فصل: مسألة: ‏إن خالعها على غير عوض كان خلعا‏ ولا شيء له

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا قالت له اخلعني على ما في يدي من الدراهم ففعل فلم يكن في يدها شيء‏,‏ لزمها ثلاثة دراهم وجملة ذلك أن الخلع بالمجهول جائز وله ما جعل له وهذا قول أصحاب الرأي وقال أبو بكر‏:‏ لا يصح الخلع ولا شيء له لأنه معاوضة‏,‏ فلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي يصح الخلع وله مهر مثلها لأنه معاوضة بالبضع‏,‏ فإذا كان العوض مجهولا وجب مهر المثل كالنكاح ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط‏,‏ فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع ليس فيه تمليك شيء‏,‏ والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض بخلاف النكاح وإذا صح الخلع‏,‏ فلا يجب مهر المثل لأنها لم تبذله ولا فوتت عليه ما يوجبه فإن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم‏,‏ بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو رضاعها لمن ينفسخ به نكاحها لم يجب عليها شيء‏,‏ ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها ولو وطئت بشبهة أو مكرهة‏,‏ لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاوعت لم يكن للزوج شيء وإنما يتقوم البضع على الزوج في النكاح خاصة‏,‏ وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها إلى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببذله فأما إيجاب شيء لم ترض به فلا وجه له فعلى هذا إن خالعها على ما في يدها من الدراهم‏,‏ صح فإن كان في يدها دراهم فهي له وإن لم يكن في يدها شيء فله عليها ثلاثة نص عليه أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة‏,‏ لفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم وإن كان في يدها أقل من ثلاثة احتمل أن لا يكون له غيره لأنه من الدراهم‏,‏ وهو في يدها واحتمل أن يكون له ثلاثة كاملة لأن اللفظ يقتضيها فيما إذا لم يكن في يدها شيء فكذلك إذا كان في يدها‏.‏

فصل‏:‏

والخلع على مجهول ينقسم أقساما‏:‏ أحدها أن يخالعها على عدد مجهول من شيء غير مختلف‏,‏ كالدنانير والدراهم كالتي يخالعها على ما في يدها من الدراهم فهي هذه التي ذكر الخرقي حكمها والثاني‏,‏ أن يكون ذلك من شيء مختلف لا يعظم اختلافه مثل أن يخالعها على عبد مطلق أو عبيد أو يقول‏:‏ إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإنها تطلق بأي عبد أعطته إياه‏,‏ ويملكه بذلك ولا يكون له غيره وكذلك إن خالعته عليه فليس له إلا ما يقع عليه اسم العبد وإن خالعته على عبيد فله ثلاثة هذا ظاهر كلام أحمد وقياس قوله وقول الخرقي في المسألة التي قبلها وقد قال أحمد فيما إذا قال‏:‏ إذا أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا‏:‏ فهي طالق والظاهر من كلامه ما قلناه وقال القاضي‏:‏ له عليها عبد وسط وتأول كلام أحمد على أنها أعطته عبدا وسطا‏,‏ والظاهر خلافه ولنا أنها خالعته على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم‏,‏ كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم ولأنه إذا قال‏:‏ إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا فقد وجد شرطه‏,‏ فيجب أن يقع الطلاق كما لو قال‏:‏ إن رأيت عبدا فأنت طالق ولا يلزمها أكثر منه لأنها لم تلتزم له شيئا فلا يلزمها شيء كما لو طلقها بغير خلع الثالث‏,‏ أن يخالعها على مسمى تعظم الجهالة فيه مثل أن يخالعها على دابة أو بعير‏,‏ أو بقرة أو ثوب أو يقول‏:‏ إن أعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب في الخلع ما يقع عليه الاسم من ذلك‏,‏ ويقع الطلاق بها إذا أعطته إياه فيما إذا علق طلاقها على عطيته إياه ولا يلزمها غير ذلك‏,‏ في قياس ما قبلها وقال القاضي وأصحابه من الفقهاء‏:‏ ترد عليه ما أخذت من صداقها لأنها فوتت البضع ولم يحصل له العوض لجهالته فوجب عليها قيمة ما فوتت‏,‏ وهو المهر ولنا ما تقدم ولأنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها‏,‏ كما لو قال‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق ولأن المسمى قد استوفى بدله بالوطء فكيف يجب بغير رضي ممن يجب عليه‏,‏ والأشبه بمذهب أحمد أن يكون الخلع بالمجهول كالوصية به ومن هذا القسم لو خالعها على ما في بيتها من المتاع‏,‏ فإن كان فيه متاع فهو له قليلا كان أو كثيرا‏,‏ معلوما أو مجهولا وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع وعلى قول القاضي‏,‏ عليها المسمى في الصداق وهو قول أصحاب الرأي والوجه للقولين ما تقدم الرابع أن يخالعها على حمل أمتها أو غنمها‏,‏ أو غيرهما من الحيوان أو قال‏:‏ على ما في بطونها أو ضروعها فيصح الخلع وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح الخلع على ما في بطنها‏,‏ ولا يصح على حملها ولنا أن حملها هو ما في بطنها فصح الخلع عليه كما لو قال‏:‏ على ما في بطنها إذا ثبت هذا‏,‏ فإنه إن خرج الولد سليما أو كان في ضروعها شيء من اللبن فهو له وإن لم يخرج شيء‏,‏ فقال القاضي‏:‏ لا شيء له وهو قول مالك وأصحاب الرأي وقال ابن عقيل‏:‏ لها مهر المثل وقال أبو الخطاب‏:‏ له المسمى وإن خالعها على ما يثمر نخلها‏,‏ أو تحمل أمتها صح قال أحمد‏:‏ إذا خالع امرأته على ثمرة نخلها سنين فجائز‏,‏ فإن لم يحمل نخلها ترضيه بشيء قيل له‏:‏ فإن حمل نخلها‏؟‏ قال‏:‏ هذا أجود من ذاك قيل له‏:‏ يستقيم هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم جائز فيحتمل قول أحمد‏:‏ ترضيه بشيء أي‏:‏ له أقل ما يقع عليه اسم الثمرة أو الحمل‏,‏ فتعطيه عن ذلك شيئا أي شيء كان مثل ما ألزمناه في مسألة المتاع وقال القاضي‏:‏ لا شيء له وتأول قول أحمد ترضيه بشيء على الاستحباب لأنه لو كان كان واجبا‏,‏ لتقدر بتقدير يرجع إليه وفرق بين هاتين المسألتين ومسألة الدراهم والمتاع حيث يرجع فيهما بأقل ما يقع عليه الاسم إذا لم يجد شيئا وها هنا لا يرجع بشيء إذا لم يجد حملا ولا ثمرة ثم أوهمته أن معها دراهم‏,‏ وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع إمكان علمها به فكان ما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حرا‏,‏ وفي هاتين المسألتين دخل معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شيء غيره‏,‏ كما لو قال‏:‏ خالعتك على هذا الحر وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يصح العوض ها هنا لأنه معدوم ولنا أن ما جاز في الحمل في البطن جاز فيما كان يحمل‏,‏ كالوصية واختار أبو الخطاب أن له في هذه الأقسام الثلاثة المسمى في الصداق وأوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح أبو بكر الخلع في هذا كله وقد ذكرنا نصوص أحمد على جوازه والدليل عليه والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

إذا خالعته على رضاع ولده سنتين صح‏,‏ وكذلك إن جعلا وقتا معلوما قل أو كثر وبهذا قال الشافعي لأن هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففي الخلع أولى فإن خالعته على رضاع ولده مطلقا‏,‏ ولم يذكرا مدته صح أيضا وينصرف إلى ما بقي من الحولين نص عليه أحمد‏,‏ قيل له‏:‏ ويستقيم هذا الشرط رضاع ولدها ولا يقول‏:‏ ترضعه سنتين‏؟‏ قال‏:‏ نعم وقال أصحاب الشافعي لا يصح حتى يذكرا مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكرا المدة ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين‏,‏ فقال تعالى ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين‏}‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وفصاله في عامين‏}‏ وقال ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهرا‏}‏ ولم يبين مدة الحمل ها هنا والفصال فحمل على ما فسرته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر‏,‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا رضاع بعد فصال‏)‏ يعني بعد العامين فيحمل المطلق من كلام الآدمي على ذلك أيضا ولا يحتاج إلى وصف الرضاع‏,‏ لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الإجارة فإن ماتت المرضعة‏,‏ أو جف لبنها فعليها أجر المثل لما بقي من المدة وإن مات الصبي فكذلك وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ لا ينفسخ‏,‏ ويأتيها بصبي ترضعه مكانه لأن الصبي مستوفى به لا معقود عليه فأشبه ما لو استأجر دابة ليركبها فمات ولنا أنه عقد على فعل في عين‏,‏ فينفسخ بتلفها كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولأن ما يستوفيه من اللبن إنما يتقدر بحاجة الصبي‏,‏ وحاجات الصبيان تختلف ولا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو أراد إبداله في حياته‏,‏ ولأنه لا يجوز إبداله في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة‏,‏ بخلاف راكب الدابة وإن وجد أحد هذه الأمور قبل مضي شيء من المدة فعليها أجر رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه‏:‏ لا يرجع بشيء وعن الشافعي كقولنا‏,‏ وعنه‏:‏ يرجع بالمهر ولنا أنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثلها‏,‏ كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه‏.‏

فصل‏:‏

وإن خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح‏,‏ وإن لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر الطعام والأدم ويرجع عند الإطلاق إلى نفقة مثله وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع‏,‏ وقدر الطعام وجنسه وقدر الإدام وجنسه ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة كالمسلم فيه‏,‏ وما يحل منه كل يوم ومبنى الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى عليه السلام وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رحم الله أخي موسى‏,‏ آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه‏)‏ ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ها هنا وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة الصبي‏,‏ وما يحتاج إليه لأنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن أحب أنفقه بعينه‏,‏ وإن أحب أخذه لنفسه وأنفق عليه غيره وإن أذن لها في إنفاقه على الصبي جاز فإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع‏,‏ فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم‏؟‏ فيه وجهان أحدهما يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في ‏"‏ الجامع ‏"‏ واحتج بقول أحمد‏:‏ إذا خالعها على رضاع ولده‏,‏ فمات في أثناء الحولين قال‏:‏ يرجع عليها ببقية ذلك ولم يعتبر الأجل ولأنه إنما فرق لحاجة الولد إليه متفرقا فإذا زالت الحاجة إلى التفريق استحق جملة واحدة والثاني لا يستحقه إلا يوما بيوم ذكره القاضي في ‏"‏ المجرد ‏"‏‏,‏ وهو الصحيح لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا كما لو أسلم إليه في خبز يأخذه منه كل يوم أرطالا معلومة‏,‏ فمات المستحق له ولأن الحق لا يحل بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق‏,‏ وإن وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين وإن ماتت المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين‏,‏ بناء على أن الدين هل يحل بموت من هو عليه أم لا‏؟‏

فصل‏:‏

والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا‏,‏ لم يدخل في ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن كان غيرهما‏,‏ دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه قال أحمد في امرأة قالت لزوجها‏:‏ اجعل أمري بيدي‏,‏ ولك هذا العبد ففعل ثم خيرت فاختارت نفسها بعدما مات العبد‏:‏ جائز وليس عليها شيء قال‏:‏ ولو أعتقت العبد‏,‏ ثم اختارت نفسها لم يصح عتقها له فلم يصحح عتقها له لأن ملكها زال عنه بجعلها له عوضا في الخلع ولم يضمنها إياه إذا تلف لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد ويخرج فيه وجه‏,‏ أنه لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه‏,‏ كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق وأما المكيل والموزون فلا يصح تصرفه فيه‏,‏ ولا يدخل في ضمانه حتى يقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله لأنه من ذوات الأمثال وقد ذكر القاضي في الصداق أنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه‏,‏ وإن كان مكيلا أو موزونا لأنه لا ينفسخ سببه بتلفه فها هنا مثله‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن خالعها على غير عوض كان خلعا‏,‏ ولا شيء له‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة‏:‏ فروي عنه ابنه عبد الله قال‏:‏ قلت لأبي‏:‏ رجل علقت به امرأته تقول‏:‏ اخلعني قال‏:‏ قد خلعتك قال يتزوج بها ويجدد نكاحا جديدا‏,‏ وتكون عنده على ثنتين فظاهر هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لأنه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق‏,‏ ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن توجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه فتسأله فراقها‏,‏ فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فصح‏,‏ كما لو كان بعوض قال أبو بكر‏:‏ لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال‏,‏ فلا نزاع في أنه طلاق تملك به الرجعة ولا يكون فسخا والرواية الثانية لا يكون خلع إلا بعوض روي عنه مهنا‏,‏ إذا قال لها‏:‏ اخلعي نفسك فقالت‏:‏ خلعت نفسي لم يكن خلعا إلا على شيء إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى فعلى هذه الرواية‏,‏ لا يصح الخلع إلا بعوض فإن تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق‏,‏ كان طلاقا رجعيا لأنه يصلح كناية عن الطلاق وإن لم ينو به الطلاق لم يكن شيئا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها وكذلك لو قال‏:‏ فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق‏,‏ لم يقع شيء بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة‏,‏ فلا يجتمع له العوض والمعوض وإن قلنا‏:‏ الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقا وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية‏,‏ أو بذل العوض فيقوم مقام النية وما وجد واحد منهما ثم إن وقع الطلاق‏,‏ فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن تكمل الثلاث‏.‏

فصل‏:‏

إذا قالت‏:‏ بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح‏,‏ وكان بيعا وخلعا بعوض واحد لأنهما عقدان يصح إفراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما‏,‏ كبيع ثوبين وقد نص أحمد على الجمع بين بيع وصرف أنه يصح وهو نظير لهذا وذكر أصحابنا فيه وجها آخر‏,‏ أنه لا يصح لأن أحكام العقدين تختلف والأول أصح لما ذكرنا وللشافعي فيه قولان أيضا فعلى قولنا يتقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته‏,‏ حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك وإن وجدته حرا أو مغصوبا رجعت به لأنه عوضه فإن كان مكان العبد شقص مشفوع‏,‏ ففيه الشفعة ويأخذ الشفيع بحصة قيمته من الألف لأنها عوضه‏.‏

فصل‏:‏

وإن خالعها على نصف دار صح‏,‏ ولا شفعة فيه لأنه عوض عما لا قيمة له ويتخرج أن فيه شفعة لأن له عوضا وهل يأخذه الشفيع بقيمته أو بمثل المهر‏,‏ على وجهين‏:‏ فأما إن خالعها ودفع إليها ألفا بنصف دارها صح‏,‏ ولا شفعة أيضا وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ تجب الشفعة فيما قابل الألف لأنه عوض مال ولنا أن إيجاب الشفعة تقويم للبضع في حق غير الزوج والبضع لا يتقوم في حق غيره‏,‏ ولأن الزوج ملك الشقص صفقة واحدة من شخص واحد فلا يجوز للشفيع أخذ بعضه كما لو اشتراه بثمن واحد‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو خالعها على ثوب فخرج معيبا‏,‏ فهو مخير بين أن يأخذ أرش العيب أو قيمة الثوب ويرده‏]‏

وجملة ذلك أن الخلع يستحق فيه رد عوضه بالعيب أو أخذ الأرش لأنه عوض في معاوضة‏,‏ فيستحق فيه ذلك كالبيع والصداق ولا يخلو إما أن يكون على معين مثل أن تقول‏:‏ اخلعني على هذا الثوب فيقول‏:‏ خلعتك ثم يجد به عيبا لم يكن علم به‏,‏ فهو مخير بين رده وأخذ قيمته وبين أخذ أرشه وإن قال‏:‏ إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت‏,‏ وملكه قال أصحابنا‏:‏ والحكم فيه كما لو خالعها عليه وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لم يجعل له المطالبة بالأرش مع إمكان رده وهذا أصل ذكرناه في البيع وله أيضا قول‏:‏ إنه إذا رده رجع بمهر المثل وهذا الأصل ذكر في الصداق وإن خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم‏,‏ صح وعليها أن تعطيه إياه سليما لأن إطلاق ذلك يقتضي السلامة كما في البيع والصداق فإن دفعته إليه معيبا‏,‏ أو ناقصا عن الصفات المذكورة فله الخيار بين إمساكه أو رده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة لأنه إنما وجب في الذمة سليما تام الصفات‏,‏ فيرجع بما وجب له لأنها ما أعطته الذي وجب له عليها وإن قال‏:‏ إن أعطيتني ثوبا صفته كذا وكذا فأعطته ثوبا على تلك الصفات‏,‏ طلقت وملكه وإن أعطته ناقصا صفة لم يقع الطلاق‏,‏ ولم يملكه لأنه ما وجد الشرط فإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه قال القاضي‏:‏ ويتخير بين إمساكه‏,‏ ورده والرجوع بقيمته وهذا قول الشافعي إلا أن له قولا أنه يرجع بمهر المثل‏,‏ على ما ذكرنا وعلى ما قلنا نحن فيما تقدم‏:‏ أنه إذا قال‏:‏ إذا أعطيتني ثوبا أو عبدا أو هذا الثوب‏,‏ أو هذا العبد فأعطته إياه معيبا طلقت وليس له شيء سواه وقد نص أحمد على من قال‏:‏ إن أعطيتني هذا الألف‏,‏ فأنت طالق فأعطته إياه فوجده معيبا فليس له البدل وقال أيضا‏:‏ إذا قال‏:‏ إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا أعطته عبدا‏,‏ فهي طالق ويملكه وهذا يدل على أن كل موضع قال‏:‏ إن أعطيتني كذا فأعطته إياه فليس له غيره وذلك لأن الإنسان لا يلزمه في ذمته شيء إلا بإلزام‏,‏ أو التزام ولم يرد الشرع بإلزامها هذا ولا هي التزمته له‏,‏ وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شيء سواه‏,‏ ولأنها لم تدخل معه في معاوضة وإنما حققت شرط الطلاق فأشبه ما لو قال‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت أو ما لو قال‏:‏ إن أعطيت أباك عبدا فأنت طالق فأعطته إياه‏.‏