فصل: ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُوَافِقِ لِكِتَابِ اللّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوبِ النّفَقَةِ لِلْأَقَارِبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل رَدّ الْقَوْلِ بِأَنّ رِوَايَةَ فَاطِمَةَ مُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ:

وَأَمّا الْمَطْعَنُ الثّانِي: وَهُوَ أَنّ رِوَايَتَهَا مُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ فَنُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ مُجْمَلٍ وَمُفَصّلٍ أَمّا الْمُجْمَلُ فَنَقُولُ لَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً كَمَا ذَكَرْتُمْ لَكَانَتْ {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النّسَاءِ 11] بِالْكَافِرِ وَالرّقِيقِ وَالْقَاتِلِ وَتَخْصِيصِ قَوْلِهِ: {وَأُحِلّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النّسَاءِ 24] بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا وَنَظَائِرِهِ فَإِنّ الْقُرْآنَ لَمْ يَخُصّ الْبَائِنَ بِأَنّهَا لَا تَخْرُجُ وَلَا تُخْرَجُ وَبِأَنّهَا تَسْكُنُ مِنْ حَيْثُ يَسْكُنُ زَوْجُهَا بَلْ إمّا أَنْ يَعُمّهَا وَيَعُمّ الرّجْعِيّةَ وَإِمّا أَنْ يَخُصّ الرّجْعِيّةَ. فَإِنْ عَمّ النّوْعَيْنِ فَالْحَدِيثُ مُخَصّصٌ لِعُمُومِهِ وَإِنْ خَصّ الرّجْعِيّاتِ وَهُوَ الصّوَابُ لِلسّيَاقِ الّذِي مَنْ تَدَبّرَهُ وَتَأَمّلَهُ قَطَعَ بِأَنّهُ فِي الرّجْعِيّاتِ مِنْ عِدّةِ أَوْجُهٍ قَدْ أَشَرْنَا إلَيْهَا فَالْحَدِيثُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللّهِ بَلْ مُوَافِقٌ لَهُ وَلَوْ ذُكّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوّلَ رَاجِعٍ إلَيْهِ فَإِنّ الرّجُلَ كَمَا يَذْهَلُ عَنْ النّصّ يَذْهَلُ عَنْ دِلَالَتِهِ وَسِيَاقِهِ وَمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِمّا يَتَبَيّنُ الْمُرَادُ مِنْهُ وَكَثِيرًا مَا يَذْهَلُ عَنْ دُخُولِ الْوَاقِعَةِ الْمُعَيّنَةِ تَحْتَ النّصّ الْعَامّ وَانْدِرَاجِهِ تَحْتَهَا فَهَذَا كَثِيرٌ جِدّا وَالتّفَطّنُ لَهُ مِنْ الْفَهْمِ الّذِي يُؤْتِيهِ اللّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلَةِ الّتِي لَا تَجْهَلُ وَلَا تَسْتَغْرِقُهَا عِبَارَةٌ غَيْرَ أَنّ النّسْيَانَ وَالذّهُولَ عُرْضَةٌ لِلْإِنْسَانِ وَإِنّمَا الْفَاضِلُ الْعَالِمُ مَنْ إذَا ذُكّرَ ذَكَرَ وَرَجَعَ. فَحَدِيثُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا مَعَ كِتَابِ اللّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْبَاقٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا إمّا أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا لِعَامّهِ.
الثّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ.
الثّالِثُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِهِ وَمُوَافِقًا لِمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ سِيَاقُهُ وَتَعْلِيلُهُ وَتَنْبِيهُهُ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فَهُوَ إذَنْ مُوَافِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ وَهَكَذَا يَنْبَغِي قَطْعًا وَمَعَاذَ اللّهِ أَنْ يَحْكُمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللّهِ تَعَالَى أَوْ يُعَارِضُهُ وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ هَذَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَجَعَلَ يَتَبَسّمُ وَيَقُولُ أَيْنَ فِي كِتَابِ اللّهِ إيجَابُ السّكْنَى وَالنّفَقَةِ لِلْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا وَأَنْكَرَتْهُ قَبْلَهُ الْفَقِيهَةُ الْفَاضِلَةُ فَاطِمَةُ وَقَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللّهِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطّلَاقِ 1] وَأَيّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ} [الطّلَاقِ 2] يَشْهَدُ بِأَنّ الْآيَاتِ كُلّهَا فِي الرّجْعِيّاتِ.

.فصل رَدّ مَطْعَنِ أَنّ خُرُوجَهَا كَانَ لِفُحْشِ لِسَانِهَا:

وَأَمّا الْمَطْعَنُ الثّالِثُ وَهُوَ أَنّ خُرُوجَهَا لَمْ يَكُنْ إلّا لِفُحْشِ مِنْ لِسَانِهَا فَمَا أَبْرَدَهُ مِنْ تَأْوِيلٍ وَأَسْمَجَهُ فَإِنّ الْمَرْأَةَ مِنْ خِيَارِ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَفُضَلَائِهِمْ وَمِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَمِمّنْ لَا يَحْمِلُهَا رِقّةُ الدّينِ وَقِلّةُ التّقْوَى عَلَى فُحْشٍ يُوجِبُ إخْرَاجَهَا مِنْ دَارِهَا وَأَنْ يَمْنَعَ حَقّهَا الّذِي جَعَلَهُ اللّهُ لَهَا وَنَهَى عَنْ إضَاعَتِهِ فَيَا عَجَبًا كَيْفَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا الْفُحْشَ؟ وَيَقُولُ لَهَا: اتّقِي اللّهَ وَكُفّي لِسَانَك عَنْ أَذَى أَهْلِ زَوْجِك وَاسْتَقِرّي فِي مَسْكَنِكِ؟ وَكَيْفَ يَعْدِلُ عَنْ هَذَا إلَى قَوْلِهِ لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى إلَى قَوْلِهِ إنّمَا السّكْنَى وَالنّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُتْرَكُ هَذَا الْمَانِعُ الصّرِيحُ الّذِي خَرَجَ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُعَلّلُ بِأَمْرِ مَوْهُومٍ لَمْ يُعَلّلْ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَتّةَ وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ وَلَا نَبّهَ عَلَيْهِ؟ هَذَا مِنْ الْمُحَالِ الْبَيّنِ. ثُمّ لَوْ كَانَتْ فَاحِشَةَ اللّسَانِ وَقَدْ أَعَاذَهَا اللّهُ مِنْ ذَلِكَ لَقَالَ لَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ كُفّي لِسَانَك حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُك وَكَانَ مَنْ دُونَهَا يَسْمَعُ وَيُطِيعُ لِئَلّا تَخْرُجَ مِنْ سَكَنِهِ.

.فصل رَدّ مَطْعَنِ مُعَارَضَةِ رِوَايَتِهَا بِرِوَايَةِ عُمَرَ:

وَأَمّا الْمَطْعَنُ الرّابِعُ وَهُوَ مُعَارَضَةُ رِوَايَتِهَا بِرِوَايَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَهَذِهِ الْمُعَارَضَةُ تُورَدُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبّنَا وَسُنّةَ نَبِيّنَا وَأَنّ هَذَا مِنْ حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.
الثّانِي: قَوْلُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهَا السّكْنَى وَالنّفَقَةُ وَنَحْنُ نَقُولُ قَدْ أَعَاذَ اللّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الْبَاطِلِ الّذِي لَا يَصِحّ عَنْهُ أَبَدًا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَصِحّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ: فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَطْعًا وَمَنْ لَهُ إلْمَامٌ بِسُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَشْهَدُ شَهَادَةَ اللّهِ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سُنّةٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ لِلْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا السّكْنَى وَالنّفَقَةَ وَعُمَرُ كَانَ أَتْقَى لِلّهِ وَأَحْرَصَ عَلَى تَبْلِيغِ سُنَنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ السّنّةُ عِنْدَهُ ثُمّ لَا يَرْوِيهَا أَصْلًا وَلَا يُبَيّنُهَا وَلَا يُبَلّغُهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَأَمّا حَدِيثُ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهَا السّكْنَى وَالنّفَقَةُ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللّهِ شَهَادَةً نُسْأَلُ عَنْهَا إذَا لَقِينَاهُ أَنّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْمِلَ الْإِنْسَانَ فَرْطُ الِانْتِصَارِ لِلْمَذَاهِبِ وَالتّعَصّبِ لَهَا عَلَى مُعَارَضَة سُنَنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ فَلَوْ يَكُونُ هَذَا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَخَرِسَتْ فَاطِمَةُ وَذَوُوهَا وَلَمْ يَنْبِسُوا بِكَلِمَةِ وَلَا دَعَتْ فَاطِمَةُ إلَى الْمُنَاظَرَةِ وَلَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ إخْرَاجِهَا لِبَذَاءِ لِسَانِهَا وَلَمَا فَاتَ هَذَا الْحَدِيثُ أَئِمّةَ الْحَدِيثِ وَالْمُصَنّفِينَ فِي السّنَنِ وَالْأَحْكَامِ الْمُنْتَصِرِينَ لِلسّنَنِ فَقَطْ لَا لِمَذْهَبِ وَلَا لِرَجُلِ هَذَا قَبْلَ أَنْ نَصِلَ بِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ وَلَوْ قُدّرَ وُصُولُنَا بِالْحَدِيثِ إلَى إبْرَاهِيمَ لَا نَقْطَعُ نُخَاعَهُ فَإِنّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إلّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِسِنِينَ فَإِنْ كَانَ مُخْبِرٌ أَخْبَرَ بِهِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَحَسّنَا بِهِ الظّنّ كَانَ قَدْ رَوَى لَهُ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِالْمَعْنَى وَظَنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَكَمَ بِثُبُوتِ النّفَقَةِ وَالسّكْنَى لِلْمُطَلّقَةِ حَتّى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ فَقَدْ يَكُونُ الرّجُلُ صَالِحًا وَيَكُونُ مُغَفّلًا لَيْسَ تَحَمّلُ الْحَدِيثِ وَحِفْظُهُ وَرِوَايَتُهُ مِنْ شَأْنِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.مُنَاظَرَةُ مَيْمُونٍ لِابْنِ الْمُسَيّبِ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ:

.ذَكَرَ الْمُصَنّفُ بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ:

وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ فَذَكَرَ لَهُ مَيْمُونٌ خَبَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ سَعِيدٌ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النّاسَ فَقَالَ لَهُ مَيْمُونٌ لَئِنْ كَانَتْ إنّمَا أَخَذَتْ بِمَا أَفْتَاهَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا فَتَنَتْ النّاسَ وَإِنّ لَنَا فِي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسْوَةً حَسَنَةً مَعَ أَنّهَا أَحْرَمُ النّاسِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ رَجْعَةٌ وَلَا بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ. انْتَهَى. وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللّهُ إلّا وَقَدْ احْتَجّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ هَذَا وَأَخَذَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَالِكِ وَالشّافِعِيّ. وَجُمْهُورُ الْأُمّةِ يَحْتَجّونَ بِهِ فِي سُقُوطِ نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ إذَا كَانَتْ حَائِلًا وَالشّافِعِيّ نَفْسُهُ احْتَجّ بِهِ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ الثّلَاثِ لِأَنّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فَطَلّقَنِي ثَلَاثًا وَقَدْ بَيّنّا أَنّهُ إنّمَا طَلّقَهَا آخِرَ ثَلَاثٍ كَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا. وَاحْتَجّ بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرّجَالِ وَاحْتَجّ بِهِ الْأَئِمّةُ كُلّهُمْ عَلَى جَوَازِ خِطْبَةِ الرّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ قَدْ سَكَنَتْ إلَى الْخَاطِبِ الْأَوّلِ وَاحْتَجّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ بَيَانِ مَا فِي الرّجُلِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ النّصِيحَةِ لِمَنْ اسْتَشَارَهُ أَنْ يُزَوّجَهُ أَوْ يُعَامِلَهُ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ وَأَنّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةِ وَاحْتَجّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْقُرَشِيّةِ مِنْ غَيْرِ الْقُرَشِيّ وَاحْتَجّوا بِهِ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ فِي حَالِ غَيْبَةِ أَحَدِ الزّوْجَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَأَنّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجَهَتُهُ بِهِ وَاحْتَجّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ التّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدّةِ الْبَائِنِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلّهَا حَاصِلَةً بِبَرَكَةِ رِوَايَتِهَا وَصِدْقِ حَدِيثِهَا فَاسْتَنْبَطَتْهَا الْأُمّةُ مِنْهَا وَعَمِلَتْ بِهَا فَمَا بَالُ رِوَايَتِهَا تُرَدّ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتُقْبَلُ فِيمَا عَدَاهُ؟ فَإِنْ كَانَتْ حَفِظَتْهُ قُبِلَتْ فِي جَمِيعِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَفِظَتْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.مَعْنَى أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ:

فَإِنْ قِيلَ بَقِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ {أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطّلَاقِ 6] إنّمَا هُوَ فِي الْبَوَائِنِ لَا فِي الرّجْعِيّاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِيبَهُ {وَلَا تُضَارّوهُنّ لِتُضَيّقُوا عَلَيْهِنّ وَإِنْ كُنّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقِ 6] فَهَذَا فِي الْبَائِنِ إذْ لَوْ كَانَتْ رَجْعِيّةً لَمَا قَيّدَ النّفَقَةَ عَلَيْهَا بِالْحَمْلِ وَلَكَانَ عَدِيمَ التّأْثِيرِ فَإِنّهَا تَسْتَحِقّهَا حَائِلًا كَانَتْ أَوْ حَامِلًا وَالظّاهِرُ أَنّ الضّمِيرَ فِي {أَسْكِنُوهُنّ} هُوَ وَالضّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنّ} وَاحِدٌ. فَالْجَوَابُ أَنّ مَوْرِدَ هَذَا السّؤَالِ إمّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُوجِبِينَ النّفَقَةَ دُونَ النّفَقَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَوّلَ فَالْآيَةُ عَلَى زَعْمِهِ حُجّةٌ عَلَيْهِ لِأَنّهُ سُبْحَانَهُ شَرَطَ فِي إيجَابِ النّفَقَةِ عَلَيْهِنّ كَوْنَهُنّ حَوَامِلَ وَالْحُكْمُ الْمُعَلّقُ عَلَى الشّرْطِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْبَائِنَ الْحَائِلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا. فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ وَلَا يَقُولُ بِهَا. قِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ بَلْ مِنْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ فَلَوْ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ انْتِفَائِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَإِنْ كَانَ فَمَنْ يُوجِبُ السّكْنَى وَحْدَهَا. فَيُقَالُ لَهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ضَمِيرٌ وَاحِدٌ يَخُصّ الْبَائِنَ بَلْ ضَمَائِرُهَا نَوْعَانِ نَوْعٌ يَخُصّ الرّجْعِيّةَ قَطْعًا كَقَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفِ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوف} [الطّلَاقِ 2] وَنَوْعُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِنِ وَأَنْ يَكُونَ لِلرّجْعِيّةِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {لَا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ وَلَا يَخْرُجْنَ} وَقَوْلُهُ: {أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطّلَاقِ 6] فَحَمْلُهُ عَلَى الرّجْعِيّةِ هُوَ الْمُتَعَيّنُ لِتَتّحِدَ الضّمَائِرُ وَمُفَسّرُهَا فَلَوْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِهَا لَزِمَ اخْتِلَافُ الضّمَائِرِ وَمُفَسّرِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ نَفَقَةِ الرّجْعِيّةِ بِكَوْنِهَا حَامِلًا؟ قِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي أَنّهُ لَا نَفَقَةَ لِلرّجْعِيّةِ الْحَائِلِ بَلْ الرّجْعِيّةُ نَوْعَانِ قَدْ بَيّنَ اللّهُ حُكْمَهُمَا فِي كِتَابِهِ حَائِلٌ فَلَهَا النّفَقَةُ بِعَقْدِ الزّوْجِيّةِ إذْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ أَوْ حَامِلٌ فَلَهَا النّفَقَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا فَتَصِيرُ النّفَقَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ نَفَقَةَ قَرِيبٍ لَا نَفَقَةَ زَوْجٍ فَيُخَالِفُ حَالُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ حَالَهَا بَعْدَهُ فَإِنّ الزّوْجَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَحْدَهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَضَعَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطّفْلِ وَلَا يَكُونُ حَالُهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا كَذَلِكَ بِحَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطّفْلِ فَإِنّهُ فِي حَالِ حَمْلِهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَإِذَا انْفَصَلَ كَانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَانْتَقَلَتْ النّفَقَةُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ فَظَهَرَتْ فَائِدَةُ التّقْيِيدِ وَسِرّ الِاشْتِرَاطِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ كَلَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ وَلَا يَقُولُ بِهَا. قِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ بَلْ مِنْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ فَلَوْ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ انْتِفَائِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَإِنْ كَانَ فَمَنْ يُوجِبُ السّكْنَى وَحْدَهَا فَيُقَالُ لَهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ضَمِيرٌ وَاحِدٌ يَخُصّ الْبَائِنَ بَلْ ضَمَائِرُهَا نَوْعَانِ نَوْعٌ يَخُصّ الرّجْعِيّةَ قَطْعًا كَقَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلَاقِ 2] وَنَوْعُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِنِ وَأَنْ يَكُونَ لِلرّجْعِيّةِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {لَا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ وَلَا يَخْرُجْنَ} وَقَوْلُهُ: {أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطّلَاقِ 6] فَحَمْلُهُ عَلَى الرّجْعِيّةِ هُوَ الْمُتَعَيّنُ لِتَتّحِدَ الضّمَائِرُ وَمُفَسّرُهَا فَلَوْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِهَا لَزِمَ اخْتِلَافُ الضّمَائِرِ وَمُفَسّرِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ نَفَقَةِ الرّجْعِيّةِ بِكَوْنِهَا حَامِلًا؟ قِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي أَنّهُ لَا نَفَقَةَ لِلرّجْعِيّةِ الْحَائِلِ بَلْ الرّجْعِيّةُ نَوْعَانِ قَدْ بَيّنَ اللّهُ حُكْمَهُمَا فِي كِتَابِهِ حَائِلٌ فَلَهَا النّفَقَةُ بِعَقْدِ الزّوْجِيّةِ إذْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ أَوْ حَامِلٌ فَلَهَا النّفَقَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا فَتَصِيرُ النّفَقَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ نَفَقَةَ قَرِيبٍ لَا نَفَقَةَ زَوْجٍ فَيُخَالِفُ حَالُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ حَالَهَا بَعْدَهُ فَإِنّ الزّوْجَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَحْدَهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَضَعَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطّفْلِ وَلَا يَكُونُ حَالُهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا كَذَلِكَ بِحَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطّفْلِ فَإِنّهُ فِي حَالِ حَمْلِهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَإِذَا انْفَصَلَ كَانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَانْتَقَلَتْ النّفَقَةُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ فَظَهَرَتْ فَائِدَةُ التّقْيِيدِ وَسِرّ الِاشْتِرَاطِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ كَلَامِهِ.

.ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُوَافِقِ لِكِتَابِ اللّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوبِ النّفَقَةِ لِلْأَقَارِبِ:

أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ مَنْفَعَةَ عَنْ جَدّهِ أَنّهُ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَبَرّ؟ قَالَ أُمّك وَأَبَاك وَأُخْتُك وَأَخَاك وَمَوْلَاك الّذِي يَلِي ذَاكَ حَقّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ وَرَوَى النّسَائِيّ عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِي قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النّاسَ وَهُوَ يَقُول يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمّك وَأَبَاك، وَأُخْتَك وَأَخَاك، ثُمّ أَدْنَاك فَأَدْنَاك وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَحَقّ النّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمّك، قَالَ ثُمّ مَنْ؟ قَالَ أُمّك، قَالَ ثُمّ مَنْ؟ قَالَ أُمّك قَالَ ثُمّ مَنْ؟ قَالَ أَبُوك ثُمّ أَدْنَاك أَدْنَاك. وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَبَرّ؟ قَالَ أُمّك، قُلْت ثُمّ مَنْ؟ قَالَ أُمّك، قُلْت: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ أُمّك قُلْت: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ أَبَاك ثُمّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِهِنْدٍ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا. وَرَوَى النّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك فَهَكَذَا وَهَكَذَا». وَهَذَا كُلّهُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النّسَاءِ 36] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّهُ} [الْإِسْرَاءِ: 26] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ حَقّ ذِي الْقُرْبَى يَلِي حَقّ الْوَالِدَيْنِ كَمَا جَعَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوَاءً بِسَوَاءِ وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّ لِذِي الْقُرْبَى حَقّا عَلَى قَرَابَتِهِ وَأَمَرَ بِإِتْيَانِهِ إيّاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَقّ النّفَقَةِ فَلَا نَدْرِي أَيّ حَقّ هُوَ. وَأَمَرَ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَى ذِي الْقُرْبَى. وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِسَاءَةِ أَنْ يَرَاهُ يَمُوتُ جُوعًا وَعُرْيًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى سَدّ خُلّتِهِ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ وَلَا يُطْعِمُهُ لُقْمَةً وَلَا يَسْتُرُ لَهُ عَوْرَةً إلّا بِأَنْ يُقْرِضَهُ ذَلِكَ فِي ذِمّتِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُطَابِقٌ لِكِتَابِ اللّهِ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلّا وُسْعَهَا لَا تُضَارّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [الْبَقَرَةِ 233] فَأَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ وَبِمِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ حَكَمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. فَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَبَسَ عَصَبَةَ صَبِيّ عَلَى أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ الرّجَالَ دُونَ النّسَاءِ وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ أَنّ ابْنَ الْمُسَيّبِ أَخْبَرَهُ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَفَ بَنِي عَمّ عَلَى مَنْفُوسٍ كَلَالَةً بِالنّفَقَةِ عَلَيْهِ مِثْلَ الْعَاقِلَةِ فَقَالُوا: لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ وَلَوْ وُقُوفُهُمْ بِالنّفَقَةِ عَلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْعَقْل قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيّ: قَوْلُهُ وَلَوْ أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ حَجّاجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ جَاءَ وَلِيّ يَتِيمٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَنْفِقْ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا أَقْضِي عَشِيرَتَهُ لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ حَسَنٍ عَنْ مُطَرّفٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ إذَا كَانَ أُمّ وَعَمّ فَعَلَى الْأُمّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا وَعَلَى الْعَمّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ وَلَا يُعْرَفُ لِعُمَرِ وَزَيْدٍ مُخَالِفٌ فِي الصّحَابَةِ الْبَتّةَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [الْبَقَرَةِ] قَالَ عَلَى وَرَثَةِ الْيَتِيمِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ كَمَا يَرِثُونَهُ. قُلْت لَهُ أَيُحْبَسُ وَارِثُ الْمَوْلُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ؟ قَالَ أَفَيَدَعُهُ يَمُوتُ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} قَالَ عَلَى الرّجُلِ الّذِي يَرِثُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَتّى يَسْتَغْنِيَ. وَبِهَذَا فَسّرَ الْآيَةَ جُمْهُورُ السّلَفِ مِنْهُمْ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضّحّاكُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ النّخَعِيّ وَالشّعْبِيّ وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ بَعْدِهِمْ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَعَبْدُ الرّزّاقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَمِنْ بَعْدِهِمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَأَصْحَابُهُمْ.