فصل: باب القسامة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب القسامة‏:‏

القسامة‏:‏ مصدر أقسم قسما وقسامة ومعناه حلف حلفا والمراد بالقسامة ها هنا الأيمان المكررة في دعوى القتل قال القاضي‏:‏ هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة قال‏:‏ وأهل اللغة يذهبون إلى أنها القوم الذين يحلفون سموا باسم المصدر‏,‏ كما يقال‏:‏ رجل زور وعدل ورضي وأي الأمرين كان فهو من القسم الذي هو الحلف والأصل في القسامة ما روي يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار‏,‏ عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج ‏(‏أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا إلى خيبر فتفرقا في النخيل‏,‏ فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن‏,‏ وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ كبر كبر أو قال‏:‏ ليبدأ الأكبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته فقالوا‏:‏ أمر لم نشهده‏,‏ كيف نحلف‏؟‏ قال‏:‏ فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله قوم كفار ضلال قال‏:‏ فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبله قال سهل‏:‏ فدخلت مربدا لهم فركضتني ناقة من تلك الإبل‏)‏ متفق عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم‏,‏ -رحمه الله-‏:‏ ‏[‏وإذا وجد قتيل فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولم يكن لهم بينة‏,‏ لم يحكم لهم بيمين ولا غيرها‏]‏

الكلام في هذه المسألة‏:‏ في فصلين‏:‏

الفصل الأول‏:‏

في أنه إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه قتله على رجل‏,‏ أو جماعة ولم تكن بينهم عداوة ولا لوث‏,‏ فهي كسائر الدعاوى إن كانت لهم بينة حكم لهم بها‏,‏ وإلا فالقول قول المنكر وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ إذا ادعى أولياؤه قتله على أهل المحلة‏,‏ أو على معين فللولى أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا‏:‏ والله ما قتلناه‏,‏ ولا علمنا قاتله فإن نقصوا على الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم فإذا حلفوا‏,‏ وجبت الدية على باقى الخطة فإن لم يكن وجبت على سكان الموضع‏,‏ فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا لما روي أن رجلا وجد قتيلا بين حيين‏,‏ فحلفهم عمر رضي الله عنه خمسين يمينا وقضى بالدية على أقربهما يعني أقرب الحيين فقالوا‏:‏ والله ما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا أيماننا‏,‏ فقال عمر‏:‏ حقنتم بأموالكم دماءكم ولنا حديث عبد الله بن سهل وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لو أعطى الناس بدعواهم‏,‏ لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه‏)‏ رواه مسلم وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏البينة على المدعي واليمين على من أنكر‏)‏ ولأن الأصل في المدعى عليه براءة ذمته‏,‏ ولم يظهر كذبه فكان القول قوله كسائر الدعاوى‏,‏ ولأنه مدعى عليه فلم تلزمه اليمين والغرم كسائر الدعاوى‏,‏ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى من قول عمر وأحق بالاتباع ثم قصة عمر يحتمل أنهم اعترفوا بالقتل خطأ‏,‏ وأنكروا العمد فأحلفوا على العمد ثم إنهم لا يعملون بخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- المخالف للأصول‏,‏ وقد صاروا ها هنا إلى ظاهر قول عمر المخالف للأصول وهو إيجاب الأيمان على غير المدعى عليه وإلزامهم الغرم مع عدم الدعوى عليهم‏,‏ والجمع بين تحليفهم وتغريمهم وحبسهم على الأيمان قال ابن المنذر‏:‏ سن النبي -صلى الله عليه وسلم- البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر‏,‏ وقول أصحاب الرأي خارج عن هذه السنن‏.‏

فصل‏:‏

ولا تسمع الدعوى على غير المعين فلو كانت الدعوى على أهل مدينة أو محلة أو واحد غير معين‏,‏ أو جماعة منهم بغير أعيانهم لم تسمع الدعوى وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ تسمع ويستحلف خمسون منهم لأن الأنصار ادعوا القتل على يهود خيبر‏,‏ ولم يعينوا القاتل فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعواهم ولنا أنها دعوى في حق‏,‏ فلم تسمع على غير معين كسائر الدعاوى فأما الخبر فإن دعوى الأنصار التي سمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم تكن الدعوى التي بين الخصمين المختلف فيها‏,‏ فإن تلك من شرطها حضور المدعى عليه عندهم أو تعذر حضوره عندنا وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الدعوى لا تصح إلا على واحد‏,‏ بقوله‏:‏ ‏(‏تقسمون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته‏)‏ وفي هذا بيان أن الدعوى لا تصح على غير معين‏.‏

فصل‏:‏

فأما إن ادعى القتل من غير وجود قتل ولا عداوة فحكمها حكم سائر الدعاوى‏,‏ في اشتراط تعيين المدعى عليه وأن القول قوله لا نعلم فيه خلافا‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

إنه إذا ادعى القتل ولم تكن عداوة‏,‏ ولا لوث ففيه عن أحمد روايتان إحداهما لا يحلف المدعى عليه‏,‏ ولا يحكم عليه بشيء ويخلى سبيله هذا الذي ذكره الخرقي ها هنا وسواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله‏,‏ فلم يستحلف فيها كالحدود ولأنه لا يقضى في هذه الدعوى بالنكول‏,‏ فلم يستحلف فيها كالحدود والثانية‏,‏ يستحلف وهو الصحيح وهو قول الشافعي لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏اليمين على المدعى عليه‏)‏ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم‏,‏ ولكن اليمين على المدعى عليه‏)‏ ظاهر في إيجاب اليمين ها هنا لوجهين أحدهما عموم اللفظ فيه والثاني‏:‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكره في صدر الخبر بقوله‏:‏ ‏(‏لادعى قوم دماء رجال وأموالهم‏)‏ ثم عقبه بقوله‏:‏ ‏(‏ولكن اليمين على المدعى عليه‏)‏ فيعود إلى المدعى عليه المذكور في الحديث‏,‏ ولا يجوز إخراجه منه إلا بدليل أقوى منه ولأنها دعوى في حق آدمي فيستحلف فيها‏,‏ كدعوى المال ولأنها دعوى لو أقر بها لم يقبل رجوعه عنها فتجب اليمين فيها‏,‏ كالأصل المذكور إذا ثبت هذا فالمشروع يمين واحدة وعن أحمد أنه يشرع خمسون يمينا لأنها دعوى في القتل‏,‏ فكان المشروع فيها خمسين يمينا كما لو كان بينهم لوث وللشافعي قولان في هذا كالروايتين ولنا‏,‏ أن قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ولكن اليمين على المدعى عليه‏)‏ ظاهر في أنها يمين واحدة من وجهين أحدهما أنه وحد اليمين فينصرف إلى واحدة والثاني‏:‏ أنه لم يفرق في اليمين المشروعة‏,‏ فيدل على التسوية بين المشروعة في الدم والمال ولأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل فلم تغلظ‏,‏ كسائر الأيمان ولأنها يمين مشروعة في جنبة المدعى عليه ابتداء فلم تغلظ بالتكرير كسائر الأيمان‏,‏ وبهذا فارق ما ذكروه فإن نكل المدعى عليه عن اليمين لم يجب القصاص بغير خلاف في المذهب وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إن نكل المدعى عليه‏,‏ ردت اليمين على المدعى فحلف خمسين يمينا واستحق القصاص إن كانت الدعوى عمدا‏,‏ والدية إن كانت موجبة للقتل لأن يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالبينة أو الإقرار والقصاص يجب بكل واحد منهما ولنا أن القتل لم يثبت ببينة ولا إقرار‏,‏ ولم يعضده لوث فلم يجب القصاص كما لو لم ينكل‏,‏ ولا يصح إلحاق الأيمان مع النكول ببينة ولا إقرار لأنها أضعف منها بدليل أنه لا يشرع إلا عند عدمهما فيكون بدلا عنهما‏,‏ والبدل أضعف من المبدل ولا يلزم من ثبوت الحكم بالأقوى ثبوته بالأضعف‏,‏ ولا يلزم من وجوب الدية وجوب القصاص لأنه لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال ولا بالشاهد واليمين‏,‏ ويحتاط له ويدرأ بالشبهات والدية بخلافه فأما الدية فتثبت بالنكول عند من يثبت المال به‏,‏ أو ترد اليمين على المدعى فيحلف يمينا واحدة ويستحقها‏,‏ كما لو كانت الدعوى في مال والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏فإن كان بينهم عداوة ولوث فادعى أولياؤه على واحد‏,‏ حلف الأولياء على قاتله خمسين يمينا واستحقوا دمه إذا كانت الدعوى عمدا‏]‏

الكلام في هذه المسألة‏:‏ في فصول أربعة‏:‏

الفصل الأول‏:‏

في اللوث المشترط في القسامة واختلفت الرواية عن أحمد فيه‏,‏ فروي عنه أن اللوث هو العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه كنحو ما بين الأنصار ويهود خيبر وما بين القبائل‏,‏ والأحياء وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب وما بين أهل البغي وأهل العدل‏,‏ وما بين الشرطة واللصوص وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله نقل مهنا عن أحمد فيمن وجد قتيلا في المسجد الحرام‏,‏ ينظر من بينه وبينه في حياته شيء يعني ضغنا يؤخذون به ولم يذكر القاضي في اللوث غير العداوة إلا أنه قال في الفريقين يقتتلان فينكشفون عن قتيل فاللوث على الطائفة واللوث على طائفة القتيل التي القتيل من غيرها‏,‏ سواء كان القتلى بالتحام أو مراماة بالسهام وإن لم تبلغ السهام فاللوث إذا ثبت هذا‏,‏ فإنه لا يشترط مع العداوة أن لا يكون في الموضع الذي به القتيل غير العدو نص عليه أحمد في رواية مهنا التي ذكرناها وكلام الخرقي يدل عليه أيضا واشترط القاضي أن يوجد القتيل في موضع عدو لا يختلط بهم غيرهم وهذا مذهب الشافعي لأن الأنصاري قتل في خيبر ولم يكن فيها إلا اليهود وجميعهم أعداء ولأنه متى اختلط بهم غيرهم‏,‏ احتمل أن يكون القاتل ذلك الغير ثم ناقض القاضي قوله فقال في قوم ازدحموا في مضيق فافترقوا عن قتيل‏:‏ إن كان في القوم من بينه وبينهم عداوة‏,‏ وأمكن أن يكون هو قتله لكونه بقربه فهو لوث فجعل العداوة لوثا مع وجود غير العدو ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسأل الأنصار‏:‏ هل كان بخيبر غير اليهود أم لا‏؟‏ مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكا للمسلمين‏,‏ يقصدونها لأخذ غلات أملاكهم منها وعمارتها والاطلاع عليها‏,‏ والامتيار منها ويبعد أن تكون مدينة على جادة تخلو من غير أهلها وقول الأنصار‏:‏ ليس لنا بخيبر عدو إلا يهود يدل على أنه قد كان بها غيرهم ممن ليس بعدو ولأن اشتراكهم في العداوة لا يمنع من وجود اللوث في حق واحد‏,‏ وتخصيصه بالدعوى مع مشاركة غيره في احتمال قتله فلأن لا يمنع ذلك وجود من يبعد منه القتل أولى وما ذكروه من الاحتمال لا ينفي اللوث فإن اللوث لا يشترط فيه يقين القتل من المدعى عليه‏,‏ ولا ينافيه الاحتمال ولو تيقن القتل من المدعى عليه لما احتيج إلى الأيمان‏,‏ ولو اشترط نفي الاحتمال لما صحت الدعوى على واحد من جماعة لأنه يحتمل أن القاتل غيره ولا على الجماعة كلهم لأنه يحتمل أن لا يشترك الجميع في قتله والرواية الثانية عن أحمد‏,‏ أن اللوث ما يغلب على الظن صدق المدعي وذلك في دار أو غيرها من وجوه أحدها‏,‏ العداوة المذكورة والثاني‏:‏ أن يتفرق جماعة عن قتيل فيكون ذلك لوثا في حق كل واحد منهم فإن ادعى الولي على واحد فأنكر كونه مع الجماعة‏,‏ فالقول قوله مع يمينه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن الأصل عدم ذلك إلا أن يثبت ببينة الثالث‏:‏ أن يزدحم الناس في مضيق فيوجد فيهم قتيل‏,‏ فظاهر كلام أحمد أن هذا ليس بلوث فإنه قال فيمن مات بالزحام يوم الجمعة‏:‏ فديته في بيت المال وهذا قول إسحاق وروي ذلك عن عمر وعلي فإن سعيدا روى في ‏"‏ سننه ‏"‏‏,‏ عن إبراهيم قال‏:‏ قتل رجل في زحام الناس بعرفة فجاء أهله إلى عمر‏,‏ فقال‏:‏ بينتكم على من قتله فقال علي‏:‏ يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرئ مسلم إن علمت قاتله‏,‏ وإلا فأعط ديته من بيت المال وقال أحمد فيمن وجد مقتولا في المسجد الحرام‏:‏ ينظر من كان بينه وبينه شيء في حياته يعني عداوة يؤخذون فلم يجعل الحضور لوثا وإنما جعل اللوث العداوة وقال الحسن‏,‏ والزهري فيمن مات في الزحام‏:‏ ديته على من حضر لأن قتله حصل منهم وقال مالك‏:‏ دمه هدر لأنه لا يعلم له قاتل ولا وجد لوث فيحكم بالقسامة وقد روي عن عمر بن عبد العزيز‏,‏ أنه كتب إليه في رجل وجد قتيلا لم يعرف قاتله فكتب إليهم‏:‏ إن من القضايا قضايا لا يحكم فيها إلا في الدار الآخرة‏,‏ وهذا منها الرابع أن يوجد قتيل لا يوجد بقربه إلا رجل معه سيف أو سكين ملطخ بالدم ولا يوجد غيره ممن يغلب على الظن أنه قتله‏,‏ مثل أن يرى رجلا هاربا يحتمل أنه القاتل أو سبعا يحتمل ذلك فيه الخامس‏:‏ أن يقتتل فئتان فيفترقون عن قتيل من إحداهما فاللوث على الأخرى ذكره القاضي فإن كانوا بحيث لا تصل سهام بعضهم بعضا‏,‏ فاللوث على طائفة القتيل هذا قول الشافعي وروي عن أحمد أن عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان إلا أن يدعوا على واحد بعينه وهذا قول مالك وقال ابن أبي ليلى‏:‏ على الفريقين جميعا لأنه يحتمل أنه مات من فعل أصحابه‏,‏ فاستوى الجميع فيه وعن أحمد في قوم اقتتلوا فقتل بعضهم وجرح بعضهم‏:‏ فدية المقتولين على المجروحين‏,‏ تسقط منها دية الجراح وإن كان فيهم من لا جرح فيه فهل عليه من الديات شيء‏؟‏ على وجهين ذكرهما ابن حامد السادس‏,‏ أن يشهد بالقتل عبيد أو نساء فهذا فيه عن أحمد روايتان إحداهما أنه لوث لأنه يغلب على الظن صدق المدعي في دعواه‏,‏ فأشبه العداوة والثانية ليس بلوث لأنها شهادة مردودة فلم تكن لوثا‏,‏ كما لو شهد به كفار وإن شهد به فساق أو صبيان فهل يكون لوثا‏؟‏ على وجهين أحدهما ليس بلوث لأنه لا يتعلق بشهادتهم حكم‏,‏ فلا يثبت اللوث بها كشهادة الأطفال والمجانين والثاني‏:‏ يثبت بها اللوث لأنها شهادة تغلب على الظن صدق المدعي فأشبه شهادة النساء والعبيد‏,‏ وقول الصبيان معتبر في الإذن في دخول الدار وقبول الهدية ونحوها وهذا مذهب الشافعي ويعتبر أن يجيء الصبيان متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب فهذه الوجوه قد ذكر عن أحمد‏,‏ أنها لوث لأنها تغلب على الظن صدق المدعي أشبهت العداوة وروي أن هذا ليس بلوث وهو ظاهر كلامه في الذي قتل في الزحام لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة بقضية الأنصاري القتيل بخيبر‏,‏ ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم ثبت بالمظنة ولا يجوز القياس في المظان لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه والقياس في المظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون‏,‏ والحكم والظنون تختلف ولا تأتلف وتنخبط ولا تنضبط وتختلف باختلاف القرائن والأحوال والأشخاص‏,‏ فلا يمكن ربط الحكم بها ولا تعديته بتعديها ولأنها يعتبر في التعدية والقياس التساوي بين الأصل والفرع في المقتضي‏,‏ ولا سبيل إلى يقين التساوي بين الظنين مع كثرة الاحتمالات وترددها فعلى هذه الرواية حكم هذه الصور حكم غيرها‏,‏ مما لا لوث فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإن شهد رجلان على رجل أنه قتل أحد هذين القتيلين لم تثبت هذه الشهادة ولم يكن لوثا عند أحد علمائنا قوله‏:‏ وإن شهدا أن هذا القتيل قتله أحد هذين الرجلين‏,‏ أو شهد أحدهما أن هذا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو شهد أحدهما أن هذا قتله بسيف‏,‏ وشهد الآخر أنه قتله بسكين لم تثبت الشهادة ولم تكن لوثا هذا قول القاضي واختياره والمنصوص عن أحمد‏,‏ فيما إذا شهد أحدهما بقتله والآخر بالإقرار بقتله أنه يثبت القتل واختار أبو بكر ثبوت القتل ها هنا‏,‏ وفيما إذا شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لأنهما اتفقا على القتل واختلفا في صفته وقال الشافعي‏:‏ هو لوث في هذه الصورة في أحد القولين‏,‏ وفي الصورتين اللتين قبلها هو لوث لأنها شهادة تغلب على الظن صدق المدعي أشبهت شهادة النساء والعبيد ولنا أنها شهادة مردودة للاختلاف فيها‏,‏ فلم تكن لوثا كالصورة الأولى‏.‏

فصل‏:‏

وليس من شرط اللوث أن يكون بالقتيل أثر وبهذا قال مالك والشافعي وعن أحمد‏:‏ أنه شرط وهذا قول حماد‏,‏ وأبي حنيفة والثوري لأنه إذا لم يكن به أثر احتمل أنه مات حتف أنفه ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسأل الأنصار‏,‏ هل كان بقتيلهم أثر أو لا‏؟‏ ولأن القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه والخنق‏,‏ وعصر الخصيتين وضربة الفؤاد فأشبه من به أثر‏,‏ ومن به أثر قد يموت حتف أنفه لسقطته أو صرعته أو يقتل نفسه فعلى قول من اعتبر الأثر‏,‏ إن خرج الدم من أذنه فهو لوث لأنه لا يكون إلا بالخنق له أو أمر أصيب به‏,‏ وإن خرج من أنفه فهل يكون لوثا‏؟‏ على وجهين‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

أن القسامة لا تثبت ما لم يتفق الأولياء على الدعوى فإن كذب بعضهم بعضا‏,‏ فقال أحدهم‏:‏ قتله هذا وقال الآخر‏:‏ لم يقتله هذا أو قال‏:‏ بل قتله هذا الآخر لم تثبت القسامة نص عليه أحمد وسواء كان المكذب عدلا أو فاسقا وذكر عن الشافعي أن القسامة لا تبطل بتكذيب الفاسق لأن قوله غير مقبول ولنا أنه مقر على نفسه بتبرئة من ادعى عليه أخوه‏,‏ فقبل كما لو ادعى دينا لهما وإنما لا يقبل قوله على غيره‏,‏ فأما على نفسه فهو كالعدل لأنه لا يتهم في حقها فأما إن لم يكذبه ولم يوافقه في الدعوى‏,‏ مثل أن قال أحدهما قتله هذا وقال الآخر‏:‏ لا نعلم قاتله فظاهر كلام الخرقي أن القسامة لا تثبت لاشتراطه ادعاء الأولياء على واحد وهذا قول مالك وكذلك إن كان أحد الوليين غائبا فادعى الحاضر دون الغائب‏,‏ أو ادعيا جميعا على واحد ونكل أحدهما عن الأيمان لم يثبت القتل‏,‏ في قياس قول الخرقي ومقتضى قول أبي بكر والقاضي ثبوت القسامة وكذلك مذهب الشافعي لأن أحدهما لم يكذب الآخر فلم تبطل القسامة‏,‏ كما لو كان أحد الوارثين امرأة أو صغيرا فعلى قولهم يحلف المدعى خمسين يمينا‏,‏ ويستحق نصف الدية لأن الأيمان ها هنا بمنزلة البينة ولا يثبت شيء من الحق إلا بعد كمال البينة فأشبه ما لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما‏,‏ فإنه لا يستحق نصيبه من الدين إلا أن يقيم بينة كاملة وذكر أبو الخطاب فيما إذا كان أحدهما غائبا أن الأول فيه وجهان أحدهما‏,‏ أنه يحلف خمسا وعشرين يمينا وهذا قول ابن حامد لأن الأيمان مقسومة عليه وعلى أخيه بدليل ما لو كانا حاضرين متفقين في الدعوى‏,‏ ولا يحلف الإنسان عن غيره فلا يلزمه أكثر من حصته فإذا حضر الغائب أقسم خمسة وعشرين يمينا وجها واحدا لأنه يبني على أيمان أخيه وذكر أبو بكر والقاضي في نظير هذه المسألة‏:‏ أن الأول يحلف خمسين يمينا‏,‏ وهل يحلف الثاني خمسين أو خمسة وعشرين‏؟‏ على وجهين أحدهما يقول يحلف خمسين لأن أخاه لم يستحق إلا بخمسين فكذلك هو ولنا‏,‏ أنهما لم يتفقا في الدعوى فلم تثبت القسامة كما لو كذبه ولأن الحق في محل الوفاق‏,‏ إنما يثبت بأيمانهما التي أقيمت مقام البينة ولا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الآخر في الأيمان كما في سائر الدعاوى فعلى هذا‏,‏ إن قدم الغائب فوافق أخاه أو عاد من لم يعلم‏,‏ فقال‏:‏ قد عرفته هو الذي عينه أخي أقسما حينئذ وإن قال أحدهما‏:‏ قتله هذا وقال الآخر‏:‏ قتله هذا وفلان فعلى قول الخرقي لا تثبت القسامة لأنها لا تكون إلا على واحد وعلى قول غيره‏,‏ يحلفان على من اتفقا عليه ويستحقان نصف الدية ولا يجب القود لأنه إنما يجب في الدعوى على واحد‏,‏ ويحلفان جميعا على هذا الذي اتفقا عليه على حسب دعواهما ويستحقان نصف الدية ولا يجب أكثر من نصف الدية لأن أحدهما يكذب الآخر في النصف الآخر‏,‏ فبقي اللوث في حقه في نصف الدم الذي اتفقا عليه ولم يثبت في النصف الذي كذبه أخوه فيه ولا يحلف الآخر على الآخر لأن أخاه كذبه في دعواه عليه وإن قال أحدهما‏:‏ قتل أبي زيد وآخر لا أعرفه وقال الآخر‏:‏ قتله عمرو وآخر لا أعرفه لم تثبت القسامة‏,‏ في ظاهر قول الخرقي لأنها لا تكون إلا على واحد ولأنهما ما اتفقا في الدعوى على واحد ولا يمكن أن يحلفا على من لم يتفقا في الدعوى عليه‏,‏ والحق إنما ثبت في محل الوفاق بأيمان الجميع فكيف يثبت في الفرع بأيمان البعض‏؟‏ وقال أبو بكر والقاضي‏:‏ تثبت القسامة وهذا مذهب الشافعي لأنه ليس ها هنا تكذيب‏,‏ فإنه يجوز أن يكون الذي جهله كل واحد منهما هو الذي عرفه أخوه فيحلف كل واحد منهما على الذي عينه خمسين يمينا‏,‏ ويستحق ربع الدية فإن عاد كل واحد منهما فقال‏:‏ قد عرفت الذي جهله‏,‏ وهو الذي عينه أخي حلف أيضا على الذي حلف عليه أخوه وأخذ منه ربع الدية ويحلف خمسة وعشرين يمينا لأنه يبني على أيمان أخيه‏,‏ فلم يلزمه أكثر من خمسة وعشرين كما لو عرفه ابتداء وفيه وجه آخر أنه يحلف خمسين يمينا لأن أخاه حلف خمسين يمينا‏,‏ وللشافعي في هذا قولان كالوجهين ويجيء في المسألة‏:‏ وجه آخر وهو أن الأول لا يحلف أكثر من خمسة وعشرين يمينا لأنه إنما يحلف على ما يستحقه والذي يستحقه النصف‏,‏ فيكون عليه نصف الأيمان كما لو حلف أخوه معه وإن قال كل واحد منهما‏:‏ الذي كنت جهلته غير الذي عينه أخي بطلت القسامة التي أقسماها لأن التكذيب يقدح في اللوث فيرد كل واحد منهما ما أخذ من الدية وإن كذب أحدهما أخاه ولم يكذبه الآخر‏,‏ بطلت قسامة المكذب دون الذي لم يكذب‏.‏

فصل‏:‏

إن قال الولي بعد القسامة‏:‏ غلطت ما هذا الذي قتله أو‏:‏ ظلمته بدعواي القتل عليه أو قال‏:‏ كان هذا المدعى عليه في بلد آخر يوم قتل وليي وكان بينهما بعد لا يمكن أن يقتله إذا كان فيه بطلت القسامة‏,‏ ولزمه رد ما أخذه لأنه مقر على نفسه فقبل إقراره وإن قال‏:‏ ما أخذته حرام سئل عن ذلك فإن قال‏:‏ أردت أنني كذبت في دعواي عليه بطلت قسامته أيضا وإن قال‏:‏ أردت أن الأيمان تكون في جنبة المدعى عليه‏,‏ كمذهب أبي حنيفة لم تبطل القسامة لأنها ثبتت باجتهاد الحاكم فيقدم على اعتقاده وإن قال‏:‏ هذا مغصوب وأقر بمن غصب منه‏,‏ لزمه رده عليه ولا يقبل قوله على من أخذه منه لأن الإنسان لا يقبل إقراره على غيره وإن لم يقر به لأحد لم ترفع يده عنه لأنه لم يتعين مستحقه وإن اختلفا في مراده بقوله‏,‏ فالقول قوله لأنه أعرف بقصده‏.‏

فصل‏:‏

وإن أقام المدعى عليه بينة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول لا يمكن مجيئه منه إليه في يوم واحد بطلت الدعوى وإن قالت البينة‏:‏ نشهد أن فلانا لم يقتله لم تسمع هذه الشهادة لأنه نفي مجرد فإن قالا‏:‏ ما قتله فلان‏,‏ بل قتله فلان سمعت لأنها شهدت بإثبات تضمن النفي فسمعت كما لو قالت‏:‏ ما قتله فلان لأنه كان يوم القتل في بلد بعيد‏.‏

فصل‏:‏

فإن جاء رجل‏,‏ فقال‏:‏ ما قتله هذا المدعى عليه بل أنا قتلته فكذبه الولي لم تبطل دعواه‏,‏ وله القسامة ولا يلزمه رد الدية إن كان أخذها لأنه قول واحد ولا يلزم المقر شيء لأنه أقر لمن يكذبه وإن صدقه الولي‏,‏ أو طالبه بموجب القتل لزمه رد ما أخذه وبطلت دعواه على الأول لأن ذلك جرى مجرى الإقرار ببطلان الدعوى وهل له مطالبة المقر‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ له مطالبته لأنه أقر له بحق فملك مطالبته به كسائر الحقوق والثاني‏:‏ ليس له مطالبته لأن دعواه على الأول انفراده بالقتل إبراء لغيره‏,‏ فلا يملك مطالبة من أبرأه والمنصوص عن أحمد -رحمه الله- أنه يسقط القود عنهما‏,‏ وله مطالبة الثاني بالدية فإنه قال في رجل شهد عليه شاهدان بالقتل‏,‏ فأخذ ليقاد منه فجاء رجل فقال‏:‏ ما قتله هذا‏,‏ أنا قتلته‏:‏ فالقود يسقط عنهما والدية على الثاني ووجه ذلك ما روي أن رجلا ذبح رجلا في خربة‏,‏ وتركه وهرب وكان قصاب قد ذبح شاة وأراد ذبح أخرى‏,‏ فهربت منه إلى الخربة فتبعها حتى وقف على القتيل والسكين بيده ملطخة بالدم‏,‏ فأخذ على تلك الحال وجيء به إلى عمر رضي الله عنه فأمر بقتله فقال القاتل في نفسه‏:‏ يا ويله‏,‏ قتلت نفسا ويقتل بسببي آخر فقام فقال‏:‏ أنا قتلته ولم يقتله هذا فقال عمر‏:‏ إن كان قد قتل نفسا فقد أحيا نفسا ودرأ عنه القصاص ولأن الدعوى على الأول شبهة في درء القصاص عن الثاني‏:‏ وتجب الدية عليه لإقراره بالقتل الموجب لها وهذا القول أصح وأعدل‏,‏ مع شهادة الأثر بصحته‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

أن الأولياء إذا ادعوا القتل على من بينه وبين القتيل لوث شرعت اليمين في حق المدعين أولا فيحلفون خمسين يمينا على المدعى عليه أنه قتله‏,‏ وثبت حقهم قبله فإن لم يحلفوا استحلف المدعى عليه خمسين يمينا‏,‏ وبرئ وبهذا قال يحيى بن سعيد وربيعة وأبو الزناد‏,‏ ومالك والشافعي وقال الحسن‏:‏ يستحلف المدعى عليهم أولا خمسين يمينا ويبرءون فإن أبوا أن يحلفوا‏,‏ استحلف خمسون من المدعين أن حقنا قبلكم ثم يعطون الدية لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ولكن اليمين على المدعى عليه‏)‏ رواه مسلم وفي لفظ‏:‏ ‏(‏البينة على المدعي‏,‏ واليمين على المدعى عليه‏)‏ رواه الشافعي في ‏"‏ مسنده ‏"‏ وروى أبو داود بإسناده عن سليمان بن يسار‏,‏ عن رجال من الأنصار ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لليهود وبدأ بهم‏:‏ يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار‏:‏ استحقوا قالوا‏:‏ نحلف على الغيب يا رسول الله فجعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على اليهود‏)‏ لأنه وجد بين أظهرهم ولأنها يمين في دعوى‏,‏ فوجبت في جانب المدعى عليه ابتداء كسائر الدعاوى وقال الشعبي والنخعي والثوري‏,‏ وأصحاب الرأي‏:‏ يستحلف خمسون رجلا من أهل المحلة التي وجد فيها القتيل بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتلا‏,‏ ويغرمون الدية لقضاء عمر بذلك ولم نعرف له في الصحابة مخالفا فكان إجماعا وتكلموا في حديث سهل بما روى أبو داود‏,‏ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد بن قبطي أحد بني حارثة قال محمد بن إبراهيم‏:‏ وايم الله‏,‏ ما كان سهل بأعلم منه ولكنه كان أسن منه قال‏:‏ والله ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏احلفوا على ما لا علم لكم به‏,‏ ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار‏:‏ إنه وجد بين أبياتكم قتيل فدوه فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عنده‏)‏ ولنا حديث سهل‏,‏ وهو صحيح متفق عليه ورواه مالك في ‏"‏ موطئه ‏"‏‏,‏ وعمل به وما عارضه من الحديث لا يصح لوجوه أحدها أنه نفى فلا يرد به قول المثبت والثاني‏:‏ أن سهلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاهد القصة‏,‏ وعرفها حتى إنه قال‏:‏ ركضتني ناقة من تلك الإبل والآخر يقول برأيه وظنه من غير أن يرويه عن أحد‏,‏ ولا حضر القصة والثالث‏:‏ أن حديثنا مخرج في الصحيحين متفق عليه وحديثهم بخلافه الرابع‏,‏ أنهم لا يعملون بحديثهم ولا حديثنا فكيف يحتجون بما هو حجة عليهم فيما خالفوه فيه‏,‏ وحديث سليمان بن يسار عن رجال من الأنصار ولم يذكر لهم صحبة‏,‏ فهو أدنى لهم من حديث محمد بن إبراهيم وقد خالف الحديثين جميعا فكيف يجوز أن يعتمد عليه‏,‏ وحديث‏:‏ ‏(‏اليمين على المدعى عليه‏)‏ لم ترد به هذه القصة لأنه يدل على أن الناس لا يعطون بدعواهم وها هنا قد أعطوا بدعواهم على أن حديثنا أخص منه‏,‏ فيجب تقديمه ثم هو حجة عليهم لكون المدعين أعطوا بمجرد دعواهم من غير بينة ولا يمين منهم وقد رواه ابن عبد البر‏,‏ بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة‏)‏ وهذه الزيادة يتعين العمل بها‏,‏ لأن الزيادة من الثقة مقبولة ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان إذا ثبت هذا فإن أيمان القسامة خمسون مرددة‏,‏ على ما جاءت به الأحاديث الصحيحة وأجمع عليه أهل العلم لا نعلم أحدا خالف فيه‏.‏

الفصل الرابع‏:‏

أن الأولياء إذا حلفوا استحقوا القود، إذا كانت الدعوى عمدا، إلا أن يمنع منه مانع، روي ذلك عن ابن الزبير، وعن عمر بن عبد العزيز‏.‏ وبه قال مالك، وأبو ثور، وابن المنذر‏.‏ وعن معاوية، وابن عباس، والحسن، وإسحاق‏:‏ لا تجب بها الدية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود‏:‏ (إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب من الله)‏‏.‏ ولأن أيمان المدعين إنما هي بغلبة الظن، وحكم الظاهر، فلا يجوز إشاطة الدم بها؛ لقيام الشبهة المتمكنة منها، ولأنها حجة لا يثبت بها النكاح، ولا يجب بها القصاص، كالشاهد واليمين‏.‏ وللشافعي قولان، كالمذهبين‏.‏ ولنا، قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته)‏.‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ‏(‏فيسلم إليكم‏).‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏وتستحقون دم صاحبكم‏) وأراد دم القاتل؛ لأن دم القتيل ثابت لهم قبل اليمين‏.‏ والرمة‏:‏ الحبل الذي يربط به من عليه القود‏.‏ ولأنها حجة يثبت بها العمد، فيجب بها القود، كالبينة‏.‏ وقد روى الأثرم، بإسناده عن عامر الأحول، (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة الطائفة).‏ وهذا نص‏.‏ ولأن الشارع جعل القول قول المدعي مع يمينه، احتياطا للدم، فإن لم يجب القود، سقط هذا المعنى‏.‏