فصل: حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِ الرّجُلِ لِامْرَأَتِهِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل الِاخْتِلَافُ فِي تَحْرِيمِ غَيْرِ الزّوْجَةِ:

وَقَدْ تَبَيّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنّ مَنْ حَرّمَ شَيْئًا غَيْرَ الزّوْجَةِ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَاللّبَاسِ أَوْ أَمَتِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ وَفِي هَذَا خِلَافٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: أَنّهُ لَا يَحْرُمُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُقَيّدًا تُزِيلُهُ الْكَفّارَةُ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنّهُ لَا يَحِلّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتّى يُكَفّرَ وَلِأَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ سَمّى الْكَفّارَةَ فِي ذَلِكَ تَحِلّةً وَهِيَ مَا يُوجِبُ الْحِلّ فَدَلّ عَلَى ثُبُوتِ التّحْرِيمِ قَبْلَهَا وَلِأَنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكَ} وَلِأَنّهُ تَحْرِيمٌ لِمَا أُبِيحَ لَهُ فَيَحْرُمُ بِتَحْرِيمِهِ كَمَا لَوْ حَرّمَ زَوْجَتَهُ. وَمُنَازِعُوهُ يَقُولُونَ إنّمَا سُمّيَتْ الْكَفّارَةُ تَحِلّةً مِنْ الْحَلّ الّذِي هُوَ ضِدّ الْعَقْدِ لَا مِنْ الْحِلّ الّذِي هُوَ مُقَابِلُ التّحْرِيمِ فَهِيَ تَحِلّ الْيَمِينَ بَعْدَ عَقْدِهَا وَأَمّا قَوْلُهُ: {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلّ اللّهُ} لَك فَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْأَمَةِ أَوْ الْعَسَلِ وَمَنْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ وَذَلِكَ يُسَمّى تَحْرِيمًا فَهُوَ تَحْرِيمٌ بِالْقَوْلِ لَا إثْبَاتَ لِلتّحْرِيمِ شَرْعًا. وَأَمّا قِيَاسُهُ عَلَى تَحْرِيمِ الزّوْجَةِ بِالظّهَارِ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيّ حَرَامٌ فَلَوْ الْقِيَاسُ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ التّكْفِيرِ عَلَى الْحِنْثِ قِيَاسًا عَلَى الظّهَارِ إذْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ التّكْفِيرُ إلّا بَعْدَ الْحِنْثِ فَعَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ وَلَابُدّ إمّا أَنْ يَفْعَلَهُ حَرَامًا وَقَدْ فَرَضَ اللّهُ تَحِلّةَ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْمُحَرّمِ مَفْرُوضًا أَوْ مِنْ ضَرُورَةِ الْمَفْرُوضِ لِأَنّهُ لَا يَصِلُ إلَى التّحِلّةِ إلّا بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَنّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فِعْلِهِ حَلَالًا لِأَنّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفّارَةِ فَيَسْتَفِيدُ بِهَا الْحِلّ وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَرَامٌ مُمْتَنِعٌ هَذَا مَا قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَبَعْدُ فَلَهَا غَوْرٌ وَفِيهَا دِقّةٌ وَغُمُوضٌ فَإِنّ مَنْ حَرّمَ شَيْئًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَفَ بِاَللّهِ عَلَى تَرْكِهِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ هَتْكُ حُرْمَةِ الْمَحْلُوفِ بِهِ بِفِعْلِهِ إلّا بِالْتِزَامِ الْكَفّارَةِ فَإِذَا الْتَزَمَهَا جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْكَفّارَةِ فَإِنّ الشّارِعَ لَا يُبِيحُ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَأْذَنُ لَهُ فِيهِ وَإِنّمَا يَأْذَنُ لَهُ فِيهِ وَيُبِيحُهُ إذَا الْتَزَمَ مَا فَرَضَ اللّهُ مِنْ الْكَفّارَةِ فَيَكُونُ إذْنُهُ لَهُ فِيهِ وَإِبَاحَتُهُ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ بِالْحَلِفِ أَوْ التّحْرِيمِ رُخْصَةً مِنْ اللّهِ لَهُ وَنِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْتِزَامِهِ لِحُكْمِهِ الّذِي فَرَضَ لَهُ مِنْ الْكَفّارَةِ فَإِذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بَقِيَ الْمَنْعُ الّذِي عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ إصْرًا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ إنّمَا رَفَعَ الْآصَارَ عَمّنْ اتّقَاهُ وَالْتَزَمَ حُكْمَهُ وَقَدْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا يَتَحَتّمُ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ الْحِنْثُ فَوَسّعَ اللّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ وَجَوّزَ لَهَا الْحِنْثَ بِشَرْطِ الْكَفّارَةِ فَإِذَا لَمْ يُكَفّرْ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ لَمْ يُوَسّعْ لَهُ فِي الْحِنْثِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنّهُ يَحْرُمُ حَتّى يُكَفّرَ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مُفْرَدَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد يُوَضّحُهُ أَنّ هَذَا التّحْرِيمَ وَالْحَلِفَ قَدْ تَعَلّقَ بِهِ مَنْعَانِ مَنْعٌ مِنْ نَفْسِهِ لِفِعْلِهِ وَمَنْعٌ مِنْ الشّارِعِ لِلْحِنْثِ بِدُونِ الْكَفّارَةِ فَلَوْ لَمْ يُحَرّمْهُ تَحْرِيمُهُ أَوْ يَمِينُهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْعِهِ نَفْسَهُ وَلَا لِمَنْعِ الشّارِعِ لَهُ أَثَرٌ بَلْ كَانَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنّ الشّارِعَ أَوْجَبَ فِي ذِمّتِهِ بِهَذَا الْمَنْعِ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَوْمًا لَا يَتَوَقّفُ عَلَيْهِ حِلّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَا تَحْرِيمُهُ الْبَتّةَ بَلْ هُوَ قَبْلَ الْمَنْعِ وَبَعْدَهُ عَلَى السّوَاءِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فَلَا يَكُونُ لِلْكَفّارَةِ أَثَرٌ الْبَتّةَ لَا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَلَا فِي الْإِذْنِ وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ.
فَصْلٌ:
الثّانِي: أَنْ يَلْزَمَهُ كَفّارَةٌ بِالتّحْرِيمِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ سَمّيْنَاهُ مِنْ الصّحَابَةِ وَقَوْلُ فُقَهَاءِ الرّأْيِ وَالْحَدِيثِ إلّا الشّافِعِيّ وَمَالِكًا فَإِنّهُمَا قَالَا: لَا كَفّارَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَاَلّذِينَ أَوْجَبُوا الْكَفّارَةَ أَسْعَدُ بِالنّصّ مِنْ الّذِينَ أَسْقَطُوهَا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ تَحِلّةَ الْأَيْمَانِ عَقِبَ قَوْلِهِ: {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكَ} وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَدْ فُرِضَ فِيهِ تَحِلّةُ الْأَيْمَانِ إمّا مُخْتَصّا بِهِ وَإِمّا شَامِلًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْلَى سَبَبُ الْكَفّارَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السّيَاقِ عَنْ حُكْمِ الْكَفّارَةِ وَيُعَلّقُ بِغَيْرِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ. وَأَيْضًا فَإِنّ الْمَنْعَ مِنْ فِعْلِهِ بِالتّحْرِيمِ كَالْمَنْعِ مِنْهُ بِالْيَمِينِ بَلْ أَقْوَى فَإِنّ الْيَمِينَ إنْ تَضَمّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِهِ سُبْحَانَهُ فَالتّحْرِيمُ تَضَمّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ شَرْعِهِ وَأَمْرِهِ فَإِنّهُ إذَا شَرَعَ الشّيْءَ حَلَالًا فَحَرّمَهُ الْمُكَلّفُ كَانَ تَحْرِيمُهُ هَتْكًا لِحُرْمَةِ مَا شَرَعَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَمْ يَتَضَمّنْ الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ هَتْكَ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلَا التّحْرِيمُ هَتْكَ حُرْمَةِ الشّرْعِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ جِدّا فَإِنّ الْحِنْثَ إمّا جَائِزٌ وَإِمّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبّ وَمَا جَوّزَ اللّهُ لِأَحَدٍ الْبَتّةَ أَنْ يَهْتِكَ حُرْمَةَ اسْمِهِ وَقَدْ شَرَعَ لِعِبَادِهِ الْحِنْثَ مَعَ الْكَفّارَةِ وَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا كَفّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَأَتَى الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُبَحْ فِي شَرِيعَةٍ قَطّ وَإِنّمَا الْكَفّارَةُ كَمَا سَمّاهَا اللّهُ تَعَالَى تَحِلّةً وَهِيَ تَفْعِلَةٌ مِنْ الْحَلّ فَهِيَ تَحِلّ مَا عُقِدَ بِهِ الْيَمِينُ لَيْسَ إلّا وَهَذَا وَظَهَرَ سِرّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ} عَقِيبَ قَوْلِهِ: {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكَ}

.فصل الْحُكْمُ فِي تَحْرِيمِ الْأَمَةِ:

الثّالِثُ أَنّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الزّوْجَةِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ إلّا الشّافِعِيّ وَحْدَهُ أَوْجَبَ فِي تَحْرِيمِ الْأَمَةِ خَاصّةً كَفّارَةَ يَمِينٍ إذْ التّحْرِيمُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْأَبْضَاعِ عِنْدَهُ دُونَ غَيْرِهَا. وَأَيْضًا فَإِنّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ تَحْرِيمُ الْجَارِيَةِ فَلَا يَخْرُجُ مَحَلّ السّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ وَيَتَعَلّقُ بِغَيْرِهِ وَمُنَازِعُوهُ يَقُولُونَ النّصّ عَلّقَ فَرْضَ تَحِلّةِ الْيَمِينِ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَهُوَ أَعَمّ مِنْ تَحْرِيمِ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا فَتَجِبُ الْكَفّارَةُ حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا وَقَدْ تَقَدّمَ تَقْرِيرُهُ.

.حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِ الرّجُلِ لِامْرَأَتِهِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ:

ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ: أَنّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمّا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْك فَقَالَ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ. وَثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَمّا أَتَاهُ رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَعْتَزِلَ امْرَأَتَهُ قَالَ لَهَا: «الْحَقِي بِأَهْلِك».
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ وَلَا يَقَعُ بِهِ الطّلَاقُ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظّاهِرِ. قَالُوا: وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ عَقَدَ عَلَى ابْنَةِ الْجَوْنِ وَإِنّمَا أَرْسَلَ إلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا. قَالُوا: وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ: مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيّةِ فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ فِي نَخْلٍ وَمَعَهَا دَابّتُهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَبِي لِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسّوقَةِ فَأَهْوَى لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْك فَقَالَ قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ ثُمّ خَرَجَ فَقَالَ يَا أَبَا أُسَيْدٍ اُكْسُهَا رَازِقِيّيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ ذَكَرْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا فَأَرْسَلَ إلَيْهَا فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَهَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكّسَةٌ رَأْسَهَا فَلَمّا كَلّمَهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْك قَالَ قَدْ أَعَذْتُكِ مِنّي فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ لَا قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَاءَك لِيَخْطُبَك قَالَتْ أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ قَالُوا: وَهَذِهِ كُلّهَا أَخْبَارٌ عَنْ قِصّةٍ وَاحِدَةٍ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ تَزَوّجَهَا بَعْدُ وَإِنّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ- مِنْهُمْ الْأَئِمّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ- بَلْ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الطّلَاقِ إذَا نَوَى بِهِ الطّلَاقَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ: أَنّ أَبَانَا إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ قَالَ لَهَا إبْرَاهِيمُ: مُرِيهِ فَلْيُغَيّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ الْعَتَبَةُ وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَك الْحَقِي بِأَهْلِك وَحَدِيثُ عَائِشَةَ كَالصّرِيحِ فِي أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا فَإِنّهَا قَالَتْ لَمّا أُدْخِلْت عَلَيْهِ فَهَذَا دُخُولُ الزّوْجِ بِأَهْلِهِ وَيُؤَكّدُهُ قَوْلُهَا: وَدَنَا مِنْهَا. وَأَمّا حَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ فَغَايَةُ مَا فِيهِ قَوْلُهُ هَبِي لِي نَفْسَكِ وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَتَقَدّمْ نِكَاحُهُ لَهَا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِدْعَاءً مِنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلدّخُولِ لَا لِلْعَقْدِ. وَأَمّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَهُوَ أَصْرَحُهَا فِي أَنّهُ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ عَقْدٌ فَإِنّ فِيهِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا جَاءَ إلَيْهَا قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَاءَ لِيَخْطُبَك وَالظّاهِرُ أَنّهَا هِيَ الْجَوْنِيّةُ لِأَنّ سَهْلًا قَالَ فِي حَدِيثِهِ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا فَأَرْسَلَ إلَيْهَا. فَالْقِصّةُ وَاحِدَةٌ دَارَتْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَأَبِي أُسَيْدٍ وَسَهْلٍ وَكُلّ مِنْهُمْ رَوَاهَا وَأَلْفَاظُهُمْ فِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَيَبْقَى التّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِهِ جَاءَ لِيَخْطُبَك وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهَا وَدَنَا مِنْهَا: فَإِمّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ اللّفْظَيْنِ وَهْمًا أَوْ الدّخُولُ لَيْسَ دُخُولَ الرّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ بَلْ الدّخُولُ الْعَامّ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا فِي قِصّةِ إسْمَاعِيلَ صَرِيحٌ وَلَمْ يَزَلْ هَذَا اللّفْظُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الّتِي يُطَلّقُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُغَيّرْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَقَرّهُمْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْقَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الطّلَاقَ وَهُمْ الْقُدْوَةُ بِأَنْتِ حَرَامٌ وَأَمْرُكِ بِيَدِك وَاخْتَارِي. وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك وَأَنْتِ خَلِيّةٌ وَقَدْ خَلَوْتِ مِنّي وَأَنْتِ بَرِيّةٌ وَقَدْ أَبْرَأْتُك وَأَنْتِ مُبَرّأَةٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَأَنْتِ الْحَرَجُ. فَقَالَ عَلِيّ وَابْنُ عُمَرَ: الْخَلِيّةُ ثَلَاثٌ وَقَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقّ بِهَا وَفَرّقَ مُعَاوِيَةُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ قَالَ لَهَا: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ خَلِيّةٌ وَقَالَ عَلِيّ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ وَزَيْدٌ فِي الْبَرِيّةِ إنّهَا ثَلَاثٌ. وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقّ بِهَا وَقَالَ عَلِيّ فِي الْحَرَجِ هِيَ ثَلَاثٌ وَقَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي أَمْرُك بِيَدِك وَأَنْتِ حَرَامٌ. وَاللّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الطّلَاقَ وَلَمْ يُعَيّنْ لَهُ لَفْظًا فَعُلِمَ أَنّهُ رَدّ النّاسَ إلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ طَلَاقًا فَأَيّ لَفْظٍ جَرَى عُرْفُهُمْ بِهِ وَقَعَ بِهِ الطّلَاقُ مَعَ النّيّةِ. وَالْأَلْفَاظُ لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا بَلْ لِلدّلَالَةِ عَلَى مَقَاصِدِ لَافِظِهَا فَإِذَا تَكَلّمَ بِلَفْظٍ دَالّ عَلَى مَعْنًى وَقَصَدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى تَرَتّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَلِهَذَا يَقَعُ الطّلَاقُ مِنْ الْعَجَمِيّ وَالتّرْكِيّ وَالْهِنْدِيّ بِأَلْسِنَتِهِمْ بَلْ لَوْ طَلّقَ أَحَدُهُمْ بِصَرِيحِ الطّلَاقِ بِالْعَرَبِيّةِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ قَطْعًا فَإِنّهُ تَكَلّمَ بِمَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ وَلَا قَصْدُهُ وَقَدْ دَلّ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى أَنّ الطّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللّفْظِ وَأَمْثَالِهِ إلّا بِالنّيّةِ.

.تَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ بِأَنّ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ صَرِيحِهَا وَكِنَايَتِهَا لَا تَقَعُ إلّا بِالنّيّةِ:

وَالصّوَابُ أَنّ ذَلِكَ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحِهَا وَكِنَايَتِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْعِتْقِ وَالطّلَاقِ فَلَوْ قَالَ غُلَامِي غُلَامٌ حُرّ لَا يَأْتِي الْفَوَاحِشَ أَوْ أَمَتِي أَمَةٌ حُرّةٌ لَا تَبْغِي الْفُجُورَ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْعِتْقُ وَلَا نَوَاهُ لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ قَطْعًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فِي طَرِيقٍ فَافْتَرَقَا فَقِيلَ لَهُ أَيْنَ امْرَأَتُك؟ فَقَالَ فَارَقْتهَا أَوْ سَرّحَ شَعْرَهَا وَقَالَ سَرّحْتُهَا وَلَمْ يُرِدْ طَلَاقًا لَمْ تَطْلُقْ. كَذَلِكَ إذَا ضَرَبَهَا الطّلْقُ وَقَالَ لِغَيْرِهِ إخْبَارًا عَنْهَا بِذَلِكَ إنّهَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي وَثَاقٍ فَأَطْلَقَتْ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ مِنْ الْوَثَاقِ. هَذَا كُلّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصّوَرِ وَبَعْضُهَا نَظِيرُ مَا نُصّ عَلَيْهِ وَلَا يَقَعُ الطّلَاقُ بِهِ حَتّى يَنْوِيَهُ وَيَأْتِيَ بِلَفْظٍ دَالّ عَلَيْهِ فَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَقَعْ الطّلَاقُ وَلَا الْعِتَاقُ وَتَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ وَإِنْ كَانَ تَقْسِيمًا صَحِيحًا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَكِنْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ فَلَيْسَ حُكْمًا ثَابِتًا لِلّفْظِ لِذَاتِهِ فَرُبّ لَفْظٍ صَرِيحٍ عِنْدَ قَوْمٍ كِنَايَةٌ عِنْدَ آخَرِينَ أَوْ صَرِيحٌ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ كِنَايَةٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ فَهَذَا لَفْظُ السّرَاحِ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ فِي الطّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا يُقَالَ إنّ مَنْ تَكَلّمَ بِهِ لَزِمَهُ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَيَدّعِي أَنّهُ ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالُ فَإِنّ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ شَرْعًا وَاسْتِعْمَالًا أَمّا الِاسْتِعْمَالُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُطَلّقُ بِهِ الْبَتّةَ وَأَمّا الشّرْعُ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الطّلَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الْأَحْزَابُ 49] فَهَذَا السّرَاحُ غَيْرُ الطّلَاقِ قَطْعًا وَكَذَلِكَ الْفِرَاقُ اسْتَعْمَلَهُ الشّرْعُ فِي غَيْرِ الطّلَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} إلَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلَاقُ 2] فَالْإِمْسَاكُ هُنَا: الرّجْعَةُ وَالْمُفَارَقَةُ تَرْكُ الرّجْعَةِ لَا إنْشَاءَ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ هَذَا مِمّا لَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتّةَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنّ مَنْ تَكَلّمَ بِهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ فُهِمَ مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يُفْهَمْ وَكِلَاهُمَا فِي الْبُطْلَانِ سَوَاءٌ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الظّهَارِ وَبَيَانُ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَعْنَى الْعَوْدِ الْمُوجِبِ لِلْكَفّارَةِ:

قَالَ تَعَالَى: {الّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنّ أُمّهَاتِهِمْ إِنْ أُمّهَاتُهُمْ إِلّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الْمُجَادَلَةُ 2- 4]. ثَبَتَ فِي السّنَنِ والْمَسَانِيدِ أَنّ أَوْسَ بْنَ الصّامِتِ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهِيَ الّتِي جَادَلَتْ فِيهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاشْتَكَتْ إلَى اللّهِ وَسَمِعَ اللّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَوْسَ بْنَ الصّامِتِ تَزَوّجَنِي وَأَنَا شَابّةٌ مَرْغُوبٌ فِيّ فَلَمّا خَلَا سِنّي وَنَثَرَتْ لَهُ بَطْنِي جَعَلَنِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك شَيْءٌ فَقَالَتْ اللّهُمّ إنّي أَشْكُو إلَيْك وَرُوِيَ أَنّهَا قَالَتْ إنّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إنْ ضَمّهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيّ جَاعُوا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ لَقَدْ جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ تَشْكُو إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا فِي كِسْرِ الْبَيْتِ يَخْفَى عَلَيّ بَعْضُ كَلَامِهَا فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الْمُجَادَلَةُ 1]. فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُعْتِقْ رَقَبَةً قَالَتْ لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدّقُ بِهِ قَالَتْ فَأُتِيَ سَاعَتئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ أَحْسَنْتِ فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمّكِ وَفِي السّنَنِ أَنّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْبَيّاضِيّ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مُدّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمّ وَاقَعَهَا لَيْلَةً قَبْلَ انْسِلَاخِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةَ قَالَ قُلْت: أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّتَيْنِ وَأَنَا صَابِرٌ لِأَمْرِ اللّهِ فَاحْكُمْ فِيّ بِمَا أَرَاك اللّهُ قَالَ حَرّرْ رَقَبَةً قُلْتُ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا وَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ وَهَلْ أَصَبْتُ الّذِي أَصَبْتُ إلّا فِي الصّيَامِ قَالَ فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتّينَ مِسْكِينًا قُلْت: وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ قَالَ فَانْطَلِقْ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةٍ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إلَيْكَ فَأَطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيّتَهَا قَالَ فَرُحْتُ إلَى قَوْمِي فَقُلْتُ وَجَدْت عِنْدَكُمْ الضّيقَ وَسُوءَ الرّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّعَةَ وَحُسْنَ الرّأْيِ وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ وَفِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَجُلًا أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أَكْفُرَ قَالَ وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللّهُ قَالَ رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفّرَ فَقَالَ كَفّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي ثُمّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أَكْفُرَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ يَقُلْ اللّهُ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا}؟ فَقَالَ أَعْجَبَتْنِي فَقَالَ أَمْسِكْ عَنْهَا حَتّى تُكَفّرَ قَالَ الْبَزّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا عَلَى أَنّ إسْمَاعِيلَ بْنَ مُسْلِمٍ قَدْ تَكَلّمَ فِيهِ وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ أُمُورًا.