فصل: باب يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ:

2591- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِي أَهْله قَالَ بِسْمِ اللَّه اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَان وَجَنِّبْ الشَّيْطَان مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّر بَيْنهمَا فِي ذَلِكَ وَلَد لَمْ يَضُرّهُ شَيْطَان أَبَدًا» قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُرَاد بِأَنَّهُ لَا يَضُرّهُ أَنَّهُ لَا يَصْرَعهُ شَيْطَان وَقِيلَ لَا يَطْعَن فيه الشَّيْطَان عِنْد وِلَادَته بِخِلَافِ غَيْره قَالَ وَلَمْ يَحْمِلهُ أَحَد عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر وَالْوَسْوَسَة وَالْإِغْوَاء هَذَا كَلَام الْقَاضِي.

.باب جَوَازِ جِمَاعِهِ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ قُدَّامِهَا وَمِنْ وَرَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلدُّبُرِ:

2592- قَوْل جَابِر: «كَانَتْ الْيَهُود تَقُول: إِذَا أَتَى الرَّجُل اِمْرَأَته مِنْ دُبُرهَا فِي قُبُلهَا كَانَ الْوَلَد أَحْوَل. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْث لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}». وَفِي رِوَايَة: «إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَة وَإِنْ شَاءَ غَيْر مُجَبِّيَة غَيْر أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَام وَاحِد». الْمُجَبِّيَة بِمِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ جِيم مَفْتُوحَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة، مُشَدَّدَة مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت أَيْ مَكْبُوبَة عَلَى وَجْههَا. (وَالصِّمَام) بِكَسْرِ الصَّاد أَيْ ثَقْب وَاحِد، وَالْمُرَاد بِهِ الْقُبُل قَالَ الْعُلَمَاء.
وَقَوْله تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أَيْ مَوْضِع الزَّرْع مِنْ الْمَرْأَة وَهُوَ قُبُلهَا الَّذِي يُزْرَع فيه الْمَنِيّ لِابْتِغَاءِ الْوَلَد، فَفيه إِبَاحَة وَطْئِهَا فِي قُبُلهَا، إِنْ شَاءَ مِنْ بَيْن يَدَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ مِنْ وَرَائِهَا، وَإِنْ شَاءَ مَكْبُوبَة.
وَأَمَّا الدُّبُر فَلَيْسَ هُوَ بِحَرْثٍ وَلَا مَوْضِع زَرْع. وَمَعْنَى قَوْله: {أَنَّى شِئْتُمْ} أَيْ كَيْف شِئْتُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء الَّذِينَ يُعْتَدّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيم وَطْء الْمَرْأَة فِي دُبُرهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا، لِأَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة كَحَدِيث: «مَلْعُون مَنْ أَتَى اِمْرَأَة فِي دُبُرهَا» قَالَ أَصْحَابنَا: لَا يَحِلّ الْوَطْء فِي الدُّبُر فِي شَيْء مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا غَيْرهمْ مِنْ الْحَيَوَان فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «إِنَّ يَهُود كَانَتْ تَقُول» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ. (يَهُود) غَيْر مَصْرُوف لِأَنَّ الْمُرَاد قَبِيلَة الْيَهُود فَامْتَنَعَ صَرْفه لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّة.

.باب تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا:

2594- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَة هَاجِرَة فِرَاش زَوْجهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى تُصْبِح» وَفِي رِوَايَة (حَتَّى تَرْجِع) هَذَا دَلِيل عَلَى تَحْرِيم اِمْتِنَاعهَا مِنْ فِرَاشه لِغَيْرِ عُذْر شَرْعِيّ وَلَيْسَ الْحَيْض بِعُذْرٍ فِي الِامْتِنَاع لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاع بِهَا فَوْق الْإِزَار.
وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ اللَّعْنَة تَسْتَمِرّ عَلَيْهَا حَتَّى تَزُول الْمَعْصِيَة بِطُلُوعِ الْفَجْر وَالِاسْتِغْنَاء عَنْهَا أَوْ بِتَوْبَتِهَا وَرُجُوعهَا إِلَى الْفِرَاش.
2596- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَبَاتَ غَضْبَان عَلَيْهَا» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «غَضْبَانًا».

.باب تَحْرِيمِ إِفْشَاءِ سِرِّ الْمَرْأَةِ:

2597- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَرّ النَّاس عِنْد اللَّه مَنْزِلَة يَوْم الْقِيَامَة الرَّجُل يُفْضِي إِلَى اِمْرَأَته وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُر سِرّهَا».
قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا وَقَعَتْ الرِّوَايَة (أَشَرّ) بِالْأَلِفِ وَأَهْل النَّحْو يَقُولُونَ: لَا يَجُوز (أَشَرّ) و(أَخْيَر) وَإِنَّمَا يُقَال هُوَ خَيْر مِنْهُ وَشَرّ مِنْهُ.
قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ حُجَّة فِي جَوَازهَا جَمِيعًا وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَحْرِيم إِفْشَاء الرَّجُل مَا يَجْرِي بَيْنه وَبَيْن اِمْرَأَته مِنْ أُمُور الِاسْتِمْتَاع، وَوَصْف تَفَاصِيل ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي مِنْ الْمَرْأَة فيه مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل وَنَحْوه. فَأَمَّا مُجَرَّد ذِكْر الْجِمَاع، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فيه فَائِدَة وَلَا إِلَيْهِ حَاجَة فَمَكْرُوه لِأَنَّهُ خِلَاف الْمُرُوءَة.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت». وَإِنْ كَانَ إِلَيْهِ حَاجَة أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَة بِأَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ إِعْرَاضه عَنْهَا أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْز عَنْ الْجِمَاع أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَة فِي ذِكْره كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَفْعَلَهُ أَنَا وَهَذِهِ» وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَة: «أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَة؟» وَقَالَ لِجَابِرٍ: «الْكَيْس الْكَيْس». وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب حُكْمِ الْعَزْلِ:

الْعَزْل هُوَ أَنْ يُجَامِع فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَال نَزَعَ وَأَنْزَلَ خَارِج الْفَرْج وَهُوَ مَكْرُوه عِنْدنَا فِي كُلّ حَال وَكُلّ اِمْرَأَة سَوَاء رَضِيَتْ أَمْ لَا لِأَنَّهُ طَرِيق إِلَى قَطْع النَّسْل، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر تَسْمِيَته (الْوَأْد الْخَفِيّ) لِأَنَّهُ قَطْع طَرِيق الْوِلَادَة كَمَا يُقْتَل الْمَوْلُود بِالْوَأْدِ.
وَأَمَّا التَّحْرِيم فَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا يَحْرُم فِي مَمْلُوكَته وَلَا فِي زَوْجَته الْأَمَة سَوَاء رَضِيَتَا أَمْ لَا لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي مَمْلُوكَته بِمَصِيرِهَا أُمّ وَلَد وَامْتِنَاع بَيْعهَا وَعَلَيْهِ ضَرَر فِي زَوْجَته الرَّقِيقَة بِمَصِيرِ وَلَده رَقِيقًا تَبَعًا لِأُمِّهِ وَأَمَّا زَوْجَته الْحُرَّة فَإِنْ أَذِنَتْ فيه لَمْ يَحْرُم، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحّهمَا لَا يَحْرُم.
ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيث مَعَ غَيْرهَا يُجْمَع بَيْنهَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي النَّهْي مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه وَمَا وَرَدَ فِي الْإِذْن فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْي الْكَرَاهَة. هَذَا مُخْتَصَر مَا يَتَعَلَّق بِالْبَابِ مِنْ الْأَحْكَام وَالْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث وَلِلسَّلَفِ خِلَاف كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذْهَبنَا وَمَنْ حَرَّمَهُ بِغَيْرِ إِذْن الزَّوْجَة الْحُرَّة قَالَ عَلَيْهَا ضَرَر فِي الْعَزْل فَيُشْتَرَط لِجَوَازِهِ إِذْنهَا.
2599- قَوْله (غَزْوَة بَلْمُصْطَلِق) أَيْ بَنِي الْمُصْطَلِق وَهِيَ غَزْوَة الْمُرَيْسِيع قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَهْل الْبَيْت: هَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَة أَوْطَاس.
قَوْله: «كَرَائِم الْعَرَب» أَيْ النَّفِيسَات مِنْهُمْ قَوْله: «فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَة وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاء» مَعْنَاهُ اِحْتَجْنَا إِلَى الْوَطْء وَخِفْنَا مِنْ الْحَبَل فَتَصِير أُمّ وَلَد يَمْتَنِع عَلَيْنَا بَيْعهَا وَأَخَذَ الْفِدَاء فيها. فَيُسْتَنْبَط مِنْهُ مَنْع بَيْع أُمّ الْوَلَد وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدهمْ.
قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَلَيْكُمْ إِلَّا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّه خَلْقَ نَسَمَة هِيَ كَائِنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سَتَكُونُ». مَعْنَاهُ مَا عَلَيْكُمْ ضَرَر فِي تَرْك الْعَزْل لِأَنَّ كُلّ نَفْس قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى خَلْقهَا لابد أَنْ يَخْلُقهَا سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُقَدِّر خَلْقهَا لَا يَقَع سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا. فَلَا فَائِدَة فِي عَزْلكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقهَا سَبَقَكُمْ الْمَاء فَلَا يَنْفَع حِرْصكُمْ فِي مَنْع الْخَلْق.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَرَب يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْعَجَم وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ وَسُبُوا جَازَ اِسْتِرْقَاقهمْ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِق عَرَب صُلْبِيَّة مِنْ خُزَاعَة وَقَدْ اِسْتَرَقُّوهُمْ وَوَطِئُوا سَبَايَاهُمْ وَاسْتَبَاحُوا بَيْعهنَّ وَأَخْذ فَدَائِهِنَّ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الصَّحِيح الْجَدِيد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الْقَدِيم لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقّ لِشَرَفِهِمْ وَاَللَّه أَعْلَم.
2606- قَوْله: «إِنَّ لِي جَارِيَة هِيَ خَادِمنَا وَسَانِيَتنَا». أَيْ الَّتِي تَسْقِي لَنَا شَبَّهَهَا بِالْبَعِيرِ فِي ذَلِكَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَخْبَرَهُ بِأَنَّ لَهُ جَارِيَة يَعْزِل عَنْهَا. «إِنْ شِئْت» ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا حَبِلَتْ إِلَى آخِره، فيه دَلَالَة عَلَى إِلْحَاق النَّسَب مَعَ الْعَزْل، لِأَنَّ الْمَاء قَدْ سَبَقَ وَفيه أَنَّهُ إِذَا اِعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَته صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَتَلْحَقهُ أَوْلَادهَا إِلَّا أَنْ يَدَّعِي الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك.
2607- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله» مَعْنَاهُ هُنَا أَنَّ مَا أَقُول لَكُمْ حَقّ فَاعْتَمِدُوهُ وَاسْتَيْقِنُوهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِثْل فَلَق الصُّبْح.

.باب تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ الْمَسْبِيَّةِ:

2611- قَوْله (عَنْ يَزِيد بْن خُمَيْر) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله: «أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحّ عَلَى بَاب فُسْطَاط» الْمُجِحّ بِمِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ جِيم مَكْسُورَة ثُمَّ حَاء مُهْمَلَة وَهِيَ الْحَامِل الَّتِي قَرُبَتْ وِلَادَتهَا، وَفِي (الْفُسْطَاط) سِتّ لُغَات فُسْطَاط وَفُسْتَاط وَفُسَّاط. بِحَذْفِ الطَّاء وَالتَّاء لَكِنْ بِتَشْدِيدِ السِّين وَبِضَمِّ الْفَاء وَكَسْرهَا فِي الثَّلَاثَة وَهُوَ نَحْو بَيْت الشِّعْر.
قَوْله: «أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَاب فُسْطَاط فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيد أَنْ يُلِمّ بِهَا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُل مَعَهُ قَبْره كَيْف يُوَرِّثهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ كَيْف يَسْتَخْدِمهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ». مَعْنَى: «يُلِمّ بِهَا» أَيْ يَطَأهَا وَكَانَتْ حَامِلًا مَسْبِيَّة لَا يَحِلّ جِمَاعهَا حَتَّى تَضَع.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْف يُوَرِّثهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ كَيْف يَسْتَخْدِمهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ». فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ تَتَأَخَّر وِلَادَتهَا سِتَّة أَشْهُر حَيْثُ يُحْتَمَل كَوْن الْوَلَد مِنْ هَذَا السَّابِي وَيُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قَبْله. فَعَلَى تَقْدِير كَوْنه مِنْ السَّابِي يَكُون وَلَدًا لَهُ وَيَتَوَارَثَانِ، وَعَلَى تَقْدِير كَوْنه مِنْ غَيْر السَّابِي لَا يَتَوَارَثَانِ هُوَ وَلَا السَّابِي لِعَدَمِ الْقَرَابَة بَلْ لَهُ اِسْتِخْدَامه لِأَنَّهُ مَمْلُوكه. فَتَقْدِير الْحَدِيث أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْحِقهُ وَيَجْعَلهُ اِبْنًا لَهُ وَيُوَرِّثهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُ تَوْرِيثه لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَحِلّ تَوَارُثه وَمُزَاحَمَته لِبَاقِي الْوَرَثَة، وَقَدْ يَسْتَخْدِمهُ اِسْتِخْدَام الْعَبِيد وَيَجْعَلهُ عَبْدًا يَتَمَلَّكهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْهُ إِذَا وَضَعَتْهُ لِمُدَّةٍ مُحْتَمِلَة كَوْنه مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا، فَيَجِب عَلَيْهِ الِامْتِنَاع مِنْ وَطْئِهَا خَوْفًا مِنْ هَذَا الْمَحْظُور فَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فِي مَعْنَى الْحَدِيث.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: مَعْنَاهُ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَمَّى هَذَا الْجَنِين بِنُطْفَةِ هَذَا السَّابِي فَيَصِير مُشَارِكًا فيه فَيَمْتَنِع الِاسْتِخْدَام.
قَالَ: وَهُوَ نَظِير الْحَدِيث الْآخَر: «مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَد غَيْره». هَذَا كَلَام الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيف أَوْ بَاطِل وَكَيْف يَنْتَظِم التَّوْرِيث مَعَ هَذَا التَّأْوِيل؟ بَلْ الصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب جَوَازِ الْغِيلَةِ وَهِيَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَكَرَاهَةِ الْعَزْلِ:

2612- قَوْله: (عَنْ جُدَامَة بِنْت وَهْب) ذَكَرَ مُسْلِم اِخْتِلَاف الرُّوَاة فيها هَلْ هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة أَمْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة قَالَ: وَالصَّحِيح أَنَّهَا بِالدَّالِ. يَعْنِي الْمُهْمَلَة، وَكَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ الصَّحِيح أَنَّهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيم مَضْمُومَة بِلَا خِلَاف.
وَقَوْله (جُدَامَة بِنْت وَهْب) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (جُدَامَة بِنْت وَهْب أُخْت عُكَاشَة) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ بَعْضهمْ: إِنَّهَا أُخْت عُكَاشَة عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا جُدَامَة بِنْت وَهْب بْن مُحَصِّن.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أُخْت رَجُل آخَر يُقَال لَهُ عُكَاشَة بْن وَهْب لَيْسَ بِعُكَاشَة بْن مُحَصِّن الْمَشْهُور.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هِيَ جُدَامَة بِنْت جَنْدَلَ هَاجَرَتْ.
قَالَ: وَالْمُحَدِّثُونَ قَالُوا فيها: جُدَامَة بِنْت وَهْب هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَار أَنَّهَا جُدَامَة بِنْت وَهْب الْأَسَدِيَّة أُخْت عُكَاشَة بْن مُحَصِّن الْمَشْهُور الْأَسَدِيِّ، وَتَكُون أُخْته مِنْ أُمّه وَفِي (عُكَاشَة) لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي كِتَاب الْأَيْمَان تَشْدِيد الْكَاف وَتَخْفِيفهَا وَالتَّشْدِيد أَفْصَح وَأَشْهَر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَة حَتَّى ذَكَرْت أَنَّ الرُّوم وَفَارِس يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرّ أَوْلَادهمْ».
قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْغِيلَة) هُنَا بِكَسْرِ الْغَيْن وَيُقَال لَهَا: الْغَيْل بِفَتْحِ الْغَيْن مَعَ حَذْف الْهَاء (وَالْغِيَال) بِكَسْرِ الْغَيْن كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة: (الْغَيْلَة) بِفَتْحٍ الْمَرَّة الْوَاحِدَة وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهِيَ الِاسْم مِنْ الْغِيل.
وَقِيلَ: إِنْ أُرِيدَ بِهَا وَطْء الْمُرْضِع جَازَ الْغِيلَة وَالْغَيْلَة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْغِيلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهِيَ الْغَيْل، فَقَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ وَالْأَصْمَعِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنْ يُجَامِع اِمْرَأَته وَهِيَ مُرْضِع يُقَال مِنْهُ: أَغَالَ الرَّجُل وَأَغْيَلَ، إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: هُوَ أَنْ تُرْضِع الْمَرْأَة وَهِيَ حَامِل يُقَال مِنْهُ: غَالَتْ وَأَغْيَلَت.
قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب هَمّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهُ يَخَاف مِنْهُ ضَرَر الْوَلَد الرَّضِيع. قَالُوا: وَالْأَطِبَّاء يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ اللَّبَن دَاء وَالْعَرَب تَكْرَههُ وَتَتَّقِيه. وَفِي الْحَدِيث جَوَاز الْغِيلَة فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا، وَبَيَّنَ سَبَب تَرْك النَّهْي.
وَفيه جَوَاز الِاجْتِهَاد لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَهُ قَالَ جُمْهُور أَهْل الْأُصُول.
وَقِيلَ: لَا يَجُوز لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوَحْي وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
2613- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ» هُوَ بِضَمِّ الْيَاء لِأَنَّهُ مِنْ أَغَالَ يُغِيل كَمَا سَبَقَ.
قَوْله: ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْل فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ الْوَأْد الْخَفِيّ». وَهِيَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ} الْوَأْد وَالْمَوْءُودَة بِالْهَمْزِ. وَالْوَأْد دَفْن الْبِنْت وَهِيَ حَيَّة وَكَانَتْ الْعَرَب تَفْعَلهُ خَشْيَة الْإِمْلَاق وَرُبَّمَا فَعَلُوهُ خَوْف الْعَار وَالْمَوْءُودَة الْبِنْت الْمَدْفُونَة، حَيَّة. وَيُقَال: وَأَدَتْ الْمَرْأَة وَلَدهَا وَأْدًا قِيلَ سُمِّيَتْ مَوْءُودَة لِأَنَّهَا تُثَقَّل بِالتُّرَابِ.
وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْعَزْل وَجْه تَسْمِيَة هَذَا وَأْدًا، وَهُوَ مُشَابَهَته الْوَأْد فِي تَفْوِيت الْحَيَاة.
وَقَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث: {وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ} مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَزْل يُشْبِه الْوَأْد الْمَذْكُور فِي هَذِهِ الْآيَة.
2614- قَوْله: (حَدَّثَنِي عَيَّاش بْن عَبَّاس) الْأَوَّل بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَأَبُوهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَهُوَ عَيَّاش بْن عَبَّاس الْقِتْبَانِيّ بِكَسْرِ الْقَاف مَنْسُوب إِلَى قِتْبَانِ بَطْن مِنْ رُعَيْن.
قَوْله: «أُشْفِقَ عَلَى وَلَدهَا». هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر الْفَاء أَيْ أَخَاف.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِس وَلَا الرُّوم». هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاء أَيْ مَا ضَرّهمْ يُقَال: أَضَارَهُ يُضِيرهُ ضَيْرًا وَضَرَّهُ يَضُرّهُ ضُرًّا وَضَرَّا وَاَللَّه أَعْلَم.

.كتاب الرضاع:

هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرهَا وَالرَّضَاعَة بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرهَا، وَقَدْ رَضِعَ الصَّبِيّ أُمّه بِكَسْرِ الضَّاد يُرْضَعهَا بِفَتْحِهَا رِضَاعًا قَالَ الْجَوْهَرِيّ: وَيَقُول أَهْل نَجْد رَضَعَ يَرْضِع بِفَتْحِ الضَّاد فِي الْمَاضِي وَكَسْرهَا فِي الْمُضَارِع رَضْعًا يَضْرِب ضَرْبًا وَأَرْضَعَتْهُ أُمّه وَامْرَأَة مُرْضِع أَيْ لَهَا وَلَد تُرْضِعهُ فَإِنَّ وَصْفَتهَا بِإِرْضَاعِهِ قُلْت: مُرْضِعَة بِالْهَاءِ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ:

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّضَاعَة تُحَرِّم مَا تُحَرِّمهُ الْوِلَادَة» وَفِي رِوَايَة: «يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ الْوِلَادَة» وَفِي حَدِيث قِصَّة حَفْصَة وَحَدِيث قِصَّة عَائِشَة الْإِذْن لِدُخُولِ الْعَمّ مِنْ الرَّضَاعَة عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «فَلْيَلِجْ عَلَيْك عَمّك» قُلْت: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَة وَلَمْ يُرْضِعنِي الرَّجُل قَالَ: إِنَّهُ عَمّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك هَذِهِ الْأَحَادِيث مُتَّفِقَة عَلَى ثُبُوت حُرْمَة الرَّضَاع وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى ثُبُوتهَا بَيْن الرَّضِيع وَالْمُرْضِعَة وَأَنَّهُ يَصِير اِبْنهَا يَحْرُم عَلَيْهِ نِكَاحهَا أَبَدًا وَيَحِلّ لَهُ النَّظَر إِلَيْهَا وَالْخَلْوَة بِهَا وَالْمُسَافَرَة، وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام الْأُمُومَة مِنْ كُلّ وَجْه فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِب عَلَى وَاحِد مِنْهُمَا نَفَقَة الْآخَر، وَلَا يَعْتِق عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَلَا تُرَدّ شَهَادَته لَهَا وَلَا يَعْقِل عَنْهَا وَلَا يَسْقُط عَنْهَا الْقِصَاص بِقَتْلِهِ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَام وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى اِنْتِشَار الْحُرْمَة بَيْن الْمُرْضِعَة وَأَوْلَاد الرَّضِيع وَبَيْن الرَّضِيع وَأَوْلَاد الْمُرْضِعَة وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَوَلَدِهَا مِنْ النَّسَب لِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَمَّا الرَّجُل الْمَنْسُوب ذَلِكَ اللَّبَن إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ زَوْج الْمَرْأَة أَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَة فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة ثُبُوت حُرْمَة الرَّضَاع بَيْنه وَبَيْن الرَّضِيع وَيَصِير وَلَدًا لَهُ وَأَوْلَاد الرَّجُل أُخُوَّة الرَّضِيع وَأَخَوَاته وَتَكُون أُخُوَّة الرَّجُل أَعْمَام الرَّضِيع وَأَخَوَاته عَمَّاته وَتَكُون أَوْلَاد الرَّضِيع أَوْلَاد الرَّجُل وَلَمْ يُخَالِف فِي هَذَا إِلَّا أَهْل الظَّاهِر وَابْن عُلَيَّة فَقَالُوا: لَا تَثْبُت حُرْمَة الرَّضَاع بَيْن الرَّجُل وَالرَّضِيع. وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيّ عَنْ اِبْن عُمَر وَعَائِشَة، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتكُمْ مِنْ الرَّضَاعَة}.
وَلَمْ يَذْكُر الْبِنْت وَالْعَمَّة كَمَا ذَكَرَهمَا فِي النَّسَب. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي عَمّ عَائِشَة وَعَمّ حَفْصَة وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِذْنه فيه: «أَنَّهُ يَحْرُم مِنْ الرَّضَاعَة مَا يَحْرُم مِنْ الْوِلَادَة» وَأَجَابُوا عَمَّا اِحْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْآيَة أَنَّهُ لَيْسَ فيها نَصّ بِإِبَاحَةِ الْبِنْت وَالْعَمَّة وَنَحْوهمَا لِأَنَّ ذِكْر الشَّيْء لَا يَدُلّ عَلَى سُقُوط الْحُكْم عَمَّا سِوَاهُ لَوْ لَمْ يُعَارِضهُ دَلِيل آخَر كَيْف وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَاَللَّه أَعْلَم.
2615- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرَاهُ فُلَانًا» لِعَمِّ حَفْصَة هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة أَيْ أَظُنّهُ.
2616- قَوْله: (حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن هَاشِم بْن الْبَرِيد) هُوَ بِبَاء مُوَحَّدَة مَفْتُوحَة ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت.

.باب تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ:

2617- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْس جَاءَ يَسْتَأْذِن عَلَيْهَا وَهُوَ عَمّهَا مِنْ الرَّضَاعَة» إِلَى آخِره، وَذَكَرَ الْحَدِيث السَّابِق فِي أَوَّل الْبَاب عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُول اللَّه لَوْ كَانَ فُلَانًا حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَة دَخَلَ عَلَيّ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَة تُحَرِّم مَا تُحَرِّم الْوِلَادَة».
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي عَمّ عَائِشَة الْمَذْكُور، فَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْقَابِسِيّ: هُمَا عَمَّانِ لِعَائِشَة مِنْ الرَّضَاعَة أَحَدهمَا أَخُو أَبِيهَا أَبِي بَكْر مِنْ الرَّضَاعَة اِرْتَضَعَ هُوَ وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ اِمْرَأَة وَاحِدَة، وَالثَّانِي أَخُو أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعَة الَّذِي هُوَ أَبُو الْقُعَيْس وَأَبُو الْقُعَيْس أَبُوهَا مِنْ الرَّضَاعَة وَأَخُوهُ أَفْلَحَ عَمّهَا وَقِيلَ هُوَ عَمّ وَاحِد، وَهَذَا غَلَط فَإِنَّ عَمّهَا فِي الْحَدِيث الْأَوَّل مَيِّت وَفِي الثَّانِي حَيّ جَاءَ يَسْتَأْذِن فَالصَّوَاب مَا قَالَهُ الْقَابِسِيّ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: قَوْل الْقَابِسِيّ أَشْبَه لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا لَفَهِمَتْ حُكْمه مِنْ الْمَرَّة الْأُولَى وَلَمْ تَحْتَجِب مِنْهُ بَعْد ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَا عَمَّيْنِ كَيْف سَأَلَتْ عَلَى الْمَيِّت وَأَعْلَمهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَمّ لَهَا يَدْخُل عَلَيْهَا وَاحْتَجَبَتْ عَنْ عَمّهَا الْآخَر أَخِي أَبِي الْقُعَيْس حَتَّى أَعْلَمهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ عَمّهَا يَلِج عَلَيْهَا؟ فَهَلَّا اِكْتَفَتْ بِأَحَدِ السُّؤَالَيْنِ؟ فَالْجَوَاب: أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّ أَحَدهمَا كَانَ عَمَّا مِنْ أَحَد الْأَبَوَيْنِ وَالْآخَر مِنْهُمَا أَوْ عَمَّا أَعْلَى وَالْآخَر أَدْنَى أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَاف فَخَافَتْ أَنْ تَكُون الْإِبَاحَة مُخْتَصَّة بِصَاحِبِ الْوَصْف الْمَسْئُول عَنْهُ أَوَّلًا وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله: «عَنْ عَائِشَة أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْس جَاءَ يَسْتَأْذِن عَلَيْهَا»، وَفِي رِوَايَة: «أَفْلَحَ بْن أَبِي الْقُعَيْس» وَفِي رِوَايَة (اِسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَة أَبُو الْجَعْد فَرَدَدْته قَالَ لِي هِشَام: إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقُعَيْس) وَفِي رِوَايَة (أَفْلَحَ بْن أَبِي قُعَيْس) قَالَ الْحُفَّاظ: الصَّوَاب الرِّوَايَة الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي كَرَّرَهَا مُسْلِم فِي أَحَادِيث الْبَاب وَهِيَ الْمَعْرُوفَة فِي كُتُب الْحَدِيث وَغَيْرهَا، أَنَّ عَمّهَا مِنْ الرَّضَاعَة هُوَ أَفْلَحَ أَخُو أَبِي الْقُعَيْس وَكُنْيَته أَفْلَحَ أَبُو الْجَعْد و(الْقُعَيْس) بِضَمِّ الْقَاف وَفَتْح الْعَيْن وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرِبَتْ يَدَاك أَوْ يَمِينك». سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْغُسْل.

.باب تَحْرِيمِ ابْنَةِ الأَخِ مِنَ الرَّضَاعَةِ:

2623- قَوْله: «مَا لَك تَنَوَّقُ فِي قُرَيْش» هُوَ بِتَاءِ مُثَنَّاة فَوْق مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مَفْتُوحَة ثُمَّ وَاو مَفْتُوحَة مُشَدَّدَة ثُمَّ قَاف أَيْ تَخْتَار وَتُبَالِغ فِي الِاخْتِيَار قَالَ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْن الثَّانِيَة مَضْمُومَة أَيْ تَمِيل.
2624- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا هَدَّاب) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال الْمُهْمَلَة وَيُقَال لَهُ (هُدْبَة) بِضَمِّ الْهَاء وَسَبَقَ بَيَانه مَرَّات.
قَوْله: (أُرِيدَ عَلَى اِبْنَة حَمْزَة) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر الرَّاء وَمَعْنَاهُ قِيلَ لَهُ يَتَزَوَّجهَا.
قَوْله: (مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن مَهْرَانِ الْقُطَعِيّ) هُوَ بِضَمِّ الْقَاف وَفَتْح الطَّاء مَنْسُوب إِلَى قَطِيعَة قَبِيلَة مَعْرُوفَة وَهُوَ قَطِيعَة بْن عَبْس بْن بَغِيض بْن رَيْب بْن غَطَفَان بْن سَعْد بْن قَيْس بْن عَيْلَان بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة.
قَوْله: (كِلَيْهِمَا عَنْ قَتَادَة) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ وَفِي بَعْضهَا (كِلَاهُمَا) وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُور وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَان وَجْهه فِي الْفُصُول السَّابِقَة فِي مُقَدِّمَة هَذَا الشَّرْح.
قَوْله: (وَفِي رِوَايَة بِشْر سَمِعْت جَابِر بْن زَيْد) يَعْنِي فِي رِوَايَة بِشْر أَنَّ قَتَادَة قَالَ سَمِعْت جَابِر بْن زَيْد وَهَذَا مِمَّا يُحْتَاج إِلَى بَيَانه لِأَنَّ قَتَادَة مُدَلِّس، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: قَتَادَة عَنْ جَابِر، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُدَلِّس لَا يُحْتَجّ بِعَنْعَنَتِهِ حَتَّى يَثْبُت سَمَاعه لِذَلِكَ الْحَدِيث فَنَبَّهَ، مُسْلِم عَلَى ثُبُوته.
2625- قَوْله: (أَخْبَرَنِي مَخْرَمَة بْن بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم يَقُول: سَمِعْت مُحَمَّد بْن مُسْلِم يَقُول: سَمِعْت حُمَيْدَ بْن عَبْد الرَّحْمَن يَقُول: سَمِعْت أُمّ سَلَمَة) هَذَا الْإِسْنَاد فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ أَوَّلهمْ بُكَيْر بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ رَوَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة، وَالثَّانِي عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الزُّهْرِيِّ أَخُو الزُّهْرِيِّ الْمَشْهُور وَهُوَ تَابِعِيّ سَمِعَ اِبْن عُمَر وَآخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَهُوَ أَكْبَر مِنْ أَخِيهِ الزُّهْرِيِّ الْمَشْهُور، وَالثَّالِث مُحَمَّد بْن مُسْلِم الزُّهْرِيُّ الْمَشْهُور وَهُوَ أَخُو عَبْد اللَّه الرَّاوِي عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالرَّابِع حُمَيْدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَهُوَ وَالزُّهْرِيّ تَابِعِيَّانِ مَشْهُورَانِ.
فَفِي هَذَا الْإِسْنَاد ثَلَاث لَطَائِف مِنْ عِلْم الْإِسْنَاد أَحَدهَا كَوْنه جَمَعَ أَرْبَعَة تَابِعِيِّينَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، الثَّانِيَة أَنَّ فيه رِوَايَة الْكَبِير عَنْ الصَّغِير لِأَنَّ عَبْد اللَّه أَكْبَر مِنْ أَخِيهِ مُحَمَّد كَمَا سَبَقَ، الثَّالِثَة أَنَّ فيه رِوَايَة الْأَخ عَنْ أَخِيهِ.

.باب تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ وَأُخْتِ الْمَرْأَةِ:

2626- قَوْلهَا: «لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ». هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة أَيْ لَسْت أُخَلَّى لَك بِغَيْرِ ضَرَّة.
قَوْلهَا: «وَأَحَبّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الْخَيْر أُخْتِي». هُوَ بِفَتْحِ الشِّين وَكَسْر الرَّاء أَيْ أَحَبّ مَنْ شَارَكَنِي فِيك وَفِي صُحْبَتك وَالِانْتِفَاع مِنْك بِخَيْرَاتِ الْآخِرَة وَالدُّنْيَا.
قَوْلهَا: (تَخْطُب دُرَّة بِنْت أَبِي سَلَمَة)، هِيَ بِضَمِّ الدَّال وَتَشْدِيد الرَّاء وَهَذَا لَا خِلَاف فيه، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْض رُوَاة كِتَاب مُسْلِم أَنَّهُ ضَبَطَهُ (ذَرَّة) بِفَتْحِ الذَّال الْمُعْجَمَة فَتَصْحِيف لَا شَكّ فيه.
قَوْلهَا: «قَالَتْ: اِبْنَة أُمّ سَلَمَة قُلْت: نَعَمْ»، هَذَا سُؤَال اِسْتِثْبَات وَنَفْي اِحْتِمَال إِرَادَة غَيْرهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا اِبْنَة أَخِي مِنْ الرَّضَاعَة». مَعْنَاهُ أَنَّهَا حَرَام عَلَيَّ بِسَبَبَيْنِ، كَوْنهَا رَبِيبَة، وَكَوْنهَا بِنْت أَخِي، فَلَوْ فُقِدَ أَحَد السَّبَبَيْنِ حَرُمَتْ بِالْآخَرِ.
وَالرَّبِيبَة بِنْت الزَّوْجَة مُشْتَقَّة مِنْ الرَّبّ وَهُوَ الْإِصْلَاح لِأَنَّهُ يَقُوم بِأُمُورِهَا وَيُصْلِح أَحْوَالهَا، وَوَقَعَ فِي بَعْض كُتُب الْفِقْه أَنَّهَا مُشْتَقَّة مِنْ التَّرْبِيَة وَهَذَا غَلَط فَاحِش فَإِنَّ مِنْ شَرْط الِاشْتِقَاق الِاتِّفَاق فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة وَلَام الْكَلِمَة وَهُوَ الْحَرْف الْأَخِير مُخْتَلِف فَإِنَّ آخِر (رَبَّ) بَاء مُوَحَّدَة وَفِي آخِر (رَبِّي) يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْحِجْر بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْرِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَة» أَبَاهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة، أَيْ أُرْضِعْت أَنَا وَأَبُوهَا أَبُو سَلَمَة مِنْ ثُوَيْبَة بِثَاءٍ مُثَلَّثَة مَضْمُومَة ثُمَّ وَاو مَفْتُوحَة ثُمَّ يَاء التَّصْغِير ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة ثُمَّ هَاء وَهِيَ مَوْلَاة لِأَبِي لَهَب اِرْتَضَعَ مِنْهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل حَلِيمَة السَّعْدِيَّة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتكُنَّ وَلَا أَخَوَاتكُنَّ». إِشَارَة إِلَى أُخْت أُمّ حَبِيبَة وَبِنْت أُمّ سَلَمَة وَاسْم أُخْت أُمّ حَبِيبَة هَذِهِ (عَزَّة) بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَقَدْ سَمَّاهَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَم حِينَئِذٍ تَحْرِيم الْجَمْع بَيْن الْأُخْتَيْنِ وَكَذَا لَمْ تَعْلَم مَنْ عَرْضِ بِنْت أُمّ سَلَمَة تَحْرِيم الرَّبِيبَة وَكَذَا لَمْ تَعْلَم مَنْ عَرْضِ بِنْت حَمْزَة تَحْرِيم بِنْت الْأَخ مِنْ الرَّضَاعَة أَوْ لَمْ تَعْلَم أَنَّ حَمْزَة أَخ لَهُ مِنْ الرَّضَاع وَاَللَّه أَعْلَم.
2627- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي» فَفيه حُجَّة لِدَاوُد الظَّاهِرِيّ أَنَّ الرَّبِيبَة لَا تَحْرُم إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي حِجْر زَوْج أُمّهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْره فَهِيَ حَلَال لَهُ وَهُوَ مُوَافِق لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ} وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة سِوَى دَاوُدَ أَنَّهَا حَرَام سَوَاء كَانَتْ فِي حِجْره أَمْ لَا قَالُوا وَالتَّقْيِيد إِذَا خَرَجَ عَلَى سَبَب لِكَوْنِهِ الْغَالِب لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُوم يُعْمَل بِهِ، فَلَا يُقْصَر الْحَكَم عَلَيْهِ، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ مِنْ إِمْلَاق} وَمَعْلُوم أَنَّهُ يَحْرُم قَتْلهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ خَرَجَ التَّقَيُّد بِالْإِمْلَاقِ لِأَنَّهُ الْغَالِب.
وَقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} وَنَظَائِره فِي الْقُرْآن كَثِيرَة.

.باب فِي الْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَيْنِ:

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُحَرِّم الْمَصَّة وَالْمَصَّتَانِ». وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «لَا تُحَرِّم الْإِمْلَاجُة وَالْإِمْلَاجَتَان»، وَفِي رِوَايَة: «قَالَ: يَا نَبِيّ اللَّه هَلْ تُحَرِّم الرَّضْعَة الْوَاحِدَة؟ قَالَ: لَا» وَفِي رِوَايَة عَائِشَة قَالَتْ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآن عَشْر رَضَعَات مَعْلُومَات يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَات، فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأ مِنْ الْقُرْآن».
2629- قَوْله: (اِمْرَأَتِي الْحُدْثَى) هُوَ بِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان الدَّال أَيْ الْجَدِيدَة.
وَأَمَّا (الْإِمْلَاجُة) فَبِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالْجِيم الْمُخَفَّفَة وَهِيَ الْمَصَّة يُقَال مَلَجَ الصَّبِيّ أُمّه وَأَمْلَجَتْهُ.
2633- قَوْله: (حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّام) هُوَ حَبَّانُ بْن هِلَال وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَذَكَرَ مُسْلِم سَهْلَة بِنْت سُهَيْل اِمْرَأَة أَبِي حُذَيْفَة وَإِرْضَاعهَا سَالِمًا وَهُوَ رَجُل.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة، فَقَالَتْ عَائِشَة وَدَاوُد: تَثْبُت حُرْمَة الرَّضَاع بِرَضَاعِ الْبَالِغ كَمَا تَثْبُت بِرَضَاعِ الطِّفْل لِهَذَا الْحَدِيث.
وَقَالَ سَائِر الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاء الْأَمْصَار إِلَى الْآن: لَا يَثْبُت إِلَّا بِإِرْضَاعِ مَنْ لَهُ دُون سَنَتَيْنِ، إِلَّا أَبَا حَنِيفَة فَقَالَ: سَنَتَيْنِ وَنِصْف، وَقَالَ زُفَر: ثَلَاث سِنِينَ وَعَنْ مَالِك رِوَايَة سَنَتَيْنِ وَأَيَّام.

.باب إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ:

وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَات يَرْضِعْنَ أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ الرَّضَاعَة}، وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا: «إِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة» وَبِأَحَادِيث مَشْهُورَة وَحَمَلُوا حَدِيث سَهْلَة عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصّ بِهَا وَبِسَالِمٍ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ أُمّ سَلَمَة وَسَائِر أَزْوَاج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُنَّ خَالَفْنَ عَائِشَة فِي هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ:

2634- وَقَوْلهَا: «فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأ» هُوَ بِضَمِّ الْيَاء مِنْ (يَقْرَأ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخ بِخَمْس رَضَعَاتٍ تَأَخَّر إِنْزَالُهُ جِدًا حَتَى أَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تُوفِي وَبَعْض النَّاس يَقْرَأ خَمْس رَضَعَات وَيَجْعَلهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغهُ النَّسْخ لِقُرْبِ عَهْده فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخ بَعْد ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى.
وَالنَّسْخ ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحَدهَا مَا نُسِخَ حُكْمه وَتِلَاوَته كَعَشْرِ رَضَعَات، وَالثَّانِي مَا نُسِخَتْ تِلَاوَته دُون حُكْمه كَخَمْسِ رَضَعَات وَالشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا، وَالثَّالِث مَا نُسِخَ حُكْمه وَبَقِيَتْ تِلَاوَته وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَر وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّة لِأَزْوَاجِهِمْ} الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْقَدْر الَّذِي يَثْبُت بِهِ حُكْم الرَّضَاع، فَقَالَتْ عَائِشَة وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: لَا يَثْبُت بِأَقَلّ مِنْ خَمْس رَضَعَات، وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء: يَثْبُت بِرَضْعَةٍ وَاحِدَة. حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُسٍ وَابْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد وَابْن الْمُنْذِر وَدَاوُد: يَثْبُت بِثَلَاثِ رَضَعَات وَلَا يَثْبُت بِأَقَلّ.
فَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَة خَمْس رَضَعَات مَعْلُومَات، وَأَخَذَ مَالِك قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، وَلَمْ يَذْكُر عَدَدًا، وَأَخَذَ دَاوُدَ بِمَفْهُومِ حَدِيث: «لَا تُحَرِّم الْمَصَّة وَالْمَصَّتَانِ» وَقَالَ: هُوَ مُبَيِّن لِلْقُرْآنِ.
وَاعْتَرَضَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ عَلَى الْمَالِكِيَّة فَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَتْ تَحْصُل الدَّلَالَة لَكُمْ لَوْ كَانَتْ الْآيَة وَاَللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أُمَّهَاتكُمْ.
وَاعْتَرَضَ أَصْحَاب مَالِك عَلَى الشَّافِعِيَّة بِأَنَّ حَدِيث عَائِشَة هَذَا لَا يُحْتَجّ بِهِ عِنْدكُمْ وَعِنْد مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآن لَا يَثْبُت بِخَبَرِ الْوَاحِد، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَمْ يَثْبُت بِخَبَرِ الْوَاحِد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ خَبَر الْوَاحِد إِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَادِح وُقِفَ عَنْ الْعَمَل بِهِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَجِئ إِلَّا بِآحَادٍ مَعَ أَنَّ الْعَادَة مَجِيئُهُ مُتَوَاتِرًا تُوجِب رِيبَة وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاعْتَرَضَتْ الشَّافِعِيَّة عَلَى الْمَالِكِيَّة بِحَدِيثِ: «الْمَصَّة وَالْمَصَّتَانِ» وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ بَاطِلَة لَا يَنْبَغِي ذِكْرهَا لَكِنْ نُنَبِّه عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ الِاغْتِرَار بِهَا، مِنْهَا أَنَّ بَعْضهمْ اِدَّعَى أَنَّهَا مَنْسُوخَة وَهَذَا بَاطِل لَا يَثْبُت بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضهمْ زَعَمَ أَنَّهُ مَوْقُوف عَلَى عَائِشَة وَهَذَا خَطَأ فَاحِش بَلْ قَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم وَغَيْره مِنْ طُرُق صِحَاح مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَة عَائِشَة وَمِنْ رِوَايَة أُمّ الْفَضْل وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضهمْ زَعَمَ أَنَّهُ مُضْطَرِب وَهَذَا غَلَط ظَاهِر وَجَسَارَة عَلَى رَدّ السُّنَن بِمُجَرَّدِ الْهَوَى وَتَوْهِين صَحِيحهَا لِنُصْرَةِ الْمَذَاهِب.
وَقَدْ جَاءَ فِي اِشْتِرَاط الْعَدَد أَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة وَالصَّوَاب اِشْتِرَاطه قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَدْ شَذَّ بَعْض النَّاس فَقَالَ: لَا يَثْبُت الرَّضَاع إِلَّا بِعَشْرِ رَضَعَات وَهَذَا بَاطِل مَرْدُود وَاَللَّه أَعْلَم.