فصل: الرّدّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الرّدّ عَلَى ادّعَاءِ تَفْسِيرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُرُوءَ بِالْأَطْهَارِ:

وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسّرَ الْقُرُوءَ بِالْأَطْهَارِ فَلَعَمْرُ اللّهِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا سَبَقْتُمُونَا إلَى الْقَوْلِ بِأَنّهَا الْأَطْهَارُ وَلَبَادَرْنَا إلَى هَذَا الْقَوْلِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا وَهَلْ الْمُعَوّلُ إلّا عَلَى تَفْسِيرِهِ وَبَيَانِهِ.
تَقُولُ سُلَيْمَى لَوْ أَقَمْتُمْ بِأَرْضِنَا ** وَلَمْ تَدْرِ أَنّي لِلْمُقَامِ أَطُوفُ

فَقَدْ بَيّنّا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ وَمَعْنَاهُ مَا يَدُلّ عَلَى تَفْسِيرِهِ لِلْقُرُوءِ بِالْحِيَضِ وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ.

.فَصْلٌ فِي الْأَجْوِبَةِ عَنْ اعْتِرَاضِكُمْ عَلَى أَدِلّتِنَا:

قَوْلُكُمْ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَإِنّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ كَوَامِلَ أَيْ بَقِيّةُ الطّهْرِ قَرْءٌ كَامِلٌ فَهَذَا تَرْجَمَةُ الْمَذْهَبِ وَالشّأْنُ فِي كَوْنِهِ لِسَانِ الشّارِعِ أَوْ فِي اللّغَةِ فَكَيْفَ تَسْتَدِلّونَ عَلَيْنَا بِالْمَذْهَبِ مَعَ مُنَازَعَةِ غَيْرِكُمْ لَكُمْ فِيهِ مِمّنْ يَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ كَمَا تَقَدّمَ؟ وَلَكِنْ أَوْجِدُونَا فِي لِسَانِ الشّارِعِ أَوْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَنّ اللّحْظَةَ مِنْ الطّهْرِ تُسَمّى قَرْءًا كَامِلًا وَغَايَةُ مَا عِنْدَكُمْ أَنّ بَعْضَ مَنْ قَالَ الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ لَا كُلّهُمْ يَقُولُونَ بَقِيّةُ الْقَرْءِ الْمُطْلَقِ فِيهِ قَرْءٌ وَكَانَ مَاذَا؟ كَيْفَ وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْ الطّهْرِ بَعْضُ طُهْرٍ بِلَا رَيْبٍ؟ فَإِذَا كَانَ مُسَمّى الْقَرْءِ فِي الْآيَةِ هُوَ الطّهْرَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْضَ قَرْءٍ يَقِينًا أَوْ يَكُونَ الْقَرْءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ وَقَدْ تَقَدّمَ إبْطَالُ ذَلِك وَأَنّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

.الرّدّ عَلَى قَوْلِهِمْ إنّ الْعَرَبَ تُوقِعُ اسْمَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ:

قَوْلُكُمْ إنّ الْعَرَبَ تُوقِعُ اسْمَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ.

.الْفَرْقُ بَيْنَ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ وَصِيَغِ الْعَدَدِ:

أَحَدُهَا: أَنّ هَذَا إنْ وَقَعَ فَإِنّمَا يَقَعُ فِي أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ الّتِي هِيَ ظَوَاهِرُ فِي مُسَمّاهَا وَأَمّا صِيَغُ الْعَدَدِ الّتِي هِيَ نُصُوصٌ فِي مُسَمّاهَا فَكَلّا وَلَمّا وَلَمْ تَرِدْ صِيغَةُ الْعَدَدِ إلّا مَسْبُوقَةً بِمُسَمّاهَا كَقَوْلِهِ: {إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ} [التّوْبَةَ 36]. وَقَوْلُهُ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الْكَهْفَ 25]. وَقَوْلُهُ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [الْبَقَرَةَ 196]. وَقَوْلُهُ: {سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُومًا} [الْحَاقّةَ 7] وَنَظَائِرُهُ مِمّا لَا يُرَادُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ دُونَ مُسَمّاهُ مِنْ الْعَدَدِ. وَقَوْلُهُ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} اسْمُ عَدَدٍ لَيْسَ بِصِيغَةِ جَمْعٍ فَلَا يَصِحّ إلْحَاقُهُ بِأَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّ اسْمَ الْعَدَدِ نَصّ فِي مُسَمّاهُ لَا يَقْبَلُ التّخْصِيصَ الْمُنْفَصِلَ بِخِلَافِ الِاسْمِ الْعَامّ فَإِنّهُ يَقْبَلُ التّخْصِيصَ الْمُنْفَصِلَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التّوَسّعِ فِي الِاسْمِ الظّاهِرِ التّوَسّعُ فِي الِاسْمِ الّذِي هُوَ نَصّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ.
الثّانِي: أَنّ اسْمَ الْجَمْعِ يَصِحّ اسْتِعْمَالُهُ فِي اثْنَيْنِ فَقَطْ مَجَازًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَحَقِيقَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَصِحّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ أَوْلَى بِخِلَافِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمّهِ السّدُسُ} [النّسَاءَ 11] حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَخَوَيْنِ وَلَمّا قَالَ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النّورَ 6] لَمْ يَحْمِلْهَا أَحَدٌ عَلَى مَا دُونَ الْأَرْبَعِ. وَالْجَوَابُ الثّانِي: أَنّهُ وَإِنْ صَحّ اسْتِعْمَالُ الْجَمْعِ فِي اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ إلّا أَنّهُ مَجَازٌ وَالْحَقِيقَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى وَفْقِ اللّفْظِ وَإِذَا دَارَ اللّفْظُ بَيْنَ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِهِ. الْجَوَابُ الثّالِثُ أَنّهُ إنّمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُ الْجَمْعِ فِي اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ فِي أَسْمَاءِ الْأَيّامِ وَالشّهُورِ وَالْأَعْوَامِ خَاصّةً لِأَنّ التّارِيخَ إنّمَا يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ فَتَارَةً يُدْخِلُونَ السّنَةَ النّاقِصَةَ فِي التّارِيخِ وَتَارَةً لَا يُدْخِلُونَهَا. وَكَذَلِكَ الْأَيّامُ وَقَدْ تَوَسّعُوا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَوَسّعُوا فِي غَيْرِهِ فَأَطْلَقُوا اللّيَالِيَ وَأَرَادُوا الْأَيّامَ مَعَهَا تَارَةً وَبِدُونِهَا أُخْرَى وَبِالْعَكْسِ. الْجَوَابُ الرّابِعُ أَنّ هَذَا التّجَوّزَ جَاءَ فِي جَمْعِ الْقِلّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {الْحَجّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [الْبَقَرَةَ 197]. وَقَوْلُهُ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} جَمْعُ كَثْرَةٍ وَكَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُقَالَ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ إذْ هُوَ الْأَغْلَبُ عَلَى الْكَلَامِ بَلْ هُوَ الْحَقِيقَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ النّحَاةِ وَالْعُدُولُ عَنْ صِيغَةِ الْقِلّةِ إلَى صِيغَةِ الْكَثْرَةِ لَابُدّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَنَفْيِ التّجَوّزِ فِي هَذَا الْجَمْعِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةً وَلَا يَظْهَرُ غَيْرُهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا.

.يُطْلَقُ اسْمُ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ فِيمَا يَقْبَلُ التّبْعِيضَ:

الْجَوَابُ الْخَامِسُ أَنّ اسْمَ الْجَمْعِ إنّمَا يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثّالِثِ فِيمَا يَقْبَلُ التّبْعِيضَ وَهُوَ الْيَوْمُ وَالشّهْرُ وَالْعَامُ وَنَحْوُ ذَلِكَ دُونَ مَا لَا يَقْبَلُهُ وَالْحَيْضُ وَالطّهْرُ لَا يَتَبَعّضَانِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ عِدّةُ الْأَمَةِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ قَرْأَيْنِ كَامِلَيْنِ بِالِاتّفَاقِ وَلَوْ أَمْكَنَ تَنْصِيفُ الْقَرْءِ لَجُعِلَتْ قَرْءًا وَنِصْفًا هَذَا مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلتّبْعِيضِ فَأَنْ لَا يَجُوزَ التّبْعِيضُ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلتّكْمِيلِ أَوْلَى وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ أَنّ الْقَرْءَ لَيْسَ لِبَعْضِهِ حُكْمٌ فِي الشّرْعِ. الْجَوَابُ السّادِسُ أَنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي الْآيِسَةِ وَالصّغِيرَةِ {فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} كَوَامِلُ وَهِيَ بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ فَتَكْمِيلُ الْمُبْدَلِ أَوْلَى. قَوْلُكُمْ إنّ أَهْلَ اللّغَةِ يُصَرّحُونَ بِأَنّ لَهُ مُسَمّيَيْنِ الْحَيْضَ وَالطّهْرَ لَا نُنَازِعُكُمْ فِيهِ وَلَكِنّ حَمْلَهُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى لِلْوُجُوهِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالْمُشْتَرَكُ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ قَرَائِنُ تُرَجّحُ أَحَدَ مَعَانِيهِ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى الرّاجِحِ.

.الرّدّ عَلَى ادّعَائِهِمْ أَنّ الطّهْرَ الّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ دَمٌ هُوَ قَرْءٌ:

قَوْلُكُمْ إنّ الطّهْرَ الّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ دَمٌ قَرْءٌ عَلَى الْأَصَحّ فَهَذَا تَرْجِيحٌ وَتَفْسِيرٌ لِلَفْظِهِ بِالْمَذْهَبِ وَإِلّا فَلَا يُعْرَفُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ قَطّ أَنّ طُهْرَ بِنْتِ أَرْبَعِ سِنِينَ يُسَمّى قَرْءًا وَلَا تُسَمّى مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا فَثَبَتَ أَنّ الدّمَ دَاخِلٌ فِي مُسَمّى الْقَرْءِ وَلَا يَكُونُ قَرْءًا إلّا مَعَ وُجُودِهِ.

.بَيَانُ مَجِيءِ الْقَرْءِ عَلَى لِسَانِ الشّارِعِ لِلْحَيْضِ:

قَوْلُكُمْ إنّ الدّمَ شَرْطٌ لِلتّسْمِيَةِ كَالْكَأْسِ وَالْقَلَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ تَنْظِيرٌ فَاسِدٌ فَإِنّ مُسَمّى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطِ وَالْقَرْءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطّهْرِ وَالْحَيْضِ يُقَالُ عَلَى كُلّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً فَالْحَيْضُ مُسَمّاهُ حَقِيقَةً لَا أَنّهُ شَرْطٌ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي أَحَدِ مُسَمّيَيْهِ فَافْتَرَقَا.

.تَقْوِيَةُ حَدِيثِ «دَعِي الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِك»:

قَوْلُكُمْ لَمْ يَجِئْ فِي لِسَانِ الشّارِعِ لِلْحَيْضِ قُلْنَا قَدْ بَيّنّا مَجِيئَهُ فِي كَلَامِهِ لِلْحَيْضِ بَلْ لَمْ يَجِئْ فِي كَلَامِهِ لِلطّهْرِ الْبَتّةَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عَنْ أَيّوبَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَن أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَدَعُ الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِهَا قَوْلُكُمْ إنّ الشّافِعِيّ قَالَ مَا حَدّثَ بِهَذَا سُفْيَانُ قَطّ جَوَابُهُ أَنّ الشّافِعِيّ لَمْ يَسْمَعْ سُفْيَانَ يُحَدّثُ بِهِ فَقَالَ بِمُوجَبِ مَا سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ أَوْ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللّيَالِي وَالْأَيّامِ الّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنّ مِنْ الشّهْر وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ مَنْ لَا يُسْتَرَابُ بِحِفْظِهِ وَصِدْقِهِ وَعَدَالَتِهِ. وَثَبَتَ فِي السّنَنِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَكَتْ إلَيْهِ الدّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي فَإِذَا أَتَى قَرْؤُك فَلَا تُصَلّي وَإِذَا مَرّ صَلّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إلَى الْقَرْءِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ فَذَكَرَ فِيهِ لَفْظَ الْقَرْءِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ فِي كُلّ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ الْحَيْضَ لَا الطّهْرَ وَكَذَلِكَ إسْنَادُ الّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ صَحّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفّاظِ. وَأَمّا حَدِيثُ سُفْيَانَ الّذِي قَالَ فِيهِ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللّيَالِي وَالْأَيّامِ الّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنّ مِنْ الشّهْرِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّفْظِ الّذِي احْتَجَجْنَا بِهِ بِوَجْهِ مَا حَتّى يُطْلَبَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ أَحَدُ اللّفْظَيْنِ يَجْرِي مِنْ الْآخَرِ مَجْرَى التّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْقَرْءَ اسْمٌ لِتِلْكَ اللّيَالِي وَالْأَيّامِ فَإِنّهُ إنْ كَانَا جَمِيعًا لَفْظَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ الظّاهِرُ- فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ بِالْمَعْنَى فَلَوْلَا أَنّ مَعْنَى أَحَدِ اللّفْظَيْنِ مَعْنَى الْآخَرِ لُغَةً وَشَرْعًا لَمْ يَحِلّ لِلرّاوِي أَنْ يُبْدِلَ لَفْظَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُبْدِلَ اللّفْظَ بِمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ وَلَا يَكُونُ مُرَادِفًا لِلَفْظِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا سِيّمَا وَالرّاوِي لِذَلِكَ مَنْ لَا يُدْفَعُ عَنْ الْإِمَامَةِ وَالصّدْقِ وَالْوَرَعِ وَهُوَ أَيّوبُ السّخْتِيَانِيّ وَهُوَ أَجَلّ مِنْ نَافِعٍ وَأَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِب حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ جَاءَتْ خَالَتِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ إنّي أَخَافُ أَنْ أَقَعَ فِي النّارِ أَدَعُ الصّلَاةَ السّنَةَ وَالسّنَتَيْنِ قَالَتْ انْتَظِرِي حَتَى يَجِيءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَاءَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: هَذِهِ فَاطِمَةُ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ قُولِي لَهَا فَلْتَدَعْ الصّلَاةَ فِي كُلّ شَهْرٍ أَيّامَ قَرْئِهَا قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ بَصْرِيّ ثِقَةٌ عَزِيزُ الْحَدِيثِ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَتَكَلّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَفِيهِ أَنّهُ تَابَعَهُ الْحَجّاجُ بْنُ أَرْطَاة ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. وَفِي الْمُسْنَدِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ إذَا أَقْبَلَتْ أَيّامُ أَقْرَائِكِ فَأَمْسِكِي عَلَيْكِ الْحَدِيثَ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَدَعُ الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِهَا ثُمّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلّي وَفِي سُنَنِهِ أَيْضًا: أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَكَتْ إلَيْهِ الدّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي فَإِذَا أَتَى قَرْؤُك فَلَا تُصَلّي فَإِذَا مَرّ قَرْؤُكِ فَتَطَهّرِي ثُمّ صَلّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إلَى الْقَرْءِ وَقَدْ تَقَدّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَدَعَ الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِهَا وَتَعْلِيلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنّ هَذَا مِنْ تَغْيِيرِ الرّوَاةِ رَوَوْهُ بِالْمَعْنَى لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعَرّجُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَتْ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلّلَهَا لَأَعَادَ ذِكْرَهَا وَأَبْدَاهُ وَشَنّعَ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْيَأْسَ مِنْ الْحَيْضِ شَرْطًا فِي الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْقُرُوءُ هِيَ الْحِيَضَ؟ قُلْنَا: لِأَنّهُ جَعَلَ الْأَشْهُرَ الثّلَاثَةَ بَدَلًا عَنْ الْأَقْرَاءِ الثّلَاثَةِ وَقَالَ: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطّلَاقَ 4] فَنَقَلَهُنّ إلَى الْأَشْهُرِ عِنْدَ تَعَذّرِ مُبْدَلِهِنّ وَهُوَ الْحَيْضُ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ الّذِي يَئِسْنَ مِنْهُ لَا عَنْ الطّهْرِ وَهَذَا وَاضِحٌ.

.الْجَوَابُ عَنْ تَضْعِيفِ حَدِيثِ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ:

قَوْلُكُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا مَعْلُولٌ بِمُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُخَالَفَةِ عَائِشَةَ لَهُ فَنَحْنُ إنّمَا احْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا فِي كَوْنِ الطّلَاقِ بِالنّسَاءِ لَا بِالرّجَالِ فَكُلّ مَنْ صَنّفَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ فِي طَرِيقِ الْخِلَافِ أَوْ اسْتَدَلّ عَلَى أَنّ طَلَاقَ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ احْتَجّ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ جَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَلَاقَ الْعَبْدِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَاعْتَبَرَ الطّلَاقَ بِالرّجَالِ لَا بِالنّسَاءِ وَاعْتَبَرَ الْعِدّةَ بِالنّسَاءِ فَقَالَ وَعِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. فَيَا سُبْحَانَ اللّهِ يَكُونُ الْحَدِيثُ سَلِيمًا مِنْ الْعِلَلِ إذَا كَانَ حُجّةً لَكُمْ فَإِذَا احْتَجّ بِهِ مُنَازِعُوكُمْ عَلَيْكُمْ اعْتَوَرَتْهُ الْعِلَلُ الْمُخْتَلِفَةُ فَمَا أَشْبَهَهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ يَكُونُ أُجَاجًا دُونَكُمْ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْكُمْ تَلَقّى نَشْرَكُمْ فَيَطِيبُ.
فَنَحْنُ إنّمَا كِلْنَا لَكُمْ بِالصّاعِ الّذِي كِلْتُمْ لَنَا بِهِ بَخْسًا بِبَخْسِ وَإِيفَاءً بِإِيفَاءِ وَلَا رَيْبَ أَنّ مُظَاهِرًا مِمّنْ لَا يُحْتَجّ بِهِ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَضَدَ بِحَدِيثِهِ وَيُقَوّى بِهِ وَالدّلِيلُ غَيْرُهُ. وَأَمّا تَعْلِيلُهُ بِخِلَافِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لَهُ فَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِكُمْ أَنّ مُخَالَفَةَ الرّاوِي لَا تُوجِبُ رَدّ حَدِيثِهِ وَأَنّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَوَاهُ لَا بِمَا رَآهُ وَتَكَثّرِكُمْ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الّتِي أَخَذَ النّاسُ فِيهَا بِالرّوَايَةِ دُونَ مُخَالَفَةِ رَاوِيهَا لَهَا كَمَا أَخَذُوا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ الْمُتَضَمّنَةِ لِبَقَاءِ النّكَاحِ مَعَ بَيْعِ الزّوْجَةِ وَتَرَكُوا رَأْيَهُ بِأَنّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمّا رَدّكُمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَقَرْؤُهَا حَيْضَتَان بِعَطِيّةِ الْعَوْفِيّ فَهُوَ وَإِنْ ضَعّفَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَقَدْ احْتَمَلَ النّاسُ حَدِيثَهُ وَخَرّجُوهُ فِي السّنَنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ عَبّاسٍ الدّورِيّ عَنْهُ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيّ رَحِمَهُ اللّهُ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ وَأَمّا رَدّكُمْ الْحَدِيثَ بِأَنّ ابْنَ عُمَرَ مَذْهَبُهُ أَنّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ فَلَا رَيْبَ أَنّ هَذَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا بِأَوّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا رَوَاهُ لَا بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ رَدّكُمْ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِمَذْهَبِهَا وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْأَحَادِيثِ بِمُخَالَفَةِ الرّوَاةِ لَهَا.

.الْجَوَابُ عَنْ عِدّةِ الْمُخْتَلِعَةِ بِحَيْضَةِ:

وَأَمّا رَدّكُمْ لِحَدِيثِ الْمُخْتَلِعَةِ وَأَمْرِهَا أَنْ تَعْتَدّ بِحَيْضَةِ فَإِنّا لَا نَقُولُ بِهِ فَلِلنّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ أَحَدُهُمَا: أَنّ عِدّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ كَقَوْلِ الشّافِعِيّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثّانِي: أَنّ عِدّتَهَا حَيْضَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَبِهِ يَقُولُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي الدّلِيلِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ حُكْمًا وَسَنُبَيّنُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِدّةِ الْمُخْتَلِعَةِ. قَالُوا: وَمُخَالَفَتُنَا لِحَدِيثِ اعْتِدَادِ الْمُخْتَلِعَةِ بِحَيْضَةِ فِي بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ جَوَازِ الِاعْتِدَادِ بِحَيْضَةِ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَكُمْ فِي مُخَالَفَةِ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ أَنّ الْقُرُوءَ الْحِيَضُ فَنَحْنُ وَإِنْ خَالَفْنَاهُ فِي حُكْمٍ فَقَدْ وَافَقْنَاهُ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنّ الْقَرْءَ الْحَيْضُ وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا هَذَا مَعَ أَنّ مَنْ يَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ وَيَقُولُ الْمُخْتَلِعَةُ تَعْتَدّ بِحَيْضَةِ قَدْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمُطَالَبَةِ فَمَاذَا تَرُدّونَ بِهِ قَوْلَهُ؟

.الرّدّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدّةِ:

وَأَمّا قَوْلُكُمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدّةِ إنّ الْعِدّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقّ الزّوْجِ فَاخْتُصّتْ بِزَمَانِ حَقّهِ كَلَامٌ لَا تَحْقِيقَ وَرَاءَهُ فَإِنّ حَقّهُ فِي جِنْسِ الِاسْتِمْتَاعِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَالطّهْرِ وَلَيْسَ حَقّهُ مُخْتَصّا بِزَمَنِ الطّهْرِ وَلَا الْعِدّةُ مُخْتَصّةٌ بِزَمَنِ الطّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ وَكِلَا الْوَقْتَيْنِ مَحْسُوبٌ مِنْ الْعِدّةِ وَعَدَمُ تَكَرّرِ يَكُونَ طُهْرًا مُحْتَوِشًا بِدَمَيْنِ كَقَرْءِ الْمُطَلّقَةِ فَتَبَيّنَ أَنّ الْفَرْقَ غَيْرُ طَائِلٍ. قَوْلُكُمْ إنّ انْضِمَامَ قَرْأَيْنِ إلَى الطّهْرِ الّذِي جَامَعَ فِيهِ يَجْعَلُهُ عَلَمًا جَوَابُهُ أَنّ هَذَا يُفْضِي إلَى أَنْ تَكُونَ الْعِدّةُ قَرْأَيْنِ حَسْبُ فَإِنّ ذَلِكَ الّذِي جَامَعَ فِيهِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْبَتّةَ وَإِنّمَا الدّالّ الْقَرْآنِ بَعْدَهُ وَهَذَا خِلَافُ مُوجَبِ النّصّ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ الْأَقْرَاءِ الْحِيَضَ فَإِنّ الْحَيْضَةَ وَحْدَهَا عَلَمٌ وَلِهَذَا اُكْتُفِيَ بِهَا فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ. قَوْلُكُمْ إنّ الْقَرْءَ هُوَ الْجَمْعُ وَالْحَيْضُ يَجْتَمِعُ فِي زَمَانِ الطّهْرِ فَقَدْ تَقَدّمَ جَوَابُهُ وَأَنّ ذَلِكَ فِي الْمُعْتَلّ لَا فِي الْمَهْمُوزِ. قَوْلُكُمْ دُخُولُ التّاءِ فِي ثَلَاثَةٍ يَدُلّ عَلَى أَنّ وَاحِدَهَا مُذَكّرٌ وَهُوَ الطّهْرُ جَوَابُهُ أَنّ وَاحِدَ الْقُرُوءِ قَرْءٌ وَهُوَ مُذَكّرٌ فَأَتَى بِالتّاءِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ مُسَمّاهُ حَيْضَةً وَهَذَا كَمَا يُقَالُ جَاءَنِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَهُنّ نِسَاءٌ بِاعْتِبَارِ اللّفْظِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل قَوْلُ مَنْ سَوّى بَيْنَ عِدّةِ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ:

وَقَدْ احْتَجّ بِعُمُومِ آيَاتِ الْعِدَدِ الثّلَاثِ مَنْ يَرَى أَنّ عِدّةَ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو مُحَمّدِ ابْنُ حَزْمٍ: وَعِدّةُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوّجَةِ مِنْ الطّلَاقِ وَالْوَفَاةِ كَعِدّةِ الْحُرّةِ سَوَاءً بِسَوَاءِ وَلَا فَرْقَ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى عَلّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةَ 288] وَقَالَ: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [الْبَقَرَةَ 234] وَقَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطّلَاقَ 4] وَقَدْ عَلِمَ اللّهُ تَعَالَى إذْ أَبَاحَ لَنَا زَوَاجَ الْإِمَاءِ أَنّهُ يَكُونُ عَزّ وَجَلّ بَيْنَ حُرّةٍ وَلَا أَمَةٍ فِي ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيّا. وَثَبَتَ عَمّنْ سَلَفَ مِثْلُ قَوْلِنَا: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللّهُ. مَا أَرَى عِدّةَ الْأَمَةِ إلّا كَعِدّةِ الْحُرّةِ إلّا أَنْ يَكُونَ مَضَتْ فِي ذَلِكَ سُنّةٌ فَالسّنّةُ أَحَقّ أَنْ تُتّبَعَ. قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنّ قَوْلَ مَكْحُولٍ: إنّ عِدّةَ الْأَمَةِ فِي كُلّ شَيْءٍ كَعِدّةِ الْحُرّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا هَذَا كَلَامُهُ.