فصل: كتاب السبق والرمي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب السبق والرمي

المسابقة جائزة بالسنة والإجماع أما السنة فروى ابن عمر ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع‏,‏ وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق‏)‏ متفق عليه قال موسى بن عقبة‏:‏ من الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة أميال وقال سفيان‏:‏ من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة والمسابقة على ضربين مسابقة بغير عوض ومسابقة بعوض فأما المسابقة بغير عوض فتجوز مطلقا من غير تقييد بشيء معين‏,‏ كالمسابقة على الأقدام والسفن والطيور‏,‏ والبغال والحمير والفيلة‏,‏ والمزاريق وتجوز المصارعة ورفع الحجر‏,‏ ليعرف الأشد وغير هذا لأن ‏(‏النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر مع عائشة فسابقته على رجلها فسبقته‏,‏ قالت‏:‏ فلما حملت اللحم سابقته فسبقني‏,‏ فقال‏:‏ هذه بتلك‏)‏ رواه أبو داود وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم ذي قرد ‏(‏صارع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركانة فصرعه‏)‏ رواه الترمذي ومر بقوم يربعون حجرا - يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم - فلم ينكر عليهم وسائر المسابقة يقاس على هذا وأما المسابقة بعوض فلا تجوز إلا بين الخيل‏,‏ والإبل والرمي لما سنذكره -إن شاء الله تعالى- واختصت هذه الثلاثة بتجويز العوض فيها لأنها من آلات الحرب المأمور بتعلمها وإحكامها‏,‏ والتفوق فيها وفي المسابقة بها مع العوض مبالغة في الاجتهاد في النهاية لها والإحكام لها‏,‏ وقد ورد الشرع بالأمر بها والترغيب في فعلها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ألا إن القوة الرمي‏,‏ ألا إن القوة الرمي‏)‏ وروى سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ عن خالد بن زيد قال‏:‏ كنت رجلا راميا ‏(‏وكان عقبة بن عامر الجهني يمر بي فيقول‏:‏ يا خالد اخرج بنا نرمي فلما كان ذات يوم‏,‏ أبطأت عنه فقال‏:‏ هلم أحدثك حديثا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب في صنعه الخير والرامي به‏,‏ ومنبله ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا‏,‏ وليس من اللهو إلا ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله‏,‏ ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها‏)‏ وعن مجاهد‏,‏ قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والنضال‏)‏ قال الأزهري‏:‏ النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما قال مجاهد‏:‏ ورأيت ابن عمر يشتد بين الهدفين‏,‏ إذا أصاب خصلة قال‏:‏ أنا بها أنا بها وعن حذيفة مثله‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ والسبق في النصل والحافر والخف لا غير ‏]‏

السبق بسكون الباء المسابقة والسبق بفتحها‏:‏ الجعل المخرج في المسابقة والمراد بالنصل ها هنا السهم ذو النصل‏,‏ وبالحافر الفرس وبالخف البعير عبر عن كل واحد منها بجزء منه يختص به ومراد الخرقي أن المسابقة بعوض لا تجوز إلا في هذه الثلاثة وبهذا قال‏:‏ الزهري‏,‏ ومالك وقال أهل العراق‏:‏ يجوز ذلك في المسابقة على الأقدام والمصارعة لورود الأثر بهما ‏(‏فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سابق عائشة وصارع ركانة‏)‏ ولأصحاب الشافعي وجهان‏,‏ كالمذهبين ولهم في المسابقة في الطيور والسفن وجهان بناء على الوجهين في المسابقة على الأقدام والمصارعة ولنا ما روى أبو هريرة‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر‏)‏ رواه أبو داود فنفى السبق في غير هذه الثلاثة ويحتمل أن يراد به نفي الجعل‏,‏ أي لا يجوز الجعل إلا في هذه الثلاثة ويحتمل أن يراد به نفي المسابقة بعوض فإنه يتعين حمل الخبر على أحد الأمرين للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في هذه الثلاثة‏,‏ وعلى كل تقدير فالحديث حجة لنا ولأن غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إليها فلم تجز المسابقة عليها بعوض‏,‏ كالرمي بالحجارة ورفعها إذا ثبت هذا فالمراد بالنصل السهام من النشاب والنبل دون غيرهما والحافر الخيل وحدها‏,‏ والخف الإبل وحدها وقال أصحاب الشافعي‏:‏ تجوز المسابقة بكل ما له نصل من المزاريق وفي الرمح والسيف وجهان وفي الفيل والبغال والحمير وجهان لأن للمزاريق والرماح والسيوف نصلا‏,‏ وللفيل خف وللبغال والحمير حوافر فتدخل في عموم الخبر ولنا‏,‏ أن هذه الحيوانات المختلف فيها لا تصلح للكر والفر ولا يقاتل عليها ولا يسهم لها‏,‏ والفيل لا يقاتل عليه أهل الإسلام والرماح والسيوف لا يرمى بها فلم تجز المسابقة عليها‏,‏ كالبقر والتراس والخبر ليس بعام فيما تجوز المسابقة به لأنه نكرة في إثبات وإنما هو عام في نفي ما لا تجوز المسابقة به بعوض لكونه نكرة في سياق النفي‏,‏ ثم لو كان عاما لحمل على ما عهدت المسابقة عليه وورد الشرع بالحث على تعلمه‏,‏ وهو ما ذكرناه‏.‏

مسألة‏:

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا أرادا أن يستبقا أخرج أحدهما ولم يخرج الآخر‏,‏ فإن سبق من أخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من المسبوق شيئا وإن سبق من لم يخرج‏,‏ أحرز سبق صاحبه ‏]‏

وجملته أن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين لم تخل إما أن يكون العوض منهما أو من غيرهما‏,‏ فإن كان من غيرهما نظرت فإن كان من الإمام جاز سواء كان من ماله‏,‏ أو من بيت المال لأن في ذلك مصلحة وحثا على تعلم الجهاد ونفعا للمسلمين وإن كان غير إمام جاز له بذل العوض من ماله وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي وقال مالك‏:‏ لا يجوز بذل العوض من غير الإمام لأن هذا مما يحتاج إليه للجهاد فاختص به الإمام لتولية الولايات وتأمير الأمراء ولنا أنه بذل لماله فيما فيه مصلحة وقربة فجاز كما لو اشترى به خيلا وسلاحا فأما إن كان منهما‏,‏ اشترط كون الجعل من أحدهما دون الآخر فيقول‏:‏ إن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلا شيء عليك فهذا جائز وحكي عن مالك‏,‏ أنه لا يجوز لأنه قمار ولنا أن أحدهما يختص بالسبق فجاز‏,‏ كما لو أخرجه الإمام ولا يصح ما ذكره لأن القمار أن لا يخلو كل واحد منهما من أن يغنم أو يغرم وها هنا لا خطر على أحدهما فلا يكون قمارا فإذا سبق المخرج أحرز سبقه‏,‏ ولا شيء له على صاحبه وإن سبق الآخر أخذ سبق المخرج فملكه وكان كسائر ماله لأنه عوض في الجعالة‏,‏ فيملك فيها كالعوض المجعول في رد الضالة والآبق وإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضي به عليه‏,‏ ويجبر على تسليمه إن كان موسرا وإن أفلس ضرب به مع الغرماء‏.‏

فصل‏:‏

والمسابقة عقد جائز ذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة‏,‏ وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ هو لازم إن كان العوض منهما وجائز إذا كان من أحدهما أو من غيرهما وذكره القاضي احتمالا لأنه عقد من شرطه أن يكون العوض والمعوض معلومين‏,‏ فكان لازما كالإجارة ولنا أنه عقد على ما لا تتحقق القدرة على تسليمه‏,‏ فكان جائزا كرد الآبق فإنه عقد على الإصابة‏,‏ ولا يدخل تحت قدرته وبهذا فارق الإجارة فعلى هذا لكل واحد من المتعاقدين الفسخ قبل الشروع في المسابقة‏,‏ وإن أراد أحدهما الزيادة فيها أو النقصان منها لم يلزم الآخر إجابته فأما بعد الشروع في المسابقة‏,‏ فإن كان لم يظهر لأحدهما فضل على الآخر جاز الفسخ لكل واحد منهما وإن ظهر لأحدهما فضل‏,‏ مثل أن يسبقه بفرسه في بعض المسابقة أو يصيب بسهامه أكثر منه فللفاضل الفسخ‏,‏ ولا يجوز للمفضول لأنه لو جاز له ذلك لفات غرض المسابقة لأنه متى بان له سبق صاحبه له فسخها وترك المسابقة‏,‏ فلا يحصل المقصود وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إذا قلنا‏:‏ العقد جائز ففي جواز الفسخ من المفضول وجهان‏.‏

فصل‏:‏

ويشترط أن يكون العوض معلوما لأنه مال في عقد فكان معلوما كسائر العقود ويكون معلوما بالمشاهدة‏,‏ أو بالقدر والصفة على ما تقدم في غير موضع ويجوز أن يكون حالا ومؤجلا كالعوض في البيع ويجوز أن يكون بعضه حالا وبعضه مؤجلا‏,‏ فلو قال‏:‏ إن نضلتني فلك دينار حال وقفيز حنطة بعد شهر جاز وصح النضال لأن ما جاز أن يكون حالا ومؤجلا جاز أن يكون بعضه حالا وبعضه مؤجلا‏,‏ كالثمن غير أنه يحتاج إلى صفة الحنطة بما تصير به معلومة‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط أن يطعم السبق أصحابه فالشرط فاسد لأنه عوض على عمل‏,‏ فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق ولا يفسد العقد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ يفسد ولنا‏,‏ أنه عقد لا تقف صحته على تسمية بدل فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح وذكر القاضي أن الشروط الفاسدة في المسابقة تنقسم قسمين أحدهما ما يخل بشرط صحة العقد‏,‏ نحو أن يعود إلى جهالة العوض أو المسافة ونحوهما‏,‏ فيفسد العقد لأن العقد لا يصح مع فوات شرطه والثاني ما لا يخل بشرط العقد نحو أن يشترط أن يطعم السبق أصحابه أو غيرهم‏,‏ أو يشرط أنه إذا نضل لا يرمي أبدا أو لا يرمي شهرا أو شرطا أن لكل واحد منهما أو لأحدهما فسخ العقد متى شاء بعد الشروع في العمل وأشباه هذا‏,‏ فهذه شروط باطلة في نفسها وفي العقد المقترن بها وجهان أحدهما صحته لأن العقد تم بأركانه وشروطه‏,‏ فإذا حذف الزائد الفاسد بقي العقد صحيحا والثاني يبطل لأنه بذل العوض لهذا الغرض‏,‏ فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض وكل موضع فسدت المسابقة فإن كان السابق المخرج أمسك سبقه وإن كان الآخر‏,‏ فله أجر عمله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة الفاسدة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان المخرج غير المتسابقين‏,‏ فقال لهما أو لجماعة‏:‏ أيكم سبق فله عشرة جاز لأن كل واحد منهما يطلب أن يكون سابقا وأيهم سبق استحق العشرة‏,‏ وإن جاءوا جميعا فلا شيء لواحد منهم لأنه لا سابق فيهم وإن قال لاثنين‏:‏ أيكما سبق فله عشرة وأيكما صلى فله عشرة لم يصح لأنه لا فائدة في طلب السبق‏,‏ فلا يحرص عليه لعدم فائدته فيه وإن قال‏:‏ ومن صلى فله خمسة صح لأن كل واحد يطلب السبق لفائدته فيه بزيادة الجعل وإن كانوا أكثر من اثنين فقال‏:‏ من سبق فله عشرة‏,‏ ومن صلى فله كذلك صح لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقا أو مصليا والمصلي هو الثاني لأن رأسه عند صلي الآخر والصلوان‏:‏ هما العظمان الناتئان من جانبي الذنب وفي الأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ‏"‏ سبق أبو بكر‏,‏ وصلى عمر وخبطتنا عشواء وقال الشاعر‏:‏

إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ** تلق السوابق منا والمصلينا

فإن قال‏:‏ للمجلي - وهو الأول - مائة وللمصلي - وهو الثاني - تسعون‏,‏ وللتالي - وهو الثالث - ثمانون وللنازع - وهو الرابع - سبعون وللمرتاح وهو الخامس - ستون‏,‏ وللحظي - وهو السادس - خمسون وللعاطف - وهو السابع - أربعون وللمؤمل - وهو الثامن - ثلاثون‏,‏ وللطيم - وهو التاسع - عشرون وللسكيت - وهو العاشر - عشرة وللفسكل - وهو الآخر - خمسة صح لأن كل واحد يطلب السبق‏,‏ فإذا فاته طلب ما يلي السابق والفسكل اسم للآخر ثم يستعمل هذا في غير المسابقة بالخيل تجوزا‏,‏ كما روي أن أسماء ابنة عميس كانت تزوجت جعفر بن أبي طالب وولدت له عبد الله ومحمدا وعونا‏,‏ ثم تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر ثم تزوجها علي بن أبي طالب فقالت له‏:‏ إن ثلاثة أنت آخرهم لأخيار فقال لولدها‏:‏ فسكلتني أمكم وإن جعل للمصلي أكثر من السابق‏,‏ أو مثله أو جعل للتالي أكثر من المصلي أو مثله أو لم يجعل للمصلي شيئا لم يجز لأن ذلك يفضي إلى أن لا يقصد السبق بل يقصد التأخر‏,‏ فيفوت المقصود‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال لعشرة‏:‏ من سبق منكم فله عشرة صح فإن جاءوا معا فلا شيء لهم لأنه لم يوجد الشرط الذي يستحق به الجعل في واحد منهم وإن سبقهم واحد فله العشرة لوجود الشرط فيه وإن سبق اثنان‏,‏ فلهما العشرة وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة لأن الشرط وجد فيهم‏,‏ فكان الجعل بينهم كما لو قال‏:‏ من رد عبدي الآبق فله عشرة فرده تسعة ويحتمل أن يكون لكل واحد من السابقين عشرة لأن كل واحد منهم سابق فيستحق الجعل بكماله‏,‏ كما لو قال‏:‏ من رد عبدا لي فله عشرة فرد كل واحد عبدا وفارق ما لو قال‏:‏ من رد عبدي فرده تسعة لأن كل واحد منهم لم يرده إنما رده حصل من الكل ويصير هذا كما لو قال‏:‏ من قتل قتيلا فله سلبه فإن قتل كل واحد واحدا فلكل واحد سلب قتيله كاملا‏,‏ وإن قتل الجماعة واحدا فلجميعهم سلب واحد وها هنا كل واحد له سبق مفرد فكان له الجعل كاملا فعلى هذا‏,‏ لو قال‏:‏ من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة‏,‏ وصلى خمسة فعلى الأول من الوجهين للسابقين عشرة‏,‏ لكل واحد منهم درهمان وللمصلين خمسة لكل واحد منهم درهم وعلى الوجه الثاني‏,‏ لكل واحد من السابقين عشرة فيكون لهم خمسون ولكل واحد من المصلين خمسة‏,‏ فيكون لهم خمسة وعشرون ومن قال بالوجه الأول احتمل على قوله أن لا يصح العقد على هذا الوجه لأنه يحتمل أن يسبق تسعة فيكون لهم عشرة‏,‏ لكل واحد درهم وتسع ويصلي واحد فيكون له خمسة‏,‏ فيصير للمصلي من الجعل فوق ما للسابق فيفوت المقصود‏.‏

مسألة‏:

قال‏:‏ ‏[‏ وإن أخرجا جميعا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما‏,‏ أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبقهما أحرز سبقيهما‏,‏ وإن كان السابق أحدهما أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه فكان كسائر ماله‏,‏ ولم يأخذ من المحلل شيئا ‏]‏

السبق بالفتح‏:‏ الجعل الذي يسابق عليه ويسمى الخطر والندب والقرع والرهن ويقال‏:‏ سبق إذا أخذ وإذا أعطى ومن الأضداد ومتى استبق الاثنان والجعل بينهما‏,‏ فأخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قمارا لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم‏,‏ وسواء كان ما أخرجاه متساويا مثل أن يخرج كل واحد منهما عشرة أو متفاوتا مثل أن أخرج أحدهما عشرة والآخر خمسة ولو قال‏:‏ إن سبقتني فلك علي عشرة‏,‏ وإن سبقتك فلي عليك قفيز حنطة أو قال إن سبقتني فلك علي عشرة ولي عليك قفيز لم يجز لما ذكرناه فإن أدخلا بينهما محللا وهو ثالث لم يخرج شيئا جاز وبهذا قال سعيد بن المسيب‏,‏ والزهري والأوزاعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وحكى أشهب عن مالك أنه قال في المحلل‏:‏ لا أحبه وعن جابر بن زيد‏,‏ أنه قيل له‏:‏ إن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا لا يرون بالدخيل بأسا قال‏:‏ هم أعف من ذلك ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏من أدخل فرسا بين فرسين‏,‏ وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين‏,‏ وقد أمن أن يسبق فهو قمار‏)‏ رواه أبو داود فجعله قمارا إذا أمن أن يسبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما من أن يغنم أو يغرم وإذا لم يؤمن أن يسبق لم يكن قمارا لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو عن ذلك ويشترط أن يكون فرس المحلل مكافئا لفرسيهما‏,‏ أو بعيره مكافئا لبعيريهما ورميه لرمييهما فإن لم يكن مكافئا‏,‏ مثل أن يكون فرساهما جوادين وفرسه بطيئ فهو قمار للخبر ولأنه مأمون سبقه‏,‏ فوجوده كعدمه وإن كان مكافئا لهما جاز فإن جاءوا كلهم الغاية دفعة واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه‏,‏ ولا شيء للمحلل لأنه لا سابق فيهما وكذلك إن سبق المستبقان المحلل وإن سبق المحلل وحده‏,‏ أحرز السبقين بالاتفاق وإن سبق أحد المستبقين وحده أحرز سبق نفسه‏,‏ وأخذ سبق صاحبه ولم يأخذ من المحلل شيئا وإن سبق أحد المستبقين والمحلل‏,‏ أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين سواء كان المستبقون اثنين أو أكثر‏,‏ حتى لو كانوا مائة وبينهم محلل لا سبق منه جاز وكذلك لو كان المحلل جماعة‏,‏ جاز لأنه لا فرق بين الاثنين والجماعة وهذا كله مذهب الشافعي‏.‏

فصل‏:‏

ويشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة وأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها لأن الغرض معرفة أسبقهما ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية‏,‏ ولأن أحدهما قد يكون مقصرا في أول عدوه سريعا في انتهائه وقد يكون بضد ذلك‏,‏ فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه ومن الخيل ما هو أصبر والقارح أصبر من غيره وقد روى ابن عمر ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبق بين الخيل‏,‏ وفضل القرح في الغاية‏)‏ رواه أبو داود وسبق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وذلك ستة أميال أو سبعة وبين التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق‏,‏ وذلك ميل أو نحوه فإن استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز لأنه يؤدي إلى أن لا يقف أحدهما حتى ينقطع فرسه‏,‏ ويتعذر الإشهاد على السبق فيه ويشترط في المسابقة إرسال الفرسين أو البعيرين دفعة واحدة فإن أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أو لا لم يجز هذا في المسابقة بعوض لأنه قد لا يدركه مع كونه أسرع منه‏,‏ لبعد المسافة بينهما ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلفا في ذلك ويحصل السبق في الخيل بالرأس إذا تماثلت الأعناق‏,‏ فإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الإبل اعتبر السبق بالكتف لأن الاعتبار بالرأس متعذر‏,‏ فإن طويل العنق قد يسبق رأسه لطول عنقه لا لسرعة عدوه وفي الإبل ما يرفع رأسه وفيها ما يمد عنقه‏,‏ فربما سبق رأسه لمد عنقه لا لسبقه فلذلك اعتبرنا الكتف‏,‏ فإن سبق رأس قصير العنق فهو سابق لأن من ضرورة ذلك كونه سابقا وإن سبق طويل العنق بأكثر مما بينهما في طول العنق فقد سبق‏,‏ وإن كان بقدره لم يسبقه وإن كان أقل فالآخر السابق ونحو هذا كله قول الشافعي وقال الثوري‏:‏ إذا سبق أحدهما بالأذن كان سابقا ولا يصح لأن أحدهما قد يرفع رأسه ويمد الآخر عنقه‏,‏ فيكون سابقا بأذنه لذلك لا لسبقه وإن شرطا السبق بأقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ يصح‏,‏ ويتخاطان ذلك كما في الرمي وليس بصحيح لأن هذا لا ينضبط ولا يقف الفرسان عند الغاية‏,‏ بحيث يعرف مساحة ما بينهما وقد روى الدارقطني بإسناده عن علي رضي الله عنه ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي قد جعلت لك هذه السبقة بين الناس‏)‏ فخرج علي فدعا سراقة بن مالك فقال‏:‏ يا سراقة‏,‏ إني قد جعلت إليك ما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في عنقي من هذه السبقة في عنقك فإذا أتيت الميطان - قال أبو عبد الرحمن الميطان مرسلها من الغاية - فصف الخيل ثم ناد‏:‏ هل من مصلح للجام‏,‏ أو حامل لغلام أو طارح لجل فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا‏,‏ ثم خلها عند الثالثة فيسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد على منتهى الغاية يخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفيه بين إبهامي أرجلهما‏,‏ وتمر الخيل بين الرجلين ويقول لهما‏:‏ إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن‏,‏ أو عذار فاجعلا السبقة له فإن شككتما فاجعلوا سبقهما نصفين‏,‏ فإذا قرنتم ثنتين فاجعلا الغاية من غاية أصغر الثنتين ولا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام وهذا الأدب الذي ذكره في هذا الحديث‏,‏ في ابتداء الإرسال وانتهاء الغاية من أحسن ما قيل في هذا وهو مروي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في قضية أمره بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفوضها إليه‏,‏ فينبغي أن تتبع ويعمل بها‏.‏

فصل‏:

ويشترط في الرهان أن تكون الدابتان من جنس واحد فإن كانتا من جنسين‏,‏ كالفرس والبعير لم يجز لأن البعير لا يكاد يسبق الفرس فلا يحصل الغرض من هذه المسابقة وإن كانتا من نوعين‏,‏ كالعربي والبرذون أو البختي والعرابي ففيه وجهان أحدهما‏,‏ لا يصح ذكره أبو الخطاب لأن التفاوت بينهما في الجري معلوم بحكم العادة فأشبها الجنسين والثاني‏:‏ يصح ذكره القاضي وهذا مذهب الشافعي لأنهما من جنس واحد‏,‏ وقد يسبق كل واحد منهما الآخر والضابط الجنس وقد وجد ويكفي في المظنة احتمال الحكمة‏,‏ ولو على بعد‏.‏

فصول في المناضلة

وهي المسابقة في الرمي بالسهام والمناضلة مصدر ناضلته نضالا ومناضلة‏,‏ وسمي الرمي نضالا لأن السهم التام يسمى نضلا فالرمي به عمل بالنضل فسمي نضالا ومناضلة‏,‏ مثل قاتلته قتالا ومقاتلة وجادلته جدالا ومجادلة ويشترط لصحته ثمانية شروط‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكون عدد الرشق معلوما‏,‏ والرشق بكسر الراء‏:‏ عدد الرمي وأهل اللغة يقولون‏:‏ هو عبارة عما بين العشرين والثلاثين والرشق بفتح الراء الرمي نفسه مصدر رشقته رشقا أي رميت رميا وإنما اشترط علمه لأنه لو كان مجهولا لأفضى إلى الخلاف لأن أحدهما يريد القطع والآخر يريد الزيادة‏,‏ فيختلفان‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون عدد الإصابة معلوما فيقولان‏:‏ الرشق عشرون‏,‏ والإصابة خمسة أو ستة أو ما يتفقان عليه منها إلا أنه لا يجوز اشتراط إصابة نادرة‏,‏ كإصابة جميع الرشق أو إصابة تسعة أعشاره ونحو هذا لأن الظاهر أن هذا لا يوجد فيفوت الغرض‏.‏

الثالث‏:‏ استواؤهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي فإن جعلا رشق أحدهما عشرة‏,‏ والآخر عشرين أو شرطا أن يصيب أحدهما خمسة والآخر ثلاثة‏,‏ أو شرطا إصابة أحدهما خواسق والآخر خواصل أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه‏,‏ أو شرطا أن يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب أو أن يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم‏,‏ والآخر بين أصابعه سهمان أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شيء والآخر خال عن شاغل أو أن يحط عن أحدهما واحدا من خطئه لا له ولا عليه‏,‏ وأشباه هذا مما تفوت به المساواة لم يصح لأن موضوعها على المساواة والغرض معرفة الحذق‏,‏ وزيادة أحدهما على الآخر فيه ومع التفاضل لا يحصل فإنه ربما أصاب أحدهما لكثرة رميه لا لحذقه‏,‏ فاعتبرت المساواة كالمسابقة على الحيوان‏.‏

الرابع‏:‏ أن يصفا الإصابة‏,‏ فيقولان‏:‏ خواصل وهو المصيب للغرض كيفما كان قال الأزهري‏:‏ يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا ويسمى ذلك القرع والقرطسة يقال‏:‏ قرطس إذا أصاب أو حوابي وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ومنه يقال‏:‏ حبا الصبي أو خواصر وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض‏,‏ ومنه قيل‏:‏ الخاصرة لأنها في جانب الإنسان أو خوارق وهو ما خرق الغرض ثم وقع بين يديه أو خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو موارق وهو ما أنفذ الغرض‏,‏ ووقع من ورائه أو خوازم وهو ما خزم جانب الغرض وإن شرطا الخواسق والحوابي معا صح‏.‏

الخامس‏:‏ قدر الغرض‏,‏ والغرض هو ما يقصد إصابته من قرطاس أو ورق أو جلد أو خشب أو قرع أو غيره ويسمى غرضا لأنه يقصد ويسمى شارة وشنا قال الأزهري‏:‏ ما نصب في الهدف فهو القرطاس‏,‏ وما نصب في الهواء فهو الغرض ويجب أن يكون قدره معلوما بالمشاهدة أو بتقديره بشبر أو شبرين بحسب الاتفاق‏,‏ فإن الإصابة تختلف باختلاف سعته وضيقه‏.‏

السادس‏:‏ معرفة المسافة إما بالمشاهدة أو بالذرعان فيقول‏:‏ مائة ذراع أو مائتي ذراع لأن الإصابة تختلف بقربها وبعدها‏,‏ ومهما اتفقا عليه جاز إلا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع فلا يصح لأن الغرض يفوت بذلك‏,‏ وقد قيل‏:‏ إنه ما رمى إلى أربعمائة ذراع إلا عقبه بن عامر الجهني رضي الله عنه‏.‏

السابع‏:‏ تعيين الرماة فلا يصح مع الإبهام لأن الغرض معرفة حذق الرامي بعينه‏,‏ لا معرفة حذق رام في الجملة ولو عقد اثنان نضالا على أربع مع كل واحد منهما ثلاثة لم يجز لذلك ولا يشترط تعيين القوس والسهام ولو عينها لم تتعين لأن القصد معرفة الحذق‏,‏ وهذا لا يختلف إلا بالرامي لا باختلاف القوس والسهام وفي الرهان يعتبر تعيين الحيوان الذي يسابق به ولا يعتبر تعيين الراكب لأن الغرض معرفة عدو الفرس‏,‏ لا حذق الراكب وكل ما يعتبر تعيينه إذا تلف انفسخ العقد ولم يقم غيره مقامه لأن العقد تعلق بعينه‏,‏ فانفسخ بتلف العين ولأن الغرض معرفة حذق الرامي أو عدو الفرس‏,‏ وقد فاتت معرفة ذلك بموته ولا يعرف حذقه من غيره وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر وغيره‏,‏ وإذا تلف قام غيره مقامه فإن شرطا أن لا يرمي بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم‏,‏ أو لا يركب غير هذا الراكب فهذه شروط فاسدة لأنها تنافي مقتضى العقد أشبهت ما إذا شرط إصابة بإصابتين‏.‏

الثامن‏:‏ أن تكون المسابقة في الإصابة ولو قالا‏:‏ السبق لأبعدنا رميا‏,‏ لم يجز لأن الغرض من الرمي الإصابة لا بعد المسافة فإن المقصود من الرمي إما قتل العدو أو جرحه‏,‏ أو الصيد أو نحو ذلك وكل هذا إنما يحصل من الإصابة‏,‏ لا من الإبعاد‏.‏

فصل‏:‏

والمناضلة على ثلاثة أضرب‏:‏

أحدها‏:‏

تسمى المبادرة وهو أن يقولا‏:‏ من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرشق‏,‏ فقد سبق فإذا رميا عشرة عشرة فأصاب أحدهما خمسا ولم يصب الآخر خمسا‏,‏ فالمصيب خمسا هو السابق لأنه قد سبق إلى خمس وسواء أصاب الآخر أربعا أو ما دونها‏,‏ أو لم يصب شيئا ولا حاجة إلى إتمام الرشق لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه وإن أصاب كل واحد منهما من العشر خمسا‏,‏ فلا سابق فيهما ولا يكملان الرشق لأن جميع الإصابة المشروطة قد حصلت واستويا فيها فإن رمى أحدهما عشرا فأصاب خمسا‏,‏ ورمى الآخر تسعا فأصاب أربعا لم يحكم بالسبق ولا بعدمه حتى يرمي العاشر‏,‏ فإن أخطأ به فقد سبق الأول وإن أصاب به‏,‏ فلا سابق فيهما وإن لم يكن أصاب من التسعة إلا ثلاثا فقد سبقه الأول ولا يحتاج إلى رمي العاشر لأن أكثر ما يحتمل أنه يصيب به‏,‏ ولا يخرجه ذلك عن كونه مسبوقا‏.‏

الضرب الثاني‏:‏

أن يقول‏:‏ أينا فضل صاحبه بإصابة أو إصابتين أو ثلاث من عشرين رمية فقد سبق ويسمى مفاضلة ومحاطة لأن ما تساويا فيه من الإصابة محطوط غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان في إتمامه فائدة‏,‏ فإذا قالا‏:‏ أينا فضل صاحبه بثلاث فهو سابق فرميا اثنتي عشرة رمية فأصابها أحدهما‏,‏ وأخطأها الآخر كلها لم يلزم إتمام الرشق لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب الآخر الثماني الباقية يحطها الأول‏,‏ ولا يخرج الأول بهذا عن كونه سابقا وإن كان الأول إنما أصاب من الاثنتي عشرة عشرا لزمهما أن يرميا الثالثة عشرة فإن أصاباها‏,‏ أو أخطآ أو أصابها الأول وحده فقد سبق ولا يحتاج إلى إتمام الرشق‏,‏ فإن أصابها الآخر وأخطأها الأول فعليهما أن يرميا الرابعة عشرة‏,‏ والحكم فيها وفيما بعدها كالحكم في الثالثة عشرة وأنه متى أصاباها أو أخطآ‏,‏ أو أصابها الأول فقد سبق ولا يرميان ما بعدها وإن أصابها الآخر وحده‏,‏ رميا ما بعدها وهكذا كل موضع كان في إتمام الرشق فائدة لأحدهما لزم إتمامه وإن يئس من الفائدة‏,‏ لم يلزم إتمامه فإذا بقي من العدد ما يمكن أن يسبق أحدهما به صاحبه أو يسقط أحدهما به سبق صاحبه‏,‏ لزم الإتمام وإلا فلا فإذا كان السبق يحصل بثلاث إصابات من عشرين‏,‏ فرميا ثماني عشرة فأخطآها أو أصاباها‏,‏ أو تساويا في الإصابة فيها لم يلزم إتمام الرشق لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما هاتين الرميتين ويخطئهما الآخر‏,‏ ولا يحصل السبق بذلك وكذلك إن فضل أحدهما الآخر بخمس إصابات فما زاد لم يلزم الإتمام لأن إصابة الآخر بالسهمين الباقيين لا يخرج الآخر عن كونه فاضلا بثلاث إصابات وإن لم يفضله إلا بأربع‏,‏ رميا السهم الآخر فإن أصابه المفضول وحده فعليهما رمي الآخر فإن أصابه المفضول أيضا‏,‏ سقط سبق الأول وإن أخطآ في أحد السهمين أو أصاب الأول في أحدهما‏,‏ فهو سابق‏.‏

فصل‏:‏

الثالث أن يقولا‏:‏ أينا أصاب خمسا من عشرين فهو سابق فمتى أصاب أحدهما خمسا من العشرين ولم يصبها الآخر‏,‏ فالأول سابق وإن أصاب كل واحد منهما خمسا أو لم يصب واحد منهما خمسا‏,‏ فلا سابق فيهما وهذه في معنى المحاطة في أنه يلزم إتمام الرشق ما كان في إتمامه فائدة فإذا خلا عن الفائدة‏,‏ لم يلزم إتمامه ومتى أصاب كل واحد منهما خمسا لم يلزم إتمامه ولم يكن فيهما سابق إن رميا ست عشرة رمية‏,‏ ولم يصب واحد منهما شيئا لم يلزم إتمامه ولا سابق فيهما لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما الأربعة كلها‏,‏ ولا يحصل السبق بذلك واختلف أصحابنا فقال أبو الخطاب‏:‏ لا بد من معرفة الرمي هل هو مبادرة أو محاطة أو مفاضلة‏؟‏ لأن غرض الرماة يختلف فمنهم من تكثر إصابته في الابتداء دون الانتهاء‏,‏ ومنهم من هو بالعكس فوجب بيان ذلك ليعلم ما دخل فيه وظاهر كلام القاضي‏,‏ أنه لا يحتاج إلى اشتراط ذلك لأن مقتضى النضال المبادرة وأن من بادر إلى الإصابة فهو السابق فإنه إذا شرط أن السبق لمن أصاب خمسة من عشرين فسبق إليها واحد‏,‏ فقد وجد الشرط ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين‏.‏

فصل‏:

فإن شرطا إصابة موضع من الهدف على أن يسقط ما قرب من إصابة أحدهما ما بعد من إصابة الآخر‏,‏ ففعل ثم فضل أحدهما الآخر بما شرطاه كان سابقا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن هذا نوع من المحاطة‏,‏ فإذا أصاب أحدهما موضعا بينه وبين الغرض شبر وأصاب الآخر موضعا بينه وبين الغرض أقل من شبر أسقط الأول‏,‏ وأن أصاب الأول الغرض أسقط الثاني فإن أصاب الثاني الدائرة التي في الغرض‏,‏ لم يسقط به الأول لأن الغرض كله موضع للإصابة فلا يفضل أحدهما صاحبه إذا أصاباه جميعا إلا أن يشترطا ذلك وإن شرطا إن يحسب كل واحد منهما خاسقه بإصابتين جاز لأن أحدهما لم يفضل صاحبه في شيء‏,‏ فقد استويا‏.‏

فصل‏:

والسنة أن يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام يرميان الآخر لأن هذا كان فعل أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة‏)‏ وقال إبراهيم التيمي‏:‏ رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول‏:‏ أنا بها أنا بها في قميص وعن ابن عمر مثل ذلك والهدف ما ينصب الغرض عليه إما تراب مجموع وإما حائط ويروى عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يشتدون بين الأغراض‏,‏ يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهبانا فإن جعلوا غرضا واحدا جاز لأن المقصود يحصل به وهو عادة أهل عصرنا ولا بد في المناضلة أن يبتدئ أحدهما بالرمي‏,‏ لأنهما لو رميا معا أفضى إلى الاختلاف ولم يعرف المصيب منهما فإن كان المخرج أجنبيا‏,‏ قدم من يختاره منهما فإن لم يختر وتشاحا أقرع بينهما‏,‏ وأيهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أصاب أو أخطأ وإذا بدأ أحدهما في وجه‏,‏ بدأ الآخر في الثاني تعديلا بينهما وإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح لأن موضوع المناضلة على المساواة‏,‏ وهذا تفاضل فإن فعل ذلك من غير شرط باتفاق منهما جاز لأن البداءة لا أثر لها في الإصابة‏,‏ ولا في تجويد الرمي وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متواليين جاز لتساويهما ويحتمل أن يكون اشتراط البداءة في كل موضع ذكرنا غير لازم‏,‏ ولا يؤثر في العقد لأنه لا أثر له في تجويد رمي ولا كثرة إصابة وكثير من الرماة يختار التأخر على البداية‏,‏ فيكون وجود هذا الشرط كعدمه إذا رمى البادئ بسهم رمى الثاني بسهم كذلك حتى يقضيا رميهما لأن إطلاق المناضلة يقتضي المراسلة‏,‏ ولأن ذلك أقرب إلى التساوي وأنجز للرمي لأن أحدهما يصلح قوسه ويعدل سهمه حتى يرمي الآخر وإن رميا بسهمين سهمين‏,‏ فحسن وهو العادة بين الرماة فيما رأينا وإن اشترطا أن يرمي أحدهما رشقا ثم يرمي الآخر‏,‏ أو يرمي أحدهما عددا ثم يرمي الآخر مثله جاز لأن هذا لا يؤثر في مقصود المناضلة‏,‏ وإن خالف مقتضى الإطلاق كما يجوز أن يشترط في البيع ما لا يقتضيه الإطلاق من النقود والخيار والأجل لما كان غير مانع من المقصود‏.‏

فصل‏:‏

وإن شرطا أن يرميا أرشاقا كثيرة جاز لأنه إذا جاز على القليل‏,‏ جاز على الكثير ولا بد أن تكون معلومة ثم إن شرطا أن يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز لأن الغرض في هذا صحيح‏,‏ فإنهما أو أحدهما قد يضعف عن الرمي كله مع حذقه وإن أطلقا العقد جاز وحمل على التعجيل والحلول كسائر العقود‏,‏ فيرميان من أول النهار إلى آخره إلا أن يعرض عذر يمنع من مرض أو ريح أو تشوش السهام‏,‏ أو لحاجته إلى طعام أو شراب أو صلاة أو قضاء حاجة لأن هذه مستثناة بالعرف وكذلك المطر فإنه يرخي الوتر ويفسد الرشق إذا جاء الليل تركاه لأن العادة ترك الرمي بالليل‏,‏ فحمل العقد عليه مع الإطلاق إلا أن يشترطا الرمي ليلا فيأخذ أحدهما صاحبه بذلك فإن كانت الليلة مقمرة‏,‏ منيرة اكتفى بذلك وإلا رميا في ضوء شمعة أو مشعل وإن عرض عارض يمنع الرمي‏,‏ كما ذكرناه أو كسر قوس أو قطع وتر‏,‏ أو انكسر سهم جاز إبداله فإن لم يمكن أخر الرمي حتى يزول العارض‏.‏

فصل‏:‏

فإن أراد أحدهما التطويل‏,‏ والتشاغل عن الرمي بما لا حاجة إليه من مسح القوس والوتر ونحو ذلك‏,‏ إرادة التطويل على صاحبه لعله ينسى القصد الذي أصاب به أو يفتر‏,‏ منع من ذلك وطولب بالرمي ولا يدهش بالاستعجال بالكلية‏,‏ بحيث يمنع من تحري الإصابة ويمنع كل واحد منهما من الكلام الذي يغيظ به صاحبه مثل أن يرتجز ويفتخر‏,‏ ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر له أنه يعلمه وهكذا الحاضر معهما‏,‏ مثل الأمير والشاهدين وغيرهم يكره لهم مدح المصيب وزهزهته‏,‏ وتعنيف المخطئ وزجره لأن فيه كسر قلب أحدهما وغيظه‏.‏

فصل‏:

وإذا تشاحا في موضع الوقوف فإن كان ما طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس‏,‏ أو ريحا يؤذيه استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها‏,‏ قدم قول من طلب استدبارها لأنه العرف إلا أن يكون في شرطهما استقبال ذلك فالشرط أملك‏,‏ كما قلنا في الرمي ليلا وإن كان الموقفان سواء كان ذلك إلى الذي له البداءة فيتبعه الآخر‏,‏ فإذا كان في الوجه الثاني وقف حيث شاء ويتبعه الأول‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز عقد النضال على جماعة ؛ لأنه يروى ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أصحاب له ينتضلون ، فقال ‏:‏ ارموا ، وأنا مع ابن الأدرع ‏.‏ فأمسك الآخرون ، وقالوا ‏:‏ كيف نرمي وأنت مع ابن الأدرع ‏؟‏ قال ‏:‏ ارموا ، وأنا معكم كلكم‏)‏‏.‏ رواه البخاري ‏.‏ ولأنه إذا جاز أن يكونا اثنين ، جاز أن يكونوا جماعتين ؛ لأن المقصود معرفة الحذق ، وهذا يحصل في الجماعتين ، فجاز ، كما في سباق الخيل ‏.‏ وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل المضمرة ، وسبق بين الخيل التي لم تضمر ‏.‏ وعلى هذا يكون كل حزب بمنزلة واحد ‏.‏ فإن عقد النضال جماعة ليتناضلوا حزبين ‏.‏ فذكر القاضي ، أنه يجوز ‏.‏ وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يجوز ؛ لأن التعيين شرط ، وقبل التفاضل لم يتعين من في كل واحد من الحزبين ‏.‏ فعلى هذا ، إذا تفاضلوا ، عقدوا النضال بعده ‏.‏ وعلى قول القاضي ، يجوز العقد قبل التفاضل ‏.‏ ولا يجوز أن يقتسموا بالقرعة ؛ لأنها ربما وقعت على الحذاق في أحد الحزبين ، وعلى الكوادن في الآخر ، فيبطل مقصود النضال ، بل يكون لكل حزب رئيس ، فيختار أحدهما واحدا ، ثم يختار الآخر واحدا كذلك ، حتى يتفاضلوا جميعا ، ولا يجوز أن يجعل الخيار إلى أحدهما في الجميع ، ولا أن يختار جميع حزبه أولا ؛ لأنه يختار الحذاق كلهم في حزبه ‏.‏ ولا يجوز أن يجعل رئيس الحزبين واحدا ؛ لأنه يميل إلى حزبه ، فتلحقه التهمة ‏.‏ ولا يجوز أن يختار كل واحد من الرئيسين أكثر من واحد ؛ لأنه أبعد من التساوي ‏.‏ وإذا اختلفا في المبتدئ بالخيار منهما ، أقرع بينهما ‏.‏ ولو قال أحدهما ‏:‏ أنا أختار أولا ، وأخرج السبق ، أو يخرجه أصحابي ‏.‏ لم يحز لأن السبق إنما يستحق بالسبق لا في مقابلة تفضل أحدهما بشيء ‏.‏

فصل‏:

وإذا أخرج أحد الزعيمين السبق من عنده‏,‏ فسبق حزبه لم يكن على حزبه شيء لأنه جعله على نفسه دونهم وإن شرطه عليهم فهو عليهم بالسوية‏,‏ ويكون للحزب الآخر بالسوية من أصاب منهم ومن لم يصب في أحد الوجهين‏,‏ كما أنه على الحزب الآخر بالسوية وفي الوجه الآخر يقسم بينهم على قدر الإصابة وليس لمن لم يصب منهم شيء لأن استحقاقه بالإصابة فكان على قدرها‏,‏ واختص بمن وجدت منه بخلاف المسبوقين فإنه وجب عليهم لالتزامهم له وقد استووا في ذلك ‏"‏

فصل‏:‏

ومتى كان النضال بين حزبين‏,‏ اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم بغير كسر ويتساوون فيه فإن كانوا ثلاثة‏,‏ وجب أن يكون له ثلث وإن كانوا أربعة وجب أن يكون له ربع‏,‏ وكذلك ما زاد لأنه إذا لم يكن كذلك بقي سهم أو أكثر لا يمكن الجماعة الاشتراك فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كانوا حزبين‏,‏ فدخل معهم رجل لا يعرفونه في أحد الحزبين وكان يحسن الرمي جاز‏,‏ وإن كان لا يحسنه بطل العقد فيه وأخرج من الحزب الآخر من جعل بإزائه لأن كل واحد يجعل في مقابلته آخر‏,‏ أو يختار أحد الزعيمين واحدا ويختار الآخر آخر في مقابلته وهل يبطل في الباقين‏؟‏ على وجهين بناء على تفريق الصفقة فإن قلنا‏:‏ لا يبطل فلكل حزب الخيار لتبعيض الصفقة في حقهم وإن بان راميا‏,‏ لكنه قليل الإصابة فقال حزبه‏:‏ ظنناه كثير الإصابة أو لم نعلم‏,‏ أو بان كثير الإصابة فقال الحزب الآخر‏:‏ ظنناه قليل الإصابة لم يسمع ذلك منهم وكان كمن عرفوه لأن شرط دخوله أن يكون في العقد من أهل الصنعة دون الحذق كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب‏,‏ فبان حاذقا أو ناقصا فيها لم يؤثر‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز أن يقولوا‏:‏ نقرع فمن خرجت قرعته‏,‏ فهو السابق ولا أن من خرجت قرعته فالسبق ‏"‏عليه‏"‏ ولا أن يقولوا‏:‏ نرمي فأينا أصاب فالسبق على الآخر لأنه عوض في عقد‏,‏ فلا يستحق بالقرعة ولا بالإصابة وإن شرطوا أن يكون فلان مقدم حزب‏,‏ وفلان مقدم الآخر ثم فلان ثانيا من الحزب الأول وفلان ثانيا من الحزب الثاني‏,‏ كان فاسدا لأن تقديم كل واحد من الحزب يكون إلى زعيمه وليس للحزب الآخر مشاركته في ذلك فإذا شرطوه كان فاسدا‏.‏

فصل‏:

وإذا تناضل اثنان‏,‏ وأخرج أحدهما السبق فقال أجنبي‏:‏ أنا شريكك في الغنم والغرم إن نضلك فنصف السبق علي‏,‏ وإن نضلته فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون ثلاثة فيهم محلل فقال رابع للمستبقين‏:‏ أنا شريككما في الغنم والغرم كان باطلا لأن الغنم والغرم إنما يكون من المناضل فأما من لا يرمي‏,‏ فلا يكون له غنم ولا غرم ولو شرطا في النضال أنه إذا جلس المستبق كان عليه السبق لم يجز لأن السبق على النضال وهذا الشرط يخالف مقتضى النضال‏,‏ فكان فاسدا‏.‏

فصل‏:‏

لو فضل أحد المتناضلين صاحبه فقال المفضول‏:‏ اطرح فضلك وأعطيك دينارا لم يجز لأن المقصود معرفة الحذق‏,‏ وذلك يمنع منه وإن فسخا العقد وعقدا عقدا آخر جاز وإن لم يفسخاه‏,‏ ولكن رميا تمام الرشق فتمت الإصابة له مع ما أسقطه استحق السبق‏,‏ ورد الدينار إن كان أخذه‏.‏

فصل‏:

إذا كان شرطهما حواصل وهي الإصابة المطلقة اعتد بها كيفما وجدت‏,‏ بشرط أن يصيب بنصل السهم فإن أصاب بعرضه أو بفوقه‏,‏ نحو أن ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرض لم يعتد به لأن هذا من سيئ الخطأ وإن انقطع السهم قطعتين‏,‏ فأصابت القطعة الأخرى لم يحتسب به فإن كان الغرض جلدا خيط عليه شنبر كشنبر المنخل وجعلا له عرى وخيوطا تعلق به في العرى‏,‏ فأصاب الشنبر أو العرى نظرت في شرطهما فإن شرط إصابة الغرض اعتد له لأن ذلك من الغرض‏,‏ فأما المعاليق وهي الخيوط فلا يعتد له بإصابتها على كلا الشرطين لأنها ليست من الجلدة‏,‏ ولا من الغرض فأشبه إصابة الهدف‏.‏

فصل‏:‏

وإن أطارت الريح الغرض فوقع السهم في موضعه‏,‏ فإن كان شرطهما حواصل احتسب له به لعلمنا أنه لو كان الغرض في موضعه أصابه وإن كان شرطهما خواسق فقال القاضي‏:‏ ينظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض‏,‏ فثبت في الهدف احتسب له به لأنه لو بقي مكانه لثبت فيه كثبوته في الهدف‏,‏ وإن لم يثبت فيه مع التساوي لم يحتسب وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه أو كان رخوا‏,‏ لم يحتسب السهم له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو بقي مكانه أولا‏؟‏ وهذا مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ إن كان شرطهما خواسق لم يحتسب له بالسهم الذي وقع في موضعه ولا عليه لأننا لا ندري هل يثبت في الغرض لو كان موجودا أو لا‏؟‏ وإن وقع السهم في غير موضع الغرض‏,‏ احتسب به على راميه لأنه خطأ ولو وقع في الغرض في الموضع الذي طار إليه حسب عليه أيضا‏,‏ لا له إلا أن يكونا اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه وكذلك الحكم إذا ألقت الريح الغرض على وجهه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا رمى فأخطأ لعارض من كسر قوس أو قطع وتر أو حيوان اعترض بين يديه أو ريح شديدة ترد السهم عرضا‏,‏ لم يحسب عليه بذلك السهم لأن خطأه للعارض لا لسوء رميه قال القاضي‏:‏ ولو أصاب لم يحتسب له لأنه إذا لم يحتسب عليه لم يحتسب له‏,‏ ولأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف الرمي الشديد فيخطئ يجوز أن تصرف السهم المخطئ عن خطئه فيقع مصيبا فتكون إصابته بالريح‏,‏ لا بحذق رميه فأما إن وقع السهم في حائل بينه وبين الغرض فمرقه وأصاب الغرض حسب له لأن إصابته لسداد رميه‏,‏ ومروقه لقوته فهو أولى من غيره وإن كانت الريح لينة خفيفة لا ترد السهم عادة‏,‏ لم يمنع لأن الجو لا يخلو من ريح ولأن الريح اللينة لا تؤثر إلا في الرمي الرخو الذي لا ينتفع به‏.‏

فصل‏:

وإن كان شرطهما خواسق والخاسق‏:‏ ما ثقب الغرض‏,‏ وثبت فيه فمتى أصاب الغرض بنصله وثبت فيه حسب له‏,‏ وإن خدشه ولم يثقبه لم يحتسب له وحسب به عليه‏,‏ وإن مرق منه احتسب له به لأن ذلك لقوة رميه فهو أبلغ من الخاسق وإن خرقه‏,‏ وهو أن يثقبه ويقع بين يديه ففيه وجهان أحدهما‏,‏ يحتسب له لأنه ثقب ثقبا يصلح للخسق وإنما لم يثبت السهم لسبب آخر من سعة الثقب أو غيره والثاني‏,‏ لا يحتسب له لأن شرطهما الخواسق والخاسق ما ثبت وثبوته يكون بحذق الرامي‏,‏ وقصده برميه ما اتفقا عليه فإن كان امتناع السهم من الثبوت لمصادفته ما يمنع الثبوت من حصاة أو حجر أو عظم‏,‏ أو أرض غليظة ففيه الوجهان إلا أنه إذا لم يحتسب له‏,‏ لم يعد عليه لأن العارض منعه من الثبوت فأشبه ما لو منعه عارض من الإصابة وإن اختلفا في وجود العارض نظرت‏,‏ فإن علم موضع الثقب باتفاقهما أو ببينة نظر في الموضع فإن لم يكن فيه ما يمنع فالقول قول المنكر‏,‏ وإن كان فيه ما يمنع فالقول قول المدعي ولا يمين لأن الحال تشهد بصدق ما ادعاه وإن لم يعلما موضع الثقب‏,‏ إلا أنهما اتفقا على أنه خرق الغرض ولم يكن وراءه شيء يمنع فالقول قول المنكر بغير يمين أيضا لأنه لا مانع وإن كان وراءه ما يمنع‏,‏ وادعى المصاب عليه أنه لم يكن السهم في موضع وراءه ما يمنع فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الإصابة مع احتمال ما يقوله المصيب وإن أنكر أن يكون خرق أيضا فالقول أيضا قوله مع يمينه لما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏

وإن شرطا خاسقا‏,‏ فوقع السهم في ثقب في الغرض أو موضع بال فنقبه وثبت في الهدف معلقا في الغرض نظرت فإن كان الهدف صليبا كصلابة الغرض فثبت فيه‏,‏ حسب له لأنه علم أن الغرض لو كان صحيحا لثبت فيه وإن كان الهدف ترابا أهيل لم يحتسب له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو أصاب موضعا منه قويا أو لا وإن صادف السهم في ثقب في الغرض قد ثبت في الهدف مع قطعة من الغرض‏,‏ فقال الرامي‏:‏ خسقت وهذه الجلدة قطعها سهمي لشدة الرمية فأنكر صاحبه وقال‏:‏ بل هي كانت مقطوعة فإن علم أن الغرض كان صحيحا‏,‏ فالقول قول الرامي وإن اختلفا فذكر القاضي أنها كالتي قبلها إن كان الهدف رخوا لم يعتد به‏,‏ وإن كان قويا صلبا اعتد به وإن وقع سهمه في سهم ثابت في الغرض‏,‏ اعتد له به وإن كان شرطهما خواسق لم يحتسب له به ولا عليه لأننا لا نعلم يقينا أنه لولا فوق السهم الثابت لخسق وإن أصاب السهم‏,‏ ثم سبح عنه فخسق احتسب له به‏.‏

فصل‏:

إذا قال رجل لآخر ‏:‏ ارم هذا السهم ، فإن أصبت به ، فلك درهم ‏.‏ صح ، وكان جعالة ؛ لأنه بذل مالا له في فعل له فيه غرض صحيح ، ولم يكن هذا نضالا ؛ لأن النضال يكون بين اثنين أو جماعة على أن يرموا جميعا ، ويكون الجعل لبعضهم إذا كان سابقا ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن أصبت به فلك درهم ، وإن أخطأت فعليك درهم ‏.‏ لم يصح ؛ لأنه قمار ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ارم عشرة أسهم ، فإن كان صوابك أكثر من خطئك ، فلك درهم ‏.‏ صح ؛ لأنه جعل الجعل في مقابلة الإصابة المعلومة ، فإن أكثر العشرة أقله ستة ، وليس ذلك بمجهول ؛ لأنه بالأقل يستحق الجعل ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن كان صوابك أكثر ، فلك بكل سهم أصبت به درهم ‏.‏ صح ‏.‏ وكذلك إن قال ‏:‏ ارم عشرة ، ولك بكل سهم أصبت به منها درهم ‏.‏ أو قال ‏:‏ فلك بكل سهم زائد على النصف من المصيبات درهم ‏.‏ لأن الجعل معلوم بتقديره بالإصابة ، فأشبه ما لو قال استق لي من هذا البئر ، ولك بكل دلو تمرة ‏.‏ أو قال ‏:‏ من رد عبدا من عبيدي ، فله بكل عبد درهم ‏.‏ وإن قال ‏:‏ وإن كان خطؤك أكثر ، فعليك درهم ‏.‏ أو نحو هذا ، لم يجز ؛ لأنه قمار ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ارم عشرة ، فإن أخطأتها فعليك درهم ‏.‏ أو نحو هذا ، لم يجز ؛ لأن الجعل يكون في مقابلة عمل ، ولم يوجد من القابل عمل يستحق به شيئا ‏.‏ ولو قال الرامي لأجنبي ‏:‏ إن أخطأت ، فلك درهم ‏.‏ لم يصح ؛ لذلك ‏.‏

فصل‏:‏

وإذا عقدا النضال‏,‏ ولم يذكرا قوسا فظاهر كلام القاضي أنه يصح‏,‏ ويستويان في القوس إما العربية وإما العجمية‏,‏ وقال غيره‏:‏ لا يصح حتى يذكرا نوع القوس الذي يرميان عليه في الابتداء لأن إطلاقه ربما أفضى إلى الاختلاف وقد أمكن التحرز عنه بالتعيين للنوع فيجب ذلك وإن اتفقا على أنهما يرميان بالنشاب في الابتداء‏,‏ صح وينصرف إلى الرمي بالقوس الأعجمية لأن سهامها هو المسمى بالنشاب وسهام العربية يسمى نبلا فإن عين نوعا من القسي‏,‏ لم يجز العدول عنها إلى غيرها لأن أحدهما قد يكون أحذق بالرمي بأحد النوعين دون الآخر وإن عينا قوسا بعينها لم تتعين لأنها قد تنكسر ويحتاج إلى إبدالها لأن الحذق لا يختلف باختلاف عين القوس‏,‏ بخلاف النوع وإن تناضلا على أن يرمي أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو أحدهما بقوس الزنبور‏,‏ والآخر بقوس الجرخ أو قوس الحسبان وهو قوس سهامه قصار‏,‏ يجعل في مجرى مثل القصبة ثم يرمي بها ففيها وجهان أحدهما‏,‏ يصح وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لأنهما نوعا جنس فصحت المسابقة مع اختلافهما‏,‏ كالخيل والإبل والثاني لا تصح المسابقة مع اختلافهما لأنهما يختلفان في الإصابة فجرى مجرى المسابقة بين جنسين وكذلك الحكم في المسابقة بين نوعي الخيل والإبل‏.‏

فصل‏:‏

وظاهر كلام أحمد إباحة الرمي بالقوس الفارسية ونص على جواز المسابقة بها‏,‏ وقال أبو بكر بن جعفر‏:‏ يكره لأنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه رأى مع رجل قوسا فارسية فقال‏:‏ ألقها فإنها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية‏,‏ وبرماح القنا فبها يؤيد الله الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض‏)‏ رواه الأثرم ولنا‏,‏ انعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها فإن ذلك جاز في أكثر الأعصار‏,‏ وهي التي يحصل الجهاد بها في عصرنا وأكثر الأعصار المتقدمة وأما الخبر فيحتمل أنه لعنها لأن حملتها في ذلك العصر العجم ولم يكونوا أسلموا بعد‏,‏ ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها ولهذا أمر برماح القنا ولو حمل إنسان رمحا غيرها لم يكن مذموما وحكى أحمد‏,‏ أن قوما استدلوا على القسي الفارسية بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‏}‏ يعني أن هذا مما استطاعه من القوة فيدخل في عموم الآية‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا يجوز إذا أرسل الفرسان أن يجنب أحدهما إلى فرسه فرسا يحرضه على العدو‏,‏ ولا يصيح به وقت سباقه لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا جنب ولا جلب‏)‏ ‏]‏

معنى الجنب أن يجنب المسابق إلى فرسه فرسا لا راكب عليه يحرض الذي تحته على العدو‏,‏ ويحثه عليه هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي‏:‏ معناه أن يجنب فرسا يتحول عند الغاية عليه لكونها أقل كلالا وإعياء قال ابن المنذر‏:‏ كذا قيل ولا أحسب هذا يصح لأن الفرس التي يسابق عليها لا بد من تعيينها فإن كانت التي يتحول عنها‏,‏ فما حصل السبق بها وإن كانت التي يتحول إليها فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة‏,‏ ومن شرط السباق ذلك ولأن هذا متى احتاج إلى التحول والاشتغال به فربما سبق باشتغاله‏,‏ لا سرعة غيره ولأن المقصود معرفة عدو الفرس في الحلبة كلها فمتى كان إنما يركبه في آخر الحلبة‏,‏ فما حصل المقصود وأما الجلب فهو أن يتبع الرجل فرسه يركض خلفه‏,‏ ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه بذلك على العدو هكذا فسره مالك وقال قتادة‏:‏ الجلب والجنب في الرهان وروي عن أبي عبيد كقول مالك وحكي عنه‏,‏ أن معنى الجلب أن يحشر الساعي أهل الماشية ليصدقهم قال‏:‏ فلا يفعل ليأتهم على مياههم فيصدقهم والتفسير الأول هو الصحيح لما روى عمران بن حصين‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا جلب ولا جنب في الرهان‏)‏ رواه أبو داود وفي حديث علي في السباق وفي آخره‏:‏ ‏(‏ولا جلب ولا جنب‏,‏ ولا شغار في الإسلام‏)‏ ويروى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا‏)‏‏.‏