فصل: فَصْلٌ فِيمَا حَكَمَ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ النّسَاءِ عَلَى لِسَانِ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل نِكَاحُ التّحْلِيلِ:

وَأَمّا نِكَاحُ الْمُحَلّلِ فَفِي الْمُسْنَدِ وَالتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُحَلّلَ وَالْمُحَلّلَ لَهُ قَالَ التّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي الْمُسْنَدِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: لَعَنَ اللّهُ الْمُحَلّلَ وَالْمُحَلّلَ لَهُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَفِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلُهُ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ هُوَ الْمُحَلّلُ لَعَنَ اللّهُ الْمُحَلّلَ وَالْمُحَلّلَ لَهُ فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَادَاتِ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ شَهِدُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَعْنِهِ أَصْحَابَ التّحْلِيلِ وَهُمْ الْمُحَلّلُ وَالْمُحَلّلُ لَهُ وَهَذَا إمّا خَبَرٌ عَنْ اللّهِ فَهُوَ خَبَرُ صِدْقٍ وَإِمّا دُعَاءٌ فَهُوَ دُعَاءٌ مُسْتَجَابٌ قَطْعًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَلْعُونُ فَاعِلُهَا وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَفُقَهَائِهِمْ بَيْنَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالتّوَاطُؤِ وَالْقَصْدِ فَإِنّ الْقُصُودَ فِي الْعُقُودِ عِنْدَهُمْ مُعْتَبِرَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنّيّاتِ وَالشّرْطُ الْمُتَوَاطَأُ عَلَيْهِ الّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ كَالْمَلْفُوظِ عِنْدَهُمْ وَالْأَلْفَاظُ لَا تُرَادُ لَعَيْنِهَا بَلْ لِلدّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي فَإِذْ ظَهَرَتْ الْمَعَانِي وَالْمَقَاصِدُ فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَلْفَاظِ لِأَنّهَا وَسَائِلُ وَقَدْ تَحَقّقَتْ غَايَاتُهَا فَتَرَتّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا.

.فصل النّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ:

وَأَمّا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ فَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ أَحَلّهَا عَامَ الْفَتْحِ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ نَهَى عَنْهَا عَامَ الْفَتْحِ وَاخْتُلِفَ هَلْ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصّحِيحُ أَنّ النّهْيَ إنّمَا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ وَأَنّ النّهْيَ يَوْمَ خَيْبَرَ إنّمَا كَانَ عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَإِنّمَا قَالَ عَلِيّ لِابْنِ عَبّاسٍ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ وَنَهَى عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ مُحْتَجّا عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَظَنّ بَعْضُ الرّوَاةِ أَنّ التّقْيِيدَ بِيَوْمِ خَيْبَرَ رَاجِعٌ إلَى الْفَصْلَيْنِ فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى ثُمّ أَفْرَدَ بَعْضُهُمْ أَحَدَ الْفَصْلَيْنِ وَقَيّدَهُ بِيَوْمِ خَيْبَرَ وَقَدْ تَقَدّمَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ إبَاحَتُهَا فَإِنّ فِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْهُ كُنّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمّ رَخّصَ لَنَا بَعْدَ أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثّوْبِ إلَى أَجَلٍ ثُمّ قَرَأَ عَبْدُ اللّهِ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرّمُوا طَيّبَاتِ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ} [الْمَائِدَةُ 87] وَلَكِنْ فِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ مُتْعَةَ النّسَاءِ وَهَذَا التّحْرِيمُ إنّمَا كَانَ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ وَإِلّا لَزِمَ مِنْهُ النّسْخُ مَرّتَيْنِ وَلَمْ يَحْتَجّ بِهِ عَلَى عَلِيّ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَلَكِنّ النّظَرَ هَلْ هُوَ تَحْرِيمُ بَتَاتٍ أَوْ تَحْرِيمٌ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدّمِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيُبَاحُ عِنْدَ الضّرُورَةِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ؟ هَذَا هُوَ الّذِي لَحِظَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وَأَفْتَى بِحَلّهَا لِلضّرُورَةِ فَلَمّا تَوَسّعَ النّاسُ فِيهَا وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى مَوْضِعِ الضّرُورَةِ أَمْسَكَ عَنْ فُتْيَاهُ وَرَجَعَ عَنْهَا.

.فَصْلٌ نِكَاحُ الْمُحرمِ فِي حَجّ أَوْ عُمْرَةٍ:

وَأَمّا نِكَاحُ الْمُحْرِمِ فَثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَح».

.هَلْ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ:

وَاخْتُلِفَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ تَزَوّجَهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرّسُولَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُ أَبِي رَافِعٍ أَرْجَحُ لِعِدّةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنّهُ إذْ ذَاكَ كَانَ رَجُلًا بَالِغًا وَابْنُ عَبّاسٍ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مِمّنْ بَلَغَ الْحُلُمَ بَلْ كَانَ لَهُ نَحْوُ الْعَشْرِ سِنِينَ فَأَبُو رَافِعٍ إذْ ذَاكَ كَانَ أَحْفَظَ مِنْهُ.
الثّانِي: أَنّهُ كَانَ الرّسُولَ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَهَا وَعَلَى يَدِهِ دَارَ الْحَدِيثُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ بِلَا شَكّ وَقَدْ أَشَارَ بِنَفْسِهِ إلَى هَذَا إشَارَةَ مُتَحَقّقٍ لَهُ وَمُتَيَقّنٍ وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ غَيْرِهِ بَلْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ.
الثّالِثُ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ فَإِنّهَا كَانَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ.
وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ إذْ ذَاكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ الّذِينَ عَذَرَهُمْ اللّهُ مِنْ الْوِلْدَانِ وَإِنّمَا سَمِعَ الْقِصّةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ مِنْهُ لَهَا.
الرّابِعُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلَ مَكّةَ بَدَأَ بِالطّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمّ سَعَى بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحَلَقَ ثُمّ حَلّ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ لَمْ يَتَزَوّجْ بِهَا فِي طَرِيقِهِ وَلَا بَدَأَ بِالتّزْوِيجِ بِهَا قَبْلَ الطّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَا تَزَوّجَ فِي حَالِ طَوَافِهِ هَذَا مِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ لَمْ يَقَعْ فَصَحّ قَوْلُ أَبِي رَافِعٍ يَقِينًا.
الْخَامِسُ أَنّ الصّحَابَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ غَلّطُوا ابْنَ عَبّاسٍ وَلَمْ يُغَلّطُوا أَبَا رَافِعٍ.
السّادِسُ أَنّ قَوْلَ أَبِي رَافِعٍ مُوَافِقٌ لِنَهْيِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ يُخَالِفُهُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمّا لِنَسْخِهِ وَإِمّا لِتَخْصِيصِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَوَازِ النّكَاحِ مُحْرِمًا وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَلَا يُقْبَلُ.
السّابِعُ أَنّ ابْنَ أُخْتِهَا يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمّ شَهِدَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَهَا حَلَالًا قَالَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبّاسٍ. ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ.

.فصل تَحْرِيمُ نِكَاحِ الزّانِيَةِ:

وَأَمّا نِكَاحُ الزّانِيَةِ فَقَدْ صَرّحَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ النّورِ وَأَخْبَرَ أَنّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ إمّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَإِنّهُ إمّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ سُبْحَانَهُ وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ أَوَلَا فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ. وَإِنْ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ ثُمّ صَرّحَ بِتَحْرِيمِهِ فَقَالَ: {وَحُرّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النّورُ 3] وَلَا يَخْفَى أَنّ دَعْوَى نَسْخِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النّورُ 34] مِنْ أَضْعَفِ مَا يُقَالُ وَأَضْعَفُ مِنْهُ حَمْلُ النّكَاحِ عَلَى الزّنَى إذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الزّانِي لَا يَزْنِي إلّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إلّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَكَلَامُ اللّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْ مِثْلِ هَذَا.

.الرّدّ عَلَى مَنْ حَمَلَ مَعْنَى الزّانِيَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى بَغْيِ مُشْرِكَةٍ:

وَكَذَلِكَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى امْرَأَةٍ بَغِيّ مُشْرِكَةٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ لَفْظِهَا وَسِيَاقِهَا كَيْفَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ الْعِفّةُ فَقَالَ: {فَانْكِحُوهُنّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النّسَاءُ 25] فَإِنّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَإِنّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التّحْرِيمِ فَيُقْتَصَرُ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشّرْعُ وَمَا عَدَاهُ فَعَلَى أَصْلِ التّحْرِيمِ. وَأَيْضًا فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} تَزَوّجَ بِهِنّ فَهُوَ خَبِيثٌ مِثْلُهُنّ. وَأَيْضًا. فَمِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ أَنْ يَكُونَ الرّجُلُ زَوْجَ بَغِيّ وَقُبْحُ هَذَا مُسْتَقِرّ فِي فِطَرِ الْخَلْقِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ غَايَةُ الْمَسَبّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنّ الْبَغِيّ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تُفْسِدَ عَلَى الرّجُلِ فِرَاشَهُ وَتُعَلّقَ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ وَالتّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِدُونِ هَذَا. وَأَيْضًا: فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرّقَ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ الّتِي وَجَدَهَا حُبْلَى مِنْ الزّنَى. وَأَيْضًا فَإِنّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ اسْتَأْذَنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَتَزَوّجَ عَنَاقَ وَكَانَتْ بَغِيّا فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ آيَةَ النّورِ وَقَالَ لَا تَنْكِحْهَا.

.فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَوْ عَلَى أُخْتَيْنِ:

فِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: أَنّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اخْتَرْ مِنْهُنّ أَرْبَعًا. وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: وَفَارِقْ سَائِرَهُنّ. وَأَسْلَمَ فَيْرُوزُ الدّيْلَمِيّ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اخْتَرْ أَيّتَهُمَا شِئْتَ. فَتَضَمّنَ هَذَا الْحُكْمُ صِحّةَ نِكَاحِ الْكُفّارِ وَأَنّهُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ شَاءَ مِنْ السّوَابِقِ وَاللّوَاحِقِ لِأَنّهُ جَعَلَ الْخِيرَةَ إلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَزَوّجَهُنّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ وَإِنْ تَزَوّجَهُنّ مُتَرَتّبَاتٍ ثَبَتَ.

.فصل إذَا تَزَوّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ:

وَحَكَمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ قَالَ التّرْمِذِيّ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

.فصل مَنْعُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَبِنْتِ أَبِي جَهْلٍ:

وَاسْتَأْذَنَهُ بَنُو هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنْ يُزَوّجُوا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ فَلَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ إلّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ فَإِنّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا إنّي أَخَافُ أَنْ تُفْتَنَ فَاطِمَةُ فِي دِينِهَا وَإِنّي لَسْتُ أُحَرّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلّ حَرَامًا وَلَكِنْ وَاَللّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا. وَفِي لَفْظٍ فَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ حَدّثَنِي فَصَدّقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي.

.إذَا شَرَطَ الرّجُلُ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَزَوّجَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ:

فَتَضَمّنَ هَذَا الْحُكْمُ أُمُورًا: أَحَدُهَا: أَنّ الرّجُلَ إذَا شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَزَوّجَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِالشّرْطِ وَمَتَى تَزَوّجَ عَلَيْهَا فَلَهَا الْفَسْخُ وَوَجْهُ تَضَمّنِ الْحَدِيثِ لِذَلِكَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَ أَنّ ذَلِكَ يُؤْذِي فَاطِمَةَ وَيُرِيبُهَا وَأَنّهُ يُؤْذِيهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُرِيبُهُ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا زَوّجَهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَلَى أَنْ لَا يُؤْذِيَهَا وَلَا يُرِيبَهَا وَلَا يُؤْذِيَ أَبَاهَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَرِيبهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُشْتَرَطًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَإِنّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضّرُورَةِ أَنّهُ إنّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَفِي ذِكْرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صِهْرَهُ الْآخَرَ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ بِأَنّهُ حَدّثَهُ فَصَدّقَهُ بِعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَتَهْيِيجٌ لَهُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنّهُ جَرَى مِنْهُ وَعْدٌ لَهُ بِأَنّهُ لَا يَرِيبُهَا وَلَا يُؤْذِيهَا فَهَيّجَهُ عَلَى الْوَفَاءِ لَهُ كَمَا وَفَى لَهُ صِهْرُهُ الْآخَرُ.

.الْمَشْرُوطُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا:

فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنّ الْمَشْرُوطَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا وَأَنّ عَدَمَهُ يُمَلّكُ الْفَسْخَ لِمُشْتَرِطِهِ فَلَوْ فُرِضَ مِنْ عَادَةِ قَوْمٍ أَنّهُمْ لَا يُخْرِجُونَ نِسَاءَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَا يُمَكّنُونَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبَتّةُ وَاسْتَمَرّتْ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا وَهُوَ مُطّرِدٌ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوَاعِدِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّ الشّرْطَ الْعُرْفِيّ كَاللّفْظِيّ سَوَاءٌ وَلِهَذَا أَوْجَبُوا الْأُجْرَةَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى غَسّالٍ أَوْ قَصّارٍ أَوْ عَجِينَهُ إلَى خَبّازٍ أَوْ طَعَامَهُ إلَى طَبّاخٍ يَعْمَلُونَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ دَخَلَ الْحَمّامَ أَوْ اسْتَخْدَمَ مَنْ يَغْسِلُهُ مِمّنْ عَادَتُهُ يَغْسِلُ بِالْأُجْرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرُطْ لَهُمْ أُجْرَةَ أَنّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ فُرِضَ أَنّ الْمَرْأَةَ مِنْ بَيْتٍ لَا يَتَزَوّجُ الرّجُلُ عَلَى نِسَائِهِمْ ضَرّةً وَلَا يُمَكّنُونَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَادَتُهُمْ مُسْتَمِرّةٌ بِذَلِكَ كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِمّنْ يَعْلَمُ أَنّهَا لَا تُمَكّنُ إدْخَالَ الضّرّةِ عَلَيْهَا عَادَةً لِشَرَفِهَا وَحَسَبِهَا وَجَلَالَتِهَا كَانَ تَرْكُ التّزَوّجِ عَلَيْهَا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا سَوَاءٌ. وَعَلَى هَذَا فَسَيّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَابْنَةُ سَيّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ أَحَقّ النّسَاءِ بِهَذَا فَلَوْ شَرَطَهُ عَلِيّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَانَ تَأْكِيدًا لَا تَأْسِيسًا. وَفِي مَنْعِ عَلِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَبَيْنَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ أَنّ الْمَرْأَةَ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَرَجَتِهِ تَبَعٌ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا ذَاتَ دَرَجَة عَالِيَةٍ وَزَوْجُهَا كَذَلِكَ كَانَتْ فِي دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ بِنَفْسِهَا وَبِزَوْجِهَا وَهَذَا شَأْنُ فَاطِمَةَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَجْعَلَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ مَعَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِنَفْسِهَا وَلَا تَبَعًا وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ نِكَاحُهَا عَلَى سَيّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مُسْتَحْسَنًا لَا شَرْعًا وَلَا قَدْرًا أَشَارَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ وَاَللّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا فَهَذَا إمّا أَنْ يَتَنَاوَلَ دَرَجَةَ الْآخَرِ بِلَفْظِهِ أَوْ إشَارَتِهِ.

.فَصْلٌ فِيمَا حَكَمَ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ النّسَاءِ عَلَى لِسَانِ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

.تَحْرِيمُ الْأُمّهَاتِ:

حَرّمَ الْأُمّهَاتِ وَهُنّ كُلّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ إيلَادٌ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ أَوْ الْأُبُوّةِ كَأُمّهَاتِهِ وَأُمّهَاتِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ مِنْ جِهَةِ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَإِنْ عَلَوْنَ.

.تَحْرِيمُ الْبَنَاتِ:

وَحَرّمَ الْبَنَاتِ وَهُنّ كُلّ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ بِإِيلَادٍ كَبَنَاتِ صُلْبِهِ وَبَنَاتِ بَنَاتِهِ وَأَبْنَائِهِنّ وَإِنْ سَفُلْنَ.

.تَحْرِيمُ الْأَخَوَاتِ وَالْعَمّاتِ:

وَحَرّمَ الْأَخَوَاتِ مِنْ كُلّ جِهَةٍ وَحَرّمَ الْعَمّاتِ وَهُنّ أَخَوَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنْ كُلّ جِهَةٍ.

.التّفْصِيلُ فِي عَمّةِ الْعَمّ:

وَأَمّا عَمّةُ الْعَمّ فَإِنْ كَانَ الْعَمّ لِأَبٍ فَهِيَ عَمّةُ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ لَأُمّ فَعَمّتُهُ أَجْنَبِيّةٌ مِنْهُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْعَمّاتِ وَأَمّا عَمّةُ الْأُمّ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي عَمّاتِهِ كَمَا دَخَلَتْ عَمّةُ أَبِيهِ فِي عَمّاتِهِ.

.تَحْرِيمُ الْخَالَاتِ:

وَحَرّمَ الْخَالَاتِ وَهُنّ أَخَوَاتُ أُمّهَاتِهِ وَأُمّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ وَأَمّا خَالَةُ الْعَمّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَمّةُ لِأَبٍ فَخَالَتُهَا أَجْنَبِيّةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِأُمّ فَخَالَتُهَا حَرَامٌ لِأَنّهَا خَالَةٌ وَأَمّا عَمّةُ الْخَالَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْخَالَةُ لِأُمّ فَعَمّتُهَا أَجْنَبِيّةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِأَبٍ فَعَمّتُهَا حَرَامٌ لِأَنّهَا عَمّةُ الْأُمّ.