فصل: التّفْرِيقُ بِالْعُنّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخُلَفَائِهِ فِي أَحَدِ الزّوْجَيْنِ:

يَجِدُ بِصَاحِبِهِ بَرَصًا أَوْ جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ يَكُونُ الزّوْجُ عِنّينًا:
فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ امْرَأَةً مَنْ بَنِي غِفَارٍ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهَا وَوَضَعَ ثَوْبَهُ وَقَعَدَ عَلَى الْفِرَاشِ أَبْصَرَ بِكَشْحِهَا بَيَاضًا فَامّازَ عَنْ الْفِرَاشِ ثُمّ قَالَ خُذِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِمّا آتَاهَا شَيْئًا وَفِي الْمُوَطّأِ: عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ أَيّمَا امْرَأَةٍ غَرّ بِهَا رَجُلٌ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا وَصَدَاقُ الرّجُلِ عَلَى مَنْ غَرّهُ قَضَى عُمَرُ فِي الْبَرْصَاءِ وَالْجَذْمَاءِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا دَخَلَ بِهَا فَرّقَ بَيْنَهُمَا وَالصّدَاقُ لَهَا بِمَسِيسِهِ إيّاهَا وَهُوَ لَهُ عَلَى وَلِيّهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: مِنْ حَدِيث عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: طَلّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ زَوْجَتَهُ أُمّ رُكَانَةَ وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ فَجَاءَتْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ مَا يُغْنِي عَنّي إلّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَخَذَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمِيّةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ طَلّقْهَا فَفَعَلَ ثُمّ قَالَ رَاجِعْ امْرَأَتَك أُمّ رُكَانَةَ فَقَالَ إنّي طَلّقْتُهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ ارْجِعْهَا وَتَلَا: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقُ 1]. وَلَا عِلّةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إلّا رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَكِنْ هُوَ تَابِعِيّ وَابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ الْأَئِمّةِ الثّقَاتِ الْعُدُولِ وَرِوَايَةُ الْعَدْلِ عَنْ غَيْرِهِ تَعْدِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ جَرْحٌ وَلَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ ظَاهِرًا فِي التّابِعِينَ وَلَا سِيّمَا التّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا سِيّمَا مَوَالِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا سِيّمَا مِثْلُ هَذِهِ السّنّةِ الّتِي تَشْتَدّ حَاجَةُ النّاسِ إلَيْهَا لَا يُظَنّ بِابْنِ جُرَيْجٍ أَنّهُ حَمَلَهَا عَنْ كَذّابٍ وَلَا عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيّنْ حَالَهُ.

.التّفْرِيقُ بِالْعُنّةِ:

وَجَاءَ التّفْرِيقُ بِالْعُنّةِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَكِنّ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةَ أَجّلُوهُ سَنَةً وَعُثْمَانُ وَمُعَاوِيَةُ وَسَمُرَةُ لَمْ يُؤَجّلُوهُ وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَجّلَهُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ.

.التّفْرِيقُ بِالْعُقْمِ:

وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى بَعْضِ السّعَايَةِ فَتَزَوّجَ امْرَأَةً وَكَانَ عَقِيمًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَعْلَمْتَهَا أَنّك عَقِيمٌ؟. قَالَ لَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَأَعْلِمْهَا ثُمّ خَيّرْهَا.

.التّفْرِيقُ بِالْجُنُونِ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا سَبَقَ:

وَأَجّلَ مَجْنُونًا سَنَةً فَإِنْ أَفَاقَ وَإِلّا فَرّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا: لَا يُفْسَخُ النّكَاحُ بِعَيْبٍ الْبَتّةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْسَخُ إلّا بِالْجَبّ وَالْعُنّةِ خَاصّةً. وَقَالَ الشّافِعِيّ وَمَالِكٌ يُفْسَخُ بِالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْقَرَنِ وَالْجَبّ وَالْعُنّةِ خَاصّةً وَزَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَيْهِمَا: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فَتْقَاءَ مُنْخَرِقَةَ مَا بَيْنَ السّبِيلَيْنِ وَلِأَصْحَابِهِ فِي نَتْنِ الْفَرْجِ وَالْفَمِ وَانْخِرَاقِ مَخْرَجَيْ الْبَوْلِ وَالْمَنِيّ فِي الْفَرْجِ وَالْقُرُوحِ السّيّالَةِ فِيهِ وَالْبَوَاسِيرِ وَالنّاصُورِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَاسْتِطْلَاقِ الْبَوْلِ وَالنّجْوِ وَالْخَصْيِ وَهُوَ قَطْعُ الْبَيْضَتَيْنِ وَالسّلّ وَهُوَ سَلّ الْبَيْضَتَيْنِ وَالْوَجْءِ وَهُوَ رَضّهُمَا وَكَوْنِ أَحَدِهِمَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَالْعَيْبِ الّذِي بِصَاحِبِهِ مِثْلُهُ مِنْ الْعُيُوبِ السّبْعَةِ وَالْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَجْهَانِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ إلَى رَدّ الْمَرْأَةِ بِكُلّ عَيْبٍ تُرَدّ بِهِ الْجَارِيَةُ فِي الْبَيْعِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْوَجْهَ وَلَا مَظِنّتَهُ وَلَا مَنْ قَالَهُ. وَمِمّنْ حَكَاهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَادَانِيّ فِي كِتَابِ طَبَقَاتِ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقِيَاسُ أَوْ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ.
وَأَمّا الِاقْتِصَارُ عَلَى عَيْبَيْنِ أَوْ سِتّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ دُونَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهَا أَوْ مُسَاوٍ لَهَا فَلَا وَجْهَ لَهُ فَالْعَمَى وَالْخَرَسُ وَالطّرَشُ وَكَوْنُهَا مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ كَوْنُ الرّجُلِ كَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنَفّرَاتِ وَالسّكُوتُ عَنْهُ مِنْ أَقْبَحِ التّدْلِيسِ وَالْغِشّ وَهُوَ مُنَافٍ لِلدّينِ وَالْإِطْلَاقُ إنّمَا يَنْصَرِفُ إلَى السّلَامَةِ فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ عُرْفًا وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لِمَنْ تَزَوّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يُولَدُ لَهُ أَخْبِرْهَا أَنّكَ عَقِيمٌ وَخَيّرْهَا فَمَاذَا يَقُولُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي الْعُيُوبِ الّتِي هَذَا عِنْدَهَا كَمَالٌ لَا نَقْصٌ؟ وَالْقِيَاسُ أَنّ كُلّ عَيْبٍ يُنَفّرُ الزّوْجَ الْآخَرَ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ النّكَاحِ مِنْ الرّحْمَةِ وَالْمَوَدّةِ يُوجِبُ الْخِيَارَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْبَيْعِ كَمَا أَنّ الشّرُوطَ الْمُشْتَرَطَةَ فِي النّكَاحِ أَوْلَى بِالْوَفَاءِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَمَا أَلْزَمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ مَغْرُورًا قَطّ وَلَا مَغْبُونًا بِمَا غُرّ بِهِ وَغُبِنَ بِهِ وَمَنْ تَدَبّرَ مَقَاصِدَ الشّرْعِ فِي مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ وَعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ رُجْحَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَقُرْبُهُ مِنْ قَوَاعِدِ الشّرِيعَةِ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ قَالَ عُمَرُ أَيّمَا امْرَأَةٍ زُوّجَتْ وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَدَخَلَ بِهَا ثُمّ اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَسِيسِهِ إيّاهَا وَعَلَى الْوَلِيّ الصّدَاقُ بِمَا دَلّسَ كَمَا غَرّهُ وَرَدّ هَذَا بِأَنّ ابْنَ الْمُسَيّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ مِنْ بَابِ الْهَذَيَانِ الْبَارِدِ الْمُخَالِفِ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَقْبَلْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ عُمَرَ فَمَنْ يَقْبَلْ وَأَئِمّةُ الْإِسْلَامِ وَجُمْهُورُهُمْ يَحْتَجّونَ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَيْفَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يُرْسِلُ إلَى سَعِيدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ قَضَايَا عُمَرَ فَيُفْتِي بِهَا وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ قَطّ مِنْ أَهْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ عُمَرَ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِهِمْ. وَرَوَى الشّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ: أَيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ وَبِهَا بَرَصٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ قَرَنٌ فَزَوْجُهَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَمَسّهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ وَإِنْ مَسّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ إذَا تَزَوّجَهَا بَرْصَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ فَدَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصّدَاقُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرّهُ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ تِلْكَ الْعُيُوبَ الْمُتَقَدّمَةَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ دُونَ مَا عَدَاهَا وَكَذَلِكَ حَكَمَ قَاضِي الْإِسْلَامِ حَقّا الّذِي يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِعَلَمِهِ وَدِينِهِ وَحُكْمِهِ شُرَيْحٌ قَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ خَاصَمَ رَجُلٌ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ إنّ هَؤُلَاءِ قَالُوا لِي: إنّا نُزَوّجُك بِأَحْسَنِ النّاسِ فَجَاءُونِي بِامْرَأَةٍ عَمْشَاءَ فَقَالَ شُرَيْحٌ إنْ كَانَ دُلّسَ لَك بِعَيْبٍ لَمْ يَجُزْ فَتَأَمّلْ هَذَا الْقَضَاءَ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ دُلّسَ لَك بِعَيْبٍ كَيْفَ يَقْتَضِي أَنّ كُلّ عَيْبٍ دُلّسَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَلِلزّوْجِ الرّدّ بِهِ؟ وَقَالَ الزّهْرِيّ يُرَدّ النّكَاحُ مِنْ كُلّ دَاءٍ عُضَالٍ.

.تَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ الرّدّ بِكُلّ عَيْبٍ:

وَمَنْ تَأَمّلَ فَتَاوَى الصّحَابَةِ وَالسّلَفِ عَلِمَ أَنّهُمْ لَمْ يَخُصّوا الرّدّ بِعَيْبٍ دُونَ عَيْبٍ إلّا رِوَايَةً رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا تُرَدّ النّسَاءُ إلّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ: الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالدّاءِ فِي الْفَرْجِ وَهَذِهِ الرّوَايَةُ لَا نَعْلَمُ لَهَا إسْنَادًا أَكْثَرَ مِنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيّ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ مُتّصِلٍ ذَكَرَهُ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ. هَذَا كُلّهُ إذَا أَطْلَقَ الزّوْجُ فَبَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ شَرْطَهَا شَابّةً حَدِيثَةَ السّنّ فَبَانَتْ عَجُوزًا شَمْطَاءَ أَوْ شَرَطَهَا بَيْضَاءَ فَبَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ بِكْرًا فَبَانَتْ ثَيّبًا فَلَهُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلّهِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَهُوَ غُرْمٌ عَلَى وَلِيّهَا إنْ كَانَ غَرّهُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارّةُ سَقَطَ مَهْرُهَا أَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا بِهِ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَنَصّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهُوَ أَقْيَسُهُمَا وَأَوْلَاهُمَا بِأُصُولِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الزّوْجُ هُوَ الْمُشْتَرِطَ. وَقَالَ أَصْحَابُهُ إذَا شَرَطَتْ فِيهِ صِفَةً فَبَانَ بِخِلَافِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا إلّا فِي شَرْطِ الْحُرّيّةِ إذَا بَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ وَفِي شَرْطِ النّسَبِ إذَا بَانَ بِخِلَافِهِ وَجْهَانِ وَاَلّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَقَوَاعِدُهُ أَنّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اشْتِرَاطِهِ وَاشْتِرَاطِهَا بَلْ إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا إذَا فَاتَ مَا اشْتَرَطَتْهُ أَوْلَى لِأَنّهَا لَا تَتَمَكّنُ مِنْ الْمُفَارَقَةِ بِالطّلَاقِ فَإِذَا جَازَ لَهُ الْفَسْخُ مَعَ تَمَكّنِهِ مِنْ الْفِرَاقِ بِغَيْرِهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهَا الْفَسْخُ مَعَ عَدَمِ تَمَكّنِهَا أَوْلَى وَإِذَا جَازَ لَهَا الْفَسْخُ إذَا ظَهَرَ الزّوْجُ ذَا صِنَاعَةٍ دَنِيئَةٍ لَا تَشِينُهُ فِي دِينِهِ وَلَا فِي عِرْضِهِ وَإِنّمَا تَمْنَعُ كَمَالَ لَذّتِهَا وَاسْتِمْتَاعِهَا بِهِ فَإِذَا شَرَطَتْهُ شَابّا جَمِيلًا صَحِيحًا فَبَانَ شَيْخًا مُشَوّهًا أَعْمَى أَطْرَشَ أَخْرَسَ أَسْوَدَ فَكَيْفَ تُلْزَمُ بِهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْفَسْخِ؟ هَذَا فِي غَايَةِ الِامْتِنَاعِ وَالتّنَاقُضِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْقِيَاسِ وَقَوَاعِدِ الشّرْعِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.
وَكَيْفَ يُمَكّنُ أَحَدُ الزّوْجَيْنِ مِنْ الْفَسْخِ بِقَدْرِ الْعَدَسَةِ مِنْ الْبَرَصِ وَلَا يُمَكّنُ مِنْهُ بِالْجَرَبِ الْمُسْتَحْكَمِ الْمُتَمَكّنِ وَهُوَ أَشَدّ إعْدَاءً مِنْ ذَلِكَ الْبَرَصِ الْيَسِيرِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الدّاءِ الْعُضَالِ؟. وَإِذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ عَلَى الْبَائِعِ كِتْمَانَ عَيْبِ سِلْعَتِهِ وَحَرّمَ عَلَى مَنْ عَلّمَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ بِالْعُيُوبِ فِي النّكَاحِ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ اسْتَشَارَتْهُ فِي نِكَاحِ مُعَاوِيَةَ أَوْ أَبِي الْجَهْمِ أَمّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ أَوْلَى وَأَوْجَبُ فَكَيْفَ يَكُونُ كِتْمَانُهُ وَتَدْلِيسُهُ وَالْغِشّ الْحَرَامُ بِهِ سَبَبًا لِلُزُومِهِ وَجَعَلَ ذَا الْعَيْبِ غُلّا لَازِمًا فِي عُنُقِ صَاحِبِهِ مَعَ شِدّةِ نُفْرَتِهِ عَنْهُ وَلَا سِيّمَا مَعَ شَرْطِ السّلَامَةِ مِنْهُ وَشَرْطِ خِلَافِهِ وَهَذَا مِمّا يُعْلَمُ يَقِينًا أَنّ تَصَرّفَاتِ الشّرِيعَةِ وَقَوَاعِدَهَا وَأَحْكَامَهَا تَأْبَاهُ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنّ الزّوْجَ إذَا شَرَطَ السّلَامَةَ مِنْ الْعُيُوبِ فَوُجِدَ أَيّ عَيْبٍ كَانَ فَالنّكَاحُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا إجَازَةَ وَلَا نَفَقَةَ وَلَا مِيرَاثَ. قَالَ لِأَنّ الّتِي أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ غَيْرُ الّتِي تَزَوّجَ إذْ السّالِمَةُ غَيْرُ الْمَعِيبَةِ بِلَا شَكّ فَإِذَا لَمْ يَتَزَوّجْهَا فَلَا زَوْجِيّةَ بَيْنَهُمَا.

.فَصْلٌ فِي حُكْمِ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا:

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: حَكَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا حِينَ اشْتَكَيَا إلَيْهِ الْخِدْمَةَ فَحَكَمَ عَلَى فَاطِمَةَ بِالْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ خِدْمَةِ الْبَيْتِ وَحَكَمَ عَلَى عَلِيّ بِالْخِدْمَةِ الظّاهِرَةِ ثُمّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ الْعَجِينُ وَالطّبْخُ وَالْفَرْشُ وَكَنْسُ الْبَيْتِ وَاسْتِقَاءُ الْمَاءِ وَعَمَلُ الْبَيْتِ كُلّهِ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشْكُو إلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدَيْهَا مِنْ الرّحَى وَتَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَلَمّا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَتْهُ. قَالَ عَلِيّ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ مَكَانَكُمَا فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتّى وَجَدْت بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي فَقَالَ أَلَا أَدُلّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمّا سَأَلْتُمَا إذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَسَبّحَا اللّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ. قَالَ عَلِيّ فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ قِيلَ وَلَا لَيْلَةَ صِفّينَ؟ قَالَ وَلَا لَيْلَةَ صِفّينَ قَالَتْ كُنْت أَخْدِمُ الزّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ كُلّهِ وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ وَكُنْتُ أَسُوسُهُ وَكُنْت أَحْتَشّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَصَحّ عَنْهَا أَنّهَا كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَهُ وَتَسْقِي الْمَاءَ وَتَخْرِزُ الدّلْوَ وَتَعْجِنُ وَتَنْقُلُ النّوَى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَأَوْجَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ خِدْمَتَهَا لَهُ فِي مَصَالِحِ الْبَيْتِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهَا أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي كُلّ شَيْءٍ وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ وُجُوبَ خِدْمَتِهِ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ وَمِمّنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الظّاهِرِ قَالُوا: لِأَنّ عَقْدَ النّكَاحِ إنّمَا اقْتَضَى الِاسْتِمْتَاعَ لَا الِاسْتِخْدَامَ وَبَذْلَ الْمَنَافِعِ قَالُوا: وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ إنّمَا تَدُلّ عَلَى التّطَوّعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَأَيْنَ الْوُجُوبُ مِنْهَا؟.
وَاحْتَجّ مَنْ أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ بِأَنّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ مَنْ خَاطَبَهُمْ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِكَلَامِهِ وَأَمّا تَرْفِيهُ الْمَرْأَةِ وَخِدْمَةُ الزّوْجِ وَكَنْسُهُ وَطَحْنُهُ {وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةُ 228] وَقَالَ: {الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ} [النّسَاءُ 34] وَإِذَا لَمْ تَخْدِمْهُ الْمَرْأَةُ بَلْ يَكُونُ هُوَ الْخَادِمَ لَهَا فَهِيَ الْقَوّامَةُ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَإِنّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ وَكُلّ مِنْ الزّوْجَيْنِ يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنّمَا أَوْجَبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ نَفَقَتَهَا وَكُسْوَتَهَا وَمَسْكَنَهَا فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَخِدْمَتِهَا وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَزْوَاجِ. وَأَيْضًا فَإِنّ الْعُقُودَ الْمُطْلَقَةَ إنّمَا تَنْزِلُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ وَقِيَامُهَا بِمَصَالِحِ الْبَيْتِ الدّاخِلَةِ وَقَوْلُهُمْ إنّ خِدْمَةَ فَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ كَانَتْ تَبَرّعًا وَإِحْسَانًا يَرُدّهُ أَنّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَشْتَكِي مَا تَلْقَى مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَمْ يَقُلْ لِعَلِيّ: لَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَإِنّمَا هِيَ عَلَيْك وَهُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحَابِي فِي الْحُكْمِ أَحَدًا وَلَمّا رَأَى أَسْمَاءَ وَالْعَلَفَ عَلَى رَأْسِهَا وَالزّبَيْرُ مَعَهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ لَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَأَنّ هَذَا ظُلْمٌ لَهَا بَلْ أَقَرّهُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا وَأَقَرّ سَائِرَ أَصْحَابِهِ عَلَى اسْتِخْدَامِ أَزْوَاجِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنّ مِنْهُنّ الْكَارِهَةَ وَالرّاضِيَةَ هَذَا أَمْرٌ لَا رَيْبَ فِيهِ. وَلَا يَصِحّ التّفْرِيقُ بَيْنَ شَرِيفَةٍ وَدَنِيئَةٍ وَفَقِيرَةٍ وَغَنِيّةٍ فَهَذِهِ أَشْرَفُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ كَانَتْ تَخْدِمُ زَوْجَهَا وَجَاءَتْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشْكُو إلَيْهِ الْخِدْمَةَ فَلَمْ يَشْكُهَا وَقَدْ سَمّى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ الْمَرْأَةَ عَانِيَةً فَقَالَ اتّقُوا اللّهَ فِي النّسَاءِ فَإِنّهُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ وَالْعَانِي: الْأَسِيرُ وَمَرْتَبَةُ الْأَسِيرِ خِدْمَةُ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا رَيْبَ أَنّ النّكَاحِ نَوْعٌ مِنْ الرّقّ كَمَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ النّكَاحُ رِقّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقّ كَرِيمَتَهُ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُنْصِفِ الرّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ وَالْأَقْوَى مِنْ الدّلِيلَيْنِ.

.حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الزّوْجَيْنِ يَقَعُ الشّقَاقُ بَيْنَهُمَا:

رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا فَأَتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الصّبْحِ فَدَعَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَابِتًا فَقَالَ خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا فَقَالَ وَيَصْلُحُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنّي أَصَدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ وَهُمَا بِيَدِهَا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا فَفَعَلَ وَقَدْ حَكَمَ اللّهُ تَعَالَى بَيْنَ الزّوْجَيْنِ يَقَعُ الشّقَاقُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النّسَاءُ 35].

.هَلْ الْحَكَمَانِ حَاكِمَانِ أَوْ وَكِيلَانِ؟

وَقَدْ اخْتَلَفَ السّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي الْحَكَمَيْنِ هَلْ هُمَا حَاكِمَانِ أَوْ وَكِيلَانِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّهُمَا وَكِيلَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشّافِعِيّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ.
وَالثّانِي: أَنّهُمَا حَاكِمَانِ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالشّافِعِيّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ.