فصل: فصل الْغُلُولُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.النّهْيُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْفَيْءِ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ:

وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يَرْكَبَ الرّجُلُ دَابّةً مِنْ الْفَيْءِ حَتّى إذَا أَعْجَفَهَا، رَدّهَا فِيهِ وَأَنْ يَلْبَسَ الرّجُلُ ثَوْبًا مِنْ الْفَيْءِ حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَالَ الْحَرْبِ.

.فصل الْغُلُولُ:

وَكَانَ يُشَدّدُ فِي الْغُلُولِ جِدّا، وَيَقُولُ هُوَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُصِيبَ غُلَامُهُ مِدْعَمٌ قَالُوا: هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ قَالَ كَلّا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ الشّمْلَةَ الّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ لَمّا سَمِعَ ذَلِكَ فَقَالَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ وَعَظّمَهُ وَعَظّمَ أَمْرَهُ فَقَالَ لَا أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللّهِ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَقَالَ لِمَنْ كَانَ عَلَى ثَقَلِهِ وَقَدْ مَاتَ هُوَ فِي النّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلّهَا وَقَالُوا فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِمْ فُلَانٌ شَهِيدٌ وَفُلَانٌ شَهِيدٌ حَتّى مَرّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: وَفُلَانٌ شَهِيدٌ فَقَالَ كَلّا إنّي رَأَيْتُهُ فِي النّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اذْهَبْ يَا ابْنَ الْخَطّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النّاسِ إنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ إلّا الْمُؤْمِنُونَ وَتُوُفّيَ رَجُلٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ صَلّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيّرَتْ وُجُوهُ النّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ إنّ صَاحِبَكُمْ غَلّ فِي سَبِيلِ اللّهِ شَيْئًا فَفَتّشُوا مَتَاعَهُ فَوَجَدُوا خَرْزًا مِنْ خَرْزِ يَهُودَ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ وَكَانَ إذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلَالًا، فَنَادَى فِي النّاسِ فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ فَيُخَمّسُهُ وَيَقْسِمُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمَامٍ مِنْ شَعْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعْتَ بِلَالًا نَادَى ثَلَاثًا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ؟ فَاعْتَذَرَ فَقَالَ كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ مِنْكَ.

.فصل تَحْرِيقُ مَتَاعِ الْغَالّ وَضَرْبُهُ:

وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ مَتَاعِ الْغَالّ وَضَرْبِهِ، وَحَرَقَهُ الْخَلِيفَتَانِ الرّاشِدَانِ بَعْدَهُ فَقِيلَ هَذَا مَنْسُوخٌ بِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الّتِي ذَكَرْتُ فَإِنّهُ لَمْ يَجِئْ التّحْرِيقُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَقِيلَ- وَهُوَ الصّوَابُ- إنّ هَذَا مِنْ بَابِ التّعْزِيزِ وَالْعُقُوبَاتِ الْمَالِيّةِ الرّاجِعَةِ إلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمّةِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنّهُ حَرَقَ وَتَرَكَ وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَنَظِيرُ هَذَا قَتْلُ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الثّالِثَةِ أَوْ الرّابِعَةِ فَلَيْسَ بِحَدّ وَلَا مَنْسُوخٍ وَإِنّمَا هُوَ تَعْزِيزٌ يَتَعَلّقُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْأُسَارَى:

كَانَ يَمُنّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَيَقْتُلُ بَعْضَهُمْ وَيُفَادِي بَعْضَهُمْ بِالْمَالِ وَبَعْضَهُمْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلّهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فَفَادَى أُسَارَى بَدْرٍ بِمَالٍ وَقَالَ لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ حَيّا، ثُمّ كَلّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ وَهَبَطَ عَلَيْهِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ثَمَانُونَ مُتَسَلّحُونَ يُرِيدُونَ غِرّتَهُ فَأَسَرَهُمْ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِمْ. وَأَسَرَ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ سَيّدَ بَنِي حَنِيفَةَ، فَرَبَطَهُ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ ثُمّ أَطْلَقَهُ فَأَسْلَمَ.

.أُسَارَى بَدْرٍ:

وَاسْتَشَارَ الصّحَابَةَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الصّدّيقُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً تَكُونُ لَهُمْ قُوّةً عَلَى عَدُوّهِمْ وَيُطْلِقَهُمْ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاَللّهِ مَا أَرَى الّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَإِنّ هَؤُلَاءِ أَئِمّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَقْبَلَ عُمَرُ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْكِي هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مِنْ أَيّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْكِي لِلّذِي عَرَضَ عَلَيّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ، وَأَنْزَلَ اللّهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الْأَنْفَالُ 67]. تَكَلّمَ النّاسُ فِي أَيّ الرّأْيَيْنِ كَانَ أَصْوَبَ فَرَجّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ عُمَرَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَرَجّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ لِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَمُوَافَقَتِهِ الْكِتَابَ الّذِي سَبَقَ مِنْ اللّهِ بِإِحْلَالِ ذَلِكَ لَهُمْ وَلِمُوَافَقَتِهِ الرّحْمَةَ الّتِي غَلَبَتْ الْغَضَبَ وَلِتَشْبِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَتَشْبِيهِهِ لِعُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى وَلِحُصُولِ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ الّذِي حَصَلَ بِإِسْلَامِ أَكْثَرِ أُولَئِكَ الْأَسْرَى، وَلِخُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلِحُصُولِ الْقُوّةِ الّتِي حَصَلَتْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْفِدَاءِ وَلِمُوَافَقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ أَوّلًا، وَلِمُوَافَقَةِ اللّهِ لَهُ آخِرًا حَيْثُ اسْتَقَرّ الْأَمْرُ عَلَى رَأْيِهِ وَلِكَمَالِ نَظَرِ الصّدّيقِ فَإِنّهُ رَأَى مَا يَسْتَقِرّ عَلَيْهِ حُكْمُ اللّهِ آخِرًا، وَغَلّبَ جَانِبَ الرّحْمَةِ عَلَى جَانِبِ الْعُقُوبَةِ. قَالُوا: وَأَمّا بُكَاءُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّمَا كَانَ رَحْمَةً لِنُزُولِ الْعَذَابِ لِمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَرَضَ الدّنْيَا، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ أَرَادَهُ بَعْضُ الصّحَابَةِ فَالْفِتْنَةُ كَانَتْ تَعُمّ وَلَا تُصِيبُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ خَاصّةً كَمَا هُزِمَ الْعَسْكَرُ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِقَوْلِ أَحَدِهِمْ: (لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلّةٍ) وَبِإِعْجَابِ كَثْرَتِهِمْ لِمَنْ أَعْجَبَتْهُ مِنْهُمْ فَهُزِمَ الْجَيْشُ بِذَلِكَ فِتْنَةً وَمِحْنَةً ثُمّ اسْتَقَرّ الْأَمْرُ عَلَى النّصْرِ وَالظّفْرِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَأْذَنَهُ الْأَنْصَارُ أَنْ يَتْرُكُوا لِلْعَبّاسِ عَمّهِ فِدَاءَهُ فَقَالَ لَا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا وَاسْتَوْهَبَ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ جَارِيَةً نَفَلَهُ إيّاهَا أَبُو بَكْرٍ فِي بَعْضِ فَوَهَبَهَا لَهُ فَبَعَثَ بِهَا إلَى مَكّةَ، فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَفَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ عُقَيْلٍ وَرَدّ سَبْيَ هَوَازِنَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَاسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَطَيّبُوا لَهُ وَعَوّضَ مَنْ لَمْ يُطَيّبْ مِنْ ذَلِكَ بِكُلّ إنْسَانٍ سِتّ فَرَائِضَ وَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ مِنْ الْأَسْرَى، وَقَتَلَ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ لِشِدّةِ عَدَاوَتِهِمَا لِلّهِ وَرَسُولِهِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَازِ الْفِدَاءِ بِالْعَمَلِكَمَا يَجُوزُ بِالْمَالِ.

.الِاسْتِرْقَاقُ:

وَكَانَ هَدْيُهُ أَنّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ لَمْ يُسْتَرَقّ وَكَانَ يَسْتَرِقّ سَبْيَ الْعَرَبِ، كَمَا يَسْتَرِقّ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ سَبِيّةٌ مِنْهُمْ فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ الطّبَرَانِيّ مَرْفُوعًا: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، فَلْيَعْتِقْ مِنْ بَلْعَنْبَرَ وَلَمّا قَسَمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السّبْيِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابَتَهَا وَتَزَوّجَهَا، فَأُعْتِقَ بِتَزَوّجِهِ إيّاهَا مِئَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ إكْرَامًا لِصِهْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَهِيَ مِنْ صَرِيحِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَتَوَقّفُونَ فِي وَطْءِ سَبَايَا الْعَرَبِ عَلَى الْإِسْلَامِ بَلْ كَانُوا يَطَئُونَهُنّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَبَاحَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِسْلَامَ بَلْ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِلّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النّسَاءُ 24] فَأَبَاحَ وَطْءَ مِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً إذَا انْقَضَتْ عِدّتُهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، لَمّا اسْتَوْهَبَهُ الْجَارِيَةَ الْفَزَارِيّةَ مِنْ السّبْيِ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي، وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا وَلَوْ كَانَ وَطْؤُهَا حَرَامًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْقَوْلِ مَعْنًى، وَلَمْ تَكُنْ قَدْ أَسْلَمَتْ لِأَنّهُ قَدْ فَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَكّةَ، وَالْمُسْلِمُ لَا يُفَادَى بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا نَعْرِفُ فِي أَثَرٍ وَاحِدٍ قَطّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فِي وَطْءِ الْمَسْبِيّةِ فَالصّوَابُ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ هَدْيُهُ وَهَدْيُ أَصْحَابِهِ اسْتِرْقَاقُ الْعَرَبِ، وَوَطْءُ إمَائِهِنّ الْمَسْبِيّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ.

.فصل لَا يُفَرّقُ فِي السّبْيِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمْنَعُ التّفْرِيقَ فِي السّبْيِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَيَقُولُ مَنْ فَرّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرّقَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَانَ يُؤْتَى بِالسّبْيِ فَيُعْطِي أَهْلَ الْبَيْتِ جَمِيعًا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمْ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِيمَنْ جَسّ عَلَيْه:

ثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَتَلَ جَاسُوسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ لَمْ يَقْتُلْ حَاطِبًا، وَقَدْ جَسّ عَلَيْهِ وَاسْتَأْذَنَهُ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَاسْتَدَلّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْجَاسُوسِ كَالشّافِعِيّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللّهُ وَاسْتَدَلّ بِهِ مَنْ يَرَى قَتْلَهُ كَمَالِكٍ، وَابْنِ عُقَيْلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ- رَحِمَهُ اللّهُ- وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: لِأَنّهُ عُلّلَ بِعِلّةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الْقَتْلِ مُنْتَفِيَةٍ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ مَانِعًا مِنْ قَتْلِهِ لَمْ يُعَلّلْ بِأَخَصّ مِنْهُ لِأَنّ الْحُكْمَ إذَا عُلّلَ بِالْأَعَمّ كَانَ الْأَخَصّ عَدِيمَ التّأْثِيرِ وَهَذَا أَقْوَى. وَاللّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
وَكَانَ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِتْقَ عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا، وَيَقُولُ: «هُمْ عُتَقَاءُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ».

.مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى سَبَبِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ:

وَكَانَ هَدْيُهُ أَنّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى سَبَبِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَلْ يُقِرّهُ فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ يُضَمّنُ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَسْلَمُوا مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ حَالَ الْحَرْبِ وَلَا قَبْلَهُ وَعَزَمَ الصّدّيقُ عَلَى تَضْمِينِ الْمُحَارَبِينَ مِنْ أَهْلِ الرّدّةِ دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَقَالَ عُمَرُ تِلْكَ دِمَاءٌ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَأُجُورُهُمْ عَلَى اللّهِ وَلَا دِيَةَ لِشَهِيدٍ فَاتّفَقَ الصّحَابَةُ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا يَرُدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِمْ الّتِي أَخَذَهَا مِنْهُمْ الْكُفّارُ قَهْرًا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ بَلْ كَانُوا يَرَوْنَهَا بِأَيْدِيهِمْ وَلَا يَتَعَرّضُونَ لَهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ هَذَا هَدْيُهُ الّذِي لَا شَكّ فِيهِ. وَلَمّا فَتَحَ مَكّةَ، قَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ دُورَهُمْ الّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ دَارَهُ وَذَلِكَ لِأَنّهُمْ تَرَكُوهَا لِلّهِ وَخَرَجُوا عَنْهَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ فَأَعَاضَهُمْ عَنْهَا دُورًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنّةِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيمَا تَرَكُوهُ لِلّهِ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يُرَخّصْ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكّةَ بَعْدَ نُسُكِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ لِأَنّهُ قَدْ تَرَكَ بَلَدَهُ لِلّهِ وَهَاجَرَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ يَسْتَوْطِنُهُ وَلِهَذَا رَثَى لِسَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَسَمّاهُ بَائِسًا أَنْ مَاتَ بِمَكّةَ وَدُفِنَ بِهَا بَعْدَ هِجْرَتِهِ مِنْهَا.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْنُومَةِ:

ثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَسَمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَة وَبَنِي النّضِير وَخَيْبَرَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَأَمّا الْمَدِينَةُ، فَفُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ وَأَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَأُقِرّتْ بِحَالِهَا. وَأَمّا مَكّةُ، فَفَتَحَهَا عَنْوَةً وَلَمْ يَقْسِمْهَا، فَأَشْكَلَ عَلَى كُلّ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْجَمْعُ بَيْنَ فَتْحِهَا عَنْوَةً وَتَرْكِ قِسْمَتِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لِأَنّهَا دَارُ الْمَنَاسِكِ وَهِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلّهِمْ وَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، ثُمّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ مَنَعَ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوّزَ بَيْعَ رِبَاعِهَا، وَمَنَعَ إجَارَتَهَا، وَالشّافِعِيّ لَمّا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْعَنْوَةِ وَبَيْنَ عَدَمِ الْقِسْمَةِ قَالَ إنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، فَلِذَلِكَ لَمْ تُقْسَمْ. قَالَ وَلَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَكَانَتْ غَنِيمَةً فَيَجِبُ قِسْمَتُهَا كَمَا تَجِبُ قِسْمَةُ الْحَيَوَانِ وَالْمَنْقُولِ وَلَمْ يَرَ بَأْسًا مِنْ بَيْعِ رُبَاعِ مَكّةَ، وَإِجَارَتِهَا، وَاحْتَجّ بِأَنّهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا تُورَثُ عَنْهُمْ وَتُوهَبُ وَقَدْ أَضَافَهَا اللّهُ سُبْحَانَهُ إلَيْهِمْ إضَافَةَ الْمِلْكِ إلَى مَالِكِهِ وَاشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ دَارًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَقِيلَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِك بِمَكّةَ؟ فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ، فَلَمّا كَانَ أَصْلُ الشّافِعِيّ أَنّ الْأَرْضَ مِنْ الْغَنَائِمِ وَأَنّ الْغَنَائِمَ تَجِبُ مَكّةَ تُمْلَكُ وَتُبَاعُ وَرِبَاعُهَا وَدُورُهَا لَمْ تُقْسَمْ لَمْ يَجِدْ بُدّا مِنْ الْقَوْلِ بِأَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا.

.هَلْ الْأَرْضُ تَدْخُلُ فِي الْغَنَائِمِ:

لَكِنْ مَنْ تَأَمّلَ الْأَحَادِيثَ الصّحِيحَةَ وَجَدَهَا كُلّهَا دَالّةً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً. ثُمّ اخْتَلَفُوا لِأَيّ شَيْءٍ لَمْ يَقْسِمْهَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لِأَنّهَا دَارُ النّسُكِ وَمَحَلّ الْعِبَادَةِ فَهِيَ وَقْفٌ مِنْ اللّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْإِمَامُ مُخَيّرٌ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ قِسْمَتِهَا وَبَيْنَ وَقْفِهَا، وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَقْسِمْ مَكّةَ، فَدَلّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ. قَالُوا: وَالْأَرْضُ لَا تَدْخُلُ فِي الْغَنَائِمِ الْمَأْمُورِ بِقِسْمَتِهَا، بَلْ الْغَنَائِمُ هِيَ الْحَيَوَانُ وَالْمَنْقُولُ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يُحِلّ الْغَنَائِمَ لِأُمّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمّةِ وَأَحَلّ لَهُمْ دِيَارَ الْكُفْرِ وَأَرْضَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدّسَةَ الّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} [الْمَائِدَةُ 20- 21،] وَقَالَ فِي دِيَارِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَأَرْضِهِمْ {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشّعَرَاءُ 59] فَعُلِمَ أَنّ الْأَرْضَ لَا تَدْخُلُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْإِمَامُ مُخَيّرٌ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَقَدْ قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَرَكَ وَعُمَرُ لَمْ يَقْسِمْ بَلْ أَقَرّهَا عَلَى حَالِهَا وَضَرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرّا فِي رَقَبَتِهَا يَكُونُ لِلْمُقَاتِلَةِ فَهَذَا مَعْنَى وَقْفِهَا، لَيْسَ مَعْنَاهُ الْوَقْفَ الّذِي يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الرّقَبَةِ بَلْ يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ عَمَلُ الْأُمّةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنّهَا تُورَثُ وَالْوَقْفُ لَا يُورَثُ وَقَدْ نَصّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ- رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى- عَلَى أَنّهَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ صَدَاقًا، وَالْوَقْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي النّكَاحِ وَلِأَنّ الْوَقْفَ إنّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ حَقّ الْبُطُونِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنْفَعَتِهِ وَالْمُقَاتِلَةِ حَقّهُمْ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ فَمَنْ اشْتَرَاهَا صَارَتْ عِنْدَهُ خَرَاجِيّةً كَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ سَوَاءً فَلَا يَبْطُلُ حَقّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْبَيْعِ كَمَا لَمْ يَبْطُلْ بِالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَالصّدَاقِ وَنَظِيرُ هَذَا بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَقَدْ انْعَقَدَ فِيهِ سَبَبُ الْحُرّيّةِ بِالْكِتَابَةِ فَإِنّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مُكَاتَبًا كَمَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَا يَبْطُلُ مَا انْعَقَدَ فِي حَقّهِ مِنْ سَبَبِ الْعِتْقِ بِبَيْعِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ نِصْفَ أَرْضِ خَيْبَرَ خَاصّةً وَلَوْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْغَنِيمَةِ لَقَسَمَهَا كُلّهَا بَعْدَ الْخُمُسِ فَفِي السّنَنِ والْمُسْتَدْرَكِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمَعَ كُلّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ النّصْفُ مِنْ ذَلِكَ وَعَزَلَ النّصْفَ الْبَاقِيَ لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النّاسِ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَفِي لَفْظٍ عَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُوَ الشّطْرُ لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَطِيحَ وَالْكُتَيْبَةَ، وَالسّلَالِمَ وَتَوَابِعَهَا. وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا: عَزَلَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَمَا نَزَلَ بِهِ: الْوَطْحِيّةَ وَالْكُتَيْبَةَ، وَمَا أُحِيزَ مَعَهُمَا، وَعَزَلَ النّصْفَ الْآخَرَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الشّقّ وَالنّطَاةَ، وَمَا أُحِيزَ مَعَهُمَا، وَكَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُحِيزَ مَعَهُمَا.