فصل: مسألة: فيمن رمى ثلاثة بالمنجنيق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا كان جنين الأمة مملوكا‏,‏ فسقط من الضربة ميتا ففيه عشر قيمة أمه هذا قول الحسن وقتادة‏,‏ ومالك والشافعي وإسحاق‏,‏ وابن المنذر وبنحوه قال النخعي والزهري وقال زيد بن أسلم‏:‏ يجب فيه نصف عشر غرة وهو خمسة دنانير وقال الثوري‏,‏ وأبو حنيفة وأصحابه‏:‏ يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا وعشر قيمته إن كان أنثى لأن الغرة واجبة في جنين الحرة هي نصف عشر دية الرجل وعشر دية الأنثى‏,‏ وهذا متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه ولأنه جنين مضمون‏,‏ تلف بالضربة فكان فيه نصف عشر الواجب فيه إذا كان ذكرا كبيرا وعشر الواجب إذا كان أنثى‏,‏ كجنين الحرة وقال محمد بن الحسن‏:‏ مذهب أهل المدينة يفضي إلى أن يجب في الجنين الميت أكثر من قيمته إذا كان حيا ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بالذكورة والأنوثة‏,‏ كجنين الحرة ودليلهم نقلبه عليهم فنقول‏:‏ جنين مضمون‏,‏ تلف بالجناية فكان الواجب فيه عشر ما يجب في أمه كجنين الحرة وما ذكروه من مخالفة الأصل‏,‏ معارض بأن مذهبهم يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر وهو خلاف الأصول ولأنه لو اعتبر بنفسه لوجبت قيمته كلها‏,‏ كسائر المضمونات بالقيمة ولأن مخالفتهم أشد من مخالفتنا لأننا اعتبرناه إذا كان ميتا بأمه وإذا كان حيا بنفسه‏,‏ فجاز أن تزيد قيمة الميت على الحي مع اختلاف الجهتين كما جاز أن يزيد البعض على الكل في أن من قطع أطراف إنسان الأربعة كان الواجب عليه أكثر من دية النفس كلها وهم فضلوا الأنثى على الذكر مع اتحاد الجهة‏,‏ وأوجبوا فيما يضمن بالقيمة عشر قيمته تارة ونصف عشرها أخرى وهذا لا نظير له إذا ثبت هذا‏,‏ فإن قيمة أمه معتبرة يوم الجناية عليها وهذا منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه‏:‏ تقوم حين أسقطت لأن الاعتبار في ضمان الجناية بالاستقرار ويتخرج لنا وجه كذلك ولنا أنه لم يتخلل بين الجناية وحال الاستقرار ما يوجب تغيير بدل النفس فكان الاعتبار بحال الجناية‏,‏ كما لو جرح عبدا ثم نقصت السوق لكثرة الجلب ثم مات‏,‏ فإن الاعتبار بقيمته يوم الجناية ولأن قيمتها تتغير بالجناية وتنقص فلم تقوم في حال نقصها الحاصل بالجناية‏,‏ كما لو قطع يدها فماتت من سرايتها أو قطع يدها فمرضت بذلك ثم اندملت جراحتها‏.‏

فصل‏:‏

وولد المدبرة والمكاتبة والمعتقة بصفة‏,‏ وأم الولد إذا حملت من غير مولاها حكمه حكم ولد الأمة لأنه مملوك ولا تحمل العاقلة شيئا من ذلك لأن العاقلة لا تحمل عبدا بحال فأما جنين المعتق بعضها‏,‏ فهو كهي فيه من الحرية مثل ما فيها فإذا كان نصفها حرا‏,‏ فنصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده‏.‏

فصل‏:‏

وإن وطئ أمة بشبهة‏,‏ أو غر بأمة فتزوجها وأحبلها فضربها ضارب فألقت جنينا‏,‏ فهو حر وفيه غرة موروثة عنه لورثته وعلى الواطئ عشر قيمتها لسيدها لأنه لولا اعتقاد الحرية‏,‏ لكان هذا الجنين مملوكا لسيده على ضاربه عشر قيمة أمه فلما انعتق بسبب الوطء‏,‏ فقد حال بين سيدها وبين هذا القدر فألزمناه ذلك للسيد سواء كان بقدر الغرة أو أكثر منها‏,‏ أو أقل‏.‏

فصل‏:‏

إذا سقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد وجب فيه اليقين‏,‏ وهو ما في جنين الذمي فإن ألحق بعد ذلك بالذمي فقد وفي ما عليه‏,‏ وإن ألحق بمسلم فعليه تمام الغرة وإن ضرب بطن نصرانية فأسقطت‏,‏ وادعت أو ادعى ورثته أنه من مسلم حملت به من وطء شبهة أو زنى فاعترف الجاني فعليه غرة كاملة وإن كان مما تحمله العاقلة‏,‏ فاعترف أيضا فالغرة عليها وإن أنكرت‏,‏ حلفت وعليها ما في جنين الذميين والباقي على الجاني لأنه ثبت باعترافه‏,‏ والعاقلة لا تحمل اعترافا وإن اعترفت العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية أمه وإن أنكر الجاني والعاقلة فالقول قولهم‏,‏ مع أيمانهم أننا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم ولا تلزمهم اليمين على البت لأنها يمين على النفي في فعل الغير فإذا حلفوا‏,‏ وجبت دية ذمي لأن الأصل أن ولدها تابع لها ولأن الأصل براءة الذمة وإن كان مما لا تحمله العاقلة فالقول قول الجاني وحده مع يمينه ولو كانت النصرانية امرأة مسلم‏,‏ فادعى الجاني أن الجنين من ذمي بوطء شبهة أو زنى فالقول قول ورثة الجنين لأن الجنين محكوم بإسلامه فإن الولد للفراش‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كانت الأمة بين شريكين‏,‏ فحملت بمملوك فضربها أحدهما فأسقطت فعليه كفارة لأنه أتلف آدميا‏,‏ ويضمن لشريكه نصف عشر قيمة أمه ويسقط ضمان نصيبه لأنه ملكه وإن أعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسرا‏,‏ ثم أسقطت عتق نصيبه منها ومن ولدها وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الأم‏,‏ وعليه نصف غرة من أجل النصف الذي صار حرا يورث عنه بمنزلة مال الجنين ترث أمه منه بقدر ما فيها من الحرية والباقي لباقي ورثته هذا قول القاضي‏,‏ وقياس قول ابن حامد وهو مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وأبي الخطاب لا يجب على الضارب ضمان ما أعتقه لأنه حين الجناية لم يكن مضمونا عليه والاعتبار في الضمان بحال الجناية‏,‏ وهي الضرب ولهذا اعتبرنا قيمة الأم حال الضرب وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وهذا أصح إن شاء الله لأن الإتلاف حصل بفعل غير مضمون‏,‏ فأشبه ما لو جرح حربيا فأسلم ثم مات بالسراية ولأن موته يحتمل أن يكون قد حصل بالضرب‏,‏ فلا يتجدد ضمانه بعد موته والأصل براءة ذمته وإن كان المعتق موسرا سرى العتق إليها وإلى جنينها‏,‏ وفي الضمان الوجهان فعلى قول القاضي في الجنين غرة موروثة عنه وعلى قياس قول أبي بكر عليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عشر قيمة أمه‏,‏ ولا يضمن أمه لأنه قد ضمنها بإعتاقها فلا يضمنها بتلفها وإن كان المعتق الشريك الذي لم يضرب وكان معسرا‏,‏ فلا ضمان على الشريك في نصيبه لأن العتق لم يسر إليه وعليه في نصيب شريكه من الجنين نصف غرة يرثها ورثته على قول القاضي وعلى قياس قول أبي بكر‏,‏ يضمن نصيب شريكه بنصف عشر قيمة أمه يكون لسيده اعتبارا بحال الجناية وكذلك الحكم في ضمان الأم إذا ماتت من الضربة وإن كان المعتق موسرا سرى العتق إليهما‏,‏ وصارا حرين وعلى المعتق ضمان نصف الأم ولا يضمن نصف الجنين لأنه يدخل في ضمان الأم‏,‏ كما يدخل في بيعها وعلى الضارب ضمان الجنين بغرة موروثة عنه على قول القاضي وعلى قياس قول أبي بكر‏,‏ يضمن نصيب الشريك بنصف عشر قيمة أمه وليس عليه ضمان نصيبه لأنه ملكه حال الجناية عليه وأما ضمان الأم ففي أحد الوجهين‏,‏ فيها دية حرة لسيدها منها أقل الأمرين من ديتها أو قيمتها وعلى الآخر يضمنها بقيمتها لسيدها‏,‏ كما تقدم من قطع يد عبد ثم أعتق ومات‏.‏

فصل‏:‏

ولو ضرب بطن أمته ثم أعتقها‏,‏ ثم أسقطت جنينا ميتا لم يضمنه في قياس قول أبي بكر لأن جنايته لم تكن مضمونة في ابتدائها فلم يضمن سرايتها‏,‏ كما لو خرج مرتدا فأسلم ثم مات ولأن موت الجنين يحتمل أنه حصل بالضربة في مملوكه ولم يتجدد بعد العتق ما يوجب الضمان وعلى قول ابن حامد‏,‏ عليه غرة لا يرث منها شيئا لأن اعتبار الجناية بحال استقرارها ولو كانت الأمة لشريكين فضرباها‏,‏ ثم أعتقاها معا فوضعت جنينا ميتا فعلى قول أبي بكر‏,‏ على كل واحد منهما نصف عشر قيمة أمه لشريكه لأن كل واحد منهما جنى على الجنين ونصفه له فسقط عنه ضمانه‏,‏ ولزم ضمان نصفه الذي لشريكه بنصف عشر قيمة أمه اعتبارا بحال الجناية وعلى قول ابن حامد على كل واحد منهما نصف الغرة‏,‏ للأم منها الثلث وباقيها للورثة ولا يرث القاتل منها شيئا‏.‏

فصل‏:‏

إذا ضرب ابن المعتقة الذي أبوه عبد بطن امرأة‏,‏ ثم أعتق أبوه ثم أسقطت جنينا وماتت احتمل أن تكون ديتهما في مال الجاني‏,‏ على ما تقدم ذكره واحتمل أن تكون الدية على مولى الأم وعصباته في قياس قول أبي بكر اعتبارا بحال الجناية وعلى قياس قول ابن حامد‏,‏ على مولى الأب وأقاربه اعتبارا بحال الإسقاط وإن ضرب ذمي بطن امرأته الذمية ثم أسلم‏,‏ ثم أسقطت لم تحمله عاقلته وإن ماتت معه فكذلك لأن عاقلته المسلمين لا يعقلون عنه لأنه كان حين الجناية ذميا وأهل الذمة لا يعقلون عنه لأنه حين الإسقاط مسلم ويحتمل أن يكون عقله‏,‏ في قياس قول أبي بكر على عاقلته من أهل الذمة اعتبارا بحال الجناية‏,‏ ويكون في الجنين ما يجب في الجنين الكافر لأنه حين الجناية محكوم بكفره وعلى قياس قول ابن حامد تجب فيه غرة كاملة ويكون عقله وعقل أمه على عاقلته المسلمين‏,‏ اعتبارا بحال الاستقرار‏.‏

مسألة ‏:‏

قال ‏:‏ ‏[‏وإن ضرب بطنها ، فألقت جنينا حيا ، ثم مات من الضربة ، ففيه دية حر إن كان حرا ، أو قيمته إن كان مملوكا ، إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله ، وهو أن يكون لستة أشهر فصاعدا‏]‏

هذا قول عامة أهل العلم ‏.‏ قال ابن المنذر ‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن في الجنين ، يسقط حيا من الضرب ، دية كاملة ، منهم ؛ زيد بن ثابت ، وعروة ، والزهري ، والشعبي ، وقتادة ، وابن شبرمة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ؛ وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته ، في وقت يعيش لمثله ، فأشبه قتله بعد وضعه ‏.‏ وفي هذه المسألة ثلاثة فصول ‏:‏

الفصل الأول ‏:‏

أنه إنما يضمن بالدية إذا وضعته حيا ، ومتى علمت حياته ، ثبت له هذا الحكم ، سواء ثبتت باستهلاله ، أو ارتضاعه ، أو بنفسه ، أو عطاسه ، أو غيره من الأمارات التي تعلم بها حياته ‏.‏ هذا ظاهر قول الخرقي ‏.‏ وهو مذهب الشافعي ‏.‏ وروي عن أحمد ، أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا بالاستهلال ‏.‏ وهذا قول الزهري ، وقتادة ، ومالك ، وإسحاق ‏.‏ وروي معنى ذلك عن عمر ، رضي الله عنه وابن عباس ، والحسن بن علي ، وجابر ، رضي الله عنهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا استهل المولود ، ورث وورث‏)‏ ‏.‏ مفهومه أنه لا يرث إذا لم يستهل ‏.‏ والاستهلال ‏:‏ الصياح ‏.‏ قاله ابن عباس ، والقاسم ، والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏ما من مولود يولد ، إلا مسه الشيطان ، فيستهل صارخا ، إلا مريم وابنها ‏)‏ ‏.‏ فلا يجوز غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل في تسمية الصياح استهلالا ، أن من عادة الناس أنهم إذا رأوا الهلال صاحوا ، وأراه بعضهم بعضا ، فسمي صياح المولود استهلالا ؛ لأنه في ظهوره بعد خفائه كالهلال ، وصياحه كصياح من يتراءاه ‏.‏ ولنا ، أنه علمت حياته ، فأشبه المستهل ، والخبر يدل بمعناه وتنبيهه على ثبوت الحكم في سائر الصور ؛ لأن شربه اللبن أدل على حياته من صياحه ، وعطاسه صوت منه كصياحه ، وأما الحركة والاختلاج المنفرد ، فلا يثبت به حكم ؛ الحياة ؛ لأنه قد يتحرك بالاختلاج وسبب أخر ، وهو خروجه من مضيق ، فإن اللحم يختلج سيما إذا عصر ثم ترك ، فلم تثبت بذلك حياته ‏.‏

الفصل الثاني ‏:‏

أنه إنما يجب ضمانه إذا علم موته بسبب الضربة ، ويحصل ذلك بسقوطه في الحال وموته أو بقائه ، متألما إلى أن يموت ، أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه ، فيعلم بذلك موته بالجناية ، كما لو ضرب رجلا فمات عقيب ضربه ، أو بقي ضمنا حتى مات ‏.‏ وإن ألقته حيا ، فجاء آخر فقتله ، وكان فيه حياة مستقرة ، فعلى الثاني القصاص إذا كان عمدا ، أو الدية كاملة ، وإن لم يكن فيه حياة مستقرة ، بل كانت حركته كحركة المذبوح ، فالقاتل هو الأول ، وعليه الدية كاملة ، وعلى الثاني الأدب ‏.‏ وإن وقع الجنين حيا ، ثم بقي زمنا سالما لا ألم به لم يضمنه الضارب ؛ لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته ‏.‏

الفصل الثالث ‏:‏

أن الدية الكاملة إنما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا ، فإن كان لدون ذلك ، ففيه غرة ، كما لو سقط متألما ‏.‏ وبهذا قال المزني ‏.‏ وقال الشافعي ‏:‏ فيه دية كاملة ؛ لأننا علمنا حياته ، وقد تلف من جنايته ‏.‏ ولنا ، أنه لم تعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها ، فلم تجب فيه دية ، كما لو ألقته ميتا ، وكالمذبوح ‏.‏ وقولهم ‏:‏ إننا علمنا حياته ‏.‏ قلنا ‏:‏ وإذا سقط ميتا وله ستة أشهر ، فقد علمنا حياته أيضا ‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ادعت امرأة على إنسان أنه ضربها فأسقطت جنينها فأنكر الضرب‏,‏ فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الضرب وإن أقر بالضرب أو قامت به بينة وأنكر أن تكون أسقطت‏,‏ فالقول قوله أيضا مع يمينه لأنه لا يعلم أنها أسقطت ولا تلزمه اليمين على البت لأنها يمين على فعل الغير والأصل عدمه وإن ثبت الإسقاط والضرب ببينة أو إقرار‏,‏ فادعى أنها أسقطته من غير ضربه نظرنا فإن كانت أسقطت عقيب ضربه فالقول قولها لأن الظاهر أنه منه‏,‏ لوجوده عقيب شيء يصلح أن يكون سببا له وإن ادعى أنها ضربت نفسها أو شربت دواء أو فعل ذلك غيرها‏,‏ فحصل الإسقاط به فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك وإن أسقطت بعد الضرب بأيام‏,‏ نظرنا فإن كانت متألمة إلى حين الإسقاط فالقول قولها وإن لم تكن متألمة‏,‏ فالقول قوله مع يمينه كما لو ضرب إنسانا فلم يبق متألما ولا ضمنا ومات بعد أيام وإن اختلفا في وجود التألم‏,‏ فالقول قوله لأن الأصل عدمه وإن كانت متألمة في بعض المدة فادعى أنها برئت وزال ألمها‏,‏ وأنكرت ذلك فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه وإن ثبت إسقاطها من الضربة فادعت سقوطه حيا‏,‏ وأنكرها فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم لها بينة باستهلاله لأن الأصل عدم ذلك وإن ثبتت حياته‏,‏ فادعت أنه لوقت يعيش مثله وأنكرها فالقول قولها مع يمينها لأن ذلك لا يعرف إلا من جهتها‏,‏ ولا يمكن إقامة البينة عليه فقبل قولها فيه كانقضاء عدتها‏,‏ ووجود حيضها وطهرها وإن أقامت بينة باستهلاله وأقام الجاني بينة بعدم استهلاله قدمت بينتها لأنها مثبتة‏,‏ فتقدم على النافية لأن المثبتة معها زيادة علم وإن ادعت أنه مات عقيب إسقاطه وادعى أنه عاش مدة فالقول قولها لأن الأصل عدم حياته وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه‏,‏ قدمت بينة الجاني لأن معها زيادة علم وإن ثبت أنه عاش مدة فادعت أنه بقي متألما حتى مات وأنكر ذلك فالقول قوله لأن الأصل عدم التألم وإن أقاما بينتين‏,‏ قدمت بينتها لأن معها زيادة علم ويقبل في استهلال الجنين وسقوطه وبقائه متألما‏,‏ وبقاء أمه متألمة قول امرأة واحدة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال فإن الغالب أنه لا يشهد الولادة إلا النساء‏,‏ والاستهلال يتصل بها وهن يشهدن حال المرأة وولادتها وحال الطفل‏,‏ ويعرفن علله وأمراضه وقوته وضعفه دون الرجال وإن اعترف الجاني باستهلاله‏,‏ أو ما يوجب فيه دية كاملة لم تحمله العاقلة وكانت الدية في مال الجاني لأن العاقلة لا تحمل اعترافا وإن كان مما تحمل العاقلة فيه الغرة‏,‏ فعلى العاقلة غرة وباقي الدية في مال القاتل‏.‏

فصل‏:‏

وإن انفصل منها جنينان ذكر وأنثى‏,‏ فاستهل أحدهما واتفقوا على ذلك واختلفوا في المستهل‏,‏ فقال الجاني‏:‏ هو الأنثى وقال وارث الجنين‏:‏ هو الذكر فالقول قول الجاني مع يمينه لأن الأصل عدم الاستهلال من الذكر وبراءة ذمته من الزائد على دية الأنثى‏,‏ فإن كان لأحدهما بينة قدم بها وإن كان لكل واحد منهما بينة‏,‏ وجبت دية الذكر لأن البينة قد قامت باستهلاله والبينة المعارضة لها نافية له والإثبات مقدم على النفي فإن قيل‏:‏ فينبغي أن تجب دية الذكر والأنثى قلنا‏:‏ لا تجب دية الأنثى لأن المستحق لها لم يدعها‏,‏ وهو مكذب للبينة الشاهدة بها وإن ادعى الاستهلال منهما ثبت ذلك بالبينتين وإن لم تكن بينة فاعترف الجاني باستهلال الذكر‏,‏ فأنكرت العاقلة فالقول قولهم مع أيمانهم فإذا حلفوا‏,‏ كانت عليهم دية الأنثى وغرة إن كانت تحمل الغرة وعلى الضارب تمام دية الذكر‏,‏ وهو نصف الدية لا تحمله العاقلة لأنه ثبت باعترافه وإن اتفقوا على أن أحدهما استهل ولم يعرف بعينه‏,‏ لزم العاقلة دية أنثى لأنها متيقنة وتمام دية الذكر مشكوك فيه والأصل براءة الذمة منه‏,‏ فلم يجب بالشك ويجب الغرة في الذي لم يستهل‏.‏

فصل‏:‏

إذا ضربها فألقت يدا‏,‏ ثم ألقت جنينا فإن كان إلقاؤهما متقاربا أو بقيت المرأة متألمة إلى أن ألقته‏,‏ دخلت اليد في ضمان الجنين لأن الظاهر أن الضرب قطع يده وسرى إلى نفسه فأشبه ما لو قطع يد رجل وسرى القطع إلى نفسه‏,‏ ثم إن كان الجنين سقط ميتا أو حيا لا يعيش لمثله ففيه غرة‏,‏ وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ففيه دية كاملة وإن بقي حيا فلم يمت‏,‏ فعلى الضارب ضمان اليد بديتها بمنزلة من قطع يد رجل فاندملت وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي‏:‏ يسأل القوابل‏,‏ فإن قلن‏:‏ إنها يد من لم تخلق فيه الحياة ففيها نصف الغرة وإن قلن‏:‏ يد من خلقت فيه الحياة ففيها نصف الدية ولنا أن الجنين إنما يتصور بقاء الحياة فيه إذا كان حيا قبل ولادته بمدة طويلة‏,‏ أقلها شهران على ما دل عليه حديث الصادق المصدوق في أنه تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر‏,‏ وأقل ما يبقى بعد ذلك شهران لأنه لا يحيى إذا وضعته لأقل من ستة أشهر والكلام مفروض فيما إذا لم يتخلل بين الضربة والإسقاط مدة تزيل ظن سقوطه بها فيعلم حينئذ أنها كانت بعد وجود الحياة فيه‏,‏ وأما إن ألقت اليد وزال الألم ثم ألقت الجنين‏,‏ ضمن اليد وحدها بمنزلة من قطع يدا فاندملت ثم مات صاحبها‏,‏ ثم ننظر فإن ألقته ميتا أو لوقت لا يعيش مثله ففي اليد نصف غرة لأن في جميعه غرة‏,‏ ففي يده نصف ديته وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات‏,‏ أو عاش وكان بين إلقاء اليد وبين إلقائه مدة يحتمل أن تكون الحياة لم تخلق فيها أرى القوابل ها هنا‏,‏ فإن قلن‏:‏ إنها يد من لم تخلق فيها الحياة وجب نصف غرة وإن قلن‏:‏ إنها يد من خلقت فيه الحياة ومضى له ستة أشهر ففيه نصف الدية‏,‏ وإن قيل‏:‏ إنها يد من خلقت فيه الحياة ولم تمض له ستة أشهر وجب فيه نصف غرة لأنها يد من لا يجب فيه أكثر من غرة فأشبهت يد من لم ينفخ فيه روح‏,‏ وإن أشكل الأمر عليهن وجب نصف الغرة لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه‏,‏ فلا يجب بالشك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ [وعلى كل من ضرب ممن ذكرت عتق رقبة مؤمنة سواء كان الجنين حيا أو ميتا[

هذا قول أكثر أهل العلم‏,‏ منهم الحسن وعطاء والزهري‏,‏ والحكم ومالك والشافعي‏,‏ وإسحاق قال ابن المنذر‏:‏ كل من نحفظ عنه من أهل العلم أوجب على ضارب بطن المرأة تلقى جنينا الرقبة مع الغرة وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تجب الكفارة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يوجب الكفارة حين أوجب الغرة ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة‏}‏ وهذا الجنين إن كان من مؤمنين‏,‏ أو أحد أبويه فهو محكوم بإيمانه تبعا يرثه ورثته المؤمنون‏,‏ ولا يرث الكافر منه شيئا وإن كان من أهل الذمة فهو من قوم بيننا وبينهم ميثاق‏,‏ ولأنه نفس مضمون بالدية فوجبت فيه الرقبة كالكبير وترك ذكر الكفارة لا يمنع وجوبها‏,‏ كقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏)‏ وذكر الدية في مواضع ولم يذكر الكفارة ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏قضى بدية المقتولة على عاقلة القاتلة‏)‏ ولم يذكر كفارة‏,‏ وهي واجبة كذا ها هنا وإنما كان كذلك لأن الآية أغنت عن ذكر الكفارة في موضع آخر‏,‏ فاكتفى بها وإن ألقت المضروبة أجنة ففي كل جنين كفارة كما أن في كل جنين غرة أو دية وإن اشترك جماعة في ضرب امرأة‏,‏ فألقت جنينا فديته أو الغرة عليهم بالحصص وعلى كل واحد منهم كفارة‏,‏ كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا وإن ألقت أجنة فدياتهم عليهم بالحصص وعلى كل واحد في كل جنين كفارة‏,‏ فلو ضرب ثلاثة بطن امرأة فألقت ثلاثة أجنة فعليهم تسع كفارات‏,‏ على كل واحد ثلاثة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنينا فعليها غرة‏,‏ لا ترث منها شيئا وتعتق رقبة‏]‏

ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة‏,‏ على ما قدمنا وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها فلزمها ضمانه بالغرة‏,‏ كما لو جنى عليه غيرها ولا ترث من الغرة شيئا لأن القاتل لا يرث المقتول وتكون الغرة لسائر ورثته‏,‏ وعليها عتق رقبة كما قدمنا ولو كان الجاني المسقط للجنين أباه أو غيره من ورثته فعليه غرة‏,‏ لا يرث منها شيئا ويعتق رقبة وهذا قول الزهري والشافعي‏,‏ وغيرهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن جنى على بهيمة فألقت جنينها ففيه ما نقصها‏,‏ في قول عامة أهل العلم وحكي عن أبي بكر أن فيه عشر قيمة أمه لأنه جناية على حيوان يملك بيعه أسقطت جنينه أشبه جنين الأمة وهذا لا يصح لأن الجناية على الأمة تقدر من قيمتها‏,‏ ففي يدها نصف قيمتها وفي موضحتها نصف عشر قيمتها بقدر جنينها من قيمتها‏,‏ كبعض أعضائها والبهيمة إنما يجب في الجناية عليها قدر نقصها فكذلك في جنينها‏,‏ ولأن الأمة آدمية ألحقت بالأحرار في تقدير أعضائها من ديتها والبهيمة بخلاف ذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق‏,‏ فرجع الحجر فقتل رجلا فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث الدية‏,‏ وعلى كل واحد منهم عتق رقبة مؤمنة في ماله‏]‏

أما عتق رقبة على كل واحد منهم فلا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم لأن كل واحد منهم مشارك في إتلاف آدمي معصوم والكفارة لا تتبعض‏,‏ فكملت في حق كل واحد منهم ثم لا يخلو من حالين أحدهما أن يقتل واحدا منهم والثاني‏:‏ أن يقتل واحدا من غيرهم فعلى كل واحد عتق رقبة‏,‏ كما ذكرنا والدية على عواقلهم أثلاثا لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد سواء قصدوا رمى واحد بعينه‏,‏ أو رمى جماعة أو لم يقصدوا ذلك إلا أنهم إن لم يقصدوا قتل آدمي معصوم‏,‏ فهو خطأ ديته دية الخطأ وإن قصدوا رمى جماعة أو واحد بعينه فهو شبه عمد لأن قصد الواحد بعينه بالمنجنيق لا يكاد يفضي إلى إتلافه‏,‏ فتكون ديته مغلظة على العاقلة إلا أنها في ثلاث سنين وعلى قول أبي بكر لا تحمل العاقلة دية شبه العمد‏,‏ فلا تحمله ها هنا الثاني‏:‏ أن يصيب رجلا منهم فعلى كل واحد كفارة أيضا ولا تسقط عمن أصابه الحجر لأنه شارك في قتل نفس مؤمنة‏,‏ والكفارة إنما تجب لحق الله تعالى فوجبت عليه بالمشاركة في نفسه كوجوبها بالمشاركة في قتل غيره وأما الدية‏,‏ ففيها ثلاثة أوجه أحدها أن على عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته لورثة المقتول لأن كل واحد منهم مشارك في قتل نفس مؤمنة خطأ‏,‏ فلزمته ديتها كالأجانب وهذا ينبني على إحدى الروايتين في أن جناية المرء على نفسه أو أهله خطأ يحمل عقلها عاقلته الوجه الثاني‏:‏ أن ما قابل فعل المقتول ساقط‏,‏ لا يضمنه أحد لأنه شارك في إتلاف حقه فلم يضمن ما قابل فعله كما لو شارك في قتل بهيمته أو عبده وهذا الذي ذكره القاضي في ‏"‏ المجرد ‏"‏‏,‏ ولم يذكر غيره وهو مذهب الشافعي الثالث‏:‏ أن يلغي فعل المقتول في نفسه وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين نصفين قال أبو الخطاب‏:‏ هذا قياس المذهب بناء على مسألة المتصادمين والذي ذكره القاضي أحسن‏,‏ وأصح في النظر وقد روي نحوه عن علي رضي الله عنه في مسألة القارضة والقابضة والواقصة قال الشعبي‏:‏ وذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فأرن‏,‏ فركبت إحداهن على عنق أخرى وقرصت الثالثة المركوبة فقمصت‏,‏ فسقطت الراكبة فوقصت عنقها فماتت‏,‏ فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن وألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها وهذه شبيهة بمسألتنا ولأن المقتول مشارك في القتل‏,‏ فلم تكمل الدية على شريكيه كما لو قتلوا واحدا من غيرهم وإن رجع الحجر فقتل اثنين من الرماة‏,‏ فعلى الوجه الأول تجب ديتهما على عواقلهما أثلاثا وعلى كل واحد كفارتان وعلى الوجه الثاني‏:‏ تجب على عاقلة الحي منهم‏,‏ لكل ميت ثلث ديته وعلى عاقلة كل واحد من الميتين ثلث دية صاحبه ويلغي فعله في نفسه وعلى الوجه الثالث‏,‏ على عاقلة الحي لكل واحد من الميتين نصف الدية ويجب على عاقلة كل واحد من الميتين نصف الدية لصاحبه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم‏]‏

هذا هو الصحيح في المذهب‏,‏ سواء كان المقتول منهم أو من غيرهم إلا أنه إذا كان منهم يكون فعل المقتول في نفسه هدرا لأنه لا يجب عليه لنفسه شيء‏,‏ ويكون باقي الدية في أموال شركائه حالا لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله العاقلة وهذا لا تحمله العاقلة لأنها لا تحمل ما دون الثلث والقدر اللازم لكل واحد دون الثلث وذكر أبو بكر فيها رواية أخرى‏:‏ أن العاقلة تحملها لأن الجناية فعل واحد‏,‏ أوجب دية تزيد على الثلث والصحيح هو الأول لأن كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه وحمل العاقلة إنما شرع للتخفيف عن الجاني فيما يشق ويثقل وما دون الثلث يسير‏,‏ على ما أسلفناه والذي يلزم كل واحد أقل من الثلث وأما قوله‏:‏ إنه فعل واحد قلنا‏:‏ بل هي أفعال لأن فعل كل واحد غير فعل الآخر وإنما موجب الجميع واحد‏,‏ فأشبه ما لو جرحه كل واحد جرحا فاتت النفس بجميعها إذا ثبت هذا فالضمان يتعلق بمن مد الحبال ورمى الحجر دون من وضعه في الكفة‏,‏ وأمسك الخشبة اعتبارا بالمباشر كمن وضع سهما في قوس رجل ورماه صاحب القوس‏,‏ فالضمان على الرامي دون الواضع‏.‏

فصل‏:‏

إذا سقط رجل في بئر فسقط عليه آخر فقتله فعليه ضمانه لأنه قتله فضمنه‏,‏ كما لو رمى عليه حجرا ثم ينظر فإن كان عمد رمى نفسه عليه وهو مما يقتل غالبا‏,‏ فعليه القصاص وإن كان مما لا يقتل غالبا فهو شبه عمد‏,‏ وإن وقع خطأ فالدية على عاقلته مخففة وإن مات الثاني بوقوعه على الأول فدمه هدر لأنه مات بفعله وقد روى علي بن رباح اللخمي‏,‏ أن رجلا كان يقود أعمى فوقعا في بئر خر البصير ووقع الأعمى فوق البصير‏,‏ فقتله فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم‏:‏

يا أيها الناس لقيت منكرا ** هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا

خرا معا كلاهما تكسرا **

وهذا قول ابن الزبير‏,‏ وشريح والنخعي والشافعي‏,‏ وإسحاق ولو قال قائل‏:‏ ليس على الأعمى ضمان البصير لأنه الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه وكان سبب وقوعه عليه ولذلك لو فعله قصدا لم يضمنه‏,‏ بغير خلاف وكان عليه ضمان الأعمى ولو لم يكن سببا لم يلزمه ضمان بقصده لكان له وجه‏,‏ إلا أن يكون مجمعا عليه فلا تجوز مخالفة الإجماع ويحتمل أنه إنما لم يجب الضمان على القائد لوجهين أحدهما أنه مأذون فيه من جهة الأعمى‏,‏ فلم يضمن ما تلف به كما لو حفر له بئرا في داره بإذنه فتلف بها الثاني‏:‏ أنه فعل مندوب إليه‏,‏ مأمور به فأشبه ما لو حفر بئرا في سابلة ينتفع بها المسلمون فإنه لا يضمن ما تلف بها‏.‏

فصل‏:‏

فإن سقط رجل في بئر‏,‏ فتعلق بآخر فوقعا معا فدم الأول هدر لأنه مات من فعله‏,‏ وعلى عاقلته دية الثاني إن مات لأنه قتله بجذبته فإن تعلق الثاني بثالث فماتوا جميعا فلا شيء على الثالث‏,‏ وعلى عاقلة الثاني ديته في أحد الوجهين لأنه جذبه وباشره بالجذب والمباشرة تقطع حكم السبب‏,‏ كالحافر مع الدافع والثاني ديته على عاقلة الأول والثاني نصفين لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث‏,‏ فصار مشاركا للثاني في إتلافه ودية الثاني على عاقلة الأول في أحد الوجهين لأنه هلك بجذبته وإن هلك بسقوط الثالث عليه‏,‏ فقد هلك بجذبة الأول وجذبة نفسه للثالث فسقط فعل نفسه كالمصطدمين‏,‏ وتجب ديته بكمالها على الأول ذكره القاضي والوجه الثاني‏:‏ يجب على الأول نصف ديته ويهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه وهذا مذهب الشافعي ويتخرج وجه ثالث وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته‏,‏ كما قلنا فيما إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم وأما الأول إذا مات بوقوعهما عليه ففيه الأوجه الثلاثة لأنه مات من جذبته وجذبة الثاني للثالث‏,‏ فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني‏:‏ ويلغي فعل نفسه على الوجه الأول وعلى الثاني‏:‏ يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه ويجب نصفها على الثاني‏:‏ وعلى الثالث‏,‏ يجب نصفها على عاقلته لورثته وإن جذب الثالث رابعا فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض فلا شيء على الرابع لأنه لم يفعل شيئا في نفسه ولا غيره‏,‏ وفي ديته وجهان أحدهما أنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه والثاني‏:‏ على عاقلة الأول والثاني والثالث لأنه مات من جذب الثلاثة فكانت ديته على عواقلهم وأما الأول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ففيه ثلاثة أوجه أحدها‏,‏ أنه يلغي فعل نفسه وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين الثاني‏:‏ يجب على عاقلتهما ثلثاها ويسقط ما قابل فعل نفسه‏,‏ الثالث‏:‏ يجب ثلثها على عاقلته لورثته وأما الجاذب الثاني‏:‏ فقد مات بالأفعال الثلاثة وفيه هذه الأوجه المذكورة في الأول سواء وأما الثالث‏:‏ ففيه مثل هذه الأوجه الثلاثة ووجهان آخران أحدهما‏,‏ أن ديته بكمالها على الثاني لأنه المباشر لجذبه فسقط فعل غيره بفعله والثاني أن على عاقلته نصفها ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه‏.‏

فصل‏:‏

وإن وقع بعضهم على بعض‏,‏ فماتوا نظرت فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع‏,‏ أو كان فيه ماء يغرق الواقع فيقتله أو أسد يأكلهم فليس على بعضهم ضمان بعض لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض‏,‏ وإن شككنا في ذلك لم يضمن بعضهم بعضا لأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك وإن كان موتهم بوقوع بعضهم على بعض فدم الرابع هدر لأن غيره لم يفعل فيه شيئا‏,‏ وإنما هلك بفعله وعليه دية الثالث لأنه قتله بوقوعه عليه ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين‏,‏ ودية الأول على الثلاثة أثلاثا‏.‏

فصل‏:‏

وإن هلكوا بأمر في البئر مثل أسد كان فيه وكان الأول جذب الثاني‏,‏ والثاني جذب الثالث والثالث جذب الرابع فقتلهم الأسد‏,‏ فلا شيء على الرابع وديته على عاقلة الثالث في أحد الوجهين‏,‏ وفي الثاني‏:‏ على عواقل الثلاثة أثلاثا ودم الأول هدر على عاقلته دية الثاني وأما دية الثالث‏,‏ فعلى الثاني‏:‏ في أحد الوجهين وفي الآخر على الأول والثاني نصفين وهذه المسألة‏:‏ تسمى مسألة الزبية‏,‏ وقد روى حنش الصنعاني ‏(‏أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها‏,‏ فهوى فيها واحد فجذب ثانيا فجذب الثاني ثالثا‏,‏ ثم جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال‏:‏ للأول ربع الدية لأنه هلك فوقه ثلاثة‏,‏ وللثاني ثلث الدية لأنه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد‏,‏ وللرابع كمال الدية وقال‏:‏ فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر فرفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ هو كما قال‏)‏ رواه سعيد بن منصور قال‏:‏ حدثنا أبو عوانة وأبو الأحوص عن سماك بن حرب‏,‏ عن حنش بنحو هذا المعنى قال أبو الخطاب‏:‏ فذهب أحمد إلى ذلك توقيفا على خلاف القياس والقياس ما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏

ويجب الضمان بالسبب‏,‏ كما يجب بالمباشرة فإذا حفر بئرا في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه‏,‏ أو وضع في ذلك حجرا أو حديدة أو صب فيه ماء أو وضع فيه قشر بطيخ أو نحوه‏,‏ وهلك فيه إنسان أو دابة ضمنه لأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو جنى عليه روي عن شريح‏,‏ أنه ضمن رجلا حفر بئرا فوقع فيها رجل فمات وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال النخعي والشعبي‏,‏ وحماد والثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وإن وضع رجل حجرا وحفر آخر بئرا أو نصب سكينا‏,‏ فعثر بالحجر فوقع في البئر أو على السكين‏,‏ فهلك فالضمان على واضع الحجر دون الحافر وناصب السكين لأن واضع الحجر كالدافع له وإذا اجتمع الحافر والدافع فالضمان على الدافع وحده وبهذا قال الشافعي ولو وضع رجل حجرا‏,‏ ثم حفر عنده آخر بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر‏,‏ فسقط عليهما فهلك احتمل أن يكون الحكم كذلك لما ذكرنا واحتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن فعلهما متأخر عن فعله‏,‏ فأشبه ما لو كان زق فيه مائع وهو واقف فحل وكاءه إنسان وأماله آخر‏,‏ فسال ما فيه كان الضمان على الآخر منهما وإن وضع إنسان حجرا أو حديدة في ملكه أو حفر فيه بئرا‏,‏ فدخل إنسان بغير إذنه فهلك به فلا ضمان على المالك لأنه لم يتعد‏,‏ وإنما الداخل هلك بعدوان نفسه وإن وضع حجرا في ملكه ونصب أجنبي فيه سكينا‏,‏ أو حفر بئرا بغير إذنه فعثر رجل بالحجر فوقع على السكين أو في البئر‏,‏ فالضمان على الحافر وناصب السكين لتعديهما إذا لم يتعلق الضمان بواضع الحجر لانتفاء عدوانه وإن اشترك جماعة في عدوان تلف به شيء‏,‏ فالضمان عليهم وإن وضع اثنان حجرا وواحد حجرا فعثر بهما إنسان‏,‏ فهلك فالدية على عواقلهم أثلاثا في قياس المذهب وهو قول أبي يوسف لأن السبب حصل من الثلاثة أثلاثا‏,‏ فوجب الضمان عليهم وإن اختلفت أفعالهم كما لو جرحه واحد جرحين وجرحه اثنان جرحين‏,‏ فمات بهما وقال زفر‏:‏ على الاثنين النصف وعلى واضع الحجر وحده النصف لأن فعله مساو لفعلهما وإن حفر إنسان بئرا ونصب آخر سكينا‏,‏ فوقع إنسان في البئر على السكين فمات فقال ابن حامد‏:‏ الضمان على الحافر‏,‏ لأنه بمنزلة الدافع وهذا قياس المسائل التي قبلها ونص أحمد -رحمه الله- على أن الضمان عليهما قال أبو بكر‏:‏ لأنهما في معنى الممسك والقاتل‏,‏ الحافر كالممسك وناصب السكين كالقاتل فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين في المسائل السابقة‏.‏

فصل‏:‏

وإن حفر بئرا في ملك نفسه‏,‏ أو في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه لأنه غير متعد بحفرها وإن حفرها في موات لم يضمن لأنه غير متعد بحفرها وكذلك إن وضع حجرا‏,‏ أو نصب شركا أو شبكة أو منجلا‏,‏ ليصيد بها وإن فعل شيئا من ذلك في طريق ضيق فعليه ضمان من هلك به لأنه متعد وسواء أذن له الإمام فيه أو لم يأذن فإنه ليس للإمام الإذن فيما يضر بالمسلمين‏,‏ ولو فعل ذلك الإمام لضمن ما تلف به لتعديه وإن كان الطريق واسعا فحفر في مكان منها ما يضر بالمسلمين فعليه الضمان كذلك وإن حفر في موضع لا ضرر فيه‏,‏ نظرنا فإن حفرها لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها بإذن الإمام أو غير إذنه وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إن حفرها بإذن الإمام‏,‏ لم يضمن لأن للإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز أن يأذن في القعود فيه ويقطعه لمن يبيع فيه ولنا‏,‏ أنه تلف بحفر حفرة في حق مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم‏,‏ فضمن كما لو لم يأذن له الإمام ولا نسلم أن للإمام أن يأذن في هذا‏,‏ وإنما يأذن في القعود لأن ذلك لا يدوم وتمكن إزالته في الحال فأشبه القعود في المسجد‏,‏ ولأن القعود جائز من غير إذن الإمام بخلاف الحفر وإن حفر البئر لنفع المسلمين مثل أن يحفره لينزل فيه ماء المطر من الطريق‏,‏ أو لتشرب منه المارة ونحوها فلا ضمان عليه لأنه محسن بفعله‏,‏ غير متعد بحفره فأشبه باسط الحصير في المسجد وذكر بعض أصحابنا أنه لا يضمن إذا كان بإذن الإمام وإن كان بغير إذنه‏,‏ ففيه روايتان إحداهما‏:‏ لا يضمن فإن أحمد قال في رواية إسحاق بن إبراهيم‏:‏ إذا أحدث بئرا لماء المطر‏,‏ ففيه نفع للمسلمين أرجو أن لا يضمن والثانية‏:‏ يضمن أومأ إليه أحمد لأنه افتأت على الإمام ولم يذكر القاضي سوى هذه الرواية والصحيح هو الأول لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه‏,‏ ويشق استئذان الإمام فيه وتعم البلوى به ففي وجوب استئذان الإمام فيه تفويت لهذه المصلحة العامة‏,‏ لأنه لا يكاد يوجد من يتحمل كلفة استئذانه وكلفة الحفر معا فتضيع هذه المصلحة فوجب إسقاط استئذانه‏,‏ كما في سائر المصالح العامة من بسط حصير في مسجد أو تعليق قنديل فيه‏,‏ أو وضع سراج أو رم شعث فيه وأشباه ذلك وحكم البناء في الطريق حكم الحفر فيها على ما ذكرنا من التفصيل والخلاف‏,‏ وهو أنه متى بنى بناء يضر إما لكونه في طريق ضيق أو في واسع يضر بالمارة أو بنى لنفسه‏,‏ فقد تعدى ويضمن ما تلف به وإن بنى في طريق واسع‏,‏ في موضع لا يضر البناء فيه لنفع المسلمين كبناء مسجد يحتاج إليه للصلاة فيه في زاوية ونحوها‏,‏ فلا ضمان عليه وسواء في ذلك كله أذن فيه الإمام أو لم يأذن ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لأن الحفر تدعو الحاجة إليه لنفع الطريق وإصلاحها وإزالة الطين والماء منها‏,‏ بخلاف البناء فجرى حفرها مجرى تنقيتها وحفر هدفة منها‏,‏ وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصا في حفرة منها ليملأها ويسهلها بإزالة الطين ونحوه منها وتسقيف ساقية فيها‏,‏ ووضع حجر في طين فيها ليطأ الناس عليه أو يعبروا عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا أعلم فيه خلافا وكذلك ينبغي أن يكون في بناء القناطر ويحتمل أن يعتبر استئذان الإمام لأن مصلحته لا يعم وجودها‏,‏ بخلاف غيره وإن سقف مسجدا أو فرش بارية فيه أو نصب عليه بابا‏,‏ أو جعل فيه رفا لينفع أهله أو علق فيه قنديلا أو بنى فيه حائطا‏,‏ فتلف به شيء فلا ضمان عليه وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إن فعل شيئا من ذلك بغير إذن الإمام ضمن‏,‏ في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة‏:‏ يضمن إذا لم يأذن فيه الجيران ولنا أنه فعل أحسن به ولم يتعد فيه‏,‏ فلم يضمن ما تلف به كما لو أذن فيه الإمام والجيران ولأن هذا مأذون فيه من جهة العرف‏,‏ لأن العادة جارية بالتبرع به من غير استئذان فلم يجب ضمان كالمأذون فيه نطقا‏.‏

فصل‏:‏

وإن حفر العبد بئرا في ملك إنسان‏,‏ بغير إذنه أو في طريق يتضرر به ثم أعتقه سيده‏,‏ ثم تلف بها شيء ضمنه العبد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ الضمان على سيده لأن الجناية هي الحفر في حال رقه وكان ضمان جنايته حينئذ على سيده‏,‏ فلا يزول ذلك بعتقه كما لو جرح في حال رقه ثم سرى جرحه بعد عتقه ولنا‏,‏ أن التلف الموجب للضمان وجد بعد إعتاقه فكان الضمان عليه كما لو اشترى سيفا في حال رقه‏,‏ ثم قتل به بعد عتقه وفارق ما قاسوا عليه لأن الإتلاف الموجب للضمان وجد حال رقه وهاهنا حصل بعد عتقه وكذلك القول في نصب حجر أو غيره من الأسباب التي يجب بها الضمان‏.‏

فصل‏:‏

وإذا حفر إنسان بئرا في ملك مشترك بينه وبين غيره‏,‏ بغير إذنه ضمن ما تلف به جميعه وهذا قياس مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يضمن ما قابل نصيب شريكه فلو كان له شريكان‏,‏ لضمن ثلثي التالف لأنه تعدى في نصيب شريكيه وقال أبو يوسف‏:‏ عليه نصف الضمان لأنه تلف بجهتين فكان الضمان نصفين كما لو جرحه واحد جرحا‏,‏ وجرحه آخر جرحين ولنا أنه متعد بالحفر فضمن الواقع فيها‏,‏ كما لو كان في ملك غيره والشركة أوجبت تعديه بجميع الحفر فكان موجبا لجميع الضمان ويبطل ما ذكره أبو يوسف‏,‏ بما لو حفره في طريق مشترك فإن له فيها حقا ومع ذلك يضمن الجميع والحكم فيما إذا أذن له بعض الشركاء في الحفر دون بعض‏,‏ كالحكم فيما إذا حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره لكونه لا يباح الحفر ولا التصرف حتى يأذن الجميع‏.‏

فصل‏:‏

وإذا حفر بئرا في ملك إنسان أو وضع فيه ما يتعلق به الضمان فأبرأه المالك من ضمان ما يتلف به‏,‏ ففيه وجهان أحدهما‏:‏ يبرأ لأن المالك لو أذن فيه ابتداء لم يضمن ما تلف به فإذا أبرأه من الضمان وأذن فيه‏,‏ زال عنه الضمان كما لو اقترن الإذن بالحفر والآخر لا ينتفي عنه الضمان لأنه سبب موجب للضمان‏,‏ فلا يزول حكمه بالإبراء كسائر الأسباب ولأن حصول الضمان به لكونه تعدى بحفره‏,‏ والإبراء لا يزيل ذلك لأن ما مضى لا يمكن تغييره عن الصفة التي وقع عليها ولأن وجوب الضمان ليس يحق للمالك الإبراء منه‏,‏ كما لو أبرأه غير المالك ولأنه إبراء مما لم يجب فلم يصح‏,‏ كالإبراء من الشفعة قبل البيع‏.‏

فصل‏:‏

وإن استأجر أجيرا فحفر في ملك غيره بغير إذنه وعلم الأجير ذلك‏,‏ فالضمان عليه وحده لأنه متعد بالحفر وليس له فعل ذلك بأجرة ولا غيرها فتعلق الضمان به‏,‏ كما لو أمره غيره بالقتل فقتل وإن لم يعلم فالضمان على المستأجر لأنه غره فتعلق الضمان به‏,‏ كالإثم وكذلك الحكم في البناء ونحوه ولو استأجر أجيرا ليحفر له في ملكه بئرا‏,‏ أو ليبني له فيها بناء فتلف الأجير بذلك لم يضمنه المستأجر‏,‏ وبهذا قال عطاء والزهري وقتادة‏,‏ وأصحاب الرأي ويشبه مذهب الشافعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏البئر جبار‏)‏ ولأنه لم يتلفه وإنما فعل الأجير باختيار نفسه فعلا أفضى إلى تلفه فأشبه ما لو فعله تبرعا من عند نفسه‏,‏ إلا أن يكون الأجير عبدا استأجره بغير إذن سيده أو صبيا بغير إذن وليه فيضمنه لأنه متعد باستعماله متسبب إلى إتلاف حق غيره‏.‏

فصل‏:‏

فإن حفر إنسان في ملكه بئرا‏,‏ فوقع فيها إنسان أو دابة فهلك به وكان الداخل دخل بغير إذنه‏,‏ فلا ضمان على الحافر لأنه لا عدوان منه وإن دخل بإذنه والبئر بينة مكشوفة والداخل بصير يبصرها‏,‏ فلا ضمان أيضا لأن الواقع هو الذي أهلك نفسه فأشبه ما لو قدم إليه سيف فقتل به نفسه وإن كان الداخل أعمى‏,‏ أو كانت في ظلمة لا يبصرها الداخل أو غطى رأسها فلم يعلم الداخل بها حتى وقع فيها‏,‏ فعليه ضمانه وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي‏,‏ وحماد ومالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال في الآخر‏:‏ لا يضمنه لأنه هلك بفعل نفسه ولنا أنه تلف بسببه‏,‏ فضمنه كما لو قدم له طعاما مسموما فأكله وبهذا ينتقض ما ذكروه وإن اختلفا‏,‏ فقال صاحب الدار‏:‏ ما أذنت لك في الدخول وادعى ولي الهالك أنه أذن له فالقول قول المالك لأنه منكر وإن قال‏:‏ كانت مكشوفة وقال الآخر‏:‏ كانت مغطاة فالقول قول ولي الواقع لأن الظاهر معه فإن الظاهر أنها لو كانت مكشوفة لم يسقط فيها ويحتمل أن القول قول المالك لأن الأصل براءة ذمته‏,‏ فلا تشتغل بالشك ولأن الأصل عدم تغطيتها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا بنى في ملكه حائطا مائلا إلى الطريق أو إلى ملك غيره‏,‏ فتلف به شيء أو سقط على شيء فأتلفه ضمنه لأنه متعد بذلك‏,‏ فإنه ليس له الانتفاع بالبناء في هواء ملك غيره أو هواء مشترك ولأنه يعرضه للوقوع على غيره في ملكه‏,‏ فأشبه ما لو نصب فيه منجلا يصيد به وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا وإن بناه في ملكه مستويا أو مائلا إلى ملكه فسقط من غير استهدام ولا ميل‏,‏ فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به لأنه لم يتعد ببنائه ولا حصل منه تفريط بإبقائه وإن مال وقوعه إلى ملكه ولم يتجاوزه‏,‏ فلا ضمان عليه لأنه بمنزلة بنائه مائلا في ملكه وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطريق أو إلى ملك إنسان أو ملك مشترك بينه وبين غيره‏,‏ نظرنا فإن لم يمكنه نقضه فلا ضمان عليه لأنه لم يتعد ببنائه ولا فرط في ترك نقضه لعجزه عنه‏,‏ فأشبه ما لو سقط من غير ميل وإن أمكنه نقضه فلم ينقضه لم يخل من حالين أحدهما أن يطالب بنقضه والثاني‏:‏ أن لا يطالب به‏,‏ فإن لم يطالب به لم يضمن في المنصوص عن أحمد‏,‏ وهو ظاهر كلام الشافعي ونحوه قال الحسن والنخعي‏,‏ والثوري وأصحاب الرأي لأنه بناه في ملكه والميل حادث بغير فعله‏,‏ فأشبه ما لو وقع قبل ميله وذكر بعض أصحابنا فيه وجها آخر أن عليه الضمان وهو قول ابن أبي ليلى وأبي ثور‏,‏ وإسحاق لأنه متعد بتركه مائلا فضمن ما تلف به كما لو بناه مائلا إلى ذلك ابتداء‏,‏ ولأنه لو طولب بنقضه فلم يفعل ضمن ما تلف به ولو لم يكن ذلك موجبا للضمان لم يضمن بالمطالبة‏,‏ كما لو لم يكن مائلا أو كان مائلا إلى ملكه وأما إن طولب بنقضه فلم يفعل فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وقال أصحابنا‏:‏ يضمن وقد أومأ إليه أحمد وهو مذهب مالك‏,‏ ونحوه قال الحسن والنخعي والثوري وقال أبو حنيفة‏:‏ الاستحسان أن يضمن لأن حق الجواز للمسلمين‏,‏ وميل الحائط يمنعهم ذلك فلهم المطالبة بإزالته فإذا لم يزله ضمن‏,‏ كما لو وضع عدلا على الحائط نفسه فوقع في ملك غيره فطولب برفعه فلم يفعل حتى عثر به إنسان وفيه وجه آخر‏,‏ لا ضمان عليه قال أبو حنيفة‏:‏ وهو القياس لأنه بناه في ملكه ولم يسقط بفعله فأشبه ما لو لم يطالبه بنقضه‏,‏ أو سقط قبل ميله أو لم يمكنه نقضه ولأنه لو وجب الضمان‏,‏ لم تشترط المطالبة كما لو بناه مائلا إلى غير ملكه فإن قلنا‏:‏ عليه الضمان إذا طولب فإن المطالبة من كل مسلم أو ذمي توجب الضمان إذا كان ميله إلى الطريق لأن لكل واحد منهم حق المرور‏,‏ فكانت له المطالبة كما لو مال الحائط إلى ملك جماعة كان لكل واحد منهم المطالبة‏,‏ وإذا طالب واحد فاستأجله صاحب الحائط أو أجله له الإمام‏,‏ لم يسقط عنه الضمان لأن الحق لجميع المسلمين فلا يملك واحد منهم إسقاطه وإن كانت المطالبة لمستأجر الدار أو مرتهنها‏,‏ أو مستعيرها أو مستودعها فلا ضمان عليهم لأنهم لا يملكون النقض‏,‏ وليس الحائط ملكا لهم وإن طولب المالك في هذه الحال فلم يمكنه استرجاع الدار ونقض الحائط فلا ضمان عليه لعدم تفريطه‏,‏ وإن أمكنه استرجاعها كالمعير والمودع‏,‏ والراهن إذا أمكنه فكاك الرهن فلم يفعل ضمن لأنه أمكنه النقض وإن كان المالك محجورا عليه لسفه أو صغر أو جنون‏,‏ فطولب هو لم يلزمه الضمان لأنه ليس أهلا للمطالبة وإن طولب وليه أو وصيه فلم ينقضه‏,‏ فالضمان على المالك لأن سبب الضمان ماله فكان الضمان عليه دون المتصرف كالوكيل مع الموكل وإن كان الملك مشتركا بين جماعة‏,‏ فطولب أحدهم بنقضه احتمل وجهين أحدهما لا يلزمه شيء لأنه لا يمكنه نقضه بدون إذنهم‏,‏ فهو كالعاجز عن نقضه والثاني‏:‏ يلزمه بحصته لأنه يتمكن من النقض بمطالبة شركائه وإلزامهم النقض فصار بذلك مفرطا وأما إن كان ميل الحائط إلى ملك آدمي معين‏,‏ إما واحد وإما جماعة فالحكم على ما ذكرنا إلا أن المطالبة للمالك‏,‏ أو ساكن الملك الذي مال إليه دون غيره وإن كان لجماعة فأيهم طالب وجب النقض بمطالبته‏,‏ كما لو طالب واحد بنقض المائل إلى الطريق إلا أنه متى طالب ثم أجله صاحب الملك‏,‏ أو أبرأه منه أو فعل ذلك ساكن الدار التي مال إليها جاز لأن الحق له‏,‏ وهو يملك إسقاطه وإن مال إلى درب غير نافذ فالحق لأهل الدرب والمطالبة لهم لأن الملك لهم‏,‏ ويلزم النقض بمطالبة أحدهم ولا يبرأ بإبرائه وتأجيله إلا أن يرضى بذلك جميعهم لأن الحق لجميعهم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا تقدم إلى صاحب الحائط بنقضه‏,‏ فباعه مائلا فلا ضمان على بائعه لأنه ليس بملك له ولا على المشتري لأنه لم يطالب بنقضه وكذلك إن وهبه وأقبضه وإن قلنا بلزوم الهبة‏,‏ زال الضمان عنه بمجرد العقد وإذا وجب الضمان وكان التالف به آدميا فالدية على عاقلته‏,‏ فإن أنكرت عاقلته كون الحائط لصاحبهم لم يلزمهم العقل إلا أن يثبت ذلك ببينة لأن الأصل عدم الوجوب عليهم‏,‏ فلا يجب بالشك وإن اعترف صاحب الحائط لزمه الضمان دونهم لأن العاقلة لا تحمل اعترافا وكذلك إن أنكروا مطالبته بنقضه فالحكم على ما ذكرنا وإن كان الحائط في يد صاحبهم‏,‏ وهو ساكن في الدار لم يثبت بذلك الوجوب عليهم لأن دلالة ذلك على الملك من جهة الظاهر والظاهر لا تثبت به الحقوق وإنما ترجح به الدعوى‏.‏

فصل‏:‏

وإن لم يمل الحائط‏,‏ لكن تشقق فإن لم يخش سقوطه لكون شقوقه بالطول‏,‏ لم يجب نقضه وكان حكمه في هذا حكم الصحيح لأنه لم يخف سقوطه فأشبه الصحيح‏,‏ وإن خيف وقوعه مثل أن تكون شقوقه بالعرض فحكمه حكم المائل لأنه يخاف منه التلف‏,‏ فأشبه المائل‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أخرج إلى الطريق النافذ جناحا أو ساباطا فسقط‏,‏ أو شيء منه على شيء فأتلفه فعلى المخرج ضمانه وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إن وقعت خشبة ليست مركبة على حائطه‏,‏ وجب ضمان ما أتلفت وإن كانت مركبة على حائطه وجب نصف الضمان لأنه تلف بما وضعه على ملكه وملك غيره‏,‏ فانقسم الضمان عليهما ولنا أنه تلف بما أخرجه إلى حق الطريق فضمنه‏,‏ كما لو بنى حائطه مائلا إلى الطريق فأتلف أو أقام خشبة في ملكه مائلة إلى الطريق أو كما لو سقطت الخشبة التي ليست موضوعة على الحائط‏,‏ ولأنه إخراج يضمن به البعض فضمن به الكل كالذي ذكرنا‏,‏ ولأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق‏,‏ والدليل على عدوانه وجوب ضمان البعض ولو كان مباحا لم يضمن به‏,‏ كسائر المباحات ولأن هذه خشبة لو انقصف الخارج منها‏,‏ وسقط فأتلف ضمن ما أتلف فيجب أن يضمن ما أتلف جميعها‏,‏ كسائر المواضع التي يجب الضمان فيها ولأننا لم نعلم موضعا يجب الضمان كله ببعض الخشبة ويجب نصفه بجميعها وإن كان إخراج الجناح إلى درب غير نافذ بغير إذن أهله‏,‏ ضمن ما أتلفه وإن فعل ذلك بإذنهم فلا ضمان عليه لأنه مباح له غير متعد فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أخرج ميزابا إلى الطريق‏,‏ فسقط على إنسان أو شيء فأتلفه ضمنه وبهذا قال أبو حنيفة وحكي عن مالك أنه لا يضمن ما أتلفه لأنه غير متعد بإخراجه‏,‏ فلم يضمن ما تلف به كما لو أخرجه إلى ملكه وقال الشافعي‏:‏ إن سقط كله فعليه نصف الضمان لأنه تلف بما وضعه على ملكه وملك غيره وإن انقصف الميزاب‏,‏ فسقط منه ما خرج عن الحائط ضمن جميع ما تلف به لأنه كله في غير ملكه ولنا ما سبق في الجناح‏,‏ ولا نسلم أن إخراجه مباح فإنه أخرج إلى هواء ملك غيره شيئا يضر به فأشبه ما لو أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير إذنه‏,‏ فأما إن أخرج إلى ملك آدمي معين شيئا من جناح أو ساباط أو ميزاب‏,‏ أو غيره فهو متعد ويضمن ما تلف به لا أعلم فيه خلافا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا بالت دابته في طريق‏,‏ فزلق به حيوان فمات به فقال أصحابنا‏:‏ على صاحب الدابة الضمان‏,‏ إذا كان راكبا لها أو قائدا أو سائقا لها لأنه تلف حصل من جهة دابته التي يده عليها‏,‏ فأشبه ما لو جنت بيدها أو فمها وقياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك لأنه لا يد له على ذلك ولا يمكن التحرز منه‏,‏ فلم يضمن ما تلف به كما لو أتلفت برجلها وكما لو لم يكن له يد عليها‏,‏ ويفارق هذا ما أتلفت بيدها وفمها لأنه يمكنه حفظهما‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وضع جرة على سطحه أو حائطه أو حجرا فرمته الريح على إنسان‏,‏ فقتله أو شيء أتلفه لم يضمن لأن ذلك من غير فعله‏,‏ ووضعه له كان في ملكه ويحتمل أن يضمن إذا وضعها متطرفة لأنه نسب إلى إلقائها وتعدى بوضعها فأشبه من بنى حائطه مائلا‏.‏

فصل‏:‏

وإن سلم ولده الصغير إلى السابح‏,‏ ليعلمه السباحة فغرق فالضمان على عاقلة السابح لأنه سلمه إليه ليحتاط في حفظه‏,‏ فإذا غرق نسب إلى التفريط في حفظه وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب أن لا يضمنه لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته فلم يضمن ما تلف به كما إذا ضرب المعلم الصبي ضربا معتادا‏,‏ فتلف به فأما الكبير إذا غرق فليس على السابح شيء إذا لم يفرط لأن الكبير في يد نفسه‏,‏ لا ينسب التفريط في هلاكه إلى غيره‏.‏

فصل‏:‏

وإذا طلب إنسانا بسيف مشهور فهرب منه فتلف في هربه‏,‏ ضمنه سواء وقع من شاهق أو انخسف به سقف‏,‏ أو خر في بئر أو لقيه سبع فافترسه أو غرق في ماء‏,‏ أو احترق بنار وسواء كان المطلوب صبيا أو كبيرا أعمى أو بصيرا‏,‏ عاقلا أو مجنونا وقال الشافعي‏:‏ لا يضمن البالغ العاقل البصير إلا أن يخسف به سقف فإن فيه وفي الصغير والمجنون والأعمى قولين لأنه هلك بفعل نفسه‏,‏ فلم يضمنه الطالب كما لو لم يطلبه ولنا أنه هلك بسبب عدوانه‏,‏ فضمنه كما لو حفر له بئرا أو نصب سكينا‏,‏ أو سم طعامه ووضعه في منزله وما ذكره يبطل بهذه الأصول ولأنه تسبب إلى إهلاكه فأشبه ما لو انخسف من تحته سقف‏,‏ أو كان صغيرا أو مجنونا وإن طلبه بشيء يخيفه به كالليث ونحوه فحكمه حكم ما لو طلبه بسيف مشهور لأنه في معناه‏.‏

فصل‏:‏

ولو شهر سيفا في وجه إنسان‏,‏ أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله‏,‏ فعليه ديته وإن صاح بصبي أو مجنون صيحة شديدة فخر من سطح أو نحوه فمات‏,‏ أو ذهب عقله أو تغفل عاقلا فصاح به فأصابه ذلك‏,‏ فعليه ديته تحملها العاقلة فإن فعل ذلك عمدا فهو شبه عمد‏,‏ وإلا فهو خطأ ووافق الشافعي في الصبي وله في البالغ قولان ولنا أنه سبب إتلافه‏,‏ فضمنه كالصبي‏.‏

فصل‏:‏

وإن قدم إنسانا إلى هدف يرميه الناس فأصابه سهم من غير تعمد فضمانه على عاقلة الذي قدمه لأن الرامي كالحافر والذي قدمه كالدافع فكان الضمان على عاقلته، وإن عمد الرامي رميه فالضمان عليه لأنه مباشر وذاك متسبب فأشبه الممسك والقاتل وإن لم يقدمه أحد فالضمان على الرامي وتحمله عاقلته إن كان خطأ لأنه قتله‏.‏

فصل‏:‏

وإن شهد رجلان على رجل بقتل أو جرح أو سرقة قد توجب القطع‏,‏ أو زنى يوجب الرجم أو الجلد ونحو ذلك فاقتص منه‏,‏ أو قطع بالسرقة أو حد فأفضى إلى تلفه ثم رجعا عن الشهادة‏,‏ لزمهما ضمان ما تلف بشهادتهما كالشريكين في الفعل ويكون الضمان في مالهما‏,‏ لا تحمله عاقلتهما لأنها لا تحمل اعترافا وهذا يثبت باعترافهما وقد روي عن علي رضي الله عنه أن شاهدين شهدا عنده على رجل بالسرقة فقطعه‏,‏ ثم أتيا بآخر فقالا‏:‏ يا أمير المؤمنين ليس ذاك السارق‏,‏ إنما هذا هو السارق فأغرمهما دية الأول وقال‏:‏ لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما ولم يقبل قولهما في الثاني وإن أكره رجل رجلا على قتل إنسان‏,‏ فقتله فصار الأمر إلى الدية فهي عليهما لأنهما كالشريكين‏,‏ ولهذا وجب القصاص عليهما ولو أكره رجل امرأة فزنى بها فحملت فماتت من الولادة‏,‏ ضمنها لأنها ماتت بسبب فعله وتحملها العاقلة إلا أن لا يثبت ذلك إلا باعترافه‏,‏ فتكون الدية عليه لأن العاقلة لا تحمل اعترافا‏.‏

فصل‏:‏

إذا بعث السلطان إلى امرأة ليحضرها فأسقطت جنينا ميتا ضمنه بغرة لما روي أن عمر رضي الله عنه بعث إلى امرأة مغيبة‏,‏ كان يدخل عليها فقالت‏:‏ يا ويلها مالها ولعمر فبينما هي في الطريق إذ فزعت‏,‏ فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين‏,‏ ثم مات فاستشار عمر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب وصمت على فأقبل عليه عمر‏,‏ فقال‏:‏ ما تقول يا أبا الحسن‏؟‏ فقال‏:‏ إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر‏:‏ أقسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك ولو فزعت المرأة فماتت‏,‏ لوجبت ديتها أيضا ووافق الشافعي في ضمان الجنين وقال‏:‏ لا تضمن المرأة لأن ذلك ليس بسبب إلى هلاكها في العادة ولنا أنها نفس هلكت بإرساله إليها‏,‏ فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه‏,‏ فغرمها كما لو ضربها فماتت وقوله‏:‏ إنه ليس بسبب عادة قلنا‏:‏ ليس كذلك فإنه سبب للإسقاط‏,‏ والإسقاط سبب للهلاك عادة ثم لا يتعين في الضمان كونه سببا معتادا فإن الضربة والضربتين بالسوط‏,‏ ليست سببا للهلاك في العادة ومتى أفضت إليه وجب الضمان وإن استعدى إنسان على امرأة فألقت جنينها‏,‏ أو ماتت فزعا فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالما لها‏,‏ وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند الحاكم فينبغي أن لا يضمنها لأنها سبب إحضارها بظلمها‏,‏ فلا يضمنها غيرها ولأنه استوفى حقه فلم يضمن ما تلف به‏,‏ كالقصاص ويضمن جنينها لأنه تلف بفعله فأشبه ما لو اقتص منها‏.‏

فصل‏:‏

ومن أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية‏,‏ أو مكان لا يقدر فيه على طعام وشراب فهلك بذلك أو هلكت بهيمته‏,‏ فعليه ضمان ما تلف به لأنه سبب هلاكه وإن اضطر إلى طعام وشراب لغيره فطلبه منه فمنعه إياه مع غناه عنه في تلك الحال‏,‏ فمات بذلك ضمنه المطلوب منه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بذلك‏,‏ ولأنه إذا اضطر إليه صار أحق به ممن هو في يده وله أخذه قهرا‏,‏ فإذا منعه إياه تسبب إلى إهلاكه بمنعه ما يستحقه فلزمه ضمانه‏,‏ كما لو أخذ طعامه وشرابه فهلك بذلك وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبا وقال القاضي‏:‏ تكون على عاقلته لأن هذا لا يوجب القصاص فيكون شبه العمد وإن لم يطلبه منه‏,‏ لم يضمنه لأنه لم يمنعه ولم يوجد منه فعل تسبب به إلى هلاكه وكذلك كل من رأى إنسانا في مهلكة فلم ينجه منها‏,‏ مع قدرته على ذلك لم يلزمه ضمانه وقد أساء وقال أبو الخطاب‏:‏ قياس المسألة‏:‏ الأولى وجوب ضمانه لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه‏,‏ فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب ولنا أنه لم يهلكه‏,‏ ولم يكن سببا في هلاكه فلم يضمنه كما لو لم يعلم بحاله‏,‏ وقياس هذا على هذه المسألة‏:‏ غير صحيح لأنه في المسألة‏:‏ منعه منعا كان سببا في هلاكه فضمنه بفعله الذي تعدى به وهاهنا لم يفعل شيئا يكون سببا‏.‏

فصل‏:‏

ومن ضرب إنسانا حتى أحدث‏,‏ فإن عثمان رضي الله عنه قضى فيه بثلث الدية وقال أحمد‏:‏ لا أعرف شيئا يدفعه وبه قال إسحاق وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي‏:‏ لا شيء فيه لأن الدية إنما تجب لإتلاف منفعة أو عضو‏,‏ أو إزالة جمال وليس ها هنا شيء من ذلك وهذا هو القياس وإنما ذهب من ذهب إلى إيجاب الثلث لقضية عثمان لأنها في مظنة الشهرة‏,‏ ولم ينقل خلافها فيكون إجماعا ولأن قضاء الصحابي بما يخالف القياس يدل على أنه توقيف وسواء كان الحدث ريحا أو غائطا أو بولا وكذلك الحكم فيما إذا أفزعه حتى أحدث‏.‏

فصل‏:‏

إذا ادعى القاتل أن المقتول كان عبدا‏,‏ أو ضرب ملفوفا فقده أو ألقى عليه حائطا أو ادعى أنه كان ميتا‏,‏ وأنكر وليه ذلك فالقول قول الولي مع يمينه وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ القول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته وما ادعاه محتمل‏,‏ فلا نزول عن اليقين بالشك ولنا أن الأصل حياة المجني عليه وحريته فيجب الحكم ببقائه‏,‏ كما لو قتل من كان مسلما وادعى أنه ارتد قبل قتله وبهذا يبطل ما ذكره وهكذا لو قتل في دار الإسلام إنسانا وادعى أنه كان كافرا‏,‏ وأنكر وليه فالقول قول الولي لأن الدار دار الإسلام ولذلك حكمنا بإسلام لقيطها وإن قطع عضوا وادعى شلله‏,‏ أو قلع عينا وادعى عماها وأنكر الولي فالقول قول المجني عليه لأن الأصل السلامة وكذلك لو قطع ساعدا وادعى أنه لم يكن عليه كف‏,‏ أو قطع ساقا وادعى أنه لم يكن لها قدم وقال القاضي‏:‏ إن اتفقا على أنه كان بصيرا فالقول قول المجني عليه وإلا فالقول قول الجاني وهذا مذهب الشافعي وكذلك على قياسه إذا اختلفا في شلل العضو لأن هذا مما لا يتعذر إقامة البينة عليه‏,‏ فإنه لا يخفى على أهله وجيرانه ومعاملته وصفة تحمل الشهادة عليه أنه كان يتبع الشخص بصره‏,‏ ويتوقى ما يتوقاه البصير ويتجنب البئر وأشباهه في طريقه ويعدل في العطفات خلف من يطلبه ولنا‏,‏ أن الأصل السلامة فكان القول قول من يدعيه كما لو اختلفا في إسلام المقتول وحياته وقولهم‏:‏ لا تتعذر إقامة البينة عليه قلنا‏:‏ وكذلك لا تتعذر إقامة البينة على ما يدعيه الجاني‏,‏ فإيجابها عليه أولى من إيجابها على من يشهد له الأصل ثم يبطل بسائر المواضع التي سلموها فإن قالوا ها هنا‏:‏ ما ثبت أن الأصل وجود البصر قلنا‏:‏ الظاهر يقوم مقام الأصل ولهذا رجحنا قول من يدعى حريته وإسلامه‏.‏

فصل‏:‏

وإن زاد في القصاص من الجراح‏,‏ وقال‏:‏ إنما حصلت الزيادة باضطرابه وأنكر المجني عليه ففيه وجهان أحدهما القول قول المقتص منه لأن الأصل عدم الاضطراب‏,‏ ووجوب الضمان والثاني القول قول المقتص لأن الأصل براءة ذمته وما يدعيه محتمل والأول أصح فإن الجرح سبب وجوب الضمان وما يدعيه من الاضطراب المانع من ثبوت حكمه‏,‏ الأصل عدمه فالقول قول من ينفيه كما لو جرح رجلا وادعى أنه جرحه دفعا عن نفسه‏,‏ أو قتله وادعى أنه وجده مع أهله أو قتل بهيمة وادعى أنها صالت عليه‏.‏