فصل: فصل وقول القائل المناسبة لفظ مجمل فإنه قد يراد بها التولد والقرابة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **


  فصل وأما قول ملاحدة الفلاسفة وغيرهم‏:‏ إن اتصافه بهذه الصفات

وأما قول ملاحدة الفلاسفة وغيرهم‏:‏ إن اتصافه بهذه الصفات إن أوجب له كمالاً فقد استكمل بغيره فيكون ناقصاً بذاته وإن أوجب له نقصاً لم يجز اتصافه بها - فيقال‏:‏ الكمال المعين هو الكمال الممكن الوجود الذي لا نقص فيه‏.‏

وحينئذ فقول القائل يكون نقصاً بذاته إن أراد به أنه يكون بدون هذه الصفات ناقصاً فهذا حق لكن من هذا فررنا وقدرنا أنه لا بد من صفات الكمال وإلا كان نقصاً‏.‏

وإن أراد به أنه إنما صار كاملاً بالصفات التي اتصف بها فلا يكون كاملاً بذاته المجردة عن هذه الصفات - فيقال‏:‏ ‏)‏أولاً‏(‏‏:‏ هذا إنما يتوجه أن لو أمكن وجود ذات مجردة عن هذه الصفات أو أمكن وجود ذات كاملة مجردة عن هذه الصفات فإذا كان أحد هذين ممتنعاً امتنع كماله بدون هذه الصفات فكيف إذا كان كلاهما ممتنعاً فإن وجود ذات كاملة بدون هذه الصفات ممتنع فإنا نعلم بالضرورة أن الذات التي لا تصير علة بالفعل واحتاج مصيرها علة بالفعل إلى سبب آخر فإن كان المخرج لها من القوة إلى الفعل هو نفسه صار فيه ما هو بالقوة وهو المخرج له إلى الفعل وذلك يستلزم أن يكون قابلاً أو فاعلاً وهم يمنعون ذلك لامتناع الصفات التي يسمونها التركيب وإن كان المخرج له غيره كان ذلك ممتنعاً بالضرورة والاتفاق لأن ذلك ينافي وجوب الوجود ولأنه يتضمن الدور المعي والتسلسل في المؤثرات وإن كان هو الذي صار فاعلاً للمعين بعد أن لم يكن امتنع أن يكون علة تامة أزلية فقدم شيء من العالم يستلزم كونه علة تامة في الأزل وذلك يستلزم أن لا يحدث عنه شيء بواسطة وبغير واسطة وهذا مخالف للمشهود‏.‏

ويقال ‏)‏ثانياً‏(‏ في إبطال قول من جعل حدوث الحوادث ممتنعاً‏:‏ - هذا مبني على تجدد هذه الأمور بتجدد الإضافات والأحوال والأعدام فإن الناس متفقون على تجدد هذه الأمور وفرق الآمدي بينهما من جهة اللفظ فقال هذه حوادث وهذه متجددات والفروق اللفظية لا تؤثر في الحقائق العلمية فيقال‏:‏ تجدد هذه المتجددات إن أوجب له كمالاً فقد عدمه قبله وهو نقص وإن أوجب له نقصاً لم يجز وصفه به‏.‏

ويقال ‏)‏ثالثاً‏(‏‏:‏ الكمال الذي يجب اتصافه به هو الممكن الوجود وأما الممتنع فليس من الكمال الذي يتصف به موجود والحوادث المتعلقة بقدرته ومشيئته يمتنع وجودها جميعاً في الأزل فلا يكون انتفاؤها في الأزل نقصاً لأن انتفاء الممتنع ليس بنقص‏.‏

ويقال ‏)‏رابعاً‏(‏‏:‏ إذا قدر ذات تفعل شيئاً بعد شيء وهي قادرة على الفعل بنفسها وذات لا يمكنها أن تفعل بنفسها شيئاً بل هي كالجماد الذي لا يمكنه أن يتحرك كانت الأولى أكمل من الثانية‏.‏

فعدم هذه الأفعال نقص بالضرورة‏.‏

وأما وجودها بحسب الإمكان فهو الكمال‏.‏

ويقال ‏)‏خامساً‏(‏‏:‏ لا نسلم أن عدم هذه مطلقاً نقص ولا كمال ولا وجودها مطلقاً نقص ولا كمال بل وجودها في الوقت الذي اقتضته مشيئته وقدرته وحكمته هو الكمال ووجودها بدون ذلك نقص وعدمها مع اقتضاء الحكمة كمال وإذن فالشيء الواحد يكون وجوده تارة كمالاً وتارة نقصاً وكذلك عدمه‏.‏

فبطل التقسيم المطلق وهذا كالماء يكون رحمة بالخلق إذا احتاجوا إليه كالمطر ويكون عذاباً إذا ضرهم فيكون إنزاله لحاجتهم رحمة وإحساناً والمحسن الرحيم متصف بالكمال ولا يكون عدم إنزاله حيث يضرهم نقصاً بل هو أيضاً رحمة وإحسان فهو محسن بالوجود حين كان رحمة وبالعدم حين كان العدم رحمة‏.‏

  فصل وأما نفي النافي للصفات الخبرية المعينة فلاستلزامها التركيب

وأما نفي النافي للصفات الخبرية المعينة فلاستلزامها التركيب المستلزم للحاجة والافتقار فقد تقدم جواب نظيره فإنه إن أريد بالتركيب ما هو المفهوم منه في اللغة أو في العرف العام أو عرف بعض بالناس وهو ما ركبه غيره أو كان مفترقاً فاجتمع أو ما جمع الجواهر الفردة أو المادة والصورة أو ما أمكن مفارقة بعضه لبعض فلا نسلم المقدمة الأولى ولا نسلم أن إثبات الوجه واليد مستلزم للتركيب بهذا الاعتبار وإن أريد به التلازم على معنى امتياز شيء عن شيء في نفسه وأن هذا ليس هذا فهذا لازم له في الصفات المعنوية المعلومة بالعقل كالعلم والقدرة والسمع والبصر فإن الواحدة من هذه الصفات ليست هي الأخرى بل كل صفة ممتازة بنفسها عن الأخرى وإن كانتا متلازمتين يوصف بهما موصوف واحد‏.‏

ونحن نعقل هذا في صفات المخلوقين كأبعاض الشمس وأعراضها‏.‏

وأيضاً فإن أريد أنه لا بد من وجود ما بالحاجة والافتقار إلى مباين له فهو ممنوع وإن أريد أنه لا بد من وجود ما هو داخل في مسمى اسمه وأنه يمتنع وجود الواجب بدون تلك الأمور الداخلة في مسمى اسمع فمعلوم أنه لا بد من نفسه فلا بد له مما يدخل في مسماها بطريقة الأولى والأحرى‏.‏

وإذا قيل هو مفتقر إلى نفسه لم يكن معناه أن نفسه تفعل نفسه‏.‏

فكذلك ما هو داخل فيها ولكن العبارة موهمة مجملة فإذا فسر المعنى زال المحذور‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏ نحن لا نطلق على هذا اللفظ الغير فلا يلزمه أن يكون محتاجاً إلى الغير فهذا من جهة الإطلاق اللفظي وأما من جهة الدليل العلمي فالدليل دل على وجود موجود بنفسه لا فاعل ولا علة فاعلة وأنه مستغن بنفسه عن كل ما يباينه‏.‏

أما الوجود الذي لا يكون له صفة ولا يدخل في مسمى اسمه معنى من المعاني الثبوتية فهذا إذا ادعى المدعي أنه المعني بوجوب الوجود وبالغني قيل له لكن هذا المعني ليس هو مدلول الأدلة ولكن أنت قدرت أن هذا مسمى الاسم وجعل اللفظ دليلاً على هذا المعنى لا ينفعك إن لم يثبت أن المعنى حق في نفسه ولا دليل على ذلك بل الدليل يدل على نقيضه‏.‏

فهؤلاء عمدوا إلى لفظ الغني والقديم والواجب بنفسه فصاروا يجعلونها على معاني تستلزم معاني تناقض ثبوت الصفات وتوسعوا في التعبير ثم ظنوا أن هذا الذي فعلوه هو موجب الأدلة العقلية وغيرها‏.‏

وهذا غلط منهم‏.‏

فموجب الأدلة العقلية لا يتلقى من مجرد التعبير وموجب الأدلة السمعية يتلقى من عرف المتكلم بالخطاب لا من الوضع المحدث فليس لأحد أن يقول أن الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ثم يريد أن يفسر مراد الله بتلك المعاني هذا من فعل أهل الإلحاد المفترين فإن هؤلاء عمدوا إلى المعاني وظنوها ثابتة فجعلوها هي معنى الواحد والوجوب والغنى والقدم ونفي المثل ثم عمدوا إلى ما جاء في القرآن والسنة من تسمية الله تعالى بأنه أحد وواحد علي ونحو ذلك من نفي المقل والكفؤ عنه فقالوا هذا يدل على المعاني التي سميناها بهذه الأسماء وهذا من أعظم الافتراء على الله‏.‏

وكذلك المتفلسفة عمدوا إلى لفظ الخالق والفاعل والصانع والمحدث ونحو ذلك فوضعوها لمعنى ابتدعوه وقسموا الحدوث إلى نوعين‏:‏ ذاتي وزماني وأرادوا بالذاتي كون المربوب مقارناً للرب أزلاً وأبداً وإن اللفظ على هذا المعنى لا يعرف في لغة أحد من الأمم ولو جعلوا هذا اصطلاحاً لهم لم ننازعهم فيه لكن قصدوا بذلك التلبيس على الناس وأن يقولوا نحن نقول بحدوث العالم وأن لا خالق له ولا فاعل له ولا صانع ونحو ذلك من المعاني التي يعلم بالاضطرار أنها تقتضي تأخير المفعول لا يطلق على ما كان قديماً بقدم الرب مقارناً له أزلاً وأبداً وكذلك فعل من فعل بلفظ المتكلم وغير ذلك من الأسماء ولو فعل هذا بكلام سيبويه وبقراط لفسد ما ذكروه من النحو والطب ولو فعل هذا بكلام آحاد العلماء كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة لفسد العلم بذلك ولكان ملبوساً عليهم فكيف إذا فعل هذا بكلام رب العالمين وهذه طريقة الملاحدة الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته ومن شاركهم في بعض ذلك مثل قول من يقول الواحد الذي لا ينقسم ومعنى قوله‏:‏ لا ينقسم أي لا يتميز منه شيء عن شيء ويقول لا تقوم به صفة‏.‏

ثم زعموا أن الأحد والواحد في القرآن يراد به هذا‏.‏

ومعلوم أن كل ما في القرآن من اسم الواحد والأحد كقوله تعالى ‏)‏وإن كانت واحدة فلها النصف‏(‏ وقوله ‏)‏قالت إحداهما يا أبت استأجره‏(‏ وقوله ‏)‏ولم يكن له كفواً أحد‏(‏ وقوله ‏)‏وإن أحد من المشركين استجارك‏(‏ وقوله ‏)‏ذرني ومن خلقت وحيداً‏(‏ وأمثال ذلك يناقض ما ذكروه فإن هذا الأسماء أطلقت على قائم بنفسه مشار إليه يتميز منه شيء عن شيء وهذا الذي يسمونه في اصطلاحهم جسماً‏.‏

وكذلك إذا قالوا الموصوفات تتماثل والأجسام تتماثل والجواهر تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى ‏)‏ليس كمثله شيء‏(‏ على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراء على القرآن فإن هذا ليس هو المثل في لغة العرب ولا لغة القرآن ولا غيرهما‏.‏

قال تعالى ‏)‏وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم‏(‏ فنفى مماثلة هؤلاء مع اتفاقهم في الإنسانية فكيف يقال أن لغة العرب توجب أن كل ما يشار إليه مثل كل ما يشار إليه وقال تعالى ‏)‏ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد‏(‏ فأخبر أنه لم يخلق مثلها في البلاد وكلاهما بلد فكيف يقال أن كل جسم فهو مثل لك حسم في لغة العرب حتى يحمل على ذلك قوله ‏)‏ليس كمثله شيء‏(‏‏.‏

وقد قال الشاعر‏:‏ # ليس كمثل الفتى زهيروقال‏:‏ # ما إن كمثلهم في الناس من بشرولم يقصد هذا أن ينفي وجود جسم من الأجسام وكذلك لفظ التشابه ليس هو التماثل في اللغة قال تعالى ‏)‏وأتوا به متشابها‏(‏ وقال تعالى ‏)‏متشابهاً وغير متشابه‏(‏ ولم يرد به شيئاً هو مماثل في اللغة وليس المراد هنا كون الجواهر متماثلة في العقل وليست متماثلة‏.‏

فإن هذا مبسوط في موضعه بل المراد أن أهل اللغة التي بها نزل القرآن لا يجعلون مجرد هذا موجباً لإطلاق اسم المثل ولا يجعلون نفي المثل نفياً لهذا فحمل القرآن على ذلك كذب على القرآن‏.‏

  فصل وقول القائل ‏"‏ المناسبة ‏"‏ لفظ مجمل فإنه قد يراد بها التولد والقرابة

وقول القائل ‏"‏ المناسبة ‏"‏ لفظ مجمل فإنه قد يراد بها التولد والقرابة فيقال‏:‏ هذا نسيب فلان ويناسبه‏.‏

إذا كان بينهم قرابة مستندة إلى الولادة والآدمية والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك ويراد بها المماثلة فيقال‏:‏ هذا يناسب هذا أي ماثلة‏.‏

والله سبحانه وتعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد‏.‏

ويراد بها الموافقة في معنى من المعاني وضدها المخالفة‏.‏

والمناسبة بهذا الاعتبار ثابتة فإن أولياء الله تعالى يوافقونه فيما يأمر به فيفعلونه وفيما يحبه فيحبونه وفيما نهى عن فيتركونه وفيما يعطيه فيصيبونه‏.‏

والله وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال عليم يحب العلم نظيف يحب النظافة محسن يحب المحسنين مقسط يحب المقسطين إلى غير ذلك من المعاني‏.‏

بل هو سبحانه يفرح بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد لراحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا براحلته كما ثبت ذلك في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أريد بالمناسبة هذا وأمثاله فهذه المناسبة حق وهي من صفات الكمال كما تقدم الإشارة إليه‏.‏

فإن من يحب صفات الكمال أكمل ممن لا فرق عنده بين صفات النقص والكمال أولا يحب صفات الكمال‏.‏

وإذا قدر موجودان أحدهما يحب العلم والصدق والعدل والإحسان ونحو ذلك والآخر لا فرق عنده بين هذه الأمور وبين الجهل والكذب والظلم ونحو ذلك لا يحب هذا ولا يبغض هذا كان الذي يحب تلك الأمور أكمل من هذا‏.‏

فدل على أن من جرد عن صفات الكمال والوجود بأن لا يكون له علم كالجماد فالذي يعلم أكمل منه والعالم الذي يحب المحمود ويبغض المذموم أكمل ممن لا يحبهما وأما أن يحبهما ومعلوم أن الذي يحب المحمود ويبغض المذموم أكمل ممن يحبهما أو يبغضهما‏.‏

وأصل هذه المسئلة هي الفرق بين محبة الله ورضاه وغضبه وسخطه وبين إرادته كما هو مذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم وصار طائفة من القدرية والمثبتين للقدر إلى أنه لا فرق بينهما‏.‏

ثم قالت القدرية‏:‏ هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشاء ويشاء ما لم يكن‏.‏

وقالت المثبتة‏.‏

ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده ديناً أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن فهو لذلك يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يحبه ديناً ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن‏.‏

وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‏.‏

وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجمعون على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وإن الكفار يبيتون ما لا يرضى من القول والذين نفوا محبته بنوها على هذا الأصل الفاسد‏.‏

  فصل وأما قول القائل‏:‏ الرحمة ضعف وخور في الطبيعة

وأما قول القائل‏:‏ الرحمة ضعف وخور في الطبيعة وتألم على المرحوم فهذا باطل‏.‏

أما أولاً‏:‏ فلأن الضعف والخوف مذموم من الآدميين والرحمة ممدوحة وقد قال تعالى ‏)‏وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة‏(‏ وقد نهى الله عباده عن الوهن والحزن فقال تعالى ‏)‏ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين‏(‏ وندبهم إلى الرحمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ‏"‏ لا تنزع الرحمة إلا من شقي ‏"‏ وقال ‏"‏ من لا يرحم لا يرحم ‏"‏ وقال ‏"‏ الراحمون يرحمهم الرحمن‏.‏

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ‏"‏ ومحال أن يقول لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي ولكن لما كانت الرحمة تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور كما في رحمة النساء ونحو ذلك ظن الغالط أنها كذلك مطلقاً‏.‏

وأيضاً فلو قدر أنها في حق المخلوقين مستلزمة لذلك لم يجب أن تكون في حق الله تعالى مستلزمة لذلك كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام فينا يستلزم من النقص والحاجة ما يجب تنزيه الله عنه‏.‏

وكذلك الوجود والقيام بالنفس فينا يستلزم احتياجاً إلى خالق يجعلنا موجودين والله منزه في وجوده عما يحتاج إليه وجودنا فنحن وصفاتنا وأفعالنا مقرونون بالحاجة إلى الغير والحاجة لنا أمر ذاتي لا يمكن أن نخلو عنه وهو سبحانه الغني له أمر ذاتي لا يمكن أن يخلوا عنه فهو بنفسه حي قيوم واجب الوجود ونحن بأنفسنا محتاجون فقراء فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغيرة ذلك هو مقرون بالحاجة والحدوث والإمكان لم يحب أن يكون لله ذات ولا صفات ولا أفعال ولا يقدر ولا يعلم لكون ذلك ملازماً للحاجة فينا‏.‏

فكذلك الرحمة وغيرها إذا قدر أنها في حقنا ملازمة للحاجة والضعف لم يجب أن تكون في حق الله ملازمة لذلك‏.‏

وأيضاً فنحن نعلم بالاضطرار أنا إذا فرضنا موجودين أحدهما يرحم غيره فيجلب له المنفعة ويدفع عنه المضرة والآخر قد فصل وأما قول القائل‏:‏ الغضب غليان دم القلب بطلب الانتقام‏:‏ فليس بصحيح في حقنا بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده فلا يكون هناك انتقام أصلاً‏.‏

وأيضاً فغليان دم القلب يقارنه الغضب ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب كما أن الحياء يقارن حمرة الوجه والوجل يقارن صفرة الوجه لا أنه هو وهذا لأن النفس إذا قام بها دفع المؤذي فإن استشعرت القدرة فاض الدم إلى خارج فكان منه الغضب وإن استشعرت العجز عاد الدم إلى داخل فاصفر الوجه كما يصيب الحزين‏.‏

وأيضاً فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا فليس هو مماثل لنا لا لذاتنا ولا لأرواحنا وصفاته كذاته‏.‏

ونحن نعلم بالاضطرار أنا إذا قدرنا موجودين أحدهما عنده قوة يدفع بها الفساد والآخر لا فرق عنده بين الصلاح والفساد كان الذي عنده تلك القوة أكمل‏.‏

ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش كالديوث ويذم من لا حمة له يدفع بها الظلم عن المظلومين ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش وحمية يدفع بها الظلم‏.‏

ويعلم أن هذا أكمل من ذلك‏.‏

ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الرب بالأكملية في ذلك فقال في الحديث الصحيح ‏"‏ لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‏"‏ وقال ‏"‏ أتعجبون من غيرة سعد أنا أغير منه والله أغير مني ‏"‏‏.‏

وقول القائل‏:‏ إن هذه انفعالات نفسانية‏.‏

فيقال‏:‏ كل ما سوى الله مخلوق منفعل ونحن وذواتنا منفعلة فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها لا يوجب أن يكون الله منفعلاً لها عاجزاً عن دفعها وكان كل ما يجري في الوجود فإنه بمشيئته وقدرته لا يكون إلا ما يشاء ولا يشاء إلا ما يكون له الملك وله الحمد‏.‏

  فصل وقول القائل‏:‏ إن الضحك خفة روح

وقول القائل‏:‏ إن الضحك خفة روح - ليس بصحيح وإن كان ذلك قد يقارنه ثم قول القائل ‏"‏ خفة الروح ‏"‏ إن أراد به وصفاً مذموماً فهذا يكون لا ينبغي أن يضحك منه وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه والآخر لا يضحك قط كان الأول أكمل من الثاني ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ينظر إليكم البري قنطين فيظل يضحك يعلم فرجكم قريب ‏"‏ فقال له أبو رزين العقيلي يا رسول الله ‏"‏ أويضحك الرب قال ‏"‏ نعم ‏"‏ قال لن نعدم من رب يضحك خيراً‏.‏

فجعل الأعراب العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلاً على إحسانه وإنعامه فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك وقد قيل في اليوم الشديد العذاب أنه ‏)‏يوماً عبوساً قمطريراً‏(‏‏.‏

وقد روي أن الملائكة قالت لآدم‏:‏ حياك الله وبياك أي أضحكك‏.‏

والإنسان حيوان ناطق ضاحك وما يميز الإنسان عن البهيمة صفة كمال فكما أن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك وإذا كان الضحك فينا مستلزماً لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك وذلك الأكثر مختص لا عام فليس حقيقة الضحك مطلقاً مقرونة بالنقص كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص ووجودنا مقروناً بالنقص ولا يلزم أن يكون الرب موجداً وأن لا تكون له ذات‏.‏

ومن هنا ضلة القرامطة الغلاة كصاحب الإقليد وأمثاله فأرادوا أن ينفوا عنه كل ما يعلمه القلب وينطق به اللسان من نفي وإثبات فقالوا‏:‏ لا تقول موجود ولا لا موجود ولا موصوف ولا لا موصوف لما في ذلك - على زعمهم - من التشبيه وهذا يستلزم أن يكون ممتنعاً وهو مقتضى التشبيه بالممتنع على الله أن يشارك المخلوقات في شيء من خصائصها وأن يكون مماثلاً لها في شيء من صفاته كالحياة والعلم والقدرة فإن وإن وصف بها فلا تماثل صفة الخالق صفة المخلوق كالحدوث والموت والفناء والإمكان‏.‏

وأما قوله‏:‏ التعجب استعظام للمتعجب منه - فيقال‏:‏ نعم وقد يكون مقروناً بجهل بسبب التعجب وقد يكون لما خرج عن نظائره والله تعالى بكل شيء عليم فلا يجوز عليه أن يعلم سبب ما تعجب منه بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيماً له‏.‏

والله تعالى يعظم ما هو عظيم أما العظمة سببه أو لعظمته‏.‏

فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم‏.‏

ووصف بعض الشر بأنه عظيم فقال تعالى ‏)‏رب العرش العظيم‏(‏ وقال ‏)‏ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم‏(‏ وقال ‏)‏ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً‏(‏ وقال ‏)‏ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم‏(‏ وقال ‏)‏إن الشرك لظلم عظيم‏(‏ ولهذا قال تعالى ‏)‏بل عجبت ويسخرون‏(‏ على قراءة الضم فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما ‏"‏ لقد عجب الله ‏"‏ وفي لفظ في الصحيح ‏"‏ لقد ضحك الله الليلة من صنعكما البارحة ‏"‏ وقال ‏"‏ إن الرب ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا ‏"‏ وقال ‏"‏ عجب ربك من شاب ليست له صبوة ‏"‏ وقال ‏"‏ عجب ربك من راعي غنم على رأس شظية يؤذن ويقيم فيقول الله انظروا إلى عبدي ‏"‏ أو كمال قال ونحو ذلك‏.‏

وأما قول القائل‏:‏ لو كان في ملكه ما لا يريده لكان نقصاً‏.‏

وقول الآخر لو قدر وعذب لكان ظلماً والظلم نقص - فيقال‏:‏ أما المقالة الأولى فظاهره فإنه إذا قدر أنه يكون في ملكه ما لا يريده وما لا يقدر عليه وما لا يخلقه ولا يحدثه لكان نقصاً من وجوه‏:‏ ‏)‏أحدها‏(‏ أن انفراد شيء من الأشياء عنه بالأحداث نقص لو قدر أنه في غير ملكه فكيف في ملكه فإنا نعلم أنا إذا فرضنا اثنين أحدهما يحتاج إليه كل شيء ولا يحتاج إلى شيء والآخر يحتاج إليه بعض الأشياء ويستغنى عنه بعضها كان الأول أكمل فنفس خروج شيء عن قدرته وخلقه نقص وهذه دلائل الوحدانية فإن الاشتراك نقص بكل من المشتركين وليس الكمال المطلق إلا في الوحدانية فإنا نعلم أن من قدر بنفسه كان أكمل ممن يحتاج إلى معين ومن فعل الجميع بنفسه فهو أكمل ممن له مشارك ومعاون على فعل البعض ومن افتقر إليه كل شيء فهو أكمل ممن استغنى عنه بعض الأشياء‏.‏

ومنها أن يقال‏:‏ كونه خالقاً لكل شيء وقادراً على كل شيء أكمل من كونه خالقاً للبعض وقادراً على البعض‏.‏

والقدرية لا يجعلونه خالقاً لكل شيء ولا قادراً على كل شيء‏.‏

والمتفلسفة القائلون بأنه من علة غائبة شر منهم فإنهم لا يجعلونه خالقاً لشيء من حوادث العالم لا لحركات الأفلاك ولا غيرها من المتحركات ولا خالقاً لما يحدث بسبب ذلك ولا قادراً على شيء من ذلك ولا عالماً بتفاصيل ذلك والله سبحانه وتعالى يقول ‏)‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ‏(‏ وهؤلاء ينظرون في العالم ولا يعلمون أن الله على كل شيء قدير ولا أن الله قد أحاط بكل شيء علماً‏.‏

‏)‏ومنها‏(‏ أنا إذا قدرنا مالكين أحدهما يريد شيئاً فلا يكون ويكون ما لا يريد والآخر لا يريد شيئاً إلا كان ولا يكون إلا ما يريد علمنا بالضرورة أن هذا أكمل‏.‏

وفي الجملة قول المثبتة للقدرة يتضمن أنه خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان فيقتضي كمال خلقه وقدرته ومشيئته ونفاة القدرة يسلبونه هذه الكلمات‏.‏

وأما قوله أن التعذيب على القدر ظلم منه - فهذه دعوى مجردة ليس معهم فيها إلا قياس الرب على أنفسهم ولا يقول عاقل أن كل ما كان نقصاً من أي موجود كان لزم أن يكون نقصاً من الله بل ولا ينتج هذا من الإنسان مطلقاً بل إذا كان له مصلحة في تعذيب بعض الحيوان وأن يفعل به ما فيه تعذيب له حسن ذلك منه كالذي ينصع القز فإنه هو الذي يسعى في أن دود القز ينسجه ثم يسعى في أن يلقى في الشمس ليحصل له المقصود من القز وهو هنا له سعي في حركة الدود التي كانت سبب تعذيبه‏.‏

وكذلك الذي يسعى في أن يتوالد له ماشية وتبيض له دجاج ثم يذبح ذلك لينتفع به فقد تسبب في وجود ذلك الحيوان تسبباً أفضى إلى عذابه لمصلحة له في ذلك‏.‏

ففي الجملة‏:‏ الإنسان يحسن منه إيلام الحيوان لمصلحة راجحة في ذلك فليس جنس هذا مذموماً ولا قبيحاً ولا ظلماً وإن كان من ذلك ما هو ظلم‏.‏

وحينئذ فالظلم من الله إما أن يقال‏:‏ هو ممتنع لذاته لأن الظلم تصرف المتصرف في غير ملكه والله له كل شيء أو الظلم مخالفة الأمر الذي يجب طاعته والله تعالى يمتنع منه التصرف في ملك غيره أو مخالفة أمر من يجب عليه طاعته‏.‏

فإذا كان الظلم ليس إلا هذا أو هذا امتنع الظلم منه‏.‏

وإما أن يقال‏:‏ هو ممكن لكنه سبحانه لا يفعله لغناه وعلمه بقبحه ولإخباره أنه لا يفعله ولكمال نفسه يمتنع منه وقوع الظلم منه إذ كان العدل والرحمة من لوازم ذاته فيمتنع اتصافه بنقيض صفات الكمال التي هي من لوازمه‏.‏

على هذا القول فالذي يفعله لحكمة اقتضت ذلك كما أن الذي يمتنع منه فعله حكمة تقتضي تنزيهه عنه‏.‏

وعلى هذا فكل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة وهذا يكفينا من حيث الجملة‏.‏

وإن لم نعرف التفصيل وعدم علمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا‏.‏

وأما كنه ذاته فغير معلومة لنا فلا نكذب بما علمناه ما لم نعلمه وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمره وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها‏.‏

ونحن نعلم أن من علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن متصفاً بصفاتهم التي استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته في خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو فاعتراضهم في حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح في الحساب والطب والنحو بغير علم بشيء من ذلك‏.‏

وهذا يتبين بالأصل الذي ذكرناه في الكمال وهو قولنا إن الكمال الذي لا نقص فيه الممكن الوجود يجب اتصافه به وتنزيهه عما يناقضه فيقال خلق بعض الحيوان وفعله الذي يكون سبباً لعذابه هل هو نقص مطلقاً أم يختلف‏.‏

وأيضاً فإذا كان في خلق ذلك حكمة عظيمة لا تحصل إلا بذلك فأيما أكمل تحصيل ذلك بتلك الحكمة العظيمة أو تفويتها وأيضاً فهل يمكن حصول الحكمة المطلوبة بدون حصول هذا فهذه أمور إذا تدبرها الإنسان علم أنه لا يمكنه أن يقول خلق فعل الحيوان الذي يكون بسبب لتعذيبه نقص مطلقاً‏.‏

والمثبتة للقدر قد تجيب بجواب آخر لكن ينازعهم الجمهور فيه فيقولون كونه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد صفة كمال بخلاف الذي يكون مأموراً منهياً الذي يؤمر بشيء وينهى عن شيء‏.‏

ويقولون إنما قبح من غيره أن يفعل ما شاء لما يلحقه من الضرر وهو سبحانه لا يجوز أن يلحقه ضرر‏.‏

والجمهور يقولون إذا قدرنا من يفعل ما يريد بلا حكمة محبوبة تعود إليه ولا رحمة وإحسان يعود إلى غيره كان الذي يفعل لحكمة ورحمة أكمل ممن يفعل لا لحكمة ولا لرحمة‏.‏

ويقولون إذا قدرنا مريداً لا يميز بين مراده ومراد غيره ومريداً يميز بينهما فيريد ما يصلح أن يراد وينبغي أن يراد دون ما هو بالضد كان هذا الثاني أكمل‏.‏

ويقولون‏:‏ المأمور المني الذي فوقه آمر ناه هو ناقص بالنسبة إلى من ليس فوقه آمر ناه لكن إذا كان هو الآمر لنفسه بما ينبغي أن يفعل والمحرم عليها ما لا ينبغي أن يفعل وآخر يفعل يما يريده بدون أمر ونهي من نفسه‏.‏

فهذا الملتزم لأمره ونهيه الواقعين على وجه الحكمة أكمل من ذلك وقد قال تعالى ‏)‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏(‏ وقال ‏"‏ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مجرماً فال تظالموا ‏"‏‏.‏

وقالوا أيضاً‏:‏ إذا قيل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد على وجه بيان قدرته وأنه لا مانع له ولا يقدر غيره أن يمنعه مراده ولا أن يجعله مريداً كان هذا أكمل ممن له مانع يمنعه مراده ومعين لا يكون مريداً أو فاعلاً لما يريد إلا به‏.‏

وأما إذا قيل‏:‏ يفعل ما يريد باعتبار أنه لا يفعل على وجه مقتضى العلم والحكمة بل هو متوسل فيما يفعله وآخر يفعل ما يريد لكن إرادته مقرونة بالعلم والحكمة كان هذا الثاني أكمل‏.‏

وجماع الأمر في ذلك‏:‏ أن كمال القدرة صفة كمال وكون الإرادة نافذة لا تحتاج إلى معاون ولا يعارضها مانع وصف كمال‏.‏

وأما كون الإرادة لا تميز بين مراد ومراد بل جميع الأجناس عندها سواء فهذا ليس يوصف كمال بل الإرادة المميزة بين مراد ومراد كما يقتضيه العلم والحكمة هي الموصوفة بالكمال فمن نقصه في قدرته وخلقه ومشيئته فلم يقدره قدره‏.‏

ومن نقصه من حكمته ورحمته فلم يقدره حق قدره‏.‏

والكمال الذي يستحقه إثبات هذا وهذا‏.‏