فصل: فصل بَقِيّةُ طُرُقِ الْمَانِعِينَ مِنْ فَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.بَيَانُ أَنّ عُمَرَ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْمُتْعَةِ أَلْبَتّةَ:

وَأَمّا الْجَوَابُ الّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، فَهُوَ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْمُتْعَةِ أَلْبَتّةَ وَإِنّمَا قَالَ إنّ أَتَمّ لِحَجّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ أَنْ تَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا، فَاخْتَارَ عُمَرُ لَهُمْ أَفْضَلَ الْأُمُورِ وَهُوَ إفْرَادُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَفَرٍ يُنْشِئُهُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَالتّمَتّعِ الْخَاصّ بِدُونِ سَفْرَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ نَصّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشّافِعِيّ رَحِمَهُمْ اللّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمْ. وَهَذَا هُوَ الْإِفْرَادُ الّذِي فَعَلَهُ أَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ عَنْهُمَا، وَكَانَ عُمَرُ يَخْتَارُهُ لِلنّاسِ وَكَذَلِكَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [الْبَقَرَةُ 196] قَالَا: إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكِ وَقَدْ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَائِشَةَ فِي عُمْرَتِهَا: أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك فَإِذَا رَجَعَ الْحَاجّ إلَى دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَأَنْشَأَ الْعُمْرَةَ مِنْهَا، وَاعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجّ وَأَقَامَ حَتّى يَحُجّ أَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِهِ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمّ حَجّ فَهَاهُنَا قَدْ أَتَى بِكُلّ وَاحِدٍ مِنْ النّسُكَيْنِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَهَذَا إتْيَانٌ بِهِمَا عَلَى الْكَمَالِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. قُلْت: فَهَذَا الّذِي اخْتَارَهُ عُمَرُ لِلنّاسِ فَظَنّ مَنْ غَلِطَ مِنْهُمْ أَنّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ ثُمّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ نَهْيَهُ عَلَى مُتْعَةِ الْفَسْخِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى تَرْجِيحًا لِلْإِفْرَادِ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَارَضَ رِوَايَاتِ النّهْيِ عَنْهُ بِرِوَايَاتِ الِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ كَمَا عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ النّهْيَ قَوْلًا قَدِيمًا، وَرَجَعَ عَنْهُ أَخَيْرًا، كَمَا سَلَكَ أَبُو مُحَمّدٍ بْنُ حَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُدّ النّهْيَ رَأْيًا رَآهُ مَنْ عِنْدَهُ لِكَرَاهَتِهِ أَنْ يَظَلّ الْحَاجّ مُعْرِسِينَ بِنِسَائِهِمْ فِي ظِلّ الْأَرَاكِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِعَرَفَةَ عَشِيّةَ عَرَفَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُرَجّلٍ شَعْرَهُ يَفُوحُ مِنْهُ رِيحُ الطّيبِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمُحْرِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَيْئَتُك بِهَيْئَةِ مُحْرِمٍ إنّمَا الْمُحْرِمُ الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ الْأَدْفَرُ. قَالَ إنّي قَدِمْتُ مُتَمَتّعًا، وَكَانَ مَعِي أَهْلِي، وَإِنّمَا أَحْرَمْتُ الْيَوْمَ. فَقَالَ عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ لَا تَتَمَتّعُوا فِي هَذِهِ الْأَيّامِ فَإِنّي لَوْ رَخّصْتُ فِي الْمُتْعَةِ لَهُمْ لَعَرّسُوا بِهِنّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمّ رَاحُوا بِهِنّ حُجّاجًا وَهَذَا يُبَيّنُ أَنّ هَذَا مِنْ عُمَرَ رَأْيٌ رَآهُ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَحَبّذَا ذَلِكَ؟ وَقَدْ طَافَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا، وَلَا خِلَافَ أَنّ الْوَطْءَ مُبَاحٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل بَقِيّةُ طُرُقِ الْمَانِعِينَ مِنْ فَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ:

طَرِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ نَذْكُرُهُمَا، وَنُبَيّنُ فَسَادَهُمَا. الطّرِيقَةُ الْأُولَى: قَالُوا: إذَا اخْتَلَفَ الصّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ فَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ صِيَانَةً لِلْعِبَادَةِ عَمّا لَا يَجُوزُ فِيهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ. وَالطّرِيقَةُ الثّانِيَةُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ لِأَنّ أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ وَكَانُوا يَقُولُونَ إذَا بَرَأَ الدّبَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ وَانْسَلَخَ صَفَرُ فَقَدْ حَلّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ فَأَمَرَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْفَسْخِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ وَهَاتَانِ الطّرِيقَتَانِ بَاطِلَتَانِ. أَمّا الْأُولَى: فَلِأَنّ الِاحْتِيَاطَ إنّمَا يُشْرَعُ إذَا لَمْ تَتَبَيّنْ السّنّةُ فَإِذَا تَبَيّنَتْ فَالِاحْتِيَاطُ هُوَ اتّبَاعُهَا وَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا؛ فَإِنْ كَانَ تَرْكُهَا لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ احْتِيَاطًا، فَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا وَاتّبَاعُهَا، أَحْوَطُ وَأَحْوَطُ فَالِاحْتِيَاطُ نَوْعَانِ احْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاحْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السّنّةِ وَلَا يَخْفَى رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَيْضًا فَإِنّ الِاحْتِيَاطَ مُمْتَنِعٌ هُنَا، فَإِنّ لِلنّاسِ فِي الْفَسْخِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنّهُ مُحَرّمٌ.
الثّانِي: أَنّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ.
الثّالِثُ أَنّهُ مُسْتَحَبّ، فَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرّمَهُ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ بِالْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. وَإِذَا تَعَذّرَ الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ تَعَيّنَ الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السّنّةِ.

.فصل بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَمَرَهُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْفَسْخِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا:

وَأَمّا الطّرِيقَةُ الثّانِيَةُ فَأَظْهَرُ بُطْلَانًا مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ أَحَدُهَا: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اعْتَمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ عُمَرَهُ الثّلَاثَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا تَقَدّمَ ذَلِكَ وَهُوَ أَوْسَطُ أَشْهُرِ الْحَجّ. فَكَيْفَ يُظَنّ أَنّ الصّحَابَةَ لَمْ يَعْلَمُوا جَوَازَ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ إلّا بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِفَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِعْلُهُ لِذَلِك ثَلَاثَ مَرّاتٍ؟ الثّانِي: أَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ، أَنّهُ قَالَ لَهُمْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ شَاء أَنْ يُهِلّ بِحَجّةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ فَبَيّنَ لَهُمْ جَوَازَ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَعَامّةُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ فَكَيْفَ لَمْ يَعْلَمُوا جَوَازَهَا إلّا بِالْفَسْخِ؟ وَلَعَمْرُ اللّهِ إنْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ جَوَازَهَا بِذَلِكَ فَهُمْ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا جَوَازَهَا بِالْفَسْخِ.
الثّالِثُ أَنّهُ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَنْ يَتَحَلّلَ وَأَمَرَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ فَفَرّقَ بَيْنَ مُحْرِمٍ وَمُحْرِمٍ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ سَوْقَ الْهَدْيِ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ التّحَلّلِ لَا مُجَرّدُ الْإِحْرَامِ الْأَوّلِ وَالْعِلّةُ الّتِي ذَكَرُوهَا لَا تَخْتَصّ بِمُحْرِمٍ دُونَ مُحْرِمٍ فَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ التّأْثِيرَ فِي الْحِلّ وَعَدَمِهِ لِلْهَدْيِ وُجُودًا وَعَدَمًا لَا لِغَيْرِهِ. يُقَالَ إذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَصَدَ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنّ الْفَسْخَ أَفْضَلُ لِهَذِهِ الْعِلّةِ لِأَنّهُ إذَا كَانَ إنّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ كَانَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَنّ الْفَسْخَ يَبْقَى مَشْرُوعًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إمّا وُجُوبًا وَإِمّا اسْتِحْبَابًا، فَإِنّ مَا فَعَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَعَهُ لِأُمّتِهِ فِي الْمَنَاسِكِ مُخَالَفَةً لِهَدْيِ الْمُشْرِكِينَ هُوَ مَشْرُوعٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إمّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا، فَإِنّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشّمْسِ وَكَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ فَخَالَفَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ خَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ نُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ. وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ إمّا رُكْنٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَإِمّا وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ دَمٌ كَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِمّا سُنّةٌ كَالْقَوْلِ الْآخَرِ لَهُ. وَالْإِفَاضَةُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ سُنّةٌ بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ قُرَيْشٌ كَانَتْ لَا تَقِفُ بِعَرَفَةَ بَلْ تُفِيضُ مِنْ جَمْعٍ، فَخَالَفَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَأَفَاضَ مِنْهَا، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} [الْبَقَرَةُ 199] وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجّ بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ فِيهَا مُحَرّمٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِنُسُكٍ يُخَالِفُ نُسُكَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ كَوْنِ الّذِي نَهَاهُمْ عَنْهُ أَفْضَلَ مِنْ الّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ. أَوْ يُقَالُ مَنْ حَجّ كَمَا حَجّ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَتَمَتّعْ فَحَجّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَجّ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار، بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
الْخَامِسُ أَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَقِيلَ لَهُ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ لَا، بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ، دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَ سُؤَالُهُمْ عَنْ عُمْرَةِ الْفَسْخِ كَمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطّوِيلِ. قَالَ حَتّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ مَرّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ وَفِي لَفْظٍ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجّةِ فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلّ فَقُلْنَا: لَمّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيّ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ: لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ لِأَبَدٍ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْهُ أَنّ سُرَاقَةَ قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَكُمْ خَاصّةً هَذِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ فَبَيّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ تِلْكَ الْعُمْرَةَ الّتِي فَسَخَ مَنْ فَسَخَ مِنْهُمْ حَجّةٌ إلَيْهَا لِلْأَبَدِ وَأَنّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا يُبَيّنُ أَنّ عُمْرَةَ التّمَتّعِ بَعْضُ الْحَجّ. وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ النّاسِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ بِاعْتِرَاضَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّ الْمُرَادَ أَنّ سُقُوطَ الْفَرْضِ بِهَا لَا يَخْتَصّ بِذَلِكَ الْعَامِ بَلْ يُسْقِطُهُ إلَى الْأَبَدِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ بَاطِلٌ فَإِنّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لِلْأَبَدِ فَإِنّ الْأَبَدَ لَا يَكُونُ فِي حَقّ طَائِفَةٍ مُعَيّنَةٍ بَلْ إنّمَا يَكُونُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنّهُ قَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلِأَنّهُمْ لَوْ أَرَادُوا بِذَلِكَ السّؤَالَ عَنْ تَكْرَارِ الْوُجُوبِ لَمَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ بَلْ كَانَ السّؤَالُ عَنْ الْحَجّ وَلِأَنّهُمْ قَالُوا لَهُ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ وَلَوْ أَرَادُوا تَكْرَارَ وُجُوبِهَا كُلّ عَامٍ لَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا لَهُ فِي الْحَجّ أَكُلّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ وَلَأَجَابَهُمْ بِمَا أَجَابَهُمْ بِهِ فِي الْحَجّ بِقَوْلِهِ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ. وَلِأَنّهُمْ قَالُوا لَهُ هَذِهِ لَكُمْ خَاصّةً. فَقَالَ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ. فَهَذَا السّؤَالُ وَالْجَوَابُ صَرِيحَانِ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ.
الثّانِي: قَوْلُهُ إنّ ذَلِكَ إنّمَا يُرِيدُ بِهِ جَوَازَ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ أَبْطَلُ مِنْ الّذِي قَبْلَهُ فَإِنّ السّائِلَ إنّمَا سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ عَنْ الْمُتْعَةِ الّتِي هِيَ فَسْخُ الْحَجّ لَا عَنْ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ لِأَنّهُ إنّمَا سَأَلَهُ عَقِبَ أَمْرِهِ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِفَسْخِ الْحَجّ فَقَالَ لَهُ سُرَاقَةُ حِينَئِذٍ هَذَا لِعَامِنَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَأَجَابَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نَفْسِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ لَا عَمّا لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ. وَفِي قَوْلِهِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَقِبَ أَمْرِهِ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْإِحْلَالِ بَيَانٌ جَلِيّ أَنّ ذَلِكَ مُسْتَمِرّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَبَطَلَ دَعْوَى الْخُصُوصِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.
السّادِسُ أَنّ هَذِهِ الْعِلّةَ الّتِي ذَكَرْتُمُوهَا، لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً بَطَلَ اعْتِرَاضُكُمْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنّهَا لَا تَلْزَمُ الِاخْتِصَاصَ بِالصّحَابَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بَلْ إنْ صَحّتْ اقْتَضَتْ دَوَامَ مَعْلُولِهَا وَاسْتِمْرَارَهُ كَمَا أَنّ الرّمَلَ شُرِعَ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوّتَهُ وَقُوّةَ أَصْحَابِهِ وَاسْتَمَرّتْ الْقِيَامَةِ فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِتِلْكَ الْعِلّةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِمْ عَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ.
السّابِعُ أَنّ الصّحَابَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ إذَا لَمْ يَكْتَفُوا بِالْعِلْمِ بِجَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ عَلَى فِعْلِهِمْ لَهَا مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ وَلَا بِإِذْنِهِ لَهُمْ فِيهَا عِنْدَ الْمِيقَاتِ حَتّى أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَحْرَى أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِذَلِكَ حَتّى يَفْسَخَ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ اتّبَاعًا لِأَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقْتِدَاءً بِأَصْحَابِهِ إلّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنّا نَحْنُ نَكْتَفِي مِنْ ذَلِكَ بِدُونِ مَا اكْتَفَى بِهِ الصّحَابَةُ وَلَا نَحْتَاجُ فِي الْجَوَازِ إلَى مَا احْتَاجُوا هُمْ إلَيْهِ وَهَذَا جَهْلٌ نَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْهُ.
الثّامِنُ أَنّهُ لَا يُظَنّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِالْفَسْخِ الّذِي هُوَ حَرَامٌ لِيُعَلّمَهُمْ بِذَلِكَ مُبَاحًا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ بِغَيْرِ ارْتِكَابِ هَذَا الْمَحْظُورِ وَبِأَسْهَلَ مِنْهُ بَيَانًا، وَأَوْضَحَ دَلَالَةً وَأَقَلّ كُلْفَةً. فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَكُنْ الْفَسْخُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ حَرَامًا. قِيلَ فَهُوَ إذًا إمّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبّ. وَقَدْ قَالَ بِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ فَمَنْ الّذِي حَرّمَهُ بَعْدَ إيجَابِهِ أَوْ اسْتِحْبَابِهِ وَأَيّ نَصّ أَوْ إجْمَاعٍ رَفَعَ هَذَا الْوُجُوبَ أَوْ الِاسْتِحْبَابَ فَهَذِهِ مُطَالَبَةٌ لَا مَحِيصَ عَنْهَا.
التّاسِعُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» أَفَتَرَى تَجَدّدَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْعِلْمِ بِجَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ حَتّى تَأَسّفَ عَلَى فَوَاتِهَا؟ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ.
الْعَاشِرُ أَنّهُ أَمَرَ بِالْفَسْخِ إلَى الْعُمْرَةِ مَنْ كَانَ أَفْرَدَ وَمَنْ قَرَنَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ. وَمَعْلُومٌ أَنّ الْقَارِنَ قَدْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مَعَ حَجّتِهِ فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ بِفَسْخِ قِرَانِهِ إلَى عُمْرَةٍ لِيُبَيّنَ لَهُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ وَقَدْ أَتَى بِهَا، وَضَمّ إلَيْهَا الْحَجّ؟.

.بَحْثٌ فِي مُوَافَقَةِ فَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ:

الْحَادِي عَشَرَ أَنّ فَسْخَ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ مُوَافِقٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ لَا لَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ فَجَاءَ النّصّ بِهِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقَرّرَهُ بِأَنّ الْمُحْرِمَ إذَا الْتَزَمَ أَكْثَرَ مِمّا كَانَ لَزِمَهُ جَازَ بِاتّفَاقِ الْأَئِمّةِ. فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجّ جَازَ بِلَا نِزَاعٍ وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجّ ثُمّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَالشّافِعِيّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُجَوّزُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ. قَالَ وَهَذَا قِيَاسُ الرّوَايَةِ الْمَحْكِيّةِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْقَارِنِ أَنّهُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُحْرِمُ بِالْحَجّ لَمْ يَلْتَزِمْ إلّا الْحَجّ. فَإِذَا صَارَ مُتَمَتّعًا، صَارَ مُلْتَزِمًا لِعُمْرَةٍ وَحَجّ فَكَانَ مَا الْتَزَمَهُ بِالْفَسْخِ أَكْثَرَ مِمّا كَانَ عَلَيْهِ فَجَازَ ذَلِكَ. وَلَمّا كَانَ أَفْضَلَ كَانَ مُسْتَحَبّا، وَإِنّمَا أَشْكَلَ هَذَا عَلَى مَنْ ظَنّ أَنّهُ فَسَخَ حَجّا إلَى عُمْرَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ الْحَجّ إلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ لَمْ يَجُزْ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنّمَا الْفَسْخُ جَائِزٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ نِيّتِهِ أَنْ يَحُجّ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَالْمُتَمَتّعُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَجّ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلِهَذَا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ الْأَيّامَ الثّلَاثَةَ مِنْ حِينِ يُحِرمُ بِالْعُمْرَةِ فَدَلّ عَلَى أَنّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فِي الْحَجّ. وَأَمّا إحْرَامُهُ بِالْحَجّ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَمَا يَبْدَأُ الْجُنُبُ بِالْوُضُوءِ ثُمّ يَغْتَسِلُ بَعْدَهُ. وَكَذَلِكَ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَفْعَلُ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ. وَقَالَ لِلنّسْوَةِ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا. فَغُسْلُ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بَعْضُ الْغُسْلِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا بَاطِلٌ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنّهُ إذَا فَسَخَ اسْتَفَادَ بِالْفَسْخِ حِلّا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِإِحْرَامِهِ الْأَوّلِ فَهُوَ دُونَ مَا الْتَزَمَهُ.
الثّانِي: أَنّ النّسُكَ الّذِي كَانَ قَدْ الْتَزَمَهُ أَوّلًا، أَكْمَلُ مِنْ النّسُكِ الّذِي فَسَخَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ الْأَوّلُ إلَى جُبْرَانٍ وَاَلّذِي يُفْسَخُ إلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى هَدْيٍ جُبْرَانًا لَهُ وَنُسُكٌ لَا جُبْرَانَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ نُسُكٍ مَجْبُورٍ.
الثّالِثُ أَنّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجّ فَلِأَنْ لَا يَجُوزَ إبْدَالُهَا بِهِ وَفَسْخُهُ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُجْمَلٍ وَمُفَصّلٍ. أَمّا الْمُجْمَلُ فَهُوَ أَنّ هَذِهِ الْوُجُوهَ اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى مُجَرّدِ السّنّةِ وَالْجَوَابُ عَنْهَا بِالْتِزَامِ تَقْدِيمِ الْوَحْيِ عَلَى الْآرَاءِ وَأَنّ كُلّ رَأْيٍ يُخَالِفُ السّنّةَ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَبَيَانُ بُطْلَانِهِ لِمُخَالَفَةِ السّنّةِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ لَهُ وَالْآرَاءُ تَبَعٌ لِلسّنّةِ وَلَيْسَتْ السّنّةُ تَبَعًا لِلْآرَاءِ. وَأَمّا الْمُفَصّلُ وَهُوَ الّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَإِنّا الْتَزَمْنَا أَنّ الْفَسْخَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَلَا بُدّ مِنْ الْوَفَاءِ بِهَذَا الِالْتِزَامِ وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ الْأَوّلُ جَوَابُهُ بِأَنّ التّمَتّعَ- وَإِنْ تَخَلّلَهُ التّحَلّلُ- فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ الّذِي لَا حِلّ فِيهِ لِأَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْإِحْرَامِ بِهِ وَلِأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجّ إلَيْهِ وَلِتَمَنّيه أَنّهُ كَانَ أَحْرَمَ بِهِ وَلِأَنّهُ النّسُكُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلِأَنّ الْأُمّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهِ بَلْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَضِبَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ إلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجّ فَتَوَقّفُوا، وَلِأَنّهُ مِنْ الْمُحَالِ قَطْعًا أَنْ تَكُونَ حَجّةٌ قَطّ أَفْضَلَ مِنْ حَجّةِ خَيْرِ الْقُرُونِ وَأَفْضَلِ الْعَالَمِينَ مَعَ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَمَرَهُمْ كُلّهُمْ بِأَنْ يَجْعَلُوهَا مُتْعَةً إلّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذَا الْحَجّ أَفْضَلَ مِنْهُ إلّا حَجّ مَنْ قَرَنَ وَسَاقَ الْهَدْيَ كَمَا اخْتَارَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ فَهَذَا هُوَ الّذِي اخْتَارَهُ اللّهُ لِنَبِيّهِ وَاخْتَارَ لِأَصْحَابِهِ التّمَتّعَ فَأَيّ حَجّ أَفْضَلُ مِنْ هَذَيْنِ. وَلِأَنّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنْ النّسُكِ الْفَاضِلِ إلَى الْمَفْضُولِ الْمَرْجُوحِ وَلِوُجُوهٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ الثّانِي. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهُ نُسُكٌ مَجْبُورٌ بِالْهَدْيِ فَكَلَامٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنّ الْهَدْيَ فِي التّمَتّعِ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ النّسُكِ وَهُوَ دَمُ شُكْرَانٍ لَا دَمَ جُبْرَانٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيّةِ لِلْمُقِيمِ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ عِبَادَةِ هَذَا الْيَوْمِ فَالنّسُكُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الدّمِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأُضْحِيّةِ فَإِنّهُ مَا تُقُرّبَ إلَى اللّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمِثْلِ إرَاقَةِ دَمٍ سَائِلٍ. وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُئِلَ أَيّ الْحَجّ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ الْعَجّ وَالثّجّ وَالْعَجّ رَفْعُ الصّوْتِ بِالتّلْبِيَةِ والثّجُ إرَاقَةُ دَمِ الْهَدْيِ. فَإِنْ قِيلَ يُمْكِنُ الْمُفْرِدُ أَنْ يُحَصّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ. قِيلَ مَشْرُوعِيّتُهَا إنّمَا جَاءَتْ فِي حَقّ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتّعِ وَعَلَى تَقْدِيرِ اسْتِحْبَابِهَا فِي حَقّهِ فَأَيْنَ ثَوَابُهَا مِنْ ثَوَابِ هَدْيِ الْمُتَمَتّعِ وَالْقَارِنِ؟ الْوَجْهُ الثّانِي: إنّهُ لَوْ كَانَ دَمَ جُبْرَانٍ لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مِنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيِهِ فَإِنّهُ أَمَرَ مِنْ كُلّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا. وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سُبْعَ بَدَنَةٍ فَإِنّهُ أَكَلَ مِنْ كُلّ بَدَنَةٍ مِنْ الْمِائَةِ وَالْوَاجِبُ فِيهَا مُشَاعٌ لَمْ يَتَعَيّنْ بِقِسْمَةٍ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّهُ أَطْعَمَ نِسَاءَهُ مِنْ الْهَدْيِ الّذِي ذَبَحَهُ عَنْهُنّ وَكُنّ مُتَمَتّعَاتٍ احْتَجّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا، أَنّهُ أَهْدَى عَنْ نِسَائِهِ ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهِنّ مِنْ الْهَدْيِ الّذِي ذَبَحَهُ عَنْهُنّ وَأَيْضًا: فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فِيمَا يُذْبَحُ بِمِنًى مِنْ الْهَدْيِ {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الْحَجّ: 28] وَهَذَا يَتَنَاوَلُ هَدْيَ التّمَتّعِ وَالْقِرَانِ قَطْعًا إنْ لَمْ يَخْتَصّ بِهِ فَإِنّ الْمَشْرُوعَ هُنَاكَ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ. وَمِنْ هَاهُنَا وَاللّهُ أَعْلَمُ أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كُلّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبّهِ بِالْأَكْلِ لِيَعُمّ بِهِ جَمِيعَ هَدْيِهِ. الْوَجْهُ الثّالِثُ أَنّ سَبَبَ الْجُبْرَانِ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلّا لِعُذْرٍ فَإِنّهُ إمّا تَرْكُ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلُ مَحْظُورٍ وَالتّمَتّعُ مَأْمُورٌ بِهِ إمّا أَمْرَ إيجَابٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ كَابْنِ عَبّاسٍ وَغَيْرِهِ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَلَوْ كَانَ دَمُهُ دَمَ جُبْرَانٍ لَمْ يَجُزْ الْإِقْدَامُ عَلَى سَبَبِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ إنّهُ دَمُ جُبْرَانٍ وَعُلِمَ أَنّهُ دَمُ نُسُكٍ وَهَذَا وَسّعَ اللّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَأَبَاحَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ التّحَلّلَ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ لِمَا فِي اسْتِمْرَارِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَشَقّةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي السّفَرِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفّيْنِ وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَدْيِ أَصْحَابِهِ فِعْلُ هَذَا وَهَذَا وَاللّهُ تَعَالَى يُحِبّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ فَمَحَبّتُهُ لِأَخْذِ الْعَبْدِ بِمَا يَسّرَهُ عَلَيْهِ كَانَ بَدَلًا عَنْ تَرَفّهِهِ بِسُقُوطِ أَحَدِ السّفَرَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِمَنْ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِحَجّ مُفْرَدٍ وَيَعْتَمِرَ عَقِيبَهُ وَالْبَدَلُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْجُمُعَةِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا بَدَلًا، وَكَالتّيَمّمِ لِلْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَإِنّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ بَدَلٌ فَإِذَا كَانَ الْبَدَلُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، فَكَوْنُهُ مُسْتَحَبّا أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَتَخَلّلُ التّحَلّلِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ عِبَادَةً وَاحِدَةً كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنّهُ رُكْنٌ بِالِاتّفَاقِ وَلَا يُفْعَلُ إلّا بَعْدَ التّحَلّلِ الْأَوّلِ وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْجِمَارِ أَيّامَ مِنًى، وَهُوَ يُفْعَلُ بَعْدَ الْحِلّ التّامّ وَصَوْمُ رَمَضَانَ يَتَخَلّلُهُ الْفِطْرُ فِي لَيَالِيِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً وَاحِدَةً. وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ إنّهُ يُجْزِئُ بِنِيّةٍ وَاحِدَةٍ لِلشّهْرِ كُلّهِ لِأَنّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ. وَاللّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ وَأَمّا قَوْلُكُمْ إذَا لَمْ يَجُزْ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجّ فَلِأَنْ لَا يَجُوزَ فَسْخُهُ إلَيْهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، فَنَسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا نَرَى طِحْنًا. وَمَا وَجْهُ التّلَازُمِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَمَا الدّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الدّعْوَى الّتِي لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ بُرْهَانٌ عَلَيْهَا؟ ثُمّ الْقَائِلُ بِهَذَا إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَرَفٍ بِفَسَادِ هَذَا الْقِيَاسِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ طُولِبَ بِصِحّةِ قِيَاسِهِ فَلَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا، ثُمّ يُقَالُ مُدْخِلُ الْعُمْرَةِ قَدْ نَقَصَ مِمّا كَانَ الْتَزَمَهُ فَإِنّهُ كَانَ يَطُوفُ طَوَافًا لِلْحَجّ ثُمّ طَوَافًا آخَرَ لِلْعُمْرَةِ. فَإِذَا قَرَنَ كَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بِالسّنّةِ الصّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ نَقَصَ مِمّا كَانَ يَلْتَزِمُهُ. وَأَمّا الْفَاسِخُ فَإِنّهُ لَمْ يَنْقُضْ مِمّا الْتَزَمَهُ بَلْ نَقَلَ نُسُكَهُ إلَى مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ وَأَفْضَلُ وَأَكْثَرُ وَاجِبَاتِ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ عَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ وَلِلّهِ الْحَمْدُ.