فصل: 24- بابُ مَا جَاءَ (فِي) مَسْحِ الرّأْسِ أَنّهُ يَبْدَأُ بِمُقَدّمِ الرّأْسِ إِلى مُؤَخّرِه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


19- بابُ ‏(‏مَا جَاءَ‏)‏ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ منَامِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإْنَاءِ حَتّى يَغْسِلَهَا

قوله ‏(‏باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء‏)‏

24- حدّثنا أَبُو الْوَلِيدِ أَحْمَدُ بْنُ بَكّارٍ الدّمَشْقِيّ‏:‏ ‏(‏يُقَالُ‏:‏ هُوَ‏)‏ مِنْ وَلَدِ بُسْرِ بنِ أَرْطَاةَ صَاحِبِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأْوْزَاعِيّ عَنِ الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيّبِ‏.‏ وَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللّيْلِ فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإْنَاءِ حَتّى يُفْرِغْ عَليْهَا مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، فَإِنّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَة‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قَالَ الشّافِعِيّ‏:‏ وَأُحِبّ لِكلّ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ النّومِ، قَائِلةً كانَتْ أو غَيْرَهَا‏:‏ أَنْ لاَ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتّى يَغْسلَها‏.‏ فَإنْ أَدْخَلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ الْمَاءَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ نَجَاسَةٌ‏.‏

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ إِذَا اسْتَيْقَظَ ‏(‏مِنَ النّوْمِ‏)‏ مِنَ اللّيْلِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي وَضُوِئهِ قَبْلَ أَن يَغْسِلَهَا فأَعْجَبُ إِلَىّ أَنْ يُهَرِيقَ الْمَاءَ‏.‏

وَقَالَ إِسْحَاقُ‏:‏ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النّوْمِ بِاللّيْلِ أَوْ بِالنّهَارِ فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فيَ وَضوئِهِ حَتّى يَغْسِلَهَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد الكاف، هو أحمد بن عبد الرحمن بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن أبي أرطاة، قال الحافظ‏:‏ صدوق وتكلم فيه بلا حجة ‏(‏من ولد بسر بن أرطاة‏)‏ بضم الواو وسكون اللام جمع ولد، بسر بضم الموحدة وسكون المهملة ويقال له بسر بن أبي أرطاة، ‏(‏قال نا الوليد بن مسلم‏)‏ القرشي‏.‏ ولاهم، أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، روى عن ابن عجلان والأزاعي وغيرهما، وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وخلق مات سنة 195 خمس وتسعين ومائة ‏(‏عن الأوزاعي‏)‏ اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الفقيه ثقة جليل، قال ابن سعد كان ثقة مأمونا فاضلاً خيرا كثير الحديث والعلم والفقه، قال إسحاق‏:‏ إذا اجتمع الأوزاعي والثوري ومالك على الأمر فهو سنة‏:‏ مات سنة 157 سبع وخمسين ومائة ‏(‏عن الزهري‏)‏ اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، كذا في التقريب، ومحمد بن مسلم هذا معروف بالزهري وابن شهاب ‏(‏عن سعيد بن المسيب‏)‏ بن حزن أبي وهب بن عمرو القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية، قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين، كذا في التقريب ‏(‏وأبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، أحد الأعلام قال عمرو بن علي ليس له اسم، روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم، وعنه ابنه عمر وعروة والأعرج والزهري وغيرهم، قال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث، مات سنة 94 أربع وتسعين وكان مولده في بضع وعشرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا استيقظ أحدكم من الليل‏)‏ كذا في رواية الترمذي وابن ماجه، وفي رواية الشيخين إذا استيقظ أحدكم من نومه، وليس في روايتهما من الليل ‏(‏فلا يدخل‏)‏ من الإدخال، وفي رواية الشيخين فلا يغمس ‏(‏يده في الإناء‏)‏ أي في إناء الماء ‏(‏حتى يفرغ‏)‏ من الإفراغ أي حتى يصب الماء ‏(‏عليها‏)‏ أي على يده ‏(‏مرتين أو ثلاثاً‏)‏ وفي رواية مسلم وغيره حتى يغسلها ثلاثاً، وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني حتى يغسلها ثلاث مرات ‏(‏فإنه لا يدري أين باتت يده‏)‏ روى النووي عن الشافعي وغيره من العلماء‏:‏ أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة فإذا ناموا عرقوا فلا يؤمن أن تطوف يده على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة، والنهي عن الغمس قبل غسل اليد مجمع عليه، لكن الجماهير على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو غمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس، وقال التوبشتي هذا في حق من بات مستنجياً بالأحجار معرورياً ومن بات على خلاف ذلك ففي أمره سعة، ويستحب له أيضاً غسلها لأن السنّة إذا وردت لمعنى لم تكن لتزول بزوال ذلك المعنى‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني وقال إسناده حسن ولفظه‏:‏ إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين طافت يده، وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والدارقطني، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه وهم، كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الشافعي وأحب لكل من اسبيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة‏)‏ فحمل الشافعي حديث الباب على الاستحباب، وهو قول الجمهور‏.‏ قال ابن تيمية في المنتقى‏:‏ وأكثر العلماء حملوا هذا يعني حديث الباب على الاستحباب، مثل ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه، متفق عليه انتهى‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ وإنما مثل المصنف محل النزاع بهذا الحديث لأنه قد وقع الإتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ ولم يذهب إلى وجوبه أحد انتهى وقال أحمد ابن حنبل إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجب إلى أن يهريق الماء‏.‏ قال في المرقاة‏:‏ ذهب الحسن البصري والإمام أحمد في إحدى الروايتين إلى الظاهر وحكماً بنجاسة الماء، كذا نقله الطيبي‏.‏ قال الشمني عن عروة بن الزبير أحمد بن جنبل وداود أنه يجب على المستيقط من نوم الليل غسل اليدين لظاهر الحديث انتهى ما في المرقاة‏.‏ وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب‏:‏ فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس، وحكى أصحابنا عن الحسن البصري أنه ينحبس أن كان قام من نوم الليل، وحكاه أيضاً عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جداً، فإن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا‏.‏ قال ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها، سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم، وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه‏.‏ ووافقه عليه داود الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت في الحديث، وهذا مذهب ضعيف جداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده، أو هذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة، وذكر الليل أولاً لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفاً من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده انتهى كلام النووي‏.‏ ‏(‏وقال إسحاق‏)‏ هو ابن راهوية ‏(‏إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها‏)‏ فلم يخص إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد‏.‏

قلت‏:‏ القول الراجح عندي هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم‏.‏ وأما إذا أدخل يده في الإناء قبل غسلها فهل صار الماء نجساً أم لا فالظاهر أن الماء صار مشكوكاً فحكمه حكم الماء المشكوك والله تعالى أعلم‏.‏

واعلم أن الجمهور اعتذروا عن حمل حديث الباب على الوجوب بأعذار لا يطمئن بواحد منها قلبي فمن اطمأن بها قلبه فليقل بما قال به الجمهور‏.‏

20- بابُ ‏(‏مَا جَاءَ‏)‏ فِي التّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوُضُوء

قوله ‏(‏باب في التسمية عند الوضوء‏)‏ ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة واختلف أئمة الحديث في صحتها وضعفها، فقال بعضهم كل ما روى في هذا الباب فهو ليس بقوي، وقال بعضهم لا يخلو هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح‏.‏ وقال الحافظ ابن حجر‏:‏ والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الحافظ ومقتضى أحاديث الباب هو الوجوب والله تعالى أعلم‏.‏

25- حدّثنا نَصْر بنُ عَلِيَ ‏(‏الْجَهْضَمِيّ‏)‏ و بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيّ قَالاَ حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حَرْمَلَةَ عن أَبي ثِفَالٍ المُرّىّ عن رَبَاحِ بن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي سُفْيَانَ بن حُوَيْطِبٍ‏.‏ عن جَدّتِهِ عنْ أَبيهَا قَالَتْ‏:‏ سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْه‏"‏‏.‏

‏(‏قالَ‏)‏‏:‏ وفي البابِ عن عَائِشَةَ، وأَبي سَعِيدٍ‏.‏ وَأَبي هُرَيْرَةَ، وَسَهْل بن سَعْدٍ، وَأنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ قَال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ في هَذَا الْبَابِ حَديثاً لهُ إِسْنَادٌ جَيّدٌ‏.‏

وَقَال إِسْحَاقُ‏:‏ إنْ تَرَكَ التّسْمِيَةَ عَامِداً أَعَادَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كانَ نَاسِياً أَوْ مُتَأَوّلاً‏:‏ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ مُحّمدُ ‏(‏بنُ إِسْمَاعيلَ‏)‏‏:‏ أَحْسَنُ شَيْءٍ في هَذَا الْبَابِ حَديثُ رَبَاحِ بن عبِد الرّحْمَن‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ورَبَاحُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن جَدّتِهِ عن أَبِيهاَ‏.‏

وَأَبوهَا سِعيدُ بنُ زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ‏.‏

وَأَبُو ثِفَالٍ المُرّيّ اسمه ‏(‏ثُمَامَةُ بنُ حُصَيْنٍ‏)‏‏.‏

وَرَبَاحُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ هو ‏(‏أبُو بَكْرِ بن حُوَيْطِبٍ‏)‏ مِنْهُمْ مَن رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، فقَال‏:‏ عن أَبي بَكْرِ بن حُوَيْطِبٍ فَنَسَبَهُ إِلَى جَدّهِ‏"‏‏.‏

26- حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْحُلْوَانِيّ حَدّثَنَا يَزيدُ بنُ هَارُونَ عَن يَزيدَ بن عِياَضٍ عَن أَبي ثِفاَلٍ المُرّىّ عَن رَبَاحِ بن عَبْدِ الرّحْمَنِ بن أَبي سُفْيَانَ بن حُوَيْطِبٍ عَن جَدّتِهِ بِنْتِ سَعِيدِ بن زَيْدٍ عَن أَبيهاَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نصر بن علي‏)‏ بن نصر بن علي الجهضمي، ثقة ثبت طلب للقضاء فامتنع، من العاشرة كذا في التقريب، وقال في الخلاصة أحد أئمة البصرة روي عن المعتمر ويزيد بن زريع وابن عيينة وخلق، وعنه ع- يعني الأئمة الستة- قال أبو حاتم هو عندي أوثق من الفلاس وأحفظ قال البخاري مات سنة 250 خمسين ومائتين‏.‏

‏(‏وبشر بن معاذ‏)‏ البصري الضرير يكنى أبا سهل صدوق من العاشرة ‏(‏والعقدي‏)‏ بفتح المهملة والقاف ‏(‏نا بشر بن المفضل، بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت عابد من الثامنة‏)‏‏.‏

‏(‏عن عبد الرحمن بن حرملة‏)‏ بن عمرو بن سنة الأسلمي المدني، صدوق ربما أخطأ ‏(‏عن أبي ثقال‏)‏ بكسر المثلثة بعدها فاء ‏(‏المرى‏)‏ بضم الميم وتشديد الراء اسمه ثمامة بن وائل بن حصين، وقد ينسب لجده وقيل اسمه وائل بن هاشم بن حصين وهو مشهور بكنيته مقبول من الخامسة كذا في التقريب، وقال في الخلاصة‏:‏ قال البخاري في حديثه نظر انتهى‏.‏ كذا في الخلاصة‏.‏

‏(‏عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب‏)‏ بفتح الراء وبالموحدة المدني قاضيها، قال في التقريب مقبول‏.‏

‏(‏عن جدته‏)‏ وفي رواية الحاكم حدثتني جدتي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ في التقريب‏:‏ أسماء بنت سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل لم تسم في الكتابين يعني جامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسماها البيهقي، ويقال إن لها صحبة انتهى‏.‏

وذكرها الحافظ الذهبي في الميزان في النسوة المجهولات ‏(‏عن أبيها‏)‏ هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أبو الأعور أحد العشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه‏)‏ قال الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة‏:‏ هو نص على أن التسمية ركن أو شرط، ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء، لكن لا أرتضي بمثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ لا شك في أن هذا الحديث نص على أن التسمية ركن للوضوء أو شرط له لأن ظاهر قوله لا وضوء أنه لا يصح ولا يوجد إذ الأصل في النفي الحقيقة، قال القاري في المرقاة‏:‏ قال القاضي هذه الصيغة حقيقة في نفي الشيء ويطلق مجازاً على الإعتداد به لعدم صحته، كقوله عليه الصلاة والسلام‏.‏ لا صلاة إلا بطهور، وعلى نفي كما له كقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، وههنا محمولة على نفي الكمال خلافاً لأهل الظاهر، لما روى ابن عمر وابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من توضأ وذكر اسم الله كان طهوراً لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهوراً لأعضاء وضوئه، والمراد بالطهارة من الذنوب لأن الحدث لا يتجزأ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ حديث ابن عمر وابن مسعود هذا ضعيف، رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر، وفيه أبو بكر الداهري عبد الله بن الحكم وهو متروك ومنسوب إلى الوضع، ورواه الدارقطني والبيهقي أيضاً من حديث أبي هريرة، وفيه مرداس بن محمد ابن عبد الله بن أبان عن أبيه وهما ضعيفان، ورواه الدارقطني والبيهقي أيضاً من حديث ابن مسعود وفي إسناده يحيى بن هشام السمسار وهو متروك، فالحديث لا يصلح للاحتجاج فلا يصح الاستدلال به، على أن النفي في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه‏"‏، محمول على نفي الكمال‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد صرح ابن سيد الناس في شرح الترمذي بأنه قد روى في بعض الروايات لا وضوء كاملاً، وقد استدل به الرافعي فهذه الرواية صريحة في أن المراد في قوله لا وضوء في حديث الباب نفي الكمال‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ لم أره هكذا‏.‏ انتهى‏.‏ فلا يعلم حال هذه الرواية كيف هي صالحة للاحتجاج أم لا والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس‏)‏ أما حديث عائشة فأخرجه البزار وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما وابن عدي وفي إسناده حارثة بن محمد وهو ضعيف، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني وابن السكن والحاكم والبيهقي من طريق محمد ابن موسى المخزومي عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ورواه الحاكم من هذا الوجه، فقال يعقوب بن أبي سلمة وادعى أنه الماجشون وصححه لذلك فوهم‏.‏ والصواب أنه الليثي، قال الحافظ قال البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وهذه عبارة عن ضعفه، فإنه قليل الحديث جداً ولم يرو عنه سوى ولده، فإذا كان يخطيء مع قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة، قال ابن الصلاح انقلب إسناده على الحاكم فلا يحتج لثبوته بتخريجه له، وتبعه النووي وله طرق أخرى كلها ضعيفة‏.‏ وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد والدارمي والترمذي في العلل وابن ماجه وابن السكن والبزار والدارقطني والحاكم والبيهقي بلفظ حديث الباب وزعم ابن عدي أن زيد بن الحباب تفرد به عن كثير بن زيد قال الحافظ‏:‏ وليس كذلك فقد رواه الدارقطني من حديث أبي عامر العقدى وابن ماجه من حديث أبي أحمد الزهري وكثير بن زيد، قال ابن معين ليس بالقوي وقال أبو زرعة صدوق فيه لين، وقال أبو حاتم صالح الحديث ليس بالقوي يكتب حديثه وكثير بن زيد رواه عن ريح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد وربيح قال أبو حاتم شيخ وقال البخاري منكر الحديث وقال أحمد ليس بالمعروف وقال المروزي لم يصححه أحمد وقال ليس فيه شيء يثبت وقال البزار كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي، وذكر أنه روي عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة وقال العقيلي الأسانيد في هذا الباب فيها لين وقد قال أحمد بن حنبل إنه أحسن شيء في هذا الباب، وقد قال أيضاً لا أعلم في التسمية حديثاً صحيحاً وأقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح، وقال إسحاق هذا يعني حديث أبي سعيد أصح ما في الباب، وأما حديث سهل ابن سعد فأخرجه ابن ماجه والطبراني وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد بن سعد وهو ضعيف، وتابعه أخوه أبي بن عباس وهو مختلف فيه، وأما حديث أنس فأخرجه عبد الملك بن حبيب الأندلسي وعبد الملك شديد الضعف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أحمد لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد‏)‏ وقال البزار‏:‏ كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي‏.‏

قلت‏:‏ أحاديث هذا الباب كثيرة يشد بعضها بعضا فمجموعها يدل أن لها أصلاً، قال الحافظ ابن حجر والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً، وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏:‏ لا يخلوا هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح انتهى، وقال الحافظ المنذري في الترغيب‏:‏ وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال، وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء وهو راوية عن الإمام أحمد، ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها إن كان لا يسلم شيء منها عن مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة‏.‏ انتهى كلام المنذري، وحديث الباب أعني حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والبزار والدارقطني والعقيلي والحاكم وأعل بالإختلاف والإرسال، وفي إسناده أبو ثفال عن رباح مجهولان، فالحديث ليس بصحيح قاله أبو حاتم وأبو زرعة، وقد أطال الكلام على حديث سعيد بن زيد هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسحاق إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء وإن كان ناسياً أو متأولا أجزأه‏)‏ فعند إسحاق التسمية واجب في الوضوء وهو قول الظاهرية وإحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، واختلفوا هل هي واجبة مطلقاً أو على الذاكر فعند إسحاق على الذاكر وعند الظاهرية مطلقاً وذهبت الشافعية والحنفية ومالك وربيعة إلى أنها سنة، واحتج الأولون بأحاديث الباب، واحتج الاَخرون بحديث ابن عمر مرفوعاً ‏"‏من توضأ وذكر اسم الله كان طهوراً لجميع بدنه‏"‏ الحديث وقد تقدم، وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد بن أسماعيل أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن‏)‏ يعني حديث سعيد بن زيد المذكور في هذا الباب، وقال أحمد أقوى شيء فيه حديث كثير ابن زيد عن ربيح يعني حديث أبي سعيد، وسئل إسحاق بن راهويه أي حديث أصح في التسمية‏؟‏ فذكر حديث أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو ثفال المرى أسمه ثمامة‏)‏ بضم المثلثة ‏(‏بن حصين‏)‏ بالتصغير وحصين جد أبي ثقال واسم أبيه وائل كما تقدم ‏(‏فنسبه إلى جده‏)‏ أي إلى جده الأعلى‏.‏

21- بابُ مَا جَاءَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاستنشاق

باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق أصل المضمضة في اللغة التحريك، ومنه مضمض النعاس في عينية إذا تحركنا بالنعاس ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه، وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه‏.‏ كذا في الفتح‏.‏ والاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف

27- حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ ‏(‏بنُ سَعِيدٍ‏)‏ حَدّثَنَا حَمّادُ بنُ زَيدٍ وَجَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَن هِلاَلِ بن يَسَافٍ عَنْ سَلَمَة بن قَيْسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا تَوَضّأْتَ فانْتَثِرْ، وإذا استَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ‏"‏‏.‏

قَال‏:‏ وفي البابِ عن عُثْمانَ، وَلَقِيطِ بن صَبِرَةَ، وابن عبّاسٍ، وَالْمِقدَامِ بن مَعْدِى كَرِبَ، وَوَائلِ بن حُجْر، وأَبي هُرَيرةَ‏.‏

قَالَ ‏(‏أبُو عِيسَى‏)‏‏:‏ حَديثُ سلمَةَ بن قَيْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالاِستِنْشاَقَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ‏:‏ إِذَا تَرَكَهُمَا فِي الْوُضُوءِ حَتّى صَلّى أَعَادَ الصّلاَةَ‏.‏ ورَأوْا ذَلكَ في الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ سَوَاءً‏.‏ وَبِهِ يَقولُ ابنُ أَبي لَيْلَى، وَعبْدُ الله بنُ المِبَارَكِ، وَأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ‏.‏ وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ الاستنشاق أوْكَدُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الِعْلمِ‏:‏ يُعِيدُ فِي الْجَنَابَةِ، وَلاَ يُعِيدُ فِي الْوُضُوءِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ سفْيَانَ الثّوْرِىّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏.‏

وَقَالَتْ طاَئِفَةٌ‏:‏ لا يُعِيدُ في الْوُضُوءِ وَلاَ في الْجَنَابَةِ، لأنّهُمَا سنّةٌ مِنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ تَجِبُ الإْعَادَةُ عَلَى مَنْ تَرَكَهُمَا في الْوُضُوءِ ولاَ في الْجَنَابةِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشّافِعِيّ ‏(‏في آخِرَةٍ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة 188 ثمان وثمانين ومائة وهو من رجال الكتب الستة‏.‏

‏(‏عن منصور‏)‏ بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ثقة ثبت وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش مات سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة، وهو من رجال الكتب الستة أيضاً‏.‏

‏(‏عن هلال بن يساف‏)‏ قال في التقريب بكسر التحتية وكذا في القاموس، وقال الخزرجي بفتح التحتية الأشجعي مولاهم ثقة من أوساط التابعين ‏(‏عن سلمة بن قيس‏)‏ الأشجعي صحابي سكن الكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏إذا توضأت فانتثر‏"‏ قال في القاموس استنثر استنثق الماء ثم استخرج بنفس الأنف كانتثر انتهى، وقال الحافظ الاستنثار هو طرح الماء الذي يستنثقه المتوضيء، أي يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرجه بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا، وحكى عن مالك كراهية فعله بغير إعانة اليد، لكونه يشبه فعل الدابة، والمشهور عدم الكراهة وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى‏.‏ بوب عليه النسائي وأخرجه مقيد بها من حديث علي انتهى‏.‏ ‏(‏وإذا استجمرت‏)‏ أي إذا استعملت الجِمار، وهي الحجارة الصغار في الاستنجاء ‏(‏فأوتر‏)‏ أي ثلاثاً أو خمساً ووقع في رواية أبي هريرة من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهذه الزيادة حسنة الإسناد، وأخذ بهذه الرواية أبو حنيفة ومالك فقالوا‏:‏ لا يعتبر العدد بل المعتبر الإيتار، وأخذ الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث بحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار‏"‏‏.‏ رواه مسلم، فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء وإذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى، ويستحب حينئذ الإيتار لقوله من استجمر فليوتر، وليس بواجب لقوله من لا فلا حرج، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معد يكرب ووائل بن حجر‏)‏ أما حديث عثمان فأخرجه الشيخان، وأما حديث لقيط بن صبرة فأخرجه أحمد وأهل السنن الأربع والشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي‏.‏ وفيه وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً، وفي رواية من هذا الحديث إذا توضأت فمضمض، أخرجها أبو داود وغيره‏.‏ قال الحافظ في الفتح إن إسنادها صحيح، وقد رد الحافظ في التلخيص ما أعل به حديث لقيط بن صبرة من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال ليس بشيء لأنه روى عنه غيره‏.‏ وصححه الترمذي والبغوي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، وقال النووي هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والحاكم وصححه ابن القطان ولفظه‏:‏ استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً‏.‏ كذا في التلخيص، وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري، وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه الطبراني في الكبير والبزار وفيه سعيد بن عبد الجبار، قال النسائي ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات، وفي مسند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد ص 49 ج 1 وفي الباب أحاديث أخرى منها حديث أبي هريرة‏:‏ إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر‏.‏ أخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق‏)‏‏.‏

واستدلوا بأحاديث الباب، وقولهم هو الراجح لثبوت الأمر بهما، والأصل في الأمر الوجوب، مع ثبوت مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما‏.‏

‏(‏وقال أحمد الاستنشاق أو كد من المضمضة‏)‏ لما ورد في حديث لقيط بن صبرة‏:‏ وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً‏.‏

‏(‏وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة ومن تبع، فعند هؤلاء المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء وواجبان في غسل الجنابة، واستدلوا على عدم الوجوب في الوضوء بحديث عشر من سنن المرسلين، وقد رده الحافظ في التلخيص وقال إنه لم يرد بلفظ عشر من السنن بل بلفظ من الفطرة، ولو ورد لم ينتهض دليلاً على عدم الوجوب لأن المراد به السنة أي الطريقة لا السنة بالمعنى الأصولي، واستدلوا أيضاً بحديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ ‏"‏المضمضة والاستنشاق سنة‏"‏ رواه الدارقطني، قال الحافظ وهو حديث ضعيف، واستدلوا أيضاً بما رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي‏.‏ توضأ كما أمرك الله، فأحاله على الاَية وليس فيها ذكر المضمضة والاستنشاق والاستنثار، ورد بأن الأمر بغسل الوجه أمر بها وبأن وجوبها ثبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر منه أمر من الله تعالى بدليل ‏"‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة إلخ‏)‏ ليس لهذه الطائفة دليل صحيح وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار قاله في النيل والله تعالى أعلم‏.‏

22- بابُ الْمَضمَضةِ وَالاسْتِنْشَاقِ مِنْ كَفّ وَاحِد

قوله ‏(‏باب في المضمضة والاستنشاق من كف واحد‏)‏

28- حَدّثَنَا يَحْيَى بن مُوسَى حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مْوسَى ‏(‏الرّازِيّ‏)‏ حَدّثَنَا خَالِدُ بن عْبدِ الله عن عَمْرِو بن يَحْيَى عن أبيهِ عن عَبْدِ الله بن زَيْدٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏رَأيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كفّ وَاحدٍ، فعَلَ ذلِكَ ثَلاَثًا‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ عبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَحديثُ عَبْدِ الله بنِ زَيْدٍ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏

وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَابنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُ وَاحدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ عَمْرو بن يْحْيَى وَلَمْ يَذْكُرُوا هذَا الْحَرْفَ‏:‏ ‏"‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ واستَنْشَقَ منْ كَفْ واحدٍ‏"‏، وإِنّمَا ذكَرَهُ خَالِدُ بن عَبْدِ الله وخَالِدُ ‏(‏بنُ عَبْدِ الله‏)‏ ثِقَةٌ حَافِظٌ عِنْدَ أَهلِ الْحَديثِ‏.‏

وقال بَعْضُ أهلِ العِلْمِ‏:‏ الْمَضْمَضَةُ والاستنشاق منْ كَفّ واحدٍ يُجْزِيءُ، وقَال بَعْضُهُمْ‏:‏ تَفْرِيقُهُماَ أَحَبّ إلَيْنَا‏.‏ وقَال الشّافِعيّ‏:‏ إنْ جَمَعَهُمَا في كَفّ واحدٍ فَهُوَ جائِزٌ، وإنْ فَرّقَهُمَا فَهُوَ أَحَبّ إِلَيْنَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن موسى‏)‏ بن عبد ربه الحدني البلخي، أبو زكريا لقبه ‏"‏خت‏"‏ بفتح المعجمة وتشديد المثناة، ثقة روى عن الوليد بن مسلم ووكيع وغيرهما وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والسراج، وقال مأمون مات سنة 240 أربعين ومائتين كذا في التقريب والخلاصة ‏(‏نا إبراهيم بن موسى‏)‏ بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفراء الصغير الرازي الحافظ أحد بحور الحديث وكان أحمد ينكر على من يقول الصغير ويقول هو كبير في العلم والجلالة، روى عن أبي الأحوص وخالد الطحان وغيرهما، وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، قال أبو زرعة كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن وأحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، وثقة النسائي مات بعد العشرين ومائتين ‏(‏نا خالد‏)‏ هو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد المزني مولاهم، الواسطي الطحان، ثقة ثبت‏.‏ قال أحمد‏:‏ كان ثقة دينا، بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات، يتصدق بوزن نفسه فضة‏.‏

‏(‏عن عمرو بن يحيى‏)‏ بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني، سبط عبد الله بن زيد، وثقة أبو حاتم والنسائي ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو يحيى بن عمارة، وثقة النسائي وغيره ‏(‏عن عبد الله بن زيد‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان، كذا قاله الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين، وغلطوا سفيان بن عيينة في قوله‏:‏ هو هو، وممن نص على غلطه في ذلك البخاري في كتاب الاستسقاء من صحيحه وقد قيل إن صاحب الأذان لا يعرف له غير حديث الأذان والله أعلم، قاله النووي‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً‏)‏ وفي رواية مسلم مضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثاً وكذلك وقع في رواية البخاري، قال النووي‏:‏ فيه حجة صريحة للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها‏.‏ انتهى، وقال الحافظ في الفتح‏:‏ وهو صريح في الجمع في كل مرة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ حديث عبد الله بن زيد هذا دليل صحيح صريح لمن قال إن المستحب في المضمضة والاستنشاق أن يجمع بينهما بثلاث غرفات، بأن يتمضمض ويستنشق من غرفة ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة، وإليه ذهب طائفة من أهل العلم وإليه ذهب الشافعي كما هو المشهور عنه، وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد‏:‏ وكان هديه صلى الله عليه وسلم الوصل بين المضمضة والاستنشاق كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثاً وفي لفظ تمضمض واستنثر غرفات‏.‏ فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق، ولم يجيء الفصل بين المضمضة والاستنشاق، في حديث صحيح البتة، انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ قوله مضمض واستنشق من كف واحد فيه حجة للشافعي، كذا قاله ابن الملك وغيره من أئمتنا‏.‏ والأظهر أن قوله من كف تنازع فيه الفعلان، والمعنى مضمض من كف، وقيد الواحدة احترازاً عن التثنية انتهى‏.‏

وقال العيني في شرح البخاري ص 690 ج 1‏:‏ والجواب عما ورد في الحديث فتمضمض واستنشق بكف واحد أنه محتمل لأنه يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد، ويحتمل أنه فعل ذلك بكف واحد بمياه، والمحتمل لا يقوم به حجة‏.‏ ويرد هذا المحتمل إلى الحكم الذي ذكرنا توفيقاً بين الدليلين، وقد يقال‏:‏ إن المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين انتهى كلام العيني‏.‏

قلت‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً هو ظاهر في الجمع بين المضمضة والاستنشاق، ولذلك قال ابن الملك وغيره من الأئمة الحنفية‏:‏ فيه حجة للشافعي، وقد جاءت أحاديث أخرى صحيحة صريحة في الجمع لا احتمال فيها غيره‏.‏

فمنها‏:‏ حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وجمع بين المضمضة والاستنشاق، رواه الدارمي وابن حبان والحاكم وإسناده حسن‏.‏

ومنها‏:‏ حديث ابن عباس أيضاً، قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة فتمضمض واستنشق ثم غرف غرفة فغسل وجهه ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى رواه النسائي‏.‏

ومنها‏:‏ حديث ابن عباس أيضاً أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا‏:‏ أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهاوجهه الحديث، وفي آخره ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ‏.‏ رواه البخاري في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة‏.‏

ومنها‏:‏ حديث علي رواه أبو داود عن عبد خير، قال رأيت عليا أتى بكرسي فقعد عليه ثم أتى بكوز من ماء فغسل يده ثلاثاً ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد، وسكت عنه أبو داود والمنذري، ورواه النسائي بلفظ‏:‏ ثم مضمض واستنشق بكف واحد، وفي آخر من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره، ولأبي داود الطيالسي في حديث علي‏:‏ ثم تمضمض ثلاثاً مع الاستنشاق بماء واحد، كما في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر‏.‏

فظهر أن ما ذكره القاري والعيني من التأويل لا يليق أن يلتفت إليه، ولذلك لم يرض به العيني نفسه حيث قال في شرح البخاري بعد ما ذكر من التأويل‏:‏ وفيه نظر لا يخفى، والأحسن أن يقال إن كل ما روي من ذلك في هذا الباب هو محمول على الجواز انتهى‏.‏

وقال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية‏:‏ وذكر السغناقي في النهاية بعد ماذكر مستند الشافعي‏:‏ أنه عليه الصلاة والسلام كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد له عندنا تأويلان‏.‏

أحدهما أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما في غسل الوجه، والثاني أنه فعلهما باليد اليمنى، ورده العيني بأن الأحاديث المصرحة بأنه تمضمض واستنشق بماء واحد لا يمكن تأويلها بما ذكره، انتهى كلام بعض العلماء‏.‏

واعلم أن مذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي المشهور هو الوصل بين المضمضة والاستنشاق، وحجتهم حديث عبد الله بن زيد المذكور في الباب، والأحاديث التي ذكرناها، ومذهب الإمام أبي حنيفة الفصل بينهما بأن يتمضمض ثلاثاً بثلاث غرفات ثم يستنشق كذلك وحجتهم حديث كعب بن عمرو، قال العيني في عمدة القاري‏:‏ ص 690 ج 1 وأما وجه الفصل بينهما كما هو مذهبنا فما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامي‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً فأخذ لكل واحدة ماء جديداً، وكذا روى عنه أبو داود في سننه وسكت عنه، وهو دليل رضاه بالصحة، انتهى كلام العيني‏.‏

قلت‏:‏ حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده الذي رواه أبو داود في سننه والطبراني في معجمه ضعيف لا تقوم بمثله حجة، لأن في سنديهما ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، اختلط أخيراً لم يميز حديثه فترك، وأيضاً في سنديهما، مصرف بن عمرو وهو مجهول، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 28 أما حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده فرواه أبو داود في حديث فيه‏:‏ ورأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، تركه يحيى بن القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد ابن حنبل، وقال النووي في تهذيب الأسماء‏:‏ اتفق العلماء على ضعفه انتهى‏.‏

وقال في التقريب‏:‏ صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك انتهى‏.‏

وقال فيه‏:‏ مصرف بن عمرو بن كعب بن عمرو واليامي الكوفي روى عنه طلحة بن مصرف مجهول انتهى‏.‏

والعلامة العيني ذكر حديث الطبراني ولم يذكر سنده بتمامه وسنده هكذا‏:‏ قال الطبراني‏:‏ حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو سلمة الكندي ثنا ليث ابن أبي سليم حدثني طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمر واليامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ إلخ، هكذا في تخريج الهداية للزيلعي‏.‏

واحتج الحنفية أيضاً على الفصل بالأحاديث التي وقع فيها لفظ مضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً‏.‏

وأنت تعلم أن هذا اللفظ ليس صريحاً فيما ذهبوا إليه من الفصل، بل هو محتمل فإنه يحتمل أن يكون معناه أنه مضمض ثلاثاً بثلاث غرفات أخرى واستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات، ويحتمل أن يكون معناه أنه مضمض واستنشق بغرفة ثم فعل هكذا، ثم فعل هكذا فللقائلين بالوصل أن يجيبوا عن هذا بمثل ما أجاب الحنفية عن حديث عبد الله ابن زيد المذكور بأن يقولوا هذا محتمل والمحتمل لا يقوم به حجة، أو يرد هذا المحتمل إلى الأحاديث المحكمة الصريحة في الوصل المذكور توفيقاً بين الدليلين‏.‏

واحتجوا أيضاً بما رواه ابن السكن في صحاحه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال‏:‏ شهدت علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان توضئآ ثلاثاً ثلاثاً، وأفردا المضمضة من الاستنشاق، ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ذكره الحافظ في التلخيص‏.‏

قلت‏:‏ ذكر الحافظ هذا الحديث في التلخيص لكنه لم يذكر سنده ولم يبين أنه صحيح أو حسن، فلا يعلم حال إسناده، فمتى لم يعلم أنه حسن أو صحيح لا يصلح للاحتجاج، ولو فرض أن هذا الحديث قابل للاحتجاج وأن الأحاديث التي وقع فيها مضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً تدل صراحة على الفصل فيقال إن الفصل والوصل كلاهما ثابتان جائزان كما قال العلامة العيني‏:‏ الأحسن أن يقال إن كل ما روى من ذلك فهو محمول على الجواز، وقد تقدم قوله هذا، وقال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام‏:‏ ومع ورود الروايتين بالجمع وعدمه فالأقرب التخيير، وأن الكل سنة وإن كان رواية الجمع أكثر وأصح انتهى‏.‏

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي‏.‏ الجمع أقوى في النظر وعليه يدل الظاهر من الأثر، وقد أخبرنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أحمد القيسي قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له أجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة قال نعم‏.‏

فائدة‏:‏

اعلم أن اختلاف الأئمة في الوصل والفصل إنما هو في الأفضلية لا في الجواز وعدمه، وقد صرح به الخطيب الشافعي وابن أبي زيد المالكي وغيرهما، وذكر صاحب الفتاوي الظهيرية إنه يجوز عند أبي حنيفة أيضاً وصل المضمضة بالاستنشاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عباس‏)‏ تقدم تخريجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب‏)‏ حديث عبد الله بن زيد هذا أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، فالظاهر أن يقول حديث صحيح ‏(‏ولم يذكروا هذا الحرف‏)‏ أي هذا اللفظ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد‏)‏ بيان لقوله هذا الحرف ‏(‏وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث‏)‏ يعني وازيادة من الثقة الحافظ مقبول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال بعض أهل العلم إلخ‏)‏ ذكر الترمذي هنا ثلاثة أقوال، لكن لا يظهر الفرق بين الثاني والثالث فتفكر‏.‏ ‏(‏وقال الشافعي إن جمعها في كف فهو جائز وإن فرقهما فهو أحب‏)‏ جاء عن الشافعي في هذه المسألة قولان‏:‏ أحدهما كقول أبي حنيفة وهو الذي نقله الترمذي ههنا، والثاني أن يتمضمض بغرفة ويستنشق بها ثم هكذا ثم هكذا، وهذا هو المشهور عنه، قال العيني في عمدة القاري ص 690 ج 1‏:‏ روى البويطي عن الشافعي أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق‏:‏ وفي رواية غيره عنه في الأم‏:‏ يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف ثالثة يتمضمض بها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق‏.‏ واختلف نصه في الكيفيتين فنص في الأم وهو نص مختصر المزني‏:‏ أن الجمع أفضل، ونص البويطي أن الفصل أفضل، ونقله الترمذي عن الشافعي، قال النووي قال صاحب المهذب‏:‏ القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي وهو أكثر في الأحاديث الصحيحة‏.‏ انتهى كلام العيني‏.‏

23- بابُ مَا جَاءَ فِي تَخْليلِ اللّحْيَة

باب ما جاء في تخليل اللحية بكسر اللام وسكون الحاء‏:‏ اسم لجمع من الشعر ينبت على الخدين والذقن

29- حَدّثنَا ابنُ أبي عُمَرَ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن عَبْدِ الْكَرِيمِ بن أَبي المُخارِقِ أَبي أُميّةَ عنْ حَسّان بن بِلاَلٍ قالَ‏:‏ ‏"‏رأيْتُ عَمّارَ بنَ يَاسرٍ تَوَضّأَفَخَلّلَ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ له، أوْ قَال‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ أَتُخَلّلُ لِحْيَتَكَ‏؟‏ قَال‏:‏ وما يَمْنَعُنِي‏؟‏ ولقدْ رأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخَلّلُ لِحْيَتَهُ‏"‏‏.‏

30- حَدّثنَا ابنُ أَبي عُمَرَ حدّثنا سفيان ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ سعيدِ بن أَبي عَرُوبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ حسّان بن بِلاَلٍ عنْ عَمّارٍ عنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مثلَهُ‏.‏

قَالَ ‏(‏أبو عِيسَى‏)‏‏:‏ وفي البابِ عنْ عُثْمانَ، وَعَائِشَةَ، وأُم سلَمَةَ، وأَنَسٍ، وابن أَبي أَوْفَي، وأَبي أَيّوبَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وسَمِعْتُ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ يقولُ‏:‏ قَال أَحْمَدُ بنُ حنْبَلٍ‏:‏ قَال ابنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الْكَرِيمِ مِنْ حَسّانِ بن بِلاَلٍ حديثَ التّخْليلِ‏.‏

وقال مُحّمدُ بنُ إِسْمَاعيلَ‏:‏ أَصَحّ شَيْءٍ في هذَا البابِ حَدِيثُ عَامِرِ بن شَفِيقٍ عنْ أَبي وائِل عن عُثْمانَ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وقال بِهَذَا أكْثَرُ أهلِ العِلْمِ من أصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بَعْدَهُمْ‏:‏ رَأوْا تَخلِيلَ اللّحْيَةِ‏.‏ وبهِ يَقولُ الشّافِعيّ‏.‏

وقَال أحْمَدُ‏:‏ إنْ سَهَا عن تَخْليلِ اللّحْيَةِ فَهُوَ جَائِز‏.‏

وَقال إسْحَاقُ‏:‏ إنْ تَرَكَهُ نَاسِياً أوْ مُتَأَوّلاً أَجْزَأَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ عَامِداً أَعَادَ‏.‏

31- حدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى حدّثَنَا عْبدُ الرّزّاقِ عن إِسْرَائيلَ عن عَامِرِ بن شَفيقٍ عن أَبي وائل عن عُثْمانَ بن عَفّانَ‏:‏ ‏"‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُخَلّلُ لِحْيَتَهُ‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن أبي عمر‏)‏ هو محمد بن يحيى بن أبي عمر المدني نزيل مكة تقدم ‏(‏عن عبد الكريم بن أبي المخارق‏)‏ بضم الميم وبالخاء المعجمة المعلم اليصري نزيل مكة‏.‏ واسم أبيه قيس، وقيل طارق ضعبف ‏(‏أبي أمية‏)‏ كنية عبد الكريم ‏(‏عن حسان بن بلال‏)‏ المزني البصري، روى عن عمار بن ياسر وحكيم بن حزام وعنه أبو قلابة وأبو بشر وغيرهما، وثقه ابن المديني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخلل لحيته‏)‏ أي أدخل أصابعه في خلال لحيته ‏(‏فقيل له‏)‏ أي لعمار ‏(‏أو قال‏)‏ أي حسان بن بلال ‏(‏فقلت له‏)‏ أي لعمار ‏(‏يخلل لحيته‏)‏ قال ابن العربي أي يدخل يده في خللها، وهي الفروج التي بين الشعر، ومنه فلان خليل فلان أي يخالل حبه فروج جسمه حتى يبلغ إلى قلبه، ومنه الخلال، وبناء ذلك كله يرجع إلى هذا‏.‏ انتهى‏.‏

والحديث يدل على مشروعية تخليل اللحية في الوضوء‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وقد اختلف الناس في ذلك، فذهب إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل العترة والحسن بن صالح وأبو ثور والظاهرية، كذا في البحر، واستدلوا بما وقع في أحاديث الباب بلفظ‏:‏ هكذا أمرني ربي، وذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إلى أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء قال مالك وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثورى والأزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وأكثر أهل العلم أن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة، ولا يجب في الوضوء، هكذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس، قال وأظنهم فرقوا بين ذلك والله تعالى أعلم، لقوله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فبلو الشعر وأتقوا البشر‏.‏ انتهى‏.‏

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي‏:‏ اختلف العلماء في تخليلها على أربعة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنه لا يستحب، قاله مالك‏.‏

الثاني‏:‏ أنه يستحب، قاله ابن حبيب‏.‏

الثالث‏:‏ أنها إن كانت خفيفة وجب إيصال الماء إليها، وإن كانت كثيفة لم يجب ذلك قاله مالك، عن عبد الوهاب‏.‏

الرابع‏:‏ من علمائنا من قال يغسل ما قابل الذقن إيجاباً وما وراءه استحباباً، وفي تخليل اللحية في الجنابة روايتان عن مالك إحادهما أنه واجب وإن كثفت رواه ابن وهب، وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم سنة، لأنها قد صارت في حكم الباطن كداخل العين، ووجه آخر وهو قول أبي حنيفة والشافعي أن الفرض قد انتقل إلى الشعر بعد نباته كشعر الرأس انتهى كلام ابن العربي‏.‏

قلت‏:‏ أرجح الأقوال وأقواها عندي هو قول أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن سعيد بن أبي عروبة‏)‏ البشكرى مولاهم أبي النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة ‏(‏عن قتادة‏)‏ بن دعامة السدوسي البصري الأكمة، ثقة ثبت مدلس، احتج به أرباب الصحاح ‏(‏عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏)‏ قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذه الرواية‏:‏ حسان ثقة لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد ولا قتادة من حسان انتهى فحديث عمار من هذا الطريق ضعيف، ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن حسان أيضاً ضعيف لأنه لم يسمع منه هذا الحديث كما بينه الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وأنس وابن أوفى وأبي أيوب‏)‏ أما حديث عائشة فأخرجه أحمد من رواية طلحة بن عبد الله بن كريز عنها، وإسناده حسن، كذا في التلخيص‏.‏ وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني والعقيلي والبيهقي بلفظ‏:‏ كان إذا توضأ خلل لحيته، وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث، كذا في التلخيص‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكة فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي، وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال، وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة، قاله الحافظ‏.‏ وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور، وفي إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف، وهو في الطبراني أيضاً كذا في التلخيص‏.‏ وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجه والعقيلي وأحمد والترمذي في العلل، وفيه أبو سورة لا يعرف‏.‏

قلت‏:‏ وفي الباب أيضاً عن ابن عباس وابن عمر وأبي أمامة وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وأبي بكرة وجابر بن عبد الله وجرير وعبد الله بن عكبرة، ذكر أحاديث هؤلاء مع الكلام عليها الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية والحافظ في التلخيص، قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل‏:‏ سمعت أبي يقول لا يثبت في تخليل اللحية حديث انتهى، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس في تخليل اللحية شيء صحيح انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قولهما هذا معارض بتصحيح الترمذي لحديث عثمان الاَتي وبتصحيح الحاكم وابن القطان وغيرهما لبعض أحاديث الباب غيره، ولا شك في أن أحاديث تخليل اللحية كثيرة ومجموعها يدل على أن لها أصلاً، كيف وقد صحح الترمذي حديث عثمان وحسنه الإمام البخاري كما ستعرف، وحسن الحافظ ابن حجر حديث عائشة وهي بمجموعها تصلح للاحتجاج على استحباب تخليل اللحية في الوضوء وهذا هو الحق عندي والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عامر بن شقيق‏)‏ بن جمرة بالجيم والراء الأسدى الكوفي، لين الحديث كذا في التقريب، وقال الذهبي في الميزان‏:‏ ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم ليس بقوى، وقال النسائي ليس به بأس انتهى‏.‏ وذكره ابن حبان في الثقات وحسن حديثه الإمام البخاري وصححه الترمذي، فالظاهر أنه يصلح للاحتجاج، وأما قول أبي حاتم ليس بقوي وتضعيف ابن معين فهو مجمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يخلل لحيته‏)‏ وفي حديث أنس عند أبي داود أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والدارقطني والبيهقي كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها، وحديث ابن عمر هذا صححه ابن السكن وضعفه غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وقال الترمذي في علله الكبير‏:‏ قال محمد بن إسمعيل يعني البخاري أصح شيء عندي في التحليل حديث عثمان وهو حديث حسن انتهى‏.‏

وقال الحافظ الزيلعي‏:‏ أمثل أحاديث تخليل اللحية حديث عثمان، وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة انتهى، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد انتهى، والحديث رواه أيضاً ابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بهذا أكثر أهل العلم‏)‏ أي قالوا بما يدل عليه أحاديث الباب من استحباب تخليل اللحية‏.‏ ‏(‏من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية‏)‏ وقد روى عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعلي وسعيد بن جبير وأبي قلابة ومجاهد وابن سيرين والضحاك وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يخللون لحاهم ومن روى عنه أنه كان لا يخلل إبراهيم النخعي والحسن وابن الحنفية وأبو العالية وأبو جعفر الهاشمي والشعبي ومجاهد والقاسم وابن أبي ليلى، ذكر ذلك عنهم ابن أبي شيبة بأسانيده إليهم، ذكره الشوكاني ‏(‏وقال إسحاق إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه وإن تركه عامداً أعاده‏)‏ أي أعاد الوضوء، فعند إسحاق تخليل اللحية واجب في الوضوء، واستدل من قال بالوجوب ببعض أحاديث التخليل اذي وقع فيه قوله صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي‏.‏

أجاب عنه من قال بالاستحباب بأنه لا يصلح للاستدلال به على الوجوب، لما فيه من المقال، وقال الشوكاني في النيل‏:‏ والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب، لأنها أفعال وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي لا يفيد الوجوب على الأمة لظهوره في الاختصاص به، وهو يتخرج على الخلاف المشهور في الأصول‏:‏ هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا، والفرائض لا تثبت إلا بيقين والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدمها، لا شك في ذلك لأن في كل واحد منهما من التقول على الله بما لم يقل، ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته، ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه، نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب انتهى كلام الشوكاني، وقد استدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه فأخذ غرفة من ماء فتمضمض يها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا‏:‏ أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، الحديث رواه البهاري، وإلى هذا الاستدلال أشار الشوكاني بقوله‏:‏ ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي لغسل وجهه وتخليل لحيته إلخ، وقد استدل ابن تيمية بحديث ابن عباس هذا على عدم وجوب إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثة فقال‏:‏ وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن اللحية الكثة مع غسل الوجه، فعلم أنه لا يجب انتهى‏.‏

24- بابُ مَا جَاءَ ‏(‏فِي‏)‏ مَسْحِ الرّأْسِ أَنّهُ يَبْدَأُ بِمُقَدّمِ الرّأْسِ إِلى مُؤَخّرِه

قوله ‏(‏باب ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره‏)‏ أي ذاهباً إلى مؤخره‏.‏

32- حَدّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصاَرِيّ حدثنَا مَعْنُ بنُ عيَسى ‏(‏القَزّازُ‏)‏ حَدّثنَا مالِكُ بنُ أَنَسٍ عنْ عَمْرِو يَحْيَى عن أبيهِ عن عَبْدِ الله بن زَيْدٍ ‏"‏أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسهُ بِيَدَيْهِ، فأَقْبَلَ بهمَا وأَدْبَرَ‏:‏ بَدَأَ بِمُقَدّمِ رأْسِهِ، ثمّ ذَهَبَ بِهمَا إِلى قَفَاهُ، ثمّ رَدّهُما ‏(‏حَتّى رَجَعَ‏)‏ إِلى المَكاَنِ الّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن مُعاَوِيَةَ، وَالْمِقْدَامِ بن مَعْدى كَرِبَ، وَعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ أَصَحّ شَيْءٍ في الْبَابِ وأَحْسَنُ‏.‏ وبِهِ يقولُ الشّافِعِيّ واحْمَدُ وإِسْحَاقُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسح رأسه‏)‏ زاد ابن الطباع ‏"‏كله‏"‏ وكذا في رواية ابن خزيمة ‏(‏فأقبل بهما وأدبر‏)‏ أي بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بهما إلى القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهو مبتدأ الشعر، وهذا المعنى هو المتعين المعتمد، ويدل عليه قوله‏:‏ ‏(‏بدأ بمقدم رأسه الذي يلي الوجه وذهب بهما إلى قفاه إلخ‏)‏ وهذه الجملة عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر، ومن ثم لم تدخل الواو على بدأ، قال الزرقاني، قال الحافظ في الفتح‏:‏ الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجاً من كلامه مالك‏:‏ ففيه حجة على من قال السنة أن أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى مقدمة لظاهر قوله أقبل وأدبر‏.‏

ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب، وعند البخاري من رواية سليمان بن بلال فأدبر بيديه وأقبل، فلم يكن في ظاهرة حجة لأن الإقبال والإدبار ن الأمور الإضافية، ولم يعين ما أقبل إليه وا أدبر عنه، ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد، وعينت رواية مالك البداءة المقدم فيحمل قوله أقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه، أي بدأ بقبل الرأس، وقيل في توجيهه غير ذلك انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن معاوية والمقدام بن معد يكرب وعائشة‏)‏ أما حديث معاوية فأخرجه أبو داود بلفظ إن معاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره إلى مقدمه‏.‏ وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أيضاً أبو داود، وفيه فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى القفا ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ، والحديثان سكت عليهما أبو داود ثم المنذري‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه النسائي وفيه ووضعت يدها في مقدم رأسها ثم مسحت رأسها واحدة إلى مؤخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في هذا الباب‏)‏ حديث عبد الله بن زيد هذا أخرجه الجماعة ‏(‏وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الحافظ ابن عبد البر‏:‏ أصح حديث في هذا الباب حديث عبد الله بن زيد، والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره انتهى‏.‏

25- بابُ مَا جَاءَ أَنّهُ يُبْدَأْ بِمُؤَخّرِ الرّأْس

قوله ‏(‏با باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس‏)‏

33- حَدّثنَا قُتَيْبَةُ ‏(‏بنُ سعيدٍ‏)‏ حَدّثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عَن عَبْدِ الله بن مُحّمدِ بن عَقِيلٍ عَنِ الرّبَيّع بِنْتِ مُعَوّذِ بن عفْرَاءَ‏:‏ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرّتيْنِ‏:‏ بَدَأَ بِمُؤَخّرِ رَأْسِهِ ثمّ بِمُقَدّمِهِ وبأذنيه كِلْتَيْهِمَا‏:‏ ظُهُوِرِهِما وَبُطُونِهِمَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏ وحَدِيثُ عَبْد الله بن زَيُدٍ أَصَحّ منْ هذَا وَأَجْوَدُ إِسْنَاداً‏.‏

وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكوفَةِ إِلَى هذَا الحَدِيثِ، مِنْهُمْ وكيِيعُ بنُ الْجَرّاحِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا بشر بن المفضل‏)‏ بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت عابد، قال أحمد إليه المنتهي في التثبيت في البصرة، وقال ابن المديني كان يصلي كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يوماً ويفطر يوماً سنة 187 سبع وثمانين ومائة‏.‏

‏(‏عن عبد الله بن محمد بن عقيل‏)‏ متكلم فيه تقدم ترجمته في باب مفتاح الصلاة الطهور ‏(‏عن الربيع‏)‏ بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتانية المشددة أنصارية نجارية من المبايعات تحت الشجرة، ‏(‏بنت معوذ‏)‏ بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة ‏(‏بن عفراء‏)‏ بسكون العين المهملة وسكون الفاء والمد ‏(‏مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه تم بمقدمه‏)‏ الظاهر أن قوله بدأ بمؤخر رأسه بيان لقوله مرتين فليستا بمسحتين، والحديث يدل على البداءة بمؤخر الرأس وهو مذهب بعض أهل الكوفة كما حكى الترمذي‏.‏

وأجاب ابن العربي عنه‏:‏ بأن تحريف من الراوي بسبب فهمه فإنه فهم من قوله فأقبل بهما وأدبر أنه يقتضي الإبتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم منه وهو مخطئ في فهمه‏.‏

وأجاب غيره بأنه عارض ما هو أصح منه وهو حديث عبد الله بن زيد‏.‏ وبأنه فعل لبيان الجواز‏.‏

وقال الشوكاني‏:‏ قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏:‏ هذه الرواية محمولة على الرواية بالمعنى عند من يسمى الفعل بما ينتهي إليه، كأنه حمل قوله ما أقبل وما أدبر على الإبتداء بمؤخر الرأس فأداها بمعناها عنده وإن لم يكن كذلك، قال ذكر معناه ابن العربي، ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا لبيان الجواز مرة وكانت مواظبته على البداءة بمقدم الرأس وما كان أكثر مواظبة عليه كان أفضل، والبداءة بمؤخر الرأس محكية عن الحسن بن حي ووكيع بن الجراح، قال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ قد توهم بعض الناس في حديث ابن عبد الله بن زيد في قوله ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر أن بدأ بمؤخر رأسه وتوهم غيره أنه بدأ من وسط رأسه فأقبل بيده وأدبر هذه ظنون لا تصح، وقد روى عن ابن عمر أنه كان يبدأ من وسط رأسه ولا يصح‏.‏ وأصح حديث في الباب حديث عبد الله بن زيد، والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ حديث ربيع بنت معوذ هذا له روايات وألفاظ مدار الكل على عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه مقال مشهور لا سيما إذا عنعن وقد فعل ذ لك في جميعها قاله الشوكاني، قلت عبد الله بن محمد بن عقيل مدلس كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين ولذا قال الشوكاني لا سيما إذا عنعن ‏(‏وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود‏)‏ لأن حديث عبد الله بن زيد متفق عليه، وأما حديث ربيع بنت معوذ هذا فقد عرفت حاله ‏(‏وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث‏)‏ وهو مذهب مرجوح، والمذهب الراجح المعول عليه هو البداءة بمقدم الرأس‏.‏

26- بابُ مَا جَاءَ أَنّ مَسْحَ الرّأْس مَرّة

قوله ‏(‏باب ما جاء أن مسح الرأس مرة‏)‏

34- حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدّثنَا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عَنِ ابن عَجْلاَنَ عنْ عَبْدِ الله بن مُحمّدِ بن عَقِيلٍ عَنِ الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذِ ‏(‏بن عَفْراءَ‏)‏‏:‏ ‏"‏أَنّهاَ رَأَتِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ، قالَتْ‏:‏ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ ما أَقْبَلَ منْهُ ومَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وأُذُنْيهِ مَرّةً وَاحِدَةً‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَلِيّ، وجَدّ طَلْحَةَ بن مُصَرّفِ ‏(‏بن عَمْرو‏)‏‏.‏ قال أبو عيسى ‏(‏و‏)‏ حديث الرّبيّع حديث حسن صحيح‏.‏

وقدْ رُوِيَ منْ غيْرِ وجْهٍ عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنّهُ مسحَ بِرأْسِهِ مرّةً‏"‏‏.‏

والعَمَلُ عَلَى هذَا عندَ أكثَرِ أهلِ العلْمِ من أصحاَبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومنْ بعدَهُمْ‏.‏ وبهِ يقولُ جعفَرُ بن محمّدٍ، وسُفيَانُ الثّوريّ، وابنُ المُبارَكِ، والشافعيّ، وأحمدُ، وإِسحَاقُ، رأوْا مسْحَ الرأْسِ مرّةً واحدَةً‏.‏

حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ مَنصُورٍ المَكّيّ قال‏:‏ سَمعْتُ سُفيانَ بنَ عُيَيْنَةَ يقُولُ سَألتُ جعفَرَ بن مُحمدٍ عنْ مسْحِ الرّأسِ‏:‏ أيَجْزِيءُ مَرّةً‏؟‏ فقَال إيْ وَالله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا بكر بن مضر‏)‏ بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة وثقه أحمد وابن معين ‏(‏عن ابن عجلان‏)‏ هو محمد بن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومسح ما أقبل منه وما أدبر‏)‏ هذا عطف تفسيري نقوله ومسح رأسه أي مسح ما أقبل من الرأس ومسح ما أدبر من الرأس أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر الرأس إلى مقدمه ‏(‏وصدغيه وأذنيه‏)‏ معطوفان على ما أقبل والصدغ بضم الصاد المهملة وسكون الدال الموضع الذي بين العين والأذن والشعر المتدلي على ذلك الموضع ‏(‏مرة واحدة‏)‏ متعلق بمسح فيكون قيدا في الإقبال والإدبار وما بعده فباعتبار الإقبال يكون مرة وباعتبار الإدبار مرة أخرى، وهو مسح واحد وبه يجمع بينه وبين ما سبق من حديثها أنه مسح برأسه مرتين‏.‏ والحديث يدل على مشروعية، مسح الصدغ والأذن وأن مسحهما مع الرأس وأنه مرة واحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وجد طلحة بن مصرف‏)‏ أما حديث علي فأخرجه الترمذي وابن ماجة وأما حديث جد طلحة بن مصرف، فأخرجه أحمد عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وأخرجه أبو داود وذكر له علة أخرى عن أحمد بن حنبل، قال‏:‏ كان ابن عيينة ينكره ويقول‏:‏ أيش هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده‏.‏ قوله حديث الربيع حديث حسن صحيح‏.‏

قال الشوكاني وفي تصحيحه نظر‏؟‏ فإنه روى من طريق ابن عقيل انتهى‏.‏ قلت تقدم الكلام في ابن عقيل في باب مفتاح الصلاة الطهور فتذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح برأسه مرة‏)‏ روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس بلفظ‏:‏ ومسح برأسه مرة، قال الحافظ وإسناده صالح‏.‏ ورواه بن السكن من حديث رزيق بن حكيم عن رجل من الأنصار مثله، وفي الباب أحاديث كثيرة مذكورة في التلخيص والنيل ونصب الراية والدراية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق رأوا مسح الرأس مرة واحدة‏)‏ قال في شرح السنة‏:‏ اختلفوا في تكرار المسح هل هو سنة أم لا فالأكثر على أنه يمسح مرة واحدة ومنهم الأئمة الثلاثة‏.‏ والمشهور من مذهب الشافعي أن المسح بثلاثة أصابع بثلاثة مياه جديدة، كذا في المرقاة، وقال في النيل‏:‏ قد اختلف في ذلك فذهب عطاء وأكثر العترة والشافعي إلى أنه يستحب تثليث مسحه كسائر الأعضاء انتهى‏:‏ فعلم أن للشافعي في مسح الرأس قولان‏.‏ التوحيد والتثليث‏.‏ ذكر الأول الترمذي والثاني صاحب شرح السنة، واستدل من قال بالمسح مرة واحدة‏.‏

بأحاديث الباب وبما في الصحيحين من حديث عثمان وعبد الله بن زيد من إطلاق مسح الرأس مع ذكر تثليث غيره من الأعضاء وهو القول الراجح المعول عليه، واستدل من قال بتثليث المسح بأحاديث لا يخلو واحد منها من كلام، قال القاضي الشوكاني في النيل‏:‏ والإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الإعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة، فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو المتعين لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة، وحديث‏:‏ من زاد على هذا فقد أساء وظلم، الذي صححه اين خزيمة وغيره قاض بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، كيف وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة ثم قال من زاد‏:‏ قال الحافظ في الفتح ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جميعاً بين الأدلة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن منصور‏)‏ بن داود الطوسي أبو جعفر العابد نزيل بغداد، ثقة من صغار العاشرة ‏(‏سألت جعفر بن محمد‏)‏ بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق ثقة، صدوق فقيه إمام مات سنة 148 ثمان وأربعين ومائة، عن ثمان وستين سنة ‏(‏فقال إي والله‏)‏ بكسر الهمزة حرف إيجاب‏.‏

27- باب ماَ جاءَ أَنّهُ يَأْخُذُ لِرَأْسِهِ مَاءً جَديدًا

قوله ‏(‏باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديد‏)‏

35- حدّثناَ عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أَخبْرَنَا عَبْدُ الله بن وهْبٍ حدثنا عَمْرُو بن الْحَارِثِ عنْ حَبّانَ بن وَاسِعٍ عنْ أَبيهِ عنْ عَبْدِ الله بن زيْدٍ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ رَأَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ، وَأَنّهُ مَسَحَ رَأْسهُ بمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَروَى ابنُ لَهِيعَةَ هَذَا الْحَديثَ عنْ حبّان بن وَاسِعٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ، وَأَنّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بماَءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ‏"‏‏.‏

وَرِوَايَةُ عَمْرِو بن الْحارِثِ عنْ حبّانَ أَصَحّ، لأنّهُ قَدْ رُوِيَ منْ غَيْرِ وَجْهٍ هَذَا الْحديثُ عنْ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ وَغَيْرِهِ‏:‏ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جديدًا‏"‏‏.‏

والعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ أكْثَرَ أهلِ العلْمِ‏:‏ رأَوْا أَنْ يأْخُذَ لِرَأسه ماءً جَدِيداً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن خشرم‏)‏ بمعجمتين على وزن جعفر المروزي ثقة ‏(‏نا عبد الله ابن وهب‏)‏ بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه حافظ عابد من التاسعة مات سنة تسع وتسعين ومائة عن أربع وسبعين سنة ‏(‏نا عمرو بن الحارث‏)‏ بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري أبو أيوب ثقة‏.‏ فقيه حافظ من السابعة مات قديماً قبل الخمسين ومائة ‏(‏عن حبان‏)‏ بفتح الحاء المهملة وبالوحده المشددة ‏(‏بن واسع‏)‏ بن حبان بن منقذ ابن عمرو الأنصاري ثم المازني المدني، صدوق من الخامسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ واسع بن حبان بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة صحابي ابن صحابي وقيل بل ثقة من كبار التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنه مسح بماء غير فضل يديه‏)‏ قال النووي معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية من ماء يديه، ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه انتهى‏.‏ قال في سبل السلام‏:‏ وأخذ ماء جديد للرأس أمر لا بد منه، وهو الذي دلت عليه الأحاديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم مطولاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنه مسح بماء غبر‏)‏ بالغين المعجمة والباء الموحدة المفتوحتين، أي بقي وما موصولة، وفي بعض النسخ بماء غبر ‏(‏فضل يديه‏)‏ كذا في النسخ المطبوعة الموجودة عندنا وفي نسخة قلمية عتيقة صحيحة من فضل يديه، بزيادة لفظة من، وهو الظاهر والظاهر عندي أن من بيانية، والمعنى أنه لم يمسح الرأس بماء جديد بل مسح بما بقي على يديه أي ببقية من ماء يديه وأما على ما في النسخة المطبوعة فالظاهر أن فضل يديه بالجر يدل ما غبر، ويجوز أن يكون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو فضل يديه، هذا كله ما عندي والله تعالى أعلم، ورواية ابن لهيعة هذه مخالفة لرواية عمرو بن الحارث المذكورة أولا، ولكن رواية عمرو أصح من رواية ابن لهيعة كما صرح به الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديداً‏)‏ واستدلوا على ذلك بحديث الباب، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي‏:‏ وبه أخذ علماؤنا يعني الحنفية، غير أنهم قالوا هذا إذا أصاب يده شيئاً بحيث لم يبق البلل في يده، وهو لا ينافي الحديث بل العلة تقتضيه، نعم ظاهر هذا الحديث الإطلاق فيأخذ ماء جديداً على كل حال، لكن الحديث الثاني مسح رأسه بماء غير أي بقي من فضل يديه يدل على الذي ذهب إليه علماؤنا، فهم حملوا الحديثين على حالة والاَخر على حالة أخرى فقيه جمع بين الحديثين، ولا شك أن الجمع أولى انتهى كلام أبي الطيب‏.‏

قلت رواية مسح بما غبر تفرد بها ابن لهيعة وهو ضعيف، وخالف فيها عمرو بن الحارث وهو ثقة حافظ، فهذه الرواية غير محفوظة، نعم أخرج أبو داود عن ربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده، قال السيوطي في مرقاة الصعود‏:‏ احتج به من رأى طهورية الماء المستعمل، وتأوله البيهقي على أنه أخذ ماء جديداً وصب نصفه ومسح ببلل يده، ليوافق حديث عبد الله بن زيد ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، أخرجه مسلم والمصنف يعني أبا داود والترمذي انتهى كلام السيوطي‏.‏

قلت‏:‏ إن صح حديث ربيع بنت معوذ هذا فلا حاجة إلى تأويل البيهقي‏.‏ بل يقال كلا الأمرين جائزان إن شاء أخذ لرأسه ماء جديد أو إن شاء مسحه بفضل ما يكون في يده، لكن في سنده ابن عقيل، وفيه مقال مشهور كما عرفت، وفي متنه اضطراب، فإن ابن ماجه أخرج من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الربيع بنت معوذقالت‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال اسكبي فسكبت فغسل وجهه ودراعيه وأخذ ماء جديداً فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره، فالقول الراجح هو أن يؤخذ لمسح الرأس ماء جديد والله تعالى أعلم‏.‏