فصل: مسألة: مقدار الدية في إسكتي المرأة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الذكر الدية‏]‏

أجمع أهل العلم على أن في الذكر الدية ‏(‏وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ وفي الذكر الدية‏)‏ ولأنه عضو واحد فيه الجمال والمنفعة‏,‏ فكملت فيه الدية كالأنف واللسان وفي شلله ديته لأنه ذهب بنفعه وأشبه ما لو أشل لسانه وتجب الدية في ذكر الصغير والكبير‏,‏ والشيخ والشاب سواء قدر على الجماع أو لم يقدر فأما ذكر العنين فأكثر أهل العلم على وجوب الدية فيه لعموم الحديث‏,‏ ولأنه غير مأيوس من جماعه وهو عضو سليم في نفسه فكملت ديته كذكر الشيخ وذكر القاضي فيه عن أحمد روايتين إحداهما‏,‏ تجب فيه الدية لذلك والثانية لا تكمل ديته وهو مذهب قتادة لأن منفعته الإنزال والإحبال والجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال فلم تكمل ديته كالأشل‏,‏ وبهذا فارق ذكر الصبي والشيخ واختلفت الرواية في ذكر الخصي فعنه فيه دية كاملة وهو قول سعيد بن عبد العزيز والشافعي وابن المنذر للخبر‏,‏ ولأن منفعة الذكر الجماع وهو باق فيه والثانية لا تجب فيه وهو قول مالك والثوري‏,‏ وأصحاب الرأي وقتادة وإسحاق لما ذكرنا في ذكر العنين ولأن المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه‏,‏ فلم تكمل ديته كالأشل والجماع يذهب في الغالب بدليل أن البهائم يذهب جماعها بخصائها‏,‏ والفرق بين ذكر العنين وذكر الخصي أن الجماع في ذكر العنين أبعد منه في ذكر الخصي‏,‏ واليأس من الإنزال متحقق في ذكر الخصي دون ذكر العنين فعلى قولنا‏:‏ لا تكمل الدية في ذكر الخصي إن قطع الذكر والأنثيين دفعة واحدة أو قطع الذكر ثم قطع الأنثيين‏,‏ لزمته ديتان وإن قطع الأنثيين ثم قطع الذكر‏,‏ لم يلزمه إلا دية واحدة في الأنثيين وفي الذكر حكومة لأنه ذكر خصي قال القاضي‏:‏ ونص أحمد على هذا وإن قطع نصف الذكر بالطول ففيه نصف الدية ذكره أصحابنا والأولى أن تجب الدية كاملة لأنه ذهب بمنفعة الجماع به‏,‏ فكملت ديته كما لو أشله أو كسر صلبه فذهب جماعه وإن قطع قطعة منه مما دون الحشفة وكان البول يخرج على ما كان عليه وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج البول من موضع القطع‏,‏ وجب الأكثر من حصة القطعة من الدية أو الحكومة وإن ثقب ذكره فيما دون الحشفة فصار البول يخرج من الثقب‏,‏ ففيه حكومة لذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الأنثيين الدية‏]‏

لا نعلم في هذا خلافا وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي البيضتين الدية‏)‏ ولأن فيهما الجمال والمنفعة فإن النسل يكون بهما فكانت فيهما الدية‏,‏ كاليدين وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال‏:‏ مضت السنة أن في الصلب الدية‏,‏ وفي الأنثيين الدية وفي إحداهما نصف الدية في قول أكثر أهل العلم وحكي عن سعيد بن المسيب أن في اليسرى ثلثي الدية‏,‏ وفي اليمنى ثلثها لأن نفع اليسرى أكثر لأن النسل يكون بها ولنا أن ما وجبت الدية في شيئين منه وجب في أحدهما نصفها‏,‏ كاليدين وسائر الأعضاء ولأنهما ذوا عدد تجب فيه الدية‏,‏ فاستوت ديتهما كالأصابع وما ذكروه ينتقض بالأصابع والأجفان‏,‏ تستوي دياتها مع اختلاف نفعها ثم يحتاج إلى إثبات ذلك الذي ذكره وإن رض أنثييه أو أشلهما‏,‏ كملت ديتهما كما لو أشل يديه أو ذكره وإن قطع أنثييه فذهب نسله‏,‏ لم يجب أكثر من دية لأن ذلك نفعهما فلم تزدد الدية بذهابه معهما كالبصر مع ذهاب العينين‏,‏ والبطش مع ذهاب الرجلين وإن قطع إحداهما فذهب النسل لم يجب أكثر من نصف الدية لأن ذهابه غير متحقق‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الرجلين الدية‏]‏

أجمع أهل العلم على أن في الرجلين الدية‏,‏ وفي إحداهما نصفها روي ذلك عن عمر وعلي وبه قال قتادة ومالك وأهل المدينة والثوري‏,‏ وأهل العراق والشافعي وإسحاق وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وقد ذكرنا الحديث والمعنى فيما تقدم وفي تفصيلها مثل ما ذكرنا من التفصيل في اليدين سواء ومفصل الكعبين ها هنا مثل مفصل الكوعين في اليدين‏.‏

فصل‏:‏

وفي قدم الأعرج ويد الأعسم الدية لأن العرج لمعنى في غير القدم‏,‏ والعسم‏:‏ الاعوجاج في الرسغ وليس ذلك عيبا في قدم ولا كف فلم يمنع ذلك كمال الدية فيهما وذكر أبو بكر أن في كل واحد منهما ثلث الدية‏,‏ كاليد الشلاء ولا يصح لأن هذين لم تبطل منفعتهما فلم تنقص ديتهما بخلاف اليد الشلاء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي كل إصبع من اليدين والرجلين عشر من الإبل‏,‏ وفي كل أنملة منها ثلث عقلها إلا الإبهام فإنها مفصلان‏,‏ ففي كل مفصل منها خمس من الإبل‏]‏

هذا قول عامة أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عباس وبه قال مسروق وعروة ومكحول والشعبي وعبد الله بن معقل والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وأصحاب الحديث ولا نعلم فيه مخالفا إلا رواية عن عمر أنه قضى في الإبهام بثلث غرة‏,‏ وفي التي تليها باثنتي عشرة وفي الوسطى بعشر وفي التي تليها بتسع‏,‏ وفي الخنصر بست وروي عنه أنه لما أخبر بكتاب كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم‏:‏ ‏(‏وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل‏)‏ أخذ به وترك قوله الأول وعن مجاهد‏:‏ في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها ثلاث عشرة وفي التي تليها عشر‏,‏ وفي التي تليها ثمان وفي التي تليها سبع ولنا ما روي ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل إصبع‏)‏ أخرجه الترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث صحيح ورواه أبو داود عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏هذه وهذه سواء‏)‏ يعني الإبهام والخنصر أخرجه البخاري وأبو داود وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي كل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل‏)‏ ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية فكان سواء في الدية‏,‏ كالأسنان والأجفان وسائر الأعضاء ودية كل إصبع مقسومة على أناملها‏,‏ وفي كل إصبع ثلاث أنامل إلا الإبهام فإنها أنملتان ففي كل أنملة من غير الإبهام ثلث عقل الإبهام ثلاثة أبعرة وثلث‏,‏ وفي كل أنملة من الإبهام خمس من الإبل نصف ديتها وحكي عن مالك أنه قال‏:‏ الإبهام أيضا ثلاث أنامل‏,‏ إحداها باطنة وليس هذا بصحيح فإن الاعتبار بالظاهر فإن قوله عليه السلام ‏(‏في كل إصبع عشر من الإبل‏)‏ يقتضي وجوب العشر في الظاهر لأنها هي الإصبع التي يقع عليها الاسم دون ما بطن منها‏,‏ كما أن السن التي يتعلق بها وجوب ديتها هي الظاهرة من لحم اللثة دون سنخها والحكم في أصابع اليدين والرجلين سواء لعموم الخبر فيهما وحصول الاتفاق عليهما‏.‏

فصل‏:‏

وفي الإصبع الزائدة حكومة وبذلك قال الثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وعن زيد بن ثابت أن فيها ثلث دية الإصبع وذكر القاضي أنه قياس المذهب على رواية إيجاب الثلث في اليد الشلاء والأول أصح لأن التقدير لا يصار إليه إلا بالتوقيف‏,‏ أو بمماثلته لما فيه توقيف وليس ذلك ها هنا لأن اليد الشلاء يحصل بها الجمال‏,‏ والإصبع الزائدة لا جمال فيها في الغالب ولأن جمال اليد الشلاء لا يكاد يختلف والإصبع الزائدة تختلف باختلاف محالها وصفتها وحسنها وقبحها‏,‏ فكيف يصح قياسها على اليد‏؟‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي البطن إذا ضرب فلم يستمسك الغائط الدية وفي المثانة إذا لم يستمسك البول الدية‏]‏

وبهذا قال ابن جريج‏,‏ وأبو ثور وأبو حنيفة ولم أعلم فيه مخالفا إلا أن ابن أبي موسى ذكر في المثانة رواية أخرى‏,‏ فيها ثلث الدية والصحيح الأول لأن كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كبيرة ليس في البدن مثله فوجب في تفويت منفعته دية كاملة‏,‏ كسائر الأعضاء المذكورة فإن نفع المثانة حبس البول وحبس البطن الغائط منفعة مثلها‏,‏ والنفع بهما كثير والضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحدة منهما الدية‏,‏ كالسمع والبصر وإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة وجب على الجاني ديتان كما لو أذهب سمعه وبصره بجناية واحدة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي ذهاب العقل الدية‏]‏

لا نعلم في هذا خلافا وقد روي ذلك عن عمر‏,‏ وزيد رضي الله عنهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء ‏(‏وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ وفي العقل الدية‏)‏ ولأنه أكبر المعانى قدرا وأعظم الحواس نفعا فإن به يتميز من البهيمة‏,‏ ويعرف به حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره‏,‏ ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات‏,‏ وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس فإن نقص عقله نقصا معلوما‏,‏ مثل أن صار يجن يوما ويفيق يوما فعليه من الدية بقدر ذلك لأن ما وجبت فيه الدية وجب بعضها في بعضه بقدره‏,‏ كالأصابع وإن لم يعلم مثل أن صار مدهوشا‏,‏ أو يفزع مما لا يفزع منه ويستوحش إذا خلا فهذا لا يمكن تقديره‏,‏ فتجب فيه حكومة‏.‏

فصل‏:‏

فإن أذهب عقله بجناية لا توجب أرشا كاللطمة والتخويف‏,‏ ونحو ذلك ففيه الدية لا غير وإن أذهبه بجناية توجب أرشا كالجراح‏,‏ أو قطع عضو وجبت الدية وأرش الجرح وبهذا قال مالك‏,‏ والشافعي في الجديد وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم‏:‏ يدخل الأقل منهما في الأكثر فإن كانت الدية أكثر من أرش الجرح‏,‏ وجبت وحدها وإن كان أرش الجرح أكثر كأن قطع يديه ورجليه‏,‏ فذهب عقله وجبت دية الجرح ودخلت دية العقل فيه لأن ذهاب العقل تختل معه منافع الأعضاء‏,‏ فدخل أرشها فيه كالموت ولنا أن هذه جناية أذهبت منفعة من غير محلها مع بقاء النفس‏,‏ فلم يتداخل الأرشان كما لو أوضحه فذهب بصره أو سمعه ولأنه لو جنى على أذنه أو أنفه‏,‏ فذهب سمعه أو شمه لم يدخل أرشهما في دية الأنف والأذن مع قربهما منهما‏,‏ فهاهنا أولى وما ذكروه لا يصح لأنه لو دخل أرش الجرح في دية العقل لم يجب أرشه إذا زاد على دية العقل كما أن دية الأعضاء كلها مع القتل لا يجب بها أكثر من دية النفس ولا يصح قولهم‏:‏ إن منافع الأعضاء تبطل بذهاب العقل‏,‏ فإن المجنون تضمن منافعه وأعضاؤه بعد ذهاب عقله بما تضمن به منافع الصحيح وأعضاؤه ولو ذهبت منافعه وأعضاؤه لم تضمن‏,‏ كما لا تضمن منافع الميت وأعضاؤه وإذا جاز أن تضمن بالجناية عليها بعد الجناية عليه جاز ضمانها مع الجناية عليه‏,‏ كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره بجراحة في غير محلها‏.‏

فصل‏:‏

فإن جنى عليه فأذهب عقله وسمعه وبصره وكلامه وجب أربع ديات مع أرش الجرح قال أبو قلابة‏:‏ رمى رجل رجلا بحجر‏,‏ فذهب عقله وبصره وسمعه ولسانه فقضى فيه عمر بأربع ديات وهو حي ولأنه أذهب منافع في كل واحدة منها دية فوجبت عليه دياتها‏,‏ كما لو أذهبها بجنايات فإن مات من الجناية لم تجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع كلها تدخل في دية النفس كديات الأعضاء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الصعر الدية‏,‏ والصعر‏:‏ أن يضربه فيصير وجهه في جانب‏]‏

أصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه‏,‏ فيلتوي عنقه وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تصعر خدك للناس‏}‏ أي‏:‏ لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا كإمالة وجه البعير الذي به الصعر‏,‏ فمن جنى على إنسان جناية فعوج عنقه حتى صار وجهه في جانب‏,‏ فعليه دية كاملة روى ذلك عن زيد بن ثابت وقال الشافعي‏:‏ ليس فيه إلا حكومة لأنه إذهاب جمال من غير منفعة ولنا ما روى مكحول عن زيد بن ثابت‏,‏ أنه قال‏:‏ وفي الصعر الدية ولم يعرف له في الصحابة مخالف فكان إجماعا ولأنه أذهب الجمال والمنفعة‏,‏ فوجبت فيه دية كاملة كسائر المنافع وقولهم‏:‏ لم يذهب بمنفعته غير صحيح فإنه لا يقدر على النظر أمامه واتقاء ما يحذره إذا مشى‏,‏ وإذا نابه أمر أو دهمه عدو لم يمكنه العلم به‏,‏ ولا اتقاؤه ولا يمكنه لي عنقه ليعرف ما يريد نظره ويتعرف ما ينفعه ويضره‏.‏

فصل‏:‏

فإن جنى عليه‏,‏ فصار الالتفات عليه شاقا أو ابتلاع الماء أو غيره‏,‏ ففيه حكومة لأنه لم يذهب بالمنفعة كلها ولا يمكن تقديرها وإن صار بحيث لا يمكنه ازدراد ريقه فهذا لا يكاد يبقى‏,‏ فإن بقي مع ذلك ففيه الدية لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي اليد الشلاء ثلث ديتها وكذلك العين القائمة‏,‏ والسن السوداء‏]‏ اليد الشلاء‏:‏ التي ذهب منها منفعة البطش والعين القائمة‏:‏ التي ذهب بصرها وصورتها باقية كصورة الصحيحة واختلفت الرواية عن أحمد فيهما وفي السن السوداء فعنه‏,‏ في كل واحدة ثلث ديتها روي هذا عن عمر بن الخطاب ومجاهد وبه قال إسحاق وعن زيد بن ثابت في العين القائمة مائة دينار والرواية الثالثة عن أحمد‏,‏ في كل واحدة حكومة وهذا قول مسروق والزهري ومالك‏,‏ والشافعي وأبي ثور والنعمان‏,‏ وابن المنذر لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها‏,‏ فتجب الحكومة فيها كاليد الزائدة ولنا ما روى عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية‏,‏ وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها‏)‏ رواه النسائي وأخرجه أبو داود في العين وحدها مختصرا وقول عمر رضي الله عنه رواه قتادة عن خلاس‏,‏ عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس‏,‏ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في العين القائمة إذا خسفت واليد الشلاء إذا قطعت والسن السوداء إذا كسرت‏,‏ ثلث دية كل واحدة منهن ولأنها كاملة الصورة فكان فيها مقدر كالصحيحة وقولهم‏:‏ لا يمكن إيجاب مقدر ممنوع فإنا قد ذكرنا التقدير وبيناه‏.‏

فصل‏:‏

قال القاضي‏:‏ قول أحمد‏,‏ -رحمه الله-‏:‏ في السن السوداء ثلث ديتها محمول على سن ذهبت منفعتها بحيث لا يمكنه أن يعض بها الأشياء‏,‏ أو كانت تفتتت فأما إن كانت منفعتها باقية ولم يذهب منها إلا لونها‏,‏ ففيها كمال ديتها سواء قلت منفعتها بأن عجز عن عض الأشياء الصلبة بها أو لم يعجز لأنها باقية المنفعة‏,‏ فكملت ديتها كسائر الأعضاء وليس على من سودها إلا حكومة وهذا مذهب الشافعي والصحيح من مذهب أحمد ما يوافق ظاهر كلامه لظاهر الأخبار‏,‏ وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقول أكثر أهل العلم ولأنه ذهب جمالها بتسويدها فكملت ديتها على من سودها‏,‏ كما لو سود وجهه ولم يجب على متلفها أكثر من ثلث ديتها كاليد الشلاء وكالسن إذا كانت بيضاء فانقلعت ونبت مكانها سوداء لمرض فيها‏,‏ فإن القاضي وأصحاب الشافعي سلموا أنها لا تكمل ديتها‏.‏

فصل‏:‏

فإن نبتت أسنان صبي سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها تامة لأن هذا جنس خلق على هذه الصورة‏,‏ فأشبه من خلق أسود الجسم والوجه جميعا وإن نبتت أولا بيضاء ثم ثغر ثم عادت سوداء‏,‏ سئل أهل الخبرة فإن قالوا‏:‏ ليس السواد لعلة ولا مرض ففيها أيضا كمال ديتها‏,‏ وإن قالوا‏:‏ ذلك لمرض فيها فعلى قالعها ثلث ديتها أو حكومة وقد سلم القاضي وأصحاب الشافعي الحكم في هذه الصورة‏,‏ وهو حجة عليهم فيما خالفوا فيه ويحتمل أن يكون الحكم فيما إذا كانت سوداء من ابتداء الخلقة هكذا لأن المرض قد يكون في فيه من ابتداء خلقته فيثبت حكمه في بعض ديتها كما لو كان طارئا‏.‏

فصل‏:‏

وفي لسان الأخرس روايتان أيضا‏,‏ كالروايتين في اليد الشلاء وكذلك كل عضو ذهبت منفعته وبقيت صورته كالرجل الشلاء‏,‏ والإصبع والذكر إذا كان أشل وذكر الخصي والعنين إذا قلنا‏:‏ لا تكمل ديتهما وأشباه هذا فكله يخرج على الروايتين إحداهما فيه ثلث ديته والأخرى‏,‏ حكومة‏.‏

فصل‏:‏

فأما اليد أو الرجل أو الإصبع أو السن الزوائد ونحو ذلك فليس فيه إلا حكومة وقال القاضي‏:‏ هذا في معنى اليد الشلاء‏,‏ فتكون على قياسها يخرج على الروايتين والذي ذكرناه أصح لأنه لا تقدير في هذا ولا هو في معنى المقدر‏,‏ ولا يصح قياس هذا على العضو الذي ذهبت منفعته وبقي جماله لأن هذه الزوائد لا جمال فيها إنما هي شين في الخلقة وعيب يرد به المبيع‏,‏ وتنقص به القيمة فكيف يصح قياسه على ما يحصل به الجمال‏؟‏ ثم لو حصل به جمال ما لكنه يخالف جمال العضو الذي يحصل به تمام الخلقة‏,‏ ويختلف في نفسه اختلافا كثيرا فوجبت فيه الحكومة ويحتمل أن لا يجب فيه شيء لما ذكرنا‏.‏

فصل ‏:‏

واختلفت الرواية في قطع الذكر بعد حشفته ، وقطع الكف بعد أصابعه ؛ فروى أبو طالب عن أحمد ، فيه ثلث ديته ، وكذلك شحمة الأذن ‏.‏ وعن أحمد في ذلك كله حكومة ‏.‏ والصحيح في هذا ، أن فيه حكومة ؛ لعدم التقدير فيه ، وامتناع قياسه على ما فيه تقدير ، لأن الأشل بقيت صورته ، وهذا لم تبق صورته ، إنما بقي بعض ما فيه الدية ، أو أصل ما فيه الدية ‏.‏ فأما قطع الذراع بعد قطع الكف ، والساق بعد قطع القدم ، فينبغي أن تجب الحكومة فيه ، وجها واحدا ؛ لأن إيجاب ثلث دية اليد فيه ، يفضي إلى أن يكون الواجب فيه مع بقاء الكف والقدم وذهابهما واحدا ، مع تفاوتهما وعدم النص فيهما ‏.‏ والله أعلم ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي إسكتي المرأة الدية‏]‏

الإسكتان‏:‏ هما اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم وأهل اللغة يقولون‏:‏ الشفران حاشيتا الإسكتين‏,‏ كما أن أشفار العين أهدابها وفيهما دية المرأة إذا قطعا وبهذا قال الشافعي وقاله الثوري إذا لم يقدر على جماعها وقضى به محمد بن سفيان إذا بلغ العظم لأن فيهما جمالا ومنفعة وليس في البدن غيرهما من جنسهما‏,‏ فوجبت فيهما الدية كسائر ما فيه منه شيئان وفي إحداهما نصف الدية‏,‏ كما ذكرنا في غيرهما وإن جنى عليهما فأشلهما وجبت ديتهما كما لو جنى على شفتيه فأشلهما ولا فرق بين كونهما غليظتين أو دقيقتين‏,‏ قصيرتين أو طويلتين من بكر أو ثيب أو صغيرة أو كبيرة‏,‏ مخفوضة أو غير مخفوضة لأنهما عضوان فيهما الدية فاستوى فيهما جميع ما ذكرنا كسائر أعضائها‏,‏ ولا فرق بين الرتقاء وغيرها لأن الرتق عيب في غيرهما فلم ينقص ديتهما كما أن الصمم لم ينقص دية الأذنين والخفض‏:‏ هو الختان في حق المرأة‏.‏

فصل‏:‏

وفي ركب المرأة حكومة‏,‏ وهو عانة المرأة وكذلك في عانة الرجل لأنه لا مقدر فيه ولا هو نظير لما قدر فيه‏,‏ فإن أخذ منه شيء مع فرج المرأة أو ذكر الرجل ففيه الحكومة مع الدية كما لو أخذ مع الأنف والشفتين شيء من اللحم الذي حولهما‏.‏

مسألة‏:‏

قال ‏[‏وفي موضحة الحر خمس من الإبل‏,‏ سواء كان من رجل أو امرأة والموضحة في الرأس والوجه سواء وهي التي تبرز العظم‏]‏

هذه من شجاج الرأس أو الوجه‏,‏ وليس في الشجاج ما فيه قصاص سواها ولا يجب المقدر في أقل منها وهي التي تصل إلى العظم‏,‏ سميت موضحة لأنها أبدت وضح العظم وهو بياضه وأجمع أهل العلم على أن أرشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي الموضحة خمس من الإبل‏)‏ وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏في المواضح خمس خمس‏)‏ رواه أبو داود والنسائي والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن وقول الخرقي‏:‏ في موضحة الحر يحترز به من موضحة العبد وقوله‏:‏ سواء كان من رجل أو امرأة يعني أنهما لا يختلفان في أرش الموضحة لأنها دون ثلث الدية وهما يستويان فيما دون الثلث ويختلفان فيما زاد وعند الشافعي أن موضحة المرأة على النصف من موضحة الرجل‏,‏ بناء على أن جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في الكثير والقليل وسنذكر ذلك في موضعه -إن شاء الله تعالى- وعموم الحديث الذي رويناه ها هنا حجة عليه وفيه كفاية وأكثر أهل العلم على أن الموضحة في الرأس والوجه سواء روي ذلك عن أبى بكر‏,‏ وعمر رضي الله عنهما وبه قال شريح ومكحول والشعبي‏,‏ والنخعي والزهري وربيعة‏,‏ وعبيد الله بن الحسن وأبو حنيفة والشافعي‏,‏ وإسحاق وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال‏:‏ تضعف موضحة الوجه على موضحة الرأس فيجب في موضحة الوجه عشر من الإبل لأن شينها أكثر وذكره القاضي رواية عن أحمد وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة وقال مالك‏:‏ إذا كانت في الأنف أو في اللحى الأسفل‏,‏ ففيها حكومة لأنها تبعد عن الدماغ فأشبهت موضحة سائر البدن ولنا عموم الأحاديث وقول أبي بكر‏,‏ وعمر رضي الله عنهما‏:‏ الموضحة في الرأس والوجه سواء ولأنها موضحة فكان أرشها خمسا من الإبل كغيرها مما سلموه‏,‏ ولا عبرة بكثرة الشين بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة وما ذكروه لمالك لا يصح فإن الموضحة في الصدر أكثر ضررا وأقرب إلى القلب‏,‏ ولا مقدر فيها وقد روي عن أحمد -رحمه الله- أنه قال‏:‏ موضحة الوجه أحرى أن يزاد في ديتها وليس معنى هذا أنه يجب فيها أكثر والله أعلم‏,‏ إنما معناه أنها أولى بإيجاب الدية فإنه إذا وجب في موضحة الرأس مع قلة شينها واستتارها بالشعر وغطاء الرأس خمس من الإبل‏,‏ فلأن يجب ذلك في الوجه الظاهر الذي هو مجمع المحاسن وعنوان الجمال أولى وحمل كلام أحمد على هذا أولى من حمله على ما يخالف الخبر والأثر وقول أكثر أهل العلم‏,‏ ومصيره إلى التقدير بغير توقيف ولا قياس صحيح‏.‏

فصل‏:‏

ويجب أرش الموضحة في الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستورة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع وحد الموضحة ما أفضى إلى العظم‏,‏ ولو بقدر إبرة ذكره ابن القاسم والقاضي فإن شجه في رأسه شجة بعضها موضحة‏,‏ وبعضها دون الموضحة لم يلزمه أكثر من أرش موضحة لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة فلأن لا يلزمه في الإيضاح في البعض أكثر من ذلك أولى‏,‏ وهكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من أرش هاشمة‏,‏ وإن كانت منقلة وما دونها أو مأمومة وما دونها فعليه أرش منقلة أو مأمومة لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

وليس في موضحة غير الرأس والوجه مقدر‏,‏ في قول أكثر أهل العلم منهم إمامنا ومالك والثوري‏,‏ والشافعي وإسحاق وابن المنذر قال ابن عبد البر‏:‏ ولا يكون في البدن موضحة يعني ليس فيها مقدر قال‏:‏ وعلى ذلك جماعة العلماء إلا الليث بن سعد‏,‏ قال‏:‏ الموضحة تكون في الجسد أيضا وقال الأوزاعي في جراحة الجسد على النصف من جراحة الرأس وحكي نحو ذلك عن عطاء الخراساني قال‏:‏ في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون دينارا ولنا أن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس‏,‏ وقول الخليفتين الراشدين‏:‏ الموضحة في الوجه والرأس سواء يدل على أن باقي الجسد بخلافه ولأن الشين فيما في الرأس والوجه أكثر وأخطر مما في سائر البدن فلا يلحق به‏,‏ ثم إيجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح أنملة ديتها ثلاثة وثلث ودية الموضحة خمسة وأما قول الأوزاعي وعطاء الخراساني‏,‏ فتحكم لا نص فيه ولا قياس يقتضيه فيجب اطراحه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوضحه في رأسه‏,‏ وجر السكين إلى قفاه فعليه أرش موضحة وحكومة لجرح القفا لأن القفا ليس بموقع للموضحة وإن أوضحه في رأسه‏,‏ ومدها إلى وجهه فعلى وجهين أحدهما أنها موضحة واحدة لأن الوجه والرأس سواء في الموضحة‏,‏ فصار كالعضو الواحد والثاني هما موضحتان لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوضحه في رأسه موضحتين‏,‏ بينهما حاجز فعليه أرش موضحتين لأنهما موضحتان فإن أزال الحاجز الذي بينهما وجب أرش موضحة واحدة لأنه صار الجميع بفعله موضحة‏,‏ فصار كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما وإن اندملتا ثم أزال الحاجز بينهما فعليه أرش ثلاث مواضح لأنه استقر عليه أرش الأوليين بالاندمال‏,‏ ثم لزمته دية الثالثة وإن تآكل ما بينهما قبل اندمالهما فزال لم يلزمه أكثر من أرش واحدة لأن سراية فعله كفعله وإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الأخرى‏,‏ فعليه أرش موضحتين وإن أزال الحاجز أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر‏,‏ فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته وإن أزاله المجني عليه وجب على الأول أرش موضحتين لأن ما وجب بجنايته لا يسقط بفعل غيره فإن اختلفا فقال الجاني‏:‏ أنا شققت ما بينهما وقال المجني عليه‏:‏ بل أنا أو‏:‏ أزالها آخر سواك‏,‏ فالقول قول المجني عليه لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره والقول قول المنكر‏,‏ والأصل معه وإن أوضح موضحتين ثم قطع اللحم الذي بينهما في الباطن وترك الجلد الذي فوقهما ففيها وجهان أحدهما‏,‏ يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر والثاني‏:‏ أرش موضحة لاتصالهما في الباطن وإن جرحه جراحا واحدة وأوضحه في طرفيها وباقيها دون الموضحة‏,‏ ففيه أرش موضحتين لأن ما بينهما ليس بموضحة‏.‏