فصل: رُجُوعُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إلَى عَدَمِ التّحْرِيمِ إلّا بِرَضَاعِ الصّغِيرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي رَدِّحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ:

وَأَمّا رَدّكُمْ لِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ فَتَعَسّفٌ بَارِدٌ فَلَا يَلْزَمُ انْقِطَاعُ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ لَقِيَتْ أُمّ سَلَمَةَ صَغِيرَةً فَقَدْ يَعْقِلُ الصّغِيرُ جِدّا أَشْيَاءَ وَيَحْفَظُهَا وَقَدْ عَقَلَ مَحْمُودُ بْنُ الرّبِيعِ الْمَجّةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَيَعْقِلُ أَصْغَرُ مِنْهُ. وَقَدْ قُلْتُمْ إنّ فَاطِمَةَ كَانَتْ وَقْتَ وَفَاةِ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَهَذَا سِنّ جَيّدٌ لَا سِيّمَا لِلْمَرْأَةِ فَإِنّهَا تَصْلُحُ فِيهِ لِلزّوْجِ فَمَنْ هِيَ فِي حَدّ الزّوَاجِ كَيْفَ يُقَالُ إنّهَا لَا تَعْقِلُ مَا تَسْمَعُ وَلَا تَدْرِي مَا تُحَدّثُ بِهِ؟ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الّذِي أُمّ سَلَمَةَ كَانَتْ مُصَادِقَةً لِجَدّتِهَا أَسْمَاءَ وَكَانَتْ دَارُهُمَا وَاحِدَةً فَنَشَأَتْ فَاطِمَةُ هَذِهِ فِي حَجْرِ جَدّتِهَا أَسْمَاءَ مَعَ خَالَةِ أَبِيهَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَأُمّ سَلَمَةَ وَمَاتَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ يُمْكِنُ سَمَاعُ فَاطِمَةَ مِنْهَا وَأَمّا جَدّتُهَا أَسْمَاءُ فَمَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَفَاطِمَةُ إذْ ذَاكَ بِنْتُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَلِذَلِكَ كَثُرَ سَمَاعُهَا مِنْهَا وَقَدْ أَفْتَتْ أُمّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ الْحَدِيثِ الّذِي رَوَتْهُ أَسْمَاءُ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا سُئِلَتْ مَا يُحَرّمُ مِنْ الرّضَاعِ؟ فَقَالَتْ مَا كَانَ فِي الثّدْيِ قَبْلَ الْفِطَامِ فَرَوَتْ الْحَدِيثَ وَأَفْتَتْ بِمُوجَبِهِ. وَأَفْتَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ لَا رَضَاعَ إلّا فِي الْحَوْلَيْنِ فِي الصّغَرِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: أَنّهُ كَانَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلّا لِمَنْ أَرْضَعَ فِي الصّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَام.

.رُجُوعُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إلَى عَدَمِ التّحْرِيمِ إلّا بِرَضَاعِ الصّغِيرِ:

وَتَنَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى فَأَفْتَى ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَنّهُ لَا يُحَرّمُ إلّا فِي الصّغَرِ فَرَجَعَ إلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: أَنْتَ تُفْتِي بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا رَضَاعَ إلّا مَا شَدّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللّحْمَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيّ حَدّثَنَا وَكِيعٌ حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْهِلَالِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَا يُحَرّمُ مِنْ الرّضَاعِ إلّا مَا أَنْبَتَ اللّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» ثُمّ أَفْتَى بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ الثّوْرِيّ حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيّةَ الْوَادِعِيّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ إنّ امْرَأَتِي وَرِمَ ثَدْيُهَا فَمَصَصْته فَدَخَلَ حَلْقِي شَيْءٌ سَبَقَنِي فَشَدّدَ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَتَى عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ سَأَلْتَ أَحَدًا غَيْرِي؟ قَالَ نَعَمْ أَبَا مُوسَى فَشَدّدَ عَلَيّ فَأَتَى أَبَا مُوسَى فَقَالَ أَرَضِيعٌ هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَهَذِهِ رِوَايَتُهُ وَفَتْوَاهُ. وَأَمّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ الثّوْرِيّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضّحّاكِ عَنْ النّزّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيّ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ وَهَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ. لَكِنْ جُوَيْبِرٌ لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ أَقْوَى مِنْهُ. فَصْلٌ الْمَسْلَكُ الثّالِثُ أَنّ حَدِيثَ سَهْلَةَ لَيْسَ بِمَنْسُوخِ وَلَا مَخْصُوصٍ وَلَا عَامّ فِي حَقّ كُلّ أَحَدٍ وَإِنّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَيَشُقّ احْتِجَابُهَا عَنْهُ كَحَالِ سَالِمٍ مَعَ امْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَمِثْلُ هَذَا الْكَبِيرِ إذَا أَرْضَعَتْهُ لِلْحَاجَةِ أَثّرَ رَضَاعُهُ وَأَمّا مَنْ عَدَاهُ فَلَا يُؤَثّرُ إلّا رَضَاعُ الصّغِيرِ وَهَذَا مَسْلَكُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيّةَ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى وَالْأَحَادِيثُ النّافِيَةُ لِلرّضَاعِ فِي الْكَبِيرِ إمّا مُطْلَقَةٌ فَتُقَيّدُ بِحَدِيثِ سَهْلَةَ أَوْ عَامّةٌ فِي الْأَحْوَالِ فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْحَالِ مِنْ عُمُومِهَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ النّسْخِ وَدَعْوَى التّخْصِيصِ بِشَخْصِ بِعَيْنِهِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعَمَلِ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَوَاعِدُ الشّرْعِ تَشْهَدُ لَهُ وَاللّهُ الْمُوَفّقُ.

.ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعِدَدِ:

هَذَا الْبَابُ قَدْ تَوَلّى اللّهُ- سُبْحَانَهُ- بَيَانَهُ فِي كِتَابِهِ أَتَمّ بَيَانٍ وَأَوْضَحَهُ وَأَجْمَعَهُ بِحَيْثُ لَا تَشِذّ عَنْهُ مُعْتَدّةٌ فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْعِدَدِ وَهِيَ جُمْلَةُ أَنْوَاعِهَا.

.عِدّةُ الْحَامِلِ:

النّوْعُ الْأَوّلُ عِدّةُ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مُطْلَقًا بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيّةً مُفَارِقَةً فِي الْحَيَاة أَوْ مُتَوَفّى عَنْهَا فَقَالَ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] وَهَذَا فِيهِ عُمُومٌ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ:
أَحَدُهَا: عُمُومُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَهُوَ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ فَإِنّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُنّ.
الثّانِي: عُمُومُ الْأَجَلِ فَإِنّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِنّ وَإِضَافَةُ اسْمِ الْجَمْعِ إلَى الْمَعْرِفَةِ يَعُمّ فَجَعَلَ وَضْعَ الْحَمْلِ جَمِيعَ أَجَلِهِنّ فَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِنّ أَجَلٌ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ جَمِيعَ أَجَلِهِنّ.
الثّالِثُ أَنّ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ مَعْرِفَتَانِ أَمّا الْمُبْتَدَأُ فَظَاهِرٌ وَأَمّا الْخَبَرُ- وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] فَفِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُضَافٍ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ اقْتَضَى ذَلِكَ حَصْرَ الثّانِي فِي الْأَوّلِ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ} [فَاطِرَ 15]. وَبِهَذَا احْتَجّ جُمْهُورُ الصّحَابَةِ عَلَى أَنّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا عِدّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا وَلَوْ وَضَعَتْهُ وَالزّوْجُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيّةِ وَكَانَ هَذَا الْحَكَمُ وَالْفَتْوَى مِنْهُ مُشْتَقّا مِنْ كِتَابِ اللّهِ مُطَابِقًا لَهُ.

.فصل عِدّةُ الْمُطَلّقَةِ الّتِي تَحِيضُ:

النّوْعُ الثّانِي: عِدّةُ الْمُطَلّقَةِ الّتِي تَحِيضُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةَ 228].

.عِدّةُ الّتِي لَا حَيْضَ لَهَا:

النّوْعُ الثّالِثُ عِدّةُ الّتِي لَا حَيْضَ لَهَا وَهِيَ نَوْعَانِ صَغِيرَةٌ لَا تَحِيضُ وَكَبِيرَةٌ قَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ. فَبَيّنَ اللّهُ سُبْحَانَهُ عِدّةَ النّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطّلَاقَ 4] أَيْ فَعِدّتُهُنّ كَذَلِكَ.

.عِدّةُ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا:

النّوْعُ الرّابِعُ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَبَيّنَ عِدّتَهَا- سُبْحَانَهُ- بِقَوْلِهِ: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [الْبَقَرَةَ 234] فَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمَدْخُولَ بِهَا وَغَيْرَهَا وَالصّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْحَامِلُ لِأَنّهَا خَرَجَتْ بِقَوْلِهِ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} فَجَعَلَ وَضْعَ حَمْلِهِنّ جَمِيعَ أَجَلِهِنّ وَحَصَرَهُ فِيهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهُنّ يَتَرَبّصْنَ فَإِنّهُ فِعْلٌ مُطْلَقٌ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَيْضًا فَإِنّ قَوْلَهُ {أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] مُتَأَخّرٌ فِي النّزُولِ عَنْ قَوْلِهِ يَتَرَبّصْنَ وَأَيْضًا فَإِنّ قَوْلَهُ {يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [الْبَقَرَةَ 234] فِي غَيْرِ الْحَامِلِ بِالِاتّفَاقِ فَإِنّهَا لَوْ تَمَادَى حَمْلُهَا فَوْقَ ذَلِكَ تَرَبّصَتْهُ فَعُمُومُهَا مَخْصُوصٌ اتّفَاقًا وَقَوْلُهُ: {أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالِاتّفَاقِ هَذَا لَوْ لَمْ تَأْتِ السّنّةُ الصّحِيحَةُ بِذَلِكَ وَوَقَعَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى الْقُرْآنِ فَكَيْفَ وَالسّنّةُ الصّحِيحَةُ مُوَافِقَةٌ لِذَلِكَ مُقَرّرَةٌ لَهُ. فَهَذِهِ أَصُولُ الْعِدَدِ فِي كِتَابِ اللّهِ مُفَصّلَةً مُبَيّنَةً وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْ الْقُرْآنِ وَدَلَالَتِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ دَلّتْ السّنّةُ بِحَمْدِ اللّهِ عَلَى مُرَادِ اللّهِ مِنْهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا وَنَذْكُرُ أَوْلَى الْمَعَانِي وَأَشْبَهَهَا بِهَا وَدَلَالَةَ السّنّةِ عَلَيْهَا.

.الِاخْتِلَافُ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا:

فَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ السّلَفِ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَقَال عَلِيّ وَابْنُ عَبّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصّحَابَةِ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ اخْتَارَهُ سَحْنُونٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ عَنْهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبّاسٍ يَقُولَانِ فِي الْمُعْتَدّةِ الْحَامِلِ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته إنّ سُورَةَ النّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدُ وَحَدِيثُ سُبَيْعَةَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ إذَا وَضَعَتْ فَقَدْ حَلّتْ. وَابْنُ مَسْعُودٍ يَتَأَوّلُ الْقُرْآنَ {أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن} [الطّلَاقَ 4] هِيَ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا وَالْمُطَلّقَةُ مِثْلُهَا إذَا وَضَعَتْ فَقَدْ حَلّتْ وَانْقَضَتْ عِدّتُهَا وَلَا تَنْقَضِي عِدّةُ الْحَامِلِ إذَا أَسْقَطَتْ حَتّى يَتَبَيّنَ خَلْقُهُ فَإِذَا بَانَ لَهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ عَتَقَتْ بِهِ الْأَمَةُ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدّةُ وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدّةُ حَتّى تَلِدَ الْآخَرَ وَلَا تَغِيبُ عَنْ مَنْزِلِهَا الّذِي أُصِيبَ فِيهِ زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَالْعِدّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ يُطَلّقُ هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ. وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ عَبّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا فَقَال أَبُو هُرَيْرَةَ عِدّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ تَعْتَدّ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ فَحَكّمَا أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَحَكَمَتْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَاحْتَجّتْ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ. وَقَدْ قِيلَ إنّ ابْنَ عَبّاسٍ رَجَعَ. وَقَالَ جُمْهُورُ الصّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالْأَئِمّةُ الْأَرْبَعَةُ إنّ عِدّتَهَا وَضْعُ الْحَمْلِ وَلَوْ كَانَ الزّوْجُ عَلَى مُغْتَسَلِهِ فَوَضَعَتْ حَلّتْ. قَالَ أَصْحَابُ الْأَجَلَيْنِ هَذِهِ قَدْ تَنَاوَلَهَا عُمُومَانِ وَقَدْ أَمْكَنَ دُخُولُهَا فِي كِلَيْهِمَا فَلَا تَخْرُجُ مِنْ عِدّتِهَا بِيَقِينِ حَتّى تَأْتِيَ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ قَالُوا: وَلَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ عُمُومِ إحْدَاهُمَا بِخُصُوصِ الْأُخْرَى لِأَنّ كُلّ آيَةٍ عَامّةٌ مِنْ وَجْهٍ خَاصّةٌ مِنْ وَجْهٍ قَالُوا: فَإِذَا أَمْكَنَ دُخُولُ بَعْضِ الصّوَرِ فِي عُمُومِ الْآيَتَيْنِ يَعْنِي إعْمَالًا لِلْعُمُومِ فِي مُقْتَضَاهُ. فَإِذَا اعْتَدّتْ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ دَخَلَ أَدْنَاهُمَا فِي أَقْصَاهُمَا. أَجَابُوا عَنْ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: أَنّ صَرِيحَ السّنّةِ يَدُلّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَمْلِ فَقَطْ كَمَا فِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيّةَ تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حُبْلَى فَوَضَعَتْ فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْكِحَ فَقَالَ لَهَا أَبُو السّنَابِلِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةِ حَتّى تَعْتَدّي آخِرَ الْأَجَلَيْنِ فَسَأَلَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَذَبَ أَبُو السّنَابِلِ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ.
الثّانِي أَنّ قَوْلَهُ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [الْبَقَرَةَ 234] وَهَذَا جَوَاب عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْهُ أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرّخْصَةَ أَشْهَدُ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطّولَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4].

.مَفْهُومُ النّسْخِ عِنْدَ السّلَفِ:

وَهَذَا الْجَوَابُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرٍ فَإِنّ ظَاهِرَهُ أَنّ آيَةَ الطّلَاقِ مُقَدّمَةٌ عَلَى آيَةِ الْبَقَرَةِ لِتَأَخّرِهَا عَنْهَا فَكَانَتْ نَاسِخَةً لَهَا وَلَكِنّ النّسْخَ عِنْدَ الصّحَابَةِ وَالسّلَفِ أَعَمّ مِنْهُ عِنْدَ الْمُتَأَخّرِينَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: رَفْعُ الْحُكْمِ الثّابِتِ بِخِطَابٍ.
الثّانِي: رَفْعُ دَلَالَةِ الظّاهِرِ إمّا بِتَخْصِيصِ وَإِمّا بِتَقْيِيدِ وَهُوَ أَعَمّ مِمّا قَبْلَهُ.
الثّالِثُ بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللّفْظِ الّذِي بَيَانُهُ مِنْ خَارِجٍ وَهَذَا أَعَمّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَشَارَ بِتَأَخّرِ نُزُولِ سُورَةِ الطّلَاقِ إلّا أَنّ آيَةَ الِاعْتِدَادِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ عُمُومُهَا مُرَادًا أَوْ مُخَصّصَةٌ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُمُومُهَا مُرَادًا أَوْ مُبَيّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْهَا أَوْ مُقَيّدَةٌ لِإِطْلَاقِهَا وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَرُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ وَمِمّا يُبَيّنُ أَنّ أُصُولَ الْفِقْهِ سَجِيّةٌ لِلْقَوْمِ وَطَبِيعَةٌ لَا يَتَكَلّفُونَهَا كَمَا أَنّ الْعَرَبِيّةَ وَالْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَتَوَابِعَهَا لَهُمْ كَذَلِكَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنّمَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِيَتَعَلّقَ بِغُبَارِهِمْ وَأَنّى لَهُ؟ الثّالِثُ أَنّهُ لَوْ لَمْ تَأْتِ السّنّةُ الصّرِيحَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ وَلَمْ تَكُنْ آيَةُ الطّلَاقِ مُتَأَخّرَةً لَكَانَ تَقْدِيمُهَا هُوَ الْوَاجِبَ لِمَا قَرّرْنَاهُ أَوّلًا مِنْ جِهَاتِ الْعُمُومِ الثّلَاثَةِ فِيهَا وَإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: {يَتَرَبّصْن} وَقَدْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ مُمْكِنَةً وَلَكِنْ لِغُمُوضِهِ وَدِقّتِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النّاسِ أُحِيلَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى بَيَانِ السّنّةِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فصل لَا تَنْقَضِي الْعِدّةُ حَتّى تَضَعَ جَمِيعَ الْحَمْلِ:

يُكْتَفَى فِي عِدّةِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالتّرَبّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
دَلّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] عَلَى أَنّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِتَوْأَمَيْنِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدّةُ حَتّى تَضَعَهُمَا جَمِيعًا وَدَلّتْ عَلَى أَنّ مَنْ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ فَعِدّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ أَيْضًا وَدَلّتْ عَلَى أَنّ الْعِدّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِهِ عَلَى أَيّ صِفَةٍ كَانَ حَيًا أَوْ مَيّتًا تَامّ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقِصَهَا نُفِخَ فِيهِ الرّوحُ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ. وَدَلّ قَوْلُهُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [الْبَقَرَةَ 234] عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلّ سَنَةٍ مَرّةً فَتُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدّتُهَا حَتّى تَحِيضَ حَيْضَتَهَا فَتَبْرَأَ مِنْ عِدّتِهَا. فَإِنْ لَمْ تَحِضْ انْتَظَرَتْ تَمَامَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ وَفَاتِهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنّهُ تَعْتَدّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَنْتَظِرُ حَيْضَهَا.

.فصل مَنْ قَالَ إنّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحِيَضُ:

وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَقْرَاءِ هَلْ هِيَ الْحِيَضُ أَوْ الْأَطْهَارُ؟ فَقَالَ أَكَابِرُ الصّحَابَةِ إنّهَا الْحِيَضُ هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ وَأَبِي الدّرْدَاءِ وَابْنِ عَبّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُلّهِمْ كَعَلْقَمَةَ وَالْأُسُودِ وَإِبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٍ وَقَوْلُ الشّعْبِيّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَقَوْلُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبّاسٍ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَهُوَ قَوْلُ أَئِمّةِ الْحَدِيثِ كَإِسْحَاقِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنّهُ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بَهْ وَاسْتَقَرّ مَذْهَبُهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ سِوَاهُ وَكَانَ يَقُولُ إنّهَا الْأَطْهَارُ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ رَأَيْتُ الْأَحَادِيثَ عَمّنْ قَالَ الْقُرُوءُ الْحِيَضُ تَخْتَلِفُ. وَالْأَحَادِيثُ عَمّنْ قَالَ إنّهُ أَحَقّ بِهَا حَتّى تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ قَوِيّةٌ وَهَذَا النّصّ وَحْدَهُ هُوَ الّذِي ظَفِرَ بِهِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ فَقَالَ رَجَعَ أَحْمَدُ إلَى أَنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ كَانَ يَقُولُ هَذَا أَوّلًا ثُمّ تَوَقّفَ فِيهِ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَيْضًا: قَدْ كُنْتُ أَقُولُ الْأَطْهَارُ ثُمّ وَقَفْت كَقَوْلِ الْأَكَابِرِ ثُمّ جَزَمَ أَنّهَا الْحِيَضُ وَصَرّحَ بِالرّجُوعِ عَنْ الْأَطْهَارِ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ.
كُنْت أَقُولُ إنّهَا الْأَطْهَارُ وَأَنَا الْيَوْمَ أَذْهَبُ إلَى أَنّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِالْأَطْهَارِ ثُمّ ذَكَرَ نَصّ رُجُوعِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ كَمَا تَقَدّمَ وَهُوَ قَوْلُ أَئِمّةِ أَهْلِ الرّأْيِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.