فصل: فصل: لا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر لأنه لا يجوز تمكينه من استخدامه فلم تجز إعارته لذلك ولا إعارة الصيد لمحرم لأنه لا يجوز له إمساكه‏,‏ ولا إعارة المرأة الجميلة لرجل غير محرمها إن كان يخلو بها أو ينظر إليها لأنه لا يؤمن عليها وتجوز إعارتها لامرأة ولذي محرمها ولا تجوز إعارة العين لنفع محرم‏,‏ كإعارة الدار لمن يشرب فيها الخمر أو يبيعه فيها أو يعصى الله تعالى فيها‏,‏ ولا إعارة عبده للزمر أو ليسقيه الخمر أو يحملها له‏,‏ أو يعصرها أو نحو ذلك ويكره أن يستعير والديه لخدمته لأنه يكره له استخدامهما فكره استعارتهما لذلك‏.‏

فصل‏:‏

وتجوز الإعارة مطلقا ومقيدا لأنها إباحة فجاز فيها ذلك‏,‏ كإباحة الطعام ولأن الجهالة إنما تؤثر في العقود اللازمة فإذا أعاره شيئا مطلقا أبيح له الانتفاع به في كل ما هو مستعد له من الانتفاع فإذا أعاره أرضا مطلقا‏,‏ فله أن يزرع فيها ويغرس ويبني‏,‏ ويفعل فيها كل ما هي معدة له من الانتفاع لأن الإذن مطلق وإن أعاره للغراس أو للبناء فله أن يزرع فيها ما شاء لأن ضرره دون ضررهما فكأنه استوفى بعض ما أذن له فيه وإن استعارها للزرع‏,‏ لم يغرس ولم يبن لأن ضررهما أكثر فلم يكن الإذن في القليل إذنا في الكثير وإن استعارها للغراس‏,‏ أو للبناء ملك المأذون فيه منهما دون الآخر لأن ضررهما مختلف فإن ضرر الغراس في باطن الأرض لانتشار العروق فيها وضرر البناء في ظاهرها‏,‏ فلم يكن الإذن في أحدهما إذنا في الآخر وإن استعارها لزرع الحنطة فله زرعها وزرع ما هو أقل ضررا منها كالشعير والباقلا والعدس‏,‏ وله زرع ما ضرره كضرر الحنطة لأن الرضا بزراعة شيء رضي بضرره وما هو دونه وليس له زرع ما هو أكثر ضررا منه‏,‏ كالذرة والدخن والقطن لأن ضرره أكثر وحكم إباحة الانتفاع في العارية كحكم الانتفاع في الإجارة فيما له أن يستوفيه وما يمنع منه وسنذكر في الإجارة تفصيل ذلك‏,‏ ـ إن شاء الله تعالى ـ وإن أذن له في زرع مرة لم يكن له أن يزرع أكثر منها وإن أذن له في غرس شجرة فانقلعت لم يكن له غرس أخرى‏,‏ وكذلك إن أذن له في وضع خشبة على حائط فانكسرت لم يملك وضع أخرى لأن الإذن إذا اختص بشيء لم يتجاوزه‏.‏

فصل‏:‏

وإن استعار شيئا‏,‏ فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله لأن وكيله نائب عنه ويده كيده وليس له أن يؤجره لأنه لم يملك المنافع فلا يصح أن يملكها ولا نعلم في هذا خلافا ولا خلاف بينهم أن المستعير لا يملك العين وأجمعوا على أن للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه‏,‏ وليس له أن يعيره غيره وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقالوا في الآخر‏:‏ له ذلك وهو قول أبي حنيفة لأنه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كما للمستأجر أن يؤجر قال أصحاب الرأي‏:‏ إذا استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره‏,‏ فلبسه فهو ضامن وإن لم يسم من يلبسه فلا ضمان عليه وقال مالك‏:‏ إذا لم يعمل بها إلا الذي كان يعمل بها الذي أعيرها‏,‏ فلا ضمان عليه ولنا أن العارية إباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام وفارق الإجارة لأنه ملك الانتفاع على كل وجه‏,‏ فملك أن يملكها وفي العارية لم يملكها إنما ملك استيفاءها على وجه ما أذن له‏,‏ فأشبه من أبيح له أكل الطعام فعلى هذا إن أعار فللمالك الرجوع بأجر المثل وله أن يطالب من شاء منهما لأن الأول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه‏,‏ والثاني استوفاه بغير إذنه فإن ضمن الأول رجع على الثاني لأن الاستيفاء حصل منه فاستقر الضمان عليه‏,‏ وإن ضمن الثاني لم يرجع على الأول إلا أن يكون الثاني لم يعلم بحقيقة الحال فيحتمل أن يستقر الضمان على الأول لأنه غر الثاني‏,‏ ودفع إليه العين على أنه يستوفي منافعها بغير عوض وإن تلفت العين في يد الثاني استقر الضمان عليه بكل حال لأنه قبضها على أن تكون مضمونة عليه فإن رجع على الأول‏,‏ رجع الأول على الثاني وإن رجع على الثاني لم يرجع على أحد‏.‏

فصل‏:‏

وإن أعاره شيئا‏,‏ وأذن له في إجارته مدة معلومة أو في إعارته مطلقا أو مدة‏,‏ جاز لأن الحق لمالكه فجاز ما أذن فيه وليس له الرجوع بعد عقد الإجارة حتى ينقضي لأن عقد الإجارة لازم وتكون العين مضمونة على المستعير‏,‏ غير مضمونة على المستأجر لأن عقد الإجارة لا يوجب ضمانا وإن أجره بغير إذن لم تصح الإجارة ويكون على المستأجر الضمان‏,‏ وللمالك تضمين من شاء منهما على ما ذكرناه في العارية ‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يستعير عبدا ليرهنه قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن الرجل إذا استعار من الرجل شيئا يرهنه عند رجل على شيء معلوم‏,‏ إلى وقت معلوم فرهن ذلك على ما أذن له فيه أن ذلك جائز وذلك لأنه استعاره ليقضي به حاجته‏,‏ فصح كسائر العواري ولا يعتبر العلم بقدر الدين وجنسه لأن العارية لا يعتبر فيها العلم وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي وقال الشافعي‏:‏ يعتبر ذلك لأن الضرر يختلف بذلك ولنا‏,‏ أنها عارية لجنس من النفع فلم تعتبر معرفة قدره كعارية الأرض للزرع ولا يصير المعير ضامنا للدين وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ يصير ضامنا له في رقبة عبده لأن العارية ما يستحق به منفعة العين‏,‏ والمنفعة ها هنا للمالك فدل على أنه ضمان ولنا أنه أعاره ليقضي منه حاجته‏,‏ فلم يكن ضامنا كسائر العواري وإنما يستحق بالعارية النفع المأذون فيه‏,‏ وما عداه من النفع فهو لمالك العين وإن عين المعير قدر الدين الذي يرهنه به وجنسه أو محلا تعين لأن العارية تتعين بالتعيين‏,‏ فإن خالفه في الجنس لم يصح لأنه عقد لم يأذن له فيه أشبه ما لو لم يأذن في رهنه وكذلك إذا أذن له في محل‏,‏ فخالفه فيه لأنه إذا أذن له في رهنه بدين مؤجل فرهنه بحال فقد لا يجد ما يفكه به في الحال‏,‏ وإن أذن في رهنه بحال فرهنه بمؤجل فلم يرض أن يحال بينه وبين عبده إلى أجل‏,‏ لم يصح وإن رهنه بأكثر مما قدره له لم يصح لأن من رضي بقدر من الدين لم يلزم أن يرضى بأكثر منه وإن رهنه بأنقص منه جاز لأن من رضي بعشرة‏,‏ رضي بما دونها عرفا فأشبه من أمر بشراء شيء بثمن فاشتراه بدونه وللمعير مطالبة الراهن بفكاك الرهن في الحال‏,‏ سواء كان بدين حال أو مؤجل لأن للمعير الرجوع في العارية متى شاء وإن حل الدين فلم يفكه الراهن جاز بيعه في الدين لأن ذلك مقتضى الرهن‏,‏ فإذا بيع في الدين أو تلف رجع السيد على الراهن بقيمته لأن العارية تضمن بقيمتها وإن تلف بغير تفريط‏,‏ فلا شيء على المرتهن لأن الرهن لا يضمن من غير تعد وإن استعار عبدا من رجلين فرهنه بمائة ثم قضى خمسين‏,‏ على أن تخرج حصة أحدهما لم تخرج لأنه رهنه بجميع الدين في صفقة فلا ينفك بعضه بقضاء بعض الدين‏,‏ كما لو كان العبد لواحد‏.‏