فصل: عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ:

وَأَيْضًا فَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدّتُهَا حَيْضَتَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتّرْمِذِيّ وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُظَاهِرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي لَفْظٍ لِلدّارَقُطْنِيّ فِيهِ طَلَاقُ الْعَبْدِ ثِنْتَان وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَطِيّةَ الْعَوْفِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ اثْنَتَانِ وَعِدّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَأَيْضًا: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُحَمّدٍ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَفِي الْمُسْنَدِ: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيّرَ بَرِيرَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ عِدّةَ الْحُرّةِ وَقَدْ فُسّرَ عِدّةُ الْحُرّةِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ؟ قِيلَ لَيْسَ هَذَا بِأَوّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ فَأَخَذَ بِرِوَايَتِهِ دُونَ رَأْيِهِ وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِ الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ لَمّا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنْ تَتَرَبّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا رَوَاهُ النّسَائِيّ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَأَمَرَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَعْتَدّ بِحَيْضَةِ.

.اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ حَيْضَةٌ:

وَفِي التّرْمِذِيّ أَنّ الرّبَيّعَ بِنْتَ مُعَوّذٍ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ أُمِرَتْ أَن تَعْتَدّ بِحَيْضَة قَالَ التّرْمِذِيّ حَدِيثُ الرّبَيّعِ الصّحِيحُ أَنّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ بِحَيْضَةٍ. وَأَيْضًا فَإِنّ الِاسْتِبْرَاءَ هُوَ عِدّةُ الْأَمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَى تَحِيضَ حَيْضَة رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلّمُ أَنّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ بِالْحَيْضَةِ وَإِنّمَا هُوَ بِالطّهْرِ الّذِي هُوَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ وَقَالَ قَوْلُهُمْ إنّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ حَيْضَةٌ بِإِجْمَاعِ لَيْسَ كَمَا ظَنّوا بَلْ جَائِزٌ لَهَا عِنْدَنَا أَنْ تَنْكِحَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَاسْتَيْقَنَتْ أَنّ دَمَهَا دَمُ حَيْضٍ كَذَلِكَ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ لِيَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ حِينَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ فِي مُنَاظَرَتِهِ إيّاهُ. قُلْنَا: هَذَا يَرُدّهُ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُوطَأُ الْحَامِلُ حَتّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةِ وَأَيْضًا فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيّ مِنْ الْعِدّةِ إنّمَا هُوَ اسْتِبْرَاءُ الرّحِمِ وَإِنْ كَانَ لَهَا فَوَائِدُ أُخَرُ وَلِشَرَفِ الْحُرّةِ الْمَنْكُوحَةِ وَخَطَرِهَا جُعِلَ الْعَلَمُ الدّالّ عَلَى بَرَاءَةِ رَحِمِهَا ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ فَلَوْ كَانَ الْقَرْءُ هُوَ الطّهْرَ لَمْ تَحْصُلْ بِالْقَرْءِ الْأَوّلِ دَلَالَةٌ فَإِنّهُ لَوْ جَامَعَهَا فِي الطّهْرِ ثُمّ طَلّقَهَا ثُمّ حَاضَتْ كَانَ ذَلِكَ قَرْءًا مَحْسُوبًا مِنْ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ. وَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا لَمْ يَدُلّ عَلَى شَيْءٍ وَإِنّمَا الّذِي يَدُلّ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْحَيْضُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الطّلَاقِ وَلَوْ طَلّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ فَإِنّمَا يُعْلَمُ هُنَا بَرَاءَةُ الرّحِمِ بِالْحَيْضِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الطّلَاقِ وَالْعِدّةُ لَا تَكُونُ قَبْلَ الطّلَاقِ لِأَنّهَا حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ فَإِذَا كَانَ الطّهْرُ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الطّلَاقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ أَصْلًا لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهُ فِي الْعِدَدِ الدّالّةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرّحِمِ وَكَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاهِدٍ غَيْرِ مَقْبُولٍ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ لَا شَهَادَةَ لَهُ يُوَضّحُهُ أَنّ الْعِدّةَ فِي الْمَنْكُوحَاتِ كَالِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمَمْلُوكَاتِ. وَقَدْ ثَبَتَ بِصَرِيحِ السّنّةِ أَنّ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطّهْرِ فَكَذَلِكَ الْعِدّةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلّا بِتَعَدّدِ الْعِدّةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالِاسْتِبْرَاءِ بِقَرْءِ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا فِي حَقِيقَةِ الْقَرْءِ وَإِنّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهُمَا وَلِهَذَا قَالَ الشّافِعِيّ فِي أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ إنّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ يَكُونُ بِالْحَيْضِ وَفَرّقَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنّ الْعِدّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقّ الزّوْجِ فَاخْتُصّتْ بِأَزْمَانِ حَقّهِ وَهِيَ أَزْمَانُ الطّهْرِ وَبِأَنّهَا تَتَكَرّرُ فَتُعْلَمُ مَعَهَا الْبَرَاءَةُ بِتَوَسّطِ وَقَالَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ تُسْتَبْرَأُ بِطُهْرٍ طَرْدًا لِأَصْلِهِ فِي الْعِدَدِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ تَحْتَسِبُ بِبَعْضِ الطّهْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِهِ فَإِذَا احْتَسَبَتْ بِهِ فَلَا بُدّ مِنْ ضَمّ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ إلَيْهِ. فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الطّهْرِ الثّانِي حَلّتْ وَإِنْ لَمْ تَحْتَسِبْ بِهِ فَلَا بُدّ مِنْ ضَمّ طُهْرٍ كَامِلٍ إلَيْهِ وَلَا تَحْتَسِبُ بِبَعْضِ الطّهْرِ عِنْدَهُ قَرْءًا قَوْلًا وَاحِدًا.

.عِلّةُ أَوْلَوِيّةِ اعْتِدَادِ الْحُرّةِ عَلَى الْأَمَةِ بِالْحَيْضِ:

وَالْمَقْصُودُ أَنّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنّ عِدّةَ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْضَةٌ لَا طُهْرٌ وَهَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقّ الْأَمَةِ كَالْعِدّةِ فِي حَقّ الْحُرّةِ قَالُوا: بَلْ الِاعْتِدَادُ فِي حَقّ الْحُرّةِ بِالْحَيْضِ أَوْلَى مِنْ الْأَمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّ الِاحْتِيَاطَ فِي حَقّهَا ثَابِتٌ بِتَكْرِيرِ الْقَرْءِ ثَلَاثَ اسْتِبْرَاءَاتٍ فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي حَقّهَا بِالْحَيْضِ الّذِي هُوَ أَحْوَطُ مِنْ الطّهْرِ فَإِنّهَا لَا تَحْتَسِبُ بِبَقِيّةِ الْحَيْضَةِ قَرْءًا وَتَحْتَسِبُ بِبَقِيّةِ الطّهْرِ قَرْءًا.
الثّانِي: أَنّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ فَرْعٌ عَلَى عِدّةِ الْحُرّةِ وَهِيَ الثّابِتَةُ بِنَصّ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِبْرَاءُ إنّمَا ثَبَتَ بِالسّنّةِ فَإِذَا كَانَ قَدْ احْتَاطَ لَهُ الشّارِعُ بِأَنْ جَعَلَهُ بِالْحَيْضِ فَاسْتِبْرَاءُ الْحُرّةِ أَوْلَى فَعِدّةُ الْحُرّةِ اسْتِبْرَاءٌ لَهَا وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ عِدّةٌ لَهَا. وَأَيْضًا فَالْأَدِلّةُ وَالْعَلَامَاتُ وَالْحُدُودُ وَالْغَايَاتُ إنّمَا تَحْصُلُ بِالْأُمُورِ الظّاهِرَةِ الْمُتَمَيّزَةِ عَنْ غَيْرِهَا وَالطّهْرُ هُوَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيّ وَلِهَذَا مَتَى كَانَ مُسْتَمِرّا مُسْتَصْحَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ يُفْرَدُ بِهِ فِي الشّرِيعَةِ وَإِنّمَا الْأَمْرُ الْمُتَمَيّزُ هُوَ الْحَيْضُ فَإِنّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ تَغَيّرَتْ أَحْكَامُهَا مِنْ بُلُوغِهَا وَتَحْرِيمِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا مِنْ الصّلَاةِ وَالصّوْمِ وَالطّوَافِ وَاللّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ. ثُمّ إذَا انْقَطَعَ الدّمُ وَاغْتَسَلَتْ فَلَمْ تَتَغَيّرْ أَحْكَامُهَا بِتَجَدّدِ الطّهْرِ لَكِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدّدَ لَهَا الطّهْرُ حُكْمًا وَالْقَرْءُ أَمْرٌ يُغَيّرُ أَحْكَامَ الْمَرْأَةِ وَهَذَا التّغْيِيرُ إنّمَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ دُونَ الطّهْرِ. فَهَذَا الْوَجْهُ دَالّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَحْتَسِبُ بِالطّهْرِ الّذِي قَبْلَ الْحَيْضَةِ قَرْءًا فِيمَا إذَا طُلّقَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ثُمّ حَاضَتْ فَإِنّ مَنْ اعْتَدّ بِهَذَا الطّهْرِ قَرْءًا جَعَلَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ فِي الشّرِيعَةِ قَرْءًا مِنْ الْأَقْرَاءِ وَهَذَا فَاسِدٌ.

.فصل حُجّةُ مَنْ فَسّرَ الْأَقْرَاءَ بِالْأَطْهَارِ:

قَالَ مَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الدّلِيلِ عَلَى أَنّهَا الْأَطْهَارُ.
الثّانِي: فِي الْجَوَابِ عَنْ أَدِلّتِكُمْ. أَمّا الْمَقَامُ الْأَوّلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقَ 1] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنّ اللّامَ هِيَ لَامُ الْوَقْتِ أَيْ فَطَلّقُوهُنّ فِي وَقْتِ عِدّتِهِنّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الْأَنْبِيَاءَ 47] أَيْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَوْلُهُ: {أَقِمِ الصّلَاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ} [الْإِسْرَاءَ: 78] أَيْ وَقْتَ الدّلُوكِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ: جِئْتُك لِثَلَاثِ بَقِينَ مِنْ الشّهْرِ أَيْ فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْهُ وَقَدْ فَسّرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِهَذَا التّفْسِيرِ فَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ لَمّا طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَمَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمّ يُطَلّقَهَا وَهِيَ طَاهِرٌ قَبْلَ أَنْ يَمَسّهَا ثُمّ قَالَ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ فَبَيّنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْعِدّةَ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ هِيَ الطّهْرُ الّذِي بَعْدَ الْحَيْضَةِ وَلَوْ كَانَ الْقَرْءُ هُوَ الْحَيْضَ كَانَ قَدْ طَلّقَهَا قَبْلَ الْعِدّةِ لَا فِي الْعِدّةِ وَكَانَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا عَلَيْهَا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَوْ طَلّقَهَا فِي الْحَيْضِ. قَالَ الشّافِعِيّ: قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةَ 228] فَالْأَقْرَاءُ عِنْدَنَا- وَاللّهُ أَعْلَمُ- الْأَطْهَارُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلّ عَلَى أَنّهَا الْأَطْهَارُ وَقَدْ قَالَ غَيْرُكُمْ الْحَيْضُ؟ قِيلَ لَهُ دَلَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْكِتَابُ الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ وَالْأُخْرَى: اللّسَانُ. فَإِنْ قَالَ وَمَا الْكِتَابُ؟ قِيلَ قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقَ 1] وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا تُمّ لِيُمْسِكْهَا حَتّى تَطْهُرَ ثُمّ تَحِيضَ ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَذْكُرُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ حَائِضًا فَقَالَ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ يُمْسِكْ وَتَلَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ} لِقُبُلِ أَوْ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ [الطّلَاقَ 1] قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أَنَا شَكَكْت فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ أَنّ الْعِدّةَ الطّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ وَقَرَأَ فَطَلّقُوهُنّ لِقُبُلِ عِدّتِهِنّ وَهُوَ أَنْ يُطَلّقَهَا طَاهِرًا لِأَنّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدّتَهَا وَلَوْ طُلّقَتْ حَائِضًا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدّتَهَا إلّا بَعْدَ الْحَيْضِ. فَإِنْ قَالَ فَمَا اللّسَانُ؟ قِيلَ الْقَرْءُ اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنَى فَلَمّا كَانَ الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرّحِمُ فَيَخْرُجُ وَالطّهْرُ دَمًا يَحْتَبِسُ فَلَا يَخْرُجُ وَكَانَ مَعْرُوفًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنّ الْقَرْءَ الْحَبْسُ. تَقُولُ الْعَرَب: هُوَ يَقْرِي الْمَاءَ فِي حَوْضِهِ وَفِي سِقَائِهِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يَقْرِي الطّعَامَ فِي شِدْقِهِ يَعْنِي: يَحْبِسُهُ فِي شِدْقِهِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: إذَا حَبَسَ الرّجُلُ الشّيْءَ قَرَأَهُ. يَعْنِي: خَبّأَهُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ تُقْرَى فِي صِحَافِهَا أَيْ تُحْبَسُ فِي صِحَافِهَا. قَالَ الشّافِعِيّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا انْتَقَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرّحْمَنِ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ فَقَالَتْ صَدَقَ عُرْوَةُ. وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ. وَقَالُوا: إنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُولُ {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: صَدَقْتُمْ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ؟ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَقُولُ مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إلّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا. يُرِيدُ الّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: إذَا طَعَنَتْ الْمُطَلّقَةُ فِي الدّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ نَافِعٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنّ الْأَحْوَصَ- يَعْنِي ابْنَ حَكِيمٍ- هَلَكَ بِالشّامِ حِينَ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْحَيْضَةِ كَانَ طَلّقَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ زَيْدٌ إنّهَا إذَا دَخَلَتْ فِي الدّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ إذَا طَعَنَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ وَابْنَ عُمَرَ قَالَا: إذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ إذَا طَلّقَ الرّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ أَنّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا دَخَلَتْ الْمُطَلّقَةُ فِي الدّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. زَادَ غَيْرُ الشّافِعِيّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللّهُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا. قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَلَا بُعْدَ أَنْ تَكُونَ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَالنّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ لِأَنّهُ فِيهِنّ لَا فِي الرّجَالِ أَوْ الْحَيْضُ فَإِذَا جَاءَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ حَلّتْ وَلَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللّهِ لِلْغُسْلِ مَعْنَى وَلَسْتُمْ تَقُولُونَ بِوَاحِدِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَعْنِي: أَنّ الّذِينَ قَالُوا: إنّهَا الْحَيْضُ قَالُوا: وَهُوَ أَحَقّ بِرَجْعَتِهَا حَتّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ كَمَا قَالَهُ عَلِيّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ أَيْضًا. فَقَالَ الشّافِعِيّ: فَقِيلَ لَهُمْ يَعْنِي لِلْعِرَاقِيّينَ لَمْ تَقُولُوا بِقَوْلِ مَنْ احْتَجَجْتُمْ بِقَوْلِهِ وَرَوَيْتُمْ هَذَا عَنْهُ وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السّلَفِ عَلِمْنَاهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَيْنَ خَالَفْنَاهُمْ؟ قُلْنَا. قَالُوا: حَتّى تَغْتَسِلَ وَتَحِلّ لَهَا الصّلَاةُ وَقُلْتُمْ إنْ فَرّطَتْ فِي الْغُسْلِ حَتّى يَذْهَبَ وَقْتُ الصّلَاةِ حَلّتْ وَهِيَ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَمْ تَحِلّ لَهَا الصّلَاةُ. انْتَهَى كَلَامُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ. قَالُوا: وَيَدُلّ عَلَى أَنّهَا الْأَطْهَارُ فِي اللّسَانِ قَوْلُ الْأَعْشَى:
أَفِي كُلّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ** تَشُدّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

مُوَرّثَةٍ عِزّا وَفِي الْحَيّ رِفْعَةً ** لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا

فَالْقُرُوءُ فِي الْبَيْتِ الْأَطْهَارُ لِأَنّهُ ضَيّعَ أَطْهَارَهُنّ فِي غَزَاتِهِ وَآثَرَهَا عَلَيْهِنّ. قَالُوا: وَلِأَنّ الطّهْرَ أَسْبَقُ إلَى الْوُجُودِ مِنْ الْحَيْضِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْمِ قَالُوا: فَهَذَا أَحَدُ الْمَقَامَيْنِ.
وَأَمّا الْمَقَامُ الْآخَرُ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ أَدِلّتِكُمْ فَنُجِيبُكُمْ بِجَوَابَيْنِ مُجْمَلٍ وَمُفَصّلٍ. أَمّا الْمُجْمَلُ فَنَقُولُ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِهِ وَبِمُرَادِ الْمُتَكَلّمِ بِهِ مَنْ كُلّ أَحَدٍ سِوَاهُ وَقَدْ فَسّرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِدّةَ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ بِالْأَطْهَارِ فَلَا الْتِفَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى شَيْءٍ خَالَفَهُ بَلْ كُلّ تَفْسِيرٍ يُخَالِفُ هَذَا فَبَاطِلٌ. قَالُوا: وَأَعْلَمُ الْأُمّةِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْلَمُهُنّ بِهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لِأَنّهَا فِيهِنّ لَا فِي الرّجَالِ وَلِأَنّ اللّهَ تَعَالَى جَعَلَ قَوْلَهُنّ فِي فَدَلّ عَلَى أَنّهُنّ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ الرّجَالِ فَإِذَا قَالَتْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: إنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ.
فَقَدْ قَالَتْ حَذَامِ فَصَدّقُوهَا ** فَإِنّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَام

قَالُوا: وَأَمّا الْجَوَابُ الْمُفَصّلُ فَنُفْرِدُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ أَدِلّتِكُمْ بِجَوَابِ خَاصّ فَهَاكُمْ الْأَجْوِبَةُ. أَمّا قَوْلُكُمْ إمّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْآيَةِ الْأَطْهَارُ فَقَطْ أَوْ الْحِيَضُ فَقَطْ أَوْ مَجْمُوعُهُمَا إلَى آخِرِهِ. فَجَوَابُهُ أَنْ نَقُولَ الْأَطْهَارُ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدّلَالَةِ. قَوْلُكُمْ النّصّ اقْتَضَى ثَلَاثَةً إلَى آخِرِهِ. قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا: أَنّ بَقِيّةَ الطّهْرِ عِنْدَنَا قَرْءٌ كَامِلٌ فَمَا اعْتَدّتْ إلّا بِثَلَاثِ كَوَامِلَ.
الثّانِي: أَنّ الْعَرَبَ تُوقِعُ اسْمَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [الْبَقَرَةَ 197] فَإِنّهَا شَوّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجّةِ أَوْ تِسْعٌ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَيَقُولُونَ لِفُلَانٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً إذْ دَخَلَ فِي السّنَةِ الثّالِثَةَ عَشَرَ. فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فِي لُغَتِهِمْ وَقَدْ دَلّ الدّلِيلُ عَلَيْهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الطّهْرِ فَمُقَابَلٌ بِقَوْلِ مُنَازِعِيكُمْ. قَوْلُكُمْ إنّ أَهْلَ اللّغَةِ يُصَدّرُونَ كُتُبَهُمْ بِأَنّ الْقَرْءَ هُوَ الْحَيْضُ فَيَذْكُرُونَهُ تَفْسِيرًا لِلَفْظِ ثُمّ يُرْدِفُونَهُ بِقَوْلِهِمْ بِقِيلَ أَوْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الطّهْرُ. قُلْنَا: أَهْلُ اللّغَةِ يَحْكُونَ أَنّ لَهُ مُسَمّيَيْنِ فِي اللّغَةِ وَيُصَرّحُونَ بِأَنّهُ يُقَالُ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِي إطْلَاقَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَالْجَوْهَرِيّ رَجّحَ الْحَيْضَ. وَالشّافِعِيّ مِنْ أَئِمّةِ اللّغَةِ وَقَدْ رَجّحَ أَنّهُ الطّهْرُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقَرْءُ يَصْلُحُ لِلطّهْرِ وَالْحَيْضِ. وَقَالَ الزّجّاجُ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بَهْ عَنْ يُونُسَ أَنّ الْقَرْءَ عِنْدَهُ يَصْلُحُ لِلطّهْرِ وَالْحَيْضِ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ الْقَرْءُ الْوَقْتُ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ وَيَصْلُحُ لِلطّهْرِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ نُصُوصَ أَهْلِ اللّغَةِ فَكَيْفَ يَحْتَجّونَ بِقَوْلِهِمْ إنّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ؟ قَوْلُكُمْ إنّ مَنْ جَعَلَهُ الطّهْرَ فَإِنّهُ يُرِيدُ أَوْقَاتَ الطّهْرِ الّتِي يَحْتَوِشُهَا الدّمُ وَإِلّا فَالصّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ لَيْسَتَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ بَلْ إذَا طُلّقَتْ الصّغِيرَةُ الّتِي لَمْ تَحِضْ ثُمّ حَاضَتْ فَإِنّهَا تَعْتَدّ بِالطّهْرِ الّذِي طُلّقَتْ فِيهِ قَرْءًا عَلَى أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنّهُ طُهْرٌ بَعْدَهُ حَيْضٌ وَكَانَ قَرْءًا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ حَيْضٌ.