فصل: قاعدة في المعجزات والكرامات وأنواع خوارق العادات ومنافعها ومضارها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **


الجزء الخامس

من قواعد شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله سره

  قاعدة في المعجزات والكرامات وأنواع خوارق العادات ومنافعها ومضارها

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال الشيخ الإمام العالم العلامة العارف الرباني المقذوف في قلبه النور القرآني شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا إله سواه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه وهداه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين‏.‏

قاعدة شريفة في المعجزات والكرامات وإن كان اسم المعجزة يعم كل خارق للعادة في اللغة وعرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل وغيره - ويسمونها‏:‏ الآيات - لكن كثير من المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما فيجعل المعجزة للنبي والكرامة للولي‏.‏

وجماعهما الأمر الخارق للعادة‏.‏

فنقول‏:‏ صفات الكمال ترجع إلى ثلاثة‏:‏ العلم والقدرة والغنى وإن شئت أن تقول‏:‏ العلم والقدرة والقدرة إما على الفعل وهو التأثير وإما على الترك وهو الغنى والأول أجود‏.‏

وهذه الثلاثة لا تصلح على وجه الكمال إلا لله وحده فإنه الذي أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء قدير وهو غني عن العالمين‏.‏

وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله ‏)‏قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك أن أتبع إلا ما يوحى إلي‏(‏ وكذلك قال نوح عليه السلام‏.‏

فهذا أول أولي العزم وأول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض‏.‏

وهذا خاتم الرسل وخاتم أولي العزم كلاهما يتبرأ من ذلك‏.‏

وهذا لأنهم يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم تارة بعلم الغيب كقوله ‏)‏ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي‏(‏ وتارة بالتأثير كقوله ‏)‏وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا - إلى قوله - قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا‏(‏ وتارة يعيبون عليه الحاجة والبشرية كقوله ‏)‏وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها‏(‏ فأمره أن يخبر أنه لا يعلم الغيب ولا يملك خزائن الله ولا هو ملك غني عن الأكل والمال إن هو إلا متبع لما أوحي إليه واتباع ما أوحي إليه هو الدين وهو طاعة الله وعبادته علماً وعملاً بالباطن والظاهر‏.‏

وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله تعالى فيعلم منه ما علمه إياه ويقدر منه على ما أقدره الله عليه ويستغني عما أغناه الله عنه من الأمور المخالفة للعادة المطردة أو لعادة غالب الناس‏.‏

فما كان من الخوارق من باب العلم فتارة بأن يسمع العبد ما لا يسمعه غيره وتارة بأن يرى ما لا يراه غيره يقظة ومناماً وتارة بأن يعلم ما لا يعلم غيره وحياً وإلهاماً أو إنزال علم ضروري أو فراسة صادقة ويسمى كشفاً ومشاهدات ومكاشفات ومخاطبات‏.‏

فالسماع مخاطبات والرؤية مشاهدات والعلم مكاشفة ويسمى ذلك كله كشفاً ومكاشفة أي كشف له عنه‏.‏

وما كان من باب القدرة فهو التأثير وقد يكون همة وصدقاً ودعوة مجابة وقد يكون من فعل الله الذي لا تأثر له فيه بحال مثل هلاك عدوه بغير أثر منه كقوله ‏"‏ من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة - وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث المجرد ‏"‏ ومثل تذليل النفوس له ومحبتها إياه ونحو ذلك‏.‏

وكذلك ما كان من باب العلم والكشف قد يكشف لغيره من حاله بعض أمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المبشرات ‏"‏ هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ‏"‏ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏‏.‏

وكل واحد من الكشف والتأثير قد يكون قائماً به وقد لا يكون قائماً به بل يكشف الله حاله ويصنع له من حيث لا يحتسب كما قال يوسف بن اسباط ‏"‏ ما صدق الله عبد إلا صنع له ‏"‏ وقال أحمد بن حنبل ‏"‏ لو وضع الصدق على جرح لبرأ ‏"‏ لكن من قام بغيره له من الكشف والتأثير فهو سببه أيضاً وإن كان خرق عادة في ذلك الغير فمعجزات الأنبياء وأعلامهم ودلائل نبوتهم تدخل في ذلك‏.‏

وقد جمع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم جميع أنواع المعجزات والخوارق‏.‏

أما العلم والأخبار الغيبية والسماع والرؤية فمثل أخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء المتقدمين وأممهم ومخاطباته لهم وأحواله معهم وغير الأنبياء من الأولياء وغيرهم بما يوافق ما عند أهل الكتاب الذين ورثوه بالتواتر أو بغيره من غير تعلم له منهم وكذلك إخباره عن أمور الربوبية والملائكة والجنة والنار بما يوافق الأنبياء قبله من غير تعلم منهم‏.‏

ويعلم أن ذلك موافق لنقول الأنبياء تارة بما في أيديهم من الكتب الظاهرة ونحو ذلك من النقل المتواتر وتارة بما يعمله الخاصة من علمائهم وفي مثل هذا قد يستشهد أهل الكتاب وهو من حكمة إبقائهم بالجزية وتفصيل ذلك ليس هذا موضعه‏.‏

فأخباره عن الأمور الغائبة ماضيها وحاضرها هو من باب العلم الخارق وكذلك أخباره عن الأمور المستقبلة مثل مملكة أمته وزوال مملكة فارس والروم وقتلا الترك وألوف مؤلفة من الأخبار التي أخبر بها مذكور بعضها في كتب دلائل النبوة وسيرة الرسول وفضائله وكتب التفسير والحديث والمغازي مثل دلائل النبوة لأبي نعيم والبيهقي وسيرة ابن إسحاق وكتب الأحاديث المسندة كمسند الإمام أحمد والمدونة كصحيح البخاري وغير ذلك مما هو مذكور أيضاً في كتب أهل الكلام والجدل كأعلام النبوة للقاضي عبد الجبار وللماوردي والرد على النصارى للقرطبي ومصنفات كثيرة جداً‏.‏

وكذلك ما أخبر عنه غيره مما وجد في كتب الأنبياء المتقدمين وهي في وقتنا هذا اثنان وعشرون نبوة بأيدي اليهود والنصارى كالتوراة والإنجيل والزبور وكتاب شعيا وحبقوق ودانيال وأرميا‏.‏

وكذلك أخبار غير الأنبياء من الأحبار والرهبان وكذلك أخبار الجن والهواتف المطلقة وأخبار الكهنة كسطيح وشق وغيرهما وكذلك المنامات وتعبيرها كمنام كسرى وتعبير الموبذان وكذا أخبار الأنبياء المتقدمين بما مضى وما عبر هو من أعلامهم‏.‏

وأما القدرة والتأثير فإما أن يكون في العالم العلوي أو ما دونه وما دونه إما بسيط أو مركب والبسيط إما الجو وإما الأرض والمركب إما حيوان وإما نبات وإما معدن‏.‏

والحيوان إما ناطق وإما بهيم فالعلوي كانشقاق القمر ورد الشمس ليوشع بن نون وكذلك ردها لما فاتت عليا الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم نائم في حجره - إن صح الحديث - فمن الناس من صححه كالطحاوي والقاضي عياض‏.‏

ومنهم من جعله موقوفاً كأبي الفرج بن الجوزي وهذا أصح‏.‏

وكذلك معراجه إلى السماوات‏.‏

وأما الجو فاستسقاؤه واستصحاؤه غير مرة كحديث الأعرابي الذي في الصحيحين وغيرهما وكذلك كثرة الرمي بالنجوم عند ظهوره وكذلك إسراؤه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى‏.‏

وأما الأرض والماء فكاهتزاز الجبل تحته وتكثير الماء في عين تبوك وعين الحديبية ونبع الماء من بين أصابعه غير مرة ومزادة المرأة‏.‏

وأما المركبات فتكثيره للطعام غير مرة في قصة الخندق من حديث جابر وحديث أبي طلحة وفي أسفاره وجراب أبي هريرة ونخل جابر بن عبد الله وحديث جابر وابن الزبير في انقلاع النخل له وعوده إلى مكانه وسقياه لغير واحد من الأرض كعين أبي قتادة‏.‏

وهذا باب واسع لم يكن الغرض هنا ذكر أنواع معجزاته بخصوصه وإنما الغرض التمثيل‏.‏

وكذلك من باب القدرة عصا موسى صلى الله عليه وسلم وفلق البحر والقمل والضفادع والدم وناقة صالح وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى كما أن من باب العلم إخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم‏.‏

وفي الجملة لم يكن المقصود هنا ذكر المعجزات النبوية بخصوصها وإنما الغرض التمثيل بها‏.‏

وأما المعجزات التي لغير الأنبياء من باب الكشف والعلم فمثل قول عمر في قصة سارية وأخبار أبي بكر بأن ببطن زوجته أنثى وأخبار عمر بمن يخرج من ولده فيكون عادلاً‏.‏

وقصة صاحب موسى في علمه بحال الغلام والقدرة مثل قصة الذي عنده علم من الكتاب‏.‏

وقصة أهل الكهف وقصة مريم وقصة خالد بن الوليد وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي مسلم الخولاني وأشياء يطول شرحها‏.‏

فإن تعداد هذا مثل المطر‏.‏

وإنما الغرض التمثيل بالشيء الذي سمعه أكثر الناس‏.‏

وأما القدرة التي لم تتعلق بفعله فمثل نصر الله لمن ينصره وإهلاكه لمن يشتمه‏.‏

 فصل الخارق كشفاً كان أو تأثيراً

الخارق كشفاً كان أو تأثيراً إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها ديناً وشرعاً إما واجب وإما مستحب‏.‏

وإن حصل به أمر مباح كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكراً وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه كان سبباً للعذاب أو البغض كقصة الذي أوتي الآيات فانسلخ منها‏:‏ بلعام بن عوراء لكن قد يكون صاحبها معذوراً لاجتهاد أو تقليد أو نقص عقل أو علم أو غلبة حال أو عجز أو ضرورة فيكون من جنس برح العابد والنهي قد يعود إلى سبب الخارق وقد يعود إلى مقصوده فالأول مثل أن يدعو الله دعاء منهياً عنه اعتداء عليه‏.‏

وقد قال تعالى ‏)‏ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين‏(‏ ومثل الأعمال المنهي عنها إذا أورثت كشفاً أو تأثيراً ‏)‏والثاني‏(‏ أن يدعو على غيره بما لا يستحقه أو يدعو للظالم بالإعانة ويعينه بهمته كخفراء العدو وأعوان الظلمة من ذوي الأحوال‏.‏

فإن كان صاحبه من عقلاء المجانين والمغلوبين غلبة بحيث يعذرون والناقصين نقصاً لا يلامون عليه كانوا برحية‏.‏

وقد بينت في غير هذا الموضع ما يعذرون فيه وما لا يعذرون فيه وإن كانوا عالمين قادرين كانوا بلعامية فإن من أتى بخارق على وجه منهي عنه أو لمقصود منهي عنه فإما أن يكون معذوراً معفواً عنه كبرح أو يكون متعمداً للكذب كبلعام‏.‏

فتخلص أن الخارق ثلاثة أقسام‏:‏ محمود في الدين ومذموم في الدين ومباح لا محمود ولا مذموم في الدين‏.‏

فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة وإن لم يكن فيه منفعة كان كسائر المباحات التي لا قال أبو علي الجوزجاني‏:‏ كن طالباً للاستقامة لا طالباً للكرامة فإن نفسك منجلية على طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة‏.‏

قال الشيخ السهروردي في عوارفه‏:‏ وهذا الذي ذكره أصل عظيم كبير في الباب وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا عن سلف الصالحين المتقدمين وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات فأبداً نفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك ويحبون أن يرزقوا شيئاً من ذلك ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهماً لنفسه في صحة عمله حيث لم يكاشف بشيء من ذلك ولو علموا سر ذلك لهان عليهم الأمر فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك باباً‏.‏

والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة تفنناً فيقوى عزمه على هذا الزهد في الدنيا والخروج من دواعي الهوى وقد يكون بعض عباده يكاشف بصدق اليقين ويرفع عن قلبه الحجاب ومن كوشف بصدق اليقين أغني بذلك عن رؤية خرق العادات لأن المراد منها كان حصول اليقين وقد حصل اليقين فلو كوشف هذا المرزوق صدق اليقين بشيء من ذلك لازداد يقيناً فلا تقتضي الحكمة كشف القدرة بخوارق العادات لهذا الموضع استغناء به وتقتضي الحكمة كشف ذلك لآخر لموضع حاجته وكان هذا الثاني يكون أتم استعداداً وأهلية من الأول فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة فهي كل الكرامة‏.‏

ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع فما يبالي ولا يقنص بذلك وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الاستقامة‏.‏

فتعلم هذا لأنه أصل كبير للطالبين والعلماء الزاهدين ومشايخ الصوفية‏.‏

  فصل كلمات الله تعالى نوعان‏:‏ كلمات كونية وكلمات دينية‏.‏

كلمات الله تعالى نوعان‏:‏ كلمات كونية وكلمات دينية‏.‏

فكلماته الكونية هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‏"‏ أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ‏"‏ وقال سبحانه ‏)‏إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون‏(‏ وقال تعالى ‏)‏وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً‏(‏ والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق الكشفية التأثيرية‏.‏

والنوع الثاني الكلمات الدينية وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله وهي‏:‏ أمره ونهيه وخبره وحظ العبد منها العلم بها والعمل والأمر بما أمر الله به كما أن حظ العبد عموماً وخصوصاً من الأول العلم بالكونيات والتأثير فيها‏.‏

أي بموجبها‏.‏

فالأولى قدرية كونية والثانية شرعية دينية وكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية وقدرة الأولى التأثير في الكونيات وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات وكما أن الأولى تنقسم إلى تأثير في نفسه كمشيه على الماء وطيرانه في الهواء وجلوسه على الناس وإلى تأثير في غيره بإسقام وإصحاح وإهلاك وإغناء وإفقار فكذلك الثانية تنقسم إلى تأثير في نفسه بطاعته لله ورسوله‏.‏

والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطناً وظاهراً وإلى تأثير في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية بحيث تقبل النفوس ما يأمرها به من طاعة الله ورسوله في الكلمات الدينيات‏.‏

كما قبلت من الأول ما أراد تكوينه فيها بالكلمات الكونيات‏.‏

وإذا تقرر ذلك فاعلم أن عدم الخوارق علماً وقدرة لا تضر المسلم في دينه فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات ولم يسخر له شيء من الكونيات لا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله‏.‏

بل قد يكون عدم ذلك أنفع له في دينه إذا لم يكن وجود ذلك في حقه مأموراً به أمر إيجاب ولا استحباب وأما عدم الدين والعمل به فيصير الإنسان ناقصاً مذموماً إما أن يجعله مستحقاً للعقاب وإما أن يجعله محروماً من الثواب وذلك لأن العلم بالدين وتعليمه والأمر به ينال به العبد رضوان الله وحده وصلاته وثوابه وأما العلم بالكون والتأثير فيه فلا ينال به ذلك إلا إذا كان داخلاً في الدين بل قد يجب عليه شكره وقد يناله به إثم‏.‏

إذا عرف هذا فالأقسام ثلاثة‏:‏ إما أن يتعلق بالعلم والقدرة بالدين فقط أو بالكون فقط‏.‏

فالأول كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ‏)‏وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً‏(‏ فإن السلطان النصير يجمع الحجة والمنزلة عند الله وهو كلماته الدينية والقدرية الكونية عند الله بكلماته الكونيات ومعجزات الأنبياء عليهم السلام تجمع الأمرين فإنهما حجة على النبوة من الله وهي قدرة‏.‏

وأبلغ ذلك القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإنه هو شرع الله وكلماته الدينيات وهو حجة محمد صلى الله عليه وسلم على نبوته ومجيئه من الخوارق للعادات‏.‏

فهو الدعوة وهو الحجة والمعجزة‏.‏

وأما القسم الثاني فمثل من يعلم بما جاء به الرسول خبراً وأمراً ويعمل به ويأمر به الناس ويعلم بوقت نزول المطر وتغير السعر وشفاء المريض وقدوم الغائب ولقاء العدو وله تأثير إما في الأناسي وإما في غيرهم بإصحاح وإسقام وإهلاك أو ولادة أو ولاية أو عزل‏.‏

وجماع التأثير إما جلب منفعة كالمال والرياسة وإما دفع مضرة كالعدو والمرض أو لا واحد منهما مثل ركوب أسد بلا فائدة أو إطفاء نار ونحو ذلك‏.‏

وأما الثالث فمن يجتمع له الأمران بأن يؤتى من الكشف والتأثير الكوني ما يؤيد به الكشف والتأثير الشرعي‏.‏

وهو علم الدين والعمل به والأمر به ويؤتى من علم الدين والعمل به ما يستعمل به الكشف والتأثير الكوني بحيث تقع الخوارق الكونية تابعة للأوامر الدينية أو أن تخرق له العادة في الأمور الدينية بحيث ينال من العلوم الدينية ومن العمل بها ومن الأمر بها ومن طاعة الخلق فيها ما لم ينله غيره في مطرد العادة فهذه أعظم الكرامات والمعجزات وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وعمر وكل المسلمين‏.‏

فهذا القسم الثالث هو مقتضى ‏)‏إياك نعبد وإياك نستعين‏(‏ إذ الأول هو العبادة والثاني هو الاستعانة وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والخواص من أمته المتمسكين بشرعته ومنهاجه باطناً وظاهراً فإن كراماتهم كمعجزاته لم يخرجها إلا لحجة أو حاجة فالحجة ليظهر بها دين الله ليؤمن الكافر ويخلص المنافق ويزداد الذين آمنوا إيماناً فكانت فائدتها اتباع دين الله علماً وعملاً كالمقصود بالجهاد والحاجة كجلب منفعة يحتاجون إليها كالطعام والشراب وقت الحاجة إليه أو دفع مضرة عنهم ككسر العدو بالحصى الذي رماهم به فقيل‏:‏ ‏)‏وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى‏(‏ وكل من هذين يعود إلى منفعة الدين كالأكل والشرب وقتال العدو والصدقة على المسلمين فإن هذا من جملة الدين والأعمال الصالحة‏.‏

وأما القسم الأول وهو المتعلق بالدين فقط فقد يكون منه ما لا يحتاج إلى الثاني ولا له فيه منفعة كحال كثير من الصحابة والتابعين وصالحي المسلمين وعلمائهم وعبادهم مع أنه لا بد أن يكون لهم شخصاً أو نوعاً بشيء من الخوارق وقد يكون منهم من لا يستعمل أسباب الكونيات ولا عمل بها فانتفاء الخارق الكوني في حقه إما لانتفاء سببه وإما لانتفاء فائدته وانتفاؤه لانتفاء فائدته لا يكون نقصاً وأما انتفاؤه لانتفاء سببه فقد يكون نقصاً وقد لا يكون نقصاً فإن كان لإخلاله بفعل واجب وترك محرم كان عدم الخارق نقصاً وهو سبب الضرر وإن كان لإخلاله بالمستحبات فهو نقص عن رتبة المقربين السابقين وليس هو نقصاً عن رتبة أصحاب اليمين المقتصدين وإن لم يكن كذلك بل لعدم اشتغاله بسب بالكونيات التي لا يكون عدمها ناقصاً لثواب لم يكن ذلك نقصاً مثل من يمرض ولده ويذهب ماله فلا يدعو ليعافى أو يجيء ماله أو يظلمه ظالم فلا يتوجه عليه لينتصر عليه‏.‏

وأما القسم الثاني وهو صاحب الكشف والتأثير الكوني فقد تقدم أنه تارة يكون زيادة في دينه وتارة يكون نقصاً وتارة لا له ولا عليه وهذا غالب حال أهل الاستعانة كما أن الأول غالب حال أهل العبادة وهذا الثاني بمنزلة الملك والسلطان الذي قد يكون صاحبه خليفة نبياً فيكون خير أهل الأرض وقد يكون ظالماً من شر الناس وقد يكون ملكاً عادلاً فيكون من أوساط الناس فإن العلم بالكونيات والقدرة على التأثير فيها بالحال والقلب كالعلم بأحوالها والتأثير فيها بالملك وأسبابه فسلطان الحال والقلب كسلطان الملك واليد إلا أن أسباب هذا باطنة روحانية وأسباب هذا ظاهرة جثمانية‏.‏

وبهذا تبين لك أن القسم الأول إذا صح فهو وذلك من وجوه‏:‏ ‏)‏أحدها‏(‏ أن علم الدين طلباً وخبراً لا ينال إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما العلم بالكونيات فأسبابه متعددة وما اختص به الرسول وورثتهم أفضل مما شركهم فيه بقية الناس فلا ينال علمه إلا هم وأتباعهم ولا يعلمه إلا هم وأتباعهم‏.‏

الثاني أن الدين لا يعمل به إلا المؤمنون الصالحون الذين هم أهل الجنة وأحباب الله وصفوته وأحباؤه وأولياؤه ولا يأمر به إلا هم‏.‏

وأما التأثير الكوني فقد يقع من كافر ومنافق وفاجر تأثيره في نفسه وفي غيره كالأحوال الفاسدة والعين والسحر وكالملوك والجبابرة المسلطين والسلاطين الجبابرة وما كان من العلم مختصاً بالصالحين أفضل مما يشترك فيه المصلحون والمفسدون‏.‏

الثالث أن العلم بالدين والعمل به ينفع صاحبه في الآخرة ولا يضره‏.‏

وأما الكشف والتأثير فقد لا ينفع في الآخرة بل قد يضره كما قال تعالى ‏)‏ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون‏(‏‏.‏

الرابع أن الكشف والتأثير إما أن يكون فيه فائدة أو لا يكون فإن لم يكن فيه فائدة كالاطلاع على سيئات العباد وركوب السباع لغير حاجة والاجتماع بالجن لغير فائدة والمشي على الماء مع إمكان العبور على الجسر فهذا لا منفعة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو بمنزلة العبث واللعب وإنما يستعظم هذا من لم ينله وهو تحت القدرة والسلطان في الكون مثل من يستعظم الملك أو طاعة الملوك لشخص وقيام الحالة عند الناس بلا فائدة فهو يستعظمه من جهة سببه لا من جهة منفعته كالمال والرياسة ودفع مضرة كالعدو والمرض فهذه المنفعة تنال غالباً بغير الخوارق أكثر مما تنال بالخوارق ولا يحصل بالخوارق منها إلا القليل ولا تدوم إلا بأسباب أخرى‏.‏

وأما الآخر أيضاً فلا يحصل بالخوارق إلا مع الدين والدين وحده موجب للآخرة بلا خارق بل الخوارق الدينية الكونية أبلغ من تحصيل الآخرة كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك المال والرياسة التي تحصل لأهل الدين بالخوارق إنما هو مع الدين وإلا فالخوارق وحدها لا تؤثر في الدنيا إلا أثراً ضعيفاً‏.‏

فإن قيل‏:‏ مجرد الخوارق إن لم تحصل بنفسها منفعة لا في الدين ولا في الدنيا فهي علامة طاعة النفوس له فهو موجب الرياسة والسلطان ثم يتوسط ذلك فتجتلب المنافع الدينية والدنيوية وتدفع المضار الدينية والدنيوية‏.‏

قلت‏:‏ نعم لم نتكلم إلا في منفعة الدين أو الخارق في نفسه من غير فعل الناس‏.‏

وأما إن تكلمنا فيما يحصل بسببها من فعل الناس فنقول أولاً‏:‏ الدين الصحيح أوجب لطاعة النفوس وحصول الرياسة من الخارق المجرد كما هو الواقع فإنه لا نسبة لطاعة من أطيع لدينه إلى طاعة من أطيع لتأثيره إذ طاعة الأول أعم وأكثر والمطيع بها خيار بني آدم عقلاً وديناً وأما الثانية فلا تدوم ولا تكثر ولا يدخل فيها إلا جهال الناس كأصحاب مسيلمة الكذاب وطليحة الأسدي ونحوهم وأهل البوادي والجبال ونحوم ممن لا عقل له ولا دين‏.‏

ثم نقول ثانياً‏:‏ لو كان صاحب الخارق يناله من الرياسة والمال أكثر من صاحب الدين لكان غايته أن يكون ملكاً من الملوك بل ملكه إن لم يقرنه بالدين فهو كفرعون وكمقدمي الإسماعيلية ونحوهم وقد قدمنا أن رياسة الدنيا التي ينالها الملوك بسياستهم وشجاعتهم وإعطائهم أعظم من الرياسة بالخارق المجرد فإن هذه أكثر ما يكون مدة قريبة‏.‏

الخامس أن الدين ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة ويدفع عنه مضرة الدنيا والآخرة من غير أن يحتاج معه إلى كشف أو تأثير‏.‏

وأما الكشف أو التأثير فإن لم يقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة أما في الآخرة فلعدم الدين الذي هو أداء الواجبات وترك المحرمات وأما في الدنيا فإن الخوارق هي من الأمور الخطرة التي لا تنالها النفوس إلا بمخاطرات في القلب والجسم والأهل والمال فإنه إن سلك طريق الجوع والرياضة المفرطة خاطر بقلبه ومزاجه ودينه وربما زال عقله ومرض جسمه وذهب دينه وإن سلك طريق الوله والاختلاط بترك الشهوات ليتصل بالأرواح الجنية وتغيب النفوس عن أجسامها كما يفعله مولهو الأحمدية - فقد أزال عقله وأذهب ماله ومعيشته وأشقي نفسه شقاء لا مزيد عليه وعرض نفسه لعذاب الله في الآخرة لما تركه من الواجبات وما فعله من المحرمات وكذلك إن قصد تسخير الجن بالأسماء والكلمات من الأقسام والعزائم فقد عرض نفسه لعقوبتهم ومحاربتهم بل لو لم يكن الخارق إلا دلالة صاحب المال المسروق والضال على ماله أو شفاء المريض أو دفع العدو من السلطان والمحاربين - فهذا القدر إذا فعله الإنسان مع الناس ولم يكن عمله ديناً يتقرب به إلى الله كان كأنه قهرمان للناس يحفظ أموالهم أو طبيب أو صيدلي يعالج أمراضهم أو أعوان سلطان يقاتلون عنه إذ عمله من جنس عمل أولئك سواء‏.‏

ومعلوم أن من سلك هذا المسلك على غير الوجه الديني فإنه يحابي بذلك أقواماً ولا يعدل بينهم وربما أعان الظلمة بذلك كفعل بلعام وطوائف من هذه الأمة وغيرهم‏.‏

وهذا يوجب له عداوة الناس التي هي من أكثر أسباب مضرة الدنيا ولا يجوز أن يحتمل المرء ذلك إلا إذا أمر الله به ورسوله لأن ما أمر الله به ورسوله وإن كان فيه مضرة فمنفعته غالبة على مضرته والعاقبة للتقوى‏.‏

السادس أن الدين علماً وعملاً إذا صح فلا بد أن يوجب خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه‏.‏

قال الله تعالى ‏)‏ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب‏(‏ وقال تعالى ‏)‏إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً‏(‏ وقال تعالى ‏)‏ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً‏(‏ وقال تعالى ‏)‏ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة‏(‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله - ثم قرأ قوله تعالى - إن في ذلك لآيات للمتوسمين ‏"‏ رواه الترمذي وحسنه من رواية أبي سعيد‏.‏

وقال الله تعالى فيما روى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ‏"‏ فهذا فيه محاربة الله لمن حارب وليه وفيه أن محبوبه به يعلم سمعاً وبصراً وبه يعمل بطشاً وسعياً وفيه أنه يجيبه إلى ما يطلبه منه من المنافع ويصرف عنه ما يستعيذ به من المضار‏.‏

وهذا باب واسع‏.‏

السابع أن الدين هو إقامة حق العبودية وهو فعل ما عليك وما أمرت به وأما الخوارق فهي من حق الربوبيبة إذا لم يؤمر العبد بها وإن كانت بسعي من العبد فإن الله هو الذي يخلقها بما ينصبه من الأسباب والعبد ينبغي له أن يهتم بما عليه وما أمر به وأما اهتمامه بما يفعله الله إذا لم يؤمر بالاهتمام به فهو إما فضول فتكون لما فيها من المنافع كالمنافع السلطانية المالية التي يستعان بها على الدين كتكثير الطعام والشراب وطاعة الناس إذا رأوها‏.‏

ولما فيها من دفع المضار عن الدين بمنزلة الجهاد الذي فيه دفع العدو وغلبته‏.‏

ثم هل الدين محا ج إليها في الأصل ولأن الإيمان بالنبوة لا يتم إلا بالخارق أو ليس بمحتاج في الخاصة بل في حق العامة هذا نتكلم عليه‏.‏

وأنفع الخوارق الخارق الديني وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ‏"‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وكانت آيته هي دعوته وحجته بخلاف غيره من الأنبياء‏.‏

ولهذا يجد كثيراً من المنحرفين منا إلى العيسوية يفرون من القرآن والقال إلى الحال كما أن المنحرفين منا إلى الموسوية يفرون من الإيمان والحال إلى القال ونبينا صلى الله عليه وسلم صاحب القال والحال وصاحب القرآن والإيمان‏.‏

ثم بعده الخارق المؤيد للدين المعين له لأن الخارق في مرتبة ‏)‏إياك نستعين‏(‏ والدين في مرتبة ‏)‏إياك نعبد‏(‏ فأما الخارق الذي لم يعن الدين فإما متاع دنيا أو معبد صاحبه عن الله تعالى‏.‏

فظهر بذلك أن الخوارق النافعة تابعة للدين حادثة له كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين وكذلك المال النافع كما كان السلطان والمال بيد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فمن جعلها هي المقصودة وجعل الدين تابعاً لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل فهو يشبه بمن يأكل الدنيا بالدين وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة فإن ذلك مأمور به وهو على سبيل نجاة وشريعة صحيحة‏.‏

والعجب أن كثيراً ممن يزعم أن همه قد ارتفع وارتقى عن أن يكون دينه خوفاً من النار أو طلباً للجنة يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا ولعله اجتهاداً عظيماً في مثله وهذا عرف ولكن منهم من يكون قصده بهذا تثبيت قلبه وطمأنينته وإيقانه بصحة طريقه وسلوكه فهو يطلب الآية علامة وبرهاناً على صحة دينه كما تطلب الأمم من الأنبياء الآيات دلالة على صدقهم فهذا أعذر لهم في ذلك‏.‏

ولهذا لما كان الصحابة رضي الله عنهم مستغنين في علمهم بدينهم وعملهم به عن الآيات بما رأوه من حال الرسول ونالوه من علم صار كل من كان عنهم أبعد مع صحة طريقته يحتاج إلى فيظهر مع الأفراد في أوقات الفترات وأماكن الفترات من الخوارق ما لا يظهر لهم ولا لغيرهم من حال ظهور النبوة والدعوة‏.‏