فصل: الطّلَاقُ قَبْلَ الْعِدّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.ذِكْرُ أَشْيَاءَ لَا تُسَمّى بِأَسْمَاءٍ مُعَيّنَةٍ إلّا بِشَرْطِ مُعَيّنٍ:

الثّانِي: إنّا وَإِنْ سَلّمْنَا ذَلِكَ فَإِنّ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الطّهْرَ لَا يُسَمّى قَرْءًا حَتّى يَحْتَوِشَهُ دَمَانِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فَالدّمُ شَرْطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ قَرْءًا وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ مُسَمّاهُ الْحَيْضُ وَهَذَا كَالْكَأْسِ الّذِي لَا يُقَالُ عَلَى الْإِنَاءِ إلّا بِشَرْطِ كَوْنِ الشّرَابِ فِيهِ وَإِلّا فَهُوَ زُجَاجَةٌ أَوْ قَدَحٌ وَالْمَائِدَةِ الّتِي لَا تُقَالُ لِلْخِوَانِ إلّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَإِلّا فَهُوَ خِوَانٌ وَالْكُوزِ الّذِي لَا يُقَالُ لِمُسَمّاهُ إلّا إذَا كَانَ ذَا عُرْوَةٍ وَإِلّا فَهُوَ كُوبٌ وَالْقَلَمِ الّذِي يُشْتَرَطُ فِي صِحّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْقَصَبَةِ كَوْنُهَا مَبْرِيّةً وَبِدُونِ الْبَرْيِ فَهُوَ أُنْبُوبٌ أَوْ قَصَبَةٌ وَالْخَاتَمُ شَرْطُ إطْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ ذَا فَصّ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَالرّيْطَةُ شَرْطُ إطْلَاقِهَا عَلَى مُسَمّاهَا أَنْ تَكُونَ قِطْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ مُلَفّقَةً مِنْ قِطْعَتَيْنِ فَهِيَ مُلَاءَةٌ وَالْحُلّةُ شَرْطُ إطْلَاقِهَا أَنْ تَكُونَ ثَوْبَيْنِ إزَارًا وَرِدَاءً وَإِلّا فَهُوَ ثَوْبٌ وَالْأَرِيكَةُ لَا تُقَالُ عَلَى السّرِيرِ إلّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجَلَةٌ وَهِيَ الّتِي تُسَمّى بشخانة وخركاه وَإِلّا فَهُوَ سَرِيرٌ وَاللّطِيمَةُ لَا تُقَالُ لِلْجِمَالِ إلّا إذَا كَانَ فِيهَا طِيبٌ وَإِلّا فَهِيَ عِيرٌ وَالنّفَقُ لَا يُقَالُ إلّا لِمَا لَهُ مَنْفَذٌ وَإِلّا فَهُوَ سَرَبٌ وَالْعِهْنُ لَا يُقَالُ لِلصّوفِ إلّا إذَا كَانَ مَصْبُوغًا وَإِلّا فَهُوَ صُوفٌ وَالْخِدْرُ لَا يُقَالُ إلّا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِلّا فَهُوَ سِتْرٌ. وَالْمِحْجَنُ لَا يُقَالُ لِلْعَصَا إلّا إذَا كَانَ مَحْنِيّةَ الرّأْسِ وَإِلّا فَهِيَ عَصَا. وَالرّكِيّةُ لَا تُقَالُ عَلَى الْبِئْرِ إلّا بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَاءِ فِيهَا وَإِلّا فَهِيَ بِئْرٌ. وَالْوَقُودُ لَا يُقَالُ لِلْحَطَبِ إلّا إذَا كَانَتْ النّارُ فِيهِ وَإِلّا فَهُوَ حَطَبٌ وَلَا يُقَالُ لِلتّرَابِ ثَرَى إلّا بِشَرْطِ نَدَاوَتِهِ وَإِلّا فَهُوَ تُرَابٌ. وَلَا يُقَالُ لِلرّسَالَةِ مُغَلْغَلَةٌ إلّا إذَا حُمِلَتْ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِلّا فَهِيَ رِسَالَةٌ وَلَا يُقَالُ لِلْأَرْضِ قَرَاحٌ إلّا إذَا هُيّئَتْ لِلزّرَاعَةِ وَلَا يُقَالُ لِهُرُوبِ الْعَبْدِ إبَاقٌ إلّا إذَا كَانَ هُرُوبُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا جُوعٍ وَلَا جَهْدٍ وَإِلّا فَهُوَ هُرُوبٌ وَالرّيقُ لَا يُقَالُ لَهُ رُضَابٌ إلّا إذَا كَانَ فِي الْفَمِ فَإِذَا فَارَقَهُ فَهُوَ بُصَاقٌ وَبُسَاقٌ وَالشّجَاعُ لَا يُقَالُ لَهُ كَمِيّ إلّا إذَا كَانَشَاكِيَ السّلَاحِ وَإِلّا فَهُوَ بَطَلٌ. وَفِي تَسْمِيَتِهِ بَطَلًا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِأَنّهُ تُبْطِلُ شَجَاعَتُهُ قِرْنَهُ وَضَرْبَهُ وَطَعْنَهُ.
وَالثّانِي: لِأَنّهُ تَبْطُلُ شُجَاعَةُ الشّجْعَانِ عِنْدَهُ فَعَلَى الْأَوّلِ فَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَعَلَى الثّانِي فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ قِيَاسُ اللّغَةِ. وَالْبَعِيرُ لَا يُقَالُ لَهُ رَاوِيَةٌ إلّا بِشَرْطِ حَمْلِهِ لِلْمَاءِ وَالطّبَقُ لَا يُسَمّى مِهْدَى إلّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ هَدِيّةٌ وَالْمَرْأَةُ لَا تُسَمّى ظَعِينَةً إلّا بِشَرْطِ كَوْنِهَا فِي الْهَوْدَجِ هَذَا فِي الْأَصْلِ وَإِلّا فَقَدَ تُسَمّى الْمَرْأَةُ ظَعِينَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي هَوْدَجٍ وَمِنْهُ فِي الْحَدِيثِ فَمَرّتْ ظُعُنٌ يَجْرِينَ وَالدّلْوُ لَا يُقَالُ لَهُ سَجْلٌ إلّا مَا دَامَ فِيهِ مَاءٌ وَلَا يُقَالُ لَهَا: ذَنُوبٌ إلّا يُقَالُ لَهُ نَعْشٌ إلّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ مَيّتٌ وَالْعَظْمُ لَا يُقَالُ لَهُ عَرْقٌ إلّا إذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَالْخَيْطُ لَا يُسَمّى سِمْطًا إلّا إذَا كَانَ فِيهِ خَرَزٌ. وَلَا يُقَالُ لِلْحَبْلِ قَرَنٌ إلّا إذَا قُرِنَ فِيهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَالْقَوْمُ لَا يُسَمّوْنَ رِفْقَةً إلّا إذَا انْضَمّوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَيْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَفَرّقُوا زَالَ هَذَا الِاسْمُ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ اسْمُ الرّفِيقِ وَالْحِجَارَةُ لَا تُسَمّى رَضْفًا إلّا إذَا حُمِيَتْ بِالشّمْسِ أَوْ بِالنّارِ وَالشّمْسُ لَا يُقَالُ لَهَا: غَزَالَةٌ إلّا عِنْدَ ارْتِفَاعِ النّهَارِ وَالثّوْبُ لَا يُسَمّى مِطْرَفًا إلّا إذَا كَانَ فِي طَرَفَيْهِ عَلَمَانِ وَالْمَجْلِسُ لَا يُقَالُ لَهُ النّادِي إلّا إذَا كَانَ أَهْلُهُ فِيهِ. وَالْمَرْأَةُ لَا يُقَالُ لَهَا: عَاتِقٌ إلّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ أَبَوَيْهَا وَلَا يُسَمّى الْمَاءُ الْمِلْحُ أُجَاجًا إلّا إذَا كَانَ مَعَ مُلُوحَتِهِ مُرّا وَلَا يُقَالُ لِلسّيْرِ إهْطَاعٌ إلّا إذَا كَانَ مَعَهُ خَوْفٌ وَلَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ مُحَجّلٌ إلّا إذَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي قَوَائِمِهَا كُلّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ لَوْ تَقَصّيْنَاهُ فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ لِلطّهْرِ قَرْءٌ إلّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ وَبَعْدَهُ دَمٌ فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ حَيْضٌ؟
قَالُوا: وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهُ لَمْ يَجِئْ فِي كَلَامِ الشّارِعِ إلّا لِلْحَيْضِ فَنَحْنُ نَمْنَعُ مَجِيئَهُ فِي كَلَامِ الشّارِعِ لِلْحَيْضِ الْبَتّةَ فَضْلًا عَنْ الْحَصْرِ. قَالُوا: إنّهُ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ دَعِي الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِك فَقَدْ أَجَابَ الشّافِعِيّ عَنْهُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ وَهَذَا لَفْظُهُ. قَالَ وَزَعَمَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيّةَ أَنّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ وَاحْتَجّ بِحَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَيّوبَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي امْرَأَةٍ اُسْتُحِيضَتْ تَدَعُ الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِهَا قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَمَا حَدّثَ بِهَذَا سُفْيَانُ قَطّ إنّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ أَيّوبَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تَدَعُ الصّلَاةَ عَدَدَ اللّيَالِي وَالْأَيّامِ الّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنّ أَوْ قَالَ أَيّامَ أَقْرَائِهَا الشّكّ مِنْ أَيّوبَ لَا يَدْرِي. قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا فَجَعَلَهُ هُوَ حَدِيثًا عَلَى نَاحِيَةِ مَا يُرِيدُ فَلَيْسَ هَذَا بِصِدْقِ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللّيَالِي وَالْأَيّامِ الّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنّ مِنْ الشّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الّذِي أَصَابَهَا ثُمّ لِتَدَعْ الصّلَاةَ ثُمّ لِتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلّ وَنَافِعٌ أَحْفَظُ عَنْ سُلَيْمَانَ مِنْ أَيّوبَ وَهُوَ يَقُولُ بِمِثْلِ أَحَدِ مَعْنَيَيْ أَيّوبَ اللّذَيْنِ رَوَاهُمَا انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالُوا: وَأَمّا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلّ لَهُنّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنّ} [الْبَقَرَةَ 228]. وَأَنّهُ الْحَيْضُ أَوْ الْحَبَلُ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا رَيْبَ أَنّ الْحَيْضَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ تَحْرِيمُ كِتْمَانِهِ لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْقُرُوءَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ هِيَ الْحِيَضُ فَإِنّهَا إذَا كَانَتْ الْأَطْهَارُ فَإِنّهَا تَنْقَضِي بِالطّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الرّابِعَةِ أَوْ الثّالِثَةِ فَإِذَا أَرَادَتْ كِتْمَانَ انْقِضَاءِ الْعِدّةِ لِأَجْلِ النّفَقَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَتْ لَمْ أَحِضْ فَتَنْقَضِيَ عِدّتِي وَهِيَ كَاذِبَةٌ وَقَدْ حَاضَتْ وَانْقَضَتْ عِدّتُهَا وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى أَنّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ أَظْهَرَ وَنَحْنُ نَقْنَعُ بِاتّفَاقِ الدّلَالَةِ بِهَا وَإِنْ أَبَيْتُمْ إلّا الِاسْتِدْلَالَ فَهُوَ مِنْ جَانِبِنَا أَظْهَرُ فَإِنّ أَكْثَرَ الْمُفَسّرِينَ قَالُوا: الْحَيْضُ وَالْوِلَادَةُ. فَإِذَا كَانَتْ الْعِدّةُ تَنْقَضِي بِظُهُورِ الْوِلَادَةِ فَهَكَذَا تَنْقَضِي بِظُهُورِ الْحَيْضِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي إتْيَانِ الْمَرْأَةِ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطّلَاقَ 4] فَجُعِلَ كُلّ شَهْرٍ بِإِزَاءِ حَيْضَةٍ فَلَيْسَ هَذَا بِصَرِيحِ فِي أَنّ الْقُرُوءَ هِيَ الْحِيَضُ بَلْ غَايَةُ الْآيَةِ أَنّهُ جَعَلَ الْيَأْسَ مِنْ الْحَيْضِ شَرْطًا فِي الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ فَمَا دَامَتْ حَائِضًا لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدّةِ الْآيِسَاتِ وَذَلِكَ أَنّ الْأَقْرَاءَ الّتِي هِيَ الْأَطْهَارُ عِنْدَنَا لَا تُوجَدُ إلّا مَعَ الْحَيْضِ لَا تَكُونُ بِدُونِهِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْحَيْضَ؟

.ضَعْفُ حَدِيثِ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ:

وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَقَرْؤُهَا حَيْضَتَانِ فَهُوَ حَدِيثٌ لَوْ اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَيْكُمْ لَمْ تَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنّا فَإِنّهُ قَالَ التّرْمِذِيّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُظَاهِرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرّازِيّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءِ مَعَ أَنّهُ لَا يُعْرَفُ وَضَعّفَهُ أَبُو عَاصِمٍ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولٌ وَقَالَ الْخَطّابِيّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ ضَعّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَقُلْنَا بِهِ إلّا أَنّا لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا يَرْوِيهِ مَنْ تُجْهَلُ عَدَالَتُهُ وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: الصّحِيحُ عَنْ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ هَذَا ثُمّ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ سُئِلَ الْقَاسِمُ عَنْ الْأَمَةِ كَمْ تُطَلّقُ؟ قَالَ طَلَاقُهَا ثِنْتَانِ وَعِدّتُهَا حَيْضَتَانِ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ بَلَغَك عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ لَا. وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخِهِ: مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا يَرْفَعُهُ طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَعِدّتُهَا حَيْضَتَان قَالَ أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرٍ ثُمّ لَقِيتُ مُظَاهِرًا فَحَدّثَنَا بِهِ وَكَانَ أَبُو عَاصِمٍ يُضَعّفُ مُظَاهِرًا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبِيهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ الْأَمِيرِ فَقَالَ إنّ الْأَمِيرَ يَقُولُ لَك: كَمْ عِدّةُ الْأَمَةِ؟ فَقَالَ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَطَلَاقُ الْحُرّ الْأَمَةَ ثَلَاثٌ وَطَلَاقُ الْعَبْدِ الْحُرّةَ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدّةُ الْحُرّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ ثُمّ قَالَ لِلرّسُولِ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ أَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ قَالَ فَأُقْسِمُ عَلَيْك إلّا رَجَعْتَ إلَيّ فَأَخْبَرْتنِي مَا يَقُولَانِ فَذَهَبَ وَرَجَعَ إلَى أَبِي فَأَخْبَرَهُ أَنّهُمَا قَالَا كَمَا قَالَ وَقَالَا لَهُ قُلْ لَهُ إنّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا سُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ: فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدّتُهَا حَيْضَتَانِ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيّ وَقَدْ ضَعّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمّةِ. قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: وَالصّحِيحُ عَنْ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ سَالِمٌ وَنَافِعٌ مِنْ قَوْلِهِ وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ طَلَاقُ الْعَبْدِ الْحُرّةَ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَطَلَاقُ الْحُرّ الْأَمَةَ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدّتُهَا عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ قَالُوا: وَالثّابِتُ بِلَا شَكّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ. قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إذَا طَلّقَ الرّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا قَالُوا: فَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَمَذْهَبُهُمَا بِلَا شَكّ أَنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَذْهَبَانِ إلَيْهِ؟ قَالُوا: وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْآخَرِ أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ عِدّةَ الْحُرّةِ وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَعَلّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى ثَلَاثَ حِيَضٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا هَذَا وَهِيَ تَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السّنَدِ الْمَشْهُورِ الّذِي كُلّهُمْ أَئِمّةٌ وَلَا يُخَرّجُهُ أَصْحَابُ الصّحِيحِ وَلَا الْمَسَانِدِ وَلَا مَنْ اعْتَنَى بِأَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَجَمْعِهَا وَلَا الْأَئِمّةُ الْأَرْبَعَةُ وَكَيْفَ يَصْبِرُ عَنْ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ هُوَ مُضْطَرّ إلَيْهِ وَلَا سِيّمَا بِهَذَا السّنَدِ الْمَعْرُوفِ الّذِي هُوَ كَالشّمْسِ شُهْرَةً وَلَا شَكّ أَنّ بَرِيرَةَ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ وَأَمّا إنّهَا أُمِرَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَهَذَا لَوْ صَحّ لَمْ نَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَبَادَرْنَا إلَيْهِ.

.الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدّةِ:

قَالُوا: وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِشَأْنِ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَا رَيْبَ أَنّ الصّحِيحَ كَوْنُهُ بِحَيْضَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ النّصّ الصّحِيحِ فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِالتّعَلّلِ بِالْقَوْلِ إنّهَا تُسْتَبْرَأُ بِالطّهْرِ فَإِنّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ نَصّ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافُ الْقَوْلِ الصّحِيحِ مِنْ قَوْلِ الشّافِعِيّ وَخِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْأُمّةِ فَالْوَجْهُ الْعُدُولُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَنَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا تَقَدّمَ أَنّ الْعِدّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقّ الزّوْجِ فَاخْتُصّتْ بِزَمَانِ حَقّهِ وَهُوَ الطّهْرُ بِأَنّهَا تَتَكَرّرُ فَيُعْلَمُ مِنْهَا الْبَرَاءَةُ بِوَاسِطَةِ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُكُمْ لَوْ كَانَتْ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ لَمْ تَحْصُلْ بِالْقَرْءِ الْأَوّلِ دَلَالَةً لِأَنّهُ لَوْ جَامَعَهَا ثُمّ طَلّقَهَا فِيهِ حَسَبَتْ بَقِيّتَهُ قَرْءًا وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنّ هَذَا الطّهْرَ لَا يَدُلّ عَلَى شَيْءٍ. فَجَوَابُهُ أَنّهَا إذَا طَهُرَتْ بَعْدَ طُهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ صَحّتْ دَلَالَتُهُ بِانْضِمَامِهِ إلَيْهِمَا. قَوْلُكُمْ إنّ الْحُدُودَ وَالْعَلَامَاتِ وَالْأَدِلّةَ إنّمَا تَحْصُلُ بِالْأُمُورِ الظّاهِرَةِ إلَى آخِرِهِ. جَوَابُهُ أَنّ الطّهْرَ إذَا احْتَوَشَهُ دَمَانِ كَانَ كَذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ وَلَا بَعْدَهُ دَمٌ فَهَذَا لَا يُعْتَدّ بِهِ الْبَتّةَ. قَالُوا: وَيَزِيدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ قُوّةً أَنّ الْقَرْءَ هُوَ الْجَمْعُ وَزَمَانُ الطّهْرِ أَوْلَى بِهِ فَإِنّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْحَيْضُ وَإِنّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ جَمْعِهِ. قَالُوا: وَإِدْخَالُ التّاءِ فِي {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} يَدُلّ عَلَى أَنّ الْقَرْءَ مُذَكّرٌ وَهُوَ الطّهْرُ فَلَوْ كَانَ الْحَيْضَ لَكَانَ بِغَيْرِ تَاءٍ لِأَنّ وَاحِدَهَا حَيْضَةٌ. فَهَذَا مَا احْتَجّ بِهِ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ اسْتِدْلَالًا وَجَوَابًا وَهَذَا مَوْضِعٌ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التّوَسّطُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إذْ لَا تَوَسّطَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا بُدّ مِنْ التّحَيّزِ إلَى أَحَدِ الْفِئَتَيْنِ وَنَحْنُ مُتَحَيّزُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى أَكَابِرِ الصّحَابَةِ وَقَائِلُونَ فِيهَا بِقَوْلِهِمْ عَمّا عَارَضَ بِهِ أَرْبَابُ الْقَوْلِ الْآخَرِ لِيَتَبَيّنَ مَا رَجّحْنَاهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.رَدّ الْمُصَنّفِ عَلَى اعْتِرَاضَاتِ مَنْ فَسّرَ الْأَقْرَاءَ بِالْأَطْهَارِ:

.الطّلَاقُ قَبْلَ الْعِدّةِ:

فَنَقُولُ أَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقَ 1] فَهُوَ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً عَلَيْكُمْ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً لَكُمْ فَإِنّ الْمُرَادَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الْعِدّةِ ضَرُورَةً إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الطّلَاقِ فِي الْعِدّةِ فَإِنّ هَذَا- مَعَ تَضَمّنِهِ لِكَوْنِ اللّامِ لِلظّرْفِيّةِ بِمَعْنَى- فِي- فَاسِدٌ مَعْنَى إذْ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الطّلَاقِ فِي الْعِدّةِ فَإِنّهُ سَبَبُهَا وَالسّبَبُ يَتَقَدّمُ الْحُكْمَ وَإِذَا تَقَرّرَ ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ فَقَدْ عَمِلَ بِالْآيَةِ وَطَلّقَ قَبْلَ الْعِدّةِ. فَإِنْ قُلْتُمْ وَمَنْ قَالَ إنّهَا الْأَطْهَارُ فَالْعِدّةُ تَتَعَقّبُ الطّلَاقَ فَقَدْ طَلّقَ قَبْلَ الْعِدّةِ قُلْنَا: فَبَطَلَ احْتِجَاجُكُمْ حِينَئِذٍ وَصَحّ أَنّ الْمُرَادَ الطّلَاقُ قَبْلَ الْعِدّةِ لَا فِيهَا وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ يَصِحّ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ لَكِنّ إرَادَةَ الْحَيْضِ أَرْجَحُ وَبَيَانُهُ أَنّ الْعِدّةَ فِعْلَةٌ مِمّا تُعَدّ يَعْنِي مَعْدُودَةً لِأَنّهَا تُعَدّ وَتُحْصَى كَقَوْلِهِ: {وَأَحْصُوا الْعِدّةَ} [الطّلَاقَ 1] وَالطّهْرُ الّذِي قَبْلَ الْحَيْضَةِ مِمّا يُعَدّ وَيُحْصَى فَهُوَ مِنْ الْعِدّةِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنّمَا الْكَلَامُ فِي أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ دُخُولُهُ فِي مُسَمّى الْقُرُوءِ الثّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ النّصّ فَطَلّقُوهُنّ لِقُرُوئِهِنّ لَكَانَ فِيهِ تَعْلِيقٌ فَهُنَا أَمْرَانِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةَ 228] وَالثّانِي: قَوْلُهُ: {فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقَ 1] وَلَا رَيْبَ أَنّ الْقَائِلَ افْعَلْ كَذَا لِثَلَاثِ بَقِينَ مِنْ الشّهْرِ إنّمَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ مُمْتَثِلًا إذَا فَعَلَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الثّلَاثِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ فَعَلْته لِثَلَاثِ مَضَيْنَ مِنْ الشّهْرِ إنّمَا يَصْدُقُ إذَا فَعَلَهُ بَعْدَ مُضِيّ الثّلَاثِ وَهُوَ بِخِلَافِ حَرْفِ الظّرْفِ الّذِي هُوَ فِي فَإِنّهُ إذَا قَالَ فَعَلْته فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ كَانَ الْفِعْلُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الثّلَاثِ وَهَاهُنَا نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنّهُمْ يَقُولُونَ فَعَلْتُهُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ أَوْ بَقِينَ مِنْ الشّهْرِ وَفَعَلْته فِي الثّانِي أَوْ الثّالِثِ مِنْ الشّهْرِ أَوْ فِي ثَانِيهِ أَوْ ثَالِثِهِ فَمَتَى أَرَادُوا مُضِيّ الزّمَانِ أَوْ اسْتِقْبَالَهُ أَتَوْا بِاللّامِ وَمَتَى أَرَادُوا وُقُوعَ الْفِعْلِ فِيهِ أَتَوْا بِفِي وَسِرّ ذَلِكَ أَنّهُمْ إذَا أَرَادُوا مُضِيّ زَمَنِ الْفِعْلِ أَوْ اسْتِقْبَالَهُ أَتَوْا بِالْعَلَامَةِ الدّالّةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْعَدَدِ الّذِي يَلْفِظُونَ بِهِ بِمَا مَضَى أَوْ بِمَا يُسْتَقْبَلُ وَإِذَا أَرَادُوا وُقُوعَ الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ أَتَوْا بِالْأَدَاةِ الْمُعَيّنَةِ لَهُ وَهِيَ أَدَاةُ فِي وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ النّحَاةِ إنّ اللّامَ تَكُونُ بِمَعْنَى قَبْلُ فِي قَوْلِهِمْ كَتَبْته لِثَلَاثِ بَقِينَ وَقَوْلِهِ: {فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقَ 1]. وَبِمَعْنَى بَعْدُ كَقَوْلِهِمْ لِثَلَاثِ خَلَوْنَ. وَبِمَعْنَى فِي: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الْأَنْبِيَاءَ 47].
وَقَوْلُهُ: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آلَ عِمْرَانَ 25] وَالتّحْقِيقُ أَنّ اللّامَ عَلَى بَابِهَا لِلِاخْتِصَاصِ بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ كَأَنّهُمْ جَعَلُوا الْفِعْلَ لِلزّمَانِ الْمَذْكُورِ اتّسَاعًا لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ فَكَأَنّهُ لَهُ فَتَأَمّلْهُ. وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّك إذَا أَتَيْت بِاللّامِ لَمْ يَكُنْ الزّمَانُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ إلّا مَاضِيًا أَوْ مُنْتَظَرًا وَمَتَى أَتَيْت بِفِي لَمْ يَكُنْ الزّمَانُ الْمَجْرُورُ بِهَا إلّا مُقَارِنًا لِلْفِعْلِ وَإِذَا تَقَرّرَ هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيّةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقَ 1] مَعْنَاهُ لِاسْتِقْبَالِ عِدّتِهِنّ لَا فِيهَا وَإِذَا كَانَتْ الْعِدّةُ الّتِي يُطَلّقُ لَهَا النّسَاءُ مُسْتَقْبَلَةً بَعْدَ الطّلَاقِ فَالْمُسْتَقْبَلُ بَعْدَهَا إنّمَا هُوَ الْحَيْضُ فَإِنّ الطّاهِرَ لَا تَسْتَقْبِلُ الطّهْرَ إذْ هِيَ فِيهِ وَإِنّمَا تَسْتَقْبِلُ الْحَيْضَ بَعْدَ حَالِهَا الّتِي هِيَ فِيهَا هَذَا الْمَعْرُوفُ لُغَةً وَعَقْلًا وَعُرْفًا فَإِنّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي عَافِيَةٍ هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْعَافِيَةَ وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي أَمْنٍ هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْأَمْنَ وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي قَبْضِ مَغَلّهِ وَإِحْرَازِهِ هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَغَلّ وَإِنّمَا الْمَعْهُودُ لُغَةً وَعُرْفًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشّيْءَ مَنْ هُوَ عَلَى حَالٍ ضِدّهِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نُكْثِرَ شَوَاهِدَهُ. فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَنْ طَلّقَ فِي الْحَيْضِ مُطَلّقًا لِلْعِدّةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ لِأَنّهَا تَسْتَقْبِلُ طُهْرَهَا بَعْدَ حَالِهَا الّتِي هِيَ فِيهَا قُلْنَا: نَعَمْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَوْ كَانَ أَوّلَ الْعِدّةِ الّتِي تُطَلّقُ لَهَا الْمَرْأَةُ هُوَ الطّهْرُ لَكَانَ إذَا طَلّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ مُطَلّقًا لِلْعِدّةِ لِأَنّهَا تَسْتَقْبِلُ الطّهْرَ بَعْدَ ذَلِكَ الطّلَاقِ. فَإِنْ قِيلَ اللّامُ بِمَعْنَى فِي وَالْمَعْنَى: فَطَلّقُوهُنّ فِي عِدّتِهِنّ وَهَذَا إنّمَا قِيلَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُرُوفِ وَالْأَصْلُ إفْرَادُ كُلّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ فَدَعْوَى خِلَافِ ذَلِكَ مَرْدُودَةٌ بِالْأَصْلِ.
الثّانِي: أَنّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعِدّةِ ظَرْفًا لِزَمَنِ الطّلَاقِ فَيَكُونُ الطّلَاقُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْعِدّةِ ضَرُورَةَ صِحّةِ الظّرْفِيّةِ كَمَا إذَا قُلْت: فَعَلْته فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ بَلْ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الظّرْفِ سَابِقًا عَلَى الْفِعْلِ وَلَا رَيْبَ فِي امْتِنَاعِ هَذَا فَإِنّ الْعِدّةَ تَتَعَقّبُ الطّلَاقَ وَلَا تُقَارِنُهُ وَلَا تَتَقَدّمُ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَلَوْ سَلّمْنَا أَنّ اللّامَ بِمَعْنَى فِي وَسَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ (فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ) فَإِنّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَرْءُ هُوَ الطّهْرَ فَإِنّ الْقَرْءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ الْحَيْضَ وَهُوَ الْمَعْدُودُ وَالْمَحْسُوبُ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الطّهْرِ يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ تَبَعًا وَضِمْنًا لِوَجْهَيْنِ.