فصل: الْقِرَانُ أَحَدُ نَوْعَيْ التّمَتّعِ وَهُوَ لُغَةُ الْقُرْآنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الْقِرَانُ أَحَدُ نَوْعَيْ التّمَتّعِ وَهُوَ لُغَةُ الْقُرْآنِ:

وَمُرَادُهُ بِالتّمَتّعِ هُنَا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ: أَحَدُ نَوْعَيْهِ وَهُوَ تَمَتّعُ الْقِرَانِ فَإِنّهُ لُغَةُ الْقُرْآنِ وَالصّحَابَةُ الّذِينَ شَهِدُوا التّنْزِيلَ وَالتّأْوِيلَ شَهِدُوا بِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ فَبَدَأَ فَأَهَلّ بِالْعُمْرَةِ ثُمّ أَهَلّ بِالْحَجّ وَكَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ، وَأَيْضًا: فَإِنّ الّذِي صَنَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ مُتْعَةُ الْقِرَانِ بِلَا شَكّ كَمَا قَطَعَ بِهِ أَحْمَدُ، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَمَتّعْنَا مَعَهُ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ الّذِي قَالَ لِمُطَرّفٍ أُحَدّثُك حَدِيثًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَنْفَعَك بِهِ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجّ وَعُمْرَةٍ ثُمّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتّى مَاتَ. وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَأَخْبَرَ عَنْ قِرَانِهِ بِقَوْلِهِ تَمَتّعَ وَبِقَوْلِهِ جَمَعَ بَيْنَ حَجّ وَعُمْرَةٍ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا، مَا ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ اجْتَمَعَ عَلِيّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ، فَقَالَ كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَقَالَ عَلِيّ: مَا تُرِيدُ إلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَنْهَى عَنْهُ؟ قَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْك، فَقَالَ إنّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَك، فَلَمّا أَنْ رَأَى عَلِيّ ذَلِكَ أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعًا. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيّ: اخْتَلَفَ عَلِيّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ عَلِيّ: مَا تُرِيدُ إلّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيّ، أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعًا وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ وَحْدَهُ مِنْ حَدِيثِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيّا، وَعُثْمَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمّا رَأَى عَلِيّ ذَلِكَ أَهَلّ بِهِمَا: لَبّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجّةٍ وَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ. فَهَذَا يُبَيّنُ أَنّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، كَانَ مُتَمَتّعًا عِنْدَهُمْ وَأَنّ هَذَا هُوَ الّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ وَافَقَهُ عُثْمَانُ عَلَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَمّا قَالَ لَهُ مَا تُرِيدُ إلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَنْهَى عَنْهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَوْلَا أَنّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ لَأَنْكَرَهُ ثُمّ قَصَدَ عَلِيّ إلَى مُوَافَقَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ أَنّ فِعْلَهُ لَمْ يُنْسَخْ وَأَهَلّ بِهِمَا جَمِيعًا تَقْرِيرًا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ وَمُتَابَعَتِهِ فِي الْقِرَانِ وَإِظْهَارًا لِسُنّةٍ نَهَى عَنْهَا عُثْمَانُ مُتَأَوّلًا، وَحِينَئِذٍ فَهَذَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلّ تَمَامَ الْعِشْرِينَ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمّ لَا يَحِلّ حَتّى يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنّهُ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَهُوَ أَوْلَى مَنْ بَادَرَ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ دَلّ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا وَنَذْكُرُهَا. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى إيجَابِ الْقِرَانِ عَلَى مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَالتّمَتّعِ بِالْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ وَجَمَاعَةٌ فَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَمّا فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ فَإِنّهُ قَرَنَ وَسَاقَ الْهَدْيَ وَأَمَرَ كُلّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْفَسْخِ إلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ أَوْ كَمَا أَمَرَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحّ مِنْ قَوْلِ كَثِيرَةٍ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى.
الثّانِي وَالْعِشْرُونَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا حَتّى أَصْبَحَ ثُمّ رَكِبَ حَتّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ اللّهَ وَسَبّحَ [وَكَبّرَ] ثُمّ أَهَلّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلّ النّاسُ بِهِمَا، فَلَمّا قَدِمْنَا، أَمَرَ النّاسَ فَحَلّوا، حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ أَهَلّوا بِالْحَجّ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَيْضًا: عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَبّي بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرٌ فَحَدّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبّى بِالْحَجّ وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا، فَحَدّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا تَعُدّونَنَا إلّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَبّيْكَ عُمْرَةً وحَجّا وَبَيْنَ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي السّنّ سَنَةٌ أَوْ سَنَةٌ وَشَيْءٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إسْحَاقَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدٍ أَنّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهَلّ بِهِمَا لَبّيْكَ عُمْرَةً وحَجّا وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَبّيْكَ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا النّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَبّي بِهِمَا. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهَلّ بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ حِينَ صَلّى الظّهْرَ وَرَوَى الْبَزّارُ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهَلّ بِحَجّ وَعُمْرَة وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ وَعَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ وَكِيعٌ: حَدّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْت أَنَسًا مِثْلَهُ قَالَ وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ وَذَكَرَ الْخُشَنِيّ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فَذَكَرَهَا وَقَالَ وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجّتِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ: حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ فَهَؤُلَاءِ سِتّةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الثّقَاتِ كُلّهُمْ مُتّفِقُونَ عَنْ أَنَسٍ أَنّ لَفْظَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إهْلَالًا بِحَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، وَهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الطّوِيلُ، وَقَتَادَةُ: وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ، وَثَابِتٌ الْبُنَانِيّ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، وَسُلَيْمَانُ التّيْمِيّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي إسْحَاقَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَمُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَأَبُو أَسْمَاءَ، وَأَبُو قُدَامَةَ عَاصِمُ بْنُ حُسَيْنٍ وَأَبُو قَزَعَةَ وَهُوَ سُوَيْدُ بْنُ حَجَرٍ الْبَاهِلِيّ. أَنَسٍ عَنْ لَفْظِ إهْلَالِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ وَهَذَا عَلِيّ وَالْبَرَاءُ يُخْبِرَانِ عَنْ إخْبَارِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقِرَانِ وَهَذَا عَلِيّ أَيْضًا، يُخْبِرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَلَهُ وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَبّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَهُ وَعَلّمَهُ اللّفْظَ الّذِي يَقُولُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَهَذَا عَلِيّ أَيْضًا يُخْبِرُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَبّي بِهِمَا جَمِيعًا، وَهَؤُلَاءِ بَقِيّةُ مَنْ ذَكَرْنَا يُخْبِرُونَ عَنْهُ بِأَنّهُ فَعَلَهُ وَهَذَا هُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُ بِهِ آلَهُ وَيَأْمُرُ بِهِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ.
وَهَؤُلَاءِ الّذِينَ رَوَوْا الْقِرَانَ بِغَايَةِ الْبَيَانِ عَائِشَةُ أُمّ الْمُؤْمِنِين، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بِإِقْرَارِهِ لِعَلِيّ وَتَقْرِيرِ عَلِيّ لَهُ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَحَفْصَةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى، وَأَبُو طَلْحَةَ وَالْهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ وَأُمّ سَلَمَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ مِنْهُمْ مَنْ رَوَى فِعْلَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى لَفْظَ إحْرَامِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى خَبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى أَمْرَهُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَجْعَلُونَ مِنْهُمْ ابْنَ عُمَرَ وَجَابِرًا، وَعَائِشَةَ وَابْنَ عَبّاسٍ؟ وَهَذِهِ عَائِشَةُ تَقُولُ أَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجّ وَفِي لَفْظٍ أَفْرَدَ الْحَجّ وَالْأَوّلُ فِي الصّحِيحَيْنِ، وَالثّانِي فِي مُسْلِمٍ وَلَهُ لَفْظَانِ هَذَا أَحَدُهُمَا وَالثّانِي: أَهَلّ بِالْحَجّ مُفْرِدًا وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يَقُول: لَبّى بِالْحَجّ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَهَذَا ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ وَأَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ جَابِرٌ يَقُولُ أَفْرَدَ الْحَجّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قِيلَ إنْ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ هَؤُلَاءِ تَعَارَضَتْ وَتَسَاقَطَتْ فَإِنّ أَحَادِيثَ الْبَاقِينَ لَمْ تَتَعَارَضْ فَهَبْ أَنّ أَحَادِيثَ مَنْ ذَكَرْتُمْ لَا حُجّةَ فِيهَا عَلَى الْقِرَانِ وَلَا عَلَى الْإِفْرَادِ لِتَعَارُضِهَا، فَمَا الْمُوجِبُ لِلْعُدُولِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَاقِينَ مَعَ صَرَاحَتِهَا وَصِحّتِهَا؟ فَكَيْفَ وَأَحَادِيثُهُمْ يُصَدّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا، وَإِنّمَا ظَنّ مَنْ ظَنّ التّعَارُضَ لِعَدَمِ إحَاطَتِهِ بِمُرَادِ الصّحَابَةِ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ وَحَمْلِهَا عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ بَعْدَهُمْ. وَرَأَيْت لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فَصْلًا حَسَنًا فِي اتّفَاقِ أَحَادِيثِهِمْ نَسُوقُهُ بِلَفْظِهِ قَالَ وَالصّوَابُ أَنّ الْأَحَادِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ مُتّفِقَةٌ لَيْسَتْ بِمُخْتَلِفَةٍ إلّا اخْتِلَافًا يَسِيرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنّ الصّحَابَةَ ثَبَتَ عَنْهُمْ أَنّهُ تَمَتّعَ وَالتّمَتّعُ عِنْدَهُمْ يَتَنَاوَلُ الْقِرَانَ وَاَلّذِينَ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنّهُ أَفْرَدَ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنّهُ تَمَتّعَ أَمّا الْأَوّلُ فَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ اجْتَمَعَ عَلِيّ وَعُثْمَان بِعُسْفَان، وَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا تُرِيدُ إلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ دَعْنَا مِنْك فَقَالَ إنّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَك. فَلَمّا رَأَى عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ذَلِكَ أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعًا. فَهَذَا يُبَيّنُ أَنّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ مُتَمَتّعًا عِنْدَهُمْ وَأَنّ هَذَا هُوَ الّذِي فَعَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَافَقَهُ عُثْمَانُ عَلَى أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لَكِنْ كَانَ النّزَاعُ بَيْنَهُمَا، هَلْ ذَلِكَ الْأَفْضَلُ فِي حَقّنَا أَمْ لَا؟ وَهَلْ شُرِعَ فَسْخُ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ فِي حَقّنَا كَمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ؟ فَقَدْ اتّفَقَ عَلِيّ وَعُثْمَانُ عَلَى أَنّهُ تَمَتّعَ وَالْمُرَادُ بِالتّمَتّعِ عِنْدَهُمْ الْقِرَانُ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ مُطَرّفٍ قَالَ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجّ وَعُمْرَةٍ، ثُمّ إنّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرّمُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَمَتّعْنَا مَعَهُ فَهَذَا عِمْرَانُ وَهُوَ مِنْ أَجَلّ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ أَخْبَرَ أَنّهُ تَمَتّعَ وَأَنّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقَارِنُ عِنْدَ الصّحَابَةِ مُتَمَتّعٌ وَلِهَذَا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَةُ 196]، وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبّي فَقَالَ صَلّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجّةٍ قَالَ فَهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءُ الرّاشِدُونَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيّ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رُوِيَ عَنْهُمْ بِأَصَحّ الْأَسَانِيدِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرَنَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجّ وَكَانُوا يُسَمّونَ ذَلِكَ تَمَتّعًا، وَهَذَا أَنَسٌ يَذْكُرُ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَبّي بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. وَمَا ذَكَرَهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ لَبّى بِالْحَجّ وَحْدَه فَجَوَابُهُ أَنّ الثّقَاتِ الّذِينَ هُمْ أَثْبَتُ فِي ابْنِ عُمَرَ مِنْ بَكْرٍ مِثْلَ سَالِمٍ ابْنِهِ وَنَافِعٍ رَوَوْا عَنْهُ أَنّهُ قَالَ تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُ فِي ابْنِ عُمَرَ مِنْ بَكْرٍ. فَتَغْلِيطُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْهُ وَأَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِهِ هُوَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُشْبِهُ أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ أَفْرَدَ الْحَج فَظَنّ أَنّهُ قَالَ لَبّى بِالْحَجّ فَإِنّ إفْرَادَ الْحَجّ كَانُوا يُطْلِقُونَهُ وَيُرِيدُونَ بِهِ إفْرَادَ أَعْمَالِ الْحَجّ وَذَلِكَ رَدّ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ قَالَ إنّهُ قَرَنَ قِرَانًا طَافَ فِيهِ طَوَافَيْنِ وَسَعَى فِيهِ سَعْيَيْنِ وَعَلَى مَنْ يَقُولُ إنّهُ حَلّ مِنْ إحْرَامِهِ فَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى مِنْ الصّحَابَةِ أَنّهُ أَفْرَدَ الْحَجّ تَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ يُبَيّنُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجّ مُفْرَدًا، وَفِي رِوَايَةٍ أَهَلّ بِالْحَجّ مُفْرِدًا فَهَذِهِ الرّوَايَةُ إذَا قِيلَ إنّ مَقْصُودَهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهَلّ بِحَجّ مُفْرِدًا، قِيلَ فَقَدْ ثَبَتَ بِإِسْنَادٍ أَصَحّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى أَهَلّ بِالْحَجّ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَمَا عَارَضَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ إمّا أَنْ يَكُونَ غَلَطًا عَلَيْهِ وَإِمّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ مُوَافِقًا لَهُ وَإِمّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ لَمّا عَلِمَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحِلّ ظَنّ أَنّهُ أَفْرَدَ كَمَا وَهِمَ فِي قَوْلِهِ إنّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ وَكَانَ ذَلِكَ نِسْيَانًا مِنْهُ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا لَمْ يَحِلّ مِنْ إحْرَامِهِ وَكَانَ هَذَا حَالَ الْمُفْرِدِ ظَنّ أَنّهُ أَفْرَدَ ثُمّ سَاقَ حَدِيثَ الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَدِيثَ. وَقَوْلَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَهَذَا مِنْ أَصَحّ حَدِيثٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالسّنّةِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مِنْ أَصَحّ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، الرّابِعَةُ مَعَ حَجّتِه وَلَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجّ بِاتّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَيَتَعَيّنُ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتّعًا تَمَتّعَ قِرَانٍ أَوْ التّمَتّعَ الْخَاصّ. وَقَدْ صَحّ عَن ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَقَالَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي الصّحِيحِ. قَالَ وَأَمّا الّذِينَ نُقِلَ عَنْهُمْ إفْرَادُ الْحَجّ فَهُمْ ثَلَاثَةٌ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَالثّلَاثَةُ نُقِلَ عَنْهُمْ التّمَتّعُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنّهُ تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ أَصَحّ مِنْ حَدِيثِهِمَا، وَمَا صَحّ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا، فَمَعْنَاهُ إفْرَادُ أَعْمَالِ الْحَجّ أَوْ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ غَلَطٌ كَنَظَائِرِهِ فَإِنّ أَحَادِيثَ التّمَتّعِ مُتَوَاتِرَةٌ رَوَاهَا أَكَابِرُ الصّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَرَوَاهَا أَيْضًا: عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ بَلْ رَوَاهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصّحَابَةِ. وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبّاسٍ عَلَى أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَر وَإِنّمَا وَهِمَ ابْنُ عُمَرَ فِي كَوْنِ إحْدَاهُنّ فِي رَجَبٍ وَكُلّهُمْ قَالُوا: وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجّتِهِ وَهُمْ سِوَى ابْنِ عَبّاسٍ. قَالُوا: إنّه أَفْرَدَ الْحَجّ وَهُمْ سِوَى أَنَسٍ قَالُوا: تَمَتّعَ. فَقَالُوا: هَذَا، وَهَذَا، وَهَذَا، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ فَإِنّهُ تَمَتّعَ تَمَتّعَ قِرَانٍ وَأَفْرَدَ أَعْمَالَ الْحَجّ وَقَرَنَ بَيْنَ النّسُكَيْنِ وَكَانَ قَارِنًا بِاعْتِبَارِ جَمْعِهِ بَيْنَ النّسُكَيْنِ وَمُفْرِدًا بِاعْتِبَارِ اقْتِصَارِهِ عَلَى أَحَدِ الطّوَافَيْنِ وَالسّعْيَيْنِ وَمُتَمَتّعًا تَرَفّهَهُ بِتَرْكِ أَحَدِ السّفَرَيْنِ. وَمَنْ تَأَمّلَ أَلْفَاظَ الصّحَابَةِ، وَجَمَعَ الْأَحَادِيثَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَاعْتَبَرَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَفَهِمَ لُغَةَ الصّحَابَةِ أَسْفَرَ لَهُ صُبْحُ الصّوَابِ وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ ظُلْمَةُ الِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ وَاللّهُ الْهَادِي لِسَبِيلِ الرّشَادِ وَالْمُوَفّقُ لِطَرِيقِ السّدَادِ.