فصل: فَصْلٌ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل هَلْ الْجَارِيَةُ الشّاهِدَةُ عَلَى عَائِشَةَ هِيَ بَرِيرَةُ:

وَمِمّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ أَنّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنّ عَلِيّا قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا اسْتَشَارَهُ سَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْك فَدَعَا بَرِيرَةَ فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلّا مَا يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلَى التّبْرِ أَوْ كَمَا قَالَتْ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ هَذَا فَإِنّ بَرِيرَةَ إنّمَا كَاتَبَتْ وَعَتَقَتْ بَعْدَ هَذَا بِمُدّةٍ طَوِيلَةٍ وَكَانَ الْعَبّاسُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ ذَاكَ فِي الْمَدِينَةِ وَالْعَبّاسُ إنّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ شَفَعَ إلَى بَرِيرَةَ: أَنْ تُرَاجِعَ زَوْجَهَا فَأَبَتْ. أَنْ تُرَاجِعَهُ يَا عَبّاسُ أَلّا تَعْجَبُ مِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا وَحُبّهِ لَهَا فَفِي قِصّةِ الْإِفْكِ لَمْ تَكُنْ بَرِيرَةُ عِنْدَ عَائِشَةَ وَهَذَا الّذِي ذَكَرُوهُ إنْ كَانَ لَازِمًا فَيَكُونُ الْوَهْمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ الْجَارِيَةَ بَرِيرَةَ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَلِيّ سَلْ بَرِيرَةَ وَإِنّمَا قَالَ فَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْك فَظَنّ بَعْضُ الرّوَاةِ أَنّهَا بَرِيرَةُ فَسَمّاهَا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ بِأَنْ يَكُونَ طَلَبُ مُغِيثٍ لَهَا اسْتَمَرّ إلَى بَعْدِ الْفَتْحِ وَلَمْ يَيْأَسْ مِنْهَا زَالَ الْإِشْكَالُ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ}:

وَفِي مَرْجِعِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَالَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ ابْنُ أُبَيّ: لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لِيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ فَبَلّغَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَ ابْنُ أُبَيّ يَعْتَذِرُ وَيَحْلِفُ مَا قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَصْدِيقَ زَيْدٍ فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ فَأَخَذَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ أَبْشِرْ فَقَدْ صَدَقَكَ الله ثم قَالَ هَذَا الّذِي وَفّى لِلّهِ بِأُذُنِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ مُرْ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فَلْيَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ فَكَيْفَ إذَا تَحَدّثَ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.

.فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ:

وَكَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي شَوّالٍ عَلَى أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَا خِلَافَ أَنّ أُحُدًا كَانَتْ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَوَاعَدَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَهُوَ سَنَةُ أَرْبَعٍ ثُمّ أَخْلَفُوهُ لِأَجْلِ جَدْبِ تِلْكَ السّنَةِ فَرَجَعُوا فَلَمّا كَانَتْ سَنَةُ خَمْسٍ جَاءُوا لِحَرْبِهِ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السّيَرِ وَالْمَغَازِي. مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَقَالَ بَلْ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ الّذِي لَا شَكّ فِيهِ وَاحْتُجّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصّحِيحَيْنِ أَنّهُ عُرِضَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ ثُمّ عُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ. قَالَ فَصَحّ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلّا سَنَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهُ لَمّا اسْتَصْغَرَهُ عَنْ الْقِتَالِ وَأَجَازَهُ لَمّا وَصَلَ إلَى السّنّ الّتِي رَآهُ فِيهَا مُطِيقًا وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَنْفِي تَجَاوُزَهَا بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.
الثّانِي: أَنّهُ لَعَلّهُ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوّلِ الرّابِعَةَ عَشْرَةَ وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي آخِرِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ.

.فَصْلٌ:

وَكَانَ سَبَبُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ أَنّ الْيَهُودَ لَمّا رَأَوْا انْتِصَارَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَعَلِمُوا بِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ لِغَزْوِ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجَ لِذَلِك ثُمّ رَجَعَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ خَرَجَ أَشْرَافُهُمْ كَسَلَامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ وَكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَغَيْرِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ يُحَرّضُونَهُمْ عَلَى غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُرَيْشٌ ثُمّ خَرَجُوا إلَى غَطَفَانَ فَدَعَوْهُمْ فَاسْتَجَابُوا لَهُمْ ثُمّ طَافُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مَنْ اسْتَجَابَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَقَائِدُهُمْ أَبُو سُفْيَانُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَوَافَتْهُمْ بَنُو سُلَيْمٍ بِمَرّ الظّهْرَانِ وَخَرَجَتْ بَنُو أَسَدٍ وَفَزَارَةُ وَأَشْجَعُ وَبَنُو مُرّةَ وَجَاءَتْ غَطَفَانُ وَقَائِدُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ. وَكَانَ مَنْ وَافَى الْخَنْدَقَ مِنْ الْكُفّارِ عَشَرَةَ آلَافٍ.

.رَأْيُ سَلْمَانَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ:

فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَسِيرِهِمْ إلَيْهِ اسْتَشَارَ الصّحَابَةَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ بِحَفْرِ خَنْدَقٍ يَحُولُ بَيْنَ الْعَدُوّ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَادَرَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَعَمِلَ بِنَفْسِهِ فِيهِ وَبَادَرُوا هُجُومَ الْكُفّارِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ فِي حَفْرِهِ مِنْ آيَاتِ نُبُوّتِهِ وَأَعْلَامِ رِسَالَتِهِ مَا قَدْ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهِ وَكَانَ حَفْرُ الْخَنْدَقِ أَمَامَ سِلْعٍ وَسِلْعٌ: جَبَلٌ خَلْفَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفّارِ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَحَصّنَ بِالْجَبَلِ مِنْ خَلْفِهِ وَبِالْخَنْدَقِ أَمَامَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: خَرَجَ فِي سَبْعِمِائَةٍ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ خُرُوجِهِ يَوْمَ أُحُدٍ. وَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّسَاءِ وَالذّرَارِيّ فَجُعِلُوا فِي آطَامِ الْمَدِينَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ.

.نَقْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ الْعَهْدَ بِتَحْرِيضٍ مِنْ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ:

وَانْطَلَقَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَدَنَا مِنْ حِصْنِهِمْ فَأَبَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُكَلّمُهُ حَتّى فَتَحَ لَهُ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ جِئْتُكَ بِعِزّ الدّهْرِ جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ عَلَى قَادَتِهَا لِحَرْبِ مُحَمّدٍ قَالَ كَعْبٌ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاؤُهُ فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى نَقَضَ الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ مَعَ مُحَارَبَتِهِ فَسُرّ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَشَرَطَ كَعْبٌ عَلَى حُيَيّ أَنّهُ إنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمّدٍ أَنْ يَجِيءَ حَتّى يَدْخُلَ مَعَهُ فِي حِصْنِهِ فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ وَوَفّى لَهُ بِهِ. وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنَقْضُهُمْ لِلْعَهْدِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ السّعْدَيْنِ وَخَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ لِيَعْرِفُوا: هَلْ هُمْ عَلَى عَهْدِهِمْ أَوْ قَدْ نَقَضُوهُ؟ فَلَمّا دَنَوْا مِنْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا يَكُونُ وَجَاهَرُوهُمْ بِالسّبّ وَالْعَدَاوَةِ وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ وَلَحَنُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْنًا يُخْبِرُونَهُ أَنّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَغَدَرُوا فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ ذَلِكَ اللّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَدّ الْبَلَاءُ وَنَجَمَ النّفَاقُ وَاسْتَأْذَنَ بَعْضُ بَنِي حَارِثَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الذّهَابِ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالُوا: {إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا} [الْأَحْزَابُ 13] وَهَمّ بَنُو سَلَمَةَ بِالْفَشَلِ ثُمّ ثَبّتَ اللّهُ الطّائِفَتَيْنِ. وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ مُحَاصِرِينَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهْرًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لِأَجْلِ مَا حَالَ اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَنْدَقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلّا أَنّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ أَقْبَلُوا نَحْوَ الْخَنْدَقِ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالُوا: إنّ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُهَا ثُمّ تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ فَاقْتَحَمُوهُ وَجَالَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ فِي السّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسِلْعٍ وَدَعَوْا إلَى الْبِرَازِ فَانْتُدِبَ لِعَمْرٍو عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَبَارَزَهُ فَقَتَلَهُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْطَالِهِمْ وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ إلَى أَصْحَابِهِمْ وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ حم لَا يُنْصَرُونَ.

.هَمّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصُلْحِ غَطَفَانَ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ:

وَلَمّا طَالَتْ هَذِهِ الْحَالُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُصَالِحَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ رَئِيسَيْ غَطَفَانَ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ وَيَنْصَرِفَا بِقَوْمِهِمَا وَجَرَتْ الْمُرَاوَضَةُ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَشَارَ السّعْدَيْنِ فِي ذَلِكَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ اللّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَإِنْ كَانَ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ لَقَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً إلّا قَرًى أَوْ بَيْعًا فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا؟ وَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ فَصَوّبَ رَأْيَهُمَا وَقَالَ إنّمَا هُوَ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ لَمّا رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ.

.خُدْعَةُ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ لِلْمُشْرِكِينَ وَيَهُودَ، نَصْرُ اللّهِ لِلْمُسْلِمِينَ:

ثُمّ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ- وَلَهُ الْحَمْدُ- صَنَعَ أَمْرًا مِنْ عِنْدِهِ خَذَلَ بِهِ الْعَدُوّ وَهَزَمَ جُمُوعَهُمْ وَفَلّ حَدّهُمْ فَكَانَ مِمّا هَيّأَ مِنْ ذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَسْلَمْت فَمُرْنِي بِمَا شِئْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَذّلْ عَنّا مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ فَذَهَبَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ عَشِيرًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِإِسْلَامِهِ فَقَالَ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ إنّكُمْ قَدْ حَارَبْتُمْ مُحَمّدًا وَإِنّ قُرَيْشًا إنْ أَصَابُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِلّا انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ رَاجِعِينَ وَتَرَكُوكُمْ وَمُحَمّدًا فَانْتَقَمَ مِنْكُمْ قَالُوا: فَمَا الْعَمَلُ يَا نُعَيْمُ؟ قَالَ لَا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتّى يُعْطُوكُمْ رَهَائِنَ قَالُوا: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْيِ ثُمّ مَضَى عَلَى وَجْهِهِ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ تَعْلَمُونَ وُدّي لَكُمْ وَنُصْحِي لَكُمْ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ إنّ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ نَقْضِ عَهْدِ مُحَمّد وَأَصْحَابِهِ وَإِنّهُمْ قَدْ رَاسَلُوهُ أَنّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ رَهَائِنَ يَدْفَعُونَهَا إلَيْهِ ثُمّ يُمَالِئُونَهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ سَأَلُوكُمْ رَهَائِنَ فَلَا تُعْطُوهُمْ ثُمّ ذَهَبَ إلَى غَطَفَانَ فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمّا كَانَ لَيْلَةُ السّبْتِ مِنْ شَوّالٍ بَعَثُوا إلَى الْيَهُودِ: إنّا لَسْنَا بِأَرْضِ مُقَامٍ وَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ فَانْهَضُوا بِنَا حَتّى نُنَاجِزَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ الْيَهُودُ: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَنَا حِينَ أَحْدَثُوا فِيهِ وَمَعَ هَذَا فَإِنّا لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتّى تَبْعَثُوا إلَيْنَا رَهَائِنَ فَلَمّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِذَلِكَ قَالَتْ قُرَيْشُ: صَدَقَكُمْ وَاَللّهِ نُعَيْمٌ فَبَعَثُوا إلَى يَهُودَ إنّا وَاَللّهِ لَا نُرْسِلُ إلَيْكُمْ أَحَدًا فَاخْرُجُوا مَعَنَا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ صَدَقَكُمْ وَاَللّهِ نُعَيْمٌ فَتَخَاذَلَ الْفَرِيقَانِ وَأَرْسَلَ اللّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ جُنْدًا مِنْ الرّيحِ فَجَعَلَتْ تُقَوّضُ خِيَامَهُمْ وَلَا تَدَعُ لَهُمْ قِدْرًا إلّا كَفَأَتْهَا وَلَا طُنُبًا إلّا قَلَعَتْهُ وَلَا يَقِرّ لَهُمْ قَرَارٌ وَجُنْدُ اللّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يُزَلْزِلُونَهُمْ وَيُلْقُونَ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ وَالْخَوْفَ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِمْ فَوَجَدَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَقَدْ تَهَيّئُوا لِلرّحِيلِ فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِرَحِيلِ الْقَوْمِ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ رَدّ اللّهُ عَدُوّهُ بِغَيْظِهِ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَاهُ اللّهُ قِتَالَهُمْ فَصَدَقَ وَعْدَهُ وَأَعَزّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَوَضَعَ السّلَاحَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ فَقَالَ أَوَضَعْتُمْ السّلَاحَ إنّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَضَعْ بَعْدُ أَسْلِحَتَهَا انْهَضْ إلَى غَزْوَةِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَنَادَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلّيَنّ الْعَصْرَ إلّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ سِرَاعًا وَكَانَ أَمْرِهِ وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مَا قَدّمْنَاهُ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَيَوْمَ قُرَيْظَةَ نَحْوُ عَشْرَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

.فصل اغْتِيَالُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَبَا رَافِعٍ:

وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ مِمّنْ أَلّبَ الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُقْتَلْ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا قُتِلَ صَاحِبُهُ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَرَغِبَتْ الْخَزْرَجُ فِي قَتْلِهِ مُسَاوَاةً لِلْأَوْسِ فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَكَانَ اللّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ جَعَلَ هَذَيْنَ الْحَيّيْنِ يَتَصَاوَلَانِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخَيْرَاتِ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي قَتْلِهِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَانْتُدِبَ لَهُ رِجَالٌ كُلّهُمْ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رَبْعِيّ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ وَخُزَاعِيّ بْنُ أَسْوَدَ فَسَارُوا حَتّى أَتَوْهُ فِي خَيْبَرَ فِي دَارٍ لَهُ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا فَقَتَلُوهُ وَرَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُلّهُمْ ادّعَى قَتْلَهُ فَقَالَ أَرُونِي أَسْيَافَكُمْ فَلَمّا أَرَوْهُ إيّاهَا قَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللّهِ بْن أُنَيْسٍ هَذَا الّذِي قَتَلَهُ أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطّعَامِ.

.فَصْلٌ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ:

ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي لِحْيَانَ بَعْدَ قُرَيْظَةَ بِسِتّةِ أَشْهُرٍ لِيَغْزُوَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ وَأَظْهَرَ أَنّهُ يُرِيدُ الشّامَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ثُمّ أَسْرَعَ السّيْرَ حَتّى انْتَهَى إلَى بَطْنِ غَرّانَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ بِلَادِهِمْ وَهُوَ بَيْنَ أَمَجَ وَعُسْفَانَ حَيْثُ كَانَ مُصَابُ أَصْحَابِهِ فَتَرَحّمَ عَلَيْهِمْ وَدَعَا لَهُمْ وَسَمِعَتْ بَنُو لِحْيَانَ فَهَرَبُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ بِأَرْضِهِمْ وَبَعَثَ السّرَايَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَسَارَ إلَى عُسْفَانَ فَبَعَثَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ إلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ لِتَسْمَعَ بِهِ قُرَيْشٌ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

.فَصْلٌ فِي سَرِيّةِ نَجْدٍ، إسْلَامُ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ:

ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنِيفِيّ سَيّدِ بَنِي حَنِيفَةَ فَرَبَطَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَمَرّ بِهِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْت فَتَرَكَهُ ثُمّ مَرّ بِهِ مَرّةً أُخْرَى فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَرَدّ عَلَيْهِ كَمَا رَدّ عَلَيْهِ أَوّلًا ثُمّ مَرّ مَرّةً ثَالِثَةً فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَأَطْلَقُوهُ فَذَهَبَ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمّ جَاءَهُ فَأَسْلَمَ وَقَالَ وَاَللّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيّ مِنْ وَجْهِك فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُك أَحَبّ الْوُجُوهِ إلَيّ وَاَللّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ دِينٌ أَبْغَضَ عَلَيّ مِنْ دِينِك فَقَدْ أَصْبَحَ دِينُك أَحَبّ الْأَدْيَانِ إلَيّ وَإِنّ خَيْلَك أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَبَشّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا: صَبَوْتَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ وَلَكِنّي أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا وَاَللّهِ لَا الْيَمَامَةِ حَبّةُ حِنْطَةٍ حَتّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ الْيَمَامَةُ رِيفَ مَكّةَ فَانْصَرَفَ إلَى بِلَادِهِ وَمَنَعَ الْحَمْلَ إلَى مَكّةَ حَتّى جَهِدَتْ قُرَيْشُ فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ يُخَلّي إلَيْهِمْ حَمْلَ الطّعَامِ فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ:

ثُمّ أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ فِي بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي بِالْغَابَةِ فَاسْتَاقَهَا وَقَتَلَ رَاعِيَهَا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ عُسْفَانَ وَاحْتَمَلُوا امْرَأَتَهُ قَالَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي ذَرّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدّا فَجَاءَ الصّرِيخُ وَنُودِيَ يَا خَيْلَ اللّهِ ارْكَبِي وَكَانَ أَوّلَ مَا نُودِيَ بِهَا وَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقَنّعًا فِي الْحَدِيدِ فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ إلَيْهِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فِي الدّرْعِ وَالْمِغْفَرِ فَعَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ فِي رُمْحِهِ وَقَالَ امْضِ حَتّى تَلْحَقَك الْخُيُولُ إنّا عَلَى أَثَرِكَ وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ وَأَدْرَكَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ الْقَوْمَ وَهُوَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَجَعَلَ يَرْمِيهِمْ بِالنّبْلِ وَيَقُولُ:
خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ** وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرّضّعِ

حَتّى انْتَهَى إلَى ذِي قَرَدٍ وَقَدْ اسْتَنْقَذَ مِنْهُمْ جَمِيعَ اللّقَاحِ وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً قَالَ سَلَمَةُ فَلَحِقَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْخَيْلُ عِشَاءً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ فَلَوْ بَعَثْتنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ اسْتَنْقَذْتُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ السّرْحِ وَأَخَذْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَلَكْت فَأَسْجِحْ ثُمّ قَالَ إنّهُمْ الْآنَ لَيَقِرّونَ فِي غَطَفَانَ. وَذَهَبَ الصّرِيخُ بِالْمَدِينَةِ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَجَاءَتْ الْأَمْدَادُ وَلَمْ تَزَلْ الْخَيْلُ تَأْتِي وَالرّجَالُ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَعَلَى الْإِبِلِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي قَرَدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ فَاسْتَنْقَذُوا عَشْرَ لِقَاحٍ وَأَفْلَتَ الْقَوْمُ بِمَا بَقِيَ وَهُوَ عَشْرٌ. قُلْت: وَهَذَا غَلَطٌ بَيّنٌ وَاَلّذِي فِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّهُمْ اسْتَنْقَذُوا اللّقَاحَ كُلّهَا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلَمَةَ حَتّى مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ لِقَاحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا خَلّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً.