فصل: باب كَرَاهَةِ الْقَزَعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب جَوَازِ وَسْمِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الآدَمِيِّ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَنَدْبِهِ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ:

3955- قَوْله: «عَنْ أَنَس قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي: يَا أَنَس اُنْظُرْ هَذَا الْغُلَام، فَلَا يُصِيبَن شَيْئًا حَتَّى تَغْدُو بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكهُ، فَغَدَوْت فَإِذَا هُوَ فِي الْحَائِط، وَعَلَيْهِ خَمِيصَة جَوْنِيَّةٌ، وَهُوَ يَسِم الظَّهْر الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْح» وَفِي رِوَايَة: «رَأَيْت فِي يَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيسَم، وَهُوَ يَسِم إِبِل الصَّدَقَة» أَمَّا الْخَمِيصَة فَهِيَ كِسَاء مِنْ صُوف أَوْ خَزّ وَنَحْوهمَا مُرَبَّع لَهُ أَعْلَام.
وَأَمَّا قَوْله: (حُوَيْتِيَّة) فَاخْتَلَفَ رُوَاة صَحِيح مُسْلِم فِي ضَبْطه، فَالْأَشْهَر أَنَّهُ بِحَاءِ مُهْمَلَة مَضْمُومَة، ثُمَّ وَاو مَفْتُوحَة، ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة، ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق مَكْسُورَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت مَشْدُودَة. وَفِي بَعْضهمْ: (حُوتَنِيّة) بِإِسْكَانِ الْوَاو، وَبَعْدهَا مُثَنَّاة فَوْق مَفْتُوحَة، ثُمَّ نُون مَكْسُورَة، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَفِي بَعْضهَا: (حُونِيّة) بِإِسْكَانِ الْوَاو، وَبَعْدهَا نُون مَكْسُورَة. وَفِي بَعْضهَا: (حُرَيْثِيّة) بِحَاءٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة، وَرَاء مَفْتُوحَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة، ثُمَّ مُثَلَّثَة مَكْسُورَة مَنْسُوبَة إِلَى بَنِي حُرَيْث، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ لِجُمْهُورِ رُوَاة صَحِيحه. وَفِي بَعْضهَا: (حَوْنَبِيّة) بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة، وَإِسْكَان الْوَاو، ثُمَّ نُون مَفْتُوحَة، ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَفِي بَعْضهَا: (خُوَيْثِيّة) بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَفَتْح الْوَاو، وَإِسْكَان الْمُثَنَّاة تَحْت، وَبَعْدهَا مُثَلَّثَة، حَكَاهُ الْقَاضِي. وَفِي بَعْضهَا: (جُوَيْنِيّة) بِجِيمٍ مَضْمُومَة، ثُمَّ وَاو، ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت، ثُمَّ نُون مَكْسُورَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت مُشَدَّدَة. وَفِي بَعْضهَا: (جَوْنِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْجِيم، وَإِسْكَان الْوَاو، وَبَعْدهَا نُون.
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق: وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاة الْبُخَارِيّ (خَيْبَرِيّة) مَنْسُوبَة إِلَى خَيْبَر، وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: (حَوْتَكِيّة) بِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْكَافِ أَيْ صَغِيرَة، وَمِنْهُ رَجُل حَوْتَكِيّ أَيْ صَغِير.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير فِي شَرْح مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: هِيَ مَنْسُوبَة إِلَى الْحُوَيْت، وَهُوَ قَبِيلَة أَوْ مَوْضِع.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق: هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا تَصْحِيف إِلَّا رِوَايَتَيْ (جَوْنِيَّةٌ) بِالْجِيمِ، (وَحُرَيْثِيّة) بِالرَّاءِ وَالْمُثَلَّثَة فَأَمَّا الْجَوْنِيّة بِالْجِيمِ فَمَنْسُوبَة إِلَى بَنِي الْجَوْن قَبِيلَة مِنْ الْأَزْد، أَوْ إِلَى لَوْنهَا مِنْ السَّوَاد، أَوْ الْبَيَاض، أَوْ الْحُمْرَة، لِأَنَّ الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ لَوْن مِنْ هَذِهِ جَوْنًا. هَذَا كَلَام الْقَاضِي.
وَقَالَ اِبْن الْأَثِير فِي نِهَايَة الْغَرِيب بَعْد أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَة الْأُولَى: هَذَا وَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ مُسْلِم، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ الْمَشْهُور: «جَوْنِيَّةٌ» أَيْ سَوْدَاء.
قَالَ: وَأَمَّا الْحُوَيْتِيّة فَلَا أَعْرِفهَا، وَطَالَمَا بَحَثْت عَنْهَا فَلَمْ أَقِف لَهَا عَلَى مَعْنَى. وَاللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: «يَسِم الظَّهْر» فَالْمُرَاد بِهِ الْإِبِل، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْمِل الْأَثْقَال عَلَى ظُهُورهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد كَثِيرَة: مِنْهَا جَوَاز الْوَسْم فِي غَيْر الْآدَمِيّ وَاسْتِحْبَابه فِي نَعَم الزَّكَاة وَالْجِزْيَة، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي فِعْله دَنَاءَة وَلَا تَرْك مُرُوءَة، فَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْهَا بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوَاضُع وَفِعْل الْأَشْغَال بِيَدِهِ، وَنَظَره فِي مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ، وَالِاحْتِيَاط فِي حِفْظ مَوَاشِيهمْ بِالْوَسْمِ وَغَيْره. وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب تَحْنِيك الْمَوْلُود، وَسَنَبْسُطُهُ فِي بَابه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَمِنْهَا حَمْل الْمَوْلُود عِنْد وِلَادَته إِلَى وَاحِد مِنْ أَهْل الصَّلَاح وَالْفَضْل يُحَنِّكهُ بِتَمْرَةِ لِيَكُونَ أَوَّل مَا يَدْخُل فِي جَوْفه رِيق الصَّالِحِينَ فَيَتَبَرَّك بِهِ. وَاللَّه أَعْلَم.
3956- قَوْله: «فَإِذَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِرْبَد يَسِم غَنَمًا» قَالَ شُعْبَة: وَأَكْثَر عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ: «فِي آذَانهَا» قَوْله: (الْمِرْبَد) فَبِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الرَّاء وَفَتْح الْمُوَحَّدَة، وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تُحْبَس فيه الْإِبِل، وَهُوَ مِثْل الْحَظِيرَة لِلْغَنَمِ. فَقَوْله هُنَا: (فِي مِرْبَد) يُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ الْحَظِيرَة الَّتِي لِلْغَنَمِ، فَأُطْلِق عَلَيْهَا اِسْم الْمِرْبَد مَجَازًا لِمُقَارَبَتِهَا، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ الْغَنَم إِلَى مِرْبَد الْإِبِل لِيَسِمهَا فيه.
وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: وَأَكْثَر عِلْمِي) رُوِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة، وَهُمَا صَحِيحَانِ. و(الْمِيسَم) بِكَسْرِ الْمِيم سَبَقَ بَيَانه فِي الْبَاب قَبْله، وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ وَسْم الْآدَمِيّ حَرَام، وَأَمَّا غَيْر الْآدَمِيّ فَالْوَسْم فِي وَجْهه مَنْهِيّ عَنْهُ، وَأَمَّا غَيْر الْوَجْه فَمُسْتَحَبّ فِي نَعَم الزَّكَاة وَالْجِزْيَة، وَجَائِز فِي غَيْرهَا، وَإِذَا وُسِمَ فَيُسْتَحَبّ أَنْ يَسِم الْغَنَم فِي آذَانهَا، وَالْإِبِل وَالْبَقَر فِي أُصُول أَفْخَاذهَا لِأَنَّهُ مَوْضِع صُلْب، فَيَقِلّ الْأَلَم فيه، وَيَخِفّ شَعْره، وَيَظْهَر الْوَسْم. وَفَائِدَة الْوَسْم تَمْيِيز الْحَيَوَان بَعْضه مِنْ بَعْض، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكْتُب فِي مَاشِيَة الْجِزْيَة، جِزْيَة أَوْ صَغَار، وَفِي مَاشِيَة الزَّكَاة زَكَاة أَوْ صَدَقَة.
قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: يُسْتَحَبّ كَوْن مِيسَم الْغَنَم أَلْطَف مِنْ مِيسَم الْبَقَر، وَمِيسَم الْبَقَر أَلْطَف مِنْ مِيسَم الْإِبِل، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ اِسْتِحْبَاب وَسْم نَعَم الزَّكَاة وَالْجِزْيَة هُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الصَّحَابَة كُلّهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء بَعْدهمْ. وَنَقَلَ اِبْن الصَّبَّاغ وَغَيْره إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: هُوَ مَكْرُوه لِأَنَّهُ تَعْذِيب وَمُثْلَة، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْمُثْلَة. وَحُجَّة الْجُمْهُور هَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم، وَآثَار كَثِيرَة عَنْ عُمَر وَغَيْره مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا شَرَدَتْ فَيَعْرِفهَا وَاجِدهَا بِعَلَامَتِهَا فَيَرُدّهَا. وَالْجَوَاب عَنْ النَّهْي عَنْ الْمُثْلَة وَالتَّعْذِيب أَنَّهُ عَامّ، وَحَدِيث الْوَسْم خَاصّ، فَوَجَبَ تَقْدِيمه. وَاللَّه أَعْلَم.
3957- سبق شرحه بالباب.
3958- سبق شرحه بالباب.

.باب كَرَاهَةِ الْقَزَعِ:

3959- قَوْله: أَخْبَرَنِي عُمَر بْن نَافِع عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقَزَع. قُلْت لِنَافِعِ: وَمَا الْقَزَع؟ قَالَ: يُحْلَق بَعْض رَأْس الصَّبِيّ وَيُتْرَك بَعْض» وَفِي رِوَايَة أَنَّ هَذَا التَّفْسِير مِنْ كَلَام عُبَيْد اللَّه الْقَزَع بِفَتْحِ الْقَاف وَالزَّاي، وَهَذَا الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ نَافِع أَوْ عُبَيْد اللَّه هُوَ الْأَصَحّ، وَهُوَ أَنَّ الْقَزَع حَلْق بَعْض الرَّأْس مُطْلَقًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حَلْق مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة مِنْهُ، وَالصَّحِيح الْأَوَّل لِأَنَّهُ تَفْسِير الرَّاوِي، وَهُوَ غَيْر مُخَالِف لِلظَّاهِرِ، فَوَجَبَ الْعَمَل بِهِ، وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة الْقَزَع إِذَا كَانَ فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة إِلَّا أَنْ يَكُون لِمُدَاوَاةٍ وَنَحْوهَا، وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه، وَكَرِهَهُ مَالِك فِي الْجَارِيَة وَالْغُلَام مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه: لَا بَأْس بِهِ فِي الْقِصَّة وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ. وَمَذْهَبنَا كَرَاهَته مُطْلَقًا لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَة لِعُمُومِ الْحَدِيث.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي كَرَاهَته أَنَّهُ تَشْوِيه لِلْخَلْقِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَذَى الشَّرّ وَالشَّطَارَة، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ زِيّ الْيَهُود، وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي رِوَايَة لِأَبِي دَاوُدَ. وَاللَّه أَعْلَم.

.باب النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ وَإِعْطَاءِ الطَّرِيقِ حَقَّهُ:

3960- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوس فِي الطُّرُقَات قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه، مَا لَنَا بُدّ مِنْ مَجَالِسنَا نَتَحَدَّث فيها. قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّرِيق حَقّه قَالُوا: وَمَا حَقّه؟ قَالَ: غَضّ الْبَصَر، وَكَفّ الْأَذَى، وَرَدّ السَّلَام، وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر» هَذَا الْحَدِيث كَثِير الْفَوَائِد، وَهُوَ مِنْ الْأَحَادِيث الْجَامِعَة، وَأَحْكَامه ظَاهِرَة، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَب الْجُلُوس فِي الطُّرُقَات لِهَذَا الْحَدِيث، وَيَدْخُل فِي كَفّ الْأَذَى اِجْتِنَاب الْغِيبَة، وَظَنّ السُّوء، وَإِحْقَار بَعْض الْمَارِّينَ، وَتَضْيِيق الطَّرِيق، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْقَاعِدُونَ مِمَّنْ يَهَابهُمْ الْمَارُّونَ، أَوْ يَخَافُونَ مِنْهُمْ، وَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الْمُرُور فِي أَشْغَالهمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ لَا يَجِدُونَ طَرِيقًا إِلَّا ذَلِكَ الْمَوْضِع.

.باب تَحْرِيمِ فِعْلِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَالنَّامِصَةِ وَالْمُتَنَمِّصَةِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ وَالْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ:

3961- قَوْله: «جَاءَتْ اِمْرَأَة فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي اِبْنَة عُرَيِّسًا، أَصَابَتْهَا حَصْبَة، فَتَمَرَّقَ شَعْرهَا، أَفَأَصِلهُ؟ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّه الْوَاصِلَة وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَفِي رِوَايَة: «فَتَمَرَّقَ شَعْر رَأْسهَا، وَزَوْجهَا يَسْتَحْسِنهَا، أَفَأَصِل شَعْرهَا يَا رَسُول اللَّه؟ فَنَهَاهَا» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرهَا» وَفِي رِوَايَة: «فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرهَا، وَأَنَّ زَوْجهَا يُرِيدهَا» أَمَّا (تَمَرَّقَ) فَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَة، وَهُوَ بِمَعْنَى تَسَاقَطَ، وَتَمَرَّطَ، كَمَا ذُكِرَ فِي بَاقِي الرِّوَايَات. وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي فِي الشَّرْح إِلَّا الرَّاء الْمُهْمَلَة كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَكَاهُ فِي الْمَشَارِق عَنْ جُمْهُور الرُّوَاة، ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ رُوَاة صَحِيح مُسْلِم أَنَّهُ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَة.
قَالَ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى الْأَوَّل، وَلَكِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَل فِي الشَّعْر فِي حَال الْمَرَض.
وَأَمَّا قَوْلهَا: «إِنَّ لِي اِبْنَة عُرَيِّسًا» فَبِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح الرَّاء وَتَشْدِيد الْيَاء الْمَكْسُورَة، تَصْغِير عَرُوس، وَالْعَرُوس يَقَع عَلَى الْمَرْأَة وَالرَّجُل عِنْد الدُّخُول بِهَا، وَأَمَّا (الْحَصْبَة) فَبِفَتْحِ الْحَاء وَإِسْكَان الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَيُقَال أَيْضًا: بِفَتْحِ الصَّاد وَكَسْرهَا ثَلَاث لُغَات حَكَاهُنَّ جَمَاعَة، وَالْإِسْكَان أَشْهَر، وَهِيَ بَثْرٌ تَخْرُج فِي الْجِلْد، يَقُول مِنْهُ حَصِبَ جِلْده بِكَسْرِ الصَّاد يَحْصِب.
وَأَمَّا الْوَاصِلَة فَهِيَ الَّتِي تَصِل شَعْر الْمَرْأَة بِشَعْرٍ آخَر، وَالْمُسْتَوْصِلَة الَّتِي تَطْلُب مَنْ يَفْعَل بِهَا ذَلِكَ، وَيُقَال لَهَا: مَوْصُولَة. وَهَذِهِ الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي تَحْرِيم الْوَصْل، وَلَعْن الْوَاصِلَة وَالْمُسْتَوْصِلَة مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار، وَقَدْ فَصَّلَهُ أَصْحَابنَا فَقَالُوا: إِنْ وَصَلَتْ شَعْرهَا بِشَعْرِ آدَمِيّ فَهُوَ حَرَام بِلَا خِلَاف، سَوَاء كَانَ شَعْر رَجُل أَوْ اِمْرَأَة، وَسَوَاء شَعْر الْمُحَرَّم وَالزَّوْج وَغَيْرهمَا بِلَا خِلَاف لِعُمُومِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّهُ يَحْرُم الِانْتِفَاع بِشَعْرِ الْآدَمِيّ وَسَائِر أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ، بَلْ يُدْفَن شَعْره وَظُفْره وَسَائِر أَجْزَائِهِ. وَإِنْ وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ غَيْر آدَمِيّ فَإِنْ كَانَ شَعْرًا نَجَسًا وَهُوَ شَعْر الْمَيْتَة وَشَعْر مَا لَا يُؤْكَل إِذَا اِنْفَصَلَ فِي حَيَاته فَهُوَ حَرَام أَيْضًا لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حَمَلَ نَجَاسَة فِي صَلَاته وَغَيْرهَا عَمْدًا، وَسَوَاء فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْمُزَوَّجَة وَغَيْرهَا مِنْ النِّسَاء وَالرِّجَال.
وَأَمَّا الشَّعْر الطَّاهِر مِنْ غَيْر الْآدَمِيّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج وَلَا سَيِّد فَهُوَ حَرَام أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فَثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا لَا يَجُوز لِظَاهِرِ الْأَحَادِيث، وَالثَّانِي لَا يَحْرُم، وَأَصَحّهَا عِنْدهمْ إِنْ فَعَلَتْهُ بِإِذْنِ الزَّوْج أَوْ السَّيِّد جَازَ، وَإِلَّا فَهُوَ حَرَام. قَالُوا: وَأَمَّا تَحْمِير الْوَجْه وَالْخِضَاب بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيف الْأَصَابِع فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج وَلَا سَيِّد أَوْ كَانَ وَفَعَلَتْهُ بِغَيْرِ إِذْنه فَحَرَام، وَإِنْ أَذِنَ جَازَ عَلَى الصَّحِيح. هَذَا تَلْخِيص كَلَام أَصْحَابنَا فِي الْمَسْأَلَة، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَسْأَلَة، فَقَالَ مَالِك وَالطَّبَرِيّ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ: الْوَصْل مَمْنُوع بِكُلِّ شَيْء سَوَاء وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ أَوْ صُوف أَوْ خِرَق، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِر الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ أَنْ تَصِل الْمَرْأَة بِرَأْسِهَا شَيْئًا.
وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد: النَّهْي مُخْتَصّ بِالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ، وَلَا بَأْس بِوَصْلِهِ بِصُوفِ وَخِرَق وَغَيْرهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ: يَجُوز جَمِيع ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَائِشَة، وَلَا يَصِحّ عَنْهَا، بَلْ الصَّحِيح عَنْهَا كَقَوْلِ الْجُمْهُور.
قَالَ الْقَاضِي: فَأَمَّا رَبْط خُيُوط الْحَرِير الْمُلَوَّنَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يُشْبِه الشَّعْر فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَقْصُود الْوَصْل، إِنَّمَا هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِين.
قَالَ: وَفِي الْحَدِيث أَنَّ وَصْل الشَّعْر مِنْ الْمَعَاصِي الْكَبَائِر لِلَعْنِ فَاعِله. وَفيه أَنَّ الْمُعِين عَلَى الْحَرَام يُشَارِك فَاعِله فِي الْإِثْم، كَمَا أَنَّ الْمُعَاوِن فِي الطَّاعَة يُشَارِك فِي ثَوَابهَا. وَاللَّه أَعْلَم.
3962- قَوْلهَا: «وَزَوْجهَا يَسْتَحْسِنهَا» فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمَاعَة مِنْ النُّسَخ بِإِسْكَانِ الْحَاء، وَبَعْدهَا سِين مَكْسُورَة، ثُمَّ نُون. مِنْ الِاسْتِحْسَان أَيْ يَسْتَحْسِنهَا فَلَا يَصْبِر عَنْهَا، وَيَطْلُب تَعْجِيلهَا إِلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْهَا: «يَسْتَحِثّهَا» بِكَسْرِ الْحَاء، وَبَعْدهَا ثَاء مُثَلَّثَة، ثُمَّ نُون، ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت، مِنْ الْحَثّ، وَهُوَ سُرْعَة الشَّيْء: «يَسْتَحِثّنِيهَا» وَفِي بَعْضهَا بَعْد الْحَاء ثَاء مُثَلَّثَة فَقَطْ. وَاللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْوَصْل حَرَام سَوَاء كَانَ لِمَعْذُورَةٍ أَوْ عَرُوس أَوْ غَيْرهمَا.
3963- سبق شرحه بالباب.
3964- سبق شرحه بالباب.
3965- سبق شرحه بالباب.
3966- قَوْله: «لَعَنَ اللَّه الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالنَّامِصَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه».
أَمَّا (الْوَاشِمَة) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة فَفَاعِلَة الْوَشْم، وَهِيَ أَنْ تَغْرِز إِبْرَة أَوْ مِسَلَّة أَوْ نَحْوهمَا فِي ظَهْر الْكَفّ أَوْ الْمِعْصَم أَوْ الشَّفَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ بَدَن الْمَرْأَة حَتَّى يَسِيل الدَّم، ثُمَّ تَحْشُو ذَلِكَ الْمَوْضِع بِالْكُحْلِ أَوْ النُّورَة، فَيَخْضَرّ، وَقَدْ يُفْعَل ذَلِكَ بِدَارَات وَنُقُوش، وَقَدْ تُكَثِّرهُ وَقَدْ تُقَلِّلهُ، وَفَاعِلَة هَذَا وَاشِمَة، وَقَدْ وَشَمِتَ تَشِم وَشْمًا، وَالْمَفْعُول بِهَا مَوْشُومَة. فَإِنْ طَلَبَتْ فِعْل ذَلِكَ بِهَا فَهِيَ مُسْتَوْشِمَة، وَهُوَ حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا بِاخْتِيَارِهَا، وَالطَّالِبَة لَهُ، وَقَدْ يُفْعَل بِالْبِنْتِ وَهِيَ طِفْلَة فَتَأْثَم الْفَاعِلَة، وَلَا تَأْثَم الْبِنْت لِعَدَمِ تَكْلِيفهَا حِينَئِذٍ.
قَالَ أَصْحَابنَا: هَذَا الْمَوْضِع الَّذِي وُشِمَ يَصِير نَجَسًا، فَإِنْ أَمْكَنَ إِزَالَته بِالْعِلَاجِ وَجَبَتْ إِزَالَته، وَإِنْ لَمْ يُمْكِن إِلَّا بِالْجَرْحِ فَإِنْ خَافَ مِنْهُ التَّلَف أَوْ فَوَات عُضْو أَوْ مَنْفَعَة عُضْو أَوْ شَيْئًا فَاحِشًا فِي عُضْو ظَاهِر لَمْ تَجِب إِزَالَته، فَإِذَا بَانَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِثْم، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوه لَزِمَهُ إِزَالَته، وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ. وَسَوَاء فِي هَذَا كُلّه الرَّجُل وَالْمَرْأَة. وَاللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا (النَّامِصَة) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة فَهِيَ الَّتِي تُزِيل الشَّعْر مِنْ الْوَجْه، وَالْمُتَنَمِّصَة الَّتِي تَطْلُب فِعْل ذَلِكَ بِهَا، وَهَذَا الْفِعْل حَرَام إِلَّا إِذَا نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَة أَوْ شَوَارِب، فَلَا تَحْرُم إِزَالَتهَا، بَلْ يُسْتَحَبّ عِنْدنَا.
وَقَالَ اِبْن جَرِير: لَا يَجُوز حَلْق لِحْيَتهَا وَلَا عَنْفَقَتهَا وَلَا شَارِبهَا، وَلَا تَغْيِير شَيْء مِنْ خِلْقَتهَا بِزِيَادَةِ وَلَا نَقْص. وَمَذْهَبنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اِسْتِحْبَاب إِزَالَة اللِّحْيَة وَالشَّارِب وَالْعَنْفَقَة، وَأَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَوَاجِب وَمَا فِي أَطْرَاف الْوَجْه. وَرَوَاهُ بَعْضهمْ (الْمُنْتَمِصَة) بِتَقْدِيمِ النُّون، وَالْمَشْهُور تَأْخِيرهَا، وَيُقَال لِلْمِنْقَاشِ مِنْمَاص بِكَسْرِ الْمِيم.
وَأَمَّا (الْمُتَفَلِّجَات) بِالْفَاءِ وَالْجِيم، وَالْمُرَاد مُفَلِّجَات الْأَسْنَان بِأَنْ تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّات، وَهُوَ مِنْ الْفَلَج بِفَتْحِ الْفَاء وَاللَّام، وَهِيَ فُرْجَة بَيْن الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّات، وَتَفْعَل ذَلِكَ الْعَجُوز وَمَنْ قَارَبْتهَا فِي السِّنّ إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الْأَسْنَان، لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْجَة اللَّطِيفَة بَيْن الْأَسْنَان تَكُون لِلْبَنَاتِ الصِّغَار، فَإِذَا عَجَزَتْ الْمَرْأَة كَبُرَتْ سِنّهَا وَتَوَحَّشَتْ فَتَبْرُدهَا بِالْمِبْرَدِ لِتَصِيرَ لَطِيفَة حَسَنَة الْمَنْظَر، وَتُوهِم كَوْنهَا صَغِيرَة، وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الْوَشْر، وَمِنْهُ لَعْن الْوَاشِرَة وَالْمُسْتَوْشِرَة، وَهَذَا الْفِعْل حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّهُ تَغْيِير لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ تَزْوِير وَلِأَنَّهُ تَدْلِيس.
وَأَمَّا قَوْله: «الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ» فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ، وَفيه إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن، أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلَاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلَا بَأْس وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعهَا» قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ لَمْ نُصَاحِبهَا، وَلَمْ نَجْتَمِع نَحْنُ وَهِيَ، بَلْ كُنَّا نُطَلِّقهَا وَنُفَارِقهَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَل أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَطَأهَا، وَهَذَا ضَعِيف، وَالصَّحِيح مَا سَبَقَ، فَيُحْتَجّ بِهِ فِي أَنَّ مَنْ عِنْده اِمْرَأَة مُرْتَكِبَة مَعْصِيَة كَالْوَصْلِ أَوْ تَرْك الصَّلَاة أَوْ غَيْرهمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقهَا. وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْن فَرُّوخ حَدَّثَنَا جَرِير حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِم، وَقَالَ: الصَّحِيح عَنْ الْأَعْمَش إِرْسَاله.
قَالَ: وَلَمْ يَسْنُدهُ عَنْهُ غَيْر جَرِير، وَخَالَفَهُ أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيْره فَرَوَوْهُ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم مُرْسَلًا.
قَالَ: وَالْمَتْن صَحِيح مِنْ رِوَايَة مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم يَعْنِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الطُّرُق السَّابِقَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَهُمْ جَرِير وَالْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم وَعَلْقَمَة، وَقَدْ رَأَى جَرِير رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَة، وَسَمِعَ أَبَا الطُّفَيْل، وَهُوَ صَحَابِيّ وَاللَّه أَعْلَم.
3968- قَوْله: (إِنَّ مُعَاوِيَة تَنَاوَلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر قُصَّة مِنْ شَعْر كَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيّ)، قَالَ الْأَصْمَعِيّ وَغَيْره: هِيَ شَعْر مُقَدَّم الرَّأْس الْمُقْبِل عَلَى الْجَبْهَة، وَقِيلَ: شَعْر النَّاصِيَة. وَالْحَرَسِيّ كَالشُّرْطِيِّ وَهُوَ غُلَام الْأَمِير.
قَوْله: (يَا أَهْل الْمَدِينَة أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) هَذَا السُّؤَال لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِإِهْمَالِهِمْ إِنْكَار هَذَا الْمُنْكَر وَغَفْلَتهمْ عَنْ تَغْيِيره. وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا اِعْتِنَاء الْخُلَفَاء وَسَائِر وُلَاة الْأُمُور بِإِنْكَارِ الْمُنْكَر، وَإِشَاعَة إِزَالَته، وَتَوْبِيخ مَنْ أَهْمَلَ إِنْكَاره مِمَّنْ تَوَجَّهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيل حِين اِتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: يُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ، فَعُوقِبُوا بِاسْتِعْمَالِهِ، وَهَلَكُوا بِسَبَبِهِ.
وَقِيلَ: يُحْتَمَل أَنَّ الْهَلَاك كَانَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا اِرْتَكَبُوهُ مِنْ الْمَعَاصِي، فَعِنْد ظُهُور ذَلِكَ فيهمْ هَلَكُوا. وَفيه مُعَاقَبَة الْعَامَّة بِظُهُورِ الْمُنْكَر.
3969- قَوْله: «وَأَخْرَجَ كُبَّة مِنْ شَعْر» هِيَ بِضَمِّ الْكَاف وَتَشْدِيد الْبَاء، وَهِيَ شَعْر مَكْفُوف بَعْضه عَلَى بَعْض.

.باب النِّسَاءِ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَاتِ الْمَائِلاَتِ الْمُمِيلاَتِ:

3971- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْل النَّار لَمْ أَرَهُمَا: قَوْم مَعَهُمْ سِيَاط كَأَذْنَابِ الْبَقَر يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاس، وَنِسَاء كَاسِيَات عَارِيَات مُمِيلَات مَائِلَات رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت الْمَائِلَة لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة وَلَا يَجِدْنَ رِيحهَا، وَإِنَّ رِيحهَا تُوجَد مِنْ مَسِيرَة كَذَا وَكَذَا» هَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة، فَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الصِّنْفَانِ، وَهُمَا مَوْجُودَانِ. وَفيه ذَمّ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ قِيلَ: مَعْنَاهُ كَاسِيَات مِنْ نِعْمَة اللَّه عَارِيَات مِنْ شُكْرهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَسْتُر بَعْض بَدَنهَا، وَتَكْشِف بَعْضه إِظْهَارًا بِحَالِهَا وَنَحْوه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَلْبَس ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِف لَوْن بَدَنهَا.
وَأَمَّا: «مَائِلَات» فَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَنْ طَاعَة اللَّه، وَمَا يَلْزَمهُنَّ حِفْظه.
«مُمِيلَات» أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ فِعْلهنَّ الْمَذْمُوم، وَقِيلَ: مَائِلَات يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَات، مُمِيلَات لِأَكْتَافِهِنَّ.
وَقِيلَ: مَائِلَات يَمْشُطْنَ الْمِشْطَة الْمَائِلَة، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا. مُمِيلَات يَمْشُطْنَ غَيْرهنَّ تِلْكَ الْمِشْطَة. وَمَعْنَى: «رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت» أَنْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَة أَوْ عِصَابَة أَوْ نَحْوهمَا.

.باب النَّهْيِ عَنِ التَّزْوِيرِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ وَالتَّشَبُّعِ بِمَا لَمْ يُعْطَ:

3972- قَوْلهَا: «أَنَّ اِمْرَأَة قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه أَقُول: إِنَّ زَوْجِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِنِي، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطِ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُور».
قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ الْمُتَكَثِّر بِمَا لَيْسَ عِنْده بِأَنْ يَظْهَر أَنَّ عِنْده مَا لَيْسَ عِنْده، يَتَكَثَّر بِذَلِكَ عِنْد النَّاس، وَيَتَزَيَّن بِالْبَاطِلِ، فَهُوَ مَذْمُوم كَمَا يُذَمّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ زُور.
قَالَ أَبُو عُبَيْد وَآخَرُونَ: هُوَ الَّذِي يَلْبَس ثِيَاب أَهْل الزُّهْد وَالْعِبَادَة وَالْوَرَع، وَمَقْصُوده أَنْ يَظْهَر لِلنَّاسِ أَنَّهُ مُتَّصِف بِتِلْكَ الصِّفَة، وَيَظْهَر مِنْ التَّخَشُّع وَالزُّهْد أَكْثَر مِمَّا فِي قَلْبه، فَهَذِهِ ثِيَاب زُور وَرِيَاء.
وَقِيلَ: هُوَ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ، وَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا لَهُ.
وَقِيلَ: هُوَ مَنْ يَلْبَس قَمِيصًا وَاحِدًا وَيَصِل بِكُمَّيْهِ كُمَّيْنِ آخَرَيْنِ، فَيَظْهَر أَنَّ عَلَيْهِ قَمِيصَيْنِ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ قَوْلًا آخَر أَنَّ الْمُرَاد هُنَا بِالثَّوَابِ الْحَالَة وَالْمَذْهَب، وَالْعَرَب تَكْنِي بِالثَّوْبِ عَنْ حَال لَابِسه، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْكَاذِبِ الْقَائِل مَا لَمْ يَكُنْ. وَقَوْلًا آخَر أَنَّ الْمُرَاد الرَّجُل الَّذِي تُطْلَب مِنْهُ شَهَادَة زُور، فَيَلْبَس ثَوْبَيْنِ يَتَجَمَّل بِهِمَا، فَلَا تُرَدّ شَهَادَته لِحُسْنِ هَيْئَته. وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله فِي إِسْنَاد الْبَاب: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْدَة عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا)، وَذَكَرَ الْحَدِيث، وَبَعْده عَنْ اِبْن نُمَيْر أَيْضًا عَنْ عَبْدَة عَنْ هِشَام عَنْ فَاطِمَة عَنْ أَسْمَاء الْحَدِيث، وَبَعْده عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ أَبِي أُسَامَة وَعَنْ إِسْحَاق عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام بِهَذَا الْإِسْنَاد، هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَسَانِيد فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيب، وَوَقَعَ فِي نُسْخَة اِبْن مَاهَانَ رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة وَإِسْحَاق عَقِيب رِوَايَة اِبْن نُمَيْر عَنْ وَكِيع، وَمُقَدِّمَة عَلِيٍّ رِوَايَة اِبْن نُمَيْر عَنْ عَبْدَة وَحْده، وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظ عَلَى أَنَّ هَذَا الَّذِي فِي نُسْخَة بْنِ مَاهَانَ خَطَأ.
قَالَ عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد: هَذَا خَطَأ قَبِيح.
قَالَ: وَلَيْسَ يُعْرَف حَدِيث هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِلَّا مِنْ رِوَايَة مُسْلِم عَنْ اِبْن نُمَيْر، وَمِنْ رِوَايَة مَعْمَر بْن رَاشِد.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل: حَدِيث هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة إِنَّمَا يَرْوِيه هَكَذَا مَعْمَر وَالْمُبَارَك بْن فَضَالَة، وَيَرْوِيه غَيْرهمَا عَنْ فَاطِمَة عَنْ أَسْمَاء، وَهُوَ الصَّحِيح.
قَالَ: وَإِخْرَاج مُسْلِم حَدِيث هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة لَا يَصِحّ، وَالصَّوَاب حَدِيث عَبْدَة وَوَكِيع وَغَيْرهمَا عَنْ هِشَام عَنْ فَاطِمَة عَنْ أَسْمَاء. وَاللَّهُ أَعْلَم.
3973- سبق شرحه بالباب.

.كتاب الآداب:

.باب النَّهْيِ عَنِ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ وَبَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الأَسْمَاءِ:

3974- قَوْله: «نَادَى رَجُل رَجُلًا بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِم، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي لَمْ أَعْنِك، إِنَّمَا دَعَوْت فُلَانًا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى مَذَاهِب كَثِيرَة، وَجَمَعَهَا الْقَاضِي وَغَيْره: أَحَدهَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَهْل الظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَحِلّ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِم لِأَحَدٍ أَصْلًا سَوَاء كَانَ اِسْمه مُحَمَّدًا أَوْ أَحْمَد، أَمْ لَمْ يَكُنْ، لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث. وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا النَّهْي مَنْسُوخ؛ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْم كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث، ثُمَّ نُسِخَ. قَالُوا: فَيُبَاح التَّكَنِّي الْيَوْم بِأَبِي الْقَاسِم لِكُلِّ أَحَد، سَوَاء مَنْ اِسْمه مُحَمَّد وَأَحْمَد وَغَيْره، وَهَذَا مَذْهَب مَالِك.
قَالَ الْقَاضِي: وَبِهِ قَالَ جُمْهُور السَّلَف، وَفُقَهَاء الْأَمْصَار، وَجُمْهُور الْعُلَمَاء. قَالُوا: وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ جَمَاعَة تَكَنَّوْا بِأَبِي الْقَاسِم فِي الْعَصْر الْأَوَّل، وَفِيمَا بَعْد ذَلِكَ إِلَى الْيَوْم، مَعَ كَثْرَة فَاعِل ذَلِكَ، وَعَدَم الْإِنْكَار. الثَّالِث مَذْهَب اِبْن جَرِير أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّهْي لِلتَّنْزِيهِ وَالْأَدَب، لَا لِلتَّحْرِيمِ. الرَّابِع أَنَّ النَّهْي عَنْ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِم مُخْتَصّ بِمَنْ اِسْمه مُحَمَّد أَوْ أَحْمَد، وَلَا بَأْس بِالْكُنْيَةِ وَحْدهَا لِمَنْ لَا يُسَمَّى بِوَاحِدٍ مِنْ الِاسْمَيْنِ، وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ السَّلَف، وَجَاءَ فيه حَدِيث مَرْفُوع عَنْ جَابِر. الْخَامِس أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِم مُطْلَقًا، وَيَنْهَى عَنْ التَّسْمِيَة بِالْقَاسِمِ لِئَلَّا يُكَنَّى أَبُوهُ بِأَبِي الْقَاسِم، وَقَدْ غَيَّرَ مَرْوَان بْن الْحَكَم اِسْم اِبْنه عَبْد الْمَلِك حِين بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيث، فَسَمَّاهُ عَبْد الْمَلِك، وَكَانَ سَمَّاهُ أَوَّلًا الْقَاسِم، وَفَعَلَهُ بَعْض الْأَنْصَار أَيْضًا. السَّادِس أَنَّ التَّسْمِيَة بِمُحَمَّدٍ مَمْنُوعَة مُطْلَقًا، سَوَاء كَانَ لَهُ كُنْيَة أَمْ لَا، وَجَاءَ فيه حَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُسَمُّونَ أَوْلَادكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ» وَكَتَبَ عُمَر إِلَى الْكُوفَة: لَا تُسَمُّوا أَحَدًا بِاسْمِ نَبِيّ، وَأَمَرَ جَمَاعَة بِالْمَدِينَةِ بِتَغْيِيرِ أَسْمَاء أَبْنَائِهِمْ مُحَمَّد، حَتَّى ذَكَرَ لَهُ جَمَاعَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَسَمَّاهُمْ بِهِ فَتَرَكَهُمْ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَشْبَه أَنَّ فِعْل عُمَر هَذَا إِعْظَام لِاسْمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُنْتَهَك الِاسْم كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيث: «تُسَمُّونَهُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ».
وَقِيلَ: سَبَب نَهْي عُمَر أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُول لِمُحَمَّدِ بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب: فَعَلَ اللَّه بِك يَا مُحَمَّد، فَدَعَاهُ عُمَر، فَقَالَ: أَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبّ بِك، وَاللَّه لَا تَدَّعِي مُحَمَّدًا مَا بَقِيت، وَسَمَّاهُ عَبْد الرَّحْمَن.
3975- قَوْله: (حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن زِيَاد الْمُلَقَّب بِسَبَلَانَ) وَهُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة، ثُمَّ مُوَحَّدَة مَفْتُوحَة.
قَوْله: (عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وَأَخِيهِ عَبْد اللَّه) هَذَا صَحِيح لِأَنَّ عُبَيْد اللَّه ثِقَة حَافِظ ضَابِط مُجْمَع عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، وَأَمَّا أَخُوهُ عَبْد اللَّه فَضَعِيف لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنهمَا الرَّاوِي جَازَ، وَوَجَبَ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ اِعْتِمَادًا عَلَى عُبَيْد اللَّه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّه عَبْد اللَّه وَعَبْد الرَّحْمَن» فيه التَّسْمِيَة بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ وَتَفْضِيلهمَا عَلَى سَائِر مَا يُسَمَّى بِهِ.
3976- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِم أَقْسِم بَيْنكُمْ» وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ فِي أَوَّل الْكِتَاب فِي بَاب: مَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين. «وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِم وَاللَّه يُعْطِي» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا يُشْعِر بِأَنَّ الْكُنْيَة إِنَّمَا تَكُون بِسَبَبِ وَصْف صَحِيح فِي الْمُكْنَى، أَوْ لِسَبَبِ اِسْم اِبْنه، وَقَالَ اِبْن بَطَّال فِي شَرْح رِوَايَة الْبُخَارِيّ: مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ اِسْتَأْثِرْ مِنْ مَال اللَّه تَعَالَى شَيْئًا دُونكُمْ، وَقَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ حِين فَاضِل فِي الْعَطَاء فَقَالَ: اللَّه هُوَ الَّذِي يُعْطِيكُمْ لَا أَنَا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِم، فَمَنْ قَسَمْت لَهُ شَيْئًا، فَذَلِكَ نَصِيبه قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا.
وَأَمَّا غَيْر أَبِي الْقَاسِم مِنْ الْكُنَى فَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازه سَوَاء كَانَ لَهُ اِبْن أَوْ بِنْت فَكُنِيَ بِهِ أَوْ بِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد، أَوْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ كُنِيَ بِغَيْرِ وَلَده، وَيَجُوز أَنْ يُكْنَى الرَّجُل أَبَا فُلَان وَأَبَا فُلَانَة، وَأَنْ تُكْنَى الْمَرْأَة أُمّ فُلَانَة، وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول لِلصَّغِيرِ أَخِي أَنَس يَا أَبَا عُمَيْر مَا فَعَلَ النَّغِير وَاللَّه أَعْلَم.
3977- سبق شرحه بالباب.
3978- سبق شرحه بالباب.
3979- سبق شرحه بالباب.
3980- قَوْله: «وَلَا نُنْعِمك عَيْنًا» أَيْ لَا نُقِرّ عَيْنك بِذَلِكَ، وَسَبَقَ شَرْح: «قَرَّتْ عَيْنه» فِي حَدِيث أَبِي بَكْر وَضِيفَانه رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ.
3981- سبق شرحه بالباب.
3982- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلهمْ» اِسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَة عَلَى جَوَاز التَّسْمِيَة بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام، وَأَجْمَع عَلَيْهِ الْعُلَمَاء، إِلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَسَبَقَ تَأْوِيله، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنه إِبْرَاهِيم، وَكَانَ فِي أَصْحَابه خَلَائِق مُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاء.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ كَرِهَ بَعْض الْعُلَمَاء التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَة، وَهُوَ قَوْل الْحَارِث بْن مِسْكِين.
قَالَ: وَكَرِهَ مَالِك التَّسَمِّي بِجِبْرِيل وَيَاسِين.