فصل: فصل جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ بِجُزْءٍ مِمّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.التّرَاهُنُ بَيْنَ قُرَيْشٍ فِيمَنْ يَنْتَصِرُ فِي خَيْبَرَ:

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حِينَ سَمِعُوا بِخُرُوجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خَيْبَرَ تَرَاهُنٌ عَظِيمٌ وَتَبَايُعٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَظْهَرُ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ وَمِنْهُمْ يَقُولُ يَظْهَرُ الْحَلِيفَانِ وَيَهُودُ خَيْبَرُ وَكَانَ الْحَجّاجُ بْن عِلَاطٍ السّلَمِيّ قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ فَتْحَ خَيْبَرَ وَكَانَتْ تَحْتَهُ أُمّ شَيْبَةَ أُخْتُ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ وَكَانَ الْحَجّاجُ مُكْثِرًا مِنْ الْمَالِ كَانَتْ لَهُ مَعَادِنُ بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمّا ظَهَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: إنّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأَتِي وَإِنْ تَعْلَمْ هِيَ وَأَهْلُهَا بِإِسْلَامِي فَلَا مَالَ لِي فَأْذَنْ لِي فَلَأُسْرِعُ السّيْرَ وَأَسْبِقُ الْخَبَرَ وَلَأُخْبِرَنّ أَخْبَارًا إذَا قَدِمْت أَدْرَأُ بِهَا عَنْ مَالِي وَنَفْسِي فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَخْفِي عَلَيّ وَاجْمَعِي مَا كَانَ لِي عِنْدَك مِنْ مَالٍ فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَإِنّهُمْ قَدْ اُسْتُبِيحُوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ أُسِرَ وَتَفَرّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنّ الْيَهُودَ قَدْ أَقْسَمُوا: لَتَبْعَثَنّ بِهِ إلَى مَكّةَ ثُمّ لَتَقْتُلَنّهُ بِقَتْلَاهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَفَشَا ذَلِكَ بِمَكّةَ وَاشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَ مِنْهُمْ وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ وَالسّرُورَ فَبَلَغَ الْعَبّاسَ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَجَلَةُ النّاسِ وَجَلَبَتُهُمْ وَإِظْهَارُهُمْ السّرُورَ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ وَيَخْرُجَ فَانْخَزَلَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَدَعَا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ قُثَمُ وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلَ الْعَبّاسُ يَرْتَجِزُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلّا يَشْمَتَ بِهِ أَعْدَاءُ اللّهِ:
حِبّي قُثَمْ حِبّي قُثَمْ ** شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَم

نَبِيّ رَبّي ذِي النّعَم ** بِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغَمْ

دَارِهِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ الْمُظْهِرُ لِلْفَرَحِ وَالسّرُورِ وَمِنْهُمْ الشّامِتُ الْمُغْرِي وَمِنْهُمْ مَنْ بِهِ مِثْلُ الْمَوْتِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْبَلَاءِ فَلَمّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ رَجَزَ الْعَبّاسِ وَتَجَلّدَهُ طَابَتْ نَفُوسُهُمْ وَظَنّ الْمُشْرِكُونَ أَنّهُ قَدْ أَتَاهُ مَا لَمْ يَأْتِهِمْ ثُمّ أَرْسَلَ الْعَبّاسُ غُلَامًا لَهُ إلَى الْحَجّاجِ وَقَالَ لَهُ اُخْلُ بَهْ وَقُلْ لَهُ وَيْلَك مَا جِئْتَ بَهْ وَمَا تَقُولُ فَاَلّذِي وَعَدَ اللّهُ خَيْرٌ مِمّا جِئْتَ بِهِ؟ فَلَمّا كَلّمَهُ الْغُلَامُ قَالَ لَهُ اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السّلَامَ وَقُلْ لَهُ فَلْيَخْلُ بِي فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ حَتّى آتِيَهُ فَإِنّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرّهُ فَلَمّا بَلَغَ الْعَبْدُ بَابَ الدّارِ قَالَ أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ فَوَثَبَ الْعَبّاسُ فَرَحًا كَأَنّهُ لَمْ يُصِبْهُ بَلَاءٌ قَطّ حَتّى جَاءَهُ وَقَبّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْحَجّاجِ فَأَعْتَقَهُ ثُمّ قَالَ أَخْبِرْنِي. قَالَ يَقُولُ لَك الْحَجّاجُ: اُخْلُ بِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِك حَتّى يَأْتِيَكَ ظُهْرًا فَلَمّا جَاءَهُ الْحَجّاجُ وَخَلَا بَهْ أَخَذَ عَلَيْهِ لَتَكْتُمَنّ خَبَرِي فَوَافَقَهُ عَبّاسٌ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْحَجّاجُ: جِئْتُ وَقَدْ افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللّهِ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اصْطَفَى صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ لِنَفْسِهِ وَأَعْرَسَ بِهَا وَلَكِنْ جِئْتُ لِمَالِي أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَهُ وَأَذْهَبَ بَهْ وَإِنّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَقُولَ فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْت فَأَخْفِ عَلَيّ ثَلَاثًا ثُمّ اُذْكُرْ مَا شِئْت. قَالَ فَجَمَعَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَتَاعَهُ ثُمّ انْشَمَرَ رَاجِعًا فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى الْعَبّاسُ امْرَأَةَ الْحَجّاجِ فَقَالَ مَا فَعَلَ زَوْجُكِ؟ قَالَتْ ذَهَبَ وَقَالَتْ لَا يَحْزُنْك اللّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ شَقّ عَلَيْنَا الّذِي بَلَغَك. فَقَالَ أَجَلْ لَا يَحْزُنُنِي اللّهُ وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللّهِ إلّا مَا أُحِبّ فَتَحَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللّهِ وَاصْطَفَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لَكِ فِي زَوْجِك حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ. قَالَتْ أَظُنّك وَاَللّهِ صَادِقًا. قَالَ فَإِنّي وَاَللّهِ صَادِقٌ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ لَك. قَالَتْ فَمَنْ أَخْبَرَك بِهَذَا؟ قَالَ الّذِي أَخْبَرَكِ بِمَا أَخْبَرَك ثُمّ ذَهَبَ حَتَى أَتَى مَجَالِسَ قُرَيْشٍ فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا وَاَللّهِ التّجَلّدُ يَا أَبَا الْفَضْلِ وَلَا يُصِيبُك إلّا خَيْرٌ. قَالَ أَجَلْ لَمْ يُصِبْنِي إلّا خَيْرٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ أَخْبَرَنِي الْحَجّاجُ بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ فَرَدّ اللّهُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ حَتّى دَخَلُوا عَلَى الْعَبّاسِ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ فَأَشْرَقَتْ وُجُوهُ الْمُسْلِمِينَ.

.فَصْلٌ فِيمَا كَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيّةِ:

.جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ:

فَمِنْهَا مُحَارَبَةُ الْكُفّارِ وَمُقَاتَلَتُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجّةِ فَمَكَثَ بِهَا أَيّامًا ثُمّ سَارَ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرّمِ كَذَلِكَ قَالَ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيّ: خَرَجَ فِي أَوّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنّ خُرُوجَهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ الْمُحَرّمِ لَا فِي أَوّلِهِ وَفَتْحُهَا إنّمَا كَانَ فِي صَفَرَ. وَأَقْوَى مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَيْعَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الشّجَرَةِ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ عَلَى الْقِتَالِ وَأَلّا يَفِرّوا وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِأَنّهُ إنّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمّا بَلَغَهُ أَنّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عُثْمَانَ وَهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ فَحِينَئِذٍ بَايَعَ الصّحَابَةَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ إذَا بَدَأَ الْعَدُوّ إنّمَا الْخِلَافُ أَنْ يُقَاتَلَ فِيهِ ابْتِدَاءً فَالْجُمْهُورُ جَوّزُوهُ وَقَالُوا: تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهِ مَنْسُوخٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمْ اللّهُ. وَذَهَبَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ إلَى أَنّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَكَانَ عَطَاءٌ يَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا يَحِلّ الْقِتَالُ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا نَسَخَ تَحْرِيمَهُ شَيْءٌ. وَأَقْوَى مِنْ هَذَيْنِ الِاسْتِدْلَالَيْنِ الِاسْتِدْلَالُ بِحِصَارِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلطّائِفِ فَإِنّهُ خَرَجَ إلَيْهَا فِي أَوَاخِرِ شَوّالٍ فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَبَعْضُهَا كَانَ فِي ذِي فَتَحَ مَكّةَ لِعَشَرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَأَقَامَ بِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصّلَاة فَخَرَجَ إلَى هَوَازِنَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ شَوّالٍ عِشْرُونَ يَوْمًا فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ هَوَازِنَ وَقَسَمَ غَنَائِمَهَا ثُمّ ذَهَبَ مِنْهَا إلَى الطّائِفِ فَحَاصَرَهَا بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنّ بَعْضَهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِلَا شَكّ. وَقَدْ قِيلَ إنّمَا حَاصَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ الصّحِيحُ بِلَا شَكّ وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا التّصْحِيحُ وَالْجَزْمُ بِهِ؟ وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصّةِ الطّائِفِ قَالَ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَاسْتَعْصَوْا وَتَمَنّعُوا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَهَذَا الْحِصَارُ وَقَعَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِلَا رَيْبٍ وَمَعَ هَذَا فَلَا دَلِيلَ فِي الْقِصّةِ لِأَنّ غَزْوَ الطّائِفِ كَانَ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ وَهُمْ بَدَءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقِتَالِ وَلَمّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَلِكُهُمْ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النّضْرِيّ مَعَ ثَقِيفٍ فِي حِصْنِ الطّائِفِ مُحَارِبِينَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ غَزْوُهُمْ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الّتِي شَرَعَ فِيهَا وَاَللّه أَعْلَمُ.

.لَيْسَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مَنْسُوخٌ:

وَقَالَ اللّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلّوا شَعَائِرَ اللّهِ وَلَا الشّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [الْمَائِدَةَ 2]. وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ} [الْبَقَرَةَ 217] فَهَاتَانِ آيَتَانِ مَدَنِيّتَانِ بَيْنَهُمَا فِي النّزُولِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا سُنّةِ رَسُولِهِ نَاسِخٌ لِحُكْمِهِمَا وَلَا أَجْمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى نَسْخِهِ وَمَنْ اسْتَدَلّ عَلَى نَسْخِهِ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافّةً} [التّوْبَةَ 36] وَنَحْوِهَا مِنْ الْعُمُومَاتِ فَقَدْ اسْتَدَلّ عَلَى النّسْخِ بِمَا لَا يَدُلّ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَدَلّ عَلَيْهِ بِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ فِي سِرّيّةٍ إلَى أَوْطَاسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَقَدْ اسْتَدَلّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأَنّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الّتِي بَدَأَ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يَكُنْ ابْتِدَاءٌ مِنْهُ لِقِتَالِهِمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ.
فَصْلٌ:
وَمِنْهَا: قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ وَقَدْ تَقَدّمَ تَقْرِيرُهُ. وَمِنْهَا: أَنّهُ يَجُوزُ لِآحَادِ الْجَيْشِ إذَا وَجَدَ طَعَامًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَلَا يُخَمّسَهُ كَمَا أَخَذَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغَفّلِ جِرَابَ الشّحْمِ الّذِي دُلّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَاخْتُصّ بِهِ بِمَحْضَرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَمِنْهَا: أَنّهُ إذَا لَحِقَ مَدَدٌ بِالْجَيْشِ بَعْد تَقَضّي الْحَرْبِ فَلَا سَهْمَ لَهُ إلّا بِإِذْنِ الْجَيْشِ وَرِضَاهُمْ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي أَهْلِ السّفِينَةِ حِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ بِخَيْبَرَ- جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ- أَنْ يُسْهِمَ لَهُمْ فَأَسْهَمَ لَهُمْ.

.فصل تَحْرِيمِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ:

وَمِنْهَا تَحْرِيمُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ صَحّ عَنْهُ تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَصَحّ عَنْهُ تَعْلِيلُ التّحْرِيمِ بِأَنّهَا رِجْسٌ وَهَذَا مُقَدّمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الصّحَابَةِ إنّمَا حَرّمَهَا لِأَنّهَا كَانَتْ ظَهْرَ الْقَوْمِ وَحَمُولَتَهُمْ فَلَمّا قِيلَ لَهُ فَنِيَ الظّهْرُ وَأُكِلَتْ الْحُمُرُ حَرّمَهَا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنّمَا حَرّمَهَا لِأَنّهَا لَمْ تُخَمّسْ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنّمَا حَرّمَهَا لِأَنّهَا كَانَتْ حَوْلَ الْقَرْيَةِ وَكَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَكُلّ هَذَا فِي الصّحِيحِ لَكِنّ قَوْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهَا رِجْسٌ مُقَدّمٌ عَلَى هَذَا كُلّهِ لِأَنّهُ مِنْ ظَنّ الرّاوِي وَقَوْلِهِ بِخِلَافِ التّعْلِيلِ بِكَوْنِهَا رِجْسًا. {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيّ مُحَرّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ} [الْأَنْعَام: 145] فَإِنّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حُرّمَ حِينَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ الْمَطَاعِمِ إلّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَالتّحْرِيمُ كَانَ يَتَجَدّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَحْرِيمُ الْحُمُرِ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْرِيمٌ مُبْتَدَأٌ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ النّصّ لَا أَنّهُ رَافِعٌ لِمَا أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ وَلَا مُخَصّصَ لِعُمُومِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا. وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل تَرْجِيحِ الْمُصَنّفِ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ:

وَلَمْ تُحَرّمْ الْمُتْعَةُ يَوْمَ خَيْبَرَ وَإِنّمَا كَانَ تَحْرِيمُهَا عَامَ الْفَتْحِ هَذَا هُوَ الصّوَابُ وَقَدْ ظَنّ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ حَرّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَاحْتَجّوا بِمَا فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَيْضًا: أَن عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يُلَيّنُ فِي مُتْعَةِ النّسَاءِ فَقَالَ مَهْلًا يَا ابْنَ عَبّاسٍ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيّ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَاحَهَا عَامَ الْفَتْحِ ثُمّ حَرّمَهَا قَالُوا: حُرّمَتْ ثُمّ أُبِيحَتْ ثُمّ حُرّمَتْ. قَالَ الشّافِعِيّ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرّمَ ثُمّ أُبِيحَ ثُمّ حُرّمَ إلّا الْمُتْعَةَ قَالُوا: نُسِخَتْ مَرّتَيْنِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا: لَمْ تُحَرّمْ إلّا عَامَ الْفَتْحِ وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ مُبَاحَةً. قَالُوا: وَإِنّمَا جَمَعَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بَيْنَ الْإِخْبَارِ بِتَحْرِيمِهَا وَتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ لِأَنّ ابْنَ عَبّاسٍ كَانَ يُبِيحُهُمَا فَرَوَى لَهُ عَلِيّ تَحْرِيمَهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّا عَلَيْهِ وَكَانَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ يَوْمَ خَيْبَرَ بِلَا شَكّ وَقَدْ ذَكَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ ظَرْفًا لِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ وَأَطْلَقَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ وَلَمْ يُقَيّدْهُ بِزَمَنٍ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَحَرّمَ مُتْعَةَ النّسَاءِ وَفِي لَفْظٍ حَرّمَ مُتْعَةَ النّسَاءِ وَحَرّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ مُفَصّلًا مُمَيّزًا فَظَنّ بَعْضُ الرّوَاةِ أَنّ يَوْمَ خَيْبَرَ زَمَنٌ لِلتّحْرِيمَيْنِ فَقَيّدَهُمَا بَهْ ثُمّ جَاءَ بَعْضُهُمْ فَاقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْمُحَرّمَيْنِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ وَقَيّدَهُ بِالظّرْفِ فَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْوَهْمُ. وَقِصّةُ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا الصّحَابَةُ يَتَمَتّعُونَ بِالْيَهُودِيّاتِ وَلَا اسْتَأْذَنُوا فِي ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا نَقَلَهُ أَحَدٌ قَطّ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَلَا كَانَ لِلْمُتْعَةِ فِيهَا ذِكْرٌ الْبَتّةَ لَا فِعْلًا وَلَا تَحْرِيمًا بِخِلَافِ غَزَاةِ الْفَتْحِ فَإِنّ قِصّةَ الْمُتْعَةِ كَانَتْ فِيهَا فِعْلًا وَتَحْرِيمًا مَشْهُورَةً وَهَذِهِ الطّرِيقَةُ أَصَحّ الطّرِيقَتَيْنِ. وَفِيهَا طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُحَرّمْهَا تَحْرِيمًا عَامًا الْبَتّةَ بَلْ حَرّمَهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَأَبَاحَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهَذِهِ كَانَتْ طَرِيقَةَ ابْنِ عَبّاسٍ حَتّى كَانَ يُفْتِي بِهَا وَيَقُولُ هِيَ كَالْمَيْتَةِ وَالدّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ تُبَاحُ عِنْدَ الضّرُورَةِ وَخَشْيَةِ الْعَنَتِ فَلَمْ يَفْهَمْ عَنْهُ أَكْثَرُ النّاسِ ذَلِكَ وَظَنّوا أَنّهُ أَبَاحَهَا إبَاحَةً مُطْلَقَةً وَشَبّبُوا فِي ذَلِكَ بِالْأَشْعَارِ فَلَمّا رَأَى ابْنُ عَبّاسٍ ذَلِك رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِالتّحْرِيمِ.

.فصل جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ بِجُزْءٍ مِمّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ:

جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ بِجُزْءٍ مِمّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ كَمَا عَامَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَمَرّ ذَلِكَ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ لَمْ يُنْسَخْ الْبَتّةَ وَاسْتَمَرّ عَمَلُ خُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُؤَاجَرَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ سَوَاءً فَمَنْ أَبَاحَ الْمُضَارَبَةَ وَحَرّمَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ.

.فصل عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ رَبّ الْأَرْضِ:

وَمِنْهَا أَنّهُ دَفَعَ إلَيْهِمْ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْبَذْرَ وَلَا كَانَ يَحْمِلُ إلَيْهِمْ الْبَذْرَ مِنْ الْمَدِينَةِ قَطْعًا فَدَلّ عَلَى أَنّ هَدْيَهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ رَبّ الْأَرْضِ وَأَنّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَامِلِ وَهَذَا كَانَ هَدْيَ خُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ وَكَمَا أَنّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ فَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقِيَاسِ فَإِنّ الْأَرْضَ بِمَنْزِلَةِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْقِرَاضِ وَالْبَذْرُ يَجْرِي مَجْرَى سَقْيِ الْمَاءِ وَلِهَذَا يَمُوتُ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُرْجَعُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَاشْتُرِطَ عَوْدُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ فَعُلِمَ أَنّ الْقِيَاسَ الصّحِيحَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِهَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ فِي ذَلِكَ. وَاللّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
وَمِنْهَا: خَرْصُ الثّمَارِ عَلَى رُءُوسِ النّخْلِ وَقِسْمَتُهَا كَذَلِكَ وَأَنّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا. وَمِنْهَا: الِاكْتِفَاءُ بِخَارِصٍ وَاحِدٍ وَقَاسِمٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: جَوَازُ عَقْدِ الْمُهَادَنَةِ عَقْدًا جَائِزًا لِلْإِمَامِ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ. وَمِنْهَا: جَوَازُ تَعْلِيقِ عَقْدِ الصّلْحِ وَالْأَمَانِ بِالشّرْطِ كَمَا عَقَدَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُغَيّبُوا وَلَا يَكْتُمُوا.

.جَوَازُ نَسْخِ الْأَمْرِ قَبْلَ فِعْلِهِ:

وَمِنْهَا: الْأَخْذُ في الْأَحْكَامِ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكِنَانَةَ الْمَالُ كَثِيرٌ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ فَاسْتَدَلّ بِهَذَا عَلَى كَذِبِهِ فِي قَوْلِهِ أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنّفَقَةُ. وَمِنْهَا: أَنّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَنُزّلَ مَنْزِلَةَ الْخَائِنِ.

.إذَا خَالَفَ أَهْلُ الذّمّةِ شَيْئًا مِمّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ ذِمّةٌ:

وَمِنْهَا: أَنّ أَهْلَ الذّمّةِ إذَا خَالَفُوا شَيْئًا مِمّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ ذِمّةٌ وَحَلّتْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ لِهَؤُلَاءِ الْهُدْنَةَ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُغَيّبُوا وَلَا يَكْتُمُوا فَإِنْ فَعَلُوا حَلّتْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ فَلَمّا لَمْ يَفُوا بِالشّرْطِ اسْتَبَاحَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَبِهَذَا اقْتَدَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الشّرُوطِ الّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَى أَهْلِ الذّمّةِ فَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنّهُمْ مَتَى خَالَفُوا شَيْئًا مِنْهَا فَقَدْ حَلّ لَهُ مِنْهُمْ مَا يَحِلّ مِنْ أَهْلِ الشّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ.