فصل: مسألة: مقدار دية المأمومة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الهاشمة عشر من الإبل وهي التي توضح العظم وتهشمه‏]‏

الهاشمة‏:‏ هي التي تتجاوز الموضحة‏,‏ فتهشم العظم سميت هاشمة لهشمها العظم ولم يبلغنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها تقدير وأكثر من بلغنا قوله من أهل العلم‏,‏ على أن أرشها مقدر بعشر من الإبل روي ذلك قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت وبه قال قتادة والشافعي‏,‏ والعنبري ونحوه قال الثوري وأصحاب الرأي‏,‏ إلا أنهم قدروها بعشر الدية من الدراهم وذلك على قولهم ألف درهم وكان الحسن لا يوقت فيها شيئا وحكي عن مالك أنه قال‏:‏ لا أعرف الهاشمة‏,‏ لكن في الإيضاح خمس وفي الهشم حكومة قال ابن المنذر‏:‏ النظر يدل على قول الحسن إذ لا سنة فيها ولا إجماع ولأنه لم ينقل فيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقدير‏,‏ فوجبت فيها الحكومة كما دون الموضحة ولنا قول زيد‏,‏ ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولأنه لم نعرف له مخالفا في عصره فكان إجماعا ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم‏,‏ فكان فيها مقدر كالمأمومة‏.‏

فصل‏:‏

والهاشمة في الرأس والوجه خاصة على ما ذكرنا في الموضحة وإن هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الإبل‏,‏ على ما ذكرنا في الموضحة من التفصيل وتستوي الهاشمة الصغيرة والكبيرة وإن شجه شجة بعضها موضحة وبعضها هاشمة‏,‏ وبعضها سمحاق وبعضها متلاحمة وجب أرش الهاشمة لأنه لو كان جميعها هاشمة‏,‏ أجزأ أرشها ولو انفرد القدر المهشوم وجب أرشها‏,‏ فلا ينقص ذلك بما إذا زاد من الأرش في غيرها وإن ضرب رأسه فهشم العظم ولم يوضحه‏,‏ لم تجب دية الهاشمة بغير خلاف لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة يكون معها موضحة وفي الواجب فيها وجهان أحدهما فيها خمس من الإبل لأنه لو أوضح وكسر لوجبت عشر خمس في الإيضاح‏,‏ وخمس في الكسر فإذا وجد الكسر دون الإيضاح وجب خمس والثاني‏:‏ تجب حكومة لأنه كسر عظم لا جرح معه‏,‏ فأشبه كسر قصبة الأنف‏.‏

فصل‏:‏

فإن أوضحه موضحتين هشم العظم في كل واحدة منهما واتصل الهشم في الباطن‏,‏ فهما هاشمتان لأن الهشم إنما يكون تبعا للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين‏,‏ بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعا لغيرها فافترقا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل‏,‏ وهي التي توضح وتهشم وتسطو حتى تنقل عظامها‏]‏

المنقلة‏:‏ زائدة على الهاشمة وهي التي تكسر العظام وتزيلها عن مواضعها فيحتاج إلى نقل العظم ليلتئم وفيها خمس عشرة من الإبل بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل‏)‏ وفي تفصيلها ما في تفصيل الموضحة والهاشمة‏,‏ على ما مضى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي المأمومة ثلث الدية وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وفي الآمة مثل ما في المأمومة‏]‏

المأمومة والآمة شيء واحد قال ابن عبد البر‏:‏ أهل العراق يقولون لها‏:‏ الآمة وأهل الحجاز‏:‏ المأمومة وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه‏,‏ فإذا وصلت الجراحة إليها سميت آمة ومأمومة يقال‏:‏ أم الرجل آمة ومأمومة وأرشها ثلث الدية في قول عامة أهل العلم إلا مكحولا فإنه قال‏:‏ إن كانت عمدا ففيها ثلثا الدية‏,‏ وإن كانت خطأ ففيها ثلثها ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتاب عمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي المأمومة ثلث الدية‏)‏ وعن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك وروي نحوه عن على ولأنها شجة فلم يختلف أرشها بالعمد والخطأ في المقدار كسائر الشجاج‏.‏

فصل‏:‏

وإن خرق جلدة الدماغ‏,‏ فهي الدامغة وفيها ما في المأمومة قال القاضي‏:‏ لم يذكر أصحابنا الدامغة لمساواتها المأمومة في أرشها‏,‏ وقيل‏:‏ فيها مع ذلك حكومة لخرق جلدة الدماغ ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب‏.‏

فصل‏:‏

فإن أوضحه رجل ثم هشمه الثاني ثم جعلها الثالث منقلة‏,‏ ثم جعلها الرابع مأمومة فعلى الأول أرش موضحته وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة‏,‏ وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث‏,‏ تمام أرش المأمومة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف‏]‏

وهذا قول عامة أهل العلم منهم أهل المدينة‏,‏ وأهل الكوفة وأهل الحديث وأصحاب الرأي‏,‏ إلا مكحولا قال فيها‏:‏ في العمد ثلثا الدية ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتاب عمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي الجائفة ثلث الدية‏)‏ وعن ابن عمر‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك ولأنها جراحة فيها مقدر فلم يختلف قدر أرشها بالعمد والخطأ كالموضحة‏,‏ ولا نعلم في جراح البدن الخالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدرا غير الجائفة والجائفة‏:‏ ما وصل إلى الجوف من بطن أو ظهر‏,‏ أو صدر أو ثغرة نحر أو ورك‏,‏ أو غيره وذكر ابن عبد البر أن مالكا وأبا حنيفة‏,‏ والشافعي والبتي وأصحابهم‏,‏ اتفقوا على أن الجائفة لا تكون إلا في الجوف قال ابن القاسم‏:‏ الجائفة ما أفضى إلى الجوف ولو بمغرز إبرة فأما إن خرق شدقه فوصل إلى باطن الفم فليس بجائفة لأن داخل الفم حكمه حكم الظاهر‏,‏ لا حكم الباطن وإن طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل إلى فيه فليس بجائفة لما ذكرنا وقال الشافعي‏,‏ في أحد قوليه‏:‏ هو جائفة لأنه قد وصل إلى جوف وهذا ينتقض بما إذا خرق شدقه فعلى هذا يكون عليه دية هاشمة لكسر العظم وفيما زاد حكومة وإن جرحه في أنفه فأنفذه‏,‏ فهو كما لو جرحه في وجنته فأنقذه إلى فيه في الحكم والخلاف وإن جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول من الذكر‏,‏ فليس بجائفة لأنه ليس بجوف يخاف التلف من الوصول إليه بخلاف غيره‏.‏

فصل‏:‏

وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز‏,‏ فعليه ثلثا الدية وإن خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية صار جائفة واحدة‏,‏ فيها ثلث الدية لا غير وإن خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية‏,‏ وعلى الأجنبى الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه وإن احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره‏,‏ أو خرقها ولي المجني عليه لذلك أو الطبيب بأمره فلا شيء في خرق الحاجز‏,‏ وعلى الأول ثلثا الدية وإن أجافه رجل فوسعها آخر فعلى كل واحد منهما أرش جائفة لأن فعل كل واحد منهما لو انفرد كان جائفة‏,‏ فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى فعل غيره لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره وإن وسعها الطبيب بإذنه أو إذن وليه لمصلحته‏,‏ فلا شيء عليه وإن وسعها جان آخر في الظاهر دون الباطن أو في الباطن دون الظاهر‏,‏ فعليه حكومة لأن جنايته لم تبلغ الجائفة وإن أدخل السكين في الجائفة ثم أخرجها عزر ولا أرش عليه وإن كان قد خاطها‏,‏ فجاء آخر فقطع الخيوط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم‏,‏ عزر أشد من التعزير الأول الذي قبله وغرمه ثمن الخيوط وأجرة الخياط ولم يلزمه أرش جائفة لأنه لم يجفه وإن فعل ذلك بعد التحامها‏,‏ فعليه أرش الجائفة وثمن الخيوط لأنه بالالتحام عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وإن التحم بعضها دون بعض ففتق ما التحم‏,‏ فعليه أرش جائفة لما ذكرنا وإن فتق غير ما التحم عليه فليس عليه أرش الجائفة وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل أن يلتحم منها شيء وإن فتق بعض ما التحم في الظاهر دون الباطن‏,‏ أو الباطن دون الظاهر فعليه حكومة كما لو وسع جرحه كذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإن جرح فخذه‏,‏ ومد السكين حتى بلغ الورك فأجاف فيه أو جرح الكتف‏,‏ وجر السكين حتى بلغ الصدر فأجافه فيه فعليه أرش الجائفة وحكومة في الجراح لأن الجراح في غير موضع الجائفة‏,‏ فانفردت بالضمان كما لو أوضحه في رأسه وجر السكين حتى بلغ القفا فإنه يلزمه أرش موضحة وحكومة لجرح القفا‏.‏

فصل‏:‏

فإن أدخل حديدة أو خشبة أو يده‏,‏ في دبر إنسان فخرق حاجزا في الباطن فعليه حكومة‏,‏ ولا يلزمه أرش جائفة لأن الجائفة ما خرقت من الظاهر إلى الجوف وهذه بخلافه وكذلك لو أدخل السكين في جائفة إنسان فخرق شيئا في الباطن‏,‏ فليس ذلك بجائفة لما ذكرنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏فإن جرحه في جوفه فخرج من الجانب الآخر فهما جائفتان‏]‏

هذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء‏,‏ ومجاهد وقتادة ومالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلمهم يختلفون في ذلك وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أنه قال‏:‏ هي جائفة واحدة وحكي أيضا عن أبي حنيفة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن إلى الجوف‏,‏ وهذه الثانية إنما نفذت من الباطن إلى الظاهر ولنا ما روي سعيد بن المسيب أن رجلا رمى رجلا بسهم‏,‏ فأنفذه فقضى أبو بكر رضي الله عنه بثلثي الدية ولا مخالف له فيكون إجماعا أخرجه سعيد بن منصور في ‏"‏ سننه ‏"‏ وروي عن عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه قضى في الجائفة إذا نفذت الجوف‏,‏ بأرش جائفتين لأنه أنفذه من موضعين فكان جائفتين كما لو أنفذه بضربتين وما ذكروه غير صحيح فإن الاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف‏,‏ لا بكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى ولأن ما ذكروه من الكيفية ليس بمذكور في خبر‏,‏ وإنما العادة في الغالب وقوع الجائفة هكذا فلا يعتبر كما أن العادة في الغالب حصولها بالحديد‏,‏ ولو حصلت بغيره لكانت جائفة ثم ينتقض ما ذكروه بما لو أدخل يده في جائفة إنسان فخرق بطنه من موضع آخر فإنه يلزمه أرش جائفة بغير خلاف نعلمه وكذلك يخرج فيمن أوضح إنسانا في رأسه‏,‏ ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فهي موضحتان فإن هشمه هاشمة لها مخرجان فهي هاشمتان وكذلك ما أشبهه‏.‏

فصل‏:‏

فإن أدخل إصبعه في فرج بكر‏,‏ فأذهب بكارتها فليس بجائفة لأن ذلك ليس بجوف‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن وطئ زوجته‏,‏ وهي صغيرة ففتقها لزمه ثلث الدية‏]‏

معنى الفتق‏,‏ خرق ما بين مسلك البول والمني وقيل‏:‏ بل معناه خرق ما بين القبل والدبر إلا أن هذا بعيد لأنه يبعد أن يذهب بالوطء ما بينهما من الحاجز فإنه حاجز غليظ قوي والكلام في هذه المسألة‏:‏ في فصلين

الفصل الأول‏:‏

في أصل وجوب الضمان والثاني‏:‏ في قدره‏:‏ أما الأول‏,‏ فإن الضمان إنما يجب بوطء الصغيرة أو النحيفة التي لا تحمل الوطء دون الكبيرة المحتملة له وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ يجب الضمان في الجميع لأنه جناية فيجب الضمان به‏,‏ كما لو كان في أجنبية ولنا أنه وطء مستحق فلم يجب ضمان ما تلف به كالبكارة‏,‏ ولأنه فعل مأذون فيه ممن يصح إذنه فلم يضمن ما تلف بسرايته كما لو أذنت في مداواتها بما يفضي إلى ذلك‏,‏ وكقطع السارق أو استيفاء القصاص وعكسه الصغيرة والمكرهة على الزنا إذا ثبت هذا‏,‏ فإنه يلزمه المهر المسمى في النكاح مع أرش الجناية ويكون أرش الجناية في ماله‏,‏ إن كان عمدا محضا وهو أن يعلم أنها لا تطيقه وأن وطأه يفضيها فأما إن لم يعلم ذلك‏,‏ وكان مما يحتمل أن لا يفضي إليه فهو عمد الخطأ فيكون على عاقلته‏,‏ إلا على قول من قال‏:‏ إن العاقلة لا تحمل عمد الخطأ فإنه يكون في ماله‏:‏

الفصل الثاني‏:‏

في قدر الواجب وهو ثلث الدية وبهذا قال قتادة‏,‏ وأبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ تجب الدية كاملة وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز لأنه أتلف منفعة الوطء فلزمته الدية كما لو قطع إسكتيها ولنا‏,‏ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في الإفضاء بثلث الدية ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ولأن هذه جناية تخرق الحاجز بين مسلك البول والذكر فكان موجبها ثلث الدية كالجائفة ولا نسلم أنها تمنع الوطء‏,‏ وأما قطع الإسكتين فإنما أوجب الدية لأنه قطع عضوين فيهما نفع وجمال فأشبه قطع الشفتين‏.‏

فصل‏:‏

وإن استطلق بولها مع ذلك‏,‏ لزمته دية من غير زيادة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ تجب دية وحكومة لأنه فوت منفعتين فلزمه أرشهما كما لو فوت كلامه وذوقه ولنا‏,‏ أنه أتلف عضوا واحدا فلم يفت غير منافعه فلم يضمنه بأكثر من دية واحدة‏,‏ كما لو قطع لسانه فذهب ذوقه وكلامه وما قاله لا يصح لأنه لو أوجب دية المنفعتين لأوجب ديتين لأن استطلاق البول موجب الدية والإفضاء عنده موجب الدية منفردا‏,‏ ولم يقل به وإنما أوجب الحكومة ولم يوجد مقتضيها‏,‏ فإننا لا نعلم أحدا أوجب في الإفضاء حكومة‏.‏

فصل‏:‏

وإن اندمل الحاجز وانسد وزال الإفضاء‏,‏ لم يجب ثلث الدية ووجبت حكومة لجبر ما حصل من النقص‏.‏

فصل‏:‏

وإن أكره امرأة على الزنى‏,‏ فأفضاها لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها لأنه حصل بوطء غير مستحق‏,‏ ولا مأذون فيه فلزمه ضمان ما أتلف به كسائر الجنايات وهل يلزمه أرش البكارة مع ذلك‏؟‏ فيه روايتان إحداهما‏,‏ لا يلزمه لأن أرش البكارة داخل في مهر المثل فإن مهر البكر أكثر من مهر الثيب فالتفاوت بينهما هو عوض أرش البكارة‏,‏ فلم يضمنه مرتين كما في حق الزوجة والثانية يضمنه لأنه محل أتلفه بعدوانه‏,‏ فلزمه أرشه كما لو أتلفه بإصبعه فأما المطاوعة على الزنى إذا كانت كبيرة ففتقها‏,‏ فلا ضمان عليه في فتقها وقال الشافعي‏:‏ يضمن لأن المأذون فيه الوطء دون الفتق فأشبه ما لو قطع يدها ولنا أنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه‏,‏ فلم يضمنه كأرش بكارتها ومهر مثلها‏,‏ وكما لو أذنت في قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها وفارق ما إذا أذنت في وطئها فقطع يدها لأن ذلك ليس من المأذون فيه‏,‏ ولا من ضرورته‏.‏

فصل‏:‏

وإن وطئ امرأة بشبهة فأفضاها فعليه أرش إفضائها مع مهر مثلها لأن الفعل إنما أذن فيه اعتقادا أن المستوفى له هو المستحق‏,‏ فإذا كان غيره ثبت في حقه وجوب الضمان لما أتلف كما لو أذن في أخذ الدين لمن يعتقد أنه مستحقه‏,‏ فبان أنه غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يجب لها أكثر الأمرين من مهر مثلها أو أرش إفضائها لأن الأرش لإتلاف العضو فلا يجمع بين ضمانه وضمان منفعته كما لو قلع عينا ولنا‏,‏ أن هذه جناية تنقل عن الوطء فلم يدخل بدله فيها كما لو كسر صدرها وما ذكروه غير صحيح فإن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع‏,‏ والأرش يجب لإتلاف الحاجز فلا تدخل المنفعة فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإن استطلق بول المكرهة على الزنى والموطوءة بشبهة‏,‏ مع إفضائهما فعليه ديتهما والمهر وقال أبو حنيفة في الموطوءة بشبهة‏:‏ لا يجمع بينهما ويجب أكثرهما وقد سبق الكلام معه في ذلك‏.‏

س

مسألة ‏:‏

قال ‏:‏ ‏[‏وفي الضلع بعير ، وفي الترقوة بعيران‏]‏

ظاهر هذا أن في كل ترقوة بعيرين ، فيكون في الترقوتين أربعة أبعرة ‏.‏ وهذا قول زيد بن ثابت ‏.‏ والترقوة ‏:‏ هو العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف ‏.‏ ولكل واحد ترقوتان ، ففيهما أربعة أبعرة ، في ظاهر قول الخرقي ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ المراد بقول الخرقي الترقوتان معا ، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق ، فيكون في كل ترقوة بعير ‏.‏ وهذا قول عمر بن الخطاب ‏.‏ وبه قال سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعبد الملك بن مروان ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وإسحاق ‏.‏ وهو قول للشافعي ، والمشهور من قوليه عند أصحابه ، أن في كل واحد مما ذكرنا حكومة ، وهو قول مسروق ، وأبي حنيفة ، ومالك ، وابن المنذر ؛ لأنه عظم باطن ، لا يختص بجمال ومنفعة ، فلم يجب فيه أرش مقدر ، كسائر أعضاء البدن ، ولأن التقدير إنما يكون بتوقيف أو قياس صحيح ، وليس في هذا توقيف ولا قياس ‏.‏ وروي عن الشعبي ، أن في الترقوة أربعين دينارا ، وقال عمرو بن شعيب ‏:‏ في الترقوتين الدية ، وفي إحداهما نصفها ؛ لأنهما عضوان فيهما جمال ومنفعة ، وليس في البدن غيرهما من جنسهما ، فكملت فيهما الدية ، كاليدين ‏.‏ ولنا ، قول عمر رضي الله عنه ، وزيد بن ثابت ‏.‏ وما ذكروه ينتقض بالهاشمة ؛ فإنها كسر عظام باطنة ، وفيها مقدر ‏.‏ ولا يصح قولهم ‏:‏ إنها لا تختص بجمال ومنفعة ‏.‏ فإن جمال هذه العظام ونفعها لا يوجد في غيرها ، ولا مشارك لها فيه ‏.‏ وأما قول عمرو بن شعيب ، فمخالف للإجماع ، فإننا لا نعلم أحدا قبله ولا بعده وافقه فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الزند أربعة أبعرة لأنه عظمان‏]‏

قال القاضي‏:‏ يعني به الزندين فيهما أربعة أبعرة لأن فيهما أربعة عظام‏,‏ ففي كل عظم بعير وهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي‏:‏ فيه حكومة لما تقدم ولنا‏,‏ ما روي سعيد حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد‏,‏ عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر‏:‏ إن فيه بعيرين‏,‏ وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة من الإبل ورواه أيضا من طريق آخر مثل ذلك وهذا لم يظهر له مخالف في الصحابة فكان إجماعا‏.‏

فصل‏:‏

ولا مقدر في غير هذه العظام في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر أهل العلم وقال القاضي‏:‏ في عظم الساق بعيران‏,‏ وفي الساقين أربعة أبعرة وفي عظم الفخذ بعيران وفي الفخذين أربعة‏,‏ فهذه تسعة عظام فيها مقدر الضلع والترقوتان والزندان والساقان‏,‏ والفخذان وما عداها لا مقدر فيه وقال ابن عقيل وأبو الخطاب‏,‏ وجماعة من أصحاب القاضي‏:‏ في كل واحد من الذراع والعضد بعيران وزاد أبو الخطاب عظم القدم لما روي سليمان بن يسار أن عمر رضي الله عنه قضى في الذراع والعضد والفخذ والساق والزند إذا كسر واحد منها فجبر ولم يكن به دحور يعني عوجا بعير‏,‏ وإن كان فيها دحور فبحساب ذلك وهذا الخبر إن صح‏,‏ فهو مخالف لما ذهبوا إليه فلا يصلح دليلا عليه والصحيح إن شاء الله‏,‏ أنه لا تقدير في غير الخمسة الضلع والترقوتين والزندين لأن التقدير إنما يثبت بالتوقيف‏,‏ ومقتضى الدليل وجوب الحكومة في هذه العظام الباطنة كلها وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر رضي الله عنه ففيما عداها يبقى على مقتضى الدليل‏,‏ وما عدا هذه العظام كعظم الظهر وغيره ففيه الحكومة‏,‏ ولا نعلم فيه مخالفا وإن خالف فيها مخالف فهو قول شاذ لا يستند إلى دليل يعتمد عليه‏,‏ ولا يصار إليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والشجاج التي لا توقيت فيها أولها الحارصة وهي التي تحرص الجلد‏]‏

يعني تشقه قليلا وقال بعضهم‏:‏ هي الحارصة‏,‏ ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم البازلة‏,‏ وهي التي يسيل منها الدم ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم‏,‏ ثم السمحاق وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة ثم الموضحة هكذا وقع في النسخ التي وصلت إلينا‏:‏ الحارصة‏,‏ ثم الباضعة ثم البازلة ولعله من غلط الكاتب والصواب‏:‏ الحارصة ثم البازلة‏,‏ ثم الباضعة هكذا رتبها سائر من علمنا قوله من أهل العلم ولأن الباضعة التي تشق اللحم بعد الجلد فلا يمكن وجودها قبل البازلة التي يسيل منها الدم‏,‏ وتسمى الدامعة لقلة سيلان دمها تشبيها له بخروج الدمع من العين‏,‏ والتى تشق اللحم بعد الجلد يسيل منها دم كثير في الغالب فكيف يصح جعلها سابقة على ما لا يسيل منها إلا دم يسير كدمع العين ويدل على صحة ما ذكرناه أن زيد بن ثابت‏,‏ جعل في البازلة بعيرا وفي الباضعة بعيرين وقول الخرقي‏:‏ والشجاج يعني‏:‏ جراح الرأس والوجه فإنه يسمى شجاجا خاصة دون جراح سائر البدن والشجاج المسماة عشر خمس منها أرشها مقدر‏,‏ وقد ذكرناها وخمس لا توقيت فيها قال الأصمعي‏:‏ أولها الحارصة‏,‏ وهي التي تشق الجلد قليلا يعني تقشر شيئا يسيرا من الجلد لا يظهر منه دم ومنه‏:‏ حرص القصار الثوب إذا شقه قليلا ثم البازلة‏,‏ وهي التي ينزل منها الدم أي يسيل وتسمى الدامية أيضا والدامعة ثم الباضعة‏,‏ وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم يعني دخلت فيه دخولا كثيرا يزيد على الباضعة‏,‏ ولم تبلغ السمحاق ثم السمحاق وهي التي تصل إلى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقا‏,‏ وسميت الجراح الواصلة إليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاة وهي التي تأخذ اللحم كله حتى تخلص منه ثم الموضحة‏,‏ وهي التي تقشر تلك الجلدة وتبدي وضح العظم أي بياضه‏,‏ وهي أول الشجاج الموقتة وما قبلها من الشجاج الخمس فلا توقيت فيها في الصحيح من مذهب أحمد وهو قول أكثر الفقهاء يروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي‏,‏ وروي عن أحمد رواية أخرى أن في الدامية بعيرا‏,‏ وفي الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة أبعرة لأن هذا يروى عن زيد بن ثابت وروي عن علي رضي الله عنه في السمحاق مثل ذلك رواه سعيد عنهما وعن عمر وعثمان‏,‏ فيها نصف أرش الموضحة والصحيح الأول لأنها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن روي عن مكحول‏,‏ قال ‏(‏قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقض فيما دونها‏)‏ ولأنه لم يثبت فيها مقدر بتوقيف ولا له قياس يصح‏,‏ فوجب الرجوع إلى الحكومة كالحارصة وذكر القاضي أنه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من الموضحة‏,‏ مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة إلى جانبها قدرت هذه الجراحة منها فإن كانت بقدر النصف‏,‏ وجب نصف أرش الموضحة إن كانت بقدر الثلث وجب ثلث الأرش وعلى هذا‏,‏ إلا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك فتوجب ما تخرجه الحكومة فإذا كانت الجراحة قدر نصف الموضحة‏,‏ وشينها ينقص قدر ثلثيها أوجبنا ثلثي أرش الموضحة وإن نقصت الحكومة أقل من النصف‏,‏ أوجبنا النصف فنوجب الأكثر مما تخرجه الحكومة أو قدرها من الموضحة لأنه اجتمع سببان موجبان الشين وقدرها من الموضحة‏,‏ فوجب بها أكثرهما لوجود سببه والدليل على إيجاب المقدار أن هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بمقداره من ديته‏,‏ كالمارن والحشفة والشفة والجفن وهذا مذهب الشافعي وهذا لا نعلمه مذهبا لأحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لأن هذه جراحة تجب فيها الحكومة‏,‏ فلا يجب فيها مقدر كجراحات البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فإنه لا تجب فيه الحكومة‏,‏ ولا نعلم لما ذكروه نظيرا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وما لم يكن فيه من الجراح توقيت ولم يكن نظيرا لما وقتت ديته ففيه حكومة‏]‏

أما الذي فيه توقيت‏,‏ فهو الذي نص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أرشه وبين قدر ديته كقوله‏:‏ ‏(‏في الأنف الدية‏,‏ وفي اللسان الدية‏)‏ وقد ذكرناه وأما نظيره فهو ما كان في معناه ومقيسا عليه‏,‏ كالأليتين والثديين والحاجبين وقد ذكرنا ذلك أيضا‏,‏ فما لم يكن من الموقت ولا مما يمكن قياسه عليه كالشجاج التي دون الموضحة‏,‏ وجراح البدن سوى الجائفة وقطع الأعضاء وكسر العظام المذكورة فليس فيه إلا الحكومة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به‏,‏ ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقصته الجناية فله مثله من الدية‏,‏ كأن تكون قيمته وهو عبد صحيح عشرة وقيمته وهو عبد به الجناية تسعة فيكون فيه عشر ديته‏]‏

هذا الذي ذكره الخرقي‏,‏ -رحمه الله- في تفسير الحكومة قول أهل العلم كلهم‏,‏ لا نعلم بينهم فيه خلافا وبه قال الشافعي والعنبري وأصحاب الرأي‏,‏ وغيرهم قال ابن المنذر‏:‏ كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن معنى قولهم‏:‏ حكومة أن يقال إذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم‏:‏ كم قيمة هذا المجروح‏؟‏ لو كان عبدا لم يجرح هذا الجرح فإذا قيل‏:‏ مائة دينار قيل‏:‏ وكم قيمته وقد أصابه هذا الجرح‏,‏ وانتهى برؤه‏؟‏ قيل‏:‏ خمسة وتسعون فالذي يجب على الجاني نصف عشر الدية وإن قالوا‏:‏ تسعون فعشر الدية وإن زاد أو نقص فعلى هذا المثال وإنما كان كذلك لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة منها‏,‏ كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش عيبه مقدرا من الثمن فيقال‏:‏ كم قيمته لا عيب فيه‏؟‏ فقالوا‏:‏ عشرة فيقال‏:‏ كم قيمته وفيه العيب‏؟‏ فإذا قيل‏:‏ تسعة‏,‏ علم أنه نقص عشر قيمته فيجب أن نرد من الثمن عشره أي قدر كان‏,‏ ونقدره عبدا ليمكن تقويمه ونجعل العبد أصلا للحر فيما لا موقت فيه والحر أصلا للعبد فيما فيه توقيت‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وعلى هذا ما زاد من الحكومة أو نقص‏,‏ إلا أن تكون الجناية في رأس أو وجه فيكون أسهل مما وقت فيه فلا يجاوز به أرش الموقت‏]‏

يعني لو نقصته الجناية أكثر من عشر قيمته‏,‏ لوجب أكثر من عشر ديته ولو نقصته أقل من العشر مثل أن نقصته نصف عشر قيمته لوجب نصف عشر ديته‏,‏ إلا إذا شجه دون الموضحة فبلغ أرش الجراح بالحكومة أكثر من أرش الموضحة لم يجب الزائد‏,‏ فلو جرحه في وجهه سمحاقا فنقصته عشر قيمته فمقتضى الحكومة وجوب عشر من الإبل‏,‏ ودية الموضحة خمس فهاهنا يعلم غلط المقوم لأن الجراحة لو كانت موضحة لم تزد على خمس‏,‏ مع أنها سمحاق وزيادة عليها فلأن لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن مالك أنه يجب ما تخرجه الحكومة‏,‏ كائنا ما كان لأنها جراحة لا مقدر فيها فوجب فيها ما نقص كما لو كانت في سائر البدن ولنا‏,‏ أنها بعض الموضحة لأنه لو أوضحه لقطع ما قطعته هذه الجراحة ولا يجوز أن يجب في بعض الشيء أكثر مما يجب فيه‏,‏ ولأن الضرر في الموضحة أكثر والشين أعظم والمحل واحد‏,‏ فإذا لم يزد أرش الموضحة على خمس كان ذلك تنبيها على أن لا يزيد ما دونها عليها وأما سائر البدن فما كان فيه موقت‏,‏ كالأعضاء والعظام المعلومة والجائفة‏,‏ فلا يزاد جرح عظم على ديته مثاله جرح أنملة‏,‏ فبلغ أرشها بالحكومة خمسا من الإبل فإنه يرد إلى دية الأنملة وإن جنى عليه في جوفه دون الجائفة لم يزد على أرش الجائفة‏,‏ وما لم يكن كذلك وجب ما أخرجته الحكومة لأن المحل مختلف فإن قيل‏:‏ فقد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع اللسان أكثر من الواجب فيه‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما وجبت دية النفس عوضا عن الروح‏,‏ وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا هذه ذكره القاضي ويحتمل كلام الخرقي أن يختص امتناع الزيادة بالرأس والوجه لقوله‏:‏ إلا أن تكون الجناية في رأس أو وجه فلا يجاوز به أرش الموقت‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أخرجت الحكومة في شجاج الرأس التي دون الموضحة قدر أرش الموضحة‏,‏ أو زيادة عليه فظاهر كلام الخرقي أنه يجب أرش الموضحة وقال القاضي‏:‏ يجب أن تنقص عنها شيئا على حسب ما يؤدي إليه الاجتهاد وهذا مذهب الشافعي لئلا يجب في بعضها ما يجب في جميعها وجه قول الخرقي أن مقتضى الدليل وجوب ما أخرجته الحكومة‏,‏ وإنما سقط الزائد على أرش الموضحة لمخالفته النص أو تنبيه النص ففيما لم يزد‏,‏ يجب البقاء على الأصل ولأن ما ثبت بالتنبيه يجوز أن يساوي المنصوص عليه في الحكم‏,‏ ولا يلزم أن يزيد عليه كما أنه نص على وجوب فدية الأذى في حق المعذور ولم تلزم زيادتها في حق من لا عذر له‏,‏ ولا يمتنع أن يجب في البعض ما يجب في الكل بدليل وجوب دية الأصابع مثل دية اليد كلها وفي حشفة الذكر مثل ما في جميعه فإن هذا وجب بالتقدير الشرعي‏,‏ لا بالتقويم قلنا‏:‏ إذا ثبت الحكم بنص الشارع لم يمتنع ثبوت مثله بالقياس عليه والاجتهاد المؤدى إليه وفي الجملة‏,‏ فالحكومة دليل ترك العمل بها في الزائد لمعنى مفقود في المساوى فيجب العمل فيه بها لعدم المعارض ثم وإن صح ما ذكروه‏,‏ فينبغي أن ينقص أدنى ما تحصل به المساواة المحذورة ويجب الباقي عملا بالدليل الموجب له - والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

ولا يكون التقويم إلا بعد برء الجرح لأن أرش الجرح المقدر إنما يستقر بعد برئه‏,‏ فإن لم تنقصه الجناية شيئا بعد البرء مثل أن قطع إصبعا أو يدا زائدة أو قلع لحية امرأة‏,‏ فلم ينقصه ذلك بل زاده حسنا فلا شيء على الجاني لأن الحكومة لأجل جبر النقص‏,‏ ولا نقص ها هنا فأشبه ما لو لطم وجهه فلم يؤثر وإن زادته الجناية حسنا‏,‏ فالجاني محسن بجنايته فلم يضمن كما لو قطع سلعة أو ثؤلولا‏,‏ وبط خراجا ويحتمل أن يضمن قال القاضي‏:‏ نص أحمد على هذا لأن هذا جزء من مضمون فلم يعر عن ضمان كما لو أتلف مقدر الأرش فازداد به جمالا‏,‏ أو لم ينقصه شيئا فعلى هذا يقوم في هذا أقرب الأحوال إلى البرء لأنه لما سقط اعتبار قيمته بعد برئه قوم في أقرب الأحوال إليه‏,‏ كولد المغرور لما تعذر تقويمه في البطن قوم عند الوضع لأنه أقرب الأحوال التي أمكن تقويمه إلى كونه في البطن وإن لم ينقص في تلك الحال‏,‏ قوم والدم جار لأنه لا بد من نقص للخوف عليه ذكره القاضي ولأصحاب الشافعي وجهان كما ذكرنا وتقوم لحية المرأة كأنها لحية رجل في حال ينقصه ذهاب لحيته وإن أتلف سنا زائدة قوم وليس له سن‏,‏ ولا خلفها أصلية ثم يقوم وقد ذهبت الزائدة فإن كانت المرأة إذا قدرناها ابن عشرين نقصها ذهاب لحيتها يسيرا وإن قدرناها ابن أربعين نقصها كثيرا‏,‏ قدرناها ابن عشرين لأنه أقرب الأحوال إلى حال المجني عليه فأشبه تقويم الجرح الذي لا ينقص بعد الاندمال فإنا نقومه في أقرب أحوال النقص إلى حال الاندمال والأول أصح‏,‏ إن شاء الله فإن هذا لا مقدر فيه ولم ينقص شيئا‏,‏ فأشبه الضرب وتضمين النقص الحاصل حال جريان الدم إنما هو تضمين الخوف عليه‏,‏ وقد زال فأشبه ما لو لطمه فاصفر لونه حال اللطمة أو احمر‏,‏ ثم زال ذلك وتقدير المرأة رجلا لا يصح لأن اللحية زين للرجل وعيب فيها وتقدير ما يعيب بما يزين لا يصح‏,‏ وكذلك تقدير السن في حالة إيراد زوالها بحالة تكره لا يجوز فإن الشيء يقدر بنظيره‏,‏ ويقاس على مثله لا على ضده ومن قال بهذا الوجه‏,‏ فإنما يوجب أدنى ما يمكن إيجابه وهو أقل نقص يمكن تقديره‏.‏

فصل‏:‏

وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر في وجهه‏,‏ فلا ضمان عليه لأنه لم ينقص به جمال ولا منفعة ولم يكن له حال ينقص فيها فلم يضمنه‏,‏ كما لو شتمه وإن سود وجهه أو خضره ضمنه بديته لأنه فوت الجمال على الكمال فضمنه بديته‏,‏ كما لو قطع أذنى الأصم وأنف الأخشم وقال الشافعي‏:‏ ليس فيه إلا حكومة لأنه لا مقدر فيه ولا هو نظير لمقدر وقد ذكرنا أنه نظير لقطع الأذنين في ذهاب الجمال‏,‏ بل هو أعظم في ذلك فيكون بإيجاب الدية أولى وإن زال السواد يرد ما أخذه لزوال سبب الضمان وإن زال بعضه‏,‏ وجبت فيه حكومة ورد الباقي وإن صفر وجهه أو حمره ففيه حكومة لأن الجمال لم يذهب على الكمال‏,‏ وهذا يشبه ما لو سود سنه أو غير لونها على ما ذكرنا من التفصيل فيها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت الجناية على العبد مما ليس فيه شيء موقت في الحر‏,‏ ففيه ما نقصه بعد التئام الجرح وإن كان فيما جنى عليه شيء موقت في الحر فهو موقت في العبد من قيمته‏,‏ ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر‏,‏ وهكذا الأمة‏]‏

وجملته أن الجناية على العبد يجب ضمانها بما نقص من قيمته لأن الواجب إنما وجب جبرا لما فات بالجناية ولا ينجبر إلا بإيجاب ما نقص من القيمة فيجب ذلك‏,‏ كما لو كانت الجناية على غيره من الحيوانات وسائر المال ولا يجب زيادة على ذلك لأن حق المجني عليه قد انجبر فلا يجب له زيادة على ما فوته الجاني عليه هذا هو الأصل‏,‏ ولا نعلم فيه خلافا فيما ليس فيه مقدر شرعي فإن كان الفائت بالجناية موقتا في الحر كيده وموضحته‏,‏ ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه أيضا ما نقصه بالغا ما بلغ وذكر أبو الخطاب أن هذا اختيار الخلال وروي الميموني عن أحمد‏,‏ أنه قال‏:‏ إنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس وروي هذا عن مالك فيما عدا موضحته ومنقلته‏,‏ وهاشمته وجائفته لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم‏,‏ ولأن ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ضمن بعضه بما نقص كسائر الأموال‏,‏ ولأن مقتضى الدليل ضمان الفائت بما نقص خالفناه فيما وقت في الحر كما خالفناه في ضمان بقيته بالدية المؤقتة‏,‏ ففي العبد يبقى فيهما على مقتضى الدليل وظاهر المذهب أن ما كان موقتا في الحر فهو موقت في العبد ففي يده‏,‏ أو عينه أو أذنه أو شفته‏,‏ نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وما أوجب الدية في الحر‏,‏ كالأنف واللسان واليدين‏,‏ والرجلين والعينين والأذنين‏,‏ أوجب قيمة العبد مع بقاء ملك السيد عليه روي هذا عن علي رضي الله عنه وروي نحوه عن سعيد بن المسيب وبه قال ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والشافعي‏,‏ والثوري وبه قال أبو حنيفة قال أحمد‏:‏ هذا قول سعيد بن المسيب وقال آخرون‏:‏ ما أصيب به العبد فهو على ما نقص من قيمته والظاهر أن هذا لو كان قول على لما احتج أحمد فيه إلا به دون غيره إلا أن أبا حنيفة والثوري قالا‏:‏ ما أوجب الدية من الحر يتخير سيد العبد فيه بين أن يغرمه قيمته‏,‏ ويصير ملكا للجاني وبين أن لا يضمنه شيئا لئلا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل لرجل واحد وروي عن إياس بن معاوية‏,‏ في من قطع يد عبد عمدا أو فقأ عينه هو له‏,‏ وعليه ثمنه ووجه هذه الرواية قول علي رضي الله عنه ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ولأنه آدمي يضمن بالقصاص والكفارة‏,‏ فكان في أطرافه مقدر كالحر ولأن أطرافه فيها مقدر من الحر فكان فيها مقدر من العبد‏,‏ كالشجاج الأربع عند مالك وما وجب في شجاجه مقدر وجب في أطرافه مقدر كالحر وعلى أبي حنيفة‏,‏ قول علي ولأن هذه الأعضاء فيها مقدر فوجب ذلك فيها مع بقاء ملك السيد في العبد‏,‏ كاليد الواحدة وسائر الأعضاء ولأن من ضمنت يده بمقدر‏,‏ ضمنت يداه بمثليه من غير أن يملكه كالحر وقولهم‏:‏ إنه اجتمع البدل والمبدل لواحد ليس بصحيح لأن القيمة ها هنا بدل العضو وحده ولو كان بدلا عن الجملة‏,‏ لكان بدل اليد الواحدة بدلا عن نصفه وبدل تسع أصابع بدلا عن تسعة أعشاره والأمر بخلافه والأمة مثل العبد في ذلك‏,‏ إلا أنها تشبه بالحرة وإذا بلغت ثلث قيمتها احتمل أن جنايتها ترد إلى النصف‏,‏ فيكون في ثلاث أصابع ثلاثة أعشار قيمتها وفي أربعة أصابع خمسها كما أن المرأة تساوي الرجل في الجراح إلى ثلث ديتها‏,‏ فإذا بلغت الثلث ردت إلى النصف والأمة امرأة‏,‏ فيكون أرشها من قيمتها كأرش الحرة ويحتمل أن لا يرد إلى النصف لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية وأنه كلما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها‏,‏ فإذا خولف هذا في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل‏.‏

فصل‏:‏

وإذا جنى على العبد في رأس أو وجه دون الموضحة فنقصته أكثر من أرشها‏,‏ وجب ما نقصته ويحتمل أن يرد إلى نصف عشر قيمته كالحر إذا زاد أرش شجته التي دون الموضحة على نصف عشر ديته والأول أولى لأن هذه جراحة لا موقت فيها فكان الواجب فيها ما نقص‏,‏ كما لو كانت في غير رأسه ولأن الأصل وجوب ما نقص خولف في المقدر‏,‏ ففي هذا يبقى على الأصل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان المقتول خنثى مشكلا ففيه نصف دية ذكر ونصف دية أنثى‏]‏

وهذا قول أصحاب الرأي وقال الشافعي‏:‏ الواجب دية أنثى لأنها اليقين‏,‏ فلا يجب الزائدة بالشك ولنا‏:‏ أنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالا واحدا وقد يئسنا من انكشاف حاله فيجب التوسط بينهما‏,‏ والعمل بكلا الاحتمالين‏.‏

فصل‏:‏

فأما جراحه فما لم يبلغ ثلث الدية ففيه دية جرح الذكر لاستواء الذكر والأنثى في ذلك‏,‏ وإن زاد على الثلث مثل أن قطع يده ففيه ثلاثة أرباع دية يد الذكر‏,‏ سبعة وثلاثون بعيرا ونصف ويقاد به الذكر والأنثى لأنهما لا يختلفان في القود ويقاد هو بكل واحد منهما‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان المجني عليه نصفه حر‏,‏ ونصفه عبد فلا قود وعلى الجاني إن كان عمدا نصف دية حر ونصف قيمته‏,‏ وهكذا في جراحه وإن كان خطأ فعليه نصف قيمته‏,‏ وعلى عاقلته نصف الدية‏]‏

يعني لا قود على قاتله إذا كان نصفه حرا لأنه ناقص بالرق فلم يقتل به الحر كما لو كان كله رقيقا وإن كان قاتله عبدا‏,‏ قتل به لأنه أكمل من الجاني وإن كان نصف القاتل حرا وجب القود لتساويهما وإن كانت الحرية في القاتل أكثر‏,‏ لم يجب القود لعدم المساواة بينهما وذلك كله إذا لم يكن القاتل عبدا فعليه نصف دية حر ونصف قيمته‏,‏ إذا كان عمدا لأن العاقلة لا تحمل العمد وإن كان خطأ ففي ماله نصف قيمته لأن العاقلة لا تحمل العبد وعلى عاقلته نصف الدية لأنها دية حر في الخطأ‏,‏ والعاقلة تحمل ذلك وهكذا الحكم في جراحه إذا كان قدر الدية من أرشها يبلغ ثلث الدية مثل أن يقطع أنفه أو يديه وإن قطع إحدى يديه‏,‏ فعقل جميعها على الجاني في ماله لأن عليه نصف دية اليد وهو ربع ديته لأجل حرية نصفه وذلك دون ثلث الدية‏,‏ وعليه ربع قيمته‏.‏

فصل‏:‏

ودية الأعضاء كدية النفس فإن كان الواجب من الذهب أو الورق لم يختلف بعمد ولا خطأ‏,‏ وإن كان من الإبل وجب في العمد أرباعا على إحدى الروايتين‏,‏ وفي الأخرى يجب خمس وعشر منها حقاق وخمس وعشر جذاع وخمساها خلفات‏,‏ وفي الخطأ يجب أخماسا فإن لم يمكن مثل أن يوضحه عمدا‏,‏ فإنه يجب أربعة أرباعا والخامس من أحد الأجناس الأربعة قيمته ربع قيمة الأربع وإن قلنا بالرواية الأخرى‏,‏ وجب خلفتان وحقة وجذعة‏,‏ وبعير قيمته نصف قيمة حقة ونصف قيمة جذعة وإن كان خطأ وجب الخمس من الأجناس الخمسة من كل جنس بعير وإن كان الواجب دية أنملة وقلنا‏:‏ يجب من ثلاثة أجناس‏,‏ وجب بعير وثلث من الخلفات وحقة وجذعة وإن قلنا‏:‏ أرباعا‏,‏ وجب ثلاثة وثلث قيمتها نصف قيمة الأربعة وثلثها وإن كان خطأ فقيمتها ثلثا قيمة الخمس وعند أصحابنا‏,‏ قيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة دنانير ولا فائدة في تعيين أسنانها فإن اختلفت قيمة الدنانير والدراهم‏,‏ مثل أن كانت العشرة دنانير تساوي مائة درهم فقياس قولهم أنه إذا جاء بما قيمته عشرة دنانير‏,‏ لزم المجني عليه قبوله لأنه لو جاءه بالدنانير لزمه قبولها فيلزمه قبول ما يساويها - والله أعلم