فصل: مسألة: جواز قتل أهل البغي إذا لم يندفعوا إلا بذلك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب قتال أهل البغي

والأصل في هذا الباب قول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم‏}‏ ففيها خمس فوائد‏:‏ أحدها أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان‏,‏ فإنه سماهم مؤمنين الثانية أنه أوجب قتالهم الثالثة أنه أسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله الرابعة‏,‏ أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم الخامسة أن الآية أفادت جواز قتال كل من منع حقا عليه وروى عبد الله بن عمرو وقال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏من أعطى إماما صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه ما استطاع‏,‏ فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر‏)‏ رواه مسلم وروى عرفجة قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ستكون هنات وهنات ورفع صوته‏:‏ ألا ومن خرج على أمتي وهم جميع‏,‏ فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان‏)‏ فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته‏,‏ وحرم الخروج عليه وقتاله لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم‏}‏ وروى عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله‏)‏ وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من خرج من الطاعة‏,‏ وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية‏)‏ رواه ابن عبد البر من حديث أبي هريرة وأبي ذر وابن عباس‏,‏ كلها بمعنى واحد وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة فإن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعى الزكاة‏,‏ وعلي رضي الله عنه قاتل أهل الجمل وصفين وأهل النهروان‏.‏

والخارجون عن قبضة الإمام أصناف أربعة أحدها قوم امتنعوا من طاعته‏,‏ وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء قطاع طريق ساعون في الأرض بالفساد‏,‏ يأتى حكمهم في باب مفرد الثاني‏:‏ قوم لهم تأويل إلا أنهم نفر يسير لا منعة لهم‏,‏ كالواحد والاثنين والعشرة ونحوهم فهؤلاء قطاع طريق في قول أكثر أصحابنا‏,‏ وهو مذهب الشافعي لأن ابن ملجم لما جرح عليا قال للحسن‏:‏ إن برئت رأيت رأيى وإن مت فلا تمثلوا به فلم يثبت لفعله حكم البغاة ولأننا لو أثبتنا للعدد اليسير حكم البغاة‏,‏ في سقوط ضمان ما أتلفوه أفضى إلى إتلاف أموال الناس وقال أبو بكر‏:‏ لا فرق بين الكثير والقليل وحكمهم حكم البغاة إذا خرجوا عن قبضة الإمام الثالث‏:‏ الخوارج الذين يكفرون بالذنب‏,‏ ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين‏,‏ وأموالهم إلا من خرج معهم فظاهر قول الفقهاء من أصحابنا المتأخرين‏,‏ أنهم بغاة حكمهم حكمهم وهذا قول أبي حنيفة والشافعي‏,‏ وجمهور الفقهاء وكثير من أهل الحديث ومالك يرى استتابتهم فإن تابوا‏,‏ وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين‏,‏ وتباح دماؤهم وأموالهم فإن تحيزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة‏,‏ صاروا أهل حرب كسائر الكفار وإن كانوا في قبضة الإمام استتابهم‏,‏ كاستتابة المرتدين فإن تابوا وإلا‏,‏ ضربت أعناقهم وكانت أموالهم فيئا لا يرثهم ورثتهم المسلمون لما روى أبو سعيد‏,‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏يخرج قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم‏,‏ يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئا‏,‏ وينظر في القدح فلا يرى شيئًا وينظر في الريش فلا يرى شيئًا ويتمارى في الفوق‏)‏ رواه مالك‏,‏ في ‏"‏ موطئه ‏"‏ والبخارى في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ وهو حديث صحيح ثابت الإسناد وفي لفظ قال‏:‏ ‏(‏يخرج قوم في آخر الزمان‏,‏ أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية‏,‏ يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتهم فاقتلهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة‏)‏ رواه البخاري وروى معناه من وجوه يقول‏:‏ فكما خرج هذا السهم نقيا خاليا من الدم والفرث‏,‏ لم يتعلق منها بشيء كذلك خروج هؤلاء من الدين يعني الخوارج وعن أبي أمامة ‏(‏أنه رأى رءوسا منصوبة على درج مسجد دمشق فقال‏:‏ كلاب النار‏,‏ شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه ثم قرأ‏:‏ ‏{‏يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‏}‏ إلى آخر الآية فقيل له‏:‏ أنت سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ قال‏:‏ لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين‏,‏ أو ثلاثا أو أربعا حتى عد سبعا ما حدثتكموه‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن ورواه ابن ماجه عن سهل‏,‏ عن ابن عيينة عن أبي غالب أنه سمع ‏(‏أبا أمامة يقول‏:‏ شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء‏,‏ وخير قتلى من قتلوا كلاب أهل النار كلاب أهل النار‏,‏ كلاب أهل النار قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا قلت‏:‏ يا أبا أمامة هذا شيء تقوله‏؟‏ قال‏:‏ بل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏)‏ وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏ هم أهل النهروان ‏"‏ وعن أبي سعيد‏,‏ في حديث آخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏هم شر الخلق والخليقة لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وقال‏:‏ لا يجاوز إيمانهم حناجرهم‏)‏ وأكثر الفقهاء على أنهم بغاة‏,‏ ولا يرون تكفيرهم قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلهم كالمرتدين وقال ابن عبد البر في الحديث الذي رويناه‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏يتمارى في الفوق‏)‏ يدل على أنه لم يكفرهم لأنهم علقوا من الإسلام بشيء‏,‏ بحيث يشك في خروجهم منه وروي عن على أنه لما قاتل أهل النهر قال لأصحابه‏:‏ لا تبدءوهم بالقتال وبعث إليهم‏:‏ أقيدونا بعبد الله بن خباب قالوا‏:‏ كلنا قتله فحينئذ استحل قتالهم لإقرارهم على أنفسهم بما يوجب قتلهم وذكر ابن عبد البر عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أهل النهر‏,‏ أكفار هم‏؟‏ قال‏:‏ من الكفر فروا قيل‏:‏ فمنافقون‏؟‏ قال‏:‏ إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل‏:‏ فما هم‏؟‏ قال‏:‏ هم قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا وبغوا علينا‏,‏ وقاتلونا فقاتلناهم ولما جرحه ابن ملجم قال للحسن‏:‏ أحسنوا إساره فإن عشت فأنا ولى دمي‏,‏ وإن مت فضربة كضربتى وهذا رأى عمر بن عبد العزيز فيهم وكثير من العلماء والصحيح إن شاء الله‏,‏ أن الخوارج يجوز قتلهم ابتداء والإجهاز على جريحهم لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتلهم ووعده بالثواب من قتلهم فإن عليا‏,‏ رضي الله عنه قال‏:‏ لولا أن ينظروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- ولأن بدعتهم وسوء فعلهم‏,‏ يقتضي حل دمائهم بدليل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من عظم ذنبهم وأنهم شر الخلق والخليقة وأنهم يمرقون من الدين‏,‏ وأنهم كلاب النار وحثه على قتلهم وإخباره بأنه لو أدركهم لقتلهم قتل عاد‏,‏ فلا يجوز إلحاقهم بمن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكف عنهم وتورع كثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتالهم ولا بدعة فيهم الصنف الرابع‏:‏ قوم من أهل الحق‏,‏ يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعه لتأويل سائغ وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش‏,‏ فهؤلاء البغاة الذين نذكر في هذا الباب حكمهم وواجب على الناس معونة إمامهم‏,‏ في قتال البغاة لما ذكرنا في أول الباب ولأنهم لو تركوا معونته لقهره أهل البغي وظهر الفساد في الأرض‏.‏

مسألة

قال أبو القاسم -رحمه الله-‏:‏ ‏[‏وإذا اتفق المسلمون على إمام فمن خرج عليه من المسلمين يطلب موضعه حوربوا‏,‏ ودفعوا بأسهل ما يندفعون به‏]‏

وجملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته لما ذكرنا من الحديث والإجماع‏,‏ وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بعهد إمام قبله إليه فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته‏,‏ ‏,‏ وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه وأجمع الصحابة على قبوله ولو خرج رجل على الإمام فقهره‏,‏ وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وبايعوه‏,‏ صار إماما يحرم قتاله والخروج عليه فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير‏,‏ فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها‏,‏ فصار إماما يحرم الخروج عليه وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم‏,‏ ويدخل الخارج عليه في عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من خرج على أمتي وهم جميع فاضربوا عنقه بالسيف‏,‏ كائنا من كان‏)‏ فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيا وجب قتاله ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم‏,‏ ويكشف لهم الصواب إلا أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك في حقهم فأما إن أمكن تعريفهم عرفهم ذلك‏,‏ وأزال ما يذكرونه من المظالم وأزال حججهم فإن لجوا‏,‏ قاتلهم حينئذ لأن الله تعالى بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله‏}‏ وروي أن عليا رضي الله عنه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل‏,‏ ثم أمر أصحابه أن لا يبدءوهم بالقتال ثم قال‏:‏ إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة ثم سمعهم يقولون‏:‏ الله أكبر يا ثارات عثمان فقال‏:‏ اللهم أكب قتلة عثمان لوجههم وروى عبد الله بن شداد بن الهادي‏,‏ أن عليا لما اعتزلته الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام‏,‏ فرجع منهم أربعة آلاف فإن أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال وإنما كان كذلك‏,‏ لأن المقصود كفهم ودفع شرهم لا قتلهم‏,‏ فإذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما فيه من الضرر بالفريقين فإن سألوا الإنظار نظر في حالهم‏,‏ وبحث عن أمرهم فإن بان له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة ومعرفة الحق‏,‏ أمهلهم قال ابن المنذر‏:‏ أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم وإن كان قصدهم الاجتماع على قتاله وانتظار مدد يقوون به أو خديعة الإمام‏,‏ أو ليأخذوه على غرة ويفترق عسكره لم ينظرهم‏,‏ وعاجلهم لأنه لا يأمن من أن يصير هذا طريقا إلى قهر أهل العدل ولا يجوز هذا وإن أعطوه عليه مالا لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على إقرارهم على ما لا يجوز إقرارهم عليه وإن بذل له رهائن على إنظارهم‏,‏ لم يجز أخذها لذلك ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم فلا يفيد شيئًا وإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل وأعطوا بذلك رهائن منهم‏,‏ قبلهم الإمام واستظهر للمسلمين فإن أطلقوا أسرى المسلمين الذين عندهم أطلقت رهائنهم‏,‏ وإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم لأنهم لا يقتلون بقتل غيرهم فإذا انقضت الحرب‏,‏ خلى الرهائن كما تخلى الأسارى منهم وإن خاف الإمام على الفئة العادلة الضعف عنهم أخر قتالهم إلى أن تمكنه القوة عليهم لأنه لا يؤمن الاصطلام والاستئصال‏,‏ فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل ثم يقاتلهم وإن سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليه‏,‏ ويكفوا عن المسلمين نظرت فإن لم يعلم قوته عليهم‏,‏ وخاف قهرهم له إن قاتلهم تركهم وإن قوى عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك لأنه لا يجوز أن يترك بعض المسلمين طاعة الإمام‏,‏ ولا تؤمن قوة شوكتهم بحيث يفضي إلى قهر الإمام العادل ومن معه ثم إن أمكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم لأهلهم ولأن المقصود إذا حصل بدون القتل‏,‏ لم يجز القتل من غير حاجة وإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله وقال أصحاب الشافعي‏:‏ فيه وجه آخر يجوز لأن عليا رضي الله عنه نهى أصحابه عن قتل محمد بن طلحة السجاد‏,‏ وقال‏:‏ إياكم وصاحب البرنس فقتله رجل وأنشأ يقول‏:‏

وأشعث قوام بآيات ربه ** قليل الأذى فيما ترى العين مسلم

هتكت له بالرمح جيب قميصه ** فخر صريعا لليدين وللفم

على غير شيء غير أن ليس تابعا ** عليا ومن لم يتبع الحق يظلم

يناشدنى ‏(‏حم‏)‏ والرمح شاجر ** فهلا تلا ‏(‏حم‏)‏ قبل التقدم

وكان السجاد حامل راية أبيه ولم يكن يقاتل‏,‏ فلم ينكر على قتله ولأنه صار ردءا لهم ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها‏}‏ والأخبار الواردة في تحريم قتل المسلم والإجماع على تحريمه‏,‏ وإنما خص من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغى والصائل ففيما عداه يبقى على العموم والإجماع فيه ولهذا حرم قتل مدبرهم وأسيرهم والإجهاز على جريحهم‏,‏ مع أنهم إنما تركوا القتال عجزا عنه ومتى ما قدروا عليه عادوا إليه‏,‏ فمن لا يقاتل تورعا عنه مع قدرته عليه ولا يخاف منه القتال بعد ذلك أولى ولأنه مسلم لم يحتج إلى دفعه‏,‏ ولا صدر منه أحد الثلاثة فلم يحل دمه لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏)‏ فأما حديث على في نهيه عن قتل السجاد‏,‏ فهو حجة عليه فإن نهى على أولى من فعل من خالفه ولا يمتثل قول الله تعالى‏,‏ ولا قول رسوله ولا قول إمامه وقولهم‏:‏ لم ينكر قتله قلنا‏:‏ لم ينقل إلينا أن عليا علم حقيقة الحال في قتله ولا حضر قتله فينكره‏,‏ وقد جاء أن عليا رضي الله عنه حين طاف في القتلى رآه فقال‏:‏ السجاد ورب الكعبة هذا الذي قتله بره بأبيه وهذا يدل على أنه لم يشعر بقتله ورأى كعب بن سور‏,‏ فقال‏:‏ يزعمون إنما خرج إلينا الرعاع وهذا الحبر بين أظهرهم ويجوز أن يكون تركه الإنكار عليهم اجتزاء بالنهى المتقدم ولأن القصد من قتالهم كفهم‏,‏ وهذا كاف لنفسه فلم يجز قتله كالمنهزم‏.‏

فصل

وإذا قاتل معهم عبيد ونساء وصبيان فهم كالرجل البالغ الحر‏,‏ يقاتلون مقبلين ويتركون مدبرين لأن قتالهم للدفع ولو أراد أحد هؤلاء قتل إنسان‏,‏ جاز دفعه وقتاله وإن أتى على نفسه ولذلك قلنا في أهل الحرب إذا كان معهم النساء والصبيان يقاتلون‏:‏ قوتلوا‏,‏ وقتلوا‏.‏

فصل

ولا يقاتل البغاة بما يعم إتلافه‏,‏ كالنار والمنجنيق والتغريق‏,‏ من غير ضرورة لأنه لا يجوز قتل من لا يقاتل وما يعم إتلافه يقع على من يقاتل ومن لا يقاتل فإن دعت إلى ذلك ضرورة مثل أن يحتاط بهم البغاة‏,‏ ولا يمكنهم التخلص إلا برميهم بما يعم إتلافه جاز ذلك وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا تحصن الخوارج فاحتاج الإمام إلى رميهم بالمنجنيق‏,‏ فعل ذلك بهم ما كان لهم عسكر وما لم ينهزموا وإن رماهم البغاة بالمنجنيق والنار‏,‏ جاز رميهم بمثله‏.‏

فصل

قال أبو بكر‏:‏ وإذا اقتتلت طائفتان من أهل البغي فقدر الإمام على قهرهما لم يعن واحدة منهما لأنهما جميعا على الخطإ‏,‏ وإن عجز عن ذلك وخاف اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى الحق‏,‏ فإن استويا اجتهد برأيه في ضم إحداهما ولا يقصد بذلك معونة إحداهما‏,‏ بل الاستعانة على الأخرى فإذا هزمها لم يقاتل من معه حتى يدعوهم إلى الطاعة لأنهم قد حصلوا في أمانه وهذا مذهب الشافعي ولا يستعين على قتالهم بالكفار بحال‏,‏ ولا بمن يرى قتلهم مدبرين وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا بأس أن يستعين عليهم بأهل الذمة والمستأمنين وصنف آخر منهم إذا كان أهل العدل هم الظاهرين على من يستعينون به ولنا أن القصد كفهم‏,‏ وردهم إلى الطاعة دون قتلهم وإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم‏,‏ فإن كان يقدر على كفهم استعان بهم وإن لم يقدر‏,‏ لم يجز‏.‏

فصل

وإذا أظهر قوم رأي الخوارج، مثل تكفير من ارتكب كبيرة، وترك الجماعة، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم، إلا أنهم لم يخرجوا عن قبضة الإمام، ولم يسفكوا الدم الحرام، فحكى القاضي عن أبي بكر، أنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم‏.‏ وهذا قول أبي حنيفة، والشافعي، وجمهور أهل الفقه‏.‏ وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز‏.‏ فعلى هذا، حكمهم في ضمان النفس والمال حكم المسلمين‏.‏ وإن سبوا الإمام أو غيره من أهل العدل، عزروا؛ لأنهم ارتكبوا محرما لا حد فيه‏.‏ وإن عرضوا بالسب، فهل يعزرون ‏؟‏ على وجهين‏.‏ وقال مالك في الإباضية، وسائر أهل البدع ‏:‏ يستتابون، فإن تابوا، وإلا ضربت أعناقهم‏.‏ قال إسماعيل بن إسحاق ‏:‏ رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر، من أجل الفساد الداخل في الدين، كقطاع الطريق، فإن تابوا، وإلا قتلوا على إفسادهم، لا على كفرهم‏.‏ وأما من رأى تكفيرهم، فمقتضى قوله، أنهم يستتابون، فإن تابوا، وإلا قتلوا لكفرهم، كما يقتل المرتد، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏فأينما لقيتموهم فاقتلوهم‏)‏‏.‏ وقوله عليه السلام ‏:‏ ‏(‏لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم في الذي أنكر عليه، وقال ‏:‏ إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله‏.‏ لأبي بكر ‏:‏ ‏(‏اذهب فاقتله‏)‏‏.‏ ثم قال لعمر مثل ذلك، فأمر بقتله قبل قتاله‏.‏ وهو الذي قال ‏:‏ ‏(‏يخرج من ضئضئ هذا قوم‏)‏‏.‏ يعني الخوارج‏.‏ وقول عمر لصبيغ ‏:‏ لو وجدتك محلوقا، لضربت الذي فيه عيناك بالسيف‏.‏ يعني لقتلتك‏.‏ وإنما يقتله لكونه من الخوارج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏سيماهم التسبيد‏)‏‏.‏ يعني حلق رءوسهم‏.‏ واحتج الأولون بفعل علي رضي الله عنه فإنه روي عنه، أنه كان يخطب يوما، فقال رجل بباب المسجد ‏:‏ لا حكم إلا لله‏.‏ فقال علي ‏:‏ كلمة حق أريد بها باطل‏.‏ ثم قال ‏:‏ لكم علينا ثلاث؛ لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله تعالى، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال‏.‏ وروى أبو يحيى، قال ‏:‏ صلى علي رضي الله عنه صلاة، فناداه رجل من الخوارج ‏:‏ ‏{‏لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين‏}‏‏.‏ فأجابه علي رضي الله عنه ‏:‏ ‏{‏فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون‏}‏‏.‏ وكتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز ‏:‏ إن الخوارج يسبونك‏.‏ فكتب إليه ‏:‏ إن سبوني فسبوهم، أو اعفوا عنهم، وإن شهروا السلاح فاشهروا عليهم، وإن ضربوا فاضربوا‏.‏ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين معه في المدينة، فلأن لا يتعرض لغيرهم أولى‏.‏ وقد روي في خبر الخارجي الذي أنكر عليه أن خالدا قال ‏:‏ يا رسول الله، ألا أضرب عنقه ‏؟‏ قال‏:‏ لعله يصلي‏.‏ قال ‏:‏ رب مصل لا خير فيه‏.‏ قال ‏:‏ إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن آل ما دفعوا به إلى نفوسهم فلا شيء على الدافع وإن قتل الدافع فهو شهيد‏]‏

وجملته أنه إذا لم يمكن دفع أهل البغي إلا بقتلهم‏,‏ جاز قتلهم ولا شيء على من قتلهم من إثم ولا ضمان ولا كفارة لأنه فعل ما أمر به وقتل من أحل الله قتله‏,‏ وأمر بمقاتلته وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغي حال الحرب من المال‏,‏ لا ضمان فيه لأنهم إذا لم يضمنوا الأنفس فالأموال أولى وإن قتل العادل كان شهيدا لأنه قتل في قتال أمر الله تعالى به بقوله‏:‏ ‏{‏فقاتلوا التي تبغي‏}‏ وهل يغسل ويصلى عليه‏؟‏ فيه روايتان إحداهما لا يغسل‏,‏ ولا يصلى عليه لأنه شهيد معركة أمر بالقتال فيها فأشبه شهيد معركة الكفار والثانية يغسل‏,‏ ويصلى عليه وهو قول الأوزاعي وابن المنذر ولأن ‏(‏النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصلاة على من قال‏:‏ لا إله إلا الله واستثنى قتيل الكفار في المعركة‏)‏ ففيما عداه يبقى على الأصل ولأن شهيد معركة الكفار أجره أعظم‏,‏ وفضله أكثر وقد جاء أنه يشفع في سبعين من أهل بيته وهذا لا يلحق به في فضله‏,‏ فلا يثبت فيه مثل حكمه فإن الشيء إنما يقاس على مثله‏.‏

فصل

وليس على أهل البغي أيضا ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس ولا مال وبه قال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي في أحد قوليه وفي الآخر يضمنون ذلك لقول أبي بكر لأهل الردة‏:‏ تدون قتلانا‏,‏ ولا ندى قتلاكم ولأنها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح فوجب ضمانه كالذي تلفت في غير حال الحرب ولنا‏,‏ ما روى الزهري أنه قال‏:‏ كانت الفتنة العظمى بين الناس وفيهم البدريون فأجمعوا على أن لا يقام حد على رجل ارتكب فرجا حراما بتأويل القرآن‏,‏ ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن ولأنها طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل سائغ فلم تضمن ما أتلفت على الأخرى‏,‏ كأهل العدل ولأن تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة فلا يشرع‏,‏ كتضمين أهل الحرب فأما قول أبي بكر رضي الله عنه فقد رجع عنه ولم يمضه فإن عمر قال له‏:‏ أما أن يدوا قتلانًا فلا فإن قتلانًا قتلوا في سبيل الله تعالى‏,‏ على ما أمر الله فوافقه أبو بكر ورجع إلى قوله فصار أيضا إجماعًا حجة لنا‏,‏ ولم ينقل أنه غرم أحدًا شيئًا من ذلك وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أثرم ثم أسلم‏,‏ فلم يغرم شيئًا ثم لو وجب التغريم في حق المرتدين لم يلزم مثله ها هنا فإن أولئك كفار لا تأويل لهم‏,‏ وهؤلاء طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ فكيف يصح إلحاقهم بهم فأما ما أتلفه بعضهم على بعض‏,‏ في غير حال الحرب قبله أو بعده فعلى متلفه ضمانه وبهذا قال الشافعي‏,‏ ولذلك لما قتل الخوارج عبد الله بن خباب أرسل إليهم على‏:‏ أقيدونا من عبد الله بن خباب ولما قتل ابن ملجم عليا في غير المعركة أقيد به وهل يتحتم قتل الباغى إذا قتل أحدا من أهل العدل في غير المعركة‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ يتحتم لأنه قتل بإشهار السلاح والسعى في الأرض بالفساد فيحتم قتله كقاطع الطريق والثاني‏:‏ لا يتحتم وهو الصحيح لقول علي رضي الله عنه‏:‏ إن شئت أن أعفو‏,‏ وإن شئت استقدت فأما الخوارج فالصحيح على ما ذكرنا‏,‏ إباحة قتلهم فلا قصاص على قاتل أحد منهم ولا ضمان عليه في ماله‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا دفعوا لم يتبع لهم مدبر‏,‏ ولا يجاز على جريحهم ولم يقتل لهم أسير ولم يغنم لهم مال‏,‏ ولم تسب لهم ذرية‏]‏

وجملته أن أهل البغي إذا تركوا القتال إما بالرجوع إلى الطاعة وإما بإلقاء السلاح وإما بالهزيمة إلى فئة أو إلى غير فئة‏,‏ وإما بالعجز لجراح أو مرض أو أسر فإنه يحرم قتلهم واتباع مدبرهم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏,‏ إذا هزموا ولا فئة لهم كقولنا وإن كانت لهم فئة يلجئون إليها جاز قتل مدبرهم وأسيرهم‏,‏ والإجازة على جريحهم وإن لم يكن لهم فئة لم يقتلوا‏,‏ لكن يضربون ضربا وجيعا ويحبسون حتى يقلعوا عما هم عليه ويحدثوا توبة ذكروا هذا في الخوارج ويروى عن ابن عباس نحو هذا واختاره بعض أصحاب الشافعي لأنه متى لم يقتلهم‏,‏ اجتمعوا ثم عادوا إلى المحاربة ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل‏:‏ لا يذفف على جريح ولا يهتك ستر‏,‏ ولا يفتح باب ومن أغلق بابا أو بابه فهو آمن ولا يتبع مدبر وقد روي نحو ذلك عن عمار وعن علي‏,‏ رضي الله عنه أنه ودى قومًا من بيت مال المسلمين قتلوا مدبرين وعن أبي أمامة أنه قال‏:‏ شهدت صفين‏,‏ فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليًا ولا يسلبون قتيلًا وقد ذكر القاضي‏,‏ في ‏"‏ شرحه ‏"‏ عن عبد الله بن مسعود ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ يا ابن أم عبد ما حكم من بغي على أمتي‏؟‏ فقلت‏:‏ الله ورسوله أعلم فقال‏:‏ لا يتبع مدبرهم‏,‏ ولا يجاز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم ولا يقسم فيؤهم‏)‏ ولأن المقصود دفعهم وكفهم‏,‏ وقد حصل فلم يجز قتلهم كالصائل ولا يقتلون لما يخاف في الثاني‏:‏ كما لو لم تكن لهم فئة إذا ثبت هذا‏,‏ فإن قتل إنسان من منع من قتله ضمنه لأنه قتل معصوما لم يؤمر بقتله وفي القصاص وجهان أحدهما‏,‏ يجب لأنه مكافئ معصوم والثاني‏:‏ لا يجب لأن في قتلهم اختلافا بين الأئمة فكان ذلك شبهة دارئة للقصاص لأنه مما يندرئ بالشبهات وأما أسيرهم‏,‏ فإن دخل في الطاعة خلى سبيله وإن أبي ذلك‏,‏ وكان رجلا جلدا من أهل القتال حبس ما دامت الحرب قائمة فإذا انقضت الحرب‏,‏ خلى سبيله وشرط عليه أن لا يعود إلى القتال وإن لم يكن الأسير من أهل القتال‏,‏ كالنساء والصبيان والشيوخ الفانين خلى سبيلهم ولم يحبسوا‏,‏ في أحد الوجهين وفي الآخر يحبسون لأن فيه كسرا لقلوب البغاة وإن أسر كل واحد من الفريقين أسارى من الفريق الآخر جاز فداء أسارى أهل العدل بأسارى أهل البغي وإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل‏,‏ لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم لأنهم لا يقتلون بجناية غيرهم ولا يزرون وزر غيرهم وإن أبى البغاة مفاداة الأسرى الذين معهم وحبسوهم‏,‏ احتمل أن يجوز لأهل العدل حبس من معهم ليتوصلوا إلى تخليص أساراهم بحبس من معهم ويحتمل أن لا يجوز حبسهم ويطلقون لأن الذنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم‏.‏

فصل

فأما غنيمة أموالهم وسبي ذريتهم‏,‏ فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافا وقد ذكرنا حديث أبي أمامة وابن مسعود ولأنهم معصومون‏,‏ وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم وما عداه يبقى على أصل التحريم وقد روي أن عليًا رضي الله عنه يوم الجمل قال‏:‏ من عرف شيئًا من ماله مع أحد‏,‏ فليأخذه وكان بعض أصحاب على قد أخذ قدرا وهو يطبخ فيها فجاء صاحبها ليأخذها فسأله الذي يطبخ فيها إمهاله حتى ينضج الطبيخ‏,‏ فأبى وكبه وأخذها وهذا من جملة ما نقم الخوارج من علي‏,‏ فإنهم قالوا‏:‏ إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم فإن حلت له دماؤهم فقد حلت له أموالهم‏,‏ وإن حرمت عليه أموالهم فقد حرمت عليه دماؤهم فقال لهم ابن عباس‏:‏ أفتسبون أمكم‏؟‏ يعني عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها‏؟‏ فإن قلتم‏:‏ ليست أمكم فقد كفرتم وإن قلتم‏:‏ إنها أمكم واستحللتم سبيها‏,‏ فقد كفرتم يعني بقوله إنكم إن جحدتم أنها أمكم فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم‏}‏ فإن لم تكن أما لهم لم يكونوا من المؤمنين ولأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق‏,‏ لا لكفرهم فلا يستباح منهم إلا ما حصل ضرورة الدفع كالصائل وقاطع الطريق‏,‏ وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة وما أخذ من كراعهم وسلاحهم لم يرد إليهم حال الحرب لئلا يقاتلونا به وذكر القاضي أن أحمد أومأ إلى جواز الانتفاع به حال التحام الحرب‏,‏ ولا يجوز في غير قتالهم وهذا قول أبي حنيفة لأن هذه الحال يجوز فيها إتلاف نفوسهم وحبس سلاحهم وكراعهم فجاز الانتفاع به كسلاح أهل الحرب وقال الشافعي‏:‏ لا يجوز ذلك إلا من ضرورة إليه لأنه مال مسلم فلم يجز الانتفاع به بغير إذنه‏,‏ كغيره من أموالهم وقال أبو الخطاب‏:‏ في هذه المسألة وجهان كالمذهبين ومتى انقضت الحرب وجب رده إليهم‏,‏ كما ترد إليهم سائر أموالهم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه‏)‏ وروى أبو قيس أن عليا رضي الله عنه نادى‏:‏ من وجد ماله فليأخذه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن قتل منهم غسل وكفن‏,‏ وصلى عليه‏]‏

يعني من أهل البغي وبهذا قال مالك والشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ إن لم يكن لهم فئة صلى عليهم‏,‏ وإن كانت لهم فئة لم يصل عليهم لأنه يجوز قتلهم في هذه الحال فلم يصل عليهم‏,‏ كالكفار ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلوا على من قال‏:‏ لا إله إلا الله‏)‏ رواه الخلال في ‏"‏ جامعه ‏"‏ ولأنهم مسلمون لم يثبت لهم حكم الشهادة فيغسلون‏,‏ ويصلى عليهم كما لو لم يكن لهم فئة وما ذكروه ينتقض بالزانى المحصن والمقتص منه‏,‏ والقاتل في المحاربة

فصل

لم يفرق أصحابنا بين الخوارج وغيرهم في هذا وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي وظاهر كلام أحمد -رحمه الله- ‏,‏ أنه لا يصلى على الخوارج فإنه قال‏:‏ أهل البدع إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم وقال أحمد‏:‏ الجهمية والرافضة لا يصلى عليهم‏,‏ قد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة بأقل من هذا وذكر أن ‏(‏النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تقاتل خيبر من ناحية من نواحيها فقاتل رجل من تلك الناحية فقتل‏,‏ فلم يصل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل‏:‏ إنه كان في قرية أهلها نصارى ليس فيها من يصلى عليه قال‏:‏ أنا لا أشهده يشهده من شاء‏)‏ وقال مالك‏:‏ لا يصلى على الإباضية‏,‏ ولا القدرية وسائر أصحاب الأهواء ولا تتبع جنائزهم‏,‏ ولا تعاد مرضاهم والإباضية صنف من الخوارج نسبوا إلى عبد الله بن إباض صاحب مقالتهم والأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق والنجدات أصحاب نجدة الحرورى والبيهسية أصحاب بيهس والصفرية قيل‏:‏ إنهم نسبوا إلى صفرة ألوانهم‏,‏ وأصنافهم كثيرة والحرورية نسبوا إلى أرض يقال لها‏:‏ حروراء خرجوا بها وقال أبو بكر بن عياش‏:‏ لا أصلى على الرافضى لأنه زعم أن عمر كافر ولا على الحرورى لأنه يزعم أن عليا كافر وقال الفريابى‏:‏ من شتم أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه ووجه ترك الصلاة عليهم‏,‏ أنهم يكفرون أهل الإسلام ولا يرون الصلاة عليهم فلا يصلى عليهم‏,‏ كالكفار من أهل الذمة وغيرهم ولأنهم مرقوا من الدين فأشبهوا المرتدين‏.‏

فصل

والبغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع‏,‏ ليسوا بفاسقين وإنما هم يخطئون في تأويلهم والإمام وأهل العدل مصيبون في قتالهم‏,‏ فهم جميعا كالمجتهدين من الفقهاء في الأحكام من شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلا وهذا قول الشافعي ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافا فأما الخوارج وأهل البدع‏,‏ إذا خرجوا على الإمام فلا تقبل شهادتهم لأنهم فساق وقال أبو حنيفة‏:‏ يفسقون بالبغي‏,‏ وخروجهم على الإمام ولكن تقبل شهادتهم لأن فسقهم من جهة الدين فلا ترد به الشهادة‏,‏ وقد قبل شهادة الكفار بعضهم على بعض ويذكر ذلك في كتاب الشهادة -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل

ذكر القاضي أنه لا يكره للعادل قتل ذى رحمه الباغى لأنه قتل بحق فأشبه إقامة الحد عليه وكرهت طائفة من أهل العلم القصد إلى ذلك وهو أصح‏,‏ -إن شاء الله تعالى- لقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏)‏ وقال الشافعي‏:‏ ‏(‏كف النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا حذيفة وعتبة عن قتل أبيه‏)‏ وقال بعضهم‏:‏ لا يحل ذلك لأن الله تعالى أمر بمصاحبته بالمعروف وليس هذا من المعروف فإن قتله فهل يرثه‏؟‏ على روايتين إحداهما‏,‏ يرثه هذا قول أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لأنه قتل بحق فلم يمنع الميراث‏,‏ كالقصاص والقتل في الحج والثانية‏:‏ لا يرثه وهو قول ابن حامد ومذهب الشافعي لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليس لقاتل شيء‏)‏ فأما الباغى إذا قتل العادل فلا يرثه وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يرثه لأنه قتله بتأويل‏,‏ أشبه قتل العادل الباغى ولنا أنه قتله بغير حق فلم يرثه كالقاتل خطأ‏,‏ وفارق ما إذا قتله العادل لأنه قتله بحق وقال قوم‏:‏ إذا تعمد العادل قتل قريبه فقتله ابتداء لم يرثه‏,‏ وإن قصد ضربه ليصير غير ممتنع فجرحه‏,‏ ومات من هذا الضرب ورثه لأنه قتله بحق وهذا قول ابن المنذر وقال‏:‏ هو أقرب الأقاويل‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج‏,‏ لم يعد عليهم‏]‏

وجملته أن أهل البغي إذا غلبوا على بلد فجبوا الخراج والزكاة والجزية وأقاموا الحدود‏,‏ وقع ذلك موقعه فإذا ظهر أهل العدل بعد على البلد وظفروا بأهل البغي‏,‏ لم يطالبوا بشيء مما جبوه ولم يرجع به على من أخذ منه روى نحو هذا عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وهو قول الشافعي‏,‏ وأبي ثور وأصحاب الرأي وسواء كان من الخوارج أو من غيرهم وقال أبو عبيد‏:‏ على من أخذوا منه الزكاة الإعادة لأنه أخذها ممن لا ولاية له صحيحة‏,‏ فأشبه ما لو أخذها آحاد الرعية ولنا أن عليا رضي الله عنه لما ظهر على أهل البصرة‏,‏ لم يطالبهم بشيء مما جبوه وكان ابن عمر إذا أتاه ساعى نجدة الحرورى دفع إليه زكاته وكذلك سلمة بن الأكوع ولأن في ترك الاحتساب بها ضررا عظيما ومشقة كثيرة‏,‏ فإنهم قد يغلبون على البلاد السنين الكثيرة فلو لم يحتسب بما أخذوه أدى إلى ثنا الصدقات في تلك المدة كلها فإذا ثبت هذا‏,‏ فإذا ذكر أرباب الصدقات أنهم قد أخذوا صدقاتهم قبل قولهم بغير يمين قال أحمد‏:‏ لا يستحلف الناس على صدقاتهم وإن ادعى أهل الذمة دفع جزيتهم لم تقبل بغير بينة لأنهم غير مأمونين‏,‏ ولأن ما يجب عليهم عوض وليس بمواساة فلم يقبل قولهم‏,‏ كأجرة الدار ويحتمل أن يقبل قولهم إذا مضى الحول لأن الظاهر أن البغاة لا يدعون الجزية لهم فكان القول قولهم لأن الظاهر معهم ولأنه إذا مضى لذلك سنون كثيرة‏,‏ شق عليهم إقامة البينة على كل عام فيؤدى ذلك إلى تغريمهم الجزية مرتين وإن ادعى من عليه الخراج دفعه إليهم ففيه وجهان أحدهما‏,‏ يقبل لأنه حق على مسلم فقبل قوله فيه كالزكاة والثاني‏:‏ لا يقبل لأنه عوض فأشبه الجزية وإن كان من عليه الخراج ذميا‏,‏ فهو كالجزية لأنه عوض على غير مسلم فهو كالجزية ولأنه أحد الخراجين فأشبه الجزية‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا ينقض من حكم حاكمهم‏,‏ إلا ما ينقض من حكم غيره‏]‏

يعني إذا نصب أهل البغي قاضيًا يصلح للقضاء فحكمه حكم أهل العدل ينفذ من أحكامه ما ينفذ من أحكام أهل العدل‏,‏ ويرد منه ما يرد فإن كان ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم لم يجز قضاؤه لأنه ليس بعدل وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز قضاؤه بحال لأن أهل البغي يفسقون ببغيهم والفسق ينافى القضاء ولنا أنه اختلاف في الفروع بتأويل سائغ‏,‏ فلم يمنع صحة القضاء ولم يفسق كاختلاف الفقهاء فإذا ثبت هذا فإنه إذا حكم بما لا يخالف إجماعا‏,‏ نفذ حكمه وإن خالف ذلك نقض حكمه لأن قاضى أهل العدل إذا حكم نقض حكمه فقاضى أهل البغي أولى وإن حكم بسقوط الضمان عن أهل البغي فيما أتلفوه حال الحرب‏,‏ جاز حكمه لأنه موضع اجتهاد وإن كان حكمه فيما أتلفوه قبل قيام الحرب لم ينفذ لأنه مخالف للإجماع وإن حكم على أهل العدل بوجوب الضمان فيما أتلفوه حال الحرب لم ينفذ حكمه لمخالفته الإجماع وإن حكم بوجوب ضمان ما أتلفوه في غير حال الحرب‏,‏ نفذ حكمه وإن كتب قاضيهم إلى قاضى أهل العدل جاز قبول كتابه لأنه قاض ثابت القضايا نافذ الأحكام والأولى أن لا يقبله‏,‏ كسرا لقلوبهم وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا يقبله لأن قضاءه لا يجوز وقد سبق الكلام في هذا فأما الخوارج إذا ولوا قاضيا لم يجز قضاؤه لأن أقل أحوالهم الفسق والفسق ينافى القضاء ويحتمل أن يصح قضاؤه‏,‏ وتنفذ أحكامه لأن هذا مما يتطاول وفي القضاء بفساد قضاياه وعقوده - الأنكحة وغيرها - ضرر كثير فجاز دفعا للضرر‏,‏ كما لو أقام الحدود وأخذ الجزية والخراج والزكاة‏.‏

فصل

وإن ارتكب أهل البغي في حال امتناعهم ما يوجب الحد ثم قدر عليهم‏,‏ أقيمت فيهم حدود الله تعالى ولا تسقط باختلاف الدار وبهذا قال مالك والشافعي‏,‏ وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا امتنعوا بدار لم يجب الحد على أحد منهم ولا على من عندهم من تاجر أو أسير لأنهم خارجون عن دار الإمام‏,‏ فأشبهوا من في دار الحرب ولنا عموم الآيات والأخبار ولأن كل موضع تجب فيه العبادات في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها‏,‏ كدار أهل العدل ولأنه زان أو سارق لا شبهة في زناه وسرقته فوجب عليه الحد‏,‏ كالذي في دار العدل وهكذا نقول فيمن أتى حدا في دار الحرب فإنه يجب عليه لكن لا يقام إلا في دار الإسلام‏,‏ على ما ذكرناه في موضعه‏.‏

فصل

وإذا استعان أهل البغي بالكفار فلا يخلو من ثلاثة أصناف أحدهم‏:‏ أهل الحرب فإذا استعانوا بهم‏,‏ أو آمنوهم أو عقدوا لهم ذمة لم يصح واحد منها لأن الأمان من شرط صحته إلزام كفهم عن المسلمين‏,‏ وهؤلاء يشترطون عليهم قتال المسلمين فلا يصح ولأهل العدل قتالهم كمن لم يؤمنوه سواء وحكم أسيرهم حكم أسير سائر أهل الحرب قبل الاستعانة بهم‏,‏ فأما أهل البغي فلا يجوز لهم قتلهم لأنهم آمنوهم فلا يجوز لهم الغدر بهم الصنف الثاني‏:‏ المستأمنون‏,‏ فمتى استعانوا بهم فأعانوهم نقضوا عهدهم وصاروا كأهل الحرب لأنهم تركوا الشرط‏,‏ وهو كفهم عن المسلمين فإن فعلوا ذلك مكرهين لم ينتقض عهدهم لأن لهم عذرا‏,‏ وإن ادعوا الإكراه لم يقبل قولهم إلا ببينة لأن الأصل عدمه الصنف الثالث‏:‏ أهل الذمة فإذا أعانوهم‏,‏ وقاتلوا معهم ففيهم وجهان ذكرهما أبو بكر أحدهما‏,‏ ينتقض عهدهم لأنهم قاتلوا أهل الحق فينتقض عهدهم كما لو انفردوا بقتالهم والثاني‏:‏ لا ينتقض لأن أهل الذمة لا يعرفون المحق من المبطل‏,‏ فيكون ذلك شبهة لهم وللشافعي قولان كالوجهين فإن قلنا‏:‏ ينتقض عهدهم صاروا كأهل الحرب فيما ذكرنا وإن قلنا‏:‏ لا ينتقض عهدهم فحكمهم حكم أهل البغي في قتل مقبلهم‏,‏ والكف عن أسيرهم ومدبرهم وجريحهم إلا أنهم يضمنون ما أتلفوا على أهل العدل حال القتال وغيره‏,‏ بخلاف أهل البغي فإنهم لا يضمنون ما أتلفوا حال الحرب لأنهم أتلفوه بتأويل سائغ وهؤلاء لا تأويل لهم‏,‏ ولأنه سقط الضمان عن المسلمين كى لا يؤدى إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة وأهل الذمة لا حاجة بنا إلى ذلك فيهم وإن أكرههم البغاة على معونتهم لم ينتقض عهدهم‏,‏ وإن ادعوا ذلك قبل قولهم لأنهم تحت أيديهم وقدرتهم وإن قالوا ظننا أن من استعان بنا من المسلمين لزمتنا معونته لم ينتقض عهدهم وإن فعل ذلك المستأمنون انتقض عهدهم والفرق بينهما أن أهل الذمة أقوى حكما لأن عهدهم مؤبد‏,‏ ولا يجوز نقضه لخوف الخيانة منهم ويلزم الإمام الدفع عنهم والمستأمنون بخلاف ذلك‏.‏

فصل

وإذا ارتد قوم فأتلفوا مالا للمسلمين‏,‏ لزمهم ضمان ما أتلفوه سواء تحيزوا أو صاروا في منعة‏,‏ أو لم يصيروا ذكره أبو بكر قال القاضي‏:‏ وهو ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي‏:‏ حكمهم حكم أهل البغي فيما أتلفوه من الأنفس والأموال لأن تضمينهم يؤدى إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الإسلام‏,‏ فأشبهوا أهل البغي ولنا ما روى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأهل الردة حين رجعوا‏:‏ تردون علينا ما أخذتم منا‏,‏ ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم وأن تدوا قتلانًا ولا ندى قتلاكم قالوا‏:‏ نعم يا خليفة رسول الله فقال عمر‏:‏ كل ما قلت كما قلت‏,‏ إلا أن يدوا ما قتل منا فلا لأنهم قوم قتلوا في سبيل الله واستشهدوا ولأنهم أتلفوه بغير تأويل فأشبهوا أهل الذمة فأما القتلى‏,‏ فحكمهم فيهم حكم أهل البغي لما ذكرنا من خبر أبي بكر وعمر ولأن طليحة الأسدى قتل عكاشة بن محصن الأسدى وثابت بن أثرم‏,‏ فلم يغرمهما وبنو حنيفة قتلوا من قتلوا من المسلمين يوم اليمامة فلم يغرموا شيئًا ويحتمل أن يحمل قول أحمد‏,‏ وكلامه في المال على وجوب رد ما في أيديهم دون ما أتلفوه وعلى من أتلف من غير أن يكون له منعة‏,‏ أو أتلف في غير الحرب وما أتلفوه حال الحرب فلا ضمان عليهم فيه لأنه إذا سقط ذلك عن أهل البغي‏,‏ كى لا يؤدى إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة فلأن يسقط ذلك كى لا يؤدى إلى التنفير عن الإسلام أولى لأنهم إذا امتنعوا صاروا كفارا ممتنعين بدارهم‏,‏ فأشبهوا أهل الحرب ويحمل قول أبي بكر على ما بقي في أيديهم من المال فيكون مذهب أحمد ومذهب الشافعي في هذا سواء وهذا أعدل وأصح -إن شاء الله تعالى- فأما من لا منعة له فيضمن ما أتلف من نفس ومال كالواحد من المسلمين‏,‏ أو أهل الذمة لأنه لا منعة له ولا يكثر ذلك منه فبقي المال والنفس بالنسبة إليه على عصمته‏,‏ ووجوب ضمانه والله أعلم‏.‏