَالُوا: وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَ مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلّ بِحَجّ فَلْيُهِلّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَجّ وَأَهَلّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ. فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ مُفْرِدًا فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ فَعُلِمَ أَنّ قِرَانَهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَا رَيْبَ أَنّ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدّمَةِ وَدَعْوَى التّخْصِيصِ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِحْرَامٍ لَا يَصِحّ فِي حَقّ الْأُمّةِ مَا يَرُدّهُ وَيُبْطِلُهُ وَمِمّا يَرُدّهُ أَنّ أَنَسًا قَالَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ بِالْبَيْدَاءِ ثُمّ رَكِبَ وَصَعِدَ جَبَلَ الْبَيْدَاءِ، وَأَهَلّ بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ حِينَ صَلّى الظّهْرَ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنّ الّذِي جَاءَهُ مِنْ رَبّهِ قَالَ لَهُ صَلّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجّةٍ. فَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاَلّذِي رَوَى عُمَرُ أَنّهُ أُمِرَ بِهِ وَرَوَى أَنَسٌ أَنّهُ فَعَلَهُ سَوَاءٌ فَصَلّى الظّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمّ قَالَ لَبّيْكَ حَجّا وَعُمْرَةً.