فصل: مسألة: الأخت من الأب أحق من الأخت من الأم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه‏,‏ فكان مع من اختار منهما‏]‏

وجملته أن الغلام إذا بلغ سبعا وليس بمعتوه خير بين أبويه‏,‏ إذا تنازعا فيه فمن اختاره منهما فهو أولى به قضى بذلك عمر‏,‏ وعلى وشريح وهو مذهب الشافعي وقال مالك‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ لا يخير لكن قال أبو حنيفة‏:‏ إذا استقل بنفسه فأكل بنفسه ولبس بنفسه‏,‏ واستنجى بنفسه فالأب أحق به ومالك يقول‏:‏ الأم أحق به حتى يثغر وأما التخيير‏,‏ فلا يصح لأن الغلام لا قول له ولا يعرف حظه وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه‏,‏ ويمكنه من شهواته فيؤدى إلى فساده ولأنه دون البلوغ‏,‏ فلم يخير كمن دون السبع ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏خير غلاما بين أبيه وأمه‏)‏ رواه سعيد‏,‏ بإسناده والشافعي وفي لفظ عن أبى هريرة قال‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ يا رسول الله إن زوجى يريد أن يذهب بابني‏,‏ وقد سقانى من بئر أبى عنبة وقد نفعنى فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏‏)‏ هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت ‏(‏فأخذ بيد أمه‏,‏ فانطلقت به‏)‏ رواه أبو داود ولأنه إجماع الصحابة فروى عن عمر‏,‏ أنه خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد وروى عن عمارة الجرمى أنه قال‏:‏ خيرنى على بين عمى وأمي‏,‏ وكنت ابن سبع أو ثمان وروى نحو ذلك عن أبى هريرة وهذه قصص في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا‏,‏ ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد فيقدم من هو أشفق لأن حظ الولد عنده أكثر واعتبرنا الشفقة بمظنتها إذا لم يمكن اعتبارها بنفسها‏,‏ فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه ويميز بين الإكرام وضده فمال إلى أحد الأبوين‏,‏ دل على أنه أرفق به وأشفق عليه فقدم بذلك وقيدناه بالسبع لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة ولأن الأم قدمت في حال الصغر‏,‏ لحاجته إلى حمله ومباشرة خدمته لأنها أعرف بذلك‏,‏ وأقوم به فإذا استغنى عن ذلك تساوى والداه‏,‏ لقربهما منه فرجح باختياره‏.‏

فصل

ومتى اختار أحدهما فسلم إليه ثم اختار الآخر‏,‏ رد إليه فإن عاد فاختار الأول أعيد إليه‏,‏ هكذا أبدا كلما اختار أحدهما صار إليه لأنه اختيار شهوة لحظ نفسه فاتبع ما يشتهيه‏,‏ كما يتبع ما يشتهيه في المأكول والمشروب وقد يشتهى المقام عند أحدهما في وقت وعند الآخر في وقت‏,‏ وقد يشتهى التسوية بينهما وأن لا ينقطع عنهما وإن خيرناه فلم يختر واحدا منهما‏,‏ أو اختارهما معا قدم أحدهما بالقرعة لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه ولا يمكن اجتماعهما على حضانته‏,‏ فقدم أحدهما بالقرعة فإذا قدم بها ثم اختار الآخر‏,‏ رد إليه لأننا قدمنا اختياره الثاني على الأول فعلى القرعة التي هي بدل أولى‏.‏

فصل

فإن كان الأب معدوما أو من غير أهل الحضانة‏,‏ وحضر غيره من العصبات كالأخ والعم وابنه قام مقام الأب فيخير الغلام بين أمه وعصبته لأن عليا رضي الله عنه خير عمارة الجرمى بين أمه وعمه ولأنه عصبة‏,‏ فأشبه الأب وكذلك إن كانت الأم معدومة أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى الجدة‏,‏ خير الغلام بينها وبين أبيه أو من يقوم مقامه من العصبات فإن كان الأبوان معدومين‏,‏ أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى امرأة كأخته أو عمته أو خالته قامت مقام أمه‏,‏ في التخيير بينها وبين عصباته للمعنى الذي ذكرناه في الأبوين فإن كان الأبوان رقيقين وليس له أحد من أقاربه سواهما‏,‏ فقال القاضي‏:‏ لا حضانة لهما عليه ولا نفقة له عليهما ونفقته في بيت المال‏,‏ ويسلم إلى من يحضنه من المسلمين‏.‏

فصل

وإنما يخير الغلام بشرطين أحدهما أن يكونا جميعا من أهل الحضانة فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة‏,‏ كان كالمعدوم ويعين الآخر الثاني‏:‏ أن لا يكون الغلام معتوها فإن كان معتوها كان عند الأم‏,‏ ولم يخير لأن المعتوه بمنزلة الطفل وإن كان كبيرا ولذلك كانت الأم أحق بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه ولو خير الصبى فاختار أباه‏,‏ ثم زال عقله رد إلى الأم وبطل اختياره لأنه إنما خير حين استقل بنفسه‏,‏ فإذا زال استقلاله بنفسه كانت الأم أولى لأنها أشفق عليه وأقوم بمصالحه‏,‏ كما في حال طفوليته‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا بلغت الجارية سبع سنين فالأب أحق بها‏]‏

وقال الشافعي‏:‏ تخير كالغلام لأن كل سن خير فيه الغلام خيرت فيه الجارية كسن البلوغ وقال أبو حنيفة‏:‏ الأم أحق بها‏,‏ حتى تزوج أو تحيض وقال مالك‏:‏ الأم أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج لأنها لا حكم لاختيارها ولا يمكن انفرادها فكانت الأم أحق بها‏,‏ كما قبل السبع ولنا أن الغرض بالحضانة الحظ والحظ للجارية بعد السبع في الكون عند أبيها لأنها تحتاج إلى حفظ‏,‏ والأب أولى بذلك فإن الأم تحتاج إلى من يحفظها ويصونها ولأنها إذا بلغت السبع‏,‏ قاربت الصلاحية للتزويج وقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة وهي ابنة سبع‏,‏ وإنما تخطب الجارية من أبيها لأنه وليها والمالك لتزويجها وهو أعلم بالكفاءة‏,‏ وأقدر على البحث فينبغي أن يقدم على غيره ولا يصار إلى تخييرها لأن الشرع لم يرد به فيها‏,‏ ولا يصح قياسها على الغلام لأنه لا يحتاج إلى الحفظ والتزويج كحاجتها إليه ولا على سن البلوغ لأن قولها حينئذ معتبر في إذنها‏,‏ وتوكيلها وإقرارها واختيارها‏,‏ بخلاف مسألتنا ولا يصح قياس ما بعد السبع على ما قبلها لما ذكرنا في دليلنا‏.‏

فصل

إذا كانت الجارية عند الأم أو عند الأب فإنها تكون عنده ليلا ونهارا لأن تأديبها وتخريجها في جوف البيت‏,‏ من تعليمها الغزل والطبخ وغيرهما ولا حاجة بها إلى الإخراج منه ولا يمنع أحدهما من زيارتها عند الآخر‏,‏ من غير أن يخلو الزوج بأمها ولا يطيل ولا يتبسط لأن الفرقة بينهما تمنع تبسط أحدهما في منزل الآخر وإن مرضت‏,‏ فالأم أحق بتمريضها في بيتها وإن كان الغلام عند الأم بعد السبع لاختياره لها كان عندها ليلا‏,‏ ويأخذه الأب نهارا ليسلمه في مكتب أو في صناعة لأن القصد حظ الغلام وحظه فيما ذكرناه وإن كان عند الأب كان عنده ليلا ونهارا‏,‏ ولا يمنع من زيارة أمه لأن منعه من ذلك إغراء بالعقوق وقطيعة للرحم وإن مرض كانت الأم أحق بتمريضه في بيتها لأنه صار بالمرض كالصغير‏,‏ في الحاجة إلى من يقوم بأمره فكانت الأم أحق به كالصغير وإن مرض أحد الأبوين والولد عند الآخر‏,‏ لم يمنع من عيادته وحضوره عند موته سواء كان ذكرا أو أنثى لأن المرض يمنع المريض من المشى إلى ولده‏,‏ فمشى ولده إليه أولى فأما في حال الصحة فإن الغلام يزور أمه لأنها عورة فسترها أولى‏,‏ والأم تزور ابنتها لأن كل واحدة منهما عورة تحتاج إلى صيانة وستر وستر الجارية أولى لأن الأم قد تخرجت وعقلت‏,‏ بخلاف الجارية‏.‏

فصل

وإذا أراد أحد الأبوين السفر لحاجة ثم يعود والآخر مقيم فالمقيم أولى بالحضانة لأن في المسافرة بالولد إضرارا به‏,‏ وإن كان منتقلا إلى بلد ليقيم به وكان الطريق مخوفا أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفا فالمقيم أولى بالحضانة لأن في السفر به خطرا به‏,‏ ولو اختار الولد السفر في هذه الحال لم يجب إليه لأن فيه تغريرا به وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنا وطريقه آمن‏,‏ فالأب أحق به سواء كان هو المقيم أو المنتقل إلا أن يكون بين البلدين قريب‏,‏ بحيث يراهم الأب كل يوم ويرونه فتكون الأم على حضانتها وقال القاضي‏:‏ إذا كان السفر دون مسافة القصر فهو في حكم الإقامة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن ذلك في حكم الإقامة في غير هذا الحكم‏,‏ فكذلك في هذا ولأن مراعاة الأب له ممكنة والمنصوص عن أحمد ما ذكرناه وهو أولى لأن البعد الذي يمنعه من رؤيته يمنعه من تأديبه‏,‏ وتعليمه ومراعاة حاله فأشبه مسافة القصر وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما‏,‏ قال شريح ومالك والشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ إن انتقل الأب‏,‏ فالأم أحق به وإن انتقلت الأم إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق‏,‏ وإن انتقلت إلى غيره فالأب أحق وحكى عن أبى حنيفة‏:‏ إن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق‏,‏ وإن انتقلت إلى بلد آخر فهي أحق لأن في البلد يمكن تعليمه وتخريجه ولنا أنه اختلف مسكن الأبوين‏,‏ فكان الأب أحق كما لو انتقلت من بلد إلى قرية أو إلى بلد لم يكن فيه أصل النكاح‏,‏ وما ذكروه لا يصح لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب ابنه وتخريجه وحفظ نسبه فإذا لم يكن في بلده ضاع فأشبه ما لو كان في قرية وإن انتقلا جميعا إلى بلد واحد‏,‏ فالأم باقية على حضانتها وكذلك إن أخذه الأب لافتراق البلدين ثم اجتمعا عادت إلى الأم حضانتها وغير الأم ممن له الحضانة من النساء‏,‏ يقوم مقامها وغير الأب من عصبات الولد يقوم مقامه‏,‏ عند عدمهما أو كونهما من غير أهل الحضانة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن لم تكن أم أو تزوجت الأم‏,‏ فأم الأب أحق من الخالة‏]‏

في هذه المسألة فصلان‏:‏

الفصل الأول

أن الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها قال ابن المنذر‏:‏ أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم قضى به شريح وهو قول مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وحكى عن الحسن أنها لا تسقط بالتزويج ونقل مهنا عن أحمد‏:‏ إذا تزوجت الأم‏,‏ وابنها صغير أخذ منها قيل له‏:‏ فالجارية مثل الصبى‏؟‏ قال‏:‏ لا الجارية تكون معها إلى سبع سنين فظاهر هذا أنه لم يزل الحضانة عن الجارية لتزويج أمها‏,‏ وأزالها عن الغلام ووجه ذلك ما روى أن عليا وجعفرا وزيد بن حارثة تنازعوا في حضانة ابنة حمزة‏,‏ فقال على‏:‏ ابنة عمى وأنا أخذتها وقال زيد‏:‏ بنت أخي لأن ‏(‏رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخي بين زيد وحمزة وقال جعفر‏:‏ بنت عمى وعندى خالتها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ الخالة أم‏)‏ وسلمها إلى جعفر رواه أبو داود بنحو هذا المعنى‏,‏ فجعل لها الحضانة وهي مزوجة والرواية الأولى هي الصحيحة قال ابن أبى موسى‏:‏ وعليها العمل ‏(‏لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمرأة‏:‏ أنت أحق به ما لم تنكحي‏)‏ ولأنها إذا تزوجت اشتغلت حقوق الزوج عن الحضانة‏,‏ فكان الأب أحظ له ولأن منافعها تكون مملوكة لغيرها فأشبهت المملوكة فأما بنت حمزة‏,‏ فإنما قضى بها لخالتها لأن زوجها من أهل الحضانة ولأنه لا يساويه في الاستحقاق إلا على وقد ترجح جعفر بأن امرأته من أهل الحضانة‏,‏ فكان أولى وعلى هذا متى كانت المرأة متزوجة لرجل من أهل الحضانة كالجدة تكون متزوجة للجد‏,‏ لم تسقط حضانتها لأنه يشاركها في الولادة والشفقة على الولد فأشبه الأم إذا كانت متزوجة للأب ولو تنازع العمان في الحضانة وأحدهما متزوج للأم‏,‏ أو الخالة فهو أحق لحديث بنت حمزة وكذلك كل عصبتين تساويا‏,‏ وأحدهما متزوج بمن هي من أهل الحضانة قدم بها لذلك وظاهر قول الخرقي أن التزويج بأجنبى يسقط الحضانة بمجرد العقد وإن عرى عن الدخول وهو قول الشافعي‏,‏ ويحتمل أن لا تسقط إلا بالدخول وهو قول مالك لأن به تشتغل عن الحضانة ووجه الأول قول ‏(‏النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أنت أحق به ما لم تنكحي‏)‏ وقد وجد النكاح قبل الدخول ولأن بالعقد يملك منافعها‏,‏ ويستحق زوجها منعها من حضانته فزال حقها كما لو دخل بها‏.‏

الفصل الثاني

أن الأم إذا عدمت‏,‏ أو تزوجت أو لم تكن من أهل الحضانة واجتمعت أم أب وخالة‏,‏ فأم الأب أحق وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد وحكى ذلك عن مالك وأبى ثور وروى عن أحمد أن الأخت والخالة أحق من الأب فعلى هذا‏,‏ يحتمل أن تكون الخالة أحق من أم الأب وهو قول الشافعي القديم لأنها تدلى بأم وأم الأب تدلى به فقدم من يدلى بالأم‏,‏ كتقديم أم الأم على أم الأب ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى ببنت حمزة لخالتها وقال‏:‏ ‏(‏الخالة أم‏)‏ ولنا‏,‏ أن أم الأب جدة وارثة فقدمت على الخالة كأم الأم‏,‏ ولأن لها ولادة ووراثة فأشبهت أم الأم فأما الحديث فيدل على أن للخالة حقا في الجملة‏,‏ وليس النزاع فيه إنما النزاع في الترجيح عند الاجتماع وقولهم‏:‏ تدلى بأم قلنا‏:‏ لكن لا ولادة لها فيقدم عليها من له ولادة‏,‏ كتقديم أم الأم على الخالة فعلى هذا متى وجدت جدة وارثة فهي أولى ممن هو من غير عمودى النسب بكل حال وإن علت درجتها لفضيلة الولادة والوراثة‏,‏ فأما أم أبى الأم فلا حضانة لها لأنها تدلى بأبى الأم ولا حضانة له ولا من أدلى به‏.‏

فصل

فإن اجتمعت أم أم وأم أب‏,‏ فأم الأم أحق وإن علت درجتها لأن لها ولادة وهي تدلى بالأم التي تقدم على الأب‏,‏ فوجب تقديمها عليها كتقديم الأم على الأب وعن أحمد أن أم الأب أحق وهو قياس قول الخرقي لأنه قدم خالة الأب على خالة الأم وخالة الأب أخت أمه‏,‏ وخالة الأم أخت أمها فإذا قدم أخت أم الأب دل على تقديمها‏,‏ وذلك لأنها تدلى بعصبة مع مساواتها للأخرى في الولادة فوجب تقديمها كتقديم الأخت من الأب على الأخت من الأم‏,‏ وإنما قدمت الأم على الأب لأنها أنثى تلى الحضانة بنفسها فكذلك أمه فإنها أنثى تلى بنفسها‏,‏ فقدمت لما ذكرناه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والأخت من الأب أحق من الأخت من الأم وأحق من الخالة‏]‏ وجملته أنه إذا عدم من يستحق الحضانة من الآباء والأمهات وإن علوا‏,‏ انتقلت إلى الأخوات وقدمن على سائر القرابات كالخالات والعمات وغيرهن لأنهن شاركن في النسب‏,‏ وقدمن في الميراث ولأن العمات والخالات إنما يدلين بأخوة الآباء والأمهات ولا ميراث لهن مع ذى فرض ولا عصبة فالمدلى إلى نفس المكفول ويرثه أقرب وأشفق‏,‏ فكان أولى وأولى الأخوات من كان لأبوين لقوة قرابتها ثم من كان لأب‏,‏ ثم من كان لأم نص عليه أحمد وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ الأخت من الأم أولى من الأخت من الأب وهو قول المزني‏,‏ وابن سريج لأنها أدلت بالأم فقدمت على المدلية بالأب كأم الأم مع أم الأب وقال ابن سريج تقدم الخالة على الأخت من الأب لذلك ولأبى حنيفة فيه روايتان ولنا‏,‏ أن الأخت من الأب أقوى في الميراث فقدمت كالأخت من الأبوين‏,‏ ولا تخفى قوتها فإنها أقيمت مقام الأخت من الأبوين عند عدمها وتكون عصبة مع البنات وتقاسم الجد‏,‏ وما ذكروه من الإدلاء لا يلزم لأن الأخت تدلى بنفسها لكونهما خلقا من ماء واحد ولهما تعصيب فكانت أولى والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وخالة الأب أحق من خالة الأم‏]‏

وجملته أنه إذا عدمت الأمهات والآباء والأخوات‏,‏ انتقلت الحضانة إلى الخالات ويقدمن على العمات نص عليه أحمد ويحتمل كلام الخرقي تقديم العمات لأنه قدم خالة الأب وهي أخت أمه‏,‏ على خالة الأم وهي أخت أمها فيدل ذلك على تقديم قرابة الأب على قرابة الأم‏,‏ ولأنهن يدلين بعصبة فقدمن كتقديم الأخت من الأب على الأخت من الأم وقال القاضي‏:‏ مراد الخرقي بقوله‏:‏ خالة الأب أي الخالة من الأب تقدم على الخالة من الأم‏,‏ كتقديم الأخت من الأب على الأخت من الأم لأن الخالات أخوات الأم فيجرين في الاستحقاق والتقديم فيما بينهن مجرى الأخوات المفترقات وكذلك الحكم في العمات المفترقات فإن قلنا بتقديم الخالات‏,‏ فإذا انقرضن فالعمات بعدهن وإن قلنا بتقديم العمات فالخالات بعدهن‏,‏ فإذا عدمن انتقلت إلى خالات الأب على قول الخرقي‏,‏ وعلى القول الآخر إلى خالات الأم وهل يقدم خالات الأب على عماته‏؟‏ على وجهين‏:‏ بناء على ما ذكرنا في الخالات والعمات فأما عمات الأم فلا حضانة لهن لأنهن يدلين بأبى الأم‏,‏ وهو رجل من ذوى الأرحام لا حضانة له ولا لمن أدلى به‏.‏

فصل

وللرجال من العصبات مدخل في الحضانة‏,‏ وأولاهم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الأخ من الأبوين‏,‏ ثم الأخ من الأب ثم بنوهم وإن سفلوا على ترتيب الميراث‏,‏ ثم العمومة ثم بنوهم كذلك ثم عمومة الأب‏,‏ ثم بنوهم وهذا قول الشافعي وقال بعض أصحابه‏:‏ لا حضانة لغير الآباء والأجداد لأنهم لا معرفة لهم بالحضانة ولا لهم ولاية بأنفسهم فلم يكن لهم حضانة‏,‏ كالأجانب ولنا أن عليا وجعفرا اختصما في حضانة ابنة حمزة فلم ينكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ادعاء الحضانة ولأن لهم ولاية وتعصيبا بالقرابة‏,‏ فتثبت لهم الحضانة كالأب والجد وفارق الأجانب فإنهم ليست لهم قرابة ولا شفقة‏,‏ ولأن الأجانب تساووا في عدم القرابة فليس واحد منهم أولى بالتقديم من الآخر والعصبات لهم قرابة يمتازون بها‏,‏ وأحقهم بالحضانة أحقهم بالميراث بعد الآباء والأجداد ويقومون مقام الأب في التخيير للصبى بينه وبين الأم أو غيرهما ممن له الحضانة من النساء‏,‏ ويكونون أحق بالجارية إذا بلغت سبعا إلا ابن العم فإن الجارية لا تسلم إليه إذا بلغت سبعا لأنه ليس بمحرم لها‏.‏

فصل

فأما الرجال من ذوى الأرحام كالخال‏,‏ والأخ من الأم وأبى الأم وابن الأخت‏,‏ فلا حضانة لهم مع وجود أحد من أهل الحضانة سواهم لأنه ليس بامرأة يتولى الحضانة ولا له قوة قرابة كالعصبات ولا حضانة إلا يدلى بهم‏,‏ كأم أبى الأم وابنة الخال وابنة الأخ من الأم لأنهن يدلين بمن لا حضانة له‏,‏ فإذا لم تثبت للمدلى فللمدلين به أولى فإن لم يكن هناك غيرهم احتمل وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏‏,‏ هم أولى لأن لهم رحما وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أولى منهم كذلك الحضانة تكون لهم عند عدم من هو أولى بها منهم والثاني لا حق لهم في الحضانة‏,‏ وينتقل الأمر إلى الحاكم والأول أولى‏.‏

فصل

في بيان الأولى فالأولى من أهل الحضانة عند اجتماع الرجال والنساء أولى الكل بها الأم ثم أمهاتها وإن علون‏,‏ يقدم منهن الأقرب فالأقرب لأنهن نساء ولادتهن متحققة فهي في معنى الأم وعن أحمد‏:‏ أن أم الأب وأمهاتها مقدمات على أم الأم فعلى هذه الرواية يكون الأب أولى بالتقديم لأنهن يدلين به‏,‏ فيكون الأب بعد الأم ثم أمهاته والأولى هي المشهورة عند أصحابنا وإن المقدم الأم‏,‏ ثم أمهاتها ثم الأب ثم أمهاته‏,‏ ثم الجد ثم أمهاته ثم جد الأب‏,‏ ثم أمهاته وإن كن غير وارثات لأنهن يدلين بعصبة من أهل الحضانة بخلاف أم أبى الأم وحكى عن أحمد رواية أخرى أن الأخت من الأم والخالة أحق من الأب فتكون الأخت من الأبوين أحق منه ومنهما ومن جميع العصبات والأولى هي المشهورة في المذهب فإذا انقرض الآباء والأمهات انتقلت الحضانة إلى الأخوات‏,‏ وتقدم الأخت من الأبوين ثم الأخت من الأب ثم الأخت من الأم‏,‏ وتقدم الأخت على الأخ لأنها امرأة من أهل الحضانة فقدمت على من في درجتها من الرجال كالأم تقدم على الأب‏,‏ وأم الأب على أبى الأب وكل جدة في درجة جد تقدم عليه لأنها تلى الحضانة بنفسها والرجل لا يليها بنفسه وفيه وجه آخر‏,‏ أنه يقدم عليها لأنه عصبة بنفسه والأول أولى وفي تقديم الأخت من الأبوين أو من الأب على الجد وجهان وإذا لم تكن أخت‏,‏ فالأخ للأبوين أولى ثم الأخ للأب ثم أبناؤهما‏,‏ ولا حضانة للأخ للأم لما ذكرنا فإذا عدموا صارت الحضانة للخالات على الصحيح‏,‏ وترتيبهن فيها كترتيب الأخوات ولا حضانة للأخوال فإذا عدمن صارت للعمات ويقدمن على الأعمام‏,‏ كتقديم الأخوات على الإخوة ثم للعم للأبوين ثم للعم للأب‏,‏ ولا حضانة للعم من الأم ثم أبناؤهما ثم إلى خالات الأب‏,‏ على قول الخرقي وعلى القول الآخر إلى خالات الأم‏,‏ ثم إلى عمات الأب ولا حضانة لعمات الأم لأنهن يدلين بأبى الأم ولا حضانة له وإن اجتمع شخصان أو أكثر من أهل الحضانة في درجة‏,‏ قدم المستحق منهم بالقرعة‏.‏

فصل

وإن تركت الأم الحضانة مع استحقاقها لها ففيه وجهان أحدهما تنتقل إلى الأب لأن أمهاتها فرع عليها في الاستحقاق‏,‏ فإذا أسقطت حقها سقط فروعها والثاني‏:‏ تنتقل إلى أمها وهو أصح لأن الأب أبعد فلا تنتقل الحضانة إليه مع وجود أقرب منه‏,‏ كما لا تنتقل إلى الأخت وكونهن فروعا لها لا يوجب سقوط حقوقهن بسقوط حقها‏,‏ كما لو سقط حقها لكونها من غير أهل الحضانة أو لتزوجها وهكذا الحكم في الأب إذا أسقط حقه هل يسقط حق أمهاته‏؟‏ على وجهين وإن كانت أخت من أبوين‏,‏ وأخت من أب فأسقطت الأخت من الأبوين حقها لم يسقط حق الأخت من الأب لأن استحقاقها من غير جهتها‏,‏ وليست فرعا عليها‏.‏