فصل: الْأَصْلُ فِي الْمَسَائِلِ الْإِحْكَامُ حَتّى يَثْبُتَ نَسْخُهَا أَوْ اخْتِصَاصُهَا بِأَحَدٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.أَعْذَارُ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِفَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ:

وَاَلّذِينَ خَالَفُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ لَهُمْ أَعْذَارٌ. الْعُذْرُ الْأَوّلُ أَنّهَا مَنْسُوخَةٌ. الْعُذْرُ الثّانِي: أَنّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالصّحَابَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ مُشَارَكَتُهُمْ فِي حُكْمِهَا. الْعُذْرُ الثّالِثُ مُعَارَضَتُهَا بِمَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ حُكْمِهَا، وَهَذَا مَجْمُوعُ مَا اعْتَذَرُوا بِهِ عَنْهَا. وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَذِهِ الْأَعْذَارَ عُذْرًا عُذْرًا، وَنُبَيّنُ مَا فِيهَا بِمَعُونَةِ اللّهِ وَتَوْفِيقِهِ. أَمّا الْعُذْرُ الْأَوّلُ وَهُوَ النّسْخُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ لَمْ يَأْتُوا مِنْهَا بِشَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَى نُصُوصٍ أُخَرَ تَكُونُ تِلْكَ النّصُوصُ مُعَارِضَةً لِهَذِهِ ثُمّ تَكُونُ مَعَ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ مُقَاوِمَةٌ لَهَا، ثُمّ يَثْبُتُ تَأَخّرُهَا عَنْهَا. قَالَ الْمُدّعُونَ لِلنّسْخِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ السّجِسْتَانِيّ: حَدّثَنَا الْفِرْيَابِيّ، حَدّثَنَا أَبَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَمّا وَلِيَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ أَحَلّ لَنَا الْمُتْعَةَ ثُمّ حَرّمَهَا عَلَيْنَا رَوَاهُ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ قَالَ الْمُبِيحُونَ لِلْفَسْخِ عَجَبًا لَكُمْ فِي مُقَاوَمَةِ الْجِبَالِ الرّوَاسِي الّتِي لَا تُزَعْزِعُهَا الرّيَاحُ بِكَثِيبٍ مَهِيلٍ تَسْفِيهِ الرّيَاحُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا سَنَدَ وَلَا مَتْنَ أَمّا سَنَدُهُ فَإِنّهُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ عَلَيْنَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَمّا مَتْنُهُ فَإِنّ الْمُرَادَ بِالْمُتْعَةِ فِيهِ مُتْعَةُ النّسَاءِ الّتِي أَحَلّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ ثُمّ حَرّمَهَا، لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتّةَ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إجْمَاعُ الْأُمّةِ عَلَى أَنّ مُتْعَةَ الْحَجّ غَيْرُ مُحَرّمَةٍ بَلْ إمّا وَاجِبَةٌ أَوْ أَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ مُسْتَحَبّةٌ أَوْ جَائِزَةٌ وَلَا نَعْلَمُ لِلْأُمّةِ قَوْلًا خَامِسًا فِيهَا بِالتّحْرِيمِ.
الثّانِي: أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ صَحّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنّهُ قَالَ لَوْ حَجَجْتُ لَتَمَتّعْتُ ثُمّ لَوْ حَجَجْتُ لَتَمَتّعْتُ ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي مُصَنّفِهِ: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، أَنّهُ سُئِلَ أَنَهَى عُمَرُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجّ؟ قَالَ لَا، أَبَعْدَ كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى؟ وَذَكَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ أَنَهَى عُمَرُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجّ؟ قَالَ لَا. وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ قَالَ هَذَا الّذِي يَزْعُمُونَ أَنّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ،- يَعْنِي عُمَرَ- سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَوْ اعْتَمَرْتُ ثُمّ حَجَجْتُ لَتَمَتّعْتُ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ بْنُ حَزْمٍ: صَحّ عَنْ عُمَرَ الرّجُوعُ إلَى الْقَوْلِ بِالتّمَتّعِ بَعْدَ النّهْيِ عَنْهُ وَهَذَا مُحَالٌ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَوْلِ بِمَا صَحّ عِنْدَهُ أَنّهُ مَنْسُوخٌ.
الثّالِثُ أَنّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْهَى عَنْهَا، وَقَدْ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ هَلْ هِيَ لِعَامِهِمْ ذَلِكَ أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ، وَهَذَا قَطْعٌ لِتَوَهّمِ وُرُودِ النّسْخِ عَلَيْهَا، أَحَدُ الْأَحْكَامِ الّتِي يَسْتَحِيلُ وُرُودُ النّسْخِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْحُكْمُ الّذِي أَخْبَرَ الصّادِقُ الْمَصْدُوقُ بِاسْتِمْرَارِهِ وَدَوَامِهِ فَإِنّهُ لَا خَلْفَ لِخَبَرِهِ.
فَصْلٌ:
الْعُذْرُ الثّانِي: دَعْوَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالصّحَابَةِ وَاحْتَجّوا بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ الْحُمَيْدِيّ، حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْمُرَقّعِ عَنْ أَبِي ذَرّ أَنّهُ قَالَ كَانَ فَسْخُ الْحَجّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ لَنَا خَاصّةً. وَقَالَ وَكِيعٌ: حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجّتَهُ عُمْرَةً، إنّهَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَقَالَ الْبَزّارُ: حَدّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْأَسَدِيّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ، قُلْنَا لِأَبِي ذَرّ كَيْفَ تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنْتُمْ مَعَهُ؟ فَقَالَ مَا أَنْتُمْ وَذَاكَ إنّمَا ذَاكَ شَيْءٌ رُخّصَ لَنَا فِيهِ يَعْنِي الْمُتْعَةَ وَقَالَ الْبَزّارُ: حَدّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَى، حَدّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ وَالْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَا: قَالَ أَبُو ذَرّ فِي الْحَجّ وَالْمُتْعَةِ رُخْصَةٌ أَعْطَانَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدّثَنَا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ، عَنْ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنّ أَبَا ذَرّ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجّ ثُمّ فَسَخَهَا إلَى عُمْرَةٍلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلّا لِلرّكْبِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي ذَرّ. قَالَ كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجّ لِأَصْحَابِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلّمَ خَاصّةً. وَفِي لَفْظٍ كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً، يَعْنِي الْمُتْعَةَ فِي الْحَجّ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَا تَصِحّ الْمُتْعَتَانِ إلّا لَنَا خَاصّةً يَعْنِي مُتْعَةَ النّسَاءِ وَمُتْعَةَ الْحَجّ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ إنّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصّةً دُونَكُمْ، يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجّ. وَفِي سُنَنِ النّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ فِي مُتْعَةِ الْحَجّلَيْسَتْ لَكُمْ وَلَسْتُمْ مِنْهَا فِي شَيْءٍ، إنّمَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنّسَائِيّ، مِنْ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ فَسْخَ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصّةً أَمْ لِلنّاسِ عَامّةً؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بَلْ لَنَا خَاصّةً وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سُئِلَ عُثْمَانُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجّ فَقَال: كَانَتْ لَنَا، لَيْسَتْ لَكُمْ. قَالَ الْمُجَوّزُونَ لِلْفَسْخِ وَالْمُوجِبُونَ لَهُ لَا حُجّةَ لَكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنّ هَذِهِ الْآثَارَ بَيْنَ بَاطِلٍ لَا يَصِحّ عَمّنْ نُسِبَ إلَيْهِ أَلْبَتّةَ وَبَيْنَ صَحِيحٍ عَنْ قَائِلٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ لَا تُعَارَضُ بِهِ نُصُوصُ الْمَعْصُومِ. أَمّا الْأَوّلُ فَإِنّ الْمُرَقّعَ لَيْسَ مِمّنْ تَقُومُ بِرِوَايَتِهِ حُجّةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدّمَ عَلَى النّصُوصِ الصّحِيحَةِ غَيْرِ الْمَدْفُوعَةِ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:- وَقَدْ عُورِضَ بِحَدِيثِهِ- وَمَنْ الْمُرَقّعُ الْأَسَدِيّ؟ وَقَدْ رَوَى أَبُو ذَرّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ الْأَمْرُ بِفَسْخِ الْحَجّ إلَى الْعُمْرَةِ. وَغَايَةُ مَا نُقِلَ عَنْهُ إنْ صَحّ أَنّ ذَلِكَ مُخْتَصّ بِالصّحَابَةِ فَهُوَ رَأْيُهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: إنّ ذَلِكَ عَامّ لِلْأُمّةِ فَرَأْيُ أَبِي ذَرّ مُعَارَضٌ بِرَأْيِهِمَا، وَسَلِمَتْ النّصُوصُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ ثُمّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ بَاطِلَةٌ بِنَصّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ أَنّ تِلْكَ الْعُمْرَةَ الّتِي وَقَعَ السّؤَالُ عَنْهَا وَكَانَتْ عُمْرَةَ فَسْخٍ لِأَبَدِ الْأَبَدِ لَا تَخْتَصّ بِقَرْنٍ دُونَ قَرْنٍ وَهَذَا أَصَحّ سَنَدًا مِنْ الْمَرْوِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ وَأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْهُ لَوْ صَحّ عَنْهُ.

.الْأَصْلُ فِي الْمَسَائِلِ الْإِحْكَامُ حَتّى يَثْبُتَ نَسْخُهَا أَوْ اخْتِصَاصُهَا بِأَحَدٍ:

وَأَيْضًا، فَإِذَا رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَمْرٍ قَدْ صَحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ أَنّهُ فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بَاقٍ إلَى الْأَبَدِ فَقَوْلُ مَنْ ادّعَى نَسْخَهُ أَوْ اخْتِصَاصَهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ فَلَا يُقْبَلُ إلّا بِبُرْهَانٍ وَإِنّ أَقَلّ مَا فِي الْبَابِ مُعَارَضَتُهُ بِقَوْلِ مَنْ ادّعَى بَقَاءَهُ وَعُمُومَهُ وَالْحُجّةُ تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ وَالْوَاجِبُ الرّدّ عِنْدَ التّنَازُعِ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ. فَإِذَا قَالَ أَبُو ذَرّ وَعُثْمَانُ: إنّ الْفَسْخَ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصّ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ: إنّهُ بَاقٍ وَحُكْمُهُ عَامّ، فَعَلَى مَنْ ادّعَى النّسْخَ وَالِاخْتِصَاصَ الدّلِيلُ. بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ- فَحَدِيثٌ لَا يُكْتَبُ وَلَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ تِلْكَ الْأَسَاطِين الثّابِتَةُ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَرَى لِلْمُهِلّ بِالْحَجّ أَنْ يَفْسَخَ حَجّهُ إنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَالَ فِي الْمُتْعَةِ هِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ. وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ اجْعَلُوا حَجّكُمْ عُمْرَةً قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَقُلْت لِأَبِي: فَحَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ فِي فَسْخِ الْحَجّ يَعْنِي قَوْلَهُ لَنَا خَاصّةً؟ قَالَ لَا أَقُولُ بِهِ لَا يُعْرَفُ هَذَا الرّجُلُ هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عِنْدِي يَثْبُتُ. هَذَا لَفْظُهُ. قُلْت: وَمِمّا يَدُلّ عَلَى صِحّةِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَنّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَ عَنْ تِلْكَ الْمُتْعَةِ الّتِي أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا حَجّهُمْ إلَيْهَا أَنّهَا لِأَبَدِ الْأَبَدِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ عَنْهُ بَعْدَ هَذَا أَنّهَا لَهُمْ خَاصّةً؟ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ. وَكَيْفَ يَأْمُرُهُمْ بِالْفَسْخِ وَيَقُولُ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ثُمّ يَثْبُتُ عَنْهُ أَنّ ذَلِكَ مُخْتَصّ بِالصّحَابَةِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللّهِ أَنّ حَدِيثَ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ هَذَا، لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِ وَكَيْفَ تُقَدّمُ رِوَايَةُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عَلَى رِوَايَاتِ الثّقَاتِ الْأَثْبَاتِ حَمَلَةِ الْعِلْمِ الّذِينَ رَوَوْا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ خِلَافَ رِوَايَتِهِ ثُمّ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُفْتِي بِخِلَافِهِ. وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ طُولَ عُمْرِهِ بِمَشْهَدٍ مِنْ الْخَاصّ وَالْعَامّ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مُتَوَافِرُونَ وَلَا يَقُولُ لَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هَذَا كَانَ مُخْتَصّا بِنَا، لَيْسَ لِغَيْرِنَا حَتّى يَظْهَرَ بَعْدَ مَوْتِ الصّحَابَةِ أَنّ أَبَا ذَرّ كَانَ يَرَى اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِهِمْ؟ وَأَمّا قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي مُتْعَةِ الْحَجّ إنّهَا كَانَتْ لَهُمْ لَيْسَتْ أَبِي ذَرّ سَوَاءٌ عَلَى أَنّ الْمَرْوِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ وَعُثْمَانَ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: اخْتِصَاصُ جَوَازِ ذَلِكَ بِالصّحَابَةِ وَهُوَ الّذِي فَهِمَهُ مَنْ حَرّمَ الْفَسْخَ.
الثّانِي: اخْتِصَاصُ وُجُوبِهِ بِالصّحَابَةِ وَهُوَ الّذِي كَانَ يَرَاهُ شَيْخُنَا قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ يَقُولُ إنّهُمْ كَانُوا قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ الْفَسْخُ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ لَهُمْ بِهِ وَحَتْمِهِ عَلَيْهِمْ وَغَضَبِهِ عِنْدَمَا تَوَقّفُوا فِي الْمُبَادَرَةِ إلَى امْتِثَالِهِ. وَأَمّا الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ فَلِلْأُمّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَكِنْ أَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ ابْنُ عَبّاسٍ، وَجَعَلَ الْوُجُوبَ لِلْأُمّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنّ فَرْضًا عَلَى كُلّ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلّ وَلَابُدّ بَلْ قَدْ حَلّ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ وَأَنَا إلَى قَوْلِهِ أَمْيَلُ مِنّي إلَى قَوْلِ شَيْخِنَا. الِاحْتِمَالُ الثّالِثُ أَنّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِ الصّحَابَةِ أَنْ يَبْتَدِئَ حَجّا قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا بِلَا هَدْيٍ بَلْ هَذَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْفَسْخِ لَكِنْ فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنْ التّمَتّعِ لِمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَالْقِرَانُ لِمَنْ سَاقَ كَمَا صَحّ عَنْهُ ذَلِكَ. وَإِمّا أَنْ يُحْرِمَ بِحَجّ مُفْرَدٍ ثُمّ يَفْسَخَهُ عِنْدَ الطّوَافِ إلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَيَجْعَلَهُ مُتْعَةً فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ هَذَا إنّمَا كَانَ لِلصّحَابَةِ فَإِنّهُمْ ابْتَدَءُوا الْإِحْرَامَ بِالْحَجّ الْمُفْرَدِ قَبْل أَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بِالتّمَتّعِ وَالْفَسْخِ إلَيْهِ فَلَمّا اسْتَقَرّ أَمْرُهُ بِالتّمَتّعِ وَالْفَسْخِ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيُفْرِدَ ثُمّ يَفْسَخَهُ.
وَإِذَا تَأَمّلْت هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ رَأَيْتهمَا إمّا رَاجِحِينَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوّلِ أَوْ مُسَاوِيَيْنِ لَهُ وَتَسْقُطُ مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الثّابِتَةِ الصّرِيحَةِ بِهِ جُمْلَةً وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ. وَأَمّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ أَبِي ذَرّ أَنّ الْمُتْعَةَ فِي الْحَجّ كَانَتْ لَهُمْ خَاصّةً. فَهَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ أَصْلُ الْمُتْعَةِ فَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامَةِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مُتْعَةُ الْفَسْخِ احْتَمَلَ الْوُجُوهَ الثّلَاثَةَ الْمُتَقَدّمَةَ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ: وَذَكَرَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيّ حَدّثَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِي ذَرّ فِي مُتْعَةِ الْحَجّ كَانَتْ لَنَا خَاصّةً. فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: رَحِمَ اللّهُ أَبَا ذَرّ هِيَ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {فَمَنْ تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ} [الْبَقَرَةُ 196]. قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ الْفَسْخِ قَوْلُ أَبِي ذَرّ وَعُثْمَانَ إنّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصّ بِالصّحَابَةِ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرّأْيِ فَمَعَ قَائِلِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى مَنْ ادّعَى بَقَاءَهُ وَعُمُومَهُ فَإِنّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِحَالِ النّصّ بَقَاءً وَعُمُومًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْعَيْنِ الْمُدّعَاةِ وَمُدّعِي فَسْخَهُ وَاخْتِصَاصَهُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْبَيّنَةِ الّتِي تُقَدّمُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ. قَالَ الْمُجَوّزُونَ لِلْفَسْخِ هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لَا شَكّ فِيهِ بَلْ هَذَا رَأْيٌ لَا شَكّ فِيهِ وَقَدْ صَرّحَ- بِأَنّهُ رَأْيُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ عُثْمَانَ وَأَبِي ذَرّ- عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَفِي الصّحِيحَيْنِ وَاللّفْظُ لِلْبُخَارِيّ تَمَتّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجّ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ ثُمّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ مُتْعَةَ الْحَجّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ حَتّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ وَفِي لَفْظٍ يُرِيدُ عُمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْهَا؛ وَقَالَ لَهُ إنّ أَبَاك نَهَى عَنْهَا: أَأَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ أَحَقّ أَنْ يُتّبَعَ أَوْ أَمْرُ أَبِي؟ وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ لِمَنْ كَانَ يُعَارِضُهُ فِيهَا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَيُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السّمَاءِ، أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ سَلّمَ وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر فَهَذَا جَوَابُ الْعُلَمَاءِ لَا جَوَابُ مَنْ يَقُولُ عُثْمَانُ وَأَبُو ذَرّ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مِنْكُمْ فَهَلّا قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مِنّا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ التّابِعِينَ يَرْضَى بِهَذَا الْجَوَابِ فِي دَفْعِ نَصّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَتْقَى لَهُ مِنْ أَنْ يُقَدّمُوا عَلَى قَوْلِ الْمَعْصُومِ رَأْيَ غَيْرِ الْمَعْصُومِ ثُمّ قَدْ ثَبَتَ النّصّ عَنْ الْمَعْصُومِ بِأَنّهَا بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ قَالَ بِبَقَائِهَا: عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبّاسٍ، وَأَبُو مُوسَى، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، وَجُمْهُورُ التّابِعِينَ.
وَيَدُلّ عَلَى أَنّ ذَلِكَ رَأْيٌ مَحْضٌ لَا يُنْسَبُ إلَى أَنّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَمّا نَهَى عَنْهَا قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النّسُكِ؟ فَقَالَ إنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ رَبّنَا، فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ {وَأَتِمّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [الْبَقَرَةُ 196]، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلَى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحِلّ حَتّى نَحَرَ فَهَذَا اتّفَاقٌ مِنْ أَبِي مُوسَى وَعُمَرَ عَلَى أَنّ مَنْعَ الْفَسْخِ إلَى الْمُتْعَةِ وَالْإِحْرَامِ بِهَا ابْتِدَاءً إنّمَا هُوَ رَأْيٌ مِنْهُ أَحْدَثَهُ فِي النّسُكِ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَإِنْ اسْتَدَلّ لَهُ بِمَا اسْتَدَلّ.
وَأَبُو مُوسَى كَانَ يُفْتِي النّاسَ بِالْفَسْخِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُلّهَا، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ حَتّى فَاوَضَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ وَاتّفَقَا عَلَى أَنّهُ رَأْيٌ أَحْدَثَهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي النّسُكِ ثُمّ صَحّ عَنْهُ الرّجُوعُ عَنْهُ.

.فصل عُذْرُ مَنْ ادّعَى مُعَارَضَةَ أَحَادِيثِ الْفَسْخِ بِمَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِهَا:

وَأَمّا الْعُذْرُ الثّالِثُ وَهُوَ مُعَارَضَةُ أَحَادِيثِ الْفَسْخِ بِمَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِهَا، فَذَكَرُوا مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ فَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجّ حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ، فَلْيَحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى، فَلَا يَحِلّ حَتّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَمَنْ أَهَلّ بِحَجّ فَلْيُتِمّ حَجّهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ فَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِالْحَجّ، وَأَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بِالْحَجّ فَأَمّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ فَحَلّ وَأَمّا مَنْ أَهَلّ بِحَجّ أَوْ جَمَعَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلّوا حَتّى كَانَ يَوْمُ النّحْرِ وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ لِلْحَجّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ وَحَجّةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجّ مُفْرَدٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَمَنْ كَانَ أَهَلّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، لَمْ يَحِلّ مِنْ شَيْءٍ مِمّا حَرُمَ مِنْهُ حَتّى قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجّ وَمَنْ أَهَلّ بِحَجّ مُفْرَدٍ لَمْ يَحِلّ مِنْ شَيْءٍ مِمّا حَرُمَ مِنْهُ حَتّى قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجّ وَمَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَلّ مِمّا حُرِمَ مِنْهُ حَتّى اسْتَقْبَلَ حَجّا ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ لَهُ سَلْ لِي عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ، عَنْ رَجُلٍ أَهَلّ بِالْحَجّ، فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ أَيَحِلّ أَمْ لَا؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَدْ حَجّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنّ أَوّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكّةَ، أَنّهُ تَوَضّأَ ثُمّ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمّ حَجّ أَبُو بَكْر، ثُمّ كَانَ أَوّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ ثُمّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمّ حَجّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ. ثُمّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، فَكَانَ أَوّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ. ثُمّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ ثُمّ آخِرُ مَنْ رَأَيْت فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمّ لَمْ يَنْقُضْهَا بِعُمْرَةٍ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ أَفَلَا يَسْأَلُونَهُ؟ وَلَا أَحَدٌ مِمّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِين يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوّلَ مِنْ الطّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمّ لَا يَحِلّونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوّلَ مِنْ الطّوَافِ بِالْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمّ لَا تَحِلّانِ.