فصل: 74- بابُ (مَا جَاءَ) فِي المْسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنّعْلَيْن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


70- بابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفّيْن

‏(‏باب المسح على الخفين‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال‏:‏ ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته، وقال ابن عبد البر لا أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقال ابن المنذر‏:‏ اختلف العلماء أيهما أفضل المسح على الخفين أو نزعهما وغسل القدمين، قال والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، قال وإحياء ما طعن فيه المخالفون أفضل من تركه انتهى

93- حَدّثَنَا هَنّادٌ حدّثنا وكِيعٌ عَنِ الأْعْمَشِ عنْ إبْراهِيمَ عنْ هَمّامِ بن الْحَارِثِ قال‏:‏ ‏"‏بَالَ جَرِيرُ بنُ عبْدِ الله ثُمّ تَوَضّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفّيْهِ‏.‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَتَفْعلُ هَذَا‏؟‏ قالَ‏:‏ وَمَا يَمْنَعُنِي، وَقَدْ رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ‏.‏ قالَ ‏(‏إبراهيمُ‏)‏‏:‏ وَكَانَ يُعْجِبهُمْ حَديثُ جَرِيرٍ، لأَنّ إسْلاَمَهُ كاَنَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ‏"‏ ‏(‏هَذَا قَوْلُ إِبراهِيمَ، يَعْنِي ‏"‏كَانَ يُعْجِبُهُمْ‏"‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن عُمَرَ، وَعَلِيّ، وَحُذَيْفَةَ، وَالمُغِيرَةِ، وَبِلاِلٍ، وَسَعْدٍ، وَأَبي أَيّوبَ، وَسَلْمَانَ، وَبُرَيدَةَ، وَعَمْرو بن أُمَيّةَ، وَأَنَسٍ، وَسَهْلِ بن سَعدٍ، وَيَعْلَى بن مُرّةَ، وَعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ، وَأُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، وَأَبي أُمَامَةَ، وَجَابِرٍ، وَأُسامَةَ بْنِ زَيدٍ‏:‏ وَابْن عُبَادَةَ، وَيُقَالُ ‏(‏ابنُ عِمَارَةَ‏)‏، و ‏(‏أُبَيّ بنُ عِمَارةَ‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ حَديثُ جَرِيرٍ حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

94- وَيُرْوَى عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَبٍ قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ جَريرَ بنَ عَبْدِ الله تَوَضّأ وَمَسَحَ عَلَى خُفيْهِ‏.‏ فَقُلْتُ لَهُ في ذلِكَ‏؟‏ فقالَ‏:‏ رَأَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم تَوَضأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفّيْهِ‏.‏ فقلتُ لهُ‏:‏ أَقَبْلَ الْمَائدَةِ أَمْ بَعدَ الْمَائِدَةِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ مَا أَسْلمْتُ إلاّ بَعدَ الْمَائِدةِ‏"‏‏.‏

حدثنا بِذلِكَ قُتَيْبةُ حدثَنا خَالِدُ بنُ زيَادٍ التّرمِذِيّ عنْ مُقَاتِلِ بن حَيّانَ عنْ شَهْرِ بن حَوْشَبٍ عنْ جَريرٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَرَوَى بَقِيّةُ عنْ إبْراهِيمَ بن أَدْهَمَ عنْ مُقَاتِلِ بن حيّان عَنْ شَهْرِ بن حَوْشَبٍ عنْ جَريرٍ‏.‏

وهذا حديثٌ مُفَسّرٌ لأِنّ بَعْضَ مَنْ أَنْكَرَ المَسْحَ عَلَى الخُفّيْنِ تَأَوّلَ أَنّ مَسْحَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُفّيْنِ كاَنَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَذَكرَ جَريرٌ في حديِثهِ أَنّهُ رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى الْخُفّيْنِ بَعدَ نُزُول الْمَائِدَةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏عن همام بن الحارث‏)‏ النخعي الكوفي، روى عن عمر وعمار وغيرهما وعنه إبراهيم النخعي وغيره، وثقه ابن معين مات سنة 65 خمس وستين كذا في الخلاصة، قلت هو من حال الكتب الستة ‏(‏بال جرير بن عبد الله‏)‏ البجلي الصحابي الشهير في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي الخلصة فهدمها، وفيه عنه قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم ‏(‏أتفعل هذا‏)‏ أي أتمسح على الخفين ‏(‏قال وما يمنعني‏)‏ أي أي شيء يمنعني عن المسح ‏(‏قال وكان يعجبهم حديث‏)‏ جرير في رواية البخاري قال إبراهيم فكان يعجبهم وفي رواية لمسلم فكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم ‏(‏لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة‏)‏ معناه أن الله تعالى قال في سورة المائدة ‏"‏فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم‏"‏ فلو كان إسلام جرير متقدماً على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخراً علمنا أن حديثه يعمل به وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للاَية قاله النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وعلي وحديفة والمغيرة إلخ‏)‏ قال الحافظ الزيلعي‏:‏ قال ابن عبد البر في كتاب الاستذ كارروى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة، وفي الإمام قال ابن المنذر روينا عن الحسن أنه قال حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ثم ذكر الزيلعي من هذه الأحاديث ما تبسر له فإن شئت الاطلاع عليها إلى تخريجه للهداية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث جرير حسن صحيح‏)‏ أخرجه الأئمة الستة في كتبهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروي عن شهر بن حوشب‏)‏ الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام قاله الحافظ، وقال في الخلاصة وثقة ابن معين وأحمد وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ شهر وإن قال ابن عون تركوه فهو يقة، وقال ابن معين ثبت، وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى، وقد تقدم ترجمته بأبسط من هذا ‏(‏فقلت له‏)‏ أي لجرير ‏(‏في ذلك‏)‏ أي في مسحة على الخفين وأنكرت عليه ‏(‏أقبل المائدة أو بعد المائدة‏)‏ أي رأيت مسحه صلى الله عليه وسلم على خفيه قبل نزول سورة المائدة أم بعده ‏(‏فقال ما أسلمت إلا بعد المائدة‏)‏ يعني إنما رأيت مسحه صلى الله عليه وسلم على خفيه بعد نزل المائدة لأن إسلامي لم يكن إلا بعد نزولها، رواه أبو داود من وجه آخر بلفظ‏:‏ إن جريراً بال ثم توضا فمسح على الخفين وقال ما يمنعني أن أمسح وقد ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة ‏(‏نا خالد بن زياد الترمذي‏)‏ قاضيها الأزدي أبو عبد الرحمن صدوق ‏(‏عن مقاتل بن حيان‏)‏ بتشديد التحتانية النبطى أبي بسطام البلخي الخزاز بزائين منقوطتين، صدوق فاضل أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذبه كذا في التقريب، روى عن مجاهد وعروة وسالم وعنه إبراهيم بن أدهم وابن المبارك‏.‏ وثقه ابن معين كذا في الخلاصة ‏(‏وقال‏)‏ أي أبو عيسى الترمذي ‏(‏وروى بقية‏)‏ هو بقية بن الوليد قال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال الجوزجاني إذا حدث عن الثقات فلا بأس وقال أبو مسهر الغساني بقية ليست أحاديثه نقية‏.‏ فكن منها على تقية‏.‏ كذا في الخلاصة، وقال في التقريب صدوق كثير التدليس ‏(‏عن إبراهيم بن أدهم‏)‏ بن منصور العجلى أو التميمي البلخى ثم الشامي أحد الزهاد الأعلام روى عن منصور وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما، وعنه الثوري والأوزاعي وشقيق البلخي وغيرهم‏.‏ قال النسائي ثقة مأمون أحد الزهاد مات سنة 162 اثنتين وستين ومائة‏.‏

71- بابُ ‏(‏مَا جَاءَ فِي‏)‏ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفّيْنِ لِلْمُسَافِر وَالمُقِيم

95- حدثنا قُتيْبةُ حدثنا أَبو عَوَانةَ عنْ سَعدٍ بن مَسْرُوقٍ عنْ إِبراهِيمَ التّيْمِيّ عَنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ عَنْ أَبي عبدِ الله الْجَدَلّي عَنْ خُزَيْمَةَ بن ثَابتٍ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنّهُ سُئِلَ عَنِ المَسْحِ عَلَى الْخُفّيْنِ‏.‏ فقَالَ‏.‏ لِلْمُسَافِرِ ثلاَثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ‏"‏‏.‏

وَذُكِرَ عنْ يَحْيَى بن معِينٍ أَنّهُ صَحّحَ حديثَ خُزَيْمَةَ ‏(‏بْنِ ثَابتٍ‏)‏ في المَسْحِ‏.‏

وَأَبو عَبدِ الله الْجَدَلِيّ اسْمهُ‏:‏ ‏(‏عبْدُ بنُ عبدٍ‏)‏ ‏(‏ويُقالُ‏:‏ ‏(‏عبدُ الرّحْمَنِ بنُ عَبْدٍ‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عَنْ علِيّ، وَأبي بَكْرَةَ، وَأَبي هريْرة، وَصَفْوَانَ بن عَسّالٍ، وَعَوْفِ بن مَالِكٍ، وَابن عُمَرَ، وَجَرِيرٍ‏.‏

96- حَدّثَنَا هَنّادٌ حدثنا أبو الأحْوَصِ عن عَاصِمِ بن أَبي النّجُودِ عنْ زِرّ بن حُبَيْشٍ عنْ صَفْوَانَ بن عَسّالٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنّا سَفْراً أَنْ لا نَنْزعَ خِفَافنَا ثَلاثةَ أَيّامٍ وَليَالِيَهُنّ إلاّ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقدْ رَوَى الْحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ وَحمّادٌ عنْ إبْراهِيمَ النّخَعِيّ عنْ أَبي عَبْدِ الله الْجَدَلِيّ عَنْ خُزَيْمَةَ بن ثَابتٍ‏.‏ ولاَ يَصِحّ‏.‏

قال عَليّ بنُ المَدِينِيّ‏:‏ قالَ يَحْيَى ‏(‏بْنُ سعيدٍ‏)‏ قالَ شُعبَةُ‏:‏ لَمْ يَسْمَعْ إبْراهِيمُ النّخَعِيّ مِنْ أَبي عَبْدِ الله الْجَدَلِيّ حديثَ الْمَسْحِ‏.‏

وقالَ زَائِدَةُ عنْ مَنْصُورٍ‏:‏ كُنّا فِي حُجْرَةِ إبْراهِيمَ التّيْمِيّ وَمَعنَا إبْراهِيمُ النّخَعيّ، فَحَدثنا إبْراهِيمَ التّيْمِيّ عنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ عنْ أَبي عَبْدِ الله الْجَدَلِيّ عنْ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابتٍ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المسْحِ عَلَى الخُفّيْنِ‏.‏

قال مُحَمّدُ ‏(‏بنُ إِسْمَاعِيلَ‏)‏‏:‏ أَحْسَنُ شَيْءٍ في هَذَا البابِ حَدِيثُ صفْوانَ بْنِ عَسّالٍ ‏(‏المُرَادِيّ‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَر الْعُلمَاءِ مِنْ أَصْحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم والتّابعينَ وَمَنْ بَعدَهُم مِنَ الفُقَهَاءِ، مِثْلِ‏:‏ سفْيانَ الثَوْرِيّ، وَابنِ المبَارَكِ، والشّافِعيّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ‏:‏ قالُوا يَمْسَحُ المُقِيمُ يَوْماً وَلَيْلَةً، والمُسَافِرُ ثَلاَثَةَ أَيّامِ وَلَيَالِيَهُنّ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ أَنّهُمْ لَمْ يُوَقّتُوا فِي المَسْحِ عَلَى الْخُفّينِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بن أَنَسٍ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ التّوْقِيتُ أَصَحّ‏.‏

‏(‏وَقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَديثُ عن صَفْوانَ بْنِ عَسّالٍ أَيْضاً مِنْ غَيْرِ حديثِ عَاصِمٍ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن مسروق‏)‏ الثوري والد سفيان ثقة ‏(‏عن عمرو بن ميمون‏)‏ الأودي الكوفي‏.‏ مخضرم مشهور ثقة عابد نزل الكوفة مات سنة 64 أربع وستين وقيل بعدها ‏(‏عن أبي عبد الله الجدلي‏)‏ بفتح الجيم والدال منسوب إلى جديلة حى من طي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سئل عن المسح على الخفين‏)‏ أي مدته ‏(‏فقال للمسافر ثلاث وللمقيم يوم‏)‏ وفي رواية أبي داود للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة أي للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عبد الله الجدلي اسمه عبد بن عبد‏)‏ قال الحافظ في التقريب أبو عبد الله الجدلي اسمه عبد أو عبد الرحمن بن عبد ثقة‏.‏ رمى بالتشيع من كبار الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير‏)‏ أما حديث علي فأخرجه مسلم من طريق شريح بن هانئ قال سألت علي بن طالب عن المسح على الخفين فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم‏.‏ وأما حديث أبي بكرة فأخرجه الأثرم في سننه وابن خزيمة والدارقطني قال الخطابي هو صحيح الإسناد كذا في المنتقى ولفظه فيه‏:‏ رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن أبي شيبة والبزار، وأما حديث صفوان بن عسال فأخرجه الترمذي، وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في معجمه الوسط، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أيضاً الطبراني في معجمه الوسط، وأما حديث جرير فأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير‏.‏

قول‏:‏ ‏(‏نا أبو الأحوص‏)‏ اسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن الأسود بن قيس وزياد بن علاقة وخلق، وعنه ابن مهدي وهناد بن السري وخلق‏.‏ قال ابن معين ثقة وقال العجلي صاحب سنة واتباع‏.‏ مات 179 سنة تسع وسبعين ومائة قلت هو من رجال الكتب الستة ‏(‏عن عاصم بن أبي النجود‏)‏ اسمه بهدلة في قول الجمهور وقال عمرو بن علي بهدلة اسم أمه‏.‏ قال أبو حاتم محله الصدق وليس محله أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ قد تكلم فيه ابن علية‏.‏ قال العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ، وقال البزار لا نعلم أحداً ترك حديثه مع أنه لم يكن بالحافظ كذا في مقدمة فتح الباري‏.‏ وقال في التقريب صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون انتهى ‏(‏عن زر‏)‏ بكر أوله وتشديد الراء ‏(‏بن حبيش‏)‏ بمهملة وموحدة ومعجمة مصغرا الأسدي الكوفي ثقة جليل مخضرم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كنا سفرا‏)‏ بسكون الفاء جمع سافر كصحب جمع صاحب أي إذا كنا مسافرين وأما قول صاحب الطيب الشذي إن سفرا جمع مسافر فهو غلط ‏(‏ولكن من غائط وبول ونوم‏)‏ عطف على مقدر يدل عليه إلا من جنابة وقوله من غائط متعلق بمحذوف تقديره وأمرنا أن ننزع خفافنا من جنابة ولا ننزع من غائط وبول ونوم وفي رواية النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي قاله الحافظ في التلخيص‏:‏ وقال فيه قال الترمذي عن البخاري حديث حسن وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه‏.‏ وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفسا وتابع عاصماً عليه عبد الوهاب بن بخت وإسمعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة وذكر جماعة معه ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة والمرء مع من أحب وغير ذلك‏.‏ لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى الحكم بن عتيبة‏)‏ بالمثناة ثم الموحدة مصغرا أبو محمد الكندي الكوفي ثقة فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة ‏(‏وحماد‏)‏ هو ابن أبي سليمان مسلم الأشعري أبو إسمعيل الكوفي الفقيه روى عن أنس وأبي وائل والنخعي وعنه ابنه إسمعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر وشعبة وتفقهوا به‏.‏ قال النسائي ثقة مرجئ مات سنة 120 عشرين ومائة كذا في الخلاصة ‏(‏ولا يصح‏)‏ بين الترمذي وجه عدم صحته بقوله قال علي بن المديني‏.‏ وهذا الحديث بهذا السند أخرجه أبو داود في سننه قال الحافظ في التلخيص‏.‏ حديث خزيمة بن ثابت رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن استزدناه لزاد رواه أبو داود بزيادة وابن ماجة بلفظ ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً‏.‏ ورواه ابن حبان باللفظين جميعاً ورواه الترمذي وغيره بدون الزيادة‏.‏ قال الترمذي قال البخاري لا يصح عندي لأنه لا يعرف للجدلى سماع من خزيمة وذكر عن يحيى بن معين أنه قال هو صحيح وقال ابن دقيق العيد الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة وقال ابن أبي حاتم في العلل قال أبو زرعة الصحيح من حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعا والصحيح عن النخعي عن الجدلي بلا واسطة وادعى النووي في شرح المهذب الإتفاق على ضعف هذا الحديث وتصحيح ابن حبان له يرد عليه مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضاً كما تقدم والله أعلم انتهى ما في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح المقيم يوماً والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏ وإليه ذهب جمهور العلماء وهو الحق والصواب واستدلوا على هذا التوقيت بأحاديث الباب قال الحافظ في الدراية وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة‏.‏

فائدة‏:‏

قال النووي مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد أنهم قالوا إن ابتداءها من وقت اللبس ‏(‏وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس‏)‏ قال الشوكاني في النيل قال مالك والليث بن سعد لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بداله والمقيم والمسافر في ذلك سواء وروى مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري انتهى، ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك ذكره العيني‏.‏

والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال يوماً قال نعم قال ويومين نعم قال وثلاثة قال نعم وما شئت، أخرجه أبو داود وقال ليس بقوي قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك قال أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك قال أبو داود ليس بالقوي وضعفه البخاري فقال لا يصح، وقال أبو داود‏:‏ اختلف في إسناده وليس بالقوي، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد رجاله لا يعرفون، وقال أبو الفتح الأزدي هو حديث ليس بالقائم ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه‏.‏ قلت وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات انتهى‏.‏ ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود وما هو صريح فليس بصحيح ‏(‏والتوقيت أصح‏)‏ يعني التوقيت هو الصحيح، فإن أحاديثه كثيرة صحيحة وليس في عدم التوقيت حديث صحيح‏.‏

72- بابُ ‏(‏مَا جَاء‏)‏ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفّيْنِ‏:‏ أَعْلاَهُ وَأَسْفَلِه

‏(‏باب في المسح على الخفين أعلاه وأسفله‏)‏ أي أعلى كل واحد من الخفين وأسفله‏.‏ وكان للترمذي أن يقول أعلاهما وأسفلهما أو يقول باب المسح على الخف أعلاه وأسفله

97- حدثنا أَبو الْوَلِيدِ الدّمَشْقِيّ حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَخْبَرَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزيدَ عنْ رَجَاءِ بن حيْوَةَ عنْ كَاتِبِ المُغِيرَةِ عنْ المُغِيرَةِ بن شُعْبَة ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفّ وَأَسْفَلَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهذَا قَوْلُ غَيْرِ وَاحدٍ منْ أَصحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابعينَ ‏(‏وَمَنْ بَعدَهُمْ مِنَ الْفقَهَاءِ‏)‏ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشّافعيّ وَإِسْحَاقُ‏.‏

وَهذا حديثٌ معْلُولٌ، لَمْ يُسنِدْه عَنْ ثَوْر بْنِ يزِيدَ غيْرُ الوَلِيدِ بن مُسْلمٍ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وَسأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَمُحمدَ ‏(‏بْنَ إِسْمَاعِيلَ‏)‏ عنْ هذَا الْحَديثِ‏؟‏ فَقَالا‏:‏ ليْسَ بصَحِيح، لأِنّ ابنَ المُبَارَكِ رَوَى هَذا عنْ ثَوْرٍ عنْ رَجَاءِ ‏(‏بن حَيْوَةَ‏)‏ قالَ‏:‏ حُدّثْتُ عَنْ كَاتِبِ المُغِيرَةِ‏:‏ مُرْسَلٌ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ المُغِيرَةُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو الوليد الدمشقي‏)‏ اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار روى عن الوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وعبد الرزاق، وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الحافظ صدوق تكلم فيه بلا حجة ‏(‏نا الوليد بن مسلم‏)‏ القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس ‏(‏أخبرني ثور بن يزيد‏)‏ أبو خالد الحمصي ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر ‏(‏عن رجاء بن حيوة‏)‏ بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو الكندي الفلسطيني‏.‏ ثقة فقيه من الثالثة ‏(‏عن كاتب المغيرة‏)‏ اسمه وراد بتشديد الراء الثقفي الكوفي ثقة من الثالثة، وفي رواية ابن ماجه عن وراد كاتب المغيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسح أعلى الخف وأسفله‏)‏ هذا الحديث دليل لمن قال إن المسح على أعلى الخف وأسفله لكن الحديث ضعيف كما ستعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين‏)‏ وبه قال ابن عمر، قال الحافظ في التلخيص‏:‏ روى الشافعي في القديم وفي الإملاء من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله انتهى ‏(‏وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق‏)‏ في موطأ الإمام مالك أنه سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه ثم أمرهما‏.‏ قال يحيى قال مالك وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إلى ذلك انتهى‏.‏ قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار لم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب ما وصفه ابن شهاب أنه يدخل إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه إلا أنه لا يرى الإعادة على من اقتصر على ظهور الخفين إلا في الوقت، وأما الشافعي فقد نص أنه لا يجزئه المسج على أسفل الخف ويجزئه على ظهره فقط، ويستحب أن لا يقتصر أحد على مسح ظهور الخفين وبطونها معا كقول مالك، وهو قول عبد الله بن عمر ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح ظهور خفيه وبطونهما كما نقله بعض العلماء في تعليقه على موطأ محمد عن الاستذكار، وقال الشاه ولي الله الدهلوي في المسوى‏:‏ قال الشافعي مسح أعلى الخف فرض ومسح أسفله سنة وقال أبو حنيفة لا يمسح إلا الأعلى‏.‏

قلت‏:‏ تمسك القائلون بالمسح على أعلى الخف وأسفله بحديث الباب وهو حديث فيه كلام لأئمة الحديث كما ستعرف ولم أجد في هذا الباب حديثاً مرفوعاً صحيحاً خالياً عن الكلام وقد صح عن علي بإسناد صحيح أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما وكذلك ثبت كما ستقف عليه في الباب الاَتي عن المغيرة بن شعبة بإسناد حسن فالقول الراجح قول من قال بالمسج على أعلى الخف دون أسفله والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث معلول‏)‏ المعلول ويقال له المعلل بفتح اللام إسناد فيه علل وأسباب غامضة خفية قادحة في الصحة يتنبه لها الحذاق المهرة من أهل هذا الشأن كإرسال في الموصول ووقف في المرفوع ونحو ذلك، وحديث المغيرة هذا أخرجه أبو دواد وابن ماجه أيضاً ‏(‏لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم‏)‏ أي لم يرو هذا الحديث مرفوعاً متصلاً عن ثور أحد إلا الوليد بن مسلم ‏(‏قال حدثت عن كاتب المغير‏)‏ بصيغة المجهول ففيه انقطاع ‏(‏مرسل‏)‏ أي فهو مرسل وفي بعض النسخ مرسلاً، قال الحافظ في التلخيص حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وابن الجارود من طريق ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة وفي رواية ابن ماجة عن وراد كاتب المغيرة قال الأثرم عن أحمد أنه كان يضعفه ويقول ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة، قال أحمد وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور فقلت له إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك فيقول حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة فقال لي نعيم هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلى كتابه القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع أضربوا على هذا الحديث، وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة حديث الوليد ليس بمحفوظ، وقال موسى بن هارون وأبو داود لم يسمع ثور من رجاء حكاه قاسم بن أصبغ عنه، وقال البخاري في التاريخ الأوسط ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما قال وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة، وكذا رواه أبو دواد والترمذي من حديث ابن أبي الزناد ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي الزناد فقال عن عروة بن المغيرة عن أبيه وكذا أخرجه البيهقي من رواية إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد‏.‏ وقال الترمذي هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد، قلت رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد، وذكر الدارقطني في العلل أن محمد بن عيسى بن سميع رواه أبو ثور كذلك، قال الترمذي وسمعت أبا زرعة ومحمداً يقولان ليس بصحيح، وقال أبو داود لم يسمعه ثور من رجاء، وقال الدارقطني روى عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يذكر أسفل الخف، وقال ابن حزم أخطأ فيه الوليد في موضعين فذكرهما كما تقدم، قلت‏:‏ ووقع في سنن الدارقطني ما يوهم رفع العلة وهي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا داود بن الرشيد عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد ثنا رجاء بن حيوة فذكره، فهذا ظاهره أن ثورا سمعه من رجاء فتزول العلة، ولكن رواه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده عن أحمد بن يحيى الحلواني عن داود بن رشيد فقال عن رجاء ولم يقل حدثنا رجاء، فهذا اختلاف على داود يمنع القول بصحة وصلة مع ما تقدم في كلام الأئمة انتهى كلام الحافظ بلفظه‏.‏

73- باب ‏(‏مَا جَاءَ‏)‏ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفّيْن‏:‏ ظَاهِرِهِمَا

98- حدثنا علِيّ بْنُ حُجْرٍ قال حدثنا عبْدُ الرّحمَن بنُ أَبي الزّنَادِ عنْ أَبيهِ عنْ عُرْوةَ بن الزّبَيْرِ عنِ المُغيرَةِ بن شُعْبَةَ‏:‏ قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى الْخُفّيْنِ‏:‏ عَلَى ظاهِرِهِما‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ المُغيرةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏ وَهُوَ حديثٌ عبْدِ الرّحمَنِ بن أَبي الزّنَادِ عنْ أَبِيهِ عن عروة عَنِ المُغيرةِ‏.‏ وَلاَ نَعْلَمُ أَحداً يَذْكُرُ عن عُرْوَةَ عَنِ المُغيرةِ ‏"‏عَلَى ظاهِرِهِما‏"‏‏:‏ غَيرَهُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ غَيرِ وَاحِدٍ منْ أَهْلِ الْعلْمِ، وَبِهِ يَقولُ سفْيَانُ الثّورِي وَأَحْمَدُ‏.‏

قال مُحمدٌ‏:‏ وَكَانَ مَالِك ‏(‏بن أَنَسٍ‏)‏ يُشِيرُ بِعَبْدِ الرّحمَنِ بن أبي الزّنَادِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا عبد الرحمن بن أبي الزناد‏)‏ بفتح النون القرشي مولاهم المدني، قال الحافظ في التقريب‏:‏ صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيهاً ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان ثقة فقيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمسح على الخفين على ظاهرهما‏)‏ أي على أعلاهما، وهذا الحديث دليل على أن المسح على أعلى الخفين دون أسفلهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث المغيرة حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره، وقال البخاري في التاريخ الأوسط ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما، قال وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة كذا في التلخيص‏.‏ وقد تقدم هذا في كلام الحافظ الذي نقلناه في الباب المتقدم، وفي الباب عن علي قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما، أخرجه أبو داود قال الحافظ في بلوغ المرام بإسناد حسن، وقال في التلخيص إسناده صحيح، وفي الباب أيضاً عن عمر بن الخطاب عن ابن أبي شيبة والبيهقي قاله الشوكاني في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعلم أحدا يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره‏)‏ أي غير عبد الرحمن بن أبي الزناد يعني لفظ على ظاهرهما تفرد بذكره عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وأحمد‏)‏ وبه يقول أبو حنيفة ومن تبعه وإسحاق ودواد وهو قول علي بن أبي طالب وقيس بن سعد بن عبادة والحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وجماعة كذا في الاستذكار‏.‏

والحجة لهم حديث المغيرة المذكور في هذا الباب وحديث علي الذي ذكرناه وحديث عمر الذي عند ابن أبي شيبة والبيهقي قال الشوكاني في النيل‏.‏ ليس بين الحديثين تعارض غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره وتارة على ظاهره ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين فكان جميع ذلك جائز أو سنة انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قلت‏:‏ نعم ليس بين الحديثين تعارض ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين لكن لا شك في أن حديث المسح على ظاهر الخفين حديث صحيح، وأما حديث المسح على ظاهرهما وباطنهما فقد عرفت ما فيه من الكلام فالعمل بحديث المسح على ظاهر الخفين هو الراجح المتعين، هذا ما عندي والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد‏)‏ أي بضعفه، قال الحافظ في تهذيب التهذيب وتكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة يعني الفقهاء وقال أين كنا عن هذا انتهى‏.‏

قلت قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الحديث، ففي هذا الكتاب وقال ابن محرز عن يحيى بن معين ليس مما يحتج به أصحاب الحديث ليس بشيء‏.‏ وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين ضعيف وقال الدوري عن ابن معين لا يحتج بحديثه وهو دون الدراوردي، وقال صالح بن أحمد عن أبيه مضطرب الحديث وقال محمد بن عثمان عن ابن المديني كان عند أصحابنا ضعيفاً وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه ما حدث بالمدينة فهو صحيح وما حدث ببغداد أفسده البغداديون، وفيه وقال الترمذي والعجلي ثقة وصحح الترمذي عدة من أحاديثه وقال في اللباس ثقة حافظ انتهى‏.‏

74- بابُ ‏(‏مَا جَاءَ‏)‏ فِي المْسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنّعْلَيْن

99- حدثنا هَنّادٌ وَمَحمُودُ بنُ غَيْلانَ قالاَ‏:‏ حدثنا وَكِيعٌ عنْ سفْيانَ عنْ أَبي قَيْسٍ عنْ هُزَيْلِ بن شُرَحْبِيلَ عنْ المُغيرةِ بن شُعْبَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏تَوَضّأَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنّعْلَينِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذَا حدِيثٌ حَسَنٌ صحِيحٌ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ غَيرِ وَاحدٍ مِنْ أَهْلِ الْعلْمِ‏.‏ وَبِهِ يَقولُ سفْيَانُ الثوْرِيّ وَابنُ المُبَارَكِ، وَالشّافعيّ، وَأَحْمَدُ، وَإسْحَاقُ قالُوا‏:‏ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْن وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَعْلَيْنِ، إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ‏.‏

‏(‏قال‏)‏‏:‏ وفي البابِ عنْ أَبي مُوسَى‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏:‏ سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ محمدٍ التّرْمِذِيّ قال‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُقَاتِلٍ السّمَرْقَنْدِيّ يَقولُ دَخَلْتُ عَلَى أَبي حنِيفَةَ في مَرَضِهِ الّذِي مَاتَ فِيهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضّأَ وَعَلَيْهِ جَوْرَبَانِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ قال‏:‏ فَعَلْتُ الْيَوْمَ شَيْئاً لَمْ أَكُنْ أَفْعَلُهُ‏:‏ مَسَحْتُ عَلَى الْجَوْربَيْنِ وَهُما غَيرُ مُنَعّلَيْنِ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري وقد وقع في بعض نسخ أبي داود عن سفيان الثوري وكذا وقع في رواية الطحاوي ‏(‏عن أبي قيس‏)‏ اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي مشهور بكنيته وثقه ابن معين والعجلي والدارقطني وقال أحمد يخالف في أحاديثه وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال النسائي ليس به بأس كذا في مقدمة فتح الباري‏.‏ وقال في التقريب صدوق ربما خالف ‏(‏عن هزيل‏)‏ بالتصغير ‏(‏بن شرحبيل‏)‏ بضم المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة بعدها باء موحدة الكوفي ثقة مخضرم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين‏)‏ تثنية الجورب، قال في القاموس الجورب لفافة الرجل ج جواربه وجوارب وتجورب لبسه وجوربته ألبسته، وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي الجورب غشاء للقدم من صوف يتخد للدفء‏.‏ وهو التسخان‏.‏ وفي تفسير الجورب أقوال أخرى وستقف عليها‏.‏

‏(‏النعلين‏)‏ تثينة النعل، قال في القاموس النعل ما وقيت به القدم من الأرض كالنعلة مؤنثة ج نعال بالكسر انتهى‏.‏ وقال الجزري في النهاية النعل مؤنثة وهي التي تلبس في المثنى تسمى الاَن تاسومة انتهى‏.‏

قال الطيبي معنى قوله والنعلين هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين وكذا قال الخطابي في المعالم‏.‏ قلت هذا المعنى هو الظاهر‏.‏ قال الطحاوي في شرح الآثار في باب المسح على النعلين مسح على نعلين تحتهما جوربان، وكان قاصداً بمسحه ذلك إلى جوربيه لا نعليه وجورباه لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما، فكان مسحه ذلك مسحا أراد به الجوربين فأتى ذلك على الجوربين والنعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر ومسحه على النعلين فضل انتهى كلام الطحاوي‏.‏

وأما قول ابن ملك في شرح قوله والنعلين أي ونعليهما فيجوز المسح على الجوربين بحيث يمكن متابعة المشي عليهما انتهى، وكذا قول أبي الوليد إن معنى الحديث أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب على الإنفراد ونعل على الإنفراد انتهى فبعيد، قال الحافظ بن القيم في تهذيب السنن بعد ذكر قول أبي الوليد هذا ما لفظه‏:‏ هذا التأويل مبني على أنه يستحب مسح أعلى الخف وأسفله والظاهر أنه مسح على الجوربين الملبوسين عليهما نعلان منفصلان هذا هو المفهوم منه، فإنه فصل بينهما وجعلهما شيئين ولو كانا جوربين منعلين لقال مسح على الجوربين المنعلين وأيضاً فإن الجلد في أسفل الجورب لا يسمى نعلا في لغة العرب ولا أطلق عليه أحد هذا الاسم وأيضاً المنقول عن عمر بن الخطاب في ذلك أنه مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم مع الجورب فأما أسفله وعقبة فلا انتهى كلام ابن القيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وضعفه كثير من أئمة الحديث كما ستقف عليه، والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحة ‏(‏وهو قول غير واحد من أهل العلم‏)‏ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال أبو داود في سننه ومسح على الجوربين علء بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس انتهى، وقال الحافظ ابن القيم في تهذيب السنن‏:‏ قال ابن المنذر يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلا وعبد الله بن أبي أوفي وسهل بن سعد وزاد أبو داود وأبو أمامه وعمرو بن حريث وعمرو بن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا انتهى كلام ابن القيم‏.‏

قلت‏:‏ قد تتبعت كتب الحديث لأقف على أسانيد جميع هذه الآثار وألفاظها فلم أقف إلا على بعضها، فأقول‏:‏ أما أثر علي فأخرجه عبد الرزاق في مصنفه‏:‏ أخبرني الثوري عن زبرقان عن كعب بن عبد الله قال رأيت عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي، وأما أثر ابن مسعود فأخرجه أيضاً عبد الرزاق في مصنفه‏:‏ أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه ويمسح على جوربيه، وسنده صحيح‏.‏ أما أثر البراء بن عازب فأخرجه أيضاً عبد الرزاق‏:‏ أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسمعيل بن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه‏.‏ وأما أثر أنس فأخرجه أيضاً عبد الرزاق‏:‏ أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك أنه كان يمسح على الجوربين، وأما أثر أبي مسعود فأخرجه عبد الرزاق‏.‏ أخبرنا الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على الجوربين له من شعر ونعليه وسنده صحيح، وأما أثر ابن عمر فأخرجه أيضاً عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن يحيى بن أبي حية عن أبي خلاس عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه، كذا ذكر الحافظ الزيعلي أسانيد هذه الآثار وألفاظها ولم أقف على أسانيد بقية الآثار والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين‏)‏ أي وإن لم يكن كل واحد من الجوربين نعلين أي منعلين، وفي بعض النسخ وإن لم يكونا نعلين، وهو الظاهر والظاهر أن الترمذي أراد بقوله نعلين منعلين وقد وقع في بعض النسخ منعلين على ما ذكره الشيخ سراج أحمد في شرح الترمذي، والمنعل من التنعيل وهو ما وضع الجلد على أسفله ‏(‏إذا كانا ثخينين‏)‏ أي غليظين، قال القاموس في ثخن ككرم ثخونة وثخناً كعنب غلظ وصلب انتهى‏.‏ وقال في منتهى الأرب ثوب ثخين النسج جامة سطيرياف ثخن ككرم ثخونة وثخانة وثخناً كعنب سطير وسخت كرديد ثخين كامين نعت است ازان انتهى‏.‏ وعلم من هذا القيد أن الجوربين إذا كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما عند هؤلاء الأئمة وبقولهم قال صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد وقوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي موسى‏)‏ وأخرجه ابن ماجه والطحاوي وغيرهما وسيأتي الكلام على هذا الحديث‏.‏

وههنا مباحث عديدة متعلقة بحديث الباب نذكرها إفادة للطلاب‏.‏

المبحث الأول‏:‏ اعلم أن الترمذي حسن حديث الباب وصححه ولكن كثيراً من أئمة الحديث ضعفوه، قال النسائي في سننه الكبرى لا نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة أنه عليه السلام مسح على الخفين انتهى، وقال أبو داود في سننه كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين قال‏:‏ وروى أبو موسى الأشعري أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل ولا بالقوي وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال إنه حديث منكر ضعفه سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، ويروي عن جماعة أنهم فعلوه، قال النووي كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي مع أن الجرح مقدم على التعديل قال واتفق الحفاظ على تضعيفه، ولا يقبل قول الترمذي إنه حسن صحيح‏.‏ انتهى وقال الشيخ تقي الدين في الإمام‏:‏ أبو قيس الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان، احتج به البخاري في صحيحه وذكر البيهقي في سننه أن أبا محمد يحيى بن منصور قال‏:‏ رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان وخصوصاً مع مخالفتهما للأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا مسح على الخفين، وقالوا لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل، قال فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي فسمعته يقول‏:‏ سمعت على بن محمد بن شيبان يقول‏:‏ سمعت أبا قدامة السرخسي يقول‏:‏ قال عبد الرحمن بن مهدي‏:‏ قلت لسفيان الثوري لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان‏:‏ الحديث ضعيف‏.‏ ثم أسند البيهقي عن أحمد بن حنبل قال‏:‏ ليس يروي هذا الحديث إلا من رواية أبي قيس الأودي، وأبي عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث بهذا الحديث وقال هو منكر‏.‏ وأسند البيهقي أيضاً عن علي بن المديني قال‏:‏ قال حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال‏:‏ ومسح على الجوربين، فخالف الناس‏.‏ وأسند أيضاً عن يحيى بن معين قال‏:‏ الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس‏.‏ قال الشيخ ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة، لم يشارك المشهورات في سندها انتهى‏.‏ كذا في نصب الراية من 57 ج1‏.‏

قلت‏:‏ قوله بل هو أمر زائد على ما رووه إلخ فيه نظر، فإن الناس كلهم رووا عن المغيرة بلفظ مسح على الخفين، وأبو قيس يخالفهم جميعاً، فيروي عن هزيل عن المغيرة بلفظ مسح على الجوربين والنعلين فلم يزد على ما رووا بل خالف ما رووا، نعم لو روى بلفظ مسح على الخفين والجوربين والنعلين لصح أن يقال إنه روى أمراً زائداً على ما رووه، وإذ ليس فليس فتفكر‏.‏ فإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن أكثر الأئمة من أهل الحديث حكموا على هذا الحديث بأنه ضعيف، مع أنهم لم يكونوا غافلين عن مسألة زيادة الثقة، فحكمهم عندي والله تعالى أعلم مقدم على حكم الترمذي بأنه حسن صحيح‏.‏

وفي الباب حديثان آخران‏:‏ حديث ابن مسعود وحديث بلال وهماً أيضاً ضعيفان لا يصلحان للاحتجاج‏.‏

أما حديث أبي موسى فأخرجه الطحاوي في شرح الآثار من طريق أبي سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه، وأخرجه أيضاً ابن ماجه والبيهقي من طريق عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى، وقد تقدم أن أبا داود حكم على هذا الحديث بأنه ليس بالمتصل ولا بالقوي‏.‏ وقال البيهقي بعد رواية الحديث له علتان إحداهما أن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعة من أبي موسى، والثانية أن عيسى بن سنان ضعيف انتهى‏.‏ قلت‏:‏ أبو سنان الذي وقع في سند الطحاوي هو عيسى بن سنان، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أبو سنان عيسى بن سنان، فضعفه، قال يعقوب بن شيبة عن ابن معين لين الحديث، وقال جماعة عن ابن معين ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة مخلط ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم ليس بقوي في الحديث، وقال العجلي لا بأس به وقال النسائي ضعيف، قال ابن خراش صدوق، وقال مرة في حديثه نكرة، وذكره ابن حيان في الثقات، وقال الكناني عن أبي حازم يكتب حديثه ولا يحتج به انتهى كلام الحافظ‏.‏

فإن قلت‏:‏ قال الشيخ علاء الدين المارديني‏:‏ إن التضعيف بعدم ثبوت سماع عيسى بن سنان عن أبي موسى، وهو على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع، قال ثم هو معارض بما ذكره عبد الغني فإنه قال في الكمال‏:‏ سمع الضحاك من أبي موسى قال وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثاً في سنده عيسى بن سنان هذا وحسنه انتهى‏.‏ كذا نقل بعض مجوزي المسح عل الجورب مطلقاً في رسالته وأقره، فالظاهر أن حديث أبي موسى حسن صالح للاحتجاج‏.‏

قلت‏:‏ ذكر أبو داود وغيره أن في حديث أبي موسى المذكور علتين لضعفه، الأولى الانقطاع، والثانية ضعف عيسى بن سنان، فإن ثبت سماع الضحاك من أبي موسى ترتفع العلة الأولى وتبقى الثانية، وهي كافية لضعف حديث أبي موسى المشهور‏.‏ وأما قول المارديني‏:‏ وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره، ففيه أن ابن معين أيضاً ضعفه، قال الذهبي في الميزان‏:‏ ضعفه أحمد وابن معين وهو مما يكتب على لينه إلخ‏.‏ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ قال يعقوب بن شيبة عن ابن معين لين الحديث، وقال جماعة عن ابن معين ضعيف الحديث كما عرفت آنفاً‏.‏ قلت‏:‏ ولضعف هذا الحديث علة ثالثة‏:‏ وهي أن عيسى بن سنان مخلط، قال الحافظ‏:‏ أبو زرعة مخلط ضعيف الحديث كما عرفت آنفاً في كلام الحافظ‏.‏ وأما قول المارديني‏:‏ وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثاً في سنده عيسى بن سنان وحسنه فمما لا يصغي إليه، فإن الترمذي قد يحسن الحديث مع تصريحه بالانقطاع، وكذا مع تصريحه بضعف بعض رواته، ثم تساهل الترمذي مشهور‏.‏

وأما حديث بلال‏:‏ فهو أيضاً ضعيف‏:‏ قال الزيلعي رواه الطبراني في معجمه من طريق ابن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، ويزيد بن أبي زياد وابن أبي ليلى مستضعفان مع نسبتهما إلى الصدق انتهى كلام الزيلعي‏.‏ قلت‏:‏ في سنده الأول الأعمش وهو مدلس ورواه عن الحكم بالعنعنة ولم يذكر سماعه منه، قال الذهبي في الميزان في ترجمة الأعمش‏:‏ ربما دلس عن ضعيف لا يدري به فإن قال حدثنا فلا كلام وإن قال عن تطرق إليه الاحتمال إلا في شيوخ أكثر منهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال‏.‏ انتهى‏.‏ وفي سنده الثاني يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، قال الحافظ في التقريب في ترجمته‏:‏ ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن كان شيعياً انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف قلتم إن حديث بلال ضعيف، وقد قال الحافظ في الدراية‏:‏ وفي الباب عن بلال أخرجه الطبراني بسندين رجال أحدهما ثقات انتهى‏.‏ وأراد برجال أحدهما رجال السند الأول فإنهم كلهم ثقات‏.‏

قلت‏:‏ لا شك في أن رجال السند الأول في حديث بلال كلهم ثقات‏.‏ ولكن فيهم الأعمش وقد عرفت أنه مدلس ورواه عن الحكم بالعنعنة وعنعنة المدلس غير مقبولة، وقد تقرر أنه لا يلزم من كون رجال السند ثقات صحة الحديث‏.‏ لجواز أن يكون فيه ثقة مدلس ورواه عن شيخه الثقة بالعنعنة، أو يكون فيه علة أخرى، ألا ترى أن الحافظ ذكر في التلخيص حديث العينة الذي رواه الطبراني من طريق الأعمش عن عطاء عن ابن عمر، وذكر أن ابن القطان صححه ثم قال ما لفظه‏:‏ وعندي أن الإسناد الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كونه رجاله ثقات أن يكون صحيحاً، لأن الأعمش مدلس، ولم يذكر سماعه من عطاء انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال الزيلعي في نصب الراية‏:‏ في بحث الجهر بالبسملة نقلاً عن ابن الهادي ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ‏.‏

والحاصل‏:‏ أنه ليس في باب المسح على الجوربين حديث مرفوع صحيح خال عن الكلام، هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏

المبحث الثاني، في تفسير الجورب وبيان ما وقع فيه من الاختلاف‏.‏

قال مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس‏:‏ الجورب لفافة الرجل انتهى، وقال أبو الفيض مرتضى الزبيدي في تاج العروس‏:‏ الجورب لفافة الرجل، وهو بالفارسية كورب، وأصله كوربا ومعناه قبر الرجل انتهى‏.‏ وقال الطيبي الجورب لفافة الجلد وهو خف معروف من نحو الساق، انتهى وكذلك في مجمع البحار‏.‏ وقال الشوكاني في النيل الخف نعل من أدم يغطي القدمين، والجرموق أكبر منه والجورب أكبر من الجرموق‏.‏ وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات‏:‏ الجورب خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد، ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة انتهى‏.‏ وقال القاضي أبو بكر بن العربي عارضة الأحوذي‏:‏ الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء انتهى‏.‏ وقال الحافظ بن تيمية في فتاواه‏.‏ الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو من كون هذا من صوف وهذا من جلود انتهى‏.‏ وقال العيني‏:‏ الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ويتخذ من الشعر أيضاً كما تقدم أن أبا مسعود كان يمسح على جوربين له من شعر، فتفسير المجد الفيروزآبادي عام يشمل كل ما يصدق عليه أنه لفافة الرجل، سواء كان من الجلد أو الصوف أو الشعر أو غير ذلك، وسواء كان ثخيناً أو رقيقاً بل هو شامل للمخيط وغيره، قال في غنية المستملى شرح منية المصلي بعد ذكر تفسير المجد ما لفظه‏:‏ كأن تفسيره بإعتبار اللغة لكن العرف خص اللفافة بما ليس بمخيط والجورب بالمخيط ونحوه الذي يلبس كما يلبس الخف انتهى‏.‏ وتفسير الطيبي والشوكاني والشيخ عبد الحق يدل على أن الجورب يتخذ من الجلد وأنه نوع من الخف وأنه يكون أكبر منه، وتفسير ابن العربي وابن تيمية والعيني يدل على أنه يتخذ من الصوف، وقال شمس الأئمة الحلواني وهو من الأئمة الحنفية‏:‏ الجورب خمسة أنواع من المرعزي ومن الغزل والشعر والجلد الرقيق والكبرباس‏:‏ ذكره نجم الدين الزاهدي عنه كما في حاشية البحر الرائق، وفيها أن المرعزي الزغب الذي تحت شعر العنز، والغزل ما غزل من الصوف والكرباس ما نسج من مغزول القطن، قال الحلبي ويلحق بالكرباس كل ما كان من نوع الخيط كالكتان والإبريسيم أي الحرير انتهى ما في حشية البحر‏.‏

فالاختلاف في تفسير الجورب من جهتين‏:‏ من جهة ما يتخذ منه، ومن جهة مقداره قال العلامة أبو الطيب شمس الحق في غاية المقصود بعد ذكر هذين النوعين من الاختلاف ما لفظه‏:‏ فهذا الاختلاف والله أعلم إما لأن أهل اللغة اختلفوا في تفسيره، وإما لكون الجورب مختلف الهيئة والصنعة في البلاد المتفرقة ففي بعض الأماكن يصنع من الأديم وفي بعضها من صوف وفي بعضها من كل الأنواع، فكل من فسره إنما فسره على هيئة بلاده، ومنهم من فسره بكل ما يوجد في البلاد بأي نوع كان انتهى كلامه‏.‏

قلت يمكن أن يجمع بين هذه التفاسير المختلفة بأن الجورب هو لفافة الرجل كما قاله صاحب القاموس، من أي شيء كان‏.‏ وأما تقييدهم بالجلد والصوف والشعر أو غير ذلك فعلى حسب صنعة بلادهم والله تعالى أعلم‏.‏

المبحث الثالث‏:‏ في تحرير المذاهب في المسح على الجوربين وبيان ما هو الراجح عندي‏:‏ قال الطحاوي في شرح الآثار ص 599 ج 1 إنا لا نرى بأسا بالمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين، قد قال به أبو يوسف ومحمد، وأما أبو حنيفة فإنه كان لا يرى ذلك حتى يكونا صفيقين ويكونا مجلدين فيكونا كالخفين انتهى‏.‏ وفي شرح الوقاية من من كتب الحنفية‏:‏ أو جوربيه الثخينين أي بحيث يستمسكان على الساق بلا شد‏.‏ منعلين أو مجلدين حتى إذا كانا ثخينين غير منعلين أو مجلدين لا يجوز عند أبي حنيفة خلافاً لهما، وعنه أنه رجع إلى قولهما وبه يفتى‏.‏ انتهى ما في شرح الوقاية، والمنعل من التنعيل ما وضع الجلد على أسفله كالنعل للقدم، والمجلد من التجليد ما وضع الجلد على أعلاه وأسفله كليهما، وحاصل مذهب الحنفية أن الجوربين إن كان منعلين أو مجلدين يجوز المسح عليهما باتفاقهم، وإن لم يكونا منعلين أو مجلدين اختلفوا فيه، فمنعه أبو حنيفة في قوله القديم مستدلاً بأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منعلاً أو مجلداً‏.‏ فلم يكن في معنى الخف، وجوزه صاحباه بناء على أنه إذا كان ثخينا يمكن فيه تتابع المشي فشابه الخف، فإن لم يكونا ثخينين أيضاً لا يجوز المسح عليهما اتفاقا‏.‏ كذا في عمدة الرعاية‏.‏ وأما مذهب مالك فكمذهب أبي حنيفة القديم، وأما مذهب الشافعي وأحمد فقد ذكره الترمذي وهو أنه يجوز المسح عليهما إذا كانا ثخينين وإن لم يكونا منعلين، وعلى هذا فقول أبي حنيفة الجديد وقول صاحبيه وقول الشافعي وأحمد واحد، وهو جواز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين، ونقل عن الشافعي كقول أبي حنيفة القديم، قال ابن قدامة في المغني‏:‏ وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي ومجاهد وعمرو بن ديناد والحسن بن مسلم والشافعي لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنه لا يمكن متابعة المشي فيهما‏.‏ فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين انتهى، وقال ابن العربي في العارضة‏:‏ اختلف العلماء في المسح على الجوربين على ثلاثة أقوال‏:‏ الأول أنه يمسح عليها إذا كانا مجلدين إلى الكعبين، قال به الشافعي وبعض أصحابنا‏.‏ الثاني إن كان صفيقا جاز المسح عليه وإن لم يكن مجلدا إذا كان له نعل‏:‏ وبه فسر بعض أصحاب الشافعي مذهبه‏.‏ وبه قال أبو حنيفة وحكاه أصحاب الشافعي عن مالك‏.‏ الثالث أنه يجوز المسح عليه وإن لم يكن له نعل ولا تجليد قاله أحمد بن حنيل‏.‏ قال‏:‏ وجه الأول أن الحديث ضعيف كله، فإن كانا مجلدين رجعا خفين ودخلا تحت أحاديث الخف‏.‏ ووجه الثاني أنه ملبوس في الرجل يسترها إلى الكعب يمكن متابعة المشي عليه فجاز المسح، ووجه الثالث ظاهر الحديث ولو كان صحيحا لكان أصلاً انتهى كلام ابن العربي‏.‏ وقال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود‏:‏ نص الشافعي في الأم على أنه يجوز المسح على الجوربين بشرط أن يكون صفيقاً منعلا وقطع به جماعة من الشافعية ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين مجلدي القدمين‏.‏ قال القاضي أبو الطيب لا يجوز المسح على الجوربين إلا أن يكون سائر المحل الفرض يمكن متابعة المشي عليه، هذا هو الصحيح في المذهب انتهى كلام ابن رسلان‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد وقع في أحاديث الباب لفظ الجوربين مطلقاً غير مقيد بشي من هذه القيود التي قيدهما بها هؤلاء الأئمة فما بالهم قيدوهما بها واشرطوا جواز المسح عليهما بتلك القيود فبعضهم بالتجليد وبعضهم بالتنعيل وبعضهم بالصفاقة والثخونة‏؟‏

قلت‏:‏ الأصل هو غسل الرجلين كما هو ظاهر القرآن والعدول عنه لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة اتفق على صحتها أئمة الحديث كأحاديث المسح على الخفين فجاز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الخفين بلا خلاف‏.‏ وأما أحاديث المسح على الجوربين ففي صحتها كلام عند أئمة الفن كما عرفت، فكيف يجوز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الجوربين مطلقاً‏.‏ وإلى هذا أشار مسلم يقوله لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل انتهى‏.‏ فلأجل ذلك اشترطوا جواز المسح على الجوربين بتلك القيود ليكونا في معنى الخفين ويدخلا تحت أحاديث الخفين، فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين، ورأى بعضهم أنهما إذا كان منعلين كانا في معناهما، وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كانا في معناهما وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين والله تعالى أعلم‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد ضعف الإمام أحمد حديث المسح على الجوربين ومع تضعيفه قد قال بجواز المسح على الجوربين ولم يقيدها بشيء من هذه القيود كما يظهر من كلام ابن العربي‏.‏

قلت‏:‏ قد قيدهما الإمام أحمد أيضاً بقيد الثخونة كما صرح به الترمذي، وقال ابن قدامة في المغني‏:‏ قد قال أحمد في موضع لا يجزيه المسح على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين، إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجيء انتهى كلامه‏.‏ وقد قال قيل هذا‏:‏ سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه فكره الخرق، ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة، وأنها لا تثبت بأنفسها‏:‏ فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق انتهى كلامه‏.‏ على أنه لم يعتمد على حديث الجوربين بل اعتمد على آثار الصحابة رضي الله عنهم‏.‏ قال الحافظ بن القيم في تلخيص السنن‏:‏ قد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس‏.‏ وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله‏:‏ وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه انتهى كلام ابن القيم‏.‏ وأما قوله لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر إلخ ففيه أن الجوربين إذا كانا من غير الجلد وكانا ثخينين صفيقين بحيث يستمسكان على القدمين بلا شد ويمكن تتابع المشي فيهما فلا شك في أنه ليس بين هذهين الجوربين والخفين فرق مؤثر لأنهما في معنى الخفين، وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن تتابع المشي فهما ليسا في معنى الخفين فلا شك في أن بينهما وبين الخفين فرقا مؤثرا، ألا ترى أن الخفين بمنزلة النعلين عند عدم وجدانهما يذهب الرجل فيهما ويجيء ويمشي أينما شاء، فلابس الخفين لا يحتاج إلى نزعهما عند المشي فلا ينزعهما يوماً وليلة بل أياما وليالي فهذا يشق عليه نزعمها عند كل وضوء بخلاف لابس الجوربين الرقيقين فإنه كلما أراد أن يمشي يحتاج إلى النزع فينزعهما في اليوم والليلة مرات عديدة، وهذا لا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء، وهذا الفرق يقتضي أن يرخص للابس الخفين دون لابس الجوربين الرقيقين، فقياس هذا على ذلك قياس مع الفارق، فعدم ظهور الفرق المؤثر بينهما وبين الخفين ممنوع، ولو سلم أنه لا يظهر الفرق بينهما وبين الخفين فلا شك في أن الجوربين الرقيقين ليس داخلين تحت أحاديث الخفين لأن الجورب ليس من أفراد الخف فلا وجه لجواز المسح عليهما إلا مجرد القياس، ولا يترك ظاهر القرآن بمجرد القياس ألبتة‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد أجاب الحافظ بن القيم عن قول مسلم لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل فقال‏:‏ جوابه من وجهين‏:‏ أحدهما أن ظاهر القرآن لا ينفي المسح على الجوربين إلا كما ينفي المسح على الخفين، وما كان الجواب عن موارد الإجماع فهو الجواب عن مسألة النزاع‏.‏ الثاني‏:‏ الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأوليله مسحوا على الجوربين وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ في كلا الوجهين من الجواب نظر‏.‏ أما الوجه الأول ففيه أنه قد ورد في المسح على الخفين أحاديث كثيرة قد أجمع على صحتها أئمة الحديث فلأجل هذه الأحاديث الصحيحة تركوا ظاهر القرآن وعملوا بها، وأما المسح على الجوربين فلم يرد فيه حديث أجمع على صحته، وما ورد فيه فقد عرفت ما فيه من المقال فكيف يترك ظاهر القرآن ويعمل به‏.‏ وأما الوجه الثاني ففيه أنه لم يثبت أن الجواربة التي كان الصحابة رضي الله عنهم يمسحون عليها كانت رقائق بحيث لا تستمسك على الأقدام ولا يمكن لهم تتابع المشي فيها‏.‏ فيحتمل أنها كانت صفيقة ثخينة فرأوا أنها في معنى الخفاف وأنها داخلة تحت أحاديث المسح على الخفين، وهذا الاحتمال هو الظاهر عندي‏.‏ وقد عرفت قول الإمام أحمد إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف إلخ فلا يلزم من مسح الصحابة على الجواربة التي كانوا يمسحون عليها جواز المسح على الجوربين مطلقاً ثخينين كانا أو رقيقين فتفكر‏.‏

والراجع عندي أن الجوربين إذا كانا صفيقين ثخينين فهما في معنى الخفين يجوز المسح عليهما، وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن المشي فيهما فهما ليسا في معنى الخفين، وفي جواز المسح عليهما عندي تأمل والله تعالى أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن العلامة أبا الطيب شمس الحق رحمه الله تعالى قد اختار قول من اشترط في جواز المسح على الجوربين التجليد، حيث قال في غاية المقصود‏:‏ بعد ذكر المذاهب المذكورة ما لفظه‏:‏ وأنت خبير أن الجورب يتخذ من الأديم وكذا من الصوف وكذا من القطن، ويقال لكل واحد من هذا إنه جورب ومن المعلوم أن هذه الرخصة بهذا العموم التي ذهبت إليها تلك الجماعة لا تثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف، سواء كانا منعلين أو ثخينين فقط، ولم يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين غير المجلدين بل يقال إن المسح يتعين على الجوربين المجلدين لا غيرهما‏.‏ لأنهما في معنى الخف والخف لا يكون إلا من أديم، نعم إن كان الحديث قوليا بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم امسحوا على الجوربين لكان يمكن الاستدلال بعمومه على كل أنواع الجورب، وإذ ليس فليس، فإن قلت‏:‏ لما كان الجورب من الصوف أيضاً احتمل أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف أو قطن إذ لم ببين الراوي، قلت‏:‏ نعم الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من قطن لكن ترجح الجانب الواحد وهو كونه من أديم لأنه يكون حينئذ في معنى الخف ويجوز المسح عليه قطعاً‏.‏ وأما المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك انتهى كلامه‏.‏

قلت‏:‏ كلامه هذا حسن طيب، لكن فيه أن لقائل أن يقول إن هذا القول لا يثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين اللذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كاغنا مجلدين، ولم يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين المجلدين‏.‏ وأما قوله إن الجوربين المجلدين في معنى الخف فلا يجدي نفعاً فإن القائلين بجواز المسح على الجوربين الثخينين فقط يقولون أيضاً إنهما لثخوفتهما وصفاقتهما في معنى الخف فتفكر‏.‏

تنبيه‏:‏

قد استدل بعض مجوزي المسح على الجوربين مطلقاً ثخينا كان أو رقيقاً بما رواه الإمام أحمد في مسنده قال‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين‏.‏ ورواه أبو داود في سننه، وقال قال ابن الأثير في النهاية‏.‏ العصائب هي العمائم لأن الرأس يعصب بها‏.‏ والتساخين كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما‏.‏ ولا واحد لها من لفظها‏.‏ قال ورجال هذا الحديث ثقات مرضيون انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذا الحديث لا يصلح للاستدلال فإنه منقطع، فإن راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان، قال الحافظ بن أبي حاتم في كتاب المراسيل ص 22 أنبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلى قال‏:‏ قال أحمد يعني ابن حنيل‏:‏ راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان انتهى‏.‏

وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب‏:‏ قال أبو حاتم والحربي لم يسمع من ثوبان، وقال الخلال عن احمد لا ينبغي أن يكون سمع منه انتهى‏.‏

على أن التساخين قد فسرها أهل اللغة بالخفاف، قال ابن الأثير في النهاية في حرف التاء ما لفظه‏:‏ أمرهم أن يمسحوا على التساخين هي الخفاف ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين وتسخن، والتاء فيها زائدة، وذكرناها هنا حملا على ظاهر لفظها، قال حمزة الأصفهاني‏:‏ أما التسخان فتعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة يأخذونه على رؤوسهم خاصة، وجاء في الحديث ذكر العمائم والتساخين فقال من تعاطى تفسيره هو الخف حيث لم يعرف فارسيته انتهى‏.‏

وقال في حرف السين‏:‏ إنه أمرهم أن يمسحوا على المشاوذ والتساخين‏:‏ التساخين‏:‏ الخفاف ولا واحد لها من لفظها، وقيل واحدها تسخان وتسخين هكذا في شرح كتب اللغة والغريب، وقال حمزة الأصفهاني في كتاب الموازنة‏:‏ التسخان تغريب تشكن إلى آخر ما ذكر في حرف التاء، وكذا في مجمع البحار، فلما ثبت أن التساخين عند أهل اللغة والغريب هي الخفاف، فالاستدلال بهذا الحديث على جواز المسح على الجوربين مطلقاً ثخينين كانا أو رقيقين غير صحيح‏.‏

ولو سلم‏:‏ أن التساخين عند بعض أهل اللغة هي كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما فعند بعضهم التسخان تعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كما عرفت‏.‏ وفي الدر المنثور للسيوطي‏:‏ قال حمزة‏:‏ التسخان معرب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس، كان العلماء والقضاة يأخذونه على رؤوسهم خاصة، ووهم من فسره بالخف انتهى‏.‏

فحصل للتساخين ثلاثة تفاسير‏:‏ الأول إنهما هي الخفاف، والثاني إنها هي كل ما يسخن به القدم، الثالث إنها هي تعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس، فمن ادعى أن المراد بها في حديث ثوبان المذكور كل ما يسخن به القدم دون غيره فعليه بيان الدليل الصحيح ودونه خرط القتاد‏.‏

تنبيه آخر‏:‏ قال الحافظ بن تيمية في فتاواه ما لفظه‏:‏ يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء، ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه، وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين‏.‏ إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة، فلا فرق بين أن يكون جلوداً أو قطنا أو كتابا أو صوفاً كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه، وعايته أن الجلد أبقى من الصوف وهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قوياً، بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى، وأيضاً فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء، ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقاً بين المتماثلين وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله انتهى كلامه‏.‏

قلت‏:‏ كلام الحافظ بن تيمية هذا ليس مخالفاً لما أخترنا من أن الجوربين إذا كانا ثخينين صفيقين بمكن تتابع المشي فيهما يجوز المسح عليهما، فإنهما في معنى الخفين، فإنه رحمه الله قيد جواز المسح على الجوربين بقوله‏:‏ إذا كان يمشي فيهما وظاهر أن تتابع المشي فيهما لا يمكن فيهما إلا إذا كانا ثخينين وأما قوله‏:‏ ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقاً بين المتماثلين فإنما يستقيم إذا كان الجوربان ثخينين بحيث يمكن تتابع المشي فيهما وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يمكن تتابع المشي فيهما فلا، كما عرفت فيما تقدم، فقيام الجوربين الرقيقين على الخفين قياس مع الفارق‏.‏ هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏

75- بابُ مَا جَاءَ فِي الْمسْحِ عَلَى الْعِمَامَة

‏(‏باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة‏)‏ في نسخة قلمية عتيقة‏:‏ باب ما جاء في المسح على العمامة، وليس فيها لفظ الجوربين وهو الظاهر

100- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بن سَعيدٍ القَطانُ عنْ سُلَيْمانَ التّيْمِيّ عنْ بَكْرِ بن عَبْدِ الله المُزنِيّ عنِ الْحَسَنِ عنِ ابن المُغيرةِ ابن شُعْبَةَ عنْ أَبيه قال‏:‏ ‏"‏توَضّأَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ عَلَى الْخُفّيْنِ وَالْعِمَامَةِ‏"‏‏.‏

قال بَكْرٌ‏:‏ وَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابنِ المُغيرةِ‏.‏

قال‏:‏ وَذَكَرَ محمّدُ بنُ بَشّارٍ في هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ مَسَحَ عَلَى نَاصِيِتَهِ وَعِمَامَتِهِ‏"‏‏.‏

وَقَدْ روِىَ هذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عنِ المُغيرةِ بن شُعْبَةَ‏:‏ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ ‏(‏المَسْحَ عَلَى النّاصيَةِ وَالْعمَامَةِ‏)‏، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعضُهُمُ ‏(‏النّاصِيَةَ‏)‏‏.‏

وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بن الْحَسَنِ يَقول‏:‏ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بن حنْبَلٍ يَقولُ‏:‏ مَا رأَيتُ بِعَيْنِي مِثْلَ يَحْيَى بن سعيدٍ الْقَطّانِ‏.‏

‏(‏قال‏)‏‏:‏ وفي البابِ عن عَمْرِو بن أُمَيّةَ، وَسلْمَانَ، وَثَوْبَانَ، وَأَبي أُمَامةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ المُغيرةِ بن شُعْبَةَ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَهُو قَوْلُ غَيْرِ وَاحدٍ منْ أَهْلِ الْعِلم من أَصحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ‏:‏ أَبو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَنَسٌ‏.‏ وبهِ يَقولُ الأوْزَاعيّ وَأَحْمَد، وَإِسْحَاقُ، قَالُوا‏:‏ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامةِ‏.‏

وَقال غَيْرُ وَاحدٍ منْ أَهْلِ الْعلْمِ منْ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابعينَ‏:‏ لا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامة إِلاّ أَنْ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مَعَ الْعِمَامةِ‏.‏ وَهُو قَوْلُ سفْيَانَ الثّوريّ، وَمَالِكِ بن أَنسٍ، وابن المُبَارَكِ، وَالشّافِعيّ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وَسَمِعْتُ الْجَارُودَ بن مُعاذٍ يَقولُ‏:‏ سَمِعْتُ وَكِيعَ بنَ الْجَرّاحِ يَقولُ‏:‏ إِنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامةِ يُجْزِئُهُ لِلأثَرِ‏.‏

101- حدثنا هَنّادٌ حَدّثنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عنِ الأعمشِ عنِ الْحَكَمِ عنْ عبدِ الرّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ عن بِلاَلٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مسح عَلَى الخُفّيْنِ وَالْخِمَارِ‏"‏‏.‏

102- حدثنا قُتَيْبةُ ‏(‏بن سعيدٍ‏)‏ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّل عنْ عبْد الرّحمَن بن إسحق ‏(‏هو الْقُرَشِيّ‏)‏ عن أَبي عُبَيْدَةَ بن محمّدِ بن عَمّارِ بن يَاسِر قَالَ‏:‏ سأَلتُ جَابر بن عبْدِ الله عن المَسْحِ عَلَى الْخُفْين‏؟‏ فقال‏:‏ السّنّةُ يَا ابْنَ أَخي‏.‏ ‏(‏قال‏)‏‏:‏ وَسأَلْتُهُ عنِ المَسْحِ عَلَى الْعِمَامَة‏؟‏ فقال‏:‏ أَمِسّ الشّعْرَ المَاءَ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بكر بن عبد الله المزني‏)‏ البصري ثقة من أوساط التابعين ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو الحسن البصري ‏(‏عن ابن المغيرة بن شعبة‏)‏ اسم ابن المغيرة هذا حمزة وللمغيرة ابنان حمزة وعروة، والحديث مروى عنهما جميعاً، لكن رواية بكر بن عبد الله المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة وعن ابن المغيرة غير مسمى، ولا يقول بكر بن عروة، ومن قال عروة عنه فقد وهم قاله النووي في شرح مسلم، وحمزة بن المغيرة هذا ثقة من أوساط التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومسح على الخفين والعمامة‏)‏ بكسر العين وجمعه العمائم ‏(‏قال بكر وقد سمعته من ابن المغيرة‏)‏ أي بلا واسطة الحسن ‏(‏وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته‏)‏ الناصية مقدم الرأس، وقد وقع في رواية لمسلم مسح على الخفين ومقدم رأسه وعلى عمامته ‏(‏وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية‏)‏ والذاكرون ثقات حفاظ فزيادة الناصية مقبولة بلا شك، قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قوله ومسح بناصيته وعلى العمامة هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي، ولا يشترط الجميع لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة عن الباقي، فإن الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد لا يجوز، كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى‏.‏ وأما التيمم بالعمامة فهو عند الشافعي وجماعة على الاستحباب ليكون الطهارة على جميع الرأس، ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث، وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته، ويستحب أن يتيمم على القلنسوة كالعمامة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئاً من الرأس لم يجزه ذلك عندنا بلا خلاف، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء وذهب أحمد بن حنبل إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف انتهى كلام النووي‏.‏

قلت‏:‏ والمرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد بن حنبل لأحاديث الباب والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة‏)‏ أما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه عنه، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه، وأما حديث سلمان فأخرجه أحمد عنه أنه رأى رجلاً قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته، وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره، وحديث سلمان هذا أخرجه أيضاً الترمذي في العلل ولكنه قال مكان وعلى خماره وعلى ناصيته، وفي إسناده أبو شريح، قال الترمذي‏:‏ سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه فقال لا أدرى لا أعرف اسمه وفي إسناده أيضاً أبو مسلم مولى زيد بن صوحان وهو مجهول، قال الترمذي لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير هذا الحديث‏.‏ وأما حديث ثوبان فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، قال صاحب المنتقي‏:‏ العصائب والعمائم والتساخين الخفاف، قال الشوكاني في النيل في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان، قال الخلال في علله إن أحمد قال‏:‏ لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد من ثوبان لأنه مات قديماً انتهى‏.‏

وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني بلفظ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة في غزوة تبوك، وفي الباب أيضاً عن خزيمة بن ثابت أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار وعن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على الخفين والخمار أخرجه الطبراني في معجمه الصغير وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الموقين والخمار أخرجه البيهقي في سننه، وعن أبي ذر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط، وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم بلفظ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين، ولم يخرجه البخاري، وقال الحافظ وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق عليه، وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم، وقد تعقبه ابن عبد الهادي وصرح عبد الحق في الجمع بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على العمامة‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم، وقال ابن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا إنتهى‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ قال الشافعي إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول انتهى‏.‏

وقال فيه ورواه أي المسح على العمامة ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله انتهى‏.‏

وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد‏:‏ ومسح على العمامة مقتصراً عليها ومع الناصية وثبت عنه ذلك فعلا وأمراً في عدة أحاديث، لكن في قضايا أعيان يحتمل أن يكون خاصة بحال الحاجة والضرورة، ويحتمل العموم كالخفين وهو أظهر انتهى‏.‏

وفي شرح الموطأ للزرقاني وأجاز المسح عليها أحمد والأوزاعي وداود وغيرهم، للاَثار وقياساً على الخفين، ومنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة لأن المسح على الخفين مأخوذ من الآثار لا من القياس‏.‏ ولو كان منه لجاز المسح على القفازين، وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس وحديث مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل وقياسه على الخف بعيد لمشقة نزعه بخلافها‏.‏ وتعقب بأن الاَية لا تنفي الإقتصار على المسح لا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه‏.‏ لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو على حائل‏.‏ وبأن المجيزين الإقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه مشقة نزعها كالخف، ورد الأول بأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ما لم يرد نص صريح بخلافه، والنصوص وردت على النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا بمسح الرأس فتحمل رواية مسح العمامة على أنه كان لعذر بدليل المسح على الناصية معها كما في مسلم انتهى كلام الزرقاني‏.‏

قلت‏:‏ قد ثبتت وصحت أحاديث المسح على العمامة فلا حاجة إلى القياس على المسح على الخفين ولا حاجة إلى تأويل تلك الأحاديث، بل الظاهر أن تحمل على ظواهرها‏:‏

فائدة‏:‏

اختلف القائلون بالمسح على العمامة هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أو لا يحتاج، فقال أبو ثور لا يمسح على العمامة إلا من لبسها على طهارة قياسا على الخفين، ولم يشترط ذلك الباقون، وكذلك اختلفوا في التوقيت، فقال أبو ثور أيضاً إن وقته كوقت المسح على الخفين، وروى مثل ذلك عن عمر‏.‏ والباقون لم يوقتوا‏.‏ قال ابن حزم إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت، وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثاً في السفر ويوماً وليلة في الحضر‏.‏ لكن في إسناده مروان أبو سلمة، قال ابن أبي حاتم ليس بالقوي، وقال البخاري منكر الحديث، وقال الأزدي ليس بشيء‏.‏ وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ليس بصحيح انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول سمعت وكيع بن الجراح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر‏)‏ أي للحديث والأمر عندي كما قال وكيع فإن أحاديث الباب تدل على أجزاء المسح على العمامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن إسحاق‏)‏ بن عبد الله بن الحرث بن كنانة القرشي العامري المدني، روى عن أبيه والزهري وعنه إبراهيم بن طهمان وبشر بن المفضل، وثقة ابن معين‏.‏ قال أبو داود ثقه قدرى قال الفسوي وابن خزيمة ليس به بأس قال ابن عدي أكثر أحاديثه صحاح وله ما ينكر كذا في الخلاصة ‏(‏عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ياسر‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أخو سلمة وقيل هو هو مقبول انتهى‏.‏ وقال في الخلاصة وثقه ابن معين وفيه كلام أبي حاتم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال السنة يا ابن أخي‏)‏ أي هو السنة يا ابن أخي ‏(‏فقال أمس الشعر‏)‏ أمر من المس يعني لا يجوز المسح على العمامة فعليك أن تمس الشعر‏.‏ وقال محمد في موطئه أخبرنا مالك قال بلغني عن جابر ابن عبد الله أنه سئل عن العمامة فقال لا حتى يمس الشعر الماء‏.‏ قال صاحب التعليق الممجد‏:‏ قوله حتى يمس من الإمساس أو المس أي يصيب الشعر بالنصب على أنه مفعول مقدم‏.‏ الماء بالرفع أو النصب انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه ومع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ اختلف السلف في معنى المسح على العمامة، فقيل إنه كمل عليها بعد مسح الناصية وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك، وإلى عدم الإقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور، وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح الرأس محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل، قال وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها‏.‏

وتعقب‏:‏ بأن الذين أجازوا الإقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف‏.‏ وطريقه أن تكون محكمة كعمائم العرب‏.‏ وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين، وقالوا الاَية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقتة ومجازه‏.‏ لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل انتهى‏.‏ وقال ابن قدامة في المغنى‏:‏ يجوز المسح على العمامة قال ابن المنذر وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر وأنس وأبو أمامة، وروى عن سعيد بن مالك وأبي رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول والأوزاعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال عروة والنخعي والشعبي والقاسم ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا يمسح عليها لقوله الله تعالى ‏(‏وامسحوا برؤسكم‏)‏، ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمين، ولنا ما روى المغيرة بن شعبة قال‏:‏ توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، قال أحمد هو من خمسة وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله، قال ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس فإنه يعفي عنه، قال ومن شرط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين، إما بأن يكون تحت الحنك منها شيء لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر ستراً من غيرها ويشق نزعها فيجوز المسح عليها سواء كانت ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي وسواء كانت صغيرة أو كبيرة‏.‏ فإن لم يكن تحت الحنك منها شيء ولا لها ذؤابة لم يجزالمسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط رواه أبو عبيدة والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء وروى أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحنكه بكور منها‏.‏ وقال ما هذه الفاسقية‏.‏ فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعهما وإن كانت ذات ذؤابة ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان أحدهما جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها‏.‏ قال وإن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد‏.‏ قال والتوقيت في مسح العمامة كالتوقيت في مسح الخف، لما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوماً وليلة للمقيم، رواه الخلال بإسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولا ممسوح على وجه الرخصة فتوقت بذلك كالخف انتهى‏.‏ ما في المغنى‏.‏

قلت‏:‏ لا ريب في أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة كما يدل عليه أحاديث الباب‏.‏ وأما هذه الشرائط التي ذكرها ابن قدامة فلم أر ما يدل على ثبوتها من الأحاديث الصحيحة والله تعالى أعلم‏.‏ وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط فلم يذكر ابن قدامة سنده ولم يذكر تحسينه ولا تصحيحه عن أحد من أئمة الحديث، ولم أقف على سنده ولا على من حسنه أو صححه فالله أعلم كيف هو‏.‏ وأما ما رواه في توقيت المسح على العمامة ففي إسناده شهر بن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن‏.‏ صدوق كثير الإرسال والأوهام كذا في التقريب، وقد أخرجه الطبراني أيضاً وفي إسناده مروان أبو سلمة، وقد عرفت أن البخاري قال إنه منكر الحديث، وقال ابن أبي حاتم ليس بالقوي، وقد عرفت أيضاً أنه سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ليس بصحيح‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الإمام محمد في موطئه‏:‏ بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك انتهى‏.‏ قال صاحب التعليق الممجد‏:‏ لم نجد إلى الاَن ما يدل على كون المسح على العمامة منسوخاً، لكن ذكروا أن بلاغات محمد مسندة فلعل عنده وصل بإسناده انتهى كلامه‏.‏ قلت‏:‏ لا بد لمن يدعى أن المسح على العمامة كان فترك، أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح، ولا يثبت النسخ بمجرد قول الإمام محمد المذكور، كما لا يخفي على العالم المنصف‏.‏

76- بابُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَة

‏(‏باب ما جاء في الغسل من الجنابة‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ الجنب الذي يجب عليه الغسل بالجماع أو خروج المني، ويقع على الواحد والإثنين، والجمع والمؤنث بلفظ واحد، وقد يجمع على أجناب وجنبين وأجنب يجنب إجنابا- والجنابة الاسم- وهي في الأصل البعد، وسمي الإنسان جنباً، لأنه نهى أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل انتهى، وفي القاموس‏:‏ الجنابة المني، وقد أجنب وجنب وجنب وأجنب واستجنب، وهو جنب بضمتين يستوي للواحد والجمع انتهى

103- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن الأعْمَشِ عن سالِمِ بن أَبي الْجَعْد عن كُريْبٍ عن ابن عبّاسٍ عن خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قالت‏:‏ ‏"‏وَضَعْتُ لِلنبيّ صلى الله عليه وسلم غُسْلاً فاغْتَسَلَ منَ الْجَنَابَةِ‏:‏ فأَكْفَأَ الاْنَاءَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمينهِ، فَغَسَل كَفّيْهِ، ثمّ أَدْخَل يَدَهُ في الاْنَاءِ فَأَفَاضَ عَلَى فَرْجه ثمّ دَلَكَ بِيدِهِ الْحَائِطَ، أَوِ الأرضَ، ثم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَل وَجْهَهُ وَذِرَاعيهِ، ثمّ أَفاض عَلَى رأْسهِ ثَلاَثاً، ثمّ أَفاضَ عَلَى سائِر جَسَدهِ، ثمّ تَنَحّى فَغَسَل رجْلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عنْ أُمّ سَلَمةَ، وجَابرٍ، وَأَبي سَعِيدٍ وَجبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وَأَبي هُريْرةَ‏.‏

104- حدثنا ابنُ أَبيِ عُمَرَ حدثنا سُفْيانُ ‏(‏بنُ عُيَيْنةَ‏)‏ عن هِشَامِ بن عُروةَ عنْ أَبيهِ عن عَائِشَةَ قالت‏:‏ ‏"‏كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابةِ بَدَأ فَغَسَلَ يَديْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلهُمَا الاْنَاء، ثمّ غَسَلَ فَرْجَهُ، وَيَتَوَضّأُ وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ، ثمّ يُشَرّبُ شَعْرَهُ المَاءَ، ثمّ يَحْثِي عَلَى رأْسِهِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذَا حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَهُو الذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ في الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ‏:‏ أَنّهُ يَتَوَضّأُ وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ، ثمّ يُفْرِغُ عَلَى رأْسهِ ثَلاَثَ مرّاتٍ، ثمّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى سائرٍ جَسَدهِ، ثم يَغْسِلُ قَدَميْهِ‏.‏

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وَقالُوا‏:‏ إِن انْغَمَسَ الْجُنُبُ في المَاءِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ أَجْزَأَهُ‏.‏ وَهُو قَوْلُ الشّافعِيّ، وَأَحْمَدَ وإسْحاقَ‏.‏

‏(‏عن سالم بن أبي الجعد‏)‏ الأشجعي الكوفي، ثقة من رجال الكتب الستة، وكان يرسل كثيراً من الثالثة، مات سنة 97 سبع أو ثمان وتسعين وقيل مائة أو بعد ذلك، ولم يثبت أنه جاوز المائة ‏(‏عن كريب‏)‏ بالتصغير هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبو رشدين مولى ابن عباس ثقه من الطبقة الوسطى من التابعين، روى عن مولاه ابن عباس وعائشة وأم هانئ، وعنه أبو سلمة وبكير بن الأشج موسى بن عقبة، وثقه النسائي، مات سنة ثمان وتسعين ‏(‏عن خالته ميمونة‏)‏ بنت الحارث العامرية الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة سبع وتوفيت بسرف حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما بين مكة والمدينة، وذلك سنة 51 إحدى وخمسين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا‏)‏ بضم الغين وسكون السين أي ماء الاغتسال، وفي رواية البخاري وغيره وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل ‏(‏فاغتسل‏)‏ أي أراد الاغتسال ‏(‏من الجنابة‏)‏ من سببية أي لأجل الجنابة فأكفأ الإناء أي أماله، قال في النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته، وقال في القاموس أكفأ أمال وقلب ‏(‏فغسل كفيه‏)‏ يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم وهو الراجح، يدل عليه قول ميمونة ثم أدخل يده في الإناء، وقول عائشة في حديثها الاَتي فغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ‏(‏فأفاض على فرجه‏)‏ أي صب الماء عليه وغسله، وفي رواية للبخاري وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، وفي رواية أخرى له فغسل مذاكيره ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، شك من الراوي، وفيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو التراب بعد الاستنجاء ‏(‏فأفاض على رأسه ثلاثا‏)‏ ظاهره يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه كما يفعل في الوضوء، قاله ابن دقيق العيد، وقال الحافظ في الفتح‏:‏ ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسك به المالكية، لقولهم إن ضوء الغسل لا تمسح فيه الرأس بل يكتفي عنه لغسلها انتهى ‏(‏ثم أفاض على سائر جسده‏)‏ أي أسال الماء على باقي جسده‏.‏ قال في القاموس السائر الباقي لا الجميع كما توهم جماعات، وقد يستعمل له، ومنه قول الأخرس‏.‏

فجللتها لنا لبابة لما وقد النوم سائر الحراس

وقال الجزري في النهاية‏:‏ والسائر مهموز الباقي والناس يستعملونه في معنى الجميع ونيس بصحيح، وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث وكلها بمعنى باقي الشيء انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قد وقع عند البخاري في حديث عائشة من طريق مالك عن هشام عن أبيه عنها ثم يفيص الماء على جلده كله‏.‏ قال الحافظ هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعد ما تقدم انتهى‏.‏ ووقع في حديثها من طريق عبد الله عن هشام عن أبيه ثم غسل سائر جسده، قال الحافظ أي بقية جسده، قال فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعاً بين الروايتين انتهى ‏(‏ثم تنحى‏)‏ أي تحول إلى ناحية ‏(‏فغسل رجليه‏)‏‏.‏ وفي رواية للبخاري عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه الحديث، وفيه ثم نحى رجليه فغسلهما هذه غسلة من الجنابة‏.‏

قال الحافظ تحت هذه الرواية‏:‏ فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره، وهو مخالف لظاهر رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء الحديث، ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين وبحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين‏.‏ اختلف نظر العلماء‏:‏ فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل‏.‏ وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم، وعند الشافعية في الأفضل قولان‏:‏ قال النووي‏:‏ أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه، قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك‏.‏ قال الحافظ كذا قال النووي وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة الحديث‏.‏ وفي آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه، وله شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود والطيالسي بلفظ فإذا فرغ غسل رجليه، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب، وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش انتهى كلام الحافظ ملخصاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن حصحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة‏)‏ أما حديث أم سلمة فأخرجه مسلم، وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله إنا في أرض باردة فكيف الغسل من الجنابة‏؟‏ فقال صلى الله عليه وسلم أما أنا فأحثوا على رأسي ثلاثاً، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أيضاً ابن ماجه عنه أن رجلاً سأله عن الغسل من الجنابة فقال ثلاثاً فقال الرجل إن شعري كثير فقال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر شعراً منك وأطيب، وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه أيضاً ابن ماجه عنه قال‏:‏ تماروا في الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف، وأخرجه أيضاً البخاري ومسلم والنسائي، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ‏:‏ سأله رجل كم أفيض على رأسي وأنا جنب، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثو على رأسه ثلاث حثيات، قال الرجل إن شعري طويل، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعراً منك وأطيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا سفيان‏)‏ هو ابن عينية كما يظهر من عبارة الحافظ الاَتية ‏(‏إذا أراد أن يغتسل من الجناية‏)‏ أي من أجل رفعها أو بسبب حدوثها ‏(‏بدأ بغسل يديه‏)‏ وفي نسخة صحيحة فغسل يديه‏.‏ قال الحافظ يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث قبل أن يدخلهما في الإناء رواه الشافعي والترمذي، وزاد أيضاً ثم يغسل فرجه انتهى‏.‏ قلت رواية الترمذي والتي أشار إليها الحافظ هي هذه التي نحن في شرحها وظهر من كلام الحافظ هذا أن سفيان في هذه الرواية هو ابن عيينة ‏(‏ثم يغسل‏)‏، وفي النسخة القلمية، ثم غسل ‏(‏ثم يتوضأ وضوءه‏)‏ بالنصب، أي كوضوئه للصلاة، ‏(‏ثم يشرب‏)‏ من التشريب أو الإشراب ‏(‏شعره‏)‏ بالنصب ‏(‏الماء‏)‏ بالنصب أيضاً وهما مفعولان ليشرب‏:‏ أي يسقى صلى الله عليه وسلم شعره المبارك الماء، قال في مجمع البحار‏:‏ تشريبه بل جميعه الماء انتهى‏.‏ وقال ابن العربي في العارضة‏:‏ قوله يشرب شعره الماء يعني يسقيه، كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأشربوا في قلوبهم العجل‏)‏ أي سقى في قلوبهم حبه، قال‏:‏ معناه يصب عليه الماء فيسري إلى مداخله، كسريانه إلى بواطن البدن، شبهه به وسماه شراباً لأجله، وهذا مجاز بديع انتهى‏.‏

‏(‏وفي رواية الشيخين‏)‏ ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ‏(‏ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات‏)‏ أي ثلاث غرف بيديه واحدها حثية، قاله في النهاية، والمعنى يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، وفي رواية للشيخين ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله‏:‏ ‏(‏ثم يفرغ‏)‏ من الإفراف وهو الصب ‏(‏ثم يفيض‏)‏ من الإفاضة وهو الإسالة ‏(‏وقالوا إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه‏)‏ يعني الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، قال الشافعي في الأم فرض الله تعالى الغسل مطلقاً لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، ثم حديث عائشة عن مالك بسنده قال ابن عبد البر‏:‏ هو أحسن حديث روي في ذلك فإن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل، كذا ذكره الزرقاني في شرح الموطأ‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ نقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث انتهى كلام الحافظ، وقال ابن العربي في العارضة‏:‏ قال أبو ثور‏:‏ يلزم الجمع بين الوضوء والغسل، كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ثلاثة أجوبة الأول‏:‏ أن ذلك ليس بجمع كما بيناه وإنما هو غسل كله‏.‏ الثاني‏:‏ أنه إن كان جمع بينهما فإنما ذلك استحباب بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏حتى تغتسلوا‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏وإن كنتم جنباً فاطهروا‏)‏، فهذا هو الفرض الملزم والبيان المكمل وما جاء من بيان هيئته لم يكن بياناً لمجمل واجب فيكون واجباً، وإنما كان إيضاحاً لسنة‏.‏ الثالث‏:‏ أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء، ومنها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة إذا قالت له إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه للغسل من الجنابة، فقال لها‏:‏ إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تضغثيه، ثم تفيضين على جسدك الماء فإذا أنت قد طهرت انتهى كلام ابن العربي‏.‏ قلت‏:‏ في كل من الأجوبة الثلاثة عندي نظر‏.‏ أما في الأول فلأن ظاهر حديث ميمونة وحديث عائشة هو الجمع كما عرفت، أما في الثاني فلأن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏حتى تغتسلوا‏)‏ هو الاغتسال الشرعي الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل الجنابة، وكذا المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاطهروا‏)‏ هو التطهر الشرعي، وأما في الثالث فلأن عدم ذكر الوضوء في بعض أحاديث غسل الجنابة ليس بدليل على أنه ليس بواجب في غسل الجنابة، كما لا يخفي على المتأمل‏.‏ هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏