فصل: مسألة: عهدة الشفيع على المشتري‏‏ وعهدة المشتري على البائع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وعهدة الشفيع على المشتري‏,‏ وعهدة المشتري على البائع‏]‏‏.‏

يعني أن الشفيع إذا أخذ الشقص فظهر مستحقا فرجوعه بالثمن على المشتري‏,‏ ويرجع المشتري على البائع وإن وجده معيبا فله رده على المشتري أو أخذ أرشه منه و المشتري يرد على البائع‏,‏ أو يأخذ الأرش منه سواء قبض الشقص من المشتري أو من البائع وبهذا قال الشافعي وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي‏:‏ عهدة الشفيع على البائع لأن الحق ثبت له بإيجاب البائع‏,‏ فكان رجوعه عليه ك المشتري وقال أبو حنيفة‏:‏ إن أخذه من المشتري فالعهدة عليه‏,‏ وإن أخذه من البائع فالعهدة عليه لأن الشفيع إذا أخذه من البائع تعذر قبض المشتري فينفسخ البيع بين البائع و المشتري فكان الشفيع آخذا من البائع مالكا من جهته‏,‏ فكانت عهدته عليه ولنا أن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشتري ثم يزول الملك من المشتري إلى الشفيع بالثمن فكانت العهدة عليه‏,‏ كما لو أخذه منه ببيع ولأنه ملكه من جهة المشتري بالثمن فملك رده عليه بالعيب‏,‏ ك المشتري في البيع الأول وقياسه على المشتري في جعل عهدته على البائع لا يصح لأن المشتري ملكه من البائع‏,‏ بخلاف الشفيع وأما إذا أخذه من البائع فالبائع نائب عن المشتري في التسليم المستحق عليه ولو انفسخ العقد بين المشتري والبائع بطلت الشفعة لأنها استحقت به‏.‏

فصل‏:‏

وحكم الشفيع في الرد بالعيب‏,‏ حكم المشتري من المشتري وإن علم المشتري بالعيب ولم يعلم الشفيع‏,‏ فللشفيع رده على المشتري أو أخذ أرشه منه وليس للمشتري شيء ويحتمل أن لا يملك الشفيع أخذ الأرش لأن الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد فإذا أخذ الأرش‏,‏ فما أخذه بالثمن الذي استقر على المشتري وإن علم الشفيع دون المشتري فليس لواحد منهما رد ولا أرش لأن الشفيع أخذه عالما بعيبه فلم يثبت له رد ولا أرش‏,‏ ك المشتري إذا علم العيب و المشتري قد استغنى عن الرد لزوال ملكه عن المبيع‏,‏ وحصول الثمن له من الشفيع ولم يملك الأرش لأنه استدرك ظلامته ورجع إليه جميع ثمنه‏,‏ فأشبه ما لو رده على البائع ويحتمل أن يملك أخذ الأرش لأنه عوض عن الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط بزوال ملكه عن المبيع كما لو اشترى قفيزين‏,‏ فتلف أحدهما وأخذ الآخر فعلى هذا ما يأخذه من الأرش يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره لأن الشقص يجب عليه بالثمن الذي استقر عليه العقد‏,‏ فأشبه ما لو أخذ الأرش قبل أخذ الشفيع منه وإن علما جميعا فليس لواحد منهما رد ولا أرش لأن كل واحد منهما دخل على بصيرة ورضي ببذل الثمن فيه بهذه الصفة وإن لم يعلما‏,‏ فللشفيع رده على المشتري وللمشتري رده على البائع فإن لم يرده الشفيع‏,‏ فلا يرده للمشتري لما ذكرنا أولا وإن أخذ الشفيع أرشه من المشتري فللمشتري أخذه من البائع وإن لم يأخذ منه شيئا فلا شيء للمشتري ويحتمل أن يملك أخذه‏,‏ على الوجه الذي ذكرناه فإذا أخذه فإن كان الشفيع لم يسقطه عن المشتري سقط عنه من الثمن بقدره لأنه الثمن الذي استقر عليه البيع‏,‏ وسكوته لا يسقط حقه وإن أسقطه عن المشتري توفر عليه‏,‏ كما لو زاده على الثمن باختياره فأما إن اشتراه بالبراءة من كل عيب فالصحيح من المذهب أنه لا يبرأ فيكون كأنه لم يبرأ إليه من شيء وفي رواية أخرى‏,‏ أنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم بالعيب فدلسه‏,‏ واشترط البراءة فعلى هذه الرواية إن علم الشفيع باشتراط البراءة فحكمه حكم المشتري لأنه دخل على شرائه‏,‏ فصار كمشتر ثان اشترط البراءة وإن لم يعلم ذلك فحكمه حكم ما لو علمه المشتري دون الشفيع‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والشفعة لا تورث إلا أن يكون الميت طالب بها‏]‏

وجملة ذلك‏,‏ أن الشفيع إذا مات قبل الأخذ بها لم يخل من حالين أحدهما أن يموت قبل الطلب بها‏,‏ فتسقط ولا تنتقل إلى الورثة قال أحمد‏:‏ الموت يبطل به ثلاثة أشياء الشفعة والحد إذا مات المقذوف‏,‏ والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار لم يكن للورثة هذه الثلاثة الأشياء إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس تجب‏,‏ إلا أن يشهد إني على حقى من كذا وكذا وأني قد طلبته فإن مات بعده‏,‏ كان لوارثه الطلب به وروي سقوطه بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعبي‏,‏ والنخعي وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك‏,‏ والشافعي والعنبري‏:‏ يورث قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فيورث‏,‏ كخيار الرد بالعيب ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث‏,‏ كالرجوع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل للتمليك أشبه خيار القبول فأما خيار الرد بالعيب‏,‏ فإنه لاستدراك جزء فات من المبيع الحال الثاني إذا طالب بالشفعة ثم مات فإن حق الشفعة ينتقل إلى الورثة قولا واحدا ذكره أبو الخطاب وقد ذكرنا نص أحمد عليه لأن الحق يتقرر بالطلب‏,‏ ولذلك لا يسقط بتأخير الأخذ بعده وقبله يسقط وقال القاضي‏:‏ يصير الشقص ملكا للشفيع بنفس المطالبة وقد ذكرنا أن الصحيح غير هذا فإنه لو صار ملكا للشفيع‏,‏ لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها فإذا ثبت هذا فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم‏,‏ لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى جميعهم كسائر الحقوق المالية‏,‏ وسواء قلنا‏:‏ الشفعة على قدر الأملاك أو على عدد الرءوس لأن هذا ينتقل إليهم من موروثهم فإن ترك بعض الورثة حقه توفر الحق على سائر الورثة‏,‏ ولم يكن لهم أن يأخذوا إلا الكل أو يتركوا كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن شفعته لأنا لو جوزنا أخذ بعض الشقص المبيع‏,‏ تبعضت الصفقة على المشتري وهذا ضرر في حقه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أشهد الشفيع على مطالبته بها للعذر ثم مات‏,‏ لم تبطل وكان للورثة المطالبة بها نص عليه أحمد لأن الإشهاد على الطلب عند العجز عنه يقوم مقامه‏,‏ فلم تسقط الشفعة بالموت بعده كنفس الطلب‏.‏

فصل‏:‏

وإذا بيع شقص له شفيعان فعفا أحدهما عنها‏,‏ وطالب الآخر بها ثم مات المطالب فورثه العافي‏,‏ فله أخذ الشقص بها لأنه وارث لشفيع مطالب بالشفعة فملك الأخذ بها كالأجنبي وكذلك لو قذف رجل أمهما وهي ميتة‏,‏ فعفا أحدهما فطالب الآخر ثم مات الطالب‏,‏ فورثه العافي ثبت له استيفاؤه بالنيابة عن أخيه الميت إذا قلنا بوجوب الحد بقذفها‏.‏

فصل‏:‏

وإن مات مفلس‏,‏ وله شقص فباع شريكه كان لورثته الشفعة وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا شفعة لهم لأن الحق انتقل إلى الغرماء ولنا‏,‏ أنه بيع في شركة ما خلفه موروثهم من شقص فكان لهم المطالبة بشفعته كغير المفلس ولا نسلم أن التركة انتقلت إلى الغرماء بل هي للورثة‏,‏ بدليل أنها لو تمت أو زاد ثمنها لحسب على الغرماء في قضاء ديونهم وإنما تعلق حقهم به‏,‏ فلم يمنع ذلك من الشفعة كما لو كان لرجل شقص مرهون فباع شريكه‏,‏ فإنه يستحق الشفعة به ولو كان للميت دار فبيع بعضها في قضاء دينه لم يكن للورثة شفعة لأن البيع يقع لهم‏,‏ فلا يستحقون الشفعة على أنفسهم ولو كان الوارث شريكا للموروث فبيع نصيب الموروث في دينه فلا شفعة أيضا لأن نصيب الموروث انتقل بموته إلى الوارث‏,‏ فإذا بيع فقد بيع ملكه فلا يستحق الشفعة على نفسه‏.‏

فصل‏:‏

ولو اشترى شقصًا مشفوعًا ووصى به‏,‏ ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لأن حقه أسبق من حق الموصى له فإذا أخذه‏,‏ دفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لأن الموصي به ذهب فبطلت الوصية‏,‏ له كما لو تلف ولا يستحق الموصى له بدله لأنه لم يوص له إلا بالشقص وقد فات بأخذه ولو وصى رجل لإنسان بشقص ثم مات‏,‏ فبيع في تركته شقص قبل قبول الموصي له فالشفعة للورثة في الصحيح لأن الموصي به لا يصير للوصي إلا بعد القبول ولم يوجد‏,‏ فيكون باقيًا على ملك الورثة ويحتمل أن يكون للموصي إذا قلنا‏:‏ إن الملك ينتقل إليه بمجرد الموت فإذا قبل الوصية استحق المطالبة لأننا تبينا أن الملك كان له فكان المبيع في شركته ولا يستحق المطالبة قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول‏,‏ وإنما يتبين ذلك بقبوله فإن قبل تبينا أنه كان له وإن رد تبينا أنه كان للورثة ولا تستحق الورثة المطالبة أيضا لذلك ويحتمل أن لهم المطالبة لأن الأصل عدم القبول‏,‏ وبقاء الحق لهم ويفارق الموصى له من وجهين أحدهما أن الأصل عدم القبول منه والثاني أنه يمكنه أن يقبل ثم يطالب‏,‏ بخلاف الوارث فإنه لا سبيل له إلى فعل ما يعلم به ثبوت الملك له أو لغيره فإذا طالبوا ثم قبل الوصي الوصية كانت الشفعة له‏,‏ ويفتقر إلى الطلب منه لأن الطلب الأول تبين أنه من غير المستحق وإن قلنا بالرواية الأولى فطالب الورثة بالشفعة فلهم الأخذ بها وإن قبل الوصي أخذ الشقص الموصى به‏,‏ دون الشقص المشفوع لأن الشقص الموصى به إنما انتقل إليه بعد الأخذ بشفعته فأشبه ما لو أخذ بها الموصي في حياته وإن لم يطالبوا بالشفعة حتى قبل الموصي له فلا شفعة للموصى له لأن البيع وقع قبل ثبوت الملك له‏,‏ وحصول شركته وفي ثبوتها للورثة وجهان بناء على ما لو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ببيع شريكه‏.‏

فصل‏:‏

ولو اشترى رجل شقصا ثم ارتد فقتل أو مات‏,‏ فللشفيع أخذه بالشفعة لأنها وجبت بالشراء وانتقاله إلى المسلمين بقتله أو موته لا يمنع الشفعة كما لو مات على الإسلام‏,‏ فورثه ورثته أو صار ماله لبيت المال لعدم ورثته‏,‏ والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اشترى المرتد شقصا فتصرفه موقوف فإن قتل على ردته أو مات عليها‏,‏ تبينا أن شراءه باطل ولا شفعة فيه وإن أسلم‏,‏ تبينا صحته وثبوت الشفعة فيه وقال أبو بكر‏:‏ تصرفه غير صحيح في الحالين لأن ملكه يزول بردته فإذا أسلم عاد إليه تمليكا مستأنفا وقال الشافعي‏,‏ وأبو يوسف‏:‏ تصرفه صحيح في الحالين وتجب الشفعة فيه ومبنى الشفعة ها هنا على صحة تصرف المرتد ويذكر في غير هذا الموضع وإن بيع شقص في شركة المرتد‏,‏ وكان المشتري كافرا فأخذ بالشفعة انبنى على ذلك أيضا لأن أخذه بالشفعة شراء للشقص من المشتري‏,‏ فأشبه شراءه لغيره وإن ارتد الشفيع المسلم وقتل بالردة أو مات عليها انتقل ماله إلى المسلمين‏,‏ فإن كان طالب بالشفعة انتقلت أيضا إلى المسلمين ينظر فيها الإمام أو نائبه وإن قتل أو مات قبل طلبها‏,‏ بطلت شفعته كما لو مات على إسلامه ولو مات الشفيع المسلم ولم يخلف وارثا سوى بيت المال‏,‏ انتقل نصيبه إلى المسلمين إن مات بعد الطلب وإلا فلا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن أذن الشريك في البيع ثم طالب بالشفعة بعد وقوع البيع‏,‏ فله ذلك‏]‏‏.‏

وجملة ذلك أن الشفيع إذا عفا عن الشفعة قبل البيع فقال‏:‏ قد أذنت في البيع أو قد أسقطت شفعتي أو ما أشبه ذلك‏,‏ لم تسقط وله المطالبة بها متى وجد البيع هذا ظاهر المذهب وهو مذهب مالك والشافعي‏,‏ والبتي وأصحاب الرأي وروى عن أحمد ما يدل على أن الشفعة تسقط بذلك فإن إسماعيل بن سعيد قال‏:‏ قلت لأحمد ما معنى قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من كان بينه وبين أخيه ربعة‏,‏ فأراد بيعها فليعرضها عليه‏)‏ وقد جاء في بعض الحديث‏:‏ ‏"‏ ولا يحل له إلا أن يعرضها عليه ‏"‏ إذا كانت الشفعة ثابتة له‏؟‏ فقال‏:‏ ما هو ببعيد من أن يكون على ذلك وأن لا تكون له الشفعة وهذا قول الحكم‏,‏ والثوري وأبي عبيد وأبي خيثمة‏,‏ وطائفة من أهل الحديث قال ابن المنذر‏:‏ وقد اختلف فيه عن أحمد فقال مرة‏:‏ تبطل شفعته وقال مرة‏:‏ لا تبطل واحتجوا بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من كان له شركة في أرض ربعة أو حائط‏,‏ فلا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك‏)‏ ومحال أن يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏"‏ ومن شاء ترك ‏"‏ فلا يكون لتركه معنى ومفهوم قوله‏:‏ ‏"‏ فإن باع‏,‏ ولم يؤذنه فهو أحق به ‏"‏ أنه إذا باعه بإذنه لا حق له ولأن الشفعة تثبت في موضع الاتفاق على خلاف الأصل لكونه يأخذ ملك المشتري من غير رضائه ويجبره على المعاوضة به‏,‏ لدخوله مع البائع في العقد الذي أساء فيه بإدخاله الضرر على شريكه وتركه الإحسان إليه في عرضه عليه وهذا المعنى معدوم ها هنا‏,‏ فإنه قد عرضه عليه وامتناعه من أخذه دليل على عدم الضرر في حقه ببيعه وإن كان فيه ضرر فهو أدخله على نفسه‏,‏ فلا يستحق الشفعة كما لو أخر المطالبة بعد البيع ووجه الأول أنه إسقاط حق قبل وجوبه‏,‏ فلم يصح كما لو أبرأه مما يجب له أو أسقطت المرأة صداقها قبل التزويج وأما الخبر‏,‏ فيحتمل أنه أراد العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد فتخف عليه المؤنة‏,‏ ويكتفي بأخذ المشتري الشقص لا إسقاط حقه من شفعته‏.‏