فصل: باب إِذَا انْتَعَلَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب إِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ بِهِ حِكَّةٌ أَوْ نَحْوُهَا:

3869- قَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْف وَالزُّبَيْر بْن الْعَوَامّ فِي قُمُصِ الْحَرِير فِي السَّفَر مِنْ حِكَّة كَانَتْ بِهِمَا»، وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهُمَا شَكَوْا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمْل، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِير فِي غَزَاة لَهُمَا». هَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي الدَّلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَجُوز لُبْس الْحَرِير لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَتْ بِهِ حِكَّة لِمَا فيه مِنْ الْبُرُودَة، وَكَذَلِكَ لِلْقَمْلِ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز، وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِجَوَازِ لُبْس الْحَرِير عِنْد الضَّرُورَة كَمَنْ فَاجَأَتْهُ الْحَرْب وَلَمْ يَجِد غَيْره.
3870- قَوْله: (لِحِكَّةِ) فَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاء وَتَشْدِيد الْكَاف، وَهِيَ الْجَرَب أَوْ نَحْوه. ثُمَّ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرهمْ أَنَّهُ يَجُوز لُبْس الْحَرِير لِلْحِكَّةِ وَنَحْوهَا فِي السَّفَر وَالْحَضَر جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا يَخْتَصّ بِالسَّفَرِ، وَهُوَ ضَعِيف.

.باب النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الرَّجُلِ الثَّوْبَ الْمُعَصْفَرَ:

3872- قَوْله: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُثَنَّى حَدَّثَنَا مَعَاذ بْن هِشَام حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث أَنَّ اِبْن مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ جُبَيْر بْن نَفِير أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ أَخْبَرَهُ قَالَ: «رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَاب الْكُفَّار فَلَا تَلْبِسهَا». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَ: «رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: أَأُمّك أَمَرَتْك بِهَذَا؟ قُلْت: أَغْسِلُهُمَا، قَالَ: بَلْ أَحْرِقهُمَا» وَفِي رِوَايَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْس الْقَسِّيّ وَالْمُعَصْفَر». هَذَا الْإِسْنَاد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَهُمْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث التَّيْمِيُّ، وَخَالِد بْن مَعْدَانَ، وَجُبَيْر بْن نَفِير. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الثِّيَاب الْمُعَصْفَرَة، وَهِيَ الْمَصْبُوغَة بِعُصْفُرٍ، فَأَبَاحَهَا جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَمَالِك، لَكِنَّهُ قَالَ: غَيْرهَا أَفْضَل مِنْهَا، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ لُبْسهَا فِي الْبُيُوت وَأَفْنِيَة الدُّور، وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِل وَالْأَسْوَاق وَنَحْوهَا، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه، وَحَمَلُوا النَّهْي عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ حُلَّة حَمْرَاء. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغ بِالصُّفْرَةِ»، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّهْي مُنْصَرِف إِلَى مَا صُبِغَ مِنْ الثِّيَاب بَعْد النَّسْج، فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْله، ثُمَّ نُسِجَ، فَلَيْسَ بِدَاخِلِ فِي النَّهْي. وَحَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء النَّهْي هُنَا عَلَى الْمُحْرِم بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَة لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: نُهِيَ الْمُحْرِم أَنْ يَلْبَس ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْس أَوْ زَعْفَرَان.
وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَتْقَنَ الْمَسْأَلَة فَقَالَ فِي كِتَابه مَعْرِفَة السُّنَن: نَهَى الشَّافِعِيّ الرَّجُل عَنْ الْمُزَعْفَر، وَأَبَاحَ الْمُعَصْفَر.
قَالَ الشَّافِعِيّ: وَإِنَّمَا رَخَّصْت فِي الْمُعَصْفَر لِأَنِّي لَمْ أَجِد أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْي عَنْهُ، إِلَّا مَا قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: نَهَانِي، وَلَا أَقُول: نَهَاكُمْ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث تَدُلّ عَلَى النَّهْي عَلَى الْعُمُوم، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم، ثُمَّ أَحَادِيث أُخَر، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الشَّافِعِيّ لَقَالَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّه، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَاف قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ، وَدَعُوا قَوْلِي، وَفِي رِوَايَة: فَهُوَ مَذْهَبِي.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيّ: وَأَنْهَى الرَّجُل الْحَلَال بِكُلِّ حَال أَنْ يَتَزَعْفَر.
قَالَ: وَآمُرهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَتَبِعَ السُّنَّة فِي الْمُزَعْفَر، فَمُتَابَعَتهَا فِي الْمُعَصْفَر أَوْلَى.
قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَر بَعْض السَّلَف، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَلِيمِيّ مِنْ أَصْحَابنَا، وَرَخَّصَ فيه جَمَاعَة، وَالسُّنَّة أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ. وَاللَّه أَعْلَم.
3873- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمّك أَمَرَتْك بِهَذَا» مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِنْ لِبَاس النِّسَاء وَزِيّهنَّ وَأَخْلَاقهنَّ وَأَمَّا الْأَمْر بِإِحْرَاقِهِمَا فَقِيلَ: هُوَ عُقُوبَة وَتَغْلِيظ لِزَجْرِهِ وَزَجْر غَيْره عَنْ مِثْل هَذَا الْفِعْل، وَهَذَا نَظِير أَمْر تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي لَعَنَتْ النَّاقَة بِإِرْسَالِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَاب بَرِيرَة بِبَيْعِهَا، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ اِشْتِرَاط الْوَلَاء، وَنَحْو ذَلِكَ. وَاللَّه أَعْلَم.

.باب فَضْلِ لِبَاسِ ثِيَابِ الْحِبَرَةِ:

الْإِسْنَادَانِ اللَّذَانِ فِي الْبَاب كُلّ رِجَالهمْ بَصْرِيُّونَ، وَسَبَقَ بَيَان هَذَا مَرَّات.
3877- سبق شرحه بالباب.
3878- قَوْله: «كَانَ أَحَبّ الثِّيَاب إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِبَرَة» هِيَ بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْح الْبَاء، وَهِيَ ثِيَاب مِنْ كَتَّان أَوْ قُطْن مِحْبَرَة أَيْ مُزَيَّنَة، وَالتَّحْبِير التَّزْيِين وَالتَّحْسِين. وَيُقَال: ثَوْبٌ حِبَرَةٌ عَلَى الْوَصْف وَثَوْبُ حِبَرَةٍ عَلَى الْإِضَافَة، وَهُوَ أَكْثَر اِسْتِعْمَالًا. وَالْحِبَرَة مُفْرَد، وَالْجَمْع حِبَر، وَحِبَرَات، كَعِنَبَةٌ وَعِنَب، وَعِنَبَات، وَيُقَال: ثَوْب حَبِير عَلَى الْوَصْف. فيه دَلِيل لِاسْتِحْبَابِ لِبَاس الْحِبَرَة، وَجَوَاز لِبَاس الْمُخَطِّط. وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ. وَاللَّه أَعْلَم.

.باب التَّوَاضُعِ فِي اللِّبَاسِ وَالاِقْتِصَارِ عَلَى الْغَلِيظِ مِنْهُ وَالْيَسِيرِ فِي اللِّبَاسِ وَالْفِرَاشِ وَغَيْرِهِمَا وَجَوَازِ لُبْسِ الثَّوْبِ الشَّعَرِ وَمَا فِيهِ أَعْلاَمٌ:

فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الزَّهَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاض عَنْ مَتَاعهَا وَمَلَاذّهَا وَشَهَوَاتهَا وَفَاخِر لِبَاسهَا وَنَحْوه، وَاجْتِزَائِهِ بِمَا يَحْصُل بِهِ أَدْنَى التَّجْزِئَة فِي ذَلِكَ كُلّه، وَفيه النَّدْب لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَغَيْره.
3880- قَوْله: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِزَارًا وَكِسَاء مُلَبَّدًا فَقَالَتْ: فِي هَذَا قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُلَبَّد بِفَتْحِ الْبَاء، وَهُوَ الْمُرَقَّع، يُقَال: لَبَدْت الْقَمِيص أَلْبُدهُ بِالتَّخْفِيفِ فيهمَا، وَلَبَّدْته أُلَبِّدهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي ثَخُنَ وَسَطه حَتَّى صَارَ كَاللَّبَدِ.
3881- قَوْله: «وَعَلَيْهِ مِرْط مُرَحَّل مِنْ شَعْر أَسْوَد»، أَمَّا (الْمِرْط) فَبِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الرَّاء، وَهُوَ كِسَاء يَكُون تَارَة مِنْ صُوف، وَتَارَة مِنْ شَعْر أَوْ كَتَّان أَوْ خَزّ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ كِسَاء يُؤْتَزَرُ بِهِ، وَقَالَ النَّضْر: لَا يَكُون الْمِرْط إِلَّا دِرْعًا، وَلَا يَلْبَسهُ إِلَّا النِّسَاء، وَلَا يَكُون إِلَّا أَخْضَر، وَهَذَا الْحَدِيث يُرَدّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْله: (مُرَحَّل) فَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَفَتْح الْحَاء الْمُهْمَلَة، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي رَوَاهُ الْجُمْهُور، وَضَبَطَهُ الْمُتْقِنُونَ. وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ بَعْضهمْ رَوَاهُ بِالْجِيمِ أَيْ عَلَيْهِ صُوَر الرِّجَال، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَمَعْنَاهُ عَلَيْهِ صُورَة رِحَال الْإِبِل، وَلَا بَأْس بِهَذِهِ الصُّوَر، وَإِنَّمَا يَحْرُم تَصْوِير الْحَيَوَان.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَحَّل الَّذِي فيه خُطُوط.
وَأَمَّا قَوْله: (مِنْ شَعْر أَسْوَد) فَقَيَّدْته بِالْأَسْوَدِ لِأَنَّ الشَّعْر قَدْ يَكُون أَبْيَض.
3883- قَوْله: «إِنَّمَا كَانَ فِرَاش رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَام عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوه لِيف»، وَفِي رِوَايَة: «وِسَادَة» بَدَل فِرَاش، وَفِي نُسْخَة: «وَسَادَ». فيه جَوَاز اِتِّخَاذ الْفُرُش وَالْوَسَائِد، وَالنَّوْم عَلَيْهَا، وَالِارْتِفَاق بِهَا، وَجَوَاز الْمَحْشُوّ، وَجَوَاز اِتِّخَاذ ذَلِكَ مِنْ الْجُلُود، وَهِيَ الْأَدَم، وَاللَّه أَعْلَم.

.باب جَوَازِ اتِّخَاذِ الأَنْمَاطِ:

3884- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرِ حِين تَزَوَّجَ: «أَتَّخَذْت أَنْمَاطًا قَالَ: وَأَنَّى لَنَا؟ قَالَ: أَمَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ» الْأَنْمَاط بِفَتْحِ الْهَمْزَة جَمْع نَمَط بِفَتْحِ النُّون وَالْمِيم، ظِهَارَة الْفِرَاش، وَقِيلَ: ظَهْر الْفِرَاش، وَيُطْلَق أَيْضًا عَلَى بِسَاط لَطِيف لَهُ خَمْل يُجْعَل عَلَى الْهَوْدَج، وَقَدْ يُجْعَل سِتْرًا، وَمِنْهُ حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا فِي بَاب الصُّوَر قَالَتْ: «فَأَخَذْت نَمَطًا فَسَتَرْته عَلَى الْبَاب». وَالْمُرَاد فِي حَدِيث جَابِر هُوَ النَّوْع الْأَوَّل. وَفيه جَوَاز اِتِّخَاذ الْأَنْمَاط إِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ حَرِير، وَفيه مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِإِخْبَارِهِ بِهَا، وَكَانَتْ كَمَا أَخْبَرَ.
3885- قَوْله عَنْ جَابِر قَالَ: «وَعِنْد اِمْرَأَتِي نَمَطٌ فَأَنَا أَقُول: نَحِّيهِ عَنِّي، وَتَقُول: قَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ» قَوْله: «نَحِّيهِ عَنِّي» أَيْ أَخْرِجِيهِ مِنْ بَيْتِي كَأَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَة تَنْزِيه، لِأَنَّهُ مِنْ زِينَة الدُّنْيَا وَمُلْهِيَاتهَا. وَاللَّه أَعْلَم.

.باب كَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ مِنَ الْفِرَاشِ وَاللِّبَاسِ:

3886- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِرَاش لِلرَّجُلِ، وَفِرَاش لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِث لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِع لِلشَّيْطَانِ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَة فَاِتِّخَاذه إِنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاخْتِيَال وَالِالْتِهَاء بِزِينَةِ الدُّنْيَا، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَة فَهُوَ مَذْمُوم، وَكُلّ مَذْمُوم يُضَاف إِلَى الشَّيْطَان؛ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيه، وَيُوَسْوِس بِهِ، وَيُحَسِّنهُ، وَيُسَاعِد عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَة كَانَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مَبِيت وَمُقِيل، كَمَا أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ الْمَبِيت بِالْبَيْتِ الَّذِي لَا يَذْكُر اللَّهَ تَعَالَى صَاحِبُهُ عِنْد دُخُوله عِشَاء.
وَأَمَّا تَعْدِيد الْفِرَاش لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَة فَلَا بَأْس بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاج كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى فِرَاش عِنْد الْمَرَض وَنَحْوه وَغَيْر ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ النَّوْم مَعَ اِمْرَأَته، وَأَنَّ لَهُ الِانْفِرَاد عَنْهَا بِفِرَاشِ، وَالِاسْتِدْلَال بِهِ فِي هَذَا ضَعِيف لِأَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا وَقْت الْحَاجَة كَالْمَرَضِ وَغَيْره كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ النَّوْم مَعَ الزَّوْجَة لَيْسَ وَاجِبًا لَكِنَّهُ بِدَلِيلٍ آخَر، وَالصَّوَاب فِي النَّوْم مَعَ الزَّوْجَة أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عُذْر فِي الِانْفِرَاد فَاجْتِمَاعهمَا فِي فِرَاش وَاحِد أَفْضَل، وَهُوَ ظَاهِر فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ مُوَاظَبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قِيَام اللَّيْل، فَيَنَام مَعَهَا، فَإِذَا أَرَادَ الْقِيَام لِوَظِيفَتِهِ قَامَ وَتَرَكَهَا، فَيَجْمَع بَيْن وَظِيفَته وَقَضَاء حَقّهَا الْمَنْدُوب وَعِشْرَتهَا بِالْمَعْرُوفِ، لاسيما إِنْ عَرَفَ مِنْ حَالهَا حِرْصهَا عَلَى هَذَا، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ النَّوْم مَعَهَا الْجِمَاع. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب تَحْرِيمِ جَرِّ الثَّوْبِ خُيَلاَءَ وَبَيَانِ حَدِّ مَا يَجُوزُ إِرْخَاؤُهُ إِلَيْهِ وَمَا يُسْتَحَبُّ:

3887- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ جَرّ ثَوْبه خُيَلَاء» وَفِي رِوَايَة: «إِنَّ اللَّه لَا يَنْظُر إِلَى مَنْ يَجُرّ إِزَاره بَطَرًا». وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عُمَر: «مَرَرْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي إِزَارِي اِسْتِرْخَاء، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّه اِرْفَعْ إِزَارك فَرَفَعْته، ثُمَّ قَالَ: زِدْ فَزِدْت، فَمَا زِلْت أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ، فَقَالَ بَعْض الْقَوْم أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَنْصَاف السَّاقَيْنِ».
قَالَ الْعُلَمَاء: الْخُيَلَاء بِالْمَدِّ، وَالْمَخِيلَة، وَالْبَطَر، وَالْكِبْر، وَالزَّهْو، وَالتَّبَخْتُر، كُلّهَا بِمَعْنًى وَاحِد، وَهُوَ حَرَام. وَيُقَال: خَال الرَّجُل وَاخْتَالَ اِخْتِيَالًا إِذَا تَكَبَّرَ، وَهُوَ رَجُل خَال أَيْ مُتَكَبِّر، وَصَاحِب خَال أَيْ صَاحِب كِبْر، وَمَعْنَى لَا يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِ أَيْ لَا يَرْحَمهُ، وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِ نَظَر رَحْمَة.
وَأَمَّا فِقْه الْأَحَادِيث فَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الْإِيمَان وَاضِحًا بِفُرُوعِهِ، وَذِكْرنَا هُنَاكَ الْحَدِيث الصَّحِيح أَنَّ الْإِسْبَال يَكُون فِي الْإِزَار وَالْقَمِيص وَالْعِمَامَة، وَأَنَّهُ لَا يَجُوز إِسْبَاله تَحْت الْكَعْبَيْنِ إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوه، وَظَوَاهِر الْأَحَادِيث فِي تَقْيِيدهَا بِالْجَرِّ خُيَلَاء تَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيم مَخْصُوص بِالْخُيَلَاءِ، وَهَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيّ عَلَى الْفَرْق كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز الْإِسْبَال لِلنِّسَاءِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْن لَهُنَّ فِي إِرْخَاء ذُيُولهنَّ ذِرَاعًا. وَاللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا الْقَدْر الْمُحْتَسَب فِيمَا يَنْزِل إِلَيْهِ طَرَف الْقَمِيص وَالْإِزَار فَنِصْف السَّاقَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث اِبْن عُمَر الْمَذْكُور، وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد: «إِزَارَة الْمُؤْمِن إِلَى أَنْصَاف سَاقَيْهِ، لَا جُنَاح عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن الْكَعْبَيْنِ، مَا أَسْفَل مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّار». فَالْمُسْتَحَبّ نِصْف السَّاقَيْنِ، وَالْجَائِز بِلَا كَرَاهَة مَا تَحْته إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَمَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوع. فَإِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ مَمْنُوع مَنْع تَحْرِيم، وَإِلَّا فَمَنْع تَنْزِيه.
وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْمُطْلَقَة بِأَنَّ مَا تَحْت الْكَعْبَيْنِ فِي النَّار فَالْمُرَاد بِهَا مَا كَانَ لِلْخُيَلَاءِ، لِأَنَّهُ مُطْلَق، فَوَجَبَ حَمْله عَلَى الْمُقَيَّد. وَاللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْعُلَمَاء: وَبِالْجُمْلَةِ يُكْرَه كُلّ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَة وَالْمُعْتَاد فِي اللِّبَاس مِنْ الطُّول وَالسَّعَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
3888- سبق شرحه بالباب.
3889- سبق شرحه بالباب.
3890- قَوْله: (مُسْلِم بْن يَنَّاقَ)، هُوَ بِيَاءٍ مُثَنَّاة تَحْت مَفْتُوحَة، ثُمَّ نُون مُشَدَّدَة، وَبِالْقَافِ، غَيْر مَصْرُوف، وَاللَّه أَعْلَم.
3891- سبق شرحه بالباب.
3892- سبق شرحه بالباب.
3893- سبق شرحه بالباب.

.باب تَحْرِيمِ التَّبَخْتُرِ فِي الْمَشْيِ مَعَ إِعْجَابِهِ بِثِيَابِهِ:

3894- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا رَجُل يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْض، فَهُوَ يَتَجَلْجَل فِي الْأَرْض حَتَّى تَقُوم السَّاعَة». وَفِي رِوَايَة: «بَيْنَمَا رَجُل يَتَبَخْتَر يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ، وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسه فَخَسَفَ اللَّه بِهِ». يَتَجَلْجَل بِالْجِيمِ أَيْ يَتَحَرَّك وَيَنْزِل مُضْطَرِبًا. قِيلَ: يُحْتَمَل أَنَّ هَذَا الرَّجُل مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة، فَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ هَذَا.
وَقِيلَ: بَلْ هُوَ إِخْبَار عَمَّنْ قَبْل هَذِهِ الْأُمَّة، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ مَعْنَى إِدْخَال الْبُخَارِيّ لَهُ فِي بَاب ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل. وَاللَّه أَعْلَم.
3895- سبق شرحه بالباب.

.باب فِي طَرْحِ خَاتَمِ الذَّهَبِ:

أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَة خَاتَم الذَّهَب لِلنِّسَاءِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمه عَلَى الرِّجَال، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن حَزْم أَنَّهُ أَبَاحَهُ، وَعَنْ بَعْضٌ أَنَّهُ مَكْرُوه لَا حَرَام، وَهَذَانِ النَّقْلَانِ بَاطِلَانِ، فَقَائِلهمَا مَحْجُوج بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرهَا مُسْلِم مَعَ إِجْمَاع مَنْ قَبْله عَلَى تَحْرِيمه لَهُ، مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَب وَالْحَرِير: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَام عَلَى ذُكُور أُمَّتِي حِلّ لِإِنَاثِهَا».
قَالَ أَصْحَابنَا: وَيَحْرُم سَنّ الْخَاتَم إِذَا كَانَ ذَهَبًا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيه فِضَّة، وَكَذَا لَوْ مَوَّهَ خَاتَم الْفِضَّة بِالذَّهَبِ فَهُوَ حَرَام.
3896- قَوْله: «نَهَى عَنْ خَاتَم الذَّهَب» أَيْ فِي حَقّ الرِّجَال كَمَا سَبَقَ.
3897- قَوْله: «رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَب فِي يَد رَجُل فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ»، فيه إِزَالَة الْمُنْكَر بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَعَهُ مِنْ يَد الرَّجُل: «يَعْمَد أَحَدكُمْ إِلَى جَمْرَة مِنْ نَار فَيَجْعَلهَا فِي يَده» فَفيه تَصْرِيح بِأَنَّ النَّهْي عَنْ خَاتَم الذَّهَب لِلتَّحْرِيمِ كَمَا سَبَقَ.
وَأَمَّا قَوْل صَاحِب هَذَا الْخَاتَم حِين قَالُوا لَهُ: خُذْهُ لَا آخُذهُ، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفيه الْمُبَالَغَة فِي اِمْتِثَال أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاجْتِنَاب نَهْيه، وَعَدَم التَّرَخُّص فيه بِالتَّأْوِيلَاتِ الضَّعِيفَة. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الرَّجُل إِنَّمَا تَرَكَ الْخَاتَم عَلَى سَبِيل الْإِبَاحَة لِمَنْ أَرَادَ أَخْذه مِنْ الْفُقَرَاء وَغَيْرهمْ، وَحِينَئِذٍ يَجُوز أَخْذه لِمَنْ شَاءَ، فَإِذَا أَخَذَهُ جَازَ تَصَرُّفه فيه. وَلَوْ كَانَ صَاحِبه أَخَذَهُ لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ الْأَخْذ وَالتَّصَرُّف فيه بِالْبَيْعِ وَغَيْره، وَلَكِنْ تَوَرَّعَ عَنْ أَخْذه وَأَرَادَ الصَّدَقَة بِهِ عَلَى مَنْ يَحْتَاج إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ التَّصَرُّف فيه بِكُلِّ وَجْه، وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ لُبْسه، وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ مِنْ تَصَرُّفه عَلَى الْإِبَاحَة.
3898- قَوْله: «فَكَانَ يَجْعَل فَصّه فِي بَاطِن كَفّه»، الْفَصّ بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْرهَا. وَفِي الْخَاتَم أَرْبَع لُغَات: فَتْح التَّاء، وَكَسْرهَا، وَخَيْتَام، وَخَاتَام.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّه لَا أَلْبَسهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاس خَوَاتِيمهمْ» فيه بَيَان مَا كَانَتْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُبَادَرَة إِلَى اِمْتِثَال أَمْره وَنَهْيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاقْتِدَاء بِأَفْعَالِهِ.

.باب لُبْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلُبْسِ الْخُلَفَاءِ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ:

3899- قَوْله: «اِتَّخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق» الْوَرِق الْفِضَّة، وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز خَاتَم الْفِضَّة لِلرِّجَالِ، وَكَرِهَ بَعْض عُلَمَاء الشَّام الْمُتَقَدِّمِينَ لُبْسه لِغَيْرِ ذِي سُلْطَان، وَرَوَوْا فيه أَثَرًا، وَهَذَا شَاذّ مَرْدُود.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُكْرَه لِلنِّسَاءِ خَاتَم الْفِضَّة، لِأَنَّهُ مِنْ شِعَار الرِّجَال.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِد خَاتَم ذَهَب فَلْتُصَفِّرْهُ بِزَعْفَرَانٍ وَشِبْهه، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيف، أَوْ بَاطِل لَا أَصْل لَهُ، وَالصَّوَاب أَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِي لُبْسهَا خَاتَم الْفِضَّة.
قَوْله: «اِتَّخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق، فَكَانَ فِي يَده، ثُمَّ كَانَ فِي يَد أَبِي بَكْر، ثُمَّ كَانَ فِي يَد عُمَر، ثُمَّ كَانَ فِي يَد عُثْمَان حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْر أَرِيسٍ، نَقْشه: مُحَمَّد رَسُول اللَّه» فيه التَّبَرُّك بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلُبْس لِبَاسهمْ، وَجَوَاز لُبْس الْخَاتَم، وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَرِّث إِذْ لَوْ وَرَّثَ لَدُفِعَ الْخَاتَم إِلَى وَرَثَته، بَلْ كَانَ الْخَاتَم وَالْقَدَح وَالسِّلَاح وَنَحْوهَا مِنْ آثَاره الضَّرُورِيَّة صَدَقَة لِلْمُسْلِمِينَ، يَصْرِفهَا وَلِيّ الْأَمْر حَيْثُ رَأَى مِنْ الْمَصَالِح، فَجَعَلَ الْقَدَح عِنْد أَنَس إِكْرَامًا لَهُ لِخِدْمَتِهِ، وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّك بِهِ لَمْ يَمْنَعهُ، وَجَعَلَ بَاقِي الْأَثَاث عِنْد نَاس مَعْرُوفِينَ، وَاِتَّخَذَ الْخَاتَم عِنْده لِلْحَاجَةِ الَّتِي اِتَّخَذَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا؛ فَإِنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْخَلِيفَة بَعْده، ثُمَّ الْخَلِيفَة الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِث.
وَأَمَّا بِئْر أَرِيس فَبِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الرَّاء وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَهُوَ مَصْرُوف.
وَأَمَّا قَوْله: «نَقْشه مُحَمَّد رَسُول اللَّه» فَفيه جَوَاز نَقْش الْخَاتَم، وَنَقْش اِسْم صَاحِب الْخَاتَم، وَجَوَاز نَقْش اِسْم اللَّه تَعَالَى. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَمَالك وَالْجُمْهُور، وَعَنْ اِبْن سِيرِينَ وَبَعْضهمْ كَرَاهَة نَقْش اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا ضَعِيف.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَهُ أَنْ يَنْقُش عَلَيْهِ اِسْم نَفْسه أَوْ يَنْقُش عَلَيْهِ كَلِمَة حِكْمَة، وَأَنْ يَنْقُش ذَلِكَ مَعَ ذِكْر اللَّه تَعَالَى.
3900- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْقُش أَحَد عَلَى نَقْش خَاتَمِي هَذَا» سَبَب النَّهْي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا اِتَّخَذَ الْخَاتَم، وَنَقَشَ فيه لِيَخْتِم بِهِ كُتُبه إِلَى مُلُوك الْعَجَم وَغَيْرهمْ، فَلَوْ نَقَشَ غَيْره مِثْله لَدَخَلَتْ الْمَفْسَدَة، وَحَصَلَ الْخَلَل.
قَوْله: «وَكَانَ إِذَا لَبِسَهُ جَعَلَ فَصّه مِمَّا يَلِي بَطْن كَفّه»، قَالَ الْعُلَمَاء: لَمْ يَأْمُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءِ، فَيَجُوز جَعْل فَصّه فِي بَاطِن كَفّه، وَفِي ظَاهِرهَا، وَقَدْ عَمِلَ السَّلَف بِالْوَجْهَيْنِ، وَمِمَّنْ اِتَّخَذَهُ فِي ظَاهِرهَا اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قَالُوا: وَلَكِنَّ الْبَاطِن أَفْضَل اِقْتِدَاء بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِفَصِّهِ، وَأَسْلَم لَهُ، وَأَبْعَد مِنْ الزَّهْو وَالْإِعْجَاب.
3901- سبق شرحه بالباب.

.باب فِي اتِّخَاذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ:

3904- قَوْله: «فَصَاغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَته فِضَّة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «حَلْقَة فِضَّة»، بِنَصْبِ: «حَلْقَة» عَلَى الْبَدَل مِنْ (خَاتَمًا)، وَلَيْسَ فيها هَاء الضَّمِير. وَالْحَلْقَة سَاكِنَة اللَّام عَلَى الْمَشْهُور، وَفيها لُغَة شَاذَّة ضَعِيفَة حَكَاهَا الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره بِفَتْحِهَا.

.باب فِي طَرْحِ الْخَوَاتِمِ:

3905- قَوْله: عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنَّهُ أَبْصَرَ فِي يَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق يَوْمًا وَاحِدًا، فَصَنَعَ النَّاس الْخَوَاتِم مِنْ وَرِق، فَلَبِسُوهُ، فَطَرَحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمه، فَطَرَحَ النَّاس خَوَاتِمهمْ».
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ جَمِيع أَهْل الْحَدِيث: هَذَا وَهْم مِنْ اِبْن شِهَاب، فَوَهَمَ مِنْ خَاتَم الذَّهَب إِلَى خَاتَم الْوَرِق، وَالْمَعْرُوف مِنْ رِوَايَات أَنَس مِنْ غَيْر طَرِيق اِبْن شِهَاب اِتِّخَاذه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم فِضَّة، وَلَمْ يَطْرَحهُ، وَإِنَّمَا طَرَحَ خَاتَم الذَّهَب كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي بَاقِي الْأَحَادِيث. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ حَدِيث اِبْن شِهَاب، وَجَمَعَ بَيْنه وَبَيْن الرِّوَايَات، فَقَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيم خَاتَم الذَّهَب، اِتَّخَذَ خَاتَم فِضَّة فَلَمَّا لَبِسَ خَاتَم الْفِضَّة أَرَاهُ النَّاس فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِيُعْلِمهُمْ إِبَاحَته، ثُمَّ طَرَحَ خَاتَم الذَّهَب، وَأَعْلَمهُمْ تَحْرِيمه فَطَرَحَ النَّاس خَوَاتِيمهمْ مِنْ الذَّهَب، فَيَكُون قَوْله: «فَطَرَحَ النَّاس خَوَاتِمهمْ» أَيْ خَوَاتِم الذَّهَب، وَهَذَا التَّأْوِيل هُوَ الصَّحِيح، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَمْنَعهُ.
وَأَمَّا قَوْله: «فَصَنَعَ النَّاس الْخَوَاتِم مِنْ الْوَرِق فَلَبِسُوهُ»، ثُمَّ قَالَ: «فَطَرَحَ خَاتَمه، فَطَرَحُوا خَوَاتِمهمْ» فَيُحْتَمَل أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْطَنِع لِنَفْسِهِ خَاتَم فِضَّة اِصْطَنَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ خَوَاتِيم فِضَّة، وَبَقِيَتْ مَعَهُمْ خَوَاتِيم الذَّهَب كَمَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ طَرَحَ خَاتَم الذَّهَب، وَاسْتَبْدَلُوا الْفِضَّة. وَاللَّه أَعْلَم.
3906- سبق شرحه بالباب.

.باب فِي خَاتَمِ الْوَرِقِ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ:

3907- قَوْله: «وَكَانَ فَصّه حَبَشِيًّا»، قَالَ الْعُلَمَاء: يَعْنِي حَجَرًا حَبَشِيًّا أَيْ فَصًّا مِنْ جَزْع أَوْ عَقِيق، فَإِنَّ مَعْدِنهمَا بِالْحَبَشَةِ وَالْيَمَن.
وَقِيلَ: لَوْنه حَبَشِيّ أَيْ أَسْوَد. وَجَاءَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس أَيْضًا فَصّه مِنْهُ.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: هَذَا أَصَحّ، وَقَالَ غَيْره: كِلَاهُمَا صَحِيح، وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ خَاتَمٌ فَصُّهُ مِنْهُ، وَفِي وَقْتٍ خَاتَمٌ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ، وَفِي حَدِيث آخَر فَصّه مِنْ عَقِيق.
3908- قَوْله فِي حَدِيث طَلْحَة بْن يَحْيَى وَسُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَم فِضَّة فِي يَمِينه». وَفِي حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس: «كَانَ خَاتَم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَر مِنْ يَده الْيُسْرَى»، وَفِي حَدِيث عَلِيّ: «نَهَانِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمُ فِي أُصْبُعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا»، وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيث فِي غَيْر مُسْلِم: «السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى» وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّة جَعْل خَاتَم الرَّجُل فِي الْخِنْصَر، وَأَمَّا الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تَتَّخِذ خَوَاتِيم فِي أَصَابِع. قَالُوا: وَالْحِكْمَة فِي كَوْنه فِي الْخِنْصَر أَنَّهُ أَبْعَد مِنْ الِامْتِهَان فِيمَا يُتَعَاطَى بِالْيَدِ، لِكَوْنِهِ طَرَفًا، وَلِأَنَّهُ لَا يَشْغَل الْيَد عَمَّا تَتَنَاوَلهُ مِنْ أَشْغَالهَا بِخِلَافِ غَيْر الْخِنْصَر، وَيُكْرَه لِلرَّجُلِ جَعْله فِي الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيث، وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه.
وَأَمَّا التَّخَتُّم فِي الْيَد الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فَقَدْ جَاءَ فيه هَذَانِ الْحَدِيثَانِ، وَهُمَا صَحِيحَانِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابِع سُلَيْمَان بْن بِلَال عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَة، وَهِيَ قَوْله: «فِي يَمِينه».
قَالَ: وَخَالَفَهُ الْحَافِظ عَنْ يُونُس، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرهَا أَحَد مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، مَعَ تَضْعِيف إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ رُوَاتهَا عَنْ سُلَيْمَان بْن بِلَال، وَقَدْ ضَعَّفَ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْس أَيْضًا يَحْيَى بْنُ مَعِين وَالنَّسَائِيُّ، وَلَكِنْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ رِوَايَة طَلْحَة بْن يَحْيَى مِثْل رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال، فَلَمْ يَنْفَرِد بِهَا سُلَيْمَان بْن بِلَال، فَقَدْ اِتَّفَقَ طَلْحَة وَسُلَيْمَان عَلَيْهَا. وَكَوْن الْأَكْثَرِينَ لَمْ يَذْكُرُوهَا لَا يَمْنَع صِحَّتهَا، فَإِنَّ زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا الْحُكْم فِي الْمَسْأَلَة عِنْد الْفُقَهَاء فَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز التَّخَتُّم فِي الْيَمِين، وَعَلَى جَوَازه فِي الْيَسَار، وَلَا كَرَاهَة فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا، اِخْتَلَفُوا أَيَّتهمَا أَفْضَل؟ فَتَخَتَّمَ كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَف فِي الْيَمِين، وَكَثِيرُونَ فِي الْيَسَار، وَاسْتَحَبَّ مَالِك الْيَسَار، وَكَرِهَ الْيَمِين. وَفِي مَذْهَبنَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: الصَّحِيح أَنَّ الْيَمِين أَفْضَل لِأَنَّهُ زِينَة، وَالْيَمِين أَشْرَفَ، وَأَحَقّ بِالزِّينَةِ وَالْإِكْرَام.

.باب فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ مِنَ الْيَدِ:

3909- سبق شرحه بالباب.

.باب النَّهْيِ عَنِ التَّخَتُّمِ فِي الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا:

3910- وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ مِنْ الْقَسِّيّ وَالْمَيَاثِر وَتَفْسِيرهَا فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابه. وَاللَّهُ أَعْلَم.
3911- سبق شرحه بالباب.

.باب مَا جَاءَ فِي الاِنْتِعَالِ وَالاِسْتِكْثَارِ مِنَ النِّعَالِ:

3912- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين كَانُوا فِي غَزَاة: «اِسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَال، فَإِنَّ الرَّجُل لَا يَزَال رَاكِبًا مَا اِنْتَعَلَ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَبِيه بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّة الْمَشَقَّة عَلَيْهِ، وَقِلَّة تَعَبه، وَسَلَامَة رِجْله مِمَّا يَعْرِض فِي الطَّرِيق مِنْ خُشُونَة وَشَوْك وَأَذَى وَنَحْو ذَلِكَ. وَفيه اِسْتِحْبَاب الِاسْتِظْهَار فِي السَّفَر بِالنِّعَالِ وَغَيْرهَا مِمَّا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْمُسَافِر، وَاسْتِحْبَاب وَصِيَّة الْأَمِير أَصْحَابه بِذَلِكَ.

.باب إِذَا انْتَعَلَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ:

3913- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِنْتَعَلَ أَحَدكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «لَا يَمْشِ أَحَدكُمْ فِي نَعْل وَاحِدَة، لِيُنْعِلهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيَخْلَعهُمَا جَمِيعًا» وَفِي رِوَايَة: «إِذَا اِنْقَطَعَ شِسْع أَحَدكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحهَا» وَفِي رِوَايَة: «وَلَا يَمْشِ فِي خُفّ وَاحِد» أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيُنْعِلهُمَا» فَبِضَمِّ الْيَاء، وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ لِيَخْلَعهُمَا» فَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم: «لِيَخْلَعهُمَا» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالْعَيْن، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «لِيَحْفَهُمَا» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالْفَاء مِنْ الْحَفَاء، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَرِوَايَة الْبُخَارِيّ أَحْسَن.
أَمَّا فِقْه الْأَحَادِيث فَفيه ثَلَاث مَسَائِل، أَحَدهَا يُسْتَحَبّ الْبُدَاءَة بِالْيُمْنَى فِي كُلّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالزِّينَة وَالنَّظَافَة وَنَحْو ذَلِكَ كَلُبْسِ النَّعْل وَالْخُفّ وَالْمَدَاس، وَالسَّرَاوِيل وَالْكُمّ، وَحَلْق الرَّأْس وَتَرْجِيله، وَقَصّ الشَّارِب وَنَتْف الْإِبْط، وَالسِّوَاك وَالِاكْتِحَال، وَتَقْلِيم الْأَظْفَار، وَالْوُضُوء وَالْغُسْل، وَالتَّيَمُّم، وَدُخُول الْمَسْجِد، وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلَاء، وَدَفْع الصَّدَقَة وَغَيْرهَا مِنْ أَنْوَاع الدَّفْع الْحَسَنَة، وَتَنَاوُل الْأَشْيَاء الْحَسَنَة، وَنَحْو ذَلِكَ. الثَّانِيَة يُسْتَحَبّ الْبُدَاءَة بِالْيَسَارِ فِي كُلّ مَا هُوَ ضِدّ السَّابِق فِي الْمَسْأَلَة الْأُولَى، فَمِنْ ذَلِكَ خَلْع النَّعْل وَالْخُفّ وَالْمَدَاس، وَالسَّرَاوِيل وَالْكُمّ، وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد، وَدُخُول الْخَلَاء، وَالِاسْتِنْجَاء، وَتَنَاوُل أَحْجَار الِاسْتِنْجَاء، وَمَسّ الذَّكَر، وَالِامْتِخَاط وَالِاسْتِنْثَار، وَتَعَاطِي الْمُسْتَقْذَرَات، وَأَشْبَاههَا. الثَّالِثَة يُكْرَه الْمَشْي فِي نَعْل وَاحِدَة أَوْ خُفّ وَاحِدَة أَوْ مَدَاس وَاحِد لَا لِعُذْرٍ، وَدَلِيله هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَبه أَنَّ ذَلِكَ تَشْوِيه وَمِثْله، وَمُخَالِف لِلْوَقَارِ، وَلِأَنَّ الْمُنْتَعِلَة تَصِير أَرْفَع مِنْ الْأُخْرَى، فَيَعْسُر مَشْيه، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْعِثَارِ، وَهَذِهِ الْآدَاب الثَّلَاثَة الَّتِي فِي الْمَسَائِل الثَّلَاث مُجْمَع عَلَى اِسْتِحْبَابهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَة، وَإِذَا اِنْقَطَعَ شِسْعه وَنَحْوه، فَلْيَخْلَعْهُمَا، وَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى وَحْدهَا حَتَّى يُصْلِحهَا وَيُنْعِلهَا كَمَا هُوَ نَصّ فِي الْحَدِيث.
3914- سبق شرحه بالباب.
3915- أَمَّا (الشِّسْع) فَبِشِينٍ مُعْجَمَة مَكْسُورَة ثُمَّ سِين مُهْمَلَة سَاكِنَة، وَهُوَ أَحَد سُيُور النِّعَال، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُل بَيْن الْأُصْبُعَيْنِ، وَيَدْخُل طَرَفه فِي النَّقْب الَّذِي فِي صَدْر النَّعْل الْمَشْدُود فِي الزِّمَام. وَالزِّمَام هُوَ السَّيْر الَّذِي يَعْقِد فيه الشِّسْع، وَجَمَعَهُ شُسُوع.
قَوْله: حَدَّثَنَا اِبْن إِدْرِيس عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي رَزِين قَالَ: (خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَته، فَقَالَ: إِنَّكُمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيث) وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي رَزِين وَأَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ. هَكَذَا وَقَعَ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم. وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسَّانِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ: إِنَّمَا يَرْوِيه أَبُو رَزِين عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة كَذَا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو مَسْعُود فِي كِتَابه عَنْ مُسْلِم، وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيّ بْن مُسْهِر اِنْفَرَدَ بِهَذَا. هَذَا آخِر مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا اِسْتِدْرَاك فَاسِد؛ لِأَنَّ أَبَا رَزِين قَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة بِقَوْلِهِ: (خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَة إِلَى آخِره)، وَاسْم أَبِي رَزِين مَسْعُود بْن مَالِك الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيّ كَانَ عَالِمًا.