فصل: كتاب الحدود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب الحدود‏:‏

الزنى حرام وهو من الكبائر العظام بدليل قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 32‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 68‏]‏‏.‏ وروي عبد الله بن مسعود قال ‏(‏سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ أي الذنب أعظم‏؟‏ قال‏:‏ أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال‏:‏ قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال‏:‏ قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ أن تزني بحليلة جارك‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم وكان حد الزاني في صدر الإسلام الحبس للثيب‏,‏ والأذى بالكلام من التقريع والتوبيخ للبكر لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 15‏:‏ 16‏]‏‏.‏ قال بعض أصحاب أهل العلم‏:‏ المراد بقوله‏:‏ ‏{‏من نسائكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 15‏]‏‏.‏ الثيب لأن قوله‏:‏ ‏{‏من نسائكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 15‏]‏‏.‏ إضافة زوجية كقوله‏:‏ ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 226‏]‏‏.‏ ولا فائدة في إضافته ها هنا نعلمها إلا اعتبار الثيوبة‏,‏ ولأنه قد ذكر عقوبتين إحداهما أغلظ من الأخرى فكانت الأغلظ للثيب‏,‏ والأخرى للأبكار كالرجم والجلد ثم نسخ هذا بما روى عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏خذوا عني‏,‏ خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‏,‏ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم‏)‏ رواه مسلم وأبو داود فإن قيل‏:‏ فكيف ينسخ القرآن بالسنة‏؟‏ قلنا‏:‏ قد ذهب بعض أصحابنا إلى جوازه لأن الكل من عند الله وإن اختلفت طرقه‏,‏ ومن منع ذلك قال‏:‏ ليس هذا نسخا إنما هو تفسير للقرآن وتبيين له لأن النسخ رفع حكم ظاهره الإطلاق فأما ما كان مشروطا بشرط‏,‏ وزال الشرط لا يكون نسخا وها هنا شرط الله تعالى حبسهن إلى أن يجعل لهن سبيلا‏,‏ فبينت السنة السبيل فكان بيانا لا نسخا ويمكن أن يقال‏:‏ إن نسخه حصل بالقرآن فإن الجلد في كتاب الله تعالى‏,‏ والرجم كان فيه فنسخ رسمه وبقي حكمه‏.‏

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم - رحمه الله - ‏:‏

‏(‏وإذا زنى الحر المحصن‏,‏ أو الحرة المحصنة جلدا ورجما حتى يموتا في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله - رحمه الله - والرواية الأخرى يرجمان‏,‏ ولا يجلدان‏)‏ الكلام في هذه المسألة‏:‏ في فصول ثلاثة‏:‏

الفصل الأول‏:‏

في وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين‏,‏ ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج فإنهم قالوا‏:‏ الجلد للبكر والثيب‏,‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 2‏]‏‏.‏ وقالوا‏:‏ لا يجوز ترك كتاب الله تعالى الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة‏,‏ وهو غير جائز ولنا أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر‏,‏ وأجمع عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما سنذكره في أثناء الباب في مواضعه - إن شاء الله تعالى - وقد أنزله الله تعالى في كتابه‏,‏ وإنما نسخ رسمه دون حكمه فروي عن ‏(‏عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ إن الله تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق وأنزل عليه الكتاب‏,‏ فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى‏,‏ فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة‏,‏ أو كان الحبل أو الاعتراف وقد قرأتها‏:‏ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم‏)‏ متفق عليه وأما آية الجلد‏,‏ فنقول بها فإن الزاني يجب جلده فإن كان ثيبا رجم مع الجلد‏,‏ والآية لم تتعرض لنفيه وإلى هذا أشار علي ـ رضي الله عنه ـ حين جلد شراحة ثم رجمها وقال‏:‏ جلدتها بكتاب الله تعالى‏,‏ ثم رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لو قلنا‏:‏ إن الثيب لا يجلد لكان هذا تخصيصا للآية العامة وهذا سائغ بغير خلاف فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة وقولهم‏:‏ إن هذا نسخ ليس بصحيح وإنما هو تخصيص‏,‏ ثم لو كان نسخا لكان نسخا بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه وقد روينا أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - ‏,‏ فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم وقالوا‏:‏ ليس في كتاب الله إلا الجلد وقالوا‏:‏ الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد فقال لهم عمر‏:‏ وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات‏,‏ وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها أين تجدونه في كتاب الله تعالى‏؟‏ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها‏؟‏ فقالوا‏:‏ أنظرنا فرجعوا يومهم ذلك‏,‏ فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن فقالوا‏:‏ لم نجده في القرآن قال‏:‏ فكيف ذهبتم إليه‏؟‏ قالوا‏:‏ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله وفعله المسلمون بعده فقال لهم فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون‏,‏ وأمر النبي بقضاء الصوم دون الصلاة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه إذا ثبت هذا فمعنى الرجم أن يرمى بالحجارة وغيرها حتى يقتل بذلك قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن المرجوم يدام عليه الرجم حتى يموت ولأن إطلاق الرجم يقتضي القتل به‏,‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لتكونن من المرجومين‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 116‏]‏‏.‏ وقد ‏(‏رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهوديين اللذين زنيا وماعزا والغامدية‏,‏ حتى ماتوا‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان الزاني رجلا أقيم قائما ولم يوثق بشيء ولم يحفر له سواء ثبت الزنى ببينة أو إقرار لا نعلم فيه خلافا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحفر لماعز قال أبو سعيد‏:‏ ‏(‏لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع‏,‏ فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكنه قام لنا‏)‏ رواه أبو داود ولأن الحفر له‏,‏ ودفن بعضه عقوبة لم يرد بها الشرع في حقه فوجب أن لا تثبت وإن كان امرأة‏,‏ فظاهر كلام أحمد أنها لا يحفر لها أيضا وهو الذي ذكره القاضي في ‏"‏ الخلاف ‏"‏ وذكر في ‏"‏ المجرد ‏"‏ أنه إن ثبت الحد بالإقرار‏,‏ لم يحفر لها وإن ثبت بالبينة حفر لها إلى الصدر قال أبو الخطاب‏:‏ وهذا أصح عندي وهو قول أصحاب الشافعي لما روى أبو بكر وبريدة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم امرأة‏,‏ فحفر لها إلى الثندوة‏)‏ رواه أبو داود ولأنه أستر لها ولا حاجة إلى تمكينها من الهرب لكون الحد ثبت بالبينة‏,‏ فلا يسقط بفعل من جهتها بخلاف الثابت بالإقرار فإنها تترك على حال لو أرادت الهرب تمكنت منه لأن رجوعها عن إقرارها مقبول ولنا‏,‏ أن أكثر الأحاديث على ترك الحفر فإن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحفر للجهنية ولا لماعز‏,‏ ولا لليهوديين‏)‏ والحديث الذي احتجوا به غير معمول به ولا يقولون به فإن التي نقل عنه الحفر لها‏,‏ ثبت حدها بإقرارها ولا خلاف بيننا فيها فلا يسوغ لهم الاحتجاج به مع مخالفتهم له إذا ثبت هذا‏,‏ فإن ثياب المرأة تشد عليها كى لا تنكشف وقد روى أبو داود بإسناده عن عمران بن حصين‏,‏ قال‏:‏ فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فشدت عليها ثيابها ولأن ذلك أستر لها‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

أنه يجلد ثم يرجم‏,‏ في إحدى الروايتين فعل ذلك على رضي الله عنه وبه قال ابن عباس وأبى بن كعب‏,‏ وأبو ذر ذكر ذلك عبد العزيز عنهما واختاره وبه قال الحسن وإسحاق‏,‏ وداود وابن المنذر والرواية الثانية يرجم ولا يجلد روى عن عمر وعثمان أنهما رجما ولم يجلدا وروى عن ابن مسعود‏,‏ أنه قال‏:‏ إذا اجتمع حدان لله تعالى فيهما القتل أحاط القتل بذلك وبهذا قال النخعي والزهري‏,‏ والأوزاعي ومالك والشافعي‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي واختار هذا أبو إسحاق الجوزجاني وأبو بكر الأثرم ونصراه في ‏"‏سننهما‏"‏ لأن جابرا روى‏,‏ أن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزا ولم يجلده ورجم الغامدية ولم يجلدها وقال‏:‏ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏)‏ متفق عليه ولم يأمره بجلدها‏,‏ وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجب تقديمه قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يقول في حديث عبادة‏:‏ إنه أول حد نزل‏,‏ وإن حديث ماعز بعده رجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجلده وعمر رجم ولم يجلد ونقل عنه إسماعيل بن سعيد نحو هذا ولأنه حد فيه قتل‏,‏ فلم يجتمع معه جلد كالردة ولأن الحدود إذا اجتمعت وفيها قتل سقط ما سواه فالحد أولى ووجه الرواية قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏}‏ ‏[‏النور‏:‏2 ‏]‏‏.‏ وهذا عام‏,‏ ثم جاءت السنة بالرجم في حق الثيب والتغريب في حق البكر فوجب الجمع بينهما وإلى هذا أشار على رضي الله عنه بقوله‏:‏ جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في حديث عبادة‏:‏ ‏(‏والثيب بالثيب‏,‏ الجلد والرجم‏)‏ وهذا الصريح الثابت بيقين لا يترك إلا بمثله والأحاديث الباقية ليست صريحة فإنه ذكر الرجم ولم يذكر الجلد‏,‏ فلا يعارض به الصريح بدليل أن التغريب يجب بذكره في هذا الحديث وليس بمذكور في الآية‏,‏ ولأنه زان فيجلد كالبكر ولأنه قد شرع في حق البكر عقوبتان الجلد والتغريب فيشرع في حق المحصن أيضا عقوبتان الجلد‏,‏ والرجم فيكون الرجم مكان التغريب فعلى هذه الرواية يبدأ بالجلد أولا‏,‏ ثم يرجم فإن والى بينهما جاز لأن إتلافه مقصود‏,‏ فلا تضر الموالاة بينهما وإن جلده يوما ورجمه آخر جاز‏,‏ فإن عليا رضي الله عنه جلد شراحة يوم الخميس ثم رجمها يوم الجمعة ثم قال‏:‏ جلدتها بكتاب الله تعالى‏,‏ ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

أن الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم وفي حديث عمر إن الرجم حق على من زنى وقد أحصن وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ذكر منها‏:‏ أو زنا بعد إحصان‏)‏ وللإحصان شروط سبعة أحدهما الوطء في القبل ولا خلاف في اشتراطه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏الثيب بالثيب الجلد والرجم‏)‏ والثيابة تحصل بالوطء في القبل‏,‏ فوجب اعتباره ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالى عن الوطء لا يحصل به إحصان سواء حصلت فيه خلوة أو وطء دون الفرج‏,‏ أو في الدبر أو لم يحصل شيء من ذلك لأن هذا لا تصير به المرأة ثيبا ولا تخرج به عن حد الأبكار‏,‏ الذين حدهم جلد مائة وتغريب عام بمقتضى الخبر ولا بد من أن يكون وطئا حصل به تغييب الحشفة في الفرج لأن ذلك حد الوطء الذي يتعلق به أحكام الوطء الثاني‏:‏ أن يكون في نكاح لأن النكاح يسمى إحصانا بدليل قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والمحصنات من النساء‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏ يعنى المتزوجات ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنى‏,‏ ووطء الشبهة لا يصير به الواطئ محصنا ولا نعلم خلافا في أن التسرى لا يحصل به الإحصان لواحد منهما لكونه ليس بنكاح ولا تثبت فيه أحكامه الثالث‏:‏ أن يكون النكاح صحيحا وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء‏,‏ وقتادة ومالك والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال أبو ثور‏:‏ يحصل الإحصان بالوطء في نكاح فاسد وحكى ذلك عن الليث والأوزاعي لأن الصحيح والفاسد سواء في أكثر الأحكام مثل وجوب المهر والعدة‏,‏ وتحريم الربيبة وأم المرأة ولحاق الولد فكذلك في الإحصان ولنا‏,‏ أنه وطء في غير ملك فلم يحصل به الإحصان كوطء الشبهة ولا نسلم ثبوت ما ذكروه من الأحكام‏,‏ وإنما ثبتت بالوطء فيه وهذه ثبتت في كل وطء وليست مختصة بالنكاح‏,‏ إلا أن النكاح ها هنا صار شبهة فصار الوطء فيه كوطء الشبهة سواء الرابع الحرية وهي شرط في قول أهل العلم كلهم‏,‏ إلا أبا ثور‏:‏ قال العبد والأمة هما محصنان يرجمان إذا زنيا إلا أن يكون إجماع يخالف ذلك وحكى عن الأوزاعي في العبد تحته حرة‏:‏ هو محصن‏,‏ يرجم إذا زنى وإن كان تحته أمة لم يرجم وهذه أقوال تخالف النص والإجماع‏,‏ فإن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏‏.‏ والرجم لا ينتصف وإيجابه كله يخالف النص مع مخالفة الإجماع المنعقد قبله إلا أن يكون إذا عتقا بعد الإصابة‏,‏ فهذا فيه اختلاف سنذكره - إن شاء الله تعالى - وقد وافق الأوزاعي على أن العبد إذا وطئ الأمة ثم عتقا لم يصيرا محصنين‏,‏ وهو قول الجمهور وزاد فقال في المملوكين إذا أعتقا وهما متزوجان‏,‏ ثم وطئها الزوج‏:‏ لا يصيران محصنين بذلك الوطء وهو أيضا قول شاذ خالف أهل العلم به فإن الوطء وجد منهما حال كمالهما فحصنهما‏,‏ كالصبيين إذا بلغا الشرط الخامس والسادس البلوغ والعقل فلو وطئ وهو صبي أو مجنون‏,‏ ثم بلغ أو عقل لم يكن محصنا هذا قول أكثر أهل العلم ومذهب الشافعي‏,‏ ومن أصحابه من قال‏:‏ يصير محصنا وكذلك العبد إذا وطئ في رقه ثم عتق‏,‏ يصير محصنا لأن هذا وطء يحصل به الإحلال للمطلق ثلاثا فحصل به الإحصان كالموجود حال الكمال ولنا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏والثيب بالثيب‏,‏ جلد مائة والرجم‏)‏ فاعتبر الثيوبة خاصة ولو كانت تحصل قبل ذلك لكان يجب عليه الرجم قبل بلوغه وعقله‏,‏ وهو خلاف الإجماع ويفارق الإحصان الإحلال لأن اعتبار الوطء في حق المطلق‏,‏ يحتمل أن يكون عقوبة له بتحريمها عليه حتى يطأها غيره ولأن هذا مما تأباه الطباع ويشق على النفوس فاعتبره الشارع زجرا عن الطلاق ثلاثا‏,‏ وهذا يستوى فيه العاقل والمجنون بخلاف الإحصان فإنه اعتبر لكمال النعمة في حقه‏,‏ فإن من كملت النعمة في حقه كانت جنايته أفحش وأحق بزيادة العقوبة والنعمة في العاقل البالغ أكمل والله أعلم الشرط السابع‏,‏ أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة وهذا قول أبى حنيفة وأصحابه ونحوه‏,‏ قول عطاء والحسن وابن سيرين‏,‏ والنخعي وقتادة والثوري‏,‏ وإسحاق قالوه في الرقيق وقال مالك‏:‏ إذا كان أحدهما كاملا صار محصنا إلا الصبى إذا وطئ الكبيرة لم يحصنها‏,‏ ونحوه عن الأوزاعي واختلف عن الشافعي فقيل‏:‏ له قولان أحدهما‏,‏ كقولنا والثاني‏:‏ أن الكامل يصير محصنا وهذا قول ابن المنذر لأنه حر بالغ عاقل وطئ في نكاح صحيح‏,‏ فصار محصنا كما لو كان الآخر مثله وقال بعضهم‏:‏ إنما القولان في الصبى دون العبد فإنه يصير محصنا‏,‏ قولا واحدا إذا كان كاملا ولنا أنه وطء لم يحصن به أحد المتواطئين‏,‏ فلم يحصن الآخر كالتسرى ولأنه متى كان أحدهما ناقصا‏,‏ لم يكمل الوطء فلا يحصل به الإحصان كما لو كانا غير كاملين‏,‏ وبهذا فارق ما قاسوا عليه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يشترط الإسلام في الإحصان وبهذا قال الزهري والشافعي فعلى هذا يكون الذميان محصنين فإن تزوج المسلم ذمية‏,‏ فوطئها صارا محصنين وعن أحمد رواية أخرى أن الذمية‏:‏ لا تحصن المسلم وقال عطاء‏,‏ والنخعي والشعبي ومجاهد‏,‏ والثوري‏:‏ هو شرط في الإحصان فلا يكون الكافر محصنا ولا تحصن الذمية مسلما لأن ابن عمر روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏من أشرك بالله‏,‏ فليس بمحصن‏)‏ ولأنه إحصان من شرطه الحرية فكان الإسلام شرطا فيه كإحصان القذف وقال مالك كقولهم‏,‏ إلا أن الذمية تحصن المسلم بناء على أصله في أنه لا يعتبر الكمال في الزوجين وينبغى أن يكون ذلك قولا للشافعي ولنا‏,‏ ما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال‏:‏ ‏(‏جاء اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا وذكر الحديث‏,‏ فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما‏)‏ متفق عليه ولأن الجناية بالزنى استوت من المسلم والذمى فيجب أن يستويا في الحد وحديثهم لم يصح ولا نعرفه في مسند وقيل‏:‏ هو موقوف على ابن عمر ثم يتعين حمله على إحصان القذف‏,‏ جمعا بين الحديثين فإن راويهما واحد وحديثنا صريح في الرجم‏,‏ فيتعين حمل خبرهم على الإحصان الآخر فإن قالوا‏:‏ إنما رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهوديين بحكم التوراة بدليل أنه راجعها فلما تبين له أن ذلك حكم الله عليهم‏,‏ أقامه فيهم وفيها أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 44‏]‏‏.‏ قلنا‏:‏ إنما حكم عليهم بما أنزل الله إليه بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 48‏]‏‏.‏ ولأنه لا يسوغ للنبي - صلى الله عليه وسلم - الحكم بغير شريعته‏,‏ ولو ساغ ذلك لساغ لغيره وإنما راجع التوراة لتعريفهم أن حكم التوراة موافق لما يحكم به عليهم وأنهم تاركون لشريعتهم‏,‏ مخالفون لحكمهم ثم هذا حجة لنا فإن حكم الله في وجوب الرجم إن كان ثابتا في حقهم يجب أن يحكم به عليهم‏,‏ فقد ثبت وجود الإحصان فيهم فإنه لا معنى له سوى وجوب الرجم على من زنى منهم بعد وجود شروط الإحصان منه وإن منعوا ثبوت الحكم في حقهم‏,‏ فلم حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏؟‏ ولا يصح القياس على إحصان القذف لأن من شرطه العفة وليست شرطا ها هنا‏.‏

فصل‏:‏

ولو ارتد المحصن لم يبطل إحصانه‏,‏ فلو أسلم بعد ذلك كان محصنا وقال أبو حنيفة رضي الله عنه‏:‏ يبطل لأن الإسلام عنده شرط في الإحصان وقد بينا أنه ليس بشرط ثم هذا داخل في عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أو زنا بعد إحصان‏)‏ ولأنه زنى بعد الإحصان فكان حده الرجم‏,‏ كالذي لم يرتد فأما إن نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب بعد إحصانه فسبي واسترق‏,‏ ثم أعتق احتمل أن لا يبطل إحصانه لأنه زنى بعد إحصانه فأشبه من ارتد واحتمل أن يبطل لأنه بطل بكونه رقيقا‏,‏ فلا يعود إلا بسبب جديد بخلاف من ارتد‏.‏

فصل‏:‏

وإذا زنى وله زوجة له منها ولد فقال‏:‏ ما وطئتها لم يرجم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يرجم لأن الولد لا يكون إلا من وطء فقد حكم بالوطء ضرورة الحكم بالولد ولنا‏,‏ أن الولد يلحق بإمكان الوطء واحتماله والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء فلا يلزم من ثبوت ما يكتفى فيه بالإمكان وجود ما تعتبر فيه الحقيقة وهو أحق الناس بهذا‏,‏ فإنه قال‏:‏ لو تزوج امرأة في مجلس الحاكم ثم طلقها فيه فأتت بولد لحقه مع العلم بأنه لم يطأها في الزوجية‏,‏ فكيف يحكم بحقيقة الوطء مع تحقق انتفائه وهكذا لو كان لامرأة ولد من زوج فأنكرت أن يكون وطئها لم يثبت إحصانها لذلك‏.‏

فصل‏:‏

ولو شهدت بينة الإحصان أنه دخل بزوجته‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ يثبت الإحصان به لأن المفهوم من لفظ الدخول كالمفهوم من لفظ المجامعة وقال محمد بن الحسن‏:‏ لا يكتفى به حتى تقول‏:‏ جامعها أو باضعها أو نحوه لأن الدخول يطلق على الخلوة بها ولهذا تثبت بها أحكامه وهذا أصح القولين - إن شاء الله تعالى - فأما إذا قالت‏:‏ جامعها أو باضعها فلم نعلم خلافا في ثبوت الإحصان‏,‏ وهكذا ينبغي إذا قالت‏:‏ وطئها فإن قالت‏:‏ باشرها أو مسها أو أصابها‏,‏ أو أتاها فينبغي أن لا يثبت به الإحصان لأن هذا يستعمل فيما دون الجماع في الفرج كثيرا فلا يثبت به الإحصان الذي يندرئ بالاحتمال‏.‏

فصل‏:‏

وإذا جلد الزاني على أنه بكر ثم بان محصنا‏,‏ رجم لما روى جابر ‏(‏أن رجلا زنى بامرأة فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن‏,‏ فرجم‏)‏ رواه أبو داود ولأنه وجب الجمع بينهما فقد أتى ببعض الواجب فيجب إتمامه‏,‏ وإن لم يجب الجمع بينهما تبين أنه لم يأت بالحد الواجب فيجب أن يأتي به‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويغسلان ويكفنان‏,‏ ويصلى عليهما ويدفنان‏]‏

لا خلاف في تغسيلهما ودفنهما وأكثر أهل العلم يرون الصلاة عليهما قال الإمام أحمد‏:‏ سئل علي ـ رضي الله عنه ـ عن شراحة وكان رجمها فقال‏:‏ اصنعوا بها كما تصنعون بموتاكم وصلى على على شراحة وقال مالك‏:‏ من قتله الإمام في حد لا نصلي عليه لأن جابرا قال في حديث ماعز‏:‏ فرجم حتى مات‏,‏ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرا ولم يصل عليه متفق عليه ولنا ما روى أبو داود‏,‏ بإسناده عن عمران بن حصين في حديث الجهنية‏:‏ ‏(‏فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجمت ثم أمرهم فصلوا عليها‏,‏ فقال عمر‏:‏ يا رسول الله أتصلي عليها وقد زنت‏؟‏ فقال‏:‏ والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم‏,‏ وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها‏؟‏‏)‏ ورواه الترمذي وفيه‏:‏ فرجمت وصلى عليها وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏صلوا على من قال‏:‏ لا إله إلا الله‏)‏ ولأنه مسلم لو مات قبل الحد صلى عليه فيصلي عليه بعده‏,‏ كالسارق وأما خبر ماعز فيحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحضره أو اشتغل عنه بأمر‏,‏ أو غير ذلك فلا يعارض ما رويناه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا زنى الحر البكر جلد مائة‏,‏ وغرب عاما‏]‏‏.‏

يعنى لم يحصن وإن كان ثيبا وقد ذكرنا الإحصان وشروطه ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصنا‏,‏ وقد جاء بيان ذلك في كتاب الله تعالى بقوله سبحانه‏:‏ ‏(‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏)‏ وجاءت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقة لما جاء به الكتاب ويجب مع الجلد تغريبه عاما في قول جمهور العلماء روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وبه قال أبي‏,‏ وأبو داود وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم‏,‏ وإليه ذهب عطاء وطاوس والثوري‏,‏ وابن أبى ليلى والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وقال مالك والأوزاعي‏:‏ يغرب الرجل دون المرأة لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة ولأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم‏,‏ لا يجوز التغريب بغير محرم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم‏)‏‏.‏ ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور‏,‏ وتضييع لها وإن غربت بمحرم أفضى إلى تغريب من ليس بزان‏,‏ ونفى من لا ذنب له وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به‏,‏ كما لو زاد ذلك على الرجل والخبر الخاص في التغريب إنما هو في حق الرجل وكذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم‏,‏ والعام يجوز تخصيصه لأنه يلزم من العمل بعمومه مخالفة مفهومه فإنه دل بمفهومه على أنه ليس على الزاني أكثر من العقوبة المذكورة فيه وإيجاب التغريب على المرأة يلزم منه الزيادة على ذلك‏,‏ وفوات حكمته لأن الحد وجب زجرا عن الزنا وفي تغريبها إغراء به وتمكين منه‏,‏ مع أنه قد يخصص في حق الثيب بإسقاط الجلد في قول الأكثرين فتخصيصه ها هنا أولى وقال أبو حنيفة‏,‏ ومحمد بن الحسن‏:‏ لا يجب التغريب لأن عليا رضي الله عنه قال‏:‏ حسبهما من الفتنة أن ينفيا وعن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر‏,‏ فقال عمر‏:‏ لا أغرب مسلما بعد هذا أبدا ولأن الله تعالى أمر بالجلد دون التغريب فإيجاب التغريب زيادة على النص ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‏)‏ وروى أبو هريرة‏,‏ وزيد بن خالد ‏(‏أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما‏:‏ إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإنني افتديت منه بمائة شاة ووليدة‏,‏ فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا‏:‏ إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام والرجم على امرأة هذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ والذي نفسي بيده‏,‏ لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل على ابنك جلد مائة وتغريب عام وجلد ابنه مائة‏,‏ وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها‏)‏ متفق عليه وفي الحديث‏,‏ أنه قال‏:‏ فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا‏:‏ إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا عندهم من حكم الله تعالى‏,‏ وقضاء رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قيل‏:‏ إن الذي قال له هذا هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ولأن التغريب فعله الخلفاء الراشدون ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفا فكان إجماعا‏,‏ ولأن الخبر يدل على عقوبتين في حق الثيب وكذلك في حق البكر وما رووه عن على لا يثبت لضعف رواته وإرساله وقول عمر‏:‏ لا أغرب بعده مسلما فيحتمل أنه أراد تغريبه في الخمر الذي أصابت الفتنة ربيعة فيه وقول مالك يخالف عموم الخبر والقياس لأن ما كان حدا في الرجل‏,‏ يكون حدا في المرأة كسائر الحدود وقول مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم‏,‏ والقياس على سائر الحدود لا يصح لأنه يستوي الرجل والمرأة في الضرر الحاصل بها بخلاف هذا الحد ويمكن قلب هذا القياس‏,‏ بأنه حد فلا تزاد فيه المرأة على ما على الرجل كسائر الحدود‏.‏

فصل‏:‏

ويغرب البكر الزاني حولا كاملا‏,‏ فإن عاد قبل مضى الحول أعيد تغريبه حتى يكمل الحول مسافرا‏,‏ ويبني على ما مضى ويغرب الرجل إلى مسافة القصر لأن ما دونها في حكم الحضر بدليل أنه لا يثبت في حقه أحكام المسافرين ولا يستبيح شيئا من رخصهم فأما المرأة‏,‏ فإن خرج معها محرمها نفيت إلى مسافة القصر وإن لم يخرج معها محرمها فقد نقل عن أحمد‏,‏ أنها تغرب إلى مسافة القصر كالرجل وهذا مذهب الشافعي وروي عن أحمد أنها تغرب إلى دون مسافة القصر لتقرب من أهلها فيحفظوها ويحتمل كلام أحمد أن لا يشترط في التغريب مسافة القصر‏,‏ فإنه قال في رواية الأثرم‏:‏ ينفي من عمله إلى عمل غيره وقال أبو ثور وابن المنذر‏:‏ لو نفي إلى قرية أخرى‏,‏ بينهما ميل أو أقل جاز وقال إسحاق‏:‏ يجوز أن ينفي من مصر إلى مصر ونحوه قال ابن أبي ليلى لأن النفي ورد مطلقا غير مقيد فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم‏,‏ والقصر يسمى سفرا ويجوز فيه التيمم والنافلة على الراحلة ولا يحبس في البلد الذي نفى إليه وبهذا قال الشافعي وقال مالك يحبس ولنا‏,‏ أنه زيادة لم يرد بها الشرع فلا تشرع كالزيادة على العام‏.‏