فصل: مسألة: من حلف على شيء‏‏ وهو يعلم أنه كاذب فلا كفارة عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم‏,‏ كان حلها محرما لأن حلها بفعل المحرم وهو محرم وإن كانت على فعل مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على فعل مباح‏,‏ فحلها مباح فإن قيل‏:‏ فكيف يكون حلها مباحا وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها‏}‏ ‏؟‏ ‏[‏النحل‏:‏ 91‏]‏‏.‏ قلنا‏:‏ هذا في الأيمان في العهود والمواثيق بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 91‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 92‏]‏‏.‏ والعهد يجب الوفاء به بغير يمين فمع اليمين أولى فإن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 91‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ولهذا نهى عن نقض اليمين‏,‏ والنهى يقتضي التحريم وذمهم عليه وضرب لهم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا‏,‏ ولا خلاف في أن الحل المختلف فيه لا يدخله شيء من هذا وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا حلفت على يمين‏,‏ فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك‏)‏ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إني والله‏,‏ إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها‏,‏ إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها‏)‏ وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب‏,‏ فحلها واجب لأن حلها بفعل الواجب وفعل الواجب واجب‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ وإن فعله ناسيا فلا شيء عليه إذا كانت اليمين بغير الطلاق والعتاق ‏)‏ وجملة ذلك أن من حلف أن لا يفعل شيئا‏,‏ ففعله ناسيا فلا كفارة عليه نقله عن أحمد الجماعة إلا في الطلاق والعتاق فإنه يحنث هذا ظاهر المذهب واختاره الخلال وصاحبه وهو قول أبى عبيد وعن أحمد‏,‏ رواية أخرى أنه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضا وهذا قول عطاء‏,‏ وعمرو بن دينار وابن أبى نجيح وإسحاق‏,‏ قالوا‏:‏ لا حنث على الناسى في طلاق ولا غيره وهو ظاهر مذهب الشافعي لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 5‏]‏‏.‏ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إن الله تجاوز لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏‏.‏ ولأنه غير قاصد للمخالفة‏,‏ فلم يحنث كالنائم والمجنون ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد كحالة الابتداء بها وعن أحمد‏,‏ رواية أخرى أنه يحنث في الجميع وتلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير‏,‏ ومجاهد والزهري وقتادة‏,‏ وربيعة ومالك وأصحاب الرأي‏,‏ والقول الثاني للشافعي لأنه فعل ما حلف عليه قاصدا لفعله فلزمه الحنث كالذاكر‏,‏ وكما لو كانت اليمين بالطلاق والعتاق ولنا على أن الكفارة لا تجب في اليمين المكفرة ما تقدم‏,‏ ولأنها تجب لرفع الإثم ولا إثم على الناسى وأما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط‏,‏ فيقع بوجود شرطه من غير قصد كما لو قال‏:‏ أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج‏.‏

فصل‏:‏

وإن فعله غير عالم بالمحلوف عليه‏,‏ كرجل حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا أو حلف إنه لا يفارق غريمه حتى يستوفى حقه‏,‏ فأعطاه قدر حقه ففارقه ظنا منه أنه قد بر فوجد ما أخذه رديئا‏,‏ أو حلف‏:‏ لا بعت لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه‏,‏ فهو كالناسى لأنه غير قاصد للمخالفة أشبه الناسى‏.‏

فصل‏:‏

والمكره على الفعل ينقسم قسمين أحدهما‏:‏ أن يلجأ إليه مثل من يحلف لا يدخل دارا‏,‏ فحمل فأدخلها أو لا يخرج منها فأخرج محمولا أو مدفوعا بغير اختياره‏,‏ ولم يمكنه الامتناع فهذا لا يحنث في قول أكثرهم وبه قال أصحاب الرأي وقال مالك‏:‏ إن دخل مربوطا لم يحنث وذلك لأنه لم يفعل الدخول والخروج فلم يحنث‏,‏ كما لو لم يوجد ذلك الثاني أن يكره بالضرب والتهديد بالقتل ونحوه فقال أبو الخطاب‏:‏ فيه روايتان كالناسى وللشافعي قولان وقال مالك‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ يحنث لأن الكفارة لا تسقط بالشبهة فوجب مع الإكراه والنسيان ككفارة الصيد ولنا‏,‏ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏ ولأنه نوع إكراه‏,‏ فلم يحنث به كما لو حمل ولم يمكنه الامتناع ولأن الفعل لا ينسب إليه‏,‏ فأشبه من لم يفعله ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن حلف على شيء‏,‏ وهو يعلم أنه كاذب فلا كفارة عليه لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة‏]‏

هذا ظاهر المذهب نقله الجماعة عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم‏,‏ منهم ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن‏,‏ ومالك والأوزاعي والثوري‏,‏ والليث وأبو عبيد وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي من أهل الكوفة وهذه اليمين تسمى يمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم قال ابن مسعود‏:‏ كنا نعد من اليمين التي لا كفارة لها اليمين الغموس وعن سعيد بن المسيب‏,‏ قال‏:‏ هي من الكبائر وهي أعظم من أن تكفر وروي عن أحمد أن فيها الكفارة وروي ذلك عن عطاء‏,‏ والزهري والحكم والبتي وهو قول الشافعي لأنه وجدت منه اليمين بالله تعالى‏,‏ والمخالفة مع القصد فلزمته الكفارة كالمستقبلة ولنا‏,‏ أنها يمين غير منعقدة فلا توجب الكفارة كاللغو‏,‏ أو يمين على ماض فأشبهت اللغو وبيان كونها غير منعقدة‏,‏ أنها لا توجب برا ولا يمكن فيها ولأنه قارنها ما ينافيها وهو الحنث‏,‏ فلم تنعقد كالنكاح الذي قارنه الرضاع ولأن الكفارة لا ترفع إثمها‏,‏ فلا تشرع فيها ودليل ذلك أنها كبيرة فإنه يروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من الكبائر الإشراك بالله‏,‏ وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس‏)‏ رواه البخاري‏,‏ وروى فيه‏:‏ ‏(‏خمس من الكبائر لا كفارة لهن الإشراك بالله والفرار من الزحف وبهت المؤمن‏,‏ وقتل المسلم بغير حق والحلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم‏)‏ ولا يصح القياس على المستقبلة لأنها يمين منعقدة يمكن حلها والبر فيها‏,‏ وهذه غير منعقدة فلا حل لها وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير‏)‏ يدل على أن الكفارة إنما تجب بالحلف على فعل يفعله فيما يستقبله قاله ابن المنذر‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والكفارة إنما تلزم من حلف يريد عقد اليمين‏]‏

وجملته أن اليمين التي تمر على لسانه في عرض حديثه‏,‏ من غير قصد إليها لا كفارة فيها في قول أكثر أهل العلم لأنها من لغو اليمين نقل عبد الله‏,‏ عن أبيه أنه قال‏:‏ اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك‏,‏ والرجل يحلف فلا يعقد قلبه على شيء وممن قال‏:‏ إن اللغو اليمين التي لا يعقد عليها قلبه عمر وعائشة رضي الله عنهما وبه قال عطاء والقاسم‏,‏ وعكرمة والشعبي والشافعي لما روي عن عطاء‏,‏ قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يعني اللغو في اليمين‏:‏ ‏(‏هو كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله‏)‏ أخرجه أبو داود قال‏:‏ ورواه الزهري‏,‏ وعبد الملك بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء‏,‏ عن عائشة موقوفا وروى الزهري أن عروة حدثه‏,‏ عن عائشة قالت أيمان اللغو‏,‏ ما كان في المراء والهزل والمزاحة‏,‏ والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره‏,‏ ليفعلن أو ليتركن فذلك عقد الأيمان التي فرض الله ـ تعالى ـ فيها الكفارة ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه وهذا كذلك وممن قال‏:‏ لا كفارة في هذا ابن عباس‏,‏ وأبو هريرة وأبو مالك وزرارة بن أوفى‏,‏ والحسن والنخعي ومالك وهو قول من قال‏:‏ إنه من لغو اليمين ولا نعلم في هذا خلافا ووجه ذلك قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏‏.‏ فجعل الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها‏,‏ ونفى المؤاخذة باللغو فيلزم انتفاء الكفارة ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة‏,‏ بدليل أنها تجب في الأيمان التي لا مأثم فيها وإذا كانت المؤاخذة إيجاب الكفارة فقد نفاها في اللغو‏,‏ فلا تجب ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم‏,‏ فكان إجماعا ولأن قول عائشة في تفسير اللغو وبيان الأيمان التي فيها الكفارة‏,‏ خرج منها تفسيرا لكلام الله تعالى وتفسير الصحابي مقبول‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن حلف على شيء يظنه كما حلف فلم يكن‏,‏ فلا كفارة عليه لأنه من لغو اليمين‏]‏ أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها قاله ابن المنذر يروى هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك‏,‏ وزرارة بن أوفى والحسن والنخعي‏,‏ ومالك وأبي حنيفة والثوري وممن قال‏:‏ هذا لغو اليمين مجاهد‏,‏ وسليمان بن يسار والأوزاعي والثوري‏,‏ وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه وقال ابن عبد البر‏:‏ أجمع المسلمون على هذا وقد حكى عن النخعي في اليمين على شيء يظنه حقا فيتبين بخلافه أنه من لغو اليمين‏,‏ وفيه الكفارة وهو أحد قولي الشافعي وروي عن أحمد أن فيه الكفارة وليس من لغو اليمين لأن اليمين بالله ـ تعالى ـ وجدت مع المخالفة‏,‏ فأوجبت الكفارة كاليمين على مستقبل ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏‏.‏ وهذه منه‏,‏ ولأنها يمين غير منعقدة فلم تجب فيها كفارة كيمين الغموس‏,‏ ولأنه غير مقصود للمخالفة فأشبه ما لو حنث ناسيا وفي الجملة لا كفارة في يمين على ماض لأنها تنقسم ثلاثة أقسام ما هو صادق فيه‏,‏ فلا كفارة فيه إجماعا وما تعمد الكذب فيه فهو يمين الغموس لا كفارة فيها لأنها أعظم من أن تكون فيها كفارة وما يظنه حقا‏,‏ فيتبين بخلافه فلا كفارة فيه لأنه من لغو اليمين فأما اليمين على المستقبل فما عقد عليه قلبه‏,‏ وقصد اليمين عليه ثم خالف فعليه الكفارة‏,‏ وما لم يعقد عليه قلبه ولم يقصد اليمين عليه وإنما جرت على لسانه‏,‏ فهو من لغو اليمين وكلام عائشة يدل على هذا فإنها قالت‏:‏ أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل‏,‏ والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره‏,‏ ليفعلن أو ليتركن فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة وقال الثوري في ‏"‏ جامعه ‏"‏‏:‏ الأيمان أربعة يمينان يكفران‏,‏ وهو أن يقول الرجل‏:‏ والله لا أفعل فيفعل أو يقول‏:‏ والله لأفعلن ثم لا يفعل ويمينان لا يكفران أن يقول‏:‏ والله ما فعلت وقد فعل أو يقول‏:‏ والله لقد فعلت وما فعل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏واليمين المكفرة‏,‏ أن يحلف بالله ـ عز وجل أو باسم من أسمائه‏]‏

أجمع أهل العلم على أن من حلف بالله ـ عز وجل فقال‏:‏ والله‏,‏ أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة قال ابن المنذر‏:‏ وكان مالك‏,‏ والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي يقولون‏:‏ من حلف باسم من أسماء الله ـ تعالى فحنث‏,‏ أن عليه الكفارة ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله ـ عز وجل التي لا يسمى بها سواه وأسماء الله تنقسم ثلاثة أقسام أحدها ما لا يسمى بها غيره‏,‏ نحو قوله‏:‏ والله والرحمن والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء‏,‏ ورب العالمين ومالك يوم الدين ورب السماوات والأرض‏,‏ والحي الذي لا يموت ونحو هذا فالحلف بهذا يمين بكل حال والثاني ما يسمى به غير الله تعالى مجازا‏,‏ وإطلاقه ينصرف إلى الله ـ سبحانه مثل الخالق والرازق‏,‏ والرب والرحيم والقادر‏,‏ والقاهر والملك والجبار ونحوه‏,‏ فهذا يسمى به غير الله مجازا بدليل قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وتخلقون إفكا‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 17‏]‏‏.‏ ‏{‏وتذرون أحسن الخالقين‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 125‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ارجع إلى ربك‏)‏ و ‏{‏اذكرنى عند ربك‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 42‏]‏‏.‏ فأنساه الشيطان ذكر ربه وقال‏:‏ ‏{‏فارزقوهم منه‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 8‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏بالمؤمنين رءوف رحيم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 128‏]‏‏.‏ فهذا إن نوى به اسم الله تعالى أو أطلق كان يمينا لأنه بإطلاقه ينصرف إليه وإن نوى به غير الله ـ تعالى‏,‏ لم يكن يمينا لأنه يستعمل في غيره فينصرف بالنية إلى ما نواه وهذا مذهب الشافعي وقال طلحة العاقولي إذا قال‏:‏ والرب والخالق والرازق كان يمينا على كل حال‏,‏ كالأول لأنها لا تستعمل مع التعريف فاللام التعريف إلا في اسم الله فأشبهت القسم الأول الثالث ما يسمى به الله ـ تعالى‏,‏ وغيره ولا ينصرف إليه بإطلاقه كالحي‏,‏ والعالم والموجود والمؤمن‏,‏ والكريم والشاكر فهذا إن قصد به اليمين باسم الله ـ تعالى ـ كان يمينا وإن أطلق‏,‏ أو قصد غير الله ـ تعالى لم يكن يمينا فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الإطلاق‏,‏ ففي الأول يكون يمينا وفي الثاني لا يكون يمينا وقال القاضي والشافعي‏,‏ في هذا القسم‏:‏ لا يكون يمينا وإن قصد به اسم الله ـ تعالى لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الاسم فمع الاشتراك لا تكون له حرمة‏,‏ والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين ولنا أنه أقسم باسم الله تعالى قاصدا به الحلف به‏,‏ فكان يمينا مكفرة كالقسم الذي قبله وقولهم‏:‏ إن النية المجردة لا تنعقد بها اليمين نقول به وما انعقد بالنية المجردة إنما انعقد بالاسم المحتمل‏,‏ المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فيصير كالمصرح به‏,‏ كالكنايات وغيرها ولهذا لو نوى بالقسم الذي قبله غير الله ـ تعالى لم يكن يمينا‏,‏ لنيته‏.‏