فصل: فَصْلٌ: عِدّةُ الْآيِسَةِ وَاَلّتِي لَمْ تَحِضْ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّ عِدّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدّةِ الْحُرّةِ:

وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْأُمّةِ فَقَالُوا: عِدّتُهَا نِصْفُ عِدّةِ الْحُرّةِ هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَالْقَاسِم وَسَالِمٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالزّهْرِيّ وَمَالِكٍ وَفُقَهَاءِ أَهْلِ مَكّةَ كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا وَفُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ كَقَتَادَةَ وَفُقَهَاءِ الْكُوفَةِ كَالثّوْرِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللّهُ. وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاق وَالشّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ رَحِمَهُمْ اللّهُ وَغَيْرِهِمْ وَسَلَفُهُمْ فِي ذَلِكَ الْخَلِيفَتَانِ الرّاشِدَانِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا صَحّ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَعِدّةُ الْحُرّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَمَا رَوَاهُ الزّهْرِيّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَعِدّةُ الْحُرّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَرَوَى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثّقَفِيّ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَوْ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْعَلَ عِدّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلْهَا شَهْرًا وَنِصْفًا. وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ جَعَلَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَيْضَتَيْنِ يَعْنِي: الْأَمَةَ الْمُطَلّقَةَ. وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَيُطَلّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ فَشَهْرًا وَنِصْفًا. وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ يَكُونُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْعَذَابِ وَلَا يَكُونُ لَهَا نِصْفُ الرّخْصَةِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ نَافِعًا وَابْنَ قُسَيْطٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ وَالتّابِعِينَ قَالُوا: عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. قَالُوا: وَلَمْ يَزَلْ هَذَا عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. قَالَ الْقَاسِمُ مَعَ أَنّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَلَا نَعْلَمُهُ سُنّةً عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ قَدْ مَضَى أَمْرُ النّاسِ عَلَى هَذَا وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ فِيهِ لِرَسُولِ الْأَمِيرِ قُلْ لَهُ إنّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا سُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إلّا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ لَكَفَى بِهِ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا نِصْفَ الرّخْصَةِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الصّحَابَةِ لِلْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي وَإِلْحَاقِ النّظِيرِ بِالنّظِيرِ. وَلَمّا كَانَ هَذَا الْأَثَرُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الظّاهِرِيّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ طَعَنَ ابْنُ حَزْمٍ وَقَالَ لَا يَصِحّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النّاسِ فَكَيْفَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ وَإِنّمَا جَرّأَهُ عَلَى الطّعْنِ فِيهِ أَنّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ عَنْهُ رَوَاهُ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ وَلَكِنّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ كَعَلْقَمَةَ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ إذَا قُلْتُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَقَدْ حَدّثَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ وَإِذَا قُلْت: قَالَ فُلَانٌ عَنْهُ فَهُوَ عَمّنْ سَمّيْت أَوْ كَمَا قَالَ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللّهِ أَئِمّةً ثِقَاتٍ لَمْ يُسَمّ قَطّ مُتّهَمًا وَلَا مَجْرُوحًا وَلَا مَجْهُولًا فَشُيُوخُهُ الّذِينَ أَخَذَ عَنْهُمْ عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَئِمّةٌ أَجِلّاءٌ نُبَلَاءُ وَكَانُوا كَمَا قِيلَ سُرُجُ الْكُوفَةِ وَكُلّ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ فِي الْحَدِيثِ إذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ لَمْ يَتَوَقّفْ فِي ثُبُوتِهِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِمّنْ فِي طَبَقَتِهِ لَوْ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ لَا يَحْصُلُ لَنَا الثّبْتُ بِقَوْلِهِ فَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ نَظِيرُ ابْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ عُمَرَ وَنَظِيرُ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنّ الْوَسَائِطَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ إذَا سَمّوْهُمْ وُجِدُوا مِنْ أَجَلّ النّاسِ وَأَوْثَقِهِمْ وَأَصْدَقِهِمْ وَلَا يُسَمّونَ سِوَاهُمْ الْبَتّةَ وَدَعْ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ عُمَرَ وَزَيْدًا وَابْنَ عُمَرَ وَهُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَيُخَالِفُ عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى قَوْلِ صَاحِبٍ الْبَتّةَ وَلَا إلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ بَلْ إلَى عُمُومٍ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمّةِ لَيْسَ هُوَ مِمّا تَخْفَى دَلَالَتُهُ وَلَا مَوْضِعُهُ حَتّى يَظْفَرَ بِهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ دُونَ سَائِرِ النّاسِ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْمُحَالِ. وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ الْآثَارَ عَنْ التّابِعِينَ بِتَنْصِيفِ عِدّةِ الْأَمَةِ لَطَالَتْ جِدّا ثُمّ إذَا تَأَمّلْتَ سِيَاقَ الْآيَاتِ الّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِدَدِ وَجَدْتهَا لَا تَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ وَإِنّمَا تَتَنَاوَلُ الْحَرَائِرَ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلّ لَهُنّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنّ إِنْ كُنّ يُؤْمِنّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةَ 228] إلَى أَنْ قَالَ: {وَلَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئًا إِلّا أَنْ يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [الْبَقَرَةَ 229] وَهَذَا فِي حَقّ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ فَإِنّ افْتِدَاءَ الْأَمَةِ إلَى سَيّدِهَا لَا إلَيْهَا. ثُمّ قَالَ: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [الْبَقَرَةَ 230] فَجُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا وَالتّرَاجُعُ الْمَذْكُورُ فِي حَقّ الْأَمَةِ وَهُوَ الْعَقْدُ إنّمَا هُوَ إلَى سَيّدِهَا لَا إلَيْهَا بِخِلَافِ الْحُرّةِ فَإِنّهُ إلَيْهَا بِإِذْنِ وَلِيّهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي عِدّةِ الْوَفَاةِ {وَاَلّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةَ 234] وَهَذَا إنّمَا هُوَ فِي حَقّ الْحُرّةِ وَأَمّا الْأَمَةُ فَلَا فِعْلَ لَهَا فِي نَفْسِهَا الْبَتّةَ فَهَذَا فِي الْعِدّةِ الْأَصْلِيّةِ. وَأَمّا عِدّةُ الْأَشْهُرِ فَفَرْعٌ وَبَدَلٌ. وَأَمّا عِدّةُ وَضْعِ الْحَمْلِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالتّابِعُونَ وَعَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ وَمُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللّهِ فِي تَنْصِيفِ الْحَدّ عَلَيْهَا وَلَا يُعْرَفُ فِي الصّحَابَةِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ وَفَهْمُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ اللّهِ أَوْلَى مِنْ فَهْمِ مَنْ شَذّ عَنْهُمْ مِنْ الْمُتَأَخّرِينَ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ. وَلَا تُعْرَفُ التّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْعِدّةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السّلَفِ إلّا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَكْحُولٍ. فَأَمّا ابْنُ سِيرِينَ فَلَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَعَلّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى عَدَمِ سُنّةٍ تُتّبَعُ. وَأَمّا قَوْلُ مَكْحُولٍ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَنَدًا وَإِنّمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ وَهُوَ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ الظّاهِرِ وَلَا يَصِحّ فَلَمْ يَبْقَ مَعَكُمْ أَحَدٌ مِنْ السّلَفِ إلّا رَأْيَ ابْنِ سِيرِينَ وَحْدَهُ الْمُعَلّقَ عَلَى عَدَمِ سُنّةٍ مُتّبَعَةٍ وَلَا رَيْبَ أَنّ سُنّةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مُتّبَعَةٌ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.عِدّةُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْبَالِغَةِ:

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَدّعُونَ إجْمَاعَ الصّحَابَةِ وَجَمَاهِيرِ الْأُمّةِ وَقَدْ صَحّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ عِدّةَ الْأَمَةِ الّتِي لَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَصَحّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَرَبِيعَةَ وَاللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالزّهْرِيّ وَبَكْرِ بْنِ الْأَشَجّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنّ الْأَشْهُرَ فِي حَقّ الْآيِسَةِ وَالصّغِيرَةِ بَدَلٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ الثّلَاثِ فَدَلّ عَلَى أَنّ بَدَلَهَا فِي حَقّهَا ثَلَاثَةٌ. فَالْجَوَابُ أَنّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ الْقَائِلُونَ إنّ عِدّتَهَا حَيْضَتَانِ وَقَدْ أَفْتَوْا بِهَذَا وَهَذَا وَلَهُمْ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ لِلشّافِعِيّ وَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَدَ. فَأَكْثَرُ الرّوَايَاتِ عَنْهُ أَنّهَا شَهْرَانِ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ذَكَرَهَا الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ عَنْهُ. وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ عِدّتَهَا بِالْأَقْرَاءِ حَيْضَتَانِ فَجُعِلَ كُلّ شَهْرٍ مَكَانَ حَيْضَةٍ. وَالْقَوْلُ الثّانِي: إنّ عِدّتَهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ نَقَلَهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيّ وَهَذَا قَوْلُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَر وَابْنِ الْمُسَيّبِ وَأَبِي حَنِيفَة وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ. وَحُجّتُهُ أَنّ التّنْصِيفَ فِي الْأَشْهُرِ مُمْكِنٌ فَتَنَصّفَتْ بِخِلَافِ الْقُرُوءِ. وَنَظِيرُ هَذَا: أَنّ الْمُحْرِمَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي جَزَاءِ الصّيْدِ نِصْفُ مُدّ أَخْرَجَهُ فَإِنْ أَرَادَ الصّيَامَ مَكَانَهُ لَمْ يُجْزِهِ إلّا صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ. وَالْقَوْلُ الثّالِثُ أَنّ عِدّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَوَامِلُ وَهُوَ إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ لِلشّافِعِيّ وَهُوَ فِيمَنْ ذَكَرْتُمُوهُ. وَالْفَرْقُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِالْأَقْرَاءِ وَبَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِالشّهُورِ أَنّ الِاعْتِبَارَ بِالشّهُورِ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي حَقّ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا لِأَنّ الْحَمْلَ يَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ ثُمّ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ وَهُوَ الطّوْرُ الثّالِثُ الّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ الْحَمْلُ وَهُوَ بِالنّسْبَةِ إلَى الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْأَقْرَاءِ فَإِنّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ عَلَمٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَصَارَتْ أَشْرَفَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَجُعِلَتْ عِدّتُهَا بَيْنَ الْعِدّتَيْنِ. قَالَ الشّيْخُ فِي الْمُغْنِي: وَمَنْ رَدّ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصّحَابَةِ لِأَنّهُمْ اخْتَلَفُوا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوّلَيْنِ وَمَتَى اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ لِأَنّهُ يُفْضِي إلَى تَخْطِئَتِهِمْ وَخُرُوجِ الْحَقّ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ. قُلْت: وَلَيْسَ فِي هَذَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ بَلْ هُوَ إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ ذَكَرَهَا ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ بِهِ مِنْ التّابِعِينَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ وَغَيْرُهُمْ.

.فَصْلٌ: عِدّةُ الْآيِسَةِ وَاَلّتِي لَمْ تَحِضْ:

.حَدّ الْإِيَاسِ:

.الرّوَايَاتُ عَنْ أَحْمَدَ فِي حَدّ الْإِيَاسِ:

وَأَمّا عِدّةُ الْآيِسَةِ وَاَلّتِي لَمْ تَحِضْ فَقَدْ بَيّنَهَا سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطّلَاقَ 4] وَقَدْ اضْطَرَبَ النّاسُ فِي حَدّ الْإِيَاسِ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَدّهُ بِخَمْسِينَ سَنَةً وَقَالَ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَهَذَا قَوْلُ إسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ وَاحْتَجّ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: إذَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدّ الْحُيّضِ.
وَحَدّهُ طَائِفَةٌ بِسِتّينَ سَنَةً وَقَالُوا: لَا تَحِيضُ بَعْدَ السّتّينَ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فَحَدّهُ سِتّونَ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ وَخَمْسُونَ فِي نِسَاءِ الْعَجَمِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ أَنّ مَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسّتّينَ دَمٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ تَصُومُ وَتُصَلّي وَتَقْضِي الصّوْمَ الْمَفْرُوضَ وَهَذِهِ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيّ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ خَامِسَةٌ أَنّ الدّمَ إنْ عَاوَدَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَتَكَرّرَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلّا فَلَا.

.مَذْهَبُ الشّافِعِيّ فِي حَدّ الْإِيَاسِ:

وَأَمّا الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ فَلَا نَصّ لَهُ فِي تَقْدِيرِ الْإِيَاسِ بِمُدّةِ وَلَهُ قَوْلَانِ بَعْدُ:
أَحَدُهُمَا: أَنّهُ يُعْرَفُ بِيَأْسِ أَقَارِبِهَا.
وَالثّانِي: أَنّهُ يُعْتَبَرُ بِيَأْسِ جَمِيعِ النّسَاءِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوّلِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ جَمِيعُ أَقَارِبِهَا أَوْ نِسَاءُ عَصَبَاتِهَا أَوْ نِسَاءُ بَلَدِهَا خَاصّةً؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثُمّ إذَا قِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْأَقَارِبِ فَاخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنّ فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِأَقَلّ عَادَةٍ مِنْهُنّ أَوْ بِأَكْثَرِهِنّ عَادَةً أَوْ بِأَقْصَرِ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ عَادَةً؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَالْقَوْلُ الثّانِي لِلشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّ الْمُعْتَبَرَ جَمِيعُ النّسَاءِ. ثُمّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ لِذَلِكَ حَدّ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ حَدّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصّهِ.
وَالثّانِي: لَهُ حَدّ ثُمّ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ سِتّونَ سَنَةً قَالَهُ أَبُو الْعَبّاسِ بْنُ الْقَاصّ وَالشّيْخُ أَبُو حَامِدٍ.
وَالثّانِي: اثْنَانِ وَسِتّونَ سَنَةً قَالَهُ الشّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ فِي الْمُهَذّبِ وَابْنُ الصّبّاغِ فِي الشّامِلِ. وَأَمّا أَصْحَابُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ فَلَمْ يَحُدّوا سِنّ الْإِيَاسِ بِحَدّ الْبَتّةَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ: الْيَأْسُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النّسَاءِ وَلَيْسَ لَهُ حَدّ يَتّفِقُ فِيهِ النّسَاءُ. وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنّ يَأْسَ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْ نَفْسِهَا لِأَنّ الْيَأْسَ ضِدّ الرّجَاءِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَلَمْ تَرْجُهُ فَهِيَ آيِسَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَرْبَعُونَ أَوْ نَحْوُهَا وَغَيْرُهَا لَا تَيْأَسُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا خَمْسُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ: أَنّ بَعْضَهُمْ قَالَ لَا تَلِدُ لِخَمْسِينَ سَنَةً إلّا عَرَبِيّةٌ وَلَا تَلِدُ لِسِتّينَ سَنَةً إلّا قُرَشِيّةٌ. وَقَالَ إنّ هِنْدَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعَةَ وَلَدَتْ مُوسَى بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَلَهَا سِتّونَ سَنَةً.
وَقَدْ صَحّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي امْرَأَةٍ طُلّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمّ يَرْتَفِعُ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ أَنّهَا تَتَرَبّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ اسْتَبَانَ بِهَا حَمْلٌ وَإِلّا اعْتَدّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَقَدْ وَافَقَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى هَذَا مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ فِي الْقَدِيمِ. قَالُوا: تَتَرَبّصُ غَالِبَ مُدّةِ الْحَمْلِ ثُمّ تَعْتَدّ عِدّةَ الْآيِسَةِ ثُمّ تَحِلّ لِلْأَزْوَاجِ وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعِينَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ تَكُونُ الْمَرْأَةُ آيِسَةً عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْخَمْسِينَ وَقَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَأَنّ الْيَأْسَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ وَقْتًا مَحْدُودًا لِلنّسَاءِ بَلْ مِثْلُ هَذِهِ تَكُونُ آيِسَةً وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ ثَلَاثِينَ وَغَيْرُهَا لَا تَكُونُ آيِسَةً وَإِنْ بَلَغَتْ خَمْسِينَ. وَإِذَا كَانُوا فِيمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ جَعَلُوهَا آيِسَةً بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَاَلّتِي تَدْرِي مَا رَفَعَهُ إمّا بِدَوَاءِ يُعْلَمُ أَنّهُ لَا يَعُودُ مَعَهُ وَإِمّا بِعَادَةِ مُسْتَقِرّةٍ لَهَا مَنْ أَهْلِهَا وَأَقَارِبِهَا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ آيِسَةً. وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْخَمْسِينَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَفَعَ لِمَرَضِ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ حَمْلٍ فَإِنّ هَذِهِ لَيْسَتْ آيِسَةً فَإِنّ ذَلِكَ يَزُولُ. فَالْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَرْتَفِعَ لِيَأْسِ مَعْلُومٍ مُتَيَقّنٍ بِأَنْ تَنْقَطِعَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ وَيَتَكَرّرَ انْقِطَاعُهُ أَعْوَامًا مُتَتَابِعَةً ثُمّ يُطْلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذِهِ تَتَرَبّصُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِنَصّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَ أَرْبَعِينَ أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ أَوْلَى بِالتّرَبّصِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الّتِي حَكَمَ فِيهَا الصّحَابَةُ وَالْجُمْهُورُ بِتَرَبّصِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمّ ثَلَاثَةً فَإِنّ تِلْكَ كَانَتْ تَحِيضُ وَطُلّقَتْ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ فَإِذَا حُكِمَ فِيهَا بِحُكْمِ الْآيِسَاتِ بَعْدَ انْقِضَاءِ غَالِبِ مُدّةِ الْحَمْلِ فَكَيْفَ بِهَذِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: إذَا كَانَ اللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ذَكَرَ الْيَأْسَ مَعَ الرّيبَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطّلَاقَ 4] ثُمّ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَفْظٌ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنّهُ قَالَ أَيّمَا امْرَأَةٍ طُلّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمّ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهَا فَإِنّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمّ تَعْتَدّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَلَمّا كَانَتْ لَا تَدْرِي مَا الّذِي رَفَعَ الْحَيْضَةَ كَانَ مَوْضِعَ الِارْتِيَابِ فَحُكِمَ فِيهَا بِهَذَا الْحُكْمِ وَكَانَ اتّبَاعُ ذَلِكَ أَلْزَمَ وَأَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنّ الرّجُلَ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَيَرْتَفِعُ حَيْضُهَا وَهِيَ شَابّةٌ أَنّهَا تَبْقَى ثَلَاثِينَ سَنَةً مُعْتَدّةً وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَخَالَفَ مَا كَانَ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الّذِي مَضَوْا لِأَنّهُمْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْأَبِ مَا دَامَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِدّتِهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنّ الرّجُلَ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَحْكَامُ الزّوْجَاتِ مَا دَامَتْ فِي عِدّتِهَا مِنْ الْمُوَارَثَةِ وَغَيْرِهَا؟ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدِ لَمْ يَلْحَقْهُ وَظَاهِرُ عِدّةِ الطّلَاقِ أَنّهَا جُعِلَتْ مِنْ الدّخُولِ الّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَكَيْفَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُعْتَدّةً وَالْوَلَدُ لَا يَلْزَمُ؟ قُلْت: هَذَا إلْزَامٌ مِنْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنّ عِنْدَهُ أَقْصَرُ مُدّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ عِدّتِهَا لَا تَزَالُ فِي عِدّةٍ حَتّى تَبْلُغَ سِنّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدّ بِهِ وَهُوَ يَلْزَمُ الشّافِعِيّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ سَوَاءً إلّا أَنّ مُدّةَ الْحَمْلِ عِنْدَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ. فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَهَا لَمْ يَلْحَقْهُ وَهِيَ فِي عِدّتِهَا مِنْهُ.
قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَالْيَأْسُ يَكُونُ بَعْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ الْقُنُوطُ وَكَذَلِكَ الرّجَاءُ وَكَذَلِكَ الظّنّ وَمِثْلُ هَذَا يَتّسِعُ الْكَلَامُ فِيهِ فَإِذَا قِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُنْزِلَ عَلَى قَدْرِ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمَعْنَى فِيهِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ قَدْ يَئِسْتُ مِنْ مَرِيضِي إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنّهُ لَا يَبْرَأُ وَيَئِسْت مِنْ غَائِبِي إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنّهُ لَا يَقْدَمُ وَلَوْ قَالَ إذَا مَاتَ غَائِبُهُ أَوْ مَاتَ مَرِيضُهُ قَدْ يَئِسْتُ مِنْهُ لَكَانَ الْكَلَامُ عِنْدَ النّاسِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ إلّا أَنْ يَتَبَيّنَ مَعْنَى مَا قَصَدَ لَهُ فِي كَلَامِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كُنْتُ وَجِلًا فِي مَرَضِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ فَلَمّا مَاتَ وَقَعَ الْيَأْسُ فَيَنْصَرِفُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ إلّا أَنّ أَكْثَرَ مَا يُلْفَظُ بِالْيَأْسِ إنّمَا يَكُونُ فِيمَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَ الْيَأْسِ أَنّهُ لَا يَكُونُ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الْيَائِسِ وَالطّامِعِ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنّ ذَلِكَ الشّيْءَ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ وَقَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاءِ اللّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النّورَ 60] وَالرّجَاءُ ضِدّ الْيَأْسِ وَالْقَاعِدَةُ مِنْ النّسَاءِ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُزَوّجَ غَيْرَ أَنّ الْأَغْلَبَ عِنْدَ النّاسِ فِيهَا أَنّ الْأَزْوَاجَ لَا يَرْغَبُونَ فِيهَا. وَقَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الّذِي يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشّورَى: 28] وَالْقُنُوطُ شِبْهُ الْيَأْسِ وَلَيْسَ يَعْلَمُونَ يَقِينًا أَنّ الْمَطَرَ لَا يَكُونُ وَلَكِنّ الْيَأْسَ دَخَلَهُمْ حِينَ تَطَاوَلَ إبْطَاؤُهُ. وَقَالَ اللّهُ تَعَالَى: {حَتّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يُوسُفَ 110] فَلَمّا ذَكَرَ أَنّ الرّسُلَ هُمْ الّذِينَ اسْتَيْأَسُوا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ يَأْسٌ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ اسْتَيْقَنُوهُ لِأَنّ الْيَقِينَ فِي ذَلِكَ إنّمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدِ اللّهِ كَمَا قَالَ فِي قِصّةِ نُوحٍ {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هُودًا: 36] وَقَالَ اللّهُ تَعَالَى فِي قِصّةِ إخْوَةِ يُوسُفَ {فَلَمّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّا} [يُوسُفَ 80] فَدَلّ الظّاهِرُ عَلَى أَنّ يَأْسَهُمْ لَيْسَ بِيَقِينِ وَقَدْ حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدّثَنَا مَالِكٌ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ تَعْلَمُنّ أَيّهَا النّاسُ أَنّ الطّمَعَ فَقْرٌ وَأَنّ الْيَأْسَ غِنَى وَأَنّ الْمَرْءَ إذَا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَأْسَ بِإِزَاءِ الطّمَعِ وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْمُعَدّلِ يُنْشِدُ شِعْرًا لِرَجُلِ مِنْ الْقُدَمَاءِ يَصِفُ نَاقَةً:
صَفْرَاءُ مِنْ تَلْدِ بَنِي الْعَبّاس ** صَيّرْتُهَا كَالظّبْيِ فِي الْكِنَاس

تَدِرّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْإِبْسَاس ** فَالنّفْسُ بَيْنَ طَمَعٍ وَيَاس

فَجَعَلَ الطّمَعَ بِإِزَاءِ الْيَأْسِ. وَحَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَلّامِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ سَمِعَ حَبّةَ بْنَ خَالِدٍ وَسَوَاءَ بْنَ خَالِدٍ أَنّهُمَا أَتَيَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَا: عَلّمْنَا شَيْئًا ثُمّ قَالَ لَا تَيْأَسَا مِنْ الْخَيْرِ مَا تَهَزْهَزَتْ رُءُوسُكُمَا فَإِنّ كُلّ عَبْدٍ يُولَدُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ ثُمّ يَرْزُقُهُ اللّهُ وَيُعْطِيهِ وَحَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَبِي حَازِمٍ يَا أَبَا حَازِمٍ مَا مَالُك. قَالَ خَيْرُ مَالٍ ثِقَتِي بِاَللّهِ وَيَأْسِي مِمّا فِي أَيْدِي النّاسِ. قَالَ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى انْتَهَى.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ لِلنّسَاءِ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ مُسْتَمِرّةٌ بَلْ فِيهِنّ مَنْ لَا تَحِيضُ وَإِنْ بَلَغَتْ وَفِيهِنّ مَنْ تَحِيضُ حَيْضًا يَسِيرًا يَتَبَاعَدُ مَا بَيْنَ أَقْرَائِهَا حَتّى تَحِيضَ فِي السّنَةِ مَرّةً وَلِهَذَا اتّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ أَكْثَرَ الطّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ لَا حَدّ لَهُ وَغَالِبُ النّسَاءِ يَحِضْنَ كُلّ شَهْرٍ مَرّةً وَيَحِضْنَ رُبُعَ الشّهْرِ وَيَكُونُ طُهْرُهُنّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ. وَمِنْهُنّ مَنْ تَطْهُرُ الشّهُورَ الْمُتَعَدّدَةَ لِقِلّةِ رُطُوبَتِهَا وَمِنْهُنّ مَنْ يُسْرِعُ إلَيْهَا الْجَفَافُ كَانَ لَهَا دُونَ الْخَمْسِينَ بَلْ وَالْأَرْبَعِينَ. وَمِنْهُنّ مَنْ لَا يُسْرِعُ إلَيْهَا الْجَفَافُ فَتُجَاوِزُ الْخَمْسِينَ وَهِيَ تَحِيضُ. قَالَ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا السّنّةِ تَحْدِيدُ الْيَأْسِ بِوَقْتِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْآيِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ مَنْ لَهَا خَمْسُونَ سَنَةً أَوْ سِتّونَ سَنَةً أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَقِيلَ وَاَللّائِي يَبْلُغْنَ مِنْ السّنّ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ يَئِسْنَ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ أَنّهُمْ جَعَلُوا مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ ذَلِكَ يَائِسَةً كَمَا تَقَدّمَ. وَالْوُجُودُ مُخْتَلِفٌ فِي وَقْتِ يَأْسِهِنّ غَيْرُ مُتّفِقٍ وَأَيْضًا فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ وَاَللّائِي يَئِسْنَ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ لَكَانَتْ الْمَرْأَةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءً فِي مَعْرِفَةِ يَأْسِهِنّ وَهُوَ سُبْحَانُهُ قَدْ خَصّ النّسَاءَ بِأَنّهُنّ اللّائِي يَئِسْنَ كَمَا خَصّهُنّ بِقَوْلِهِ وَاَللّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَاَلّتِي تَحِيضُ هِيَ الّتِي تَيْأَسُ وَهَذَا بِخِلَافِ الِارْتِيَابِ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ إنْ ارْتَبْتُم وَلَمْ يَقُلْ إنْ ارْتَبْنَ أَيْ إنْ ارْتَبْتُمْ فِي حُكْمِهِنّ وَشَكَكْتُمْ فِيهِ فَهُوَ هَذَا لَا هَذَا الّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ التّفْسِيرِ كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَمُوسَى بْنِ أَعْيَنَ وَاللّفْظُ لَهُ عَنْ مُطَرّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ نَاسًا بِالْمَدِينَةِ يَقُولُونَ فِي عِدَدِ النّسَاءِ مَا لَمْ يَذْكُرْ اللّهُ فِي الْقُرْآنِ الصّغَارَ وَالْكِبَارَ وَأُولَاتِ الْأَحْمَالِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ السّورَةِ {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] فَأَجَلُ إحْدَاهُنّ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَقَدْ قَضَتْ عِدّتَهَا. وَلَفْظُ جَرِيرٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الّتِي فِي الْبَقَرَةِ فِي عِدّةِ النّسَاءِ قَالُوا: لَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَدِ النّسَاءِ عِدَدٌ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْقُرْآنِ الصّغَارُ وَالْكِبَارُ الّتِي قَدْ انْقَطَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ وَذَوَاتُ الْحَمْلِ قَالَ فَأُنْزِلَتْ الّتِي فِي النّسَاءِ الْقُصْرَى {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطّلَاقَ 4] ثُمّ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} يَعْنِي الْآيِسَةَ الْعَجُوزَ الّتِي لَا تَحِيضُ أَوْ الْمَرْأَةَ الّتِي قَعَدَتْ عَنْ الْحَيْضَةِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ الْقُرُوءِ فِي شَيْءٍ. وَفِي قَوْلِهِ إنْ ارْتَبْتُم فِي الْآيَةِ يَعْنِي إنْ شَكَكْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إنْ ارْتَبْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا عِدّةَ الّتِي قَعَدَتْ عَنْ الْحَيْضِ أَوْ الّتِي لَمْ تَحِضْ {فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} يَعْنِي: إنْ سَأَلْتُمْ عَنْ حُكْمِهِنّ وَلَمْ تَعْلَمُوا حُكْمَهُنّ وَشَكَكْتُمْ فِيهِ فَقَدْ بَيّنّاهُ لَكُمْ فَهُوَ بَيَانٌ لِنِعْمَتِهِ عَلَى مَنْ طَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِيَزُولَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشّكّ وَالرّيْبِ بِخِلَافِ الْمُعْرِضِ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ. وَأَيْضًا فَإِنّ النّسَاءَ لَا يَسْتَوِينَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ بَلْ مِنْهُنّ مَنْ تَحِيضُ لِعَشْرِ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِينَ فِي آخِرِ سِنّ الْحَيْضِ الّذِي هُوَ سِنّ الْيَأْسِ وَالْوُجُودُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنّهُمْ تَنَازَعُوا فِيمَنْ بَلَغَتْ وَلَمْ تَحِضْ هَلْ تَعْتَدّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بِالْحَوْلِ كَاَلّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. قُلْت: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنّهَا تَعْتَدّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَجْعَلُوا لِلصّغَرِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا حَدّا فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونُ لِلْكِبَرِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِدَادِ بِالشّهُورِ حَدّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِلّهِ الْحَمْدُ.