فصل: باب الشروط في النكاح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام



.باب المحرمات من النكاح:

المحرمات من النكاح قسمان:
1- قسم يحرم إلى الأبد.
2- وقسم يحرم إلى أمد.
فالأول: سبع من النسب هن:
1- الأمهات وإن علون.
2- والبنات وإن نزلن.
3- والأخوات من أبوين، أو أب، أو أم.
4- وبناتهن.
5- وبنات الإخوة.
6- والعمات.
7- والخالات.
ودليل تحريم هؤلاء قوله تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم... إلخ}.
ويحرم ما يماثلهن من الرضاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
ويحرم أربع بالمصاهرة وهن:
1- أمهات الزوجات وإن علون.
2- وبناتهن وإن نزلن إن كان قد دخل بهن.
3- وزوجات الآباء والأجداد وإن عَلَوا.
4- وزوجات الأبناء وإن نزلوا.
ويحرم ما يماثلهن من الرضاع، ودليل هذا قوله تعالى: {وَأمهَاتُ نِسَائِكُم....} الخ.
أما المحرمات إلى أمد، فهن أخت الزوجة، وعمتها وخالتها،والخامسة للحر الذي عنده أربع زوجات، والزانية حتى تتوب، ومطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجاً غيره، والمُحْرمة بنسك حتى تحل، والمعتدة من غيره. حتى تنقضي عدتها.
وماعدا هؤلاء فهو حلال، كما قال تعالى- حين عدد المحرمات- {وأحِل لَكُم ما وراء ذلِكُم}.
وفي هذين الحديثين الآتيين في هذا الباب، الإشارة إلى بعض ما تقدم.
الحديث الأول:
عَنْ أم حَبِيبَةَ بنْتِ أبي سُفْيَانَ رَضي الله عَنْهُمَا أنَهَا قَالَتْ: يا رسول الله، أنكح أختي ابنةَ أبي سُفيَانَ، فقال: «أوَ تُحِبينَ ذلِكَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأحَبُ مَنْ شَارَكَنِي في خَيْر، أختي.
فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ذلِكَ لاَ يَحِلُّ لي».
قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: «بنت أم سلمة»؟ قلت: نعم، فقال: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن».
قال عروة: وثوبية مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله بشر حيبة، فقال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم خيرا، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثوبية.
الحيبة، بكسر الحاء: الحالة.
الغريب:
بمخلية: بضم الميم، وسكون الخاء المعجمة، وكسر اللام. اسم فاعل من أخلى يخلى أي لست بمنفردة بك، ولا خالية من ضرة.
نحدث: بضم النون وفتح الخاء، بالبناء للمجهول.
بنت أم سلمة: استفهام قصد به التثبت لرفع الاحتمال في إرادة غيرها.
ربيبتي في حجري: الربيبة مشتقة من الرب وهو الإصلاح، لأنه يقوم بأمرها.
والحجر بفتح الحاء وكسرها، وليس له مفهوم، بل لمجرد مراعاة- لفظ الآية.
ثويبة: بالمثلثة المضمومة، ثم واو مفتوحة، ثم ياء التصغير، ثم باء موحدة ثم هاء.
بشر حيبة: بكسر الحاء المهملة، وسكون الياء التحتية، ثم باء موحدة. أي بسوء حال. ووقع مضبوطاً في بعض نسخ البخاري بالخاء المعجمة.
المعنى الإجمالي:
أم حبيبة بنت أبي سفيان هي إحدى أمهات المؤمنات رضي الله عنهن وكانت حظية وسعيدة بزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم-وحق لها ذلك- فالتمست من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج أختها.
فعجب صلى الله عليه وسلم، كيف سمحت أن ينكح ضرة لها، لما عند النساء من الغيرة الشديدة في ذلك، ولذا قال-مستفهما متعجبا-: أو تحبين ذلك؟ فقالت: نعم أحب ذلك.
ثم شرحت له السبب الذي من أجله طابت نفسها بزواجه من أختها، وهو أنه لابد لها من مشارك فيه من النساء، ولن تنفرد به وحدها، فإذا فليكن المشارك لها في هذا الخير العظيم هو أختها.
وكأنها غير عالمة بتحريم الجمع بين الأختين، ولذا فإنه أخبرها صلى الله عليه وسلم أن أختها لا تحل له.
فأخبرته أنها حدثت أنه سيتزوج بنت أبي سلمة.
فاستفهم منها متثبتاً: تريدين بنت أم سلمة؟ قالت: نعم.
فقال: مبينا كذب هذه الشائعة:- إن بنت أم سلمة لا تحل لي لسببين.
أحدهما: أنها ربيبتي التي قمت على مصالحها في حجري، فهي بنت زوجتي.
والثاني: أنها بنت أخي من الرضاعة، فقد أرضعتني، وأباها أبا سلمة، ثويبة-وهي مولاة لأبي لهب- فأنا عمها أيضاً، فلا تعرضْنَ علي بناتِكن وأخواتكن، فأنا أدرى وأولى منكن بتدبير شأني في مثل هذا.
ما يؤخذ من الحديث:
1- تحريم نكاح أخت الزوجة، وأنه لا يصح.
2- تحريم نكاح الربيبة، وهى بنت زوجته التي دخل بها. والمراد بالدخول- هنا- الوطء، فلا يكفي مجرد الخلوة.
3- ليس (الحجر)-هنا- مرادا، وإنما ذكر لقصد التبشيع والتنفير.
4- تحريم بنت الأخ من الرضاعة، لأنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
5- أنه ينبغي للمفتي- إذا سئل عن مسألة يختلف حكمها باختلاف أوجهها- أن يستفصل عن ذلك.
6- أنه ينبغي توجيه السائل ببيان ما ينبغي له أن يعرض عنه وما يقبل عليه، لاسيما إذا كان ممن تجب تربيته وتعليمه، كالولد والزوجة.
7- الظاهر أن أم حبيبة فهمت إباحة أخت الزوجة للرسول صلى الله عليه وسلم من باب الخصوصية له. ذلك أنه لا قياس بين أخت الزوجة والربيبة، وإنما- لما سمعت أنه سيتزوج بربيبته وهي محرمة عليه بنص الآية التي حرم فيها الجمع بين الأختين- ظننت الخصوصية من هذا العموم.
الحديث الثاني:
عَنْ أبي هريرة رَضي اللَه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُجْمَعُ بين المرأة وعمتها، ولا بَيْنَ المرأة وَخَالتِهَا».
المعنى الإجمالي:
جاءت هذه الشريعة المطهرة بكل ما فيه الخير والصلاح وحاربت كل فيه الضرر والفساد ومن ذلك أنها حثت على الألفة والمحبة والمودة، ونهت عن التباعد، والتقاطع، والبغضاء.
فلما أباح الشارع تعدد الزوجات لما قد يدعو إليه من المصالح، وكان- غالبا- جمع الزوجات عند رجل، يورث بينهن العداوة والبغضاء، لما يحصل من الغيرَةِ، نهى أن يكون التعدد بين القريبات، خشية أن تكون القطيعة بين الأقارب.
فنهى أن تنكح الأخت على الأخت، وأن تنكح العمة على بنت الأخ وابنة الأخت على الخالة وغيرهن، مما لو قدر إحداهما ذكرا والأخرى أنثى، حرم عليه نكاحها في النسب. فإنه لا يجوز الجمع والحال هذه.
وهذا الحديث يخصص عموم قوله تعالى: {وأحِلَّ لكم ما وَرَاءَ ذلِكم} وأدمجنا أحكامه، فلا حاجة إلى تفصيلها، لوضوحها من المعنى الإجمالي.
فائدة:
الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، قال ابن المنذر. لست أعلم في ذلك خلافا اليوم، واتفق أهل العلم على القول به، ونقل ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي الإجماع. قال ابن دقيق العيد. وهو مما أخذ من السنة، وإن كان إطلاق الكتاب يقتضي الإباحة لقوله تعالى. {وأحل لكم ما وراء ذلكم} إلا أن الأئمة من علماء الأمصار خصصوا ذلك العموم بهذا الحديث، وهو دليل على جواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
قال الصنعاني: ليس المراد بالواحد الفرد، بل ماعدا المتواتر، فالحافظ ابن حجر ذكر أن هذا الحديث رواه من الصحابة ثلاثة عشر نفراً، وعدهم، ففيه رد على من زعم أنه لم يروه إلا أبو هريرة.
فائدة ثانية:
نكاح الكتابية جائز بآية المائدة، وهو مذهب جماهير السلف والخلف من الأئمة الأربعة وغيرهم. فإن قيل:فقد وصفهم (أي أهل الكتاب) بالشرك بقوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...} قيل: إن أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك، وحيث وصفوا بأنهم أشركوا فلأجل ما ابتدعوا من الشرك. فأصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك. اهـ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

.باب الشروط في النكاح:

الشروط في النكاح قسمان:
1- صحيح وهو: مالا يخالف مقتضى العقد، وأن يكون للمشترط من الزوجين غرض صحيح، ويأتي شيء من أمثلته.
2- وباطل وهو: ما كان مخالفا لمقتضي العقد.
والميزان في هذه الشروط ونحوها، قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالا أو أحل حراماً» ولا فرق بين أن يقع اشتراطها قبل العقد أو معه.
الحديث الأول:
عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِر قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن تُوفُوا بِهِ مَا استحللتم بِهِ الفرُوج».
المعنى الإجمالي:
لكل واحد من الزوجين مقاصد وأغراض في إقدامه على عقد النكاح.
فيشترط على صاحبه شروطاً ليتمسك بها ويطلب تنفيذها، عدا ما هناك من شروط هي من مقتضيات عقد النكاح.
لأن شروط النكاح عظيمة الحرمة، قوية اللزوم-لكونها استحق بها استحلال الاستمتاع بالفروج- فقد حث الشارع الحكيم العادل على الوفاء بها، فقال: إن أحق شرط يجب الوفاء به وأولاه، هو ما اسْتحِل به الفرج- وبُذِلَ من أجله البضع.
ما يؤخذ من الحديث:
1- وجوب الوفاء بالشروط التي التزم بها أحد الزوجين لصاحبه، وذلك كاشتراط زيادة في المهر أو السكنى بمكان معين من جانب المرأة، وكاشتراط البكارة والنسب، من جانب الزوج.
2- أن وجوب الوفاء، شامل للشروط التي هي من مقتضى العقد، والتي من مصلحة أحد الزوجين.
3- يقيد عموم هذا الحديث بوجوب الوفاء بالشروط، بمثل حديث: «لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها».
4- أن الوفاء بشروط النكاح آكد من الوفاء بغيرها، لأن عوضها استحلال الفروج.
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحيح الذي عليه أكثر نصوص أحمد وعليه أكثر السلف أن ما يوجب العقد لكل واحد من الزوجين على الآخر كالنفقة والاستمتاع والمبيت للمرأة وكالاستمتاع للزوج ليس بمقدر، بل المرجع في ذلك إلى العرف، كما دل عليه الكتاب في مثل قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} والسنة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» وإذا تنازع الزوجان فرضه الحاكم باجتهاده.
الحديث الثاني:
عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُمَا: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ نِكاحِ الشغَارِ.
وَالشغَارُ: أنْ يُزَوجَ الرَّجُلُ ابنتَهُ عَلى أنْ يُزَوجَهُ الآخر ابنتهُ وَلَيس بيَنَهُمَا صَدَاقٌ.
الغريب:
الشغار: بكسر الشين المعجمة والغين المعجمة، أصله-في اللغة- الرفع، فأخذ منه صورة هذا النكاح لرفع كل واحد من الولييِن عن موليته لصاحبه بلا صداق ولا نفع يعود عليها.
المعنى الإجمالي:
الأصل في عقد النكاح أنه لا يتم إلا بصداق للمرأة، يقابل ما تبذله من بضعها.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا النكاح الجاهلي، الذي يظلم به الأولياء مولياتهم، إذ يزوجونهن بلا صداق يعود نفعه عليهن، وإنما يبذلونهن بما يرضي رغباتهم وشهواتهم، فيقدمونهن إلى الأزواج، على أن يزوجوهم مولياتهم بلا صداق.
فهذا ظلم وتصرف في أبضاعهن بغير ما أنزل الله. وما كان كذلك فهو محرم باطل.
ما يؤخذ من الحديث:
1- النهى عن نكاح الشغار، والنهى يقتضي الفساد، فهو غير صحيح.
2- أن العلة في تحريمه وفساده، هو خلوه من الصداق المسمى، ومن صداق المثل، وأشار إليه بقوله: (وليس بينهما صداق).
3- وجوب النصح للمولية. فلا يجوز تزويجها بغر كفء، لغرض الوَلي ومقصده.
4- بما أنهم جعلوا العلة في إبطال هذا النكاح، هي خُلُوُّهُ من الصداق، فإنه يجوز أن يزوجه موليته على أن يزوجه الآخر موليته بصداق غير قليل مع الكفاءة بين الزوجين والرضا منهما.
5- قوله: والشغار: أن يزوج الرجل.. إلخ قال ابن حجر: اختلفت الروايات عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار، فالأكثر لم ينسبوه لأحد، وبهذا قال الشافعي، فقد قال: لا أدرى التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك وجعله بعضهم من تفسير نافع وليس خاصا بالابنة، بل كل مولية. وقال القرطبي: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكر أهل اللغة، فإن كان مرفوعا فهو المقصود. وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأفقه بالحال.
6- أجمع العلماء على تحريم هذا النكاح، واختلفوا في بطلانه. فعند أبي حنيفة أن النكاح يصح ويفرض لها مهر مثلها.
وعند الشافعي وأحمد. أن النكاح غير صحيح، لأن النهيَ يقتضي الفساد.
وحكى في الجامع رواية عن الإمام أحمد بطلانه ولو مع صداق، اختارها (الخِرَقي) لعموم ما روى الشيخان عن ابن عمر. «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار» ومثله في مسلم عن أبي هريرة.
ولأن أبا داود جعل التفسير وهو قوله وليس بينهما صداق قط من كلام نافع.
واختار هذا القول العلامة الأثري (الشيخ عبد العزيز بن باز) حفظه الله في رسالة له في الأنكحة الباطلة. والله أعلم.
الحديث الثالث:
عَنْ عَلى بْنِ أبي طالب رَضيَ الله عَنْهُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية.
المعنى الإجمالي:
سَن الشارع النكاح لقصد الاجتماع والدوام، والألفة، وبناء الأسرة، وتكوينها.
ولذا كان أبغض الحلال إلى الله الطلاق، لكونه هدما لهذا البناء الشريف.
وكل قصد أو شرط يخالف هذه الحكمة من النكاح، فهو باطل.
ومن هنا حرم نكاح (المتعة)، وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل، بعد أن كان مباحا في أول الإسلام لداعي الضرورة.
ولكن ما في هذا النكاح من المفاسد، من اختلاط في الأنساب؛ واستئجار للفروج، ومجافاة للذوق السليم والطبيعة المستقيمة، هذه المفاسد ربَتْ على ما فيه من لذة قضاء الشهوة.
ما يؤخذ من الحديث:
1- تحريم نكاح المتعة وبطلانه، وعليه أجمع العلماء. قال ابن دقيق العيد: وفقهاء الأمصار كلهم على المنع، وأكثر الفقهاء على الاقتصار في التحريم على العقد المؤقت.
2- كان مباحا في أول الإسلام للضرورة فقط، ثم جاء التأكيد والتأبيد لتحريمه ولو عند الضرورة.
3- نهى الشارع الحكيم عنه، لما يترتب عليه من المفاسد، منها:اختلاط الأنساب، واستباحة الفروج بغير نكاح صحيح.
4- النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية فهي رجس، بخلاف الحمر الوحشية، فهي حلال بالإجماع.
فائدة:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن رجل يسير في البلاد، ويخاف أن يقع في المعصية، فهل له أن يتزوج في مدة إقامته في تلك البلدة فإذا سافر طلق من تزوجها؟
فأجاب بأن له أن يتزوج، ولكن على أن ينكح نكاحا مطلقا، يمكنه من إمساكها أو تطليقها إن شاء، وإن نوى طلاقها حتما عند انقضاء سفره كره في مثل ذلك، وفي صحة النكاح نزاع.
ثم ببن رحمه الله رأيه في نكاح المنعة، فقال: إن قصد أن يستمتع بها إلى مدة ثم يفارقها، مثل المسافر إلى بلد يقيم به مدة فيتزوج وفي نيته إذا عاد إلى وطنه أن يطلقها، ولكن النكاح عقده عقداً مطلقا فهذا فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد.
1- قيل: هو نكاح جائز، وهو اختيار الموفق وقول الجمهور.
2- وقيل: إنه نكاح تحليل لا يجوز، وروى عن الأوزاعي ونصر القاضي وأصحابه.
3- وقيل مكروه وليس بمحرم.
والصحيح أن هذا ليس بنكاح متعة ولا يحرم، وذلك أنه قاصد للنكاح وراغب فيه، بخلاف المحلل، لكن لا يريد دوام المرأة معه وهذا ليس بشرط، فإن دوام المرأة معه ليس بواجب، بل له أن يطلقها، فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة فقد قصد أمرا جائزا بخلاف نكاح المتعة، فإنه مثل الإجارة تنقضي فيه بانقضاء المدة، ولا ملك له عليها بعد انقضاء الأجل، وأما هذا فملكه ثابت مطلق، وقد تتغير بنية فيمسكها دائما، وذلك جائز له، كما لو تزوج بنية إمساكها دائماً، ثم بدا له طلاقها جاز ذلك.
اختلاف العلماء:
أجمع العلماء على تحريم هذا النكاح وبطلانه.
واختلفوا في الوقت الذي حرم فيه، تبعا للآثار التي وردت في تحريمه.
فبعضهم يرى أن التحريم كان يوم (خيبر) مستدلا بحديث الباب، ثم أنها أبيحت، ثم حرمت يوم فتح مكة.
وبعضهم يرى أنها لم تحرم إلا يوم الفتح، وقبله كانت مباحة، ويقولون: إن علياً رضي الله عنه لم يرد في هذا الحديث أن تحريم المتعة وقع مع تحريم لحوم الحمر الأهلية يوم (خيبر) وإنما قرنهما جميعا ردا على ابن عباس الذي يجيز المتعة للضرورة ويبيح لحوم الحمر الأهلية. وهذا القول أولى.
قال النووي: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر، ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح، وهو عام أوطاس، ثم حرت تحريما مؤبدا. قال: ولا مانع من تكرير الإباحة.

.باب ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان:

عَنْ أبي هريرة رَضيَ الله عَنْهُ أنَ رَسُولَ الله صلى لله عليه وسلم قَال: «لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتى تستأمر، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتًى تُستأذَن، قالُوا: يا رسول الله، وَكيفَ إذنها؟ قَال: أن تسكت».
الغريب:
الأيم: بفتح الهمزة وتشديد الياء التحتية المثناة، بعدها ميم، أشهر وأكثر ما تستعمل، في المرأة المفارقة من زوجها، وهو متعين هنا، لمقابلتها للبكر.
تستأمر: أصل الاستئمار: طلب الأمر. فالمعنى لا يعقد عليها إلا بعد طلب الأمر منها، وأمرها به.
لا تنكح: برفع الفعل المضارع بعد لا النافية، وإن كان الغرض النهي وهذا أسلوب معروف من أساليب البلاغة العربية.
المعنى الإجمالي:
عقد النكاح عقد خطير، يستبيح به الزوج أشد ما تحافظ عليه المرأة،: هو بضعها.
وتكون بهذا العقد أسيرة عند زوجها، يوجهها حيث يشاء ويريد، لهذا جعل لها الشارع العادل الرحيم الحكيم الأمر، في أن تختار شريك حياتها، وأن تصطفيه بنظرها. فهي التي تريد أن تعاشره، وهى أعلم بميولها ورغبتها.
فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تزوج الثيب حتى يؤخذ أمرها فتأمر.
كما نهى عن تزويج البكر حتى تستأذن في ذلك أيضا فتأذن.
بما أنه يغلب الحياء على البكر، اكتفى منها بما هو أخف من الأمر، وهو الإذن، كما اكتفى بسكوتها، دليلا على رضاها.
ما يؤخذ من الحديث:
1- النهي عن نكاح الثيب قبل استئمارها وطلبها ذلك وقد ورد النهى بصيغة النفي، ليكون أبلغ، فيكون النكاح بدونه باطلا.
2- النهْيُ عن نكاح البكر قبل استئذانها، ومقتضى طلب إذنها، أن نكاحها بدونه باطل أيضا.
3- يفيد طلب إذنها: أن المراد بها البالغة، وإلا لم يكن لاستئذانها فائدة، لو كان المراد الصغيرة. قال ابن دقيق العيد: الاستئذان إنما يكون في حق من له إذن، ولا إذن للصغيرة فلا تكون داخلة تحت الإرادة، ويختص الحديث بالبوالغ، فيكون أقرب إلى التأكد وقال الشافعي في القديم: أستحب ألا تزوج البكر الصغيرة حتى تبلغ وتستأذن.
4- عبر عن البكر بالاستئذان لغلبة الحياء عليها، فلا تكون موافقتها بأمر كالثيب.
5- يكفى في إذنها السكوت لحيائها-غالبا- عن النطق. والأحسن أن يجعل لموافقتها بالسكوت أجلا، تعلم به أنها بعد انتهاء مدته يعتبر سكوتها إذنا منها وموافقة.
6- لا يكفي في استئمار الثيب واستئذان البكر مجرد الإخبار بالزواج، بل لابد من تعريفها بالزوج تعريفا تاما، عن سنه، وجماله، ومكانته، ونسبه، وغناه، وعمله، وضد هذه الأشياء، وغير ذلك مما فيه مصلحة لها.
7- قال شيخ الإسلام: من كان لها ولي من النسب وهو العصبة فهذه يزوجها الولي بإذنها، ولا يفتقر ذلك إلى حاكم باتفاق العلماء. وأما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو المحلة نائب حاكم زوجها، وهو أمير الأعراب ورئيس القرية وإذا كان فيهم إمام مطاع زوجها أيضا بإذنها. والله أعلم.
8- وقال شيخ الإسلام الإشهاد على إذن المرأة ليس شرطا في صحة العقد عند جماهير العلماء، وإنما فيه خلاف شاذ في مذهب أحمد والشافعي، والمشهور من المذهبين كقول الجمهور وأن ذلك لا يشترط والذي ينبغي لشهود النكاح أن يشهدوا على إذن الزوجة قبل العقد لوجوه ثلاثة، ليكون العقد متفقا على صحته، وللأمان من الجحود، وخشية أن يكون الولي كاذبا في دعوى الاستئذان.
اختلاف العلماء:
ليس هناك نزاع بين العلماء، في أن البالغة العاقلة الثيب لا تجبر على النكاح ودليل ذلك واضح.
وليس هناك نزاع أيضا في أن البكر التي دون التسع، ليس لها إذن، فلأبيها تزويجها بلا إذنها ولا رضاها بكفئها. قال شيخ الإسلام فإن أباها يزوجها ولا إذن لها.
ودليلهم زواج عائشة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم وهى ابنة ست. واختلفوا في البالغة.
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن لأبيها إجبارها، وهو مذهب مالك، والشافعي، وإسحاق.
ودليلهم ما رواه داود عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن وإذنها صِماتها». فحيث قسم النساء قسمين، وأثبت لأحدهما الحق، دل على نفيه عن الآخر وهو البكر، فيكون وليها أحق منها.
الرواية الثانية عن الإمام أحمد، ليس له إجبارها وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والأوزاعي، والثوري، وأبي ثور.
واختار هذه الرواية من الأصحاب: أبو بكر، والشيخ تقي الدين ابن تيميه، وابن القيم وصاحب الفائق، وشيخنا (عبد الرحمن آل سعدي) ومال إليه الشيخ عبد الله أبا بطين، مفتى الديار النجدية في زمنه.
ودليل هذا القول، حديث الباب، إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تزويجها بدون إذنها، ولو لم يكن إذنها معتبراً، لما جعله غاية لإنكاحها.
وبما رواه أبو داود، وابن ماجة، عن ابن عباس: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «والبكر تستأذن».
ففي حديث الباب النهيُ، وحديث الجارية فيه الحكم بخيارها، وفى الحديث الثالث، الأمر باستئذانها وهو يقتضي الوجوب.
وهذا القول هو الذي تقتضيه قواعد الشرع الحكيمة العادلة.
فإذا كان أبوها لا يتصرف بالقليل من مالها بدون إذنها، فكيف يكرهها على بَذْل بضعها وَعشرةِ من تكرهه، ولا ترغب في البقاء معه؟.
إن إرغامها على الزواج بمن تكره، هو الحبس المظلم لنفسها، وقلبها، وبدنها وعقلها.
والقول به، ينافي العدل والحكمة.
وما الفرق بينها وبين الثيب، التي عرفوا لها هذا الحق؟.
إن التفريق بينهما، من التفريق بين المتماثلين، الذي يأباه القياس.
وما استدل به للقول الأول من قوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها» مفهوم، وعلى القول بكونه حجة، فدليل المنطوق مقدم عليه.
تتمة:
عقد النكاح، كبير خطير، وضرره ونفعه عائد على الأسرة كلها. لذا أرى العمل بقوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم} وهو أن يبحث من أطرافه، ويتدوال الرأي فيه بين جميع أفراد الأسرة المعتبرين، وأن يستخيروا الله تعالى، ويسألوه التسديد والتوفيق، ويعملوا بما يرون أنه الأحسن والأولى.
ويكون للزوجة الرأي الأخير بعد تعريفها وتفهيمها. وإذا تم على هذا، فهو أحرى أن يؤدم بين الزوجين والأسرتين.