فصل: فصل: مالك المنفعة لا يملك رقبتها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وليس لواحد منهما تزويجها لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها‏,‏ ومالك الرقبة لا يملك تزويجها لما فيه من ضرر صاحب المنفعة بتزويجها فإن طلبت ذلك لزم تزويجها لأنه لحقها‏,‏ وحقها في ذلك مقدم عليها بدليل أنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ونفعها أجبر عليه‏,‏ وقدم حقها على حقه وكذلك إن اتفقا على تزويجها قبل طلبها جاز ووليها في الموضعين مالك رقبتها لأنه مالكها والكلام في مهرها وولدها‏,‏ على ما تقدم في الفصل الذي قبله‏.‏

فصل‏:‏

وإن قتل العبد الموصي بنفعه وجبت قيمته يشتري بها ما يقوم مقام الموصي به لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها‏,‏ إذا لم يبطل سبب استحقاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن سبب الاستحقاق يبطل بتلفهما ويحتمل أن تجب القيمة للوارث أو مالك الرقبة‏,‏ وتبطل الوصية لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة‏,‏ كما تبطل بالإجارة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أوصى لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته صح‏,‏ والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان أحدهما‏,‏ يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضررا عليهما وإضاعة المال وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ ونهى عن إضاعة المال والوجه الآخر‏,‏ لا يجبر لأنه لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ولا مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفردا‏,‏ فكذلك إذا اجتمعا وأصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع ينبغي أن تكون النفقة بينهما على قدر قيمة حق كل واحد منهما‏,‏ كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح‏,‏ وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن صاحبه وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وإن اتفقا على بيعه‏,‏ أو اصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران‏,‏ صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لأنه يجوز أن ينقص أجره عن الدينار وإن كانت الدار لا تخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه‏,‏ وعليهم ترك الثلث فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهو للموصى له‏,‏ وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة‏.‏

فصل‏:‏

وتصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه‏,‏ كالعبد الآبق والجمل الشارد والطير في الهواء‏,‏ والسمك في الماء لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبذلك أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه‏,‏ وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا أوصى بجارية لبشر‏,‏ ثم أوصى بها لبكر فهي بينهما‏)‏

وجملة ذلك أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله‏,‏ ثم وصى به لآخر أو وصى له بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه‏,‏ أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما ولا يكون ذلك رجوعا في الوصية الأولى وبهذا قال ربيعة‏,‏ ومالك والثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد‏,‏ والحسن وعطاء وطاوس‏,‏ وداود‏:‏ وصيته للآخر منهما لأنه وصى للثاني بما وصى به للأول فكان رجوعا كما لو قال‏:‏ ما وصيت به لبشر فهو لبكر ولأن الثانية تنافي الأولى‏,‏ فإذا أتى بها كان رجوعا كما لو قال‏:‏ هذا لورثتي ولنا أنه وصى لهما بها‏,‏ فاستويا فيها كما لو قال لهما‏:‏ وصيت لكما بالجارية وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته لبشر وفي مسألتنا يحتمل أنه قصد التشريك‏,‏ فلم تبطل وصية الآخر بالشك‏.‏

فصل‏:‏

وإن وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعا وعلى قول الآخرين‏,‏ ينبغي أن يكون للثاني ثلثه كاملا وإن وصى بعبده لاثنين فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وإن وصى لاثنين بثلثي ماله‏,‏ فرد الورثة ذلك ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملا لأنه وصى له به منفردا‏,‏ وزالت المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به‏.‏

فصل‏:‏

إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لبشر‏,‏ وأقام آخر شاهدين أنه وصى له بالثلث فرد الوارث الوصيتين وكان الوارث رجلا عاقلا عدلا‏,‏ وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في الثلث وبهذا قال أبو ثور وهو قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا يشاركه المقر له بناء منهم على أن الشاهد واليمين ليس بحجة شرعية وقد ثبت ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضى بشاهد ويمين‏)‏ رواه مسلم وإن كان المقر ليس بعدل‏,‏ أو كان امرأة فالثلث لمن ثبتت له البينة لأن وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر‏,‏ وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوارث أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد‏,‏ وأقر لفلان به بكلام متصل فالمقر به بينهما وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وإن أقر به لواحد‏,‏ ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه ثبت للأول بإقراره فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الأول‏,‏ إلا أن يكون عدلا فيشهد بذلك ويحلف معه المقر له‏,‏ فيشاركه كما لو ثبت للأول ببينة وإن أقر للثاني في المجلس بكلام متصل ففيه وجهان أحدهما‏,‏ لا يقبل لأن حق الأول ثبت في الجميع فأشبه ما لو أقر له في مجلس آخر والثاني يقبل لأن المجلس الواحد كالحال الواحدة‏,‏ فإن الخرقي قال‏:‏ وإذا خلف ابنا وألف درهم فأقر بها لرجل ثم أقر بألف لآخر‏,‏ فإن كان في مجلس واحد فالألف بينهما وإن كان في مجلسين‏,‏ فهي للأول ولا شيء للثاني والأول أقيس لأن حق الأول ثبت في الثلث كاملا لإقراره به منفردا‏,‏ فأشبه ما لو كان في مجلسين وكما لو أقر بدراهم ثم سكت‏,‏ ثم قال‏:‏ زيوفا أو صغارا أو إلى شهر أو كما لو استثنى مما أقر به بكلام منفصل في المجلس‏.‏

مسألة‏:‏

‏[‏وإن قال‏:‏ ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كانت لبكر‏]‏

هذا قولهم جميعا وبه قال الشافعي‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو أيضا على مذهب الحسن وعطاء وطاوس ولا نعلم فيه مخالفا لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني‏,‏ فأشبه ما لو قال‏:‏ رجعت عن وصيتي لبشر وأوصيت بها لبكر بخلاف ما إذا وصى بشيء واحد لرجلين أحدهما بعد الآخر فإنه يحتمل أنه قصد التشريك بينهما وقد ثبتت وصية الأول يقينا‏,‏ فلا تزول بالشك‏.‏

فصل‏:‏

وأجمع أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق والأكثرون على جواز الرجوع في الوصية به أيضا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ يغير الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء‏,‏ وجابر بن زيد والزهري وقتادة‏,‏ ومالك والشافعي وأحمد‏,‏ وإسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين‏,‏ وابن شبرمة والنخعي‏:‏ يغير منها ما شاء إلا العتق لأنه إعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره‏,‏ كالتدبير ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها‏,‏ كغير العتق ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها‏,‏ كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه وفارق التدبير فإنه تعليق على شرط‏,‏ فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة‏.‏

فصل‏:‏

ويحصل الرجوع بقوله‏:‏ رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان أو فهو لورثتي أو في ميراثي وإن أكله‏,‏ أو أطعمه أو أتلفه أو وهبه‏,‏ أو تصدق به أو باعه أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه‏,‏ أو جارية فأحبلها أو ما أشبه هذا فهو رجوع قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشيء فأتلفه أو تصدق به‏,‏ أو وهبه أو بجارية فأحبلها أو أولدها‏,‏ أنه يكون رجوعا وحكي عن أصحاب الرأي أن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة ولنا‏,‏ أنه أزال ملكه عنه فكان رجوعا كما لو وهبه وإن عرضه على البيع‏,‏ أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له أو كاتبه‏,‏ أو وصى بإعتاقه أو دبره كان رجوعا لأنه يدل على اختياره للرجوع بعرضه على البيع‏,‏ وإيجابه للهبة ووصيته ببيعه أو إعتاقه لكونه وصى بما ينافي الوصية الأولى‏,‏ والكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وإن رهنه‏,‏ كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه لا يزيل الملك‏,‏ فأشبه إجارته وكذلك الحكم في الكتابة‏.‏

فصل‏:‏

وإن وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق فعجنه‏,‏ أو بعجين فخبزه أو بخبز ففته أو جعله فتيتا كان رجوعا لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال‏,‏ فدل على رجوعه وبهذا قال الشافعي وإن وصى بكتان أو قطن فغزله أو بغزل فنسجه أو بثوب فقطعه‏,‏ أو بنقرة فضربها أو شاة فذبحها كان رجوعا وبهذا قال أصحاب الرأي‏,‏ والشافعي في ظاهر مذهبه واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبي ثور لأنه لا يزيل الاسم ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا‏,‏ كالتي قبلها ولا يصح قوله‏:‏ إنه لا يزيل الاسم فإن الثوب لا يسمى غزلا والغزل لا يسمى كتانا‏.‏

فصل‏:‏

وإن وصى بشيء معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه‏,‏ كان رجوعا لأنه يتعذر بذلك تسليمه فيدل على رجوعه فإن خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا لأنه يمكن تسليمه وإن وصى بقفيز قمح من صبرة‏,‏ ثم خلطها بغيرها لم يكن رجوعا سواء خلطها بمثلها‏,‏ أو بخير منها أو دونها لأنه كان مشاعا وبقي مشاعا وقيل‏:‏ إن خلطه بخير منه كان رجوعا لأنه لا يمكنه تسليم الموصي به إلا بتسليم خير منه‏,‏ ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا حدث بالموصي به ما يزيل اسمه‏,‏ من غير فعل الموصي مثل إن سقط الحب في الأرض فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء‏,‏ في حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الاسم وإن كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه دون ما انفصل منها لأن الاسم حين الاستحقاق يقع على المتصل دون المنفصل ويتبع الدار في الوصية ما يتبعها في البيع‏.‏

فصل‏:‏

وإن جحد الوصية‏,‏ لم يكن رجوعا في أحد الوجهين وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين ولأنه عقد‏,‏ فلا يبطل بالجحود كسائر العقود والثاني يكون رجوعا لأنه يدل على أنه لا يريد إيصاله إلى الموصى له وإن غسل الثوب‏,‏ أو لبسه أو جصص الدار أو سكنها‏,‏ أو أجر الأمة أو زوجها أو علمها‏,‏ أو وطئها لم يكن رجوعا لأن ذلك لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يدل على الرجوع ويحتمل أن وطء الأمة رجوع لأنه يعرضها للخروج عن جواز النقل والأول أولى لأنه انتفاع لا يزيل الملك في الحال‏,‏ ولا يفضي إليه يقينا فأشبه لبس الثوب فإنه ربما أتلفه‏,‏ وليس برجوع‏.‏

فصل‏:‏

نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال‏:‏ هذا ثلثي لفلان‏,‏ ويعطى فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطي هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شيء‏,‏ رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصي‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن كتب وصية ولم يشهد فيها‏,‏ حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها‏]‏

نص أحمد على هذا في رواية إسحاق بن إبراهيم‏,‏ فقال‏:‏ من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد فيها‏,‏ وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها وروي عن أحمد أنه لا يقبل الخط في الوصية‏,‏ ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيها وبهذا قال الحسن‏,‏ وأبو قلابة والشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالإجماع فكذا ها هنا وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه بخطه تحته ختمه‏,‏ ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة‏,‏ لم يجز للحاكم إنفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فهاهنا أولى وقد نص أحمد على هذا في الشهادة ووجه قول الخرقي‏,‏ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏ما من امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين‏,‏ إلا ووصيته مكتوبة عنده‏)‏ ولم يذكر شهادته وما ذكرناه في الفصل الذي يلي هذا ولأن الوصية يتسامح فيها ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر‏,‏ وصحت للحمل به وبما لا يقدر على تسليمه‏,‏ وبالمعدوم والمجهول فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وما أعطى في مرضه الذي مات فيه‏,‏ فهو من الثلث‏]‏

وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة‏,‏ والهبة المقبوضة والصدقة والوقف‏,‏ والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافا وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت‏,‏ فهي من ثلث المال في قول جمهور العلماء وحكى عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال وليس بصحيح لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم‏,‏ زيادة لكم في أعمالكم‏)‏ رواه ابن ماجه وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث وروى عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم‏,‏ فاستدعاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين‏,‏ وأرق أربعة رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطية فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث‏,‏ كالوصية‏.‏

فصل‏:‏

وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصية في خمسة أشياء أحدها أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة الثاني‏,‏ أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة بقية الورثة الثالث أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن أفضل الصدقة قال‏:‏ ‏(‏أن تصدق وأنت صحيح شحيح‏,‏ تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان‏)‏ متفق عليه ولفظه‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله‏:‏ أي الصدقة أفضل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ أن تصدق وأنت صحيح حريص ‏"‏ الرابع‏,‏ أنه يزاحم بها الوصايا في الثلث الخامس أن خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده ويفارق الوصية في ستة أشياء أحدها‏,‏ أنها لازمة في حق المعطي ليس له الرجوع فيها وإن كثرت ولأن المنع على الزيادة من الثلث إنما كان لحق الورثة لا لحقه‏,‏ فلم يملك إجازتها ولا ردها وإنما كان له الرجوع في الوصية لأن التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية‏,‏ بخلاف العطية في المرض فإنه قد وجدت العطية منه والقبول من المعطي‏,‏ والقبض فلزمت كالوصية إذا قبلت بعد الموت وقبضت الثاني أن قبولها على الفور في حال حياة المعطي وكذلك ردها‏,‏ والوصايا لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت لما ذكرنا من أن العطية تصرف في الحال فتعتبر شروطه وقت وجوده والوصية تبرع بعد الموت‏,‏ فاعتبر شروطه بعد الموت الثالث أن العطية تفتقر إلى شروطها المشروطة لها في الصحة من العلم وكونها لا يصح تعليقها على شرط وغرر في غير العتق‏,‏ والوصية بخلافه الرابع أنها تقدم على الوصية وهذا قول الشافعي‏,‏ وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر‏,‏ إلا في العتق فإنه حكي عنهم تقديمه لأن العتق يتعلق به حق الله تعالى‏,‏ ويسري وقفه وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه ولنا‏,‏ أن العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة ولأنها عطية بثمرة‏,‏ فقدمت على العتق كعطية الصدقة وكما لو تساوى الحقان الخامس‏,‏ أن العطايا إذا عجز الثلث عن جميعها بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتقا أو غيره وبهذا قال الشافعي‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وإن كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت‏,‏ وإن تأخرت سوى بينها وبين العتق وإنما كان كذلك لأن المحاباة حق آدمي على وجه المعاوضة‏,‏ فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين‏,‏ وإذا تساوى جنسها سوى بينها لأنها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها‏,‏ كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ يقدم العتق تقدم أو تأخر ولنا‏,‏ أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الأولى محاباة عند أبي حنيفة‏,‏ أو عتقا عند صاحبيه ولأن العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة‏,‏ فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لأنه يملك الرجوع عن بعضها بعطية أخرى بخلاف الوصايا‏,‏ فإنها غير لازمة في حقه وإنما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما في حال لزومهما‏,‏ بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة غير صحيح فإنها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة أو الدين لما كانت من الثلث فأما إن وقعت دفعة واحدة‏,‏ كأن وكل جماعة في هذه التبرعات فأوقعوها دفعة واحدة فإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهما‏,‏ فكملنا العتق كله في بعضهم وإن كانت كلها من غير العتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهم‏,‏ لأنهم تساووا في الاستحقاق فقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وإنما خولف هذا الأصل في العتق‏,‏ لحديث عمران بن حصين ولأن القصد بالعتق يكمل الأحكام ولا تكمل الأحكام إلا بتكميل العتق بخلاف غيره‏,‏ ولأن في قسمة العتق عليهم إضرارا بالورثة والميت والعبيد على ما يذكر في موضعه وإن وقعت دفعة واحدة وفيها عتق وغيره‏,‏ ففيه روايتان إحداهما يقدم العتق لتأكيده والثانية يسوي بين الكل لأنها حقوق تساوت في استحقاقها‏,‏ فتساوت في تنفيذها كما لو كانت من جنس واحد وذلك لأن استحقاقها حصل في حالة واحدة السادس‏,‏ أن الواهب إذا مات قبل تقبيضه الهبة المنجزة كانت الخيرة للورثة إن شاءوا قبضوا‏,‏ وإن شاءوا منعوا والوصية تلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم‏.‏