فصل: فصل تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَعْنَى أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ:

قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَأُمِرَ بِالْهِجْرَةِ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ {وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الْإِسْرَاءُ 80]. قَالَ قَتَادَةُ: أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ مَخْرَجَ صِدْقٍ وَنَبِيّ اللّهِ يَعْلَمُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إلّا بِسُلْطَانٍ فَسَأَلَ اللّهُ سُلْطَانًا نَصِيرًا وَأَرَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ دَارَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ بِمَكّةَ فَقَالَ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ بِسَبْخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ مَنْ يُهَاجِرُ مَعِي؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ قَالَ الْبَرَاءُ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِئَانِ النّاسَ الْقُرْآنَ ثُمّ جَاءَ عَمّارٌ وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ ثُمّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا ثُمّ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَا رَأَيْتُ النّاسَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ كَفَرَحِهِمْ بِهِ حَتّى رَأَيْتُ النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ وَالْإِمَاءَ يَقُولُونَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ قَدْ جَاءَ وَقَالَ أَنَسٌ شَهِدْتُهُ يَوْمَ دَخْلَ الْمَدِينَةَ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطّ كَانَ أَحْسَنَ وَلَا أَضْوَأَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَيْنَا وَشَهِدْتُهُ يَوْمَ مَاتَ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطّ كَانَ أَقْبَحَ وَلَا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمِ مَاتَ.

.قُدُومُ أَهْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ:

فَأَقَامَ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى حُجَرَهُ وَمَسْجِدَهُ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيّوبَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ وَأَعْطَاهُمَا بَعِيرَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى مَكّةَ فَقَدِمَا عَلَيْهِ بِفَاطِمَةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ ابْنَتَيْهِ وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجَتِهِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأُمّهِ أُمّ أَيْمَنَ وَأَمّا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُمَكّنْهَا زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَعَهُمْ بِعِيَالِ أَبِي بَكْرٍ وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ فَنَزَلُوا فِي بَيْتِ حَارِثَةَ بْنِ النّعْمَانِ.

.فَصْلٌ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ:

قَالَ الزّهْرِيّ: بَرَكَتْ نَاقَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَوْضِعَ مَسْجِدِهِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ يُصَلّي فِيهِ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَا فِي حِجْرِ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ فَسَاوَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغُلَامَيْنِ بِالْمِرْبَدِ لِيَتّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَابْتَاعَهُ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَكَانَ جِدَارًا لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ وَقِبْلَتُهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَانَ يُصَلّي فِيهِ وَيُجَمّعُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ فِيهِ شَجَرَةُ غَرْقَدٍ وَخِرَبٌ وَنَخْلٌ وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ وَبِالْخَرِبِ وَجَعَلَ طُولَهُ مِمّا يَلِي الْقِبْلَةَ إلَى مُؤَخّرِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَالْجَانِبَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ وَجَعَلَ أَسَاسَهُ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمّ بَنَوْهُ بِاللّبِنِ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْنِي مَعَهُمْ وَيَنْقُلُ اللّبِنَ وَالْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ:
اللّهُمّ لَا عَيْشَ إلّا عَيْشُ الْآخِرَهْ ** فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ

وَكَانَ يَقُولُ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالُ خَيْبَرَ ** هَذَا أَبَرّ رَبّنَا وَأَطْهَر

وَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ وَهُمْ يَنْقُلُونَ اللّبِنَ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ فِي رَجْزِهِ:
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالرّسُولُ يَعْمَلُ ** لَذَاكَ مِنّا الْعَمَلُ الْمُضَلّلُ

وَجَعَلَ قِبْلَتَهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ بَابًا فِي مُؤَخّرِهِ وَبَابًا يُقَالُ لَهُ بَابُ الرّحْمَةِ وَالْبَابُ الّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ عُمُدَهُ الْجُذُوعَ وَسَقْفَهُ بِالْجَرِيدِ وَقِيلَ لَهُ أَلَا تُسَقّفُهُ فَقَالَ لَا عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى وَبَنَى إلَى جَنْبِهِ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ بِاللّبِنِ وَسَقّفَهَا بِالْجَرِيدِ وَالْجُذُوعِ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْبِنَاءِ بَنَى بِعَائِشَةَ فِي الْبَيْتِ الّذِي بَنَاهُ لَهَا شَرْقِيّ الْمَسْجِدِ قِبْلِيّهُ وَهُوَ مَكَانُ حُجْرَتِهِ الْيَوْمَ وَجَعَلَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ بَيْتًا آخَرَ.

.فصل الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ:

ثُمّ آخَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانُوا تِسْعِينَ رَجُلًا نِصْفُهُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَنِصْفُهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ آخَى بَيْنَهُمْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ يَتَوَارَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَى حِينِ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَلَمّا أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} [الْأَحْزَابُ 6] رَدّ التّوَارُثَ إلَى الرّحِمِ دُونَ عَقْدِ الْأُخُوّةِ. وَقَدْ قِيلَ إنّهُ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ مُؤَاخَاةً ثَانِيَةً وَاِتّخَذَ فِيهَا عَلِيّا أَخًا لِنَفْسِهِ وَالثّبْتُ الْأُوَلُ وَالْمُهَاجِرُونَ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ بِأُخُوّةِ الْإِسْلَامِ وَقُرَابَةِ النّسَبِ عَنْ عَقْدِ مُؤَاخَاةٍ بِخِلَافِ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ وَلَوْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ أَحَقّ النّاسِ بِأُخُوّتِهِ أَحَبّ الْخَلْقِ إلَيْهِ وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ وَأَنِيسُهُ فِي الْغَارِ وَأَفْضَلُ الصّحَابَةِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ وَقَدْ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُتّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاِتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ وَفِي لَفْظٍ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي وَهَذِهِ الْأُخُوّةُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ عَامّةً كَمَا قَالَ وَدِدْتُ أَنْ قَدْ رَأَيْنَا إخْوَانَنَا قَالُوا: أَلَسْنَا إخْوَانَكَ؟ قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي فَلِلصّدّيقِ مِنْ هَذِهِ الْأُخُوّةِ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا كَمَا لَهُ مِنْ الصّحْبَةِ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا فَالصّحَابَةُ لَهُمْ الْأُخُوّةُ وَمَزِيّةُ الصّحْبَةِ وَلِأَتْبَاعِهِ بَعْدَهُمْ الْأُخُوّةُ دُونَ الصّحْبَةِ.

.فَصْلٌ مُعَاهَدَتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ الْيَهُودِ:

وَوَادَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا وَبَادَرَ حَبْرُهُمْ وَعَالِمُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَبَى عَامّتُهُمْ إلّا الْكُفْرَ. وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَبَنُو النّضِيرِ وَبَنُو قُرَيْظَةَ وَحَارَبَهُ الثّلَاثَةُ فَمَنّ عَلَى بَنِي قَيْنُقَاعَ وَأَجْلَى بَنِي النّضِيرِ وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَسَبَى ذُرّيّتَهُمْ وَنَزَلَتْ سُورَةُ (الْحَشْرِ) فِي بَنِي النّضِيرِ وَسُورَةُ (الْأَحْزَابِ) فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.

.فصل تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ:

وَكَانَ يُصَلّي إلَى قِبْلَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْكَعْبَةِ وَقَالَ لِجِبْرِيلَ وَدِدْتُ أَنْ يَصْرِفَ اللّهُ وَجْهِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ فَقَالَ إنّمَا أَنَا عَبْدٌ فَادْعُ رَبَّكَ وَاسْأَلْهُ، فَجَعَلَ يُقَلّبُ وَجْهَهُ فِي السّمَاءِ يَرْجُو ذَلِكَ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ {قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَةُ 144] وَذَلِكَ بَعْدَ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ مَا خَالَفَ نَبِيّ نَبِيّا قَطّ فِي قِبْلَةٍ وَلَا فِي سُنّةٍ إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمّ قَرَأَ {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ مَا وَصّى بِهِ نُوحًا وَالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشّورَى: 13] وَكَانَ لِلّهِ فِي جَعْلِ الْقِبْلَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمّ تَحْوِيلِهَا إلَى الْكَعْبَةِ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ وَمِحْنَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ. فَأَمّا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقَالُوا: {آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا} [آلُ عِمْرَانَ 7] وَهُمْ الّذِينَ هَدَى اللّهُ وَلَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً عَلَيْهِمْ. وَأَمّا الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: كَمَا رَجَعَ إلَى قِبْلَتِنَا يُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دِينِنَا وَمَا رَجَعَ إلَيْهَا إلّا أَنّهُ الْحَقّ. وَأَمّا الْيَهُودُ فَقَالُوا: خَالَفَ قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ نَبِيّا لَكَانَ يُصَلّي إلَى قِبْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَأَمّا الْمُنَافِقُونَ فَقَالُوا: مَا يَدْرِي مُحَمّدٌ أَيْنَ يَتَوَجّهُ إنْ كَانَتْ الْأُولَى حَقّا فَقَدْ تَرَكَهَا وَإِنْ كَانَتْ الثّانِيَةُ هِيَ الْحَقّ فَقَدْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ وَكَثُرَتْ أَقَاوِيلُ السّفَهَاءِ مِنْ النّاسِ وَكَانَتْ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّا عَلَى الّذِينَ هَدَى اللّهُ} [الْبَقَرَةُ 143] وَكَانَتْ مِحْنَةً مِنْ اللّهِ امْتَحَنَ بِهَا عِبَادَهُ لِيَرَى مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ مِنْهُمْ مِمّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَلَمّا كَانَ أَمْرُ الْقِبْلَةِ وَشَأْنُهَا عَظِيمًا وَطّأَ- سُبْحَانَهُ- قَبْلَهَا أَمْرَ النّسْخِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ وَأَنّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلِهِ ثُمّ عَقّبَ ذَلِكَ بِالتّوْبِيخِ لِمَنْ تَعَنّتَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَنْقَدْ لَهُ ثُمّ ذَكَرَ بَعْدَهُ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى وَشَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِأَنّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَحَذّرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ وَاتّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ ثُمّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ وَشِرْكَهُمْ بِهِ وَقَوْلَهُمْ إنّ لَهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّا ثُمّ أَخْبَرَ أَنّ لَهُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ وَأَيْنَمَا يُوَلّي عِبَادُهُ وُجُوهَهُمْ فَثَمّ أَخْبَرَ أَنّهُ لَا يَسْأَلُ رَسُولَهُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ الّذِينَ لَا يُتَابِعُونَهُ وَلَا يُصَدّقُونَهُ ثُمّ أَعْلَمَهُ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى لَنْ يَرْضَوْا عَنْهُ حَتّى يَتّبِعَ مِلّتَهُمْ وَأَنّهُ إنْ فَعَلَ وَقَدْ أَعَاذَهُ اللّهُ مِنْ ذَلِكَ فَمَا لَهُ مِنْ اللّهِ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ ثُمّ ذَكّرَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَخَوّفَهُمْ مِنْ بَأْسِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ ذَكَرَ خَلِيلَهُ بَانِي بَيْتِهِ الْحَرَامِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَدَحَهُ وَأَخْبَرَ أَنّهُ جَعَلَهُ إمَامًا لِلنّاسِ يَأْتَمّ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ ثُمّ ذَكَرَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَبِنَاءَ خَلِيلِهِ لَهُ وَفِي ضِمْنِ هَذَا أَنّ بَانِيَ الْبَيْتِ كَمَا هُوَ إمَامٌ لِلنّاسِ فَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الّذِي بَنَاهُ إمَامٌ لَهُمْ ثُمّ أَخْبَرَ أَنّهُ لَا يَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ هَذَا الْإِمَامِ إلّا أَسْفَهُ النّاسِ ثُمّ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَأْتَمّوا بِرَسُولِهِ الْخَاتَمِ وَيُؤْمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ إلَيْهِ وَإِلَى إبْرَاهِيمَ وَإِلَى سَائِرِ النّبِيّينَ ثُمّ رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ إنّ إبْرَاهِيمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى وَجَعَلَ هَذَا كُلّهُ تَوْطِئَةً وَمُقَدّمَةً بَيْنَ يَدَيْ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ وَمَعَ هَذَا كُلّهِ فَقَدْ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى النّاسِ إلّا مَنْ هَدَى اللّهُ مِنْهُمْ وَأَكّدَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْأَمْرَ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ بَعْد ثَالِثَةٍ وَأَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ حَيْثُمَا كَانَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجَ وَأَخْبَرَ أَنّ الّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ هُوَ الّذِي هَدَاهُمْ إلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ وَأَنّهَا هِيَ الْقِبْلَةُ الّتِي تَلِيقُ بِهِمْ وَهُمْ أَهْلُهَا لِأَنّهَا أَوْسَطُ الْقِبَلِ وَأَفْضَلُهَا وَهُمْ أَوْسَطُ الْأُمَمِ وَخِيَارُهُمْ فَاخْتَارَ أَفْضَلَ الْقِبَلِ لِأَفْضَلِ الْأُمَمِ كَمَا اخْتَارَ لَهُمْ أَفْضَلَ الرّسُلِ وَأَفْضَلَ الْكُتُبِ وَأَخْرَجَهُمْ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ وَخَصّهُمْ بِأَفْضَلِ الشّرَائِعِ وَمَنَحَهُمْ خَيْرَ الْأَخْلَاقِ وَأَسْكَنَهُمْ خَيْرَ الْأَرْضِ وَجَعَلَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنّةِ خَيْرَ الْمَنَازِلِ وَمَوْقِفُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ خَيْرُ الْمَوَاقِفِ فَهُمْ عَلَى تَلّ عَالٍ وَالنّاسُ تَحْتَهُمْ فَسُبْحَانَ مَنْ يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْهِمْ حُجّةٌ وَلَكِنْ الظّالِمُونَ الْبَاغُونَ يَحْتَجّونَ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الْحُجَجِ الّتِي ذُكِرَتْ وَلَا يُعَارِضُ الْمُلْحِدُونَ الرّسُلَ إلّا بِهَا وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ وَلِيَهْدِيَهُمْ ثُمّ ذَكّرَهُمْ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ رَسُولِهِ إلَيْهِمْ وَإِنْزَالِ كِتَابِهِ عَلَيْهِمْ لِيُزَكّيَهُمْ وَيُعَلّمَهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلّمَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ ثُمّ أَمَرَهُمْ بِذِكْرِهِ وَبِشُكْرِهِ إذْ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَسْتَوْجِبُونَ إتْمَامَ نِعَمِهِ وَالْمَزِيدَ مِنْ كَرَامَتِهِ وَيَسْتَجْلِبُونَ ذِكْرَهُ لَهُمْ وَمَحَبّتَهُ لَهُمْ ثُمّ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَتِمّ لَهُمْ ذَلِكَ إلّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَهُوَ الصّبْرُ وَالصّلَاةُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مَعَ الصّابِرِينَ.

.فصل الْأَذَانُ وَزِيَادَةُ الصّلَاةِ إلَى رُبَاعِيّةٍ:

وَأَتَمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الْقِبْلَةِ بِأَنْ شَرَعَ لَهُمْ الْأَذَانَ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ خَمْسَ مَرّاتٍ وَزَادَهُمْ فِي الظّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ثُنَائِيّةً فَكُلّ هَذَا كَانَ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.

.فصل الْإِذْنُ بِالْقِتَالِ:

فَلَمّا اسْتَقَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ وَأَيّدَهُ اللّهُ بِنَصْرِهِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَنْصَارِ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ وَالْإِحَنِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَتْهُ أَنْصَارُ اللّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ وَبَذَلُوا نُفُوسَهُمْ دُونَهُ وَقَدّمُوا مَحَبّتَهُ عَلَى مَحَبّةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَزْوَاجِ وَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ رَمَتْهُمْ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَشَمّرُوا لَهُمْ عَنْ سَاقِ الْعَدَاوَةِ وَالْمُحَارَبَةِ وَصَاحُوا بِهِمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ وَاللّهُ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُهُمْ بِالصّبْرِ وَالْعَفْوِ وَالصّفْحِ حَتّى قَوِيَتْ الشّوْكَةُ فَقَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الْحَجّ 39]. وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ إنّ هَذَا الْإِذْنَ كَانَ بِمَكّةَ وَالسّورَةُ مَكّيّةٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنّ اللّهَ لَمْ يَأْذَنْ بِمَكّةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَلَا كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ يَتَمَكّنُونَ بِهَا مِنْ الْقِتَالِ بِمَكّةَ.
الثّانِي: أَنّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلّ عَلَى أَنّ الْإِذْنَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِخْرَاجُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ فَإِنّهُ قَالَ: {الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ إِلّا أَنْ يَقُولُوا رَبّنَا اللّهُ} [الْحَجّ 40] وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُهَاجِرُونَ.
الثّالِثُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ} [الْحَجّ 19] نَزَلَتْ فِي الّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ.
الرّابِعُ أَنّهُ قَدْ خَاطَبَهُمْ فِي آخِرِهَا بِقَوْلِهِ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا وَالْخِطَابُ بِذَلِكَ كُلّهِ مَدَنِيّ فَأَمّا الْخِطَابُ (يَا أَيّهَا النّاسُ فَمُشْتَرَكٌ).
الْخَامِسُ أَنّهُ أَمَرَ فِيهَا بِالْجِهَادِ الّذِي يَعُمّ الْجِهَادَ بِالْيَدِ وَغَيْرِهِ وَلَا رَيْبَ أَنّ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ الْمُطْلَقِ إنّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَأَمّا جِهَادُ الْحُجّةِ فَأَمَرَ بِهِ فِي مَكّةَ بِقَوْلِهِ: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} أَيْ بِالْقُرْآن {جِهَادًا كَبِيرًا} [الْفُرْقَانُ: 52] فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكّيّةٌ وَالْجِهَادُ فِيهَا هُوَ التّبْلِيغُ وَجِهَادُ الْحُجّةِ وَأَمّا الْجِهَادُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي سُورَةِ (الْحَجّ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِهَادُ بِالسّيْفِ.
السّادِسُ أَنّ الْحَاكِمَ رَوَى فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ لَيَهْلِكُنّ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا} [الْحَجّ 39] وَهِيَ أَوّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ. وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصّحِيحَيْنِ وَسِيَاقُ السّورَةِ يَدُلّ عَلَى أَنّ فِيهَا الْمَكّيّ وَالْمَدَنِيّ فَإِنّ قِصّةَ إلْقَاءِ الشّيْطَانِ فِي أُمْنِيّةِ الرّسُولِ مَكّيّةٌ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل فَرْضُ الْقِتَالِ:

ثُمّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [الْبَقَرَةُ 190]. ثُمّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ كَافّةً وَكَانَ مُحَرّمًا ثُمّ مَأْذُونًا بِهِ ثُمّ مَأْمُورًا بِهِ لِمَنْ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ ثُمّ مَأْمُورًا بِهِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ إمّا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.