فصل: فصل: إذا كان لرجلين بابان في زقاق غير نافذ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

إذا كان لرجلين بابان في زقاق غير نافذ‏,‏ أحدهما قريب من باب الزقاق والآخر في داخله فللقريب من الباب نقل بابه إلى ما يلي باب الزقاق لأن له الاستطراق إلى بابه القديم فقد نقص من استطراقه ومتى أراد رد بابه إلى موضعه الأول‏,‏ كان له لأن حقه لم يسقط وإن أراد نقل بابه تلقاء صدر الزقاق لم يكن له ذلك نص عليه أحمد لأنه يقدم بابه إلى موضع لا استطراق له فيه ويحتمل جواز ذلك لأنه كان له أن يجعل بابه في أول البناء‏,‏ في أي موضع شاء فتركه في موضع لا يسقط حقه كما أن تحويله بعد فتحه لا يسقط‏,‏ ولأن له أن يرفع حائطه كله فلا يمنع من رفع موضع الباب وحده فأما صاحب الباب الثاني فإن كان في داخل الدرب باب لآخر‏,‏ فحكمه في التقديم والتأخير حكم صاحب الباب الأول سواء وإن لم يكن له ثم باب آخر كان له تحويل بابه حيث شاء لأنه على الأول‏,‏ لا منازع له فيما تجاوز الباب الأول وعلى الاحتمال الذي ذكرناه لكل واحد منهما ذلك ولو أراد كل واحد منهما أن يفتح في داره بابا آخر‏,‏ أو يجعل داره دارين يفتح لكل واحدة منهما بابا جاز‏,‏ إذا وضع البابين في موضع استطراقه وإن كان ظهر دار أحدهما إلى شارع نافذ أو زقاق نافذ ففتح في حائطه بابا إليه‏,‏ جاز لأنه يرتفق بما لم يتعين ملك أحد عليه فإن قيل‏:‏ في هذا إضرار بأهل الدرب لأنه بجعله نافذا يستطرق إليه من الشارع قلنا‏:‏ لا يصير الدرب نافذا وإنما تصير داره نافذة وليس لأحد استطراق داره فأما إن كان بابه في الشارع‏,‏ وظهر داره إلى الزقاق الذي لا ينفذ فأراد أن يفتح بابا إلى الزقاق للاستطراق لم يكن له ذلك لأنه ليس له حق في الدرب الذي قد تعين عليه ملك أربابه ويحتمل الجواز‏,‏ كما ذكرنا في الوجه الذي قد تقدم وإن أراد أن يفتح فيه بابا لغير الاستطراق أو يجعل له بابا يسمره‏,‏ أو شباكا جاز لأنه لما كان له رفع الحائط بجملته فبعضه أولى قال ابن عقيل‏:‏ ويحتمل عندي أنه لا يجوز لأن شكل الباب مع تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراق‏,‏ فيضر بأهل الدرب بخلاف رفع الحائط فإنه لا يدل على شيء‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل واحدة منهما إلى ظهر الأخرى‏,‏ وباب كل واحدة منهما في زقاق غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة‏,‏ جاز وإن فتح من كل واحدة منهما بابا إلى الأخرى ليتمكن من التطرق من كل واحدة منهما إلى كلا الدارين لم يجز ذكره القاضي لأن ذلك يثبت الاستطراق في الدرب الذي لا ينفذ من دار لم يكن لها فيه طريق‏,‏ ولأن ذلك ربما أدى إلى إثبات الشفعة في قول من يثبتها بالطريق لكل واحدة من الدارين في زقاق الأخرى ويحتمل جواز ذلك لأن له رفع الحاجز جميعه فبعضه أولى وهذا أشبه‏,‏ وما ذكرناه للمنع منتقض بما إذا رفع الحائط جميعه وفي كل موضع قلنا‏:‏ ليس له فعله إذا صالحه أهل الدرب بعوض معلوم أو أذنوا له بغير عوض جاز‏.‏

فصل‏:‏

إذا تنازع صاحب البابين في الدرب‏,‏ وتداعياه ولم يكن فيه باب لغيرهما ففيه ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها أنه يحكم بالدرب من أوله إلى الباب الذي يلي أوله بينهما لأن لهما الاستطراق فيه جميعا‏,‏ وما بعده إلى صدر الدرب للأخر لأن الاستطراق في ذلك له وحده فله اليد والتصرف والوجه الثاني أن من أوله إلى أقصى حائط الأول بينهما لأن ما يقابل ذلك لهما التصرف فيه‏,‏ بناء على أن للأول أن يفتح بابه فيما شاء من حائطه وما بعد ذلك للثاني لأنه ليس بفناء للأول ولا له فيه استطراق والثالث‏,‏ يكون بينهما لأن لهما جميعا يدا وتصرفا وهكذا الحكم فيما إذا كان لرجل علو خان ولآخر سفله ولصاحب العلو درجة في أثناء صحن الخان‏,‏ فاختلفا في الصحن فما كان من الدرجة إلى باب الخان بينهما وما وراء ذلك إلى صدر الخان على الوجهين‏,‏ أحدهما هو لصاحب السفل والثاني هو بينهما فإن كانت الدرجة في صدر الصحن فالصحن بينهما لوجود اليد والتصرف منهما جميعا فعلى الوجه الذي يقول‏:‏ إن صدر الدرب مختص بصاحب الباب الصدراني له أن يستبدل بما يختص به منه بأن يجعله دهليزا لنفسه‏,‏ أو يدخله في داره على وجه لا يضر بجاره ولا يضع على حائطه شيئا لأن ذلك ملك له ينفرد به‏.‏

فصل‏:‏

وليس للرجل التصرف في ملكه تصرفا يضر بجاره نحو أن يبني فيه حماما بين الدور‏,‏ أو يفتح خبازا بين العطارين أو يجعله دكان قصارة يهز الحيطان ويخربها أو يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها وبهذا قال بعض أصحاب أبي حنيفة وعن أحمد رواية أخرى‏:‏ لا يمنع وبه قال الشافعي‏,‏ وبعض أصحاب أبي حنيفة لأنه تصرف في ملكه المختص به ولم يتعلق به حق غيره فلم يمنع منه‏,‏ كما لو طبخ في داره أو خبز فيها وسلموا أنه يمنع من الدق الذي يهدم الحيطان وينثرها ولنا‏:‏ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ ولأن هذا إضرار بجيرانه فمنع منه‏,‏ كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها وكسقي الأرض الذي يتعدى إلى هدم حيطان جاره أو إشعال نار تتعدى إلى إحراقها قالوا‏:‏ ها هنا تعدت النار التي أضرمها‏,‏ والماء الذي أرسله فكان مرسلا لذلك في ملك غيره فأشبه ما لو أرسله إليها قصدا قلنا‏:‏ والدخان هو أجزاء الحريق الذي أحرقه‏,‏ فكان مرسلا له في ملك جاره فهو كأجزاء النار والماء وأما دخان الخبز والطبيخ فإن ضرره يسير‏,‏ ولا يمكن التحرز منه وتدخله المسامحة‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر فليس لصاحب الأعلى الصعود على سطحه على وجه يشرف على سطح جاره‏,‏ إلا أن يبني سترة تستره وقال الشافعي‏:‏ لا يلزمه عمل سترة لأن هذا حاجز بين ملكيهما فلا يجبر أحدهما عليه كالأسفل ولنا‏,‏ أنه إضرار بجاره فمنع منه كدق يهز الحيطان‏,‏ وذلك لأنه يكشف جاره ويطلع على حرمه فأشبه ما لو اطلع عليه من صير بابه أو خصاصه وقد دل على المنع من ذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لو أن رجلا اطلع إليك‏,‏ فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح‏)‏ ويفارق الأسفل فإن تصرفه لا يضر بالأعلى ولا يكشف داره‏.‏

فصل‏:‏

إذا كانت بينهما عرصة حائط‏,‏ فاتفقا على قسمها طولا جاز ذلك سواء اتفقا على قسمها طولا أو عرضا لأنها ملكهما‏,‏ ولا تخرج عنهما وإن اختلفا فطلب أحدهما قسمها طولا وهو أن يجعل له نصف الطول في جميع العرض وللآخر مثله‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ يجبر الممتنع على القسمة وهو مذهب الشافعي لأن ذلك لا يضر فإذا اقتسما اقترعا فكان لكل واحد منهما ما تخرج به القرعة فإن كان مبنيا فلا كلام‏,‏ وإن كان غير مبني كان لكل واحد منهما أن يبني في نصيبه وإن أحب أن يدخل بعض عرصته في داره فعل‏,‏ وإن أحب أن يزيد في حائطه من عرصته فعل ويحتمل أن لا يجبر على القسمة لأنها توجب اختصاص كل واحد منهما ببعض الحائط المقابل لملك شريكه وزوال ملك شريكه فيتضرر لأنه لا يقدر على حائط يستر ملكه‏,‏ وربما اختار أحدهما أن لا يبني حائطه فيبقى ملك كل واحد منهما مكشوفا أو يبنيه ويمنع جاره من وضع خشبه عليه‏,‏ وهذا ضرر لا يرد الشرع بالإجبار عليه فإن قيل‏:‏ فإذا كان مشتركا تمكن أيضا من منع شريكه وضع خشبه عليه قلنا‏:‏ إذا كان له عليه رسم وضع خشبه أو انتفاع به لم يملك منعه من رسمه‏,‏ وها هنا يملك منعه بالكلية وأما إن طلب قسمها عرضا وهو أن يجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول نظرنا‏,‏ فإن كانت العرصة لا تتسع لحائطين لم يجبر الممتنع من قسمها واختار ابن عقيل أنه يجبر وهو ظاهر كلام الشافعي لأنها عرصة فأجبر على قسمها‏,‏ كعرصة الدار ولنا أن في قسمها ضررا فلم يجبر الممتنع من قسمها عليه‏,‏ كالدار الصغيرة وما ذكروه ينتقض بذلك وإن كانت تتسع لحائطين بحيث يحصل لكل واحد منهما ما يبنى فيه حائطًا‏,‏ ففي إجبار الممتنع وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ يجبر قاله أبو الخطاب لأنه لا ضرر في القسمة لكون كل واحد منهما يحصل له ما يندفع به حاجته فأشبه عرصة الدار التي يحصل لكل واحد منهما ما يبنى فيه دارا والثاني لا يجبر ذكره القاضي لأن هذه القسمة لا تقع فيها قرعة لأننا لو أقرعنا بينهما‏,‏ لم نأمن أن تخرج قرعة كل واحد منهما على ما يلي ملك جاره فلا ينتفع به فلو أجبرناه على القسمة لأجبرناه على أخذ ما يلي داره من غير قرعة‏,‏ وهذا لا نظير له ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ومتى اقتسما العرصة طولا فبنى كل واحد منهما لنفسه حائطا‏,‏ وبقيت بينهما فرجة لم يجبر أحدهما على سدها ولم يمنع من سدها لأن ذلك يجري مجرى بناء الحائط في عرصته‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان بينهما حائط‏,‏ فاتفقا على قسمته طولا جاز ويعلم بين نصيبهما بعلامة وإن اتفقا على قسمته عرضا‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ يجوز القسمة لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فأشبه العرصة ويحتمل أن لا تجوز القسمة لأنها لا تكون إلا بتمييز نصيب أحدهما من الآخر‏,‏ بحيث يمكنه الانتفاع بنصيبه دون نصيب صاحبه وها هنا لا يتميز ولا يمكن انتفاع أحدهما بنصيبه منفردا لأن إن وضع خشبه على أحد جانبي الحائط‏,‏ كان ثقله على الحائط كله وإن فتح فيه طاقا يضعفه ضعف كله‏,‏ وإن وقع بعضه تضرر النصيب الآخر وإن طلب أحدهما قسمه وأبى الآخر فذكر القاضي‏,‏ أن الحكم في الحائط كالحكم في عرصته سواء ولا يجبر على قسم الحائط‏,‏ إلا أن يطلب أحدهما قسمه طولا ويحتمل أن لا يجبر على قسمه أيضا وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما إن قطعاه بينهما فقد أتلفا جزءا من الحائط‏,‏ ولا يجبر الممتنع من ذلك كما لو كان بينهما ثوب فطلب أحدهما قطعه وإن لم يقطع وعلما علامة على نصفه‏,‏ كان انتفاع أحدهما بنصيبه انتفاعا بنصيب الآخر ووجه الأول أنه يجبر على قسم الدار وقسم حائطها المحيط بها وكذلك قسم البستان وحائطه‏,‏ ولا يجبر على القطع المضر بل يعلمه بخط بين نصيبهما ولا يلزم من ذلك انتفاع أحدهما بنصيب الآخر وإن اتصل به‏,‏ بدليل الحائط المتصل في دارين والله أعلم‏.‏