فصل: باب مَنْ بَاعَ نَخْلاً عَلَيْهَا ثَمَرٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب تَحْرِيمِ بَيْعِ صُبْرَةِ التَّمْرِ الْمَجْهُولَةِ الْقَدْرِ بِتَمْرٍ:

2820- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الصُّبْرَة مِنْ التَّمْر لَا يَعْلَم مَكِيلهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْر» هَذَا تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ بَيْع التَّمْر بِالتَّمْرِ حَتَّى يَعْلَم الْمُمَاثَلَة، قَالَ الْعُلَمَاء: لِأَنَّ الْجَهْل بِالْمُمَاثَلَةِ فِي هَذَا الْبَاب كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَة، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا سَوَاء بِسَوَاءٍ» وَلَمْ يَحْصُل تَحَقُّق الْمُسَاوَاة مَعَ الْجَهْل. وَحُكْم الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِير بِالشَّعِيرِ وَسَائِر الرِّبَوِيَّات إِذَا بِيعَ بَعْضهَا بِبَعْضِ حُكْم التَّمْر بِالتَّمْرِ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ:

2821- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبه مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْع الْخِيَار» هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِثُبُوتِ خِيَار الْمَجْلِس لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْد اِنْعِقَاد الْبَيْع حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِس بِأَبْدَانِهِمَا، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَمَنْ بَعْدهمْ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ وَطَاوُس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء وَشُرَيْح الْقَاضِي وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أَبِي ذِئْب وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُبَارَك وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد وَالْبُخَارِيّ وَسَائِر الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرُونَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: لَا يَثْبُت خِيَار الْمَجْلِس بَلْ يَلْزَم الْبَيْع بِنَفْسِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول. وَبِهِ قَالَ رَبِيعَة وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيُّ وَهُوَ رِوَايَة عَنْ الثَّوْرِيّ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهَا جَوَاب صَحِيح، وَالصَّوَاب ثُبُوته كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُور وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا بَيْع الْخِيَار» فيه ثَلَاثَة أَقْوَال ذَكَرَهَا أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء؛ وَأَصَحّهَا أَنَّ الْمُرَاد التَّخْيِير بَعْد تَمَام الْعَقْد قَبْل مُفَارَقَة الْمَجْلِس، وَتَقْدِيره يَثْبُت لَهُمَا الْخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ يَتَخَايَرَا فِي الْمَجْلِس وَيَخْتَارَا إِمْضَاء الْبَيْع فَيَلْزَم الْبَيْع بِنَفْسِ التَّخَايُر وَلَا يَدُوم إِلَى الْمُفَارِقَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا بَيْعًا شُرِطَ فيه خِيَار الشَّرْط ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ دُونهَا فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَار فيه بِالْمُفَارَقَةِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَنْقَضِي الْمُدَّة الْمَشْرُوطَة.
وَالثَّالِث مَعْنَاهُ إِلَّا بَيْعًا شُرِطَ فيه أَلَّا خِيَار لَهُمَا فِي الْمَجْلِس فَيَلْزَم الْبَيْع بِنَفْسِ الْبَيْع وَلَا يَكُون فيه خِيَار وَهَذَا تَأْوِيل مَنْ يُصَحِّح الْبَيْع عَلَى هَذَا الْوَجْه.
وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا بُطْلَانه بِهَذَا الشَّرْط فَهَذَا تَنْقِيح الْخِلَاف فِي تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث. وَاتَّفَقَ أَصْحَابنَا عَلَى تَرْجِيح الْقَوْل الْأَوَّل وَهُوَ الْمَنْصُوص لِلشَّافِعِيِّ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَأَبْطَلَ كَثِير مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِله. وَمِمَّنْ رَجَحَهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ بَسَطَ دَلَائِله وَبَيَّنَ ضَعْف مَا يُعَارِضهَا ثُمَّ قَالَ: وَذَهَبَ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى تَضْعِيف الْأَثَر الْمَنْقُول عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: الْبَيْع صَفْقَة أَوْ خِيَار. وَأَنَّ الْبَيْع لَا يَجُوز فيه شَرْط قَطْع الْخِيَار، وَأَنَّ الْمُرَاد بِبَيْعِ الْخِيَار التَّخْيِير بَعْد الْبَيْع أَوْ شُرِطَ فيه الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد التَّخْيِير بَعْد الْبَيْع، لِأَنَّ نَافِعًا رُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِبَيْعِ الْخِيَار وَرُبَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِتَصْحِيحِ هَذَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر فِي الْإِشْرَاق هَذَا التَّفْسِير عَنْ الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْن عُيَيْنَةَ وَعَبْد اللَّه بْن الْحَسَن الْعَنْبَرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم.
2822- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّر أَحَدهمَا الْآخَر فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدهمَا الْآخَر فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْع» وَمَعْنَى: «أَوْ يُخَيِّر أَحَدهمَا الْآخَر» أَنْ يَقُول لَهُ: اِخْتَرْ إِمْضَاء الْبَيْع. فَإِذَا اِخْتَارَ وَجَبَ الْبَيْع أَيْ لَزِمَ وَانْبَرَمَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدهمَا الْآخَر فَسَكَتَ لَمْ يَنْقَطِع خِيَار السَّاكِت.
وَفِي اِنْقِطَاع خِيَار الْقَائِل وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، أَصَحّهمَا الِانْقِطَاع لِظَاهِرِ لَفْظ الْحَدِيث.
2823- قَوْله: (فَكَانَ اِبْن عُمَر إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّة ثُمَّ رَجَعَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول (هُنَيَّة) بِتَشْدِيدِ الْيَاء غَيْر مَهْمُوز وَفِي بَعْضهَا (هُنَيْهَة) بِتَخْفِيفِ الْيَاء وَزِيَادَة هَاء أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا.
وَقَوْله: (فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلهُ) أَيْ لَا يَنْفَسِخ الْبَيْع وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّفَرُّق بِالْأَبْدَانِ كَمَا فَسَّرَهُ اِبْن عُمَر الرَّاوِي وَفيه رَدّ عَلَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ التَّفَرُّق عَلَى أَنَّهُ التَّفَرُّق بِالْقَوْلِ وَهُوَ لَفْظ الْبَيْع.
2824- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْع بَيْنهمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» أَيْ لَيْسَ بَيْنهمَا بَيْع لَازِم.

.باب الصِّدْقِ فِي الْبَيْعِ وَالْبَيَانِ:

2825- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بِوَرِكِ لَهُمَا فِي بَيْعهمَا» أَيْ بَيْن كُلّ وَاحِد لِصَاحِبِهِ مَا يَحْتَاج إِلَى بَيَانه مِنْ عَيْب وَنَحْوه فِي السِّلْعَة وَالثَّمَن وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْإِخْبَار بِالثَّمَنِ وَمَا يَتَعَلَّق بِالْعِوَضَيْنِ، وَمَعْنَى: «مُحِقَتْ بَرَكَة بَيْعهمَا» أَيْ ذَهَبَتْ بَرَكَته وَهِيَ زِيَادَته وَنَمَاؤُهُ.

.باب مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ:

2826- قَوْله: «ذَكَرَ رَجُل لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَع فِي الْبُيُوع. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ: لَا خِلَابَة وَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُول لَا خِيَابَة». أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقُلْ لَا خِلَابَة» هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَة مَكْسُورَة وَتَخْفِيف اللَّام وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة. وَقَوْله: «وَكَانَ إِذَا بَايَعَ قَالَ: لَا خِيَابَة» هُوَ بِيَاءٍ مُثَنَّاة تَحْت بَدَل اللَّام هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، قَالَ الْقَاضِي: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ: «لَا خِيَانَة» بِالنُّونِ قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيف.
قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات فِي غَيْر مُسْلِم: «خِذَابَة» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَالصَّوَاب الْأَوَّل. وَكَانَ الرَّجُل أَلْثَغ فَكَانَ يَقُولهَا كَذَا وَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَقُول: «لَا خِلَابَة» وَمَعْنَى لَا خِلَابَة لَا خَدِيعَة أَيْ لَا تَحِلّ لَك خَدِيعَتِي أَوْ لَا يَلْزَمنِي خَدِيعَتك. وَهَذَا الرَّجُل هُوَ حَبَّان بِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة اِبْن مُنْقِد بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ وَالِد يَحْيَى وَوَاسِع بَنِي حَبَّان شَهِدَا أُحُدًا، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ وَالِده مُنْقِد بْن عَمْرو، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَة وَثَلَاثِينَ سَنَة، وَكَانَ قَدْ شُجَّ فِي بَعْض مَغَازِيه مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض الْحُصُون بِحَجَرٍ فَأَصَابَتْهُ فِي رَأْسه مَأْمُومَة فَتَغَيَّرَ بِهَا لِسَانه وَعَقْله لَكِنْ لَمْ يَخْرُج عَنْ التَّمْيِيز. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهُ مَعَ هَذَا الْقَوْل الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فِي كُلّ سِلْعَة يَبْتَاعهَا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَدِيث فَجَعَلَهُ بَعْضهمْ خَاصًّا فِي حَقّه وَأَنَّ الْمُغَابَنَة بَيْن الْمُتَبَايِعَيْنِ لَازِمَة لَا خِيَار لِلْمَغْبُونِ بِسَبَبِهَا سَوَاء قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَآخَرِينَ وَهِيَ أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِك.
وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيَّة: لِلْمَغْبُونِ الْخِيَار لِهَذَا الْحَدِيث بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغ الْغَبْن ثُلُث الْقِيمَة فَإِنْ كَانَ دُونه فَلَا. وَالصَّحِيح الْأَوَّل لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَار، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: «قُلْ لَا خِلَابَة» أَيْ لَا خَدِيعَة، وَلَا يَلْزَم مِنْ هَذَا ثُبُوت الْخِيَار وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَار كَانَتْ قَضِيَّة عَيْن لَا عُمُوم لَهَا، فَلَا يَنْفُذ مِنْهُ إِلَى غَيْره إِلَّا بِدَلِيلٍ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ:

فيه: «عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا نَهَى الْبَائِع وَالْمُبْتَاع» وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ بَيْع النَّخْل حَتَّى تَزْهُو وَعَنْ السُّنْبُل حَتَّى يَبْيَضّ وَيَأْمَن الْعَاهَة» وَفِي رِوَايَة: «لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه وَتَذْهَب عَنْهُ الْآفَة قَالَ: يَبْدُو صَلَاحه حُمْرَته وَصُفْرَته» وَفِي رِوَايَة: «قِيلَ لِابْنِ عُمَر: مَا صَلَاحه؟ قَالَ: تَذْهَب عَاهَته» وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَر حَتَّى يَطِيب» وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ بَيْع النَّخْل حَتَّى يَأْكُل أَوْ يُؤْكَل وَحَتَّى يُوزَن. فَقُلْت: مَا يُوزَن؟ فَقَالَ رَجُل عِنْده. يَعْنِي عِنْد اِبْن عَبَّاس: حَتَّى يُحْرَز».
2827- أَمَّا أَلْفَاظ الْحَدِيث فَمَعْنَى يَبْدُو يَظْهَر وَهُوَ بِلَا هَمْز. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّه عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَع فِي كَثِير مِنْ كُتُب الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرهمْ: «حَتَّى يَبْدُوَا» بِالْأَلِفِ فِي الْخَطّ وَهُوَ خَطَأ وَالصَّوَاب حَذْفهَا فِي مِثْل هَذَا لِلنَّاصِبِ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي إِثْبَاتهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ نَاصِب مِثْل زَيْد يَبْدُو وَالِاخْتِيَار حَذْفهَا أَيْضًا، وَيَقَع مِثْله فِي: «حَتَّى يَزْهُو» وَصَوَابه حَذْف الْأَلِف كَمَا ذُكِرَ.
2828- قَوْله: «يَزْهُو» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء كَذَا ضَبَطُوهُ وَهُوَ صَحِيح كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: يُقَال: زَهَا النَّخْل يَزْهُو إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَته وَأَزْهَى يُزْهَى إِذَا اِحْمَرَّ أَوْ اِصْفَرَّ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: لَا يُقَال فِي النَّخْل: أَزْهَى، إِنَّمَا يُقَال: زَهَا. وَحَكَاهُمَا أَبُو زَيْد لُغَتَيْنِ.
وَقَالَ الْخَلِيل: أَزْهَى النَّخْل بَدَا صَلَاحه.
وَقَالَ الْخَطَّابِيّ: هَكَذَا يُرْوَى حَتَّى يَزْهُو، قَالَ: وَالصَّوَاب فِي الْعَرَبِيَّة حَتَّى يُزْهَى، وَالْإِزْهَاء فِي الثَّمَر أَنْ يَحْمَرّ أَوْ يَصْفَرّ، وَذَلِكَ عَلَامَة الصَّلَاح فيها وَدَلِيل خَلَاصهَا مِنْ الْآفَة.
قَالَ اِبْن الْأَثِير: مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يُزْهَى، كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يَزْهُو.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: الزَّهْو بِفَتْحِ الزَّاي، وَأَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ بِضَمِّهَا وَهُوَ الْبُسْر الْمُلَوَّن، يُقَال إِذَا ظَهَرَتْ الْحُمْرَة أَوْ الصُّفْرَة فِي النَّخْل فَقَدْ ظَهَرَ فيه الزَّهْو، وَقَدْ زَهَا النَّخْل زَهْوًا وَأَزْهَى لُغَة. فَهَذِهِ أَقْوَال أَهْل الْعِلْم فيه وَيَحْصُل مِنْ مَجْمُوعهَا جَوَاز ذَلِكَ كُلّه فَالزِّيَادَة مِنْ الثِّقَة مَقْبُولَة، وَمَنْ نَقَلَ شَيْئًا لَمْ يَعْرِفهُ غَيْره قَبِلْنَاهُ إِذَا كَانَ ثِقَة.
قَوْله: «وَعَنْ السُّنْبُل حَتَّى يَبْيَضّ» مَعْنَاهُ يَشْتَدّ حُبّه وَهُوَ بُدُوّ صَلَاحه.
قَوْله: «وَيَأْمَن الْعَاهَة» هِيَ الْآفَة تُصِيب الزَّرْع أَوْ الثَّمَر وَنَحْوه فَتُفْسِدهُ.
قَوْله: «وَعَنْ السُّنْبُل حَتَّى يَبْيَضّ» فيه دَلِيل لِمَذْهَبِ مَالِك وَالْكُوفِيِّينَ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَجُوز بَيْع السُّنْبُل الْمُشْتَدّ، وَأَمَّا مَذْهَبنَا فَفيه تَفْصِيل؛ فَإِنْ كَانَ السُّنْبُل شَعِيرًا أَوْ ذُرَة أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا تُرَى حَبَّاته جَازَ بَيْعه؛ وَإِنْ كَانَ حِنْطَة وَنَحْوهَا مِمَّا تَسْتُر حَبَّاته بِالْقُشُورِ الَّتِي تُزَال بِالدِّيَاسِ فَفيه قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: الْجَدِيد أَنَّهُ لَا يَصِحّ وَهُوَ أَصَحّ قَوْلَيْهِ، وَالْقَدِيم أَنَّهُ يَصِحّ.
وَأَمَّا قَبْل الِاشْتِدَاد فَلَا يَصِحّ بَيْع الزَّرْع إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْع كَمَا ذَكَرْنَا؛ وَإِذَا بَاعَ الزَّرْع قَبْل الِاشْتِدَاد مَعَ الْأَرْض بِلَا شَرْط جَازَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَكَذَا الثَّمَر قَبْل بُدُوّ الصَّلَاح إِذَا بِيعَ مَعَ الشَّجَر جَازَ بِلَا شَرْط تَبَعًا وَهَكَذَا حُكْم الْبُقُول فِي الْأَرْض، لَا يَجُوز بَيْعهَا فِي الْأَرْض دُون الْأَرْض إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْع، وَكَذَا لَا يَصِحّ بَيْع الْبِطِّيخ وَنَحْوه قَبْل بُدُوّ صَلَاحه وَفُرُوع الْمَسْأَلَة كَثِيرَة، وَقَدْ نَقَّحْت مَقَاصِدهَا فِي رَوْضَة الطَّالِبِينَ، وَشَرْح الْمُهَذَّب، وَجَمَعْت فيها جُمَلًا مُسْتَكْثَرَات وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
قَوْله: فِي الْحَدِيث: «نَهَى الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي» أَمَّا الْبَائِع فَلِأَنَّهُ يُرِيد أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ يُوَافِقهُ عَلَى حَرَام وَلِأَنَّهُ يُضَيِّع مَالَهُ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إِضَاعَة الْمَال.
2829- سبق شرحه بالباب.
2830- سبق شرحه بالباب.
2831- قَوْله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر (ح) وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُونُس حَدَّثَنَا زُهَيْر حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر. فَقَوْله أَوَّلًا: (عَنْ جَابِر) كَانَ يَنْبَغِي لَهُ عَلَى مُقْتَضَى عَادَتْهُ وَقَاعِدَته وَقَاعِدَة غَيْره حَذَفَهُ فِي الطَّرِيق الْأَوَّل وَيَقْتَصِر عَلَى أَبِي الزُّبَيْر لِحُصُولِ الْغَرَض بِهِ، لَكِنَّهُ أَرَادَ زِيَادَة الْبَيَان وَالْإِيضَاح وَقَدْ سَبَقَ بَيَان مِثْل هَذَا غَيْر مَرَّة.
2832- قَوْله: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُثْمَان النَّوْفَلِيّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم (ح) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَاتِم وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْح قَالَ أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا عَمْرو بْن دِينَار. هَكَذَا يُوجَد فِي النُّسَخ هَذَا وَأَمْثَاله، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأ الْقَارِئ بَعْد رَوْح قَالَا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا لِأَنَّ أَبَا عَاصِم وَرَوْحًا يَرْوِيَانِ عَنْ زَكَرِيَّا، فَلَوْ قَالَ الْقَارِئ: قَالَ: أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا. كَانَ خَطَأ لِأَنَّهُ يَكُون مُحَدِّثًا عَنْ رَوْح وَحْده وَتَارِكًا لِطَرِيقِ أَبِي عَاصِم وَمِثْل هَذَا مِمَّا يُغْفَل عَنْهُ فَنَبَّهْت عَلَيْهِ لِيُتَفَطَّن لِأَشْبَاهِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُب هَذَا فِي الْكِتَاب فَيُقَال: قَالَا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاء. وَإِنْ كَانُوا يَحْذِفُونَ لَفْظه.
قَالَ: إِذَا كَانَ الْمُحَدِّث عَنْهُ وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يُلْبَس، بِخِلَافِ هَذَا. فَإِنْ قَالَ قَائِل: يَجُوز أَنْ يُقَال هُنَا: قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا. وَيَكُون الْمُرَاد قَالَ: رَوْح وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ وَاللَّفْظ لَهُ. قُلْنَا: هَذَا مُحْتَمَل. وَلَكِنَّ الظَّاهِر الْمُخْتَار مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَكْثَر فَائِدَة لِئَلَّا يَكُون تَارِكًا لِرِوَايَةِ أَبِي عَاصِم وَاَللَّه أَعْلَم.
2833- قَوْله: (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوْق، وَاسْمه سَعِيد بْن عِمْرَان، وَيُقَال: اِبْن أَبِي عِمْرَان. وَيُقَال: اِبْن فَيْرُوز الْكُوفِيّ الطَّائِيّ مَوْلَاهُمْ.
قَالَ هِلَال بْن حِبَّان: بِالْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ كَانَ مِنْ أَفَاضِل أَهْل الْكُوفَة.
وَقَالَ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت الْإِمَام الْجَلِيل: اِجْتَمَعْت أَنَا وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَكَانَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ أَعْلَمنَا وَأَفْقَهنَا، قُتِلَ بِالْجَمَاجِمِ سَنَة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.
وَقَالَ اِبْن مَعِين وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زُرْعَة: ثِقَة. وَإِنَّمَا ذَكَرْت مَا ذَكَرْت فيه لِأَنَّ الْحَاكِم أَبَا أَحْمَد قَالَ فِي كِتَابه الْأَسْمَاء وَالْكُنَى: إِنَّ أَبَا الْبَخْتَرِيّ هَذَا لَيْسَ قَوِيًّا عِنْدهمْ. وَلَا يُقْبَل قَوْل الْحَاكِم لِأَنَّهُ جَرْح غَيْر مُفَسِّر، وَالْجَرْح إِذَا لَمْ يُفَسِّر لَا يُقْبَل، وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَات عَلَى أَنَّهُ ثِقَة وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذِهِ الْقَاعِدَة فِي أَوَّل الْكِتَاب وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ بَيْع النَّخْل، فَقَالَ: نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع النَّخْل حَتَّى يَأْكُل مِنْهُ أَوْ يُؤْكَل مِنْهُ وَحَتَّى تُوزَن. فَقُلْت: مَا يُوزَن؟ فَقَالَ رَجُل عِنْد حَتَّى يَحْزِر» وَأَمَّا قَوْله: «يَأْكُل أَوْ يُؤْكَل» فَمَعْنَاهُ حَتَّى يَصْلُح لِأَنْ يُؤْكَل فِي الْجُمْلَة، وَلَيْسَ الْمُرَاد كَمَالِ أَكْله بَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَذَلِكَ يَكُون عِنْد بُدُوّ الصَّلَاح، وَأَمَّا تَفْسِيره يُوزَن بَيَحْزُرَ فَظَاهِر، لِأَنَّ الْحَزْر طَرِيق إِلَى مَعْرِفَة قَدْره وَكَذَا الْوَزْن، وَقَوْله: «حَتَّى يُحْزَر» وَهُوَ بِتَقْدِيمِ الزَّاي عَلَى الرَّاء أَيْ يُخْرَص. وَوَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول بِتَقْدِيمِ الرَّاء وَهُوَ تَصْحِيف وَإِنْ كَانَ يُمْكِن تَأْوِيله لَوْ صَحَّ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَهَذَا التَّفْسِير عِنْد الْعُلَمَاء أَوْ بَعْضهمْ فِي مَعْنَى الْمُضَاف إِلَى اِبْن عَبَّاس لِأَنَّهُ أَقَرَّ قَائِله عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرهُ وَتَقْرِيره كَقَوْلِهِ وَاَللَّه أَعْلَم.
2834- قَوْله: (عَنْ اِبْن أَبِي نُعْم) هُوَ بِإِسْكَانِ الْعَيْن بِلَا يَاء بَعْدهَا وَاسْمه دُكَيْن بْن الْفُضَيْل، وَشُرُوح مُسْلِم كُلّهَا سَاكِتَة عَنْهُ.
أَمَّا أَحْكَام الْبَاب فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَة قَبْل بُدُوّ صَلَاحهَا بِشَرْطِ الْقَطْع صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَوْ شَرَطَ الْقَطْع ثُمَّ لَمْ يَقْطَع فَالْبَيْع صَحِيح وَيَلْزَمهُ الْبَائِع بِالْقَطْعِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إِبْقَائِهِ جَازَ وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَة فَالْبَيْع بَاطِل بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَتْ الثَّمَرَة قَبْل إِدْرَاكهَا فَيَكُون الْبَائِع قَدْ أَكَلَ مَال أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيث.
وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ الْقَطْع فَقَدْ اِنْتَفَى هَذَا الضَّرَر. وَإِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا بِلَا شَرْط فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ الْبَيْع بَاطِل لِإِطْلَاقِ هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْع لِلْإِجْمَاعِ فَخَصَّصْنَا الْأَحَادِيث بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا إِذَا شُرِطَ الْقَطْع وَلِأَنَّ الْعَادَة فِي الثِّمَار الْإِبْقَاء فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ.
وَأَمَّا إِذَا بِيعَتْ الثَّمَرَة بَعْد بُدُوّ الصَّلَاح فَيَجُوز بَيْعهَا مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْع وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَة لِمَفْهُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّ مَا بَعْد الْغَايَة يُخَالِف مَا قَبْلهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسهَا، وَلِأَنَّ الْغَالِب فيها السَّلَامَة بِخِلَافِ مَا قَبْل الصَّلَاح. ثُمَّ إِذَا بِيعَتْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَة أَوْ مُطْلَقًا يَلْزَم الْبَائِع بِسِقَايَتِهَا إِلَى أَوَان الْجُذَاذ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَادَة فيها. هَذَا مَذْهَبنَا وَبِهِ قَالَ مَالِك.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَجِب شَرْط الْقَطْع وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ إِلاَّ فِي الْعَرَايَا:

فيه حَدِيث اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَر بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي بَيْع الْعَرَايَا» وَفِي رِوَايَة: «رَخَّصَ فِي بَيْع الْعَرِيَّة بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّص فِي غَيْر ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَة: «رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّة أَنْ يَبِيعهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْر» وَبَاقِي رِوَايَات الْبَاب بِمَعْنَاهُ وَفيها ذِكْر الْمُحَاقَلَة وَالْمُزَابَنَة وَكِرَاء الْأَرْض وَهَذَا تُؤَخِّرهُ إِلَى بَابه.
وَأَمَّا أَلْفَاظ الْبَاب فَقَوْله: «وَعَنْ بَيْع الثَّمَر بِالتَّمْرِ» وَفِي رِوَايَة: «لَا تَبْتَاعُوا التَّمْر بِالتَّمْرِ» هُمَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ؛ الْأَوَّل: «الثَّمَر» بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة؛ وَالثَّانِي: «التَّمْر» بِالْمُثَنَّاةِ، وَمَعْنَاهُ الرُّطَب بِالتَّمْرِ وَلَيْسَ الْمُرَاد كُلّ الثِّمَار بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، فَإِنَّ سَائِر الثِّمَار يَجُوز بَيْعهَا بِالتَّمْرِ.
2837- قَوْله: (حَدَّثَنَا حُجَيْن) هُوَ بِضَمِّ الْحَاء وَآخِره نُون.
قَوْله: «رَخَّصَ فِي بَيْع الْعَرِيَّة بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّص فِي غَيْر ذَلِكَ» فيه دَلَالَة لِأَحَدِ أَوْجُه أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَجُوز بَيْع الرُّطَب عَلَى النَّخْل بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْض، وَالْأَصَحّ عِنْد جُمْهُورهمْ بُطْلَانه، وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَة، بَلْ مَعْنَاهُ رَخَّصَ فِي بَيْعهَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَشَكَّ فيه الرَّاوِي فَيَحْمِل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد التَّمْر كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَائِر الرِّوَايَات.
2838- قوله: «رخص في بيع العرية بخرصها من التمر» هو بفتح الخاء وكسرها الفتح أشهر، ومعناه بقدر ما فيها إذا صار تمرا فمن فتح قال: هو مصدر أي اسم للفعل ومن كسر قال: هو اسم للشيء المخروص.
2839- سبق شرحه بالباب.
2840- سبق شرحه بالباب.
2842- قَوْله: (عَنْ بَشِير بْن يَسَار عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل دَارهمْ مِنْهُمْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة) أَمَّا (بُشَيْر) فَبِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَفَتْح الشِّين، وَأَمَّا (يَسَار) فَبِالْمُثَنَّاةِ تَحْت وَالسِّين مُهْمَلَة وَهُوَ بَشِير بْن يَسَار الْمَدَنِيّ الْأَنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ مَوْلَاهُمْ.
قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين: لَيْسَ هُوَ بِأَخِي سُلَيْمَان بْن يَسَار.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَقِيهًا قَدْ أَدْرَكَ عَامَّة أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَلِيل الْحَدِيث.
وَقَوْله: (مِنْ أَهْل دَارهمْ) يَعْنِي بَنِي حَارِثَة وَالْمُرَاد بِالدَّارِ الْمَحَلَّة.
وَقَوْله: «عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ جَمَاعَة مِنْهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضهمْ فَقَالَ: مِنْهُمْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة. وَالْبَعْض يُطْلَق عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير، و(حَثْمَة) بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَاسْم أَبِي حَثْمَة عَبْد اللَّه بْن سَاعِدَة وَقِيلَ عَامِر بْن سَاعِدَة، وَكُنْيَة سَهْل أَبُو يَحْيَى وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّد. تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن ثَمَان سِنِينَ.
قَوْله: (فِي هَذَا الْإِسْنَاد حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة الْقَعْنَبِيّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَان يَعْنِي اِبْن بِلَال عَنْ يَحْيَى هُوَ اِبْن سَعِيد عَنْ بَشِير بْن يَسَار عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل دَارهمْ مِنْهُمْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة) فِي هَذَا الْإِسْنَاد أَنْوَاع مِنْ مَعَارِف عِلْم الْإِسْنَاد وَطُرُقه مِنْهَا؛ إِنَّهُ إِسْنَاد كُلّه مَدَنِيُّونَ وَهَذَا نَادِر فِي صَحِيح مُسْلِم بِخِلَافِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فَإِنَّهُ كَثِير، قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة مِنْ أَوَائِل هَذَا الْكِتَاب وَبَعْدهَا بَيَانه.
وَمِنْهَا أَنَّ فيه ثَلَاثَة أَنْصَارِيِّينَ مَدَنِيِّينَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض وَهَذَا نَادِر جِدًّا وَهُمْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ وَبَشِير وَسَهْل، وَمِنْهَا قَوْله: سُلَيْمَان. يَعْنِي اِبْن بِلَال وَقَوْله: يَحْيَى. وَهُوَ اِبْن سَعِيد وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول الَّتِي فِي أَوَّل الْكِتَاب وَبَعْدهَا بَيَان فَائِدَة قَوْله: (يَعْنِي) وَقَوْله: (وَهُوَ) وَأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي الرِّوَايَة بَيَان نَسَبهمَا بَلْ اِقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى قَوْله: (سُلَيْمَان وَيَحْيَى) فَأَرَادَ مُسْلِم بَيَانه وَلَا يَجُوز أَنْ يَقُول: سُلَيْمَان بْن بِلَال فَإِنَّهُ يَزِيد عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ شَيْخه فَقَالَ: (يَعْنِي اِبْن بِلَال) فَحَصَلَ الْبَيَان مِنْ غَيْر زِيَادَة مَنْسُوبَة إِلَى شَيْخه.
وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّق بِضَبْطِ الْأَسْمَاء وَالْأَنْسَاب وَهُوَ بَشِير بْن يَسَار وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَالْقُعْنُبَيَّ وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جَدّه وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة بْن قَعْنَب.
وَمِنْهَا أَنَّ فيه رِوَايَة تَابِعِيّ عَنْ تَابِعِيّ وَهُوَ يَحْيَى عَنْ بَشِير وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَظَائِره فِي الْحَدِيث كَثِيرَة فَهُوَ مِنْ مَعَارِفهمْ.
وَمِنْهَا قَوْله (عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة) فيه أَنَّهُ يَجُوز إِذَا سَمِعَ مِنْ جَمَاعَة ثِقَات جَازَ أَنْ يَحْذِف بَعْضهمْ وَيَرْوِي عَنْ بَعْض وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان هَذَا وَتَفْصِيله مَبْسُوطًا فِي الْفُصُول وَاَللَّه أَعْلَم.
2843- قَوْله: (فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيث سُلَيْمَان بْن بِلَال) الذَّاكِر هُوَ الثَّقَفِيّ الَّذِي هُوَ فِي دَرَجَة سُلَيْمَان بْن بِلَال وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ قَدْ يُغْلَط فيه بَلْ قَدْ غَلِطَ فيه.
قَوْله: (غَيْر أَنَّ إِسْحَاق وَابْن مَثْنَى جَعَلَا مَكَان الرِّبَا الزَّبْن وَقَالَ اِبْن أَبِي عُمَر: الرِّبَا) يَعْنِي أَنَّ اِبْن أَبِي عُمَر رَفِيق إِسْحَاق وَابْن مُثَنَّى قَالَ فِي رِوَايَته: «ذَلِكَ الرِّبَا» كَمَا سَبَقَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال وَأَمَّا إِسْحَاق وَابْن مُثَنَّى فَقَالَا: «ذَلِكَ الزَّبْن» وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّاي وَإِسْكَان الْمُوَحَّدَة وَبَعْدهَا نُون وَأَصْل الزَّبْن الدَّفْع وَيُسَمَّى هَذَا الْعَقْد مُزَابَنَة لِأَنَّهُمْ يَتَدَافَعُونَ فِي مُخَاصَمَتهمْ بِسَبَبِهِ لِكَثْرَةِ الْغَرَر وَالْخَطَر.
2844- قَوْله: (مَوْلَى بَنِي حَارِثَة) بِالْحَاءِ.
2845- قَوْله: (عَنْ أَبِي سُفْيَان مَوْلَى اِبْن أَبِي أَحْمَد) قَالَ الْحَاكِم: أَبُو أَحْمَد أَبُو سُفْيَان هَذَا مِمَّنْ لَا يُعْرَف اِسْمه، قَالَ: وَيُقَال: مَوْلَى أَبِي أَحْمَد. وَابْن أَبِي أَحْمَد هُوَ مَوْلًى لِبَنِي عَبْد الْأَشْهَل، يُقَال: كَانَ لَهُ اِنْقِطَاع إِلَى اِبْن أَبِي أَحْمَد بْن جَحْش فَنُسِبَ إِلَى وَلَائِهِمْ، وَهُوَ مَدَنِيّ ثِقَة.
قَوْله: «خَمْسَة أَوْسُق» هِيَ جَمْع وَسْق بِفَتْحِ الْوَاو وَيُقَال: بِكَسْرِهَا. وَالْفَتْح أَفْصَح وَيُقَال فِي الْجَمْع أَيْضًا: أَوْسَاق وَوُسُوق.
قَالَ الْهَرَوِيُّ: كُلّ شَيْء حَمَلْته فَقَدْ وَسَقْته.
وَقَالَ غَيْره: الْوَسْق ضَمّ الشَّيْء بَعْضه إِلَى بَعْض.
وَأَمَّا قَدْر الْوَسْق فَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثُلُث بِالْبَغْدَادِيِّ، وَأَمَّا: «الْعَرَايَا» فَوَاحِدَتهَا عَرِيَّة بِتَشْدِيدِ الْيَاء كَمَطِيَّةِ وَمَطَايَا وَضَحِيَّة وَضَحَايَا مُشْتَقَّة مِنْ التَّعَرِّي وَهُوَ التَّجَرُّد لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْم بَاقِي الْبُسْتَان.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَالْجُمْهُور: وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره: فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إِذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبهَا يَتَرَدَّد إِلَيْهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخَلِّي صَاحِبهَا الْأَوَّل عَنْهَا مِنْ بَيْن سَائِر نَخْله. وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الثَّمَر بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا تُبَاع بِخَرْصِهَا» فيه تَحْرِيم بَيْع الرُّطَب بِالتَّمْرِ وَهُوَ الْمُزَابَنَة كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيث مُشْتَقَّة مِنْ الزَّبْن وَهُوَ الْمُخَاصَمَة وَالْمُدَافَعَة، وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم بَيْع الرُّطَب بِالتَّمْرِ فِي غَيْر الْعَرَايَا وَأَنَّهُ رِبًا، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيم بَيْع الْعِنَب بِالزَّبِيبِ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيم بَيْع الْحِنْطَة فِي سَنَبُلُّهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَة وَهِيَ الْمُحَاقَلَة مَأْخُوذَة مِنْ الْحَقْل وَهُوَ الْحَرْث وَمَوْضِع الزَّرْع، وَسَوَاء عِنْد جُمْهُورهمْ كَانَ الرُّطَب وَالْعِنَب عَلَى الشَّجَر أَوْ مَقْطُوعًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: إِنْ كَانَ مَقْطُوعًا جَازَ بَيْعه بِمِثْلِهِ مِنْ الْيَابِس.
وَأَمَّا الْعَرَايَا فَهِيَ أَنْ يَخْرُص الْخَارِص نَخَلَات فَيَقُول: هَذَا الرُّطَب الَّذِي عَلَيْهَا إِذَا يَبِسَ تَجِيء مِنْهُ ثَلَاثَة أَوْسُق مِنْ التَّمْرَة مَثَلًا، فَيَبِيعهُ صَاحِبه لِإِنْسَانٍ بِثَلَاثَةِ أَوْسُق تَمْر، وَيَتَقَابَضَانِ فِي الْمَجْلِس، فَيُسَلِّم الْمُشْتَرِي التَّمْر وَيُسَلِّم بَائِع الرُّطَب الرُّطَب بِالتَّخْلِيَةِ، وَهَذَا جَائِز فِيمَا دُون خَمْسَة أَوْسُق، وَلَا يَجُوز فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَة أَوْسُق، وَفِي جَوَازه فِي خَمْسَة أَوْسُق قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحّهمَا لَا يَجُوز لِأَنَّ الْأَصْل تَحْرِيم بَيْع التَّمْر بِالرُّطَبِ وَجَاءَتْ الْعَرَايَا رُخْصَة. وَشَكَّ الرَّاوِي فِي خَمْسَة أَوْسُق أَوْ دُونهَا فَوَجَبَ الْأَخْذ بِالْيَقِينِ وَهُوَ دُون خَمْسَة أَوْسُق وَبَقِيَتْ الْخَمْسَة عَلَى التَّحْرِيم، وَالْأَصَحّ أَنَّهُ يَجُوز ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاء، وَأَنَّهُ لَا يَجُوز فِي غَيْر الرُّطَب وَالْعِنَب مِنْ الثِّمَار، وَفيه قَوْل ضَعِيف أَنَّهُ يَخْتَصّ بِالْفُقَرَاءِ، وَقَوْل إِنَّهُ لَا يَخْتَصّ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَب. هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ فِي الْعَرِيَّة وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَآخَرُونَ وَتَأَوَّلَهَا مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة عَلَى غَيْر هَذَا وَظَوَاهِر الْأَحَادِيث تَرُدّ تَأْوِيلهمَا.

.باب مَنْ بَاعَ نَخْلاً عَلَيْهَا ثَمَرٌ:

2851- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَط الْمُبْتَاع» قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: أَبَرْت النَّخْل أَبَرْته أَبْرًا بِالتَّخْفِيفِ كَأَكَلْته أَكْلًا، وَأَبَّرْته بِالتَّشْدِيدِ أُأَبِّره تَأْبِيرًا كَعَلَّمْته أُعَلِّمهُ تَعْلِيمًا، وَهُوَ أَنْ يَشُقّ طَلْع النَّخْلَة لِيَدُرْ فيه شَيْء مِنْ طَلْع ذَكَر النَّخْل، وَالْإِبَار هُوَ شِقّه سَوَاء حَطَّ فيه شَيْء أَوْ لَا. وَلَوْ تَأَبَّرَتْ بِنَفْسِهَا أَيْ تَشَقَّقَتْ فَحُكْمهَا فِي الْبَيْع حُكْم الْمُؤَبَّرَة بِفِعْلِ الْآدَمِيّ، هَذَا مَذْهَبنَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الْإِبَار لِلنَّخْلِ وَغَيْره مِنْ الثِّمَار وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازه.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْم بَيْع النَّخْل الْمَبِيعَة بَعْد التَّأْبِير وَقَبْله، هَلْ تَدْخُل فيها الثَّمَرَة عِنْد إِطْلَاق بَيْع النَّخْلَة مِنْ غَيْر تَعَرُّض لِلثَّمَرَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَات؟ فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث وَالْأَكْثَرُونَ: إِنْ بَاعَ النَّخْلَة بَعْد التَّأْبِير فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهَا الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُول: اِشْتَرَيْت النَّخْلَة بِثَمَرَتِهَا هَذِهِ. وَإِنْ بَاعَهَا قَبْل التَّأْبِير فَثَمَرَتهَا لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَرَطَهَا الْبَائِع لِنَفْسِهِ جَازَ عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز شَرْطهَا لِلْبَائِعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْل التَّأْبِير وَبَعْده عِنْد الْإِطْلَاق وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى: هِيَ لِلْمُشْتَرِي قَبْل التَّأْبِير وَبَعْده، فَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور فَأَخَذُوا فِي الْمُؤَبَّرَة بِمَنْطُوقِ الْحَدِيث وَفِي غَيْرهَا بِمَفْهُومِهِ وَهُوَ دَلِيل الْخِطَاب وَهُوَ حُجَّة عِنْدهمْ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة فَأَخَذَ بِمَنْطُوقِهِ فِي الْمُؤَبَّرَة وَهُوَ لَا يَقُول بِدَلِيلِ الْخِطَاب فَأَلْحَقَ غَيَّرَ الْمُؤَبَّرَة بِالْمُؤَبَّرَةِ، وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الظَّاهِر يُخَالِف الْمُسْتَتِر فِي بَيْع حُكْم التَّبَعِيَّة فِي الْبَيْع كَمَا أَنَّ الْجَنِين يَتْبَع الْأُمّ فِي الْبَيْع وَلَا يَتْبَعهَا الْوَلَد الْمُنْفَصِل.
وَأَمَّا اِبْن أَبِي لَيْلَى فَقَوْله بَاطِل، مَنَابِذ لِصَرِيحِ السُّنَّة، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم.
2854- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ اِبْتَاعَ عَبْدًا فَمَاله لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِط الْمُبْتَاع» هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحُكْم الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ رِوَايَة سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر، وَلَمْ تَقَع هَذِهِ الزِّيَادَة فِي حَدِيث نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَلَا يَضُرّ ذَلِكَ فَسَالِم ثِقَة بَلْ هُوَ أَجَلّ مِنْ نَافِع، فَزِيَادَته مَقْبُولَة وَقَدْ أَشَارَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَى تَرْجِيح رِوَايَة نَافِع، وَهَذِهِ إِشَارَة مَرْدُودَة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَالِك وَقَوْل الشَّافِعِيّ الْقَدِيم أَنَّ الْعَبْد إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّده مَالًا مَلَكَهُ، لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْد ذَلِكَ كَانَ مَاله لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِط الْمُشْتَرِي، لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَأَبُو حَنِيفَة: لَا يَمْلِك الْعَبْد شَيْئًا أَصْلًا. وَتَأَوَّلَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنْ يَكُون فِي يَد الْعَبْد شَيْء مِنْ مَال السَّيِّد، فَأُضِيفَ ذَلِكَ الْمَال إِلَى الْعَبْد لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاع لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَال جَلَّ الدَّابَّة وَسَرَّجَ الْفَرَس وَإِلَّا فَإِذَا بَاعَ السَّيِّد الْعَبْد فَذَلِكَ الْمَال لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهُ الْمُبْتَاع فَيَصِحّ، لِأَنَّهُ يَكُون قَدْ بَاعَ شَيْئَيْنِ الْعَبْد وَالْمَال الَّذِي فِي يَده بِثَمَنٍ وَاحِد وَذَلِكَ جَائِز.
قَالَا: وَيَشْتَرِط الِاحْتِرَاز مِنْ الرِّبَا.
قَالَ الشَّافِعِيّ: فَإِنْ كَانَ الْمَال دَرَاهِم لَمْ يَجُزْ بَيْع الْعَبْد وَتِلْكَ الدَّرَاهِم بِدَرَاهِم، فَكَذَا إِنْ كَانَ دَنَانِير لَمْ يَجُزْ بَيْعهَا بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ حِنْطَة لَمْ يَجُزْ بَيْعهَا بِحِنْطَةٍ، وَقَالَ مَالِك يَجُوز أَنْ يَشْتَرِط الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ دَرَاهِم وَالثَّمَن دَرَاهِم، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الصُّوَر لِإِطْلَاقِ الْحَدِيث.
قَالَ: وَكَأَنَّهُ لَا حِصَّة لِلْمَالِ مِنْ الثَّمَن.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلْأَصَحِّ عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّهُ إِذَا بَاعَ الْعَبْد أَوْ الْجَارِيَة وَعَلَيْهِ ثِيَابه لَمْ تَدْخُل فِي الْبَيْع بَلْ تَكُون لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهَا الْمُبْتَاع، لِأَنَّهُ مَال فِي الْجُمْلَة.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: تَدْخُل.
وَقَالَ بَعْضهمْ: يَدْخُل سَاتِر الْعَوْرَة فَقَطْ. وَالْأَصَحّ أَنَّهُ لَا يَدْخُل سَائِر الْعَوْرَة وَلَا غَيْره لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَلِأَنَّ اِسْم الْعَبْد لَا يَتَنَاوَل الثِّيَاب وَاَللَّه أَعْلَم.