فصل: مسألة: إذا وقعت النجاسة في مائع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وذكاتها ذكاة جنينها أشعر أو لم يشعر ‏]‏

يعني إذا خرج الجنين ميتا من بطن أمه بعد ذبحها‏,‏ أو وجده ميتا في بطنها أو كانت حركته بعد خروجه كحركة المذبوح فهو حلال روي هذا عن عمر‏,‏ وعلي وبه قال سعيد بن المسيب والنخعي والشافعي‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وقال ابن عمر‏:‏ ذكاته ذكاة أمه إذا أشعر وروي ذلك عن عطاء وطاوس‏,‏ ومجاهد والزهري والحسن‏,‏ وقتادة ومالك والليث‏,‏ والحسن بن صالح وأبي ثور لأن عبد الله بن كعب بن مالك قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون‏:‏ إذا أشعر الجنين‏,‏ فذكاته ذكاة أمه وهذا إشارة إلى جميعهم فكان إجماعا وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحل إلا أن يخرج حيا فيذكى لأنه حيوان ينفرد بحياته فلا يتذكى بذكاة غيره‏,‏ كما بعد الوضع قال ابن المنذر‏:‏ كان الناس على إباحته لا نعلم أحدا منهم خالف ما قالوا إلى أن جاء النعمان‏,‏ فقال‏:‏ لا يحل لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين ولنا ما روى أبو سعيد قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله‏,‏ إن أحدنا ينحر الناقة ويذبح البقرة والشاة فيجد في بطنها الجنين‏,‏ أنأكله أم نلقيه‏؟‏ قال ‏(‏كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه‏)‏ وعن جابر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ذكاة الجنين ذكاة أمه‏)‏ رواهما أبو داود ولأن هذا إجماع من الصحابة ومن بعدهم‏,‏ فلا يعول على ما خالفه ولأن الجنين متصل بها اتصال خلقة يتغذى بغذائها‏,‏ فتكون ذكاته ذكاتها كأعضائها ولأن الذكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان فيه والقدرة‏,‏ بدليل الصيد الممتنع والمقدور عليه والمتردية والجنين لا يتوصل إلى ذبحه بأكثر من ذبح أمه فيكون ذكاة له‏.‏

فصل‏:‏

واستحب أبو عبد الله أن يذبحه وإن خرج ميتا ليخرج الدم الذي في جوفه‏,‏ ولأن ابن عمر كان يعجبه أن يريقوا من دمه وإن كان ميتا‏.‏

فصل‏:‏

فإن خرج حيا حياة مستقرة يمكن أن يذكى فلم يذكه حتى مات‏,‏ فليس بذكي قال أحمد‏:‏ إن خرج حيا فلا بد من ذكاته لأنه نفس أخرى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا يقطع عضو مما ذكي حتى تزهق نفسه ‏]‏

كره ذلك أهل العلم منهم عطاء وعمرو بن دينار‏,‏ ومالك والشافعي ولا نعلم لهم مخالفا وقد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق فإن قطع عضو قبل زهوق النفس وبعد الذبح‏,‏ فالظاهر إباحته فإن أحمد سئل عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها‏؟‏ قال‏:‏ يأكلها قيل له‏:‏ والذي بان منها أيضا‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال البخاري‏:‏ قال ابن عمر وابن عباس‏:‏ إذا قطع الرأس فلا بأس به وبه قال عطاء والحسن‏,‏ والنخعي والشعبي والزهري‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وذلك لأن قطع ذلك العضو بعد حصول الذكاة فأشبه ما لو قطعه بعد الموت‏.‏

فصل‏:

ويكره سلخ الحيوان قبل أن يبرد لأن فيه تعذيبا للحيوان فهو كقطع العضو ويكره النفخ في اللحم الذي يريده للبيع لما فيه من الغش‏.‏

فصل‏:

وإن قطع من الحيوان شيء‏,‏ وفيه حياة مستقرة فهو ميتة لما روى أبو واقد قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ما قطع من البهيمة‏,‏ وهي حية فهو ميتة‏)‏ رواه أبو داود ولأن إباحته إنما تكون بالذبح وليس هذا بذبح‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وذبيحة من أطاق الذبح من المسلمين وأهل الكتاب حلال‏,‏ إذا سموا أو نسوا التسمية ‏]‏

وجملة ذلك أن كل من أمكنه الذبح من المسلمين وأهل الكتاب إذا ذبح‏,‏ حل أكل ذبيحته رجلا كان أو امرأة بالغا أو صبيا‏,‏ حرا كان أو عبدا لا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي وقد روي ‏(‏أن جارية لكعب بن مالك‏,‏ كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر‏,‏ فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ كلوها‏)‏ متفق عليه وفي هذا الحديث فوائد سبع أحدها إباحة ذبيحة المرأة والثانية إباحة ذبيحة الأمة والثالثة إباحة ذبيحة الحائض لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل والرابعة‏,‏ إباحة الذبح بالحجر والخامسة إباحة ذبح ما خيف عليه الموت والسادسة حل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه والسابعة‏,‏ إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه ويشترط أن يكون عاقلا فإن كان طفلا أو مجنونا‏,‏ أو سكران لا يعقل لم يصح منه الذبح وبهذا قال مالك وقال الشافعي‏:‏ لا يعتبر العقل وله فيما إذا أرسل المجنون الكلب على صيد وجهان ولنا أن الذكاة يعتبر لها القصد‏,‏ فيعتبر لها العقل كالعبادة فإن من لا عقل له لا يصح منه القصد‏,‏ فيصير ذبحه كما لو وقعت الحديدة بنفسها على حلق شاة فذبحتها وقوله‏:‏ إذا سموا أو نسوا التسمية فالتسمية مشترطة في كل ذابح مع العمد سواء كان مسلما أو كتابيا فإن ترك الكتابي التسمية عن عمد‏,‏ أو ذكر اسم غير الله لم تحل ذبيحته روي ذلك عن علي وبه قال النخعي والشافعي‏,‏ وحماد وإسحاق وأصحاب الرأي وقال عطاء‏,‏ ومجاهد ومكحول‏:‏ إذا ذبح النصراني باسم المسيح حل فإن الله تعالى أحل لنا ذبيحته‏,‏ وقد علم أنه سيقول ذلك ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وما أهل لغير الله به‏}‏ والآية أريد بها ما ذبحوه بشرطه كالمسلم فإن لم يعلم أسمى الذابح أم لا‏؟‏ أو ذكر اسم غير الله أم لا‏؟‏ فذبيحته حلال لأن الله تعالى أباح لنا أكل ما ذبحه المسلم والكتابي وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ‏(‏أنهم قالوا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ إن قوما حديثو عهد بشرك يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا‏؟‏ قال‏:‏ سموا أنتم وكلوا‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ذبح الكتابي ما حرم الله عليه‏,‏ مثل كل ذي ظفر قال قتادة‏:‏ هي الأيل والنعام والبط وما ليس بمشقوق الأصابع أو ذبح دابة لها شحم محرم عليه فظاهر كلام أحمد والخرقي إباحته فإن أحمد حكى عن مالك‏,‏ في اليهودي يذبح الشاة قال‏:‏ لا يأكل من شحمها قال أحمد‏:‏ هذا مذهب دقيق وظاهر هذا أنه لم يره صحيحا وهذا اختيار ابن حامد وأبي الخطاب وذهب أبو الحسن التميمي‏,‏ والقاضي إلى تحريمها وحكاه التميمي عن الضحاك ومجاهد‏,‏ وسوار وهو قول مالك لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم‏}‏ وليس هذا من طعامهم ولأنه جزء من البهيمة لم يبح لذابحها فلم يبح لغيره‏,‏ كالدم ولنا ما روى عبد الله بن مغفل قال‏:‏ ‏(‏دلي جراب من شحم من قصر خيبر فنزوت لآخذه‏,‏ فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبسم إلي‏)‏ متفق عليه ولأنها ذكاة أباحت اللحم والجلد فأباحت الشحم كذكاة المسلم والآية حجة لنا فإن معنى طعامهم ذبائحهم‏,‏ كذلك فسره العلماء وقياسهم ينتقض بما ذبحه الغاصب‏.‏

فصل‏:

وإن ذبح شيئا يزعم أنه محرم عليه ولم يثبت أنه محرم عليه‏,‏ فهو حلال لعموم الآية وقوله‏:‏ إنه حرام غير مقبول‏.‏

مسألة‏:

قال‏:‏ ‏[‏ فإن كان أخرس أومأ إلى السماء ‏]‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة الأخرس منهم الليث‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور وهو قول الشعبي‏,‏ وقتادة والحسن بن صالح إذا ثبت هذا فإنه يشير إلى السماء لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق وإشارته إلى السماء تدل على قصده تسمية الذي في السماء ونحو هذا قال الشعبي وقد دل على هذا حديث أبي هريرة ‏(‏أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بجارية أعجمية‏,‏ فقال‏:‏ يا رسول الله إن على رقبة مؤمنة أفأعتق هذه‏؟‏ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أين الله‏؟‏ فأشارت إلى السماء‏,‏ فقال‏:‏ من أنا‏؟‏ فأشارت بإصبعها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏ رواه الإمام أحمد‏,‏ والقاضي البرتي في ‏"‏ مسنديهما ‏"‏ فحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإيمانها بإشارتها إلى السماء تريد أن الله سبحانه فيها‏,‏ فأولى أن يكتفى بذلك علما على التسمية ولو أنه أشار إشارة تدل على التسمية وعلم ذلك كان كافيا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإن كان جنبا‏,‏ جاز أن يسمي ويذبح ‏]‏

وذلك أن الجنب تجوز له التسمية ولا يمنع منها لأنه إنما يمنع من القرآن لا من الذكر‏,‏ ولهذا تشرع له التسمية عند اغتساله وليست الجنابة أعظم من الكفر والكافر يسمي ويذبح‏,‏ وممن رخص في ذبح الجنب الحسن والحكم والليث‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي قال ابن المنذر‏:‏ ولا أعلم أحدا منع من ذلك وتباح ذبيحة الحائض لأنها في معنى الجنب‏.‏

فصل‏:‏

والمنخنقة والموقوذة والمتردية‏,‏ والنطيحة وأكيلة السبع وما أصابها مرض فماتت به‏,‏ محرمة إلا أن تدرك ذكاتها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما ذكيتم‏}‏ وفي حديث جارية كعب ‏(‏أنها أصيبت شاة من غنمها فأدركتها‏,‏ فذبحتها بحجر فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ كلوها‏)‏ فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح لم تبح بالذكاة لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسي‏,‏ لم يبح وإن أدركها وفيها حياة مستقرة بحيث يمكنه ذبحها‏,‏ حلت لعموم الآية والخبر وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش لعموم الآية والخبر ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسأل ولم يستفصل وقد قال ابن عباس‏,‏ في ذئب عدا على شاة فعقرها فوقع قصبها بالأرض‏,‏ فأدركها فذبحها بحجر قال‏:‏ يلقي ما أصاب الأرض‏,‏ ويأكل سائرها وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة حتى تبين فيها آثار الموت إلا أن فيها الروح يعني فذبحت فقال‏:‏ إذا مصعت بذنبها‏,‏ وطرفت بعينها وسال الدم فأرجو -إن شاء الله تعالى- أن لا يكون بأكلها بأس وروي ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير‏,‏ وطاوس وقالا‏:‏ تحركت ولم يقولا‏:‏ سال الدم وهذا على مذهب أبي حنيفة وقال إسماعيل بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها الموت فذبحوها‏,‏ فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم‏؟‏ قال‏:‏ فلا بأس به وقال ابن أبي موسى‏:‏ إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه‏,‏ لم تبح بالذكاة ونص عليه أحمد فقال‏:‏ إذا شق الذئب بطنها فخرج قصبها‏,‏ فذبحها لا تؤكل وقال‏:‏ إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع فلا تؤكل وإن ذكاها وقد يخاف على الشاة الموت من العلة والشيء يصيبها‏,‏ فيبادرها فيذبحها فيأكلها وليس هذا مثل هذه لا يدري‏,‏ لعلها تعيش والتي قد خرجت أمعاؤها يعلم أنها لا تعيش وهذا قول أبي يوسف والأول أصح لأن عمر رضي الله عنه انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش معه‏,‏ فوصى فقبلت وصاياه ووجبت العبادة عليه‏,‏ وفيما ذكرنا من عموم الآية والخبر وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل في حديث جارية كعب ما يرد هذا‏,‏ وتحمل نصوص أحمد على شاة خرجت أمعاؤها وبانت منها‏,‏ فتلك لا تحل بالذكاة لأنها في حكم الميت ولا تبقى حركتها إلا كحركة المذبوح فأما ما خرجت أمعاؤها‏,‏ ولم تبن منها فهي في حكم الحياة تباح بالذبح ولهذا قال الخرقي‏,‏ في من شق بطن رجل فأخرج حشوته فقطعها فأبانها‏,‏ ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ولو شق بطن رجل وضرب عنقه آخر فالقاتل هو الثاني وقال بعض أصحابنا‏:‏ إذا كانت تعيش معظم اليوم‏,‏ حلت بالذكاة وهذا التحديد بعيد يخالف ظواهر النصوص ولا سبيل إلى معرفته وقوله في حديث جارية كعب‏:‏ فأدركتها فذكتها بحجر يدل على أنها بادرتها بالذكاة حين خافت موتها في ساعتها والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمنا يكون الموت بالذبح أسرع منه‏,‏ حلت بالذبح وأنها متى كانت مما لا يتيقن موتها كالمريضة‏,‏ أنها متى تحركت وسال دمها حلت والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ والمحرم من الحيوان‏,‏ ما نص الله تعالى عليه في كتابه وما كانت العرب تسميه طيبا فهو حلال وما كانت تسميه خبيثا‏,‏ فهو محرم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ ‏]‏

يعني بقوله‏:‏ ما سمى الله تعالى في كتابه قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به‏}‏ وما عدا هذا فما استطابته العرب فهو حلال لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحل لهم الطيبات‏}‏ يعني يستطيبونه دون الحلال‏,‏ بدليل قوله في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات‏}‏ ولو أراد الحلال لم يكن ذلك جوابا لهم وما استخبثته العرب فهو محرم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب‏,‏ وخوطبوا به وبالسنة فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم ولم يعتبر أهل البوادي لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا‏,‏ ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون‏؟‏ فقال‏:‏ ما دب ودرج إلا أم حبين فقال‏:‏ لتهن أم حبين العافية وما وجد في أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز‏,‏ رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز فإن لم يشبه شيئا منها فهو مباح لدخوله في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما‏}‏ الآية‏,‏ ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه‏)‏ إذا ثبت هذا فمن المستخبثات الحشرات‏,‏ كالديدان والجعلان وبنات وردان‏,‏ والخنافس والفأر والأوزاغ‏,‏ والحرباء والعضاة والجراذين‏,‏ والعقارب والحيات وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ورخص مالك‏,‏ وابن أبي ليلى والأوزاعي في هذا كله‏,‏ إلا الأوزاغ فإن ابن عبد البر قال‏:‏ هو مجمع على تحريمه وقال مالك‏:‏ الحية حلال إذا ذكيت واحتجوا بعموم الآية المبيحة ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏خمس فواسق‏,‏ يقتلن في الحل والحرم العقرب والفأرة والغراب‏,‏ والحدأة والكلب العقور‏)‏ وفي حديث‏:‏ ‏"‏ الحية ‏"‏ مكان‏:‏ ‏"‏ الفأرة ‏"‏ ولو كانت من الصيد المباح لم يبح قتلها‏,‏ ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏}‏ ولأنها مستخبثة فحرمت كالوزغ أو مأمور بقتلها‏,‏ فأشبهت الوزغ‏.‏

فصل‏:

والقنفذ حرام قال أبو هريرة‏:‏ هو حرام وكرهه مالك وأبو حنيفة ورخص فيه الشافعي والليث‏,‏ وأبو ثور ولنا أن أبا هريرة قال‏:‏ ‏(‏ذكر القنفذ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ هو خبيث من الخبائث‏)‏ رواه أبو داود ولأنه يشبه المحرمات ويأكل الحشرات‏,‏ فأشبه الجرذ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحمر الأهلية ‏]‏

أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية قال أحمد‏:‏ خمسة عشر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كرهوها قال ابن عبد البر‏:‏ لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها وحكي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان بظاهر قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير‏}‏ وتلاها ابن عباس‏,‏ وقال‏:‏ ما خلا هذا فهو حلال وسئلت عائشة رضي الله عنها عن الفأرة فقالت‏:‏ ما هي بحرام وتلت هذه الآية ولم ير عكرمة وأبو وائل بأكل الحمر بأسا‏,‏ وقد روي عن غالب بن الحر قال‏:‏ أصابتنا سنة فقلت‏:‏ يا رسول الله أصابتنا سنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر‏,‏ وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية فقال‏:‏ ‏(‏أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي القرية‏)‏ ولنا ما روى جابر‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه قال ابن عبد البر‏:‏ وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريم الحمر الأهلية علي وعبد الله بن عمر‏,‏ وعبد الله بن عمرو وجابر والبراء‏,‏ وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي‏,‏ بأسانيد صحاح حسان وحديث غالب بن أبجر لا يعرج على مثله مع ما عارضه ويحتمل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق‏,‏ لكونها تأكل العذرات قال عبد الله بن أبي أوفى‏:‏ حرمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألبتة من أجل أنها تأكل العذرة متفق عليه‏.‏

فصل‏:

والبغال حرام عند كل من حرم الحمر الأهلية لأنها متولدة منها والمتولد من الشيء له حكمه في التحريم وهكذا إن تولد من بين الإنسي والوحشي ولد‏,‏ فهو محرم تغليبا للتحريم والسمع المتولد من بين الذئب والضبع‏,‏ محرم قال قتادة‏:‏ ما البغل إلا شيء من الحمار وعن جابر قال‏:‏ ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل‏.‏

فصل‏:

وألبان الحمر محرمة‏,‏ في قول أكثرهم ورخص فيها عطاء وطاوس والزهري والأول أصح لأن حكم الألبان حكم اللحمان‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وكل ذي ناب من السباع وهي التي تضرب بأنيابها الشيء وتفرس ‏]‏

أكثر أهل العلم يرون تحريم كل ذي ناب قوي من السباع‏,‏ يعدو به ويكسر إلا الضبع منهم مالك‏,‏ والشافعي وأبو ثور وأصحاب الحديث وأبو حنيفة وأصحابه وقال الشعبي‏,‏ وسعيد بن جبير وبعض أصحاب مالك‏:‏ هو مباح لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله‏}‏ ولنا ما روى أبو ثعلبة الخشني‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع‏)‏ متفق عليه وقال أبو هريرة‏:‏ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أكل كل ذي ناب من السباع حرام‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هذا حديث ثابت صحيح مجمع على صحته وهذا نص صريح يخص عموم الآيات فيدخل في هذا الأسد والنمر‏,‏ والفهد والذئب والكلب‏,‏ والخنزير وقد روي عن الشعبي أنه سئل عن رجل يتداوى بلحم الكلب‏؟‏ فقال‏:‏ لا شفاه الله وهذا يدل على أنه رأى تحريمه‏.‏

فصل‏:

ولا يباح أكل القرد وكرهه عمر وعطاء‏,‏ ومجاهد ومكحول والحسن‏,‏ ولم يجيزوا بيعه قال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم بين علماء المسلمين خلافا أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه وروي عن الشعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لحم القرد ولأنه سبع‏,‏ فيدخل في عموم الخبر وهو مسخ أيضا فيكون من الخبائث المحرمة‏.‏

فصل‏:‏

وابن آوى‏,‏ والنمس وابن عرس حرام سئل أحمد عن ابن آوى وابن عرس فقال‏:‏ كل شيء ينهش بأنيابه فهو من السباع وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي‏:‏ ابن عرس مباح لأنه ليس له ناب قوي‏,‏ فأشبه الضب ولأصحابه في ابن آوى وجهان ولنا أنها من السباع فتدخل في عموم النهي‏,‏ ولأنها مستخبثة غير مستطابة فإن ابن آوى يشبه الكلب‏,‏ ورائحته كريهة فيدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏‏.‏

فصل‏:‏

واختلفت الرواية في الثعلب فأكثر الروايات عن أحمد تحريمه وهذا قول أبي هريرة‏,‏ ومالك وأبي حنيفة لأنه سبع فيدخل في عموم النهي ونقل عن أحمد إباحته اختاره الشريف أبو جعفر ورخص فيه عطاء‏,‏ وطاوس وقتادة والليث‏,‏ وسفيان بن عيينة والشافعي لأنه يفدى في الإحرام والحرم وقال أحمد وعطاء‏:‏ كل ما يودى إذا أصابه المحرم فإنه يؤكل واختلفت الرواية عن أحمد في سنور البر كاختلافها في الثعلب والقول فيه كالقول في الثعلب وللشافعي في سنور البر وجهان فأما الأهلي‏,‏ فمحرم في قول إمامنا ومالك وأبي حنيفة‏,‏ والشافعي وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن أكل الهر‏.‏

فصل‏:‏

والفيل محرم قال أحمد‏:‏ ليس هو من أطعمة المسلمين وقال الحسن‏:‏ هو مسخ وكرهه أبو حنيفة والشافعي ورخص في أكله الشعبي ولنا نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع وهو من أعظمها نابا‏,‏ ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة‏.‏

فصل‏:‏

فأما الدب فينظر فيه فإن كان ذا ناب يفرس به‏,‏ فهو محرم وإلا فهو مباح قال أحمد‏:‏ إن لم يكن له ناب فلا بأس به وقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ هو سبع لأنه أشبه شيء بالسباع‏,‏ فلا يؤكل ولنا أن الأصل الإباحة ولم يتحقق وجود المحرم‏,‏ فيبقى على الأصل وشبهه بالسباع إنما يعتبر في وجود العلة المحرمة وهو كونه ذا ناب يصيد به ويفرس‏,‏ فإذا لم يوجد ذلك كان داخلا في عموم النصوص المبيحة والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وكل ذي مخلب من الطير وهي التي تعلق بمخالبها الشيء‏,‏ وتصيد بها ‏]‏

هذا قول أكثر أهل العلم وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك‏,‏ والليث والأوزاعي ويحيى بن سعيد‏:‏ لا يحرم من الطير شيء قال مالك‏:‏ لم أر أحدا من أهل العلم يكره سباع الطير واحتجوا بعموم الآيات المبيحة‏,‏ وقول أبي الدرداء وابن عباس‏:‏ ما سكت الله عنه فهو ما عفا عنه ولنا ما روى ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع‏,‏ وكل ذي مخلب من الطير‏)‏ وعن خالد بن الوليد قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏حرام عليكم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير‏)‏ رواهما أبو داود وهذا يخص عموم الآيات‏,‏ ويقدم على ما ذكروه فيدخل في هذا كل ما له مخلب يعدو به كالعقاب‏,‏ والبازي والصقر والشاهين والباشق‏,‏ والحدأة والبومة وأشباهها‏.‏

فصل‏:

ويحرم منها ما يأكل الجيف‏,‏ كالنسور والرخم وغراب البين وهو أكبر الغربان‏,‏ والأبقع قال عروة‏:‏ ومن يأكل الغراب وقد سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاسقا والله ما هو من الطيبات ولعله يعني قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة‏,‏ والفأرة والعقرب والكلب العقور‏)‏ فهذه الخمس محرمة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباح قتلها في الحرم‏,‏ ولا يجوز قتل صيد مأكول في الحرم ولأن ما يؤكل لا يحل قتله إذا قدر عليه وإنما يذبح ويؤكل وسئل أحمد‏,‏ عن العقعق فقال‏:‏ إن لم يكن يأكل الجيف فلا بأس به قال بعض أصحابنا‏:‏ هو يأكل الجيف‏,‏ فيكون على هذا محرما‏.‏

فصل‏:

ويحرم الخطاف والخشاف والخفاش وهو الوطواط قال الشاعر‏:‏

مثل النهار يزيد أبصار الورى ** نورا ويعمي أعين الخفاش

قال أحمد‏:‏ ومن يأكل الخشاف‏؟‏ وسئل عن الخطاف‏؟‏ فقال‏:‏ لا أدري وقال النخعي‏:‏ كل الطير حلال إلا الخفاش وإنما حرمت هذه لأنها مستخبثة لا تستطيبها العرب ولا تأكلها ويحرم الزنابير‏,‏ واليعاسيب والنحل وأشباهها لأنها مستخبثة‏,‏ غير مستطابة‏.‏

فصل‏:‏

وما عدا ما ذكرناه فهو مباح لعموم النصوص الدالة على الإباحة من ذلك بهيمة الأنعام‏,‏ وهي الإبل والبقر والغنم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أحلت لكم بهيمة الأنعام‏}‏ ومن الصيود الظباء‏,‏ وحمر الوحش وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا قتادة وأصحابه بأكل الحمار الذي صاده وكذلك بقر الوحش كلها مباحة على اختلاف أنواعها من الإبل‏,‏ والتيتل والوعل والمها‏,‏ وغيرها من الصيود كلها مباحة وتفدى في الإحرام ويباح النعام‏,‏ وقد قضى الصحابة رضي الله عنهم في النعامة ببدنة وهذا كله مجمع عليه‏,‏ لا نعلم فيه خلافا إلا ما يروى عن طلحة بن مصرف قال إن الحمار الوحشي إذا أنس واعتلف فهو بمنزلة الأهلي قال أحمد‏:‏ وما ظننت أنه روي في هذا شيء‏,‏ وليس الأمر عندي كما قال وأهل العلم على خلافه لأن الظباء إذا تأنست لم تحرم والأهلي إذا توحش لم يحل ولا يتغير منها شيء عن أصله وما كان عليه قال عطاء‏,‏ في حمار الوحش‏:‏ إذا تناسل في البيوت لا تزول عنه أسماء الوحش وسألوا أحمد عن الزرافة تؤكل‏؟‏ قال‏:‏ نعم وهي دابة تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه‏,‏ وجسمها ألطف من جسمه وأعلى منه ويداها أطول من رجليها‏.‏

فصل‏:‏

وتباح لحوم الخيل كلها عرابها وبراذينها ‏.‏ نص عليه أحمد ‏.‏ وبه قال ابن سيرين ‏.‏ وروي ذلك عن ابن الزبير ، والحسن ، وعطاء ، والأسود بن يزيد ‏.‏ وبه قال حماد بن زيد ، والليث ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأبو ثور ‏.‏ قال سعيد بن جبير ‏:‏ ما أكلت شيئا أطيب من معرفة برذون ‏.‏ وحرمها أبو حنيفة ‏.‏ وكرهه مالك ، والأوزاعي ، وأبو عبيد ؛ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والخيل والبغال والحمير لتركبوها‏}‏ وعن خالد قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏حرام عليكم الحمر الأهلية ، وخيلها ، وبغالها ‏.‏ ولأنه دون حافر ، فأشبه الحمار‏)‏ ولنا قول جابر‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل‏)‏ ‏.‏ وقالت أسماء‏:‏ ‏(‏نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ، ونحن بالمدينة‏)‏ ‏.‏ متفق عليهما ‏.‏ ولأنه حيوان طاهر مستطاب ، ليس بذي ناب ولا مخلب ، فيحل ، كبهيمة الأنعام ، ولأنه داخل في عموم الآيات والأخبار المبيحة ‏.‏ وأما الآية فإنما يتعلقون بدليل خطابها ، وهم لا يقولون به ‏.‏ وحديث خالد ليس له إسناد جيد ‏.‏ قاله أحمد ‏.‏ قال ‏:‏ وفيه رجلان لا يعرفان ، يرويه ثور عن رجل ليس بمعروف ‏.‏ وقال ‏:‏ لا ندع أحاديثنا لمثل هذا الحديث المنكر‏.‏

فصل‏:

والأرنب مباحة‏,‏ أكلها سعد بن أبي وقاص ورخص فيها أبو سعيد وعطاء وابن المسيب‏,‏ والليث ومالك والشافعي‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر ولا نعلم أحدا قائلا بتحريمها إلا شيئا روي عن عمرو بن العاص وقد صح عن أنس أنه قال‏:‏ ‏(‏أنفجنا أرنبا فسعى القوم فلغبوا‏,‏ فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها فبعث بوركها - أو قال - فخذها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبله‏)‏ متفق عليه وعن محمد بن صفوان‏,‏ أو صفوان بن محمد ‏(‏أنه قال‏:‏ صدت أرنبين فذبحتهما بمروة فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمرني بأكلهما‏)‏ رواه أبو داود ولأنها حيوان مستطاب‏,‏ ليس بذي ناب فأشبه الظبي‏.‏

فصل‏:‏

ويباح الوبر وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد‏,‏ وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر وأبو يوسف وقال القاضي‏:‏ هو محرم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه‏,‏ إلا أبا يوسف ولنا أنه يفدى في الإحرام والحرم وهو مثل الأرنب‏,‏ يعتلف النبات والبقول فكان مباحا كالأرنب ولأن الأصل الإباحة‏,‏ وعموم النصوص يقتضيها ولم يرد فيه تحريم فتجب إباحته‏.‏

فصل‏:

وسئل أحمد عن اليربوع‏,‏ فرخص فيه وهذا قول عروة وعطاء الخراساني والشافعي‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ هو محرم وروي ذلك عن أحمد أيضا وعن ابن سيرين والحكم‏,‏ وحماد وأصحاب الرأي لأنه يشبه الفأر ولنا أن عمر حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة ما لم يرد فيه تحريم وأما السنجاب‏,‏ فقال القاضي‏:‏ هو محرم لأنه ينهش بنابه فأشبه الجرذ ويحتمل أنه مباح لأنه يشبه اليربوع ومتى تردد بين الإباحة والتحريم‏,‏ غلبت الإباحة لأنها الأصل وعموم النصوص يقتضيها‏.‏

فصل‏:‏

ويباح من الطيور ما لم نذكره في المحرمات من ذلك الدجاج قال أبو موسى‏:‏ ‏(‏رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل الدجاج والحبارى لما روى سفينة‏,‏ قال‏:‏ أكلت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لحم حبارى‏)‏ رواه أبو داود ويباح الزاغ وبذلك قال الحكم وحماد ومحمد بن الحسن‏,‏ والشافعي في أحد قوليه ويباح غراب الزرع وهو الأسود الكبير الذي يأكل الزرع ويطير مع الزاغ لأن مرعاهما الزرع والحبوب‏,‏ فأشبها الحجل وتباح العصافير كلها قال عبد الله بن عمرو‏:‏ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها قيل‏:‏ يا رسول الله فما حقها‏؟‏ قال‏:‏ يذبحها فيأكلها‏,‏ ولا يقطع رأسها ويرمي بها‏)‏ رواه النسائي ويباح الحمام كله على اختلاف أنواعه من الجوازل والفواخت‏,‏ والرقاطي والقطا والحجل وغيرها وتباح الكراكي‏,‏ والإوز وطير الماء كله والغرانيق‏,‏ والطواويس وأشباه ذلك لا نعلم فيه خلافا واختلف عن أحمد في الهدهد والصرد فعنه أنهما حلال لأنهما ليسا من ذوات المخلب ولا يستخبثان وعنه تحريمهما ‏(‏لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل الهدهد‏,‏ والصرد والنملة والنحلة وكل ما كان لا يصيد بمخلبه ولا يأكل الجيف‏,‏ ولا يستخبث فهو حلال‏)‏‏.‏

فصل‏:

قال أحمد‏:‏ أكره لحوم الجلالة وألبانها قال القاضي في ‏"‏ المجرد ‏"‏‏:‏ هي التي تأكل القذر‏,‏ فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها وفي بيضها روايتان وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم أكلها ولا لبنها وتحديد الجلالة بكون أكثر علفها النجاسة‏,‏ لم نسمعه عن أحمد ولا هو ظاهر كلامه لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها‏,‏ ويعفى عن اليسير وقال الليث‏:‏ إنما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها إلا الرجيع وما أشبهه وقال ابن أبي موسى‏:‏ في الجلالة روايتان إحداهما أنها محرمة والثانية أنها مكروهة غير محرمة وهذا قول الشافعي وكره أبو حنيفة لحومها‏,‏ والعمل عليها حتى تحبس ورخص الحسن في لحومها وألبانها لأن الحيوانات لا تنجس بأكل النجاسات بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات‏,‏ لا يكون ظاهره نجسا ولو نجس لما طهر بالإسلام ولا الاغتسال‏,‏ ولو نجست الجلالة لما طهرت بالحبس ولنا ما روى ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الجلالة وألبانها‏)‏ رواه أبو داود وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها‏,‏ ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة‏)‏ رواه الخلال بإسناده ولأن لحمها يتولد من النجاسة‏,‏ فيكون نجسا كرماد النجاسة وأما شارب الخمر فليس ذلك أكثر غذائه‏,‏ وإنما يتغذى الطاهرات وكذلك الكافر في الغالب‏.‏

فصل‏:‏

وتزول الكراهة بحبسها اتفاقا واختلف في قدره فروي عن أحمد أنها تحبس ثلاثا‏,‏ سواء كانت طائرا أو بهيمة وكان ابن عمر إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا وهذا قول أبي ثور لأن ما طهر حيوانا طهر الآخر كالذي نجس ظاهره والأخرى‏,‏ تحبس الدجاجة ثلاثا والبعير والبقرة ونحوهما يحبس أربعين وهذا قول عطاء في الناقة والبقرة لحديث عبد الله بن عمرو‏,‏ لأنهما أعظم جسما وبقاء علفهما فيهما أكثر من بقائه في الدجاجة والحيوان الصغير والله أعلم‏.‏

فصل‏:

ويكره ركوب الجلالة وهو قول عمر وابنه‏,‏ وأصحاب الرأي لحديث ‏(‏عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ركوبها‏)‏ ولأنها ربما عرقت فتلوث بعرقها‏.‏

فصل‏:

وتحرم الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات‏,‏ أو سمدت بها وقال ابن عقيل‏:‏ يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم ولا يحكم بتنجيسها لأن النجاسة تستحيل في باطنها‏,‏ فتطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان لحما ويصير لبنا وهذا قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة‏,‏ والشافعي وكان سعد بن أبي وقاص يدمل أرضه بالعرة ويقول‏:‏ مكتل عرة مكتل بر والعرة‏:‏ عذرة الناس ولنا‏,‏ ما روي عن ابن عباس قال‏:‏ كنا نكري أراضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس ولأنها تتغذى بالنجاسات وتترقى فيها أجزاؤها‏,‏ والاستحالة لا تطهر فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطاهرات كالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ومن اضطر إلى الميتة فلا يأكل منها إلا ما يأمن معه الموت ‏]‏

أجمع العلماء على تحريم الميتة حال الاختيار‏,‏ وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار وكذلك سائر المحرمات والأصل في هذا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه‏}‏ ويباح له أكل ما يسد الرمق ويأمن معه الموت بالإجماع ويحرم ما زاد على الشبع بالإجماع أيضا وفي الشبع روايتان أظهرهما‏,‏ لا يباح وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وأحد القولين للشافعي قال الحسن‏:‏ يأكل قدر ما يقيمه لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة‏,‏ لم يحل له الأكل كحالة الابتداء ولأنه بعد سد الرمق غير مضطر‏,‏ فلم يحل له الأكل للآية يحققه أنه بعد سد رمقه كهو قبل أن يضطر وثم لم يبح له الأكل كذا ها هنا والثانية‏,‏ يباح له الشبع اختارها أبو بكر لما روى جابر بن سمرة ‏(‏أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته‏:‏ اسلخها‏,‏ حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال‏:‏ حتى أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله فقال‏:‏ هل عندك غنى يغنيك‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فكلوها‏)‏ ولم يفرق رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه‏,‏ جاز الشبع منه كالمباح ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال‏,‏ فما كانت مستمرة كحالة الأعرابي الذي سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاز الشبع لأنه إذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب‏,‏ ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه‏,‏ وربما أدى ذلك إلى تلفه بخلاف التي ليست مستمرة فإنه يرجو الغنى عنها بما يحل له والله أعلم إذا ثبت هذا‏,‏ فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل قال أحمد‏:‏ إذا كان يخشى على نفسه سواء كان من جوع‏,‏ أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك‏,‏ ولا يتقيد ذلك بزمن محصور‏.‏

فصل‏:‏ ‏

وهل يجب الأكل من الميتة على المضطر‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏:‏ يجب وهو قول مسروق وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد الله عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل‏؟‏ فذكر قول مسروق‏:‏ من اضطر‏,‏ فلم يأكل ولم يشرب فمات دخل النار وهذا اختيار ابن حامد وذلك لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ وترك الأكل مع إمكانه في هذا الحال إلقاء بيده إلى التهلكة‏,‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما‏}‏ ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله له فلزمه كما لو كان معه طعام حلال والثاني‏:‏ لا يلزمه لما روي عن عبد الله بن حذافة السهمي‏,‏ صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمرا ممزوجا بماء ولحم خنزير مشوي‏,‏ ثلاثة أيام فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش‏,‏ وخشوا موته فأخرجوه فقال‏:‏ قد كان الله أحله لي لأني مضطر‏,‏ ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص ولأن له غرضا في اجتناب النجاسة‏,‏ والأخذ بالعزيمة وربما لم تطب نفسه بتناول الميتة وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه‏.‏

فصل‏:‏

وتباح المحرمات عند الاضطرار إليها‏,‏ في الحضر والسفر جميعا لأن الآية مطلقة غير مقيدة بإحدى الحالتين وقوله‏:‏ ‏{‏فمن اضطر‏}‏ لفظ عام في حق كل مضطر ولأن الاضطرار يكون في الحضر في سنة المجاعة‏,‏ وسبب الإباحة الحاجة إلى حفظ النفس عن الهلاك لكون هذه المصلحة أعظم من مصلحة اجتناب النجاسات والصيانة عن تناول المستخبثات وهذا المعنى عام في الحالين وظاهر كلام أحمد‏:‏ أن الميتة لا تحل لمن يقدر على دفع ضرورته بالمسألة وروي عن أحمد‏,‏ أنه قال‏:‏ أكل الميتة إنما يكون في السفر يعني أنه في الحضر يمكنه السؤال وهذا من أحمد خرج مخرج الغالب فإن الغالب أن الحضر يوجد فيه الطعام الحلال ويمكن دفع الضرورة بالسؤال‏,‏ ولكن الضرورة أمر معتبر بوجود حقيقته لا يكتفى فيه بالمظنة بل متى وجدت الضرورة أباحت‏,‏ سواء وجدت المظنة أو لم توجد ومتى انتفت لم يبح الأكل لوجود مظنتها بحال‏.‏

فصل‏:‏

قال أصحابنا‏:‏ ليس للمضطر في سفر المعصية الأكل من الميتة‏,‏ كقاطع الطريق والآبق لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه‏}‏ قال مجاهد‏:‏ غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم وقال سعيد بن جبير‏:‏ إذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له‏,‏ فإن تاب وأقلع عن معصيته حل له الأكل‏.‏

فصل‏:‏‏

وهل للمضطر التزود من الميتة‏؟‏ على روايتين أصحهما‏:‏ له ذلك وهو قول مالك لأنه لا ضرر في استصحابها ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته‏,‏ ولا يأكل منها إلا عند ضرورته والثانية‏:‏ لا يجوز لأنه توسع فيما لم يبح إلا للضرورة فإن استصحبها فلقيه مضطر آخر‏,‏ لم يجز له بيعها إياه لأنه إنما أبيح له منها ما يدفع به الضرورة ولا ضرورة إلى البيع ولأنه لا يملكه ويلزمه إعطاء الآخر بغير عوض‏,‏ إذا لم يكن هو مضطرا في الحال إلى ما معه لأن ضرورة الذي لقيه موجودة وحاملها يخاف الضرر في ثاني الحال‏.‏

مسألة‏:

قال‏:‏ ‏[‏ ومن مر بثمرة فله أن يأكل منها‏,‏ ولا يحمل ‏]‏

هذا يحتمل أنه أراد في حال الجوع والحاجة لأنه ذكره عقيب مسألة المضطر قال أحمد‏:‏ إذا لم يكن عليها حائط يأكل إذا كان جائعا وإذا لم يكن جائعا‏,‏ فلا يأكل وقال‏:‏ قد فعله غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن إذا كان عليه حائط لم يأكل لأنه قد صار شبه الحريم وقال في موضع‏:‏ إنما الرخصة للمسافر إلا أنه لم يعتبر ها هنا حقيقة الاضطرار لأن الاضطرار يبيح ما وراء الحائط ورويت عنه الرخصة في الأكل من غير المحوطة مطلقا من غير اعتبار جوع ولا غيره وروي عن أبي زينب التيمي‏,‏ قال‏:‏ سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بردة فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وهو قول عمر وابن عباس وأبي بردة قال عمر‏:‏ يأكل‏,‏ ولا يتخذ خبنة وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ يأكل مما تحت الشجر وإذا لم يكن تحت الشجر فلا يأكل ثمار الناس وهو غني عنه ولا يضرب بحجر‏,‏ ولا يرمي لأن هذا يفسد وقد روي عن رافع بن عمرو قال‏:‏ كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ ‏(‏يا رافع‏,‏ لم ترمي نخلهم‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول الله الجوع قال‏:‏ ‏(‏لا ترم وكل ما وقع‏,‏ أشبعك الله وأرواك‏)‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وقال أكثر الفقهاء‏:‏ لا يباح الأكل في الضرورة لما روى العرباض بن سارية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ألا وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم‏,‏ إذا أعطوكم الذي عليهم‏)‏ أخرجه أبو داود وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‏,‏ حرام كحرمة يومكم هذا‏)‏ متفق عليه ولنا ما روى عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏,‏ أنه سئل عن الثمر المعلق فقال‏:‏ ‏(‏ما أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة‏,‏ فلا شيء عليه ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه والعقوبة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وروى أبو سعيد الخدري‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاثا فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد‏)‏ وروى سعيد‏,‏ بإسناده عن الحسن عن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله‏,‏ ولأنه قول من سمينا من الصحابة من غير مخالف فيكون إجماعا فإن قيل‏:‏ فقد أبى سعد أن يأكل‏؟‏ قلنا‏:‏ امتناع سعد من أكله ليس بمخالف لهم لأن الإنسان قد يترك المباح غني عنه أو تورعا‏,‏ أو تقذرا كترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل الضب فأما أحاديثهم فهي مخصوصة بما رويناه من الحديث والإجماع‏,‏ فإن كانت محوطة لم يجز الدخول إليها لقول ابن عباس‏:‏ إن كان عليها حائط فهو حريم فلا تأكل‏,‏ وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس ولأن إحرازه بالحائط يدل على شح صاحبه به وعدم المسامحة فيه قال بعض أصحابنا‏:‏ إذا كان عليه ناطور‏,‏ فهو بمنزلة المحوط في أنه لا يدخل إليه ولا يأكل منه إلا في الضرورة‏.‏

فصل‏:‏

وعن أحمد في الأكل من الزرع روايتان إحداهما‏:‏ قال لا‏:‏ يأكل‏,‏ إنما رخص في الثمار ليس الزرع وقال‏:‏ ما سمعنا في الزرع أن يمس منه ووجهه أن الثمار خلقها الله تعالى للأكل رطبة والنفوس تتوق إليها‏,‏ والزرع بخلافها والثانية‏:‏ قال‏:‏ يأكل من الفريك لأن العادة جارية بأكله رطبا أشبه الثمر وكذلك الحكم في الباقلا والحمص‏,‏ وشبهه مما يؤكل رطبا فأما الشعير وما لم تجر العادة بأكله‏:‏ فلا يجوز الأكل منه والأولى في الثمار وغيرها أن لا يأكل منها إلا بإذن لما فيه من الخلاف والأخبار الدالة على التحريم‏.‏

فصل‏:‏

وعن أحمد في حلب لبن الماشية روايتان إحداهما‏:‏ يجوز له أن يحلب ويشرب‏,‏ ولا يحمل لما روى الحسن عن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه‏,‏ فإن أذن فليحلب وليشرب وإن لم يكن فيها‏,‏ فليصوت ثلاثا فإن أجابه أحد فليستأذنه‏,‏ وإن لم يجبه أحد فليحلب وليشرب‏,‏ ولا يحمل‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق والرواية الثانية‏:‏ لا يجوز له أن يحلب ولا يشرب لما روى ابن عمر‏,‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته‏,‏ فينقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فإن ما في ضروع مواشيهم مثل ما في مشاربهم‏)‏ متفق عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ومن اضطر‏,‏ فأصاب الميتة وخبزا لا يعرف مالكه أكل الميتة ‏]‏

وبهذا قال سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وقال مالك‏:‏ إن كانوا يصدقونه أنه مضطر أكل من الزرع والثمر‏,‏ وشرب اللبن وإن خاف أن تقطع يده أو لا يقبل منه‏,‏ أكل الميتة ولأصحاب الشافعي وجهان أحدهما‏:‏ يأكل الطعام وهو قول عبد الله بن دينار لأنه قادر على الطعام الحلال فلم يجز له أكل الميتة كما لو بذله له صاحبه ولنا أن أكل الميتة منصوص عليه‏,‏ ومال الآدمي مجتهد فيه والعدول إلى المنصوص عليه أولى ولأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والمساهلة وحقوق الآدمي مبنية على الشح والتضييق ولأن حق الآدمي تلزمه غرامته وحق الله لا عوض له‏.‏

فصل‏:‏

إذا وجد المضطر من يطعمه ويسقيه‏,‏ لم يحل له الامتناع من الأكل والشرب ولا العدول إلى أكل الميتة إلا أن يخاف أن يسمه فيه‏,‏ أو يكون الطعام الذي يطعمه مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه‏.‏

فصل‏:‏

وإن وجد طعاما مع صاحبه فامتنع من بذله له‏,‏ أو بيعه منه ووجد ثمنه لم يجز له مكابرته عليه‏,‏ وأخذه منه وعدل إلى الميتة سواء كان قويا يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف‏,‏ فإن بذله له بثمن مثله وقدر على الثمن لم يحل له أكل الميتة لأنه قادر على طعام حلال وإن بذله بزيادة على ثمن المثل‏,‏ لا يجحف بماله لزمه شراؤه أيضا لما ذكرناه وإن كان عاجزا عن الثمن‏,‏ فهو في حكم العادم وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك‏,‏ لم يلزمه أكثر من ثمن مثله لأن الزيادة أحوج إلى بدلها بغير حق فلم يلزمه كالمكره‏.‏

فصل‏:

وإن وجد المحرم ميتة وصيدا‏,‏ أكل الميتة وبه قال الحسن ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ يأكل الصيد ويفديه وهو قول الشعبي لأن الضرورة تبيحه ومع القدرة عليه لا تحل الميتة لغناه عنها ولنا أن إباحة الميتة منصوص عليها‏,‏ وإباحة الصيد مجتهد فيها وتقديم المنصوص عليه أولى فإن لم يجد ميتة ذبح الصيد وأكله نص عليه أحمد لأنه مضطر إليه عينا وقد قيل‏:‏ إن في الصيد تحريمات ثلاثا تحريم قتله‏,‏ وأكله وتحريم الميتة لأن ما ذبحه المحرم من الصيد يكون ميتة فقد ساوى الميتة في هذا‏,‏ وفضل عليها بتحريم القتل والأكل ولكن يقال على هذا‏:‏ إن الشارع إذا أباح له ذبحه لم يصر ميتة ولهذا لو لم يجد الميتة فذبحه‏,‏ كان ذكيا طاهرا وليس بنجس ولا ميتة ولهذا يتعين عليه ذبحه في حل الذبح وتعتبر شروط الذكاة فيه‏,‏ ولا يجوز قتله ولو كان ميتة لم يتعين ذلك عليه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ذبح المحرم الصيد عند الضرورة جاز له أن يشبع منه لأنه لحم ذكي لا حق فيه لآدمي سواه‏,‏ فأبيح له الشبع منه كما لو ذبحه حلال من أجله‏.‏

فصل‏:‏

فإن لم يجد المضطر شيئا لم يبح له أكل بعض أعضائه وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ له ذلك لأن له أن يحفظ الجملة بقطع عضو‏,‏ كما لو وقعت فيه الأكلة ولنا أن أكله من نفسه ربما قتله فيكون قاتلا لنفسه ولا يتيقن حصول البقاء بأكله أما قطع الأكلة‏:‏ فإنه يخاف الهلاك بذلك العضو‏,‏ فأبيح له إبعاده ودفع ضرره المتوجه منه بتركه كما أبيح قتل الصائل عليه ولم يبح له قتله ليأكله‏.‏

فصل‏:

وإن لم يجد إلا آدميا محقون الدم‏,‏ لم يبح له قتله إجماعا ولا إتلاف عضو منه مسلما كان أو كافرا لأنه مثله‏,‏ فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه وهذا لا خلاف فيه وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي أن له قتله وأكله لأن قتله مباح وهكذا قال أصحاب الشافعي لأنه لا حرمة له‏,‏ فهو بمنزلة السباع وإن وجده ميتا أبيح أكله لأن أكله مباح بعد قتله فكذلك بعد موته وإن وجد معصوما ميتا‏,‏ لم يبح أكله في قول أصحابنا وقال الشافعي وبعض الحنفية‏:‏ يباح وهو أولى لأن حرمة الحي أعظم وقال أبو بكر بن داود‏:‏ أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء واحتج أصحابنا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏كسر عظم الميت ككسر عظم الحي‏)‏ واختار أبو الخطاب أن له أكله وقال‏:‏ لا حجة في الحديث ها هنا لأن الأكل من اللحم لا من العظم‏,‏ والمراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة لا في مقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن لم يصب إلا طعاما لم يبعه مالكه أخذه قهرا ليحيي به نفسه‏,‏ وأعطاه ثمنه إلا أن يكون بصاحبه مثل ضرورته ‏]‏

وجملته أنه إذا اضطر فلم يجد إلا طعاما لغيره‏,‏ نظرنا فإن كان صاحبه مضطرا إليه فهو أحق به ولم يجز لأحد أخذه منه لأنه ساواه في الضرورة‏,‏ وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة وإن أخذه منه أحد فمات‏,‏ لزمه ضمانه لأنه قتله بغير حق وإن لم يكن صاحبه مضطرا إليه لزمه بذله للمضطر لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم‏,‏ فلزمه بذله له كما يلزمه بذل منافعه في إنجائه من الغرق والحريق فإن لم يفعل فللمضطر أخذه منه لأنه مستحق له دون مالكه‏,‏ فجاز له أخذه كغير ماله فإن احتيج في ذلك إلى قتال‏,‏ فله المقاتلة عليه فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه‏,‏ وإن آل أخذه إلى قتل صاحبه فهو هدر لأنه ظالم بقتاله فأشبه الصائل‏,‏ إلا أن يمكن أخذه بشراء أو استرضاء فليس له المقاتلة عليه لإمكان الوصول إليه دونها‏,‏ فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمن مثله فذكر القاضي أن له قتاله والأولى أن لا يجوز له ذلك لإمكان الوصول إليه بدونها وإن اشتراه بأكثر من ثمن مثله لم يلزمه إلا ثمن مثله لأنه صار مستحقا له بقيمته‏,‏ ويلزمه عوضه في كل موضع أخذه فإن كان معه في الحال وإلا لزمه في ذمته ولا يباح للمضطر من مال أخيه‏,‏ إلا ما يباح من الميتة قال أبو هريرة‏:‏ قلنا‏:‏ يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة ، وأصابت الضرورة خلقا كثيرا ، أو كان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله ، لم يلزمه بذله للمضطرين ، وليس لهم أخذه منه ؛ لأن ذلك يفضي إلى وقوع الضرورة به ، ولا يدفعها عنهم ‏.‏ وكذلك إن كانوا في سفر ومعه قدر كفايته من غير فضلة ، لم يلزمه بذل ما معه للمضطرين ‏.‏ ولم يفرق أصحابنا بين هذه الحال وبين كونه لا يتضرر بدفع ما معه إليهم ، في أن ذلك واجب عليه ؛ لكونه غير مضطر في الحال ، والآخر مضطر ، فوجب تقديم حاجة المضطر ‏.‏ ولنا أن هذا مفض به إلى هلاك نفسه ، وهلاك عياله ، فلم يلزمه ، كما لو أمكنه إنجاء الغريق بتغريق نفسه ‏.‏ ولأن في بذله إلقاء بيده إلى التهلكة ، وقد نهى الله عن ذلك ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا بأس بأكل الضب والضبع ‏]‏

أما الضب‏:‏ فإنه مباح في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو سعيد‏,‏ وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم قال أبو سعيد‏:‏ كنا معشر أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة وقال عمر‏:‏ ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة ولوددت أن في كل جحر ضب ضبين وبهذا قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ هو حرام وبهذا قال الثوري لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن أكل لحم الضب وروي نحوه عن علي ولأنه ينهش فأشبه ابن عرس ولنا ما روى ابن عباس قال‏:‏ دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة‏,‏ فأتي بضب محنوذ فقيل‏:‏ هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت‏:‏ أحرام هو يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا‏,‏ ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه‏)‏ قال خالد‏:‏ فاجتررته فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر متفق عليه قال ابن عباس‏:‏ ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الضب تقذرا‏,‏ وأكل على مائدته ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال عمر‏:‏ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لم يحرم الضب ولكنه قذره‏)‏ ولو كان عندي لأكلته ولأن الأصل الحل‏,‏ ولم يوجد المحرم فبقي على الإباحة ولم يثبت فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهي ولا تحريم ولأن الإباحة قول من سمينا من الصحابة‏,‏ ولم يثبت عنهم خلافه فيكون إجماعا‏.‏

فصل‏:‏

فأما الضبع‏:‏ فرويت الرخصة فيها عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق وقال عروة‏:‏ مازالت العرب تأكل الضبع ولا ترى بأكلها بأسا وقال أبو حنيفة والثوري ومالك‏:‏ هو حرام وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب لأنها من السباع وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع وهي من السباع‏,‏ فتدخل في عموم النهي وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الضبع فقال‏:‏ ‏(‏ومن يأكل الضبع‏؟‏‏)‏ ولنا ما روى جابر قال‏:‏ أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأكل الضبع قلت‏:‏ صيد هي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏ احتج به أحمد وفي لفظ قال‏:‏ سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضبع فقال‏:‏ ‏(‏هو صيد‏,‏ ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم‏)‏ رواه أبو داود قال ابن عبد البر‏:‏ هذا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب من السباع لأنه أقوى منه قلنا‏:‏ هذا تخصيص لا معارض ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد فأما الخبر الذي فيه‏:‏ ‏"‏ ومن يأكل الضبع‏؟‏ ‏"‏ فحديث طويل يرويه عبد الكريم بن أبي المخارق‏,‏ ينفرد به وهو متروك الحديث ولأن الضبع قد قيل‏:‏ إنها ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفحة نعل الفرس فعلى هذا لا تدخل في عموم النهي والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا يؤكل الترياق لأنه يقع فيه لحوم الحيات ‏]‏

الترياق‏:‏ دواء يتعالج به من السم ويجعل فيه من لحوم الحيات‏,‏ فلا يباح أكله ولا شربه لأن لحم الحية حرام وممن كرهه الحسن وابن سيرين ورخص فيه الشعبي ومالك لأنه يرى إباحة لحوم الحيات ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحته التداوي ببعض المحرمات ولنا أن لحم الحيات حرام‏,‏ بما قد ذكرناه فيما مضى ولا يجوز التداوي بمحرم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز التداوي بمحرم ولا بشيء فيه محرم مثل ألبان الأتن‏,‏ ولحم شيء من المحرمات ولا شرب الخمر للتداوي به لما ذكرنا من الخبر ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر له النبيذ يصنع للدواء فقال‏:‏ ‏(‏إنه ليس بدواء ولكنه داء‏)‏‏.‏

فصل‏:

ويجوز أكل الأطعمة التي فيها الدود والسوس كالفواكه‏,‏ والقثاء والخيار والبطيخ‏,‏ والحبوب والخل إذا لم تقذره نفسه وطابت به لأن التحرز من ذلك يشق ويجوز أكل العسل بقشه وفيه فراخ لذلك‏,‏ وإن نقاه فحسن فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتي بتمر عتيق فجعل يفتشه‏,‏ ويخرج السوس منه وينقيه وهذا أحسن‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا يؤكل الصيد إذا رمي بسهم مسموم إذا علم أن السم أعان على قتله ‏]‏

إنما كان كذلك ؛ لأن ما قتله السم محرم ، وما قتله السهم وحده مباح ، فإذا مات بسبب مبيح ومحرم ، حرم ، كما لو مات برمية مسلم ومجوسي ، أو قتل الصيد كلب معلم وغيره ، أو وجد مع كلبه كلبا لا يعرف ، أو رمى صيدا بسهم ، فوجده غريقا في الماء ، أو تردى من جبل ، أو وطئ عليه شيء ‏.‏ فإن علم أن السم لم يعن على قتله ؛ لكون السهم أوحى منه ، فهو مباح ، لانتفاء المحرم ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر‏,‏ لم يؤكل إذا مات في بر أو بحر ‏]‏

كل ما يعيش في البر من دواب البحر لا يحل بغير ذكاة كطير الماء‏,‏ والسلحفاة وكلب الماء إلا ما لا دم فيه‏,‏ كالسرطان فإنه يباح بغير ذكاة قال أحمد‏:‏ السرطان لا بأس به قيل له‏:‏ يذبح‏؟‏ قال‏:‏ لا وذلك لأن مقصود الذبح إنما هو إخراج الدم منه وتطييب اللحم بإزالته عنه‏,‏ فما لا دم فيه لا حاجة إلى ذبحه وأما سائر ما ذكرنا فلا يحل إلا أن يذبح قال أحمد‏:‏ كلب الماء يذبحه‏,‏ ولا أرى بأسا بالسلحفاة إذا ذبح والرق يذبحه وقال قوم‏:‏ يحل من غير ذكاة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في البحر ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)‏ ولأنه من حيوان البحر‏,‏ فأبيح بغير ذكاة كالسمك والسرطان وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ما في البحر قد ذكاه الله تعالى لكم وروى الإمام أحمد بإسناده عن شريح رجل أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏كل شيء في البحر مذبوح‏)‏ وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله ذبح كل شيء في البحر لابن آدم‏)‏ ولنا أنه حيوان يعيش في البر‏,‏ له نفس سائلة فلم يبح بغير ذبح كالطير‏,‏ ولا خلاف في الطير فيما علمناه والأخبار محمولة على ما لا يعيش إلا في البحر كالسمك وشبهه لأنه لا يتمكن من تذكيته لأنه لا يذبح إلا بعد إخراجه من الماء‏,‏ وإذا خرج مات‏.‏

فصل‏:‏

فأما ما لا يعيش إلا في الماء كالسمك وشبهه فإنه يباح بغير ذكاة لا نعلم في هذا خلافا لما ذكرنا من الأخبار وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان‏,‏ أما الميتتان فالسمك والجراد‏)‏ وقد صح أن أبا عبيدة وأصحابه وجدوا على ساحل البحر دابة يقال لها العنبر ميتة‏,‏ فأكلوا منها شهرا حتى سمنوا وادهنوا فلما قدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبروه‏,‏ فقال‏:‏ ‏(‏هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء تطعمونا‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:

وكل صيد البحر مباح إلا الضفدع وهذا قول الشافعي وقال الشعبي‏:‏ لو أكل أهلي الضفادع لأطعمتهم وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال‏:‏ في كل ما في البحر قد ذكاه الله لكم وعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم صيد البحر وطعامه‏}‏ يدل على إباحة جميع صيده وروى عطاء وعمرو بن دينار أنهما بلغهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله ذبح كل شيء في البحر لابن آدم‏)‏ فأما الضفدع‏:‏ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتله رواه النسائي فيدل ذلك على تحريمه‏,‏ فأما التمساح‏:‏ فقد نقل عنه ما يدل على أنه لا يؤكل وقال الأوزاعي‏:‏ لا بأس به لمن اشتهاه وقال ابن حامد‏:‏ لا يؤكل التمساح ولا الكوسج لأنهما يأكلان الناس وقد روي عن إبراهيم النخعي وغيره‏:‏ أنه قال‏:‏ كانوا يكرهون سباع البحر كما يكرهون سباع البر وذلك لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع وقال أبو علي النجاد‏:‏ ما حرم نظيره في البر فهو حرام في البحر‏,‏ ككلب الماء وخنزيره وإنسانه وهو قول الليث إلا في كلب الماء فإنه يرى إباحة كلب البر والبحر وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يباح إلا السمك قال مالك‏:‏ كل ما في البحر مباح لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم صيد البحر وطعامه‏}‏‏.‏

فصل‏:

وكلب الماء مباح‏,‏ وركب الحسن بن علي رضي الله عنه سرجا عليه جلد من جلود كلاب الماء وهذا قول مالك والشافعي والليث ويقتضيه قول الشعبي والأوزاعي ولا يباح عند أبي حنيفة وهو قول أبي علي النجاد وبعض أصحاب الشافعي ولنا عموم الآية والخبر قال عبد الله‏:‏ سألت أبي عن كلب الماء فقال‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد‏,‏ عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير‏,‏ سمعا شريحا - رجل أدرك النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏كل شيء في البحر فهو مذبوح‏)‏ قال‏:‏ فذكرت ذلك لعطاء فقال‏:‏ أما الطير فنذبحه وقال أبو عبد الله‏:‏ كلب الماء نذبحه‏.‏

فصل‏:‏

قيل لأبي عبد الله‏:‏ يكره الجري‏؟‏ قال‏:‏ لا والله وكيف لنا بالجري‏؟‏ ورخص فيه علي والحسن ومالك والشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وسائر أهل العلم وقال ابن عباس الجري لا تأكله اليهود ووافقهم الرافضة ومخالفتهم صواب‏.‏

فصل‏:

وعن أحمد في السمكة توجد في بطن سمكة أخرى‏,‏ أو حوصلة طائر أو يوجد في حوصلته جراد فقال في موضع‏:‏ كل شيء أكل مرة لا يؤكل وقال في موضع‏:‏ الطافي أشد من هذا‏,‏ وقد رخص فيه أبو بكر رضي الله عنه وهذا هو الصحيح وهو مذهب الشافعي فيما في بطن السمكة دون ما في حوصلة الطائر لأنه كالرجيع ورجيع الطائر عنده نجس ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان‏)‏ ولأنه حيوان طاهر في محل طاهر‏,‏ لا تعتبر له ذكاة فأبيح كالطافي في السمك وهكذا يخرج في الشعير يوجد في بعر الجمل‏,‏ أو خثي الجواميس ونحوها‏.‏

مسألة‏:

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا وقعت النجاسة في مائع كالدهن وما أشبهه‏,‏ نجس واستصبح به إن أحب ولم يحل أكله ولا ثمنه ‏]‏

ظاهر هذا أن النجاسة إذا وقعت في مائع غير الماء‏,‏ نجسته وإن كثر وهذا ظاهر المذهب وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينجس إذا كثر قال حرب‏:‏ سألت أحمد عن كلب ولغ في سمن أو زيت‏؟‏ قال‏:‏ إذا كان في آنية كبيرة‏,‏ مثل حب أو نحوه رجوت أن لا يكون به بأس يؤكل‏,‏ وإذا كان في آنية صغيرة فلا يعجبني أن يؤكل وسئل عن كلب وقع في خل أكثر من قلتين فخرج منه وهو حي‏؟‏ فقال‏:‏ هذا أسهل من أنه لو مات وعنه‏,‏ رواية ثالثة‏:‏ ما أصله الماء كالخل التمري يدفع النجاسة عن نفسه إذا كثر وما ليس أصله الماء‏,‏ لا يدفع عن نفسه قال المروذي‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ فإن وقعت النجاسة في خل أو دبس‏؟‏ فقال‏:‏ أما الخل فأصله الماء يعود إلى أن يكون ماء إذا حمل عليه وقال ابن مسعود في فأرة وقعت في سمن‏:‏ إنما حرم من الميتة لحمها ودمها ولنا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن‏؟‏ فقال‏:‏ إن كان جامدا فخذوها وما حولها‏,‏ فألقوه وإن كان مائعا فلا تقربوه‏)‏ ولأن غير الماء ليس بطهور‏,‏ فلا يدفع النجاسة عن نفسه وحكم الجامد قد ذكرناه فيما تقدم واختلفت الرواية في الاستصباح بالزيت النجس فأكثر الروايات إباحته لأن ابن عمر أمر أن يستصبح به ويجوز أن تطلى به سفينة وهذا قول الشافعي وعن أحمد‏,‏ لا يجوز الاستصباح به وهو قول ابن المنذر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لا‏,‏ هو حرام‏)‏ وهذا في معناه ولنا أنه زيت أمكن الانتفاع به من غير ضرر فجاز كالطاهر وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في العجين الذي عجن بماء من آبار ثمود‏,‏ أنه نهاهم عن أكله وأمرهم أن يعلفوه النواضح وهذا الزيت ليس بميتة ولا هو من شحومها‏,‏ فيتناوله الخبر إذا ثبت هذا فإنه يستصبح به على وجه لا يمسه ولا تتعدى نجاسته إليه إما أن يجعل الزيت في إبريق له بلبلة‏,‏ ويصب منه في المصباح ولا يمسه وإما أن يدع على رأس الجرة التي فيها الزيت سراجا مثقوبا‏,‏ أو قنديلا فيه ثقب ويطينه على رأس إناء الزيت أو يشمعه‏,‏ وكلما نقص زيت السراج صب فيه ماء بحيث يرتفع الزيت فيملأ السراج‏,‏ وما أشبه هذا ولم ير أبو عبد الله أن تدهن بها الجلود وقال‏:‏ يجعل منه الأسقية والقرب ونقل عن عمر أنه تدهن به الجلود وعجب أحمد من هذا‏,‏ وقال‏:‏ إن في هذا لعجبا شيء يلبس يطيب بشيء فيه ميتة فعلى قول أحمد‏,‏ كل انتفاع يفضي إلى تنجيس إنسان لا يجوز وإن لم يفض إلى ذلك جاز فأما أكله‏:‏ فلا إشكال في تحريمه فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا تقربوه‏)‏ ولأن النجس خبيث وقد حرم الله الخبائث وأما بيعه‏,‏ فظاهر كلام أحمد - -رحمه الله- تحريمه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا حرم الله شيئا حرم ثمنه‏)‏ وقال أبو موسى‏:‏ لتوه بالسويق وبيعوه ولا تبيعوه من مسلم‏,‏ وبينوه وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أنه يباع لكافر بشرط أن يعلم بنجاسته لأن الكفار يعتقدون حله ويستبيحون أكله ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لعن الله اليهود‏,‏ حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها‏,‏ وأكلوا أثمانها إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه‏)‏ متفق عليه وكونهم يعتقدون حله لا يجوز لنا بيعه لهم كالخمر والخنزير‏.‏

فصل‏:‏

فأما شحوم الميتة‏,‏ وشحم الخنزير فلا يجوز الانتفاع به باستصباح ولا غيره ولا أن تطلى به السفن ولا الجلود لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله حرم الميتة والخنزير والأصنام قالوا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ شحوم الميتة تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح الناس‏؟‏ قال‏:‏ لا هي حرام‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏

إذا استصبح بالزيت النجس‏,‏ فدخانه نجس لأنه جزء يستحيل منه والاستحالة لا تطهر فإن علق بشيء‏,‏ وكان يسيرا عفي عنه لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه دم البراغيث‏,‏ وإن كان كثيرا لم يعف عنه‏.‏

فصل‏:

سئل أحمد عن خباز خبز خبزا ، فباع منه ، ثم نظر في الماء الذي عجن منه ، فإذا فيه فأرة ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا يبيع الخبز من أحد ، وإن باعه استرده ، فإن لم يعرف صاحبه ، تصدق بثمنه ، ويطعمه من الدواب ما لا يؤكل لحمه ، ولا يطعم ما يؤكل ، إلا أن يكون إذا أطعمه لم يذبح حتى يكون له ثلاثة أيام ‏.‏ على معنى الجلالة ‏.‏ قيل له ‏:‏ أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تنتفعوا من الميتة‏)‏‏؟‏ قال ‏:‏ ليس هذا بمنزلة الميت ، إنما اشتبه عليه ‏.‏ قيل له ‏:‏ فهو بمنزلة كسب الحجام ، يطعم الناضح والرقيق ‏؟‏ قال ‏:‏ هذا أشد عندي ، لا يطعم الرقيق ، لكن يعلفه البهائم ‏.‏ قيل له ‏:‏ أين الحجة ‏؟‏ قال ‏:‏ حدثنا عبد الصمد ، عن صخر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن قوما اختبزوا من آبار الذين مسخوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أطعموه النواضح‏)‏‏.‏

فصل‏:

قال أحمد ‏:‏ لا أرى أن يطعم كلبه المعلم الميتة ، ولا الطير المعلم ؛ لأنه يضريه على الميتة ، فإن أكل الكلب ، فلا أرى صاحبه حرجا ‏.‏ ولعل أحمد كره أن يكون الكلب المعلم إذا صاد وقتل أكل منه ، لتضريته بإطعامه الميتة ‏.‏ ولم يكره مالك إطعام كلبه وطيره الميتة ؛ لأنه غير مأكول ، إذا كان لا يشرب في إنائه ‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ أكره أكل الطين ولا يصح فيه حديث‏,‏ إلا أنه يضر بالبدن ويقال‏:‏ إنه رديء وتركه خير من أكله وإنما كرهه أحمد لأجل مضرته فإن كان منه ما يتداوى به كالطين‏,‏ الأرمني فلا يكره وإن كان مما لا مضرة فيه ولا نفع‏,‏ كالشيء اليسير جاز أكله لأن الأصل الإباحة والمعنى الذي لأجله كره ما يضر‏,‏ وهو منتف ها هنا فلم يكره‏.‏

فصل‏:‏

ويكره أكل البصل والثوم والكراث‏,‏ والفجل وكل ذي رائحة كريهة من أجل رائحته‏,‏ سواء أراد دخول المسجد أو لم يرد لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس‏)‏ رواه ابن ماجه وإن أكله لم يقرب من المسجد لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فلا يقربنا في مساجدنا‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وليس أكلها محرما لما روى أبو أيوب ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث إليه بطعام لم يأكل منه النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له‏,‏ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ فيه الثوم فقال‏:‏ يا رسول الله أحرام هو‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكنني أكرهه من أجل ريحه‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي‏:‏ ‏(‏كل الثوم‏,‏ فلولا أن الملك يأتيني لأكلته‏)‏ وإنما منع أكلها لئلا يؤذي الناس برائحته ولذلك نهى عن قربان المساجد فإن أتى المساجد كره له ذلك ولم يحرم عليه لما روى المغيرة بن شعبة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏أكلت ثوما وأتيت مصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد‏,‏ وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ريح الثوم فلما قضى صلاته قال‏:‏ من أكل من هذه الشجرة‏,‏ فلا يقربنا حتى يذهب ريحها فجئت فقلت‏:‏ يا رسول الله‏:‏ لتعطني يدك قال‏:‏ فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر‏,‏ فقال‏:‏ إن لك عذرا‏)‏ رواه أبو داود وقد روي عن أحمد أنه يأثم لأن ظاهر النهي التحريم ولأن أذى المسلمين حرام وهذا فيه أذاهم‏.‏

فصل‏:‏

ويكره أكل الغدة‏,‏ وأذن القلب لما روي عن مجاهد قال‏:‏ كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشاة ستا وذكر هذين ولأن النفس تعافهما وتستخبثهما ولا أظن أحمد كرههما إلا لذلك‏,‏ لا للخبر لأنه قال فيه‏:‏ هذا حديث منكر ولأن في الخبر ذكر الطحال وقد قال أحمد‏:‏ لا بأس به ولا أكره منه شيئا‏.‏

فصل‏:‏

وقيل لأبي عبد الله الجبن‏؟‏ قال‏:‏ يؤكل من كل وسئل عن الجبن الذي يصنعه المجوس‏؟‏ فقال ما أدري إلا أن أصح حديث فيه حديث الأعمش‏,‏ عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال‏:‏ سئل عمر عن الجبن‏,‏ وقيل له‏:‏ يعمل فيه الإنفحة الميتة فقال‏:‏ سموا أنتم وكلوا رواه أبو معاوية عن الأعمش وقال أليس الجبن الذي نأكله عامته يصنعه المجوس‏؟‏‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز أن يشتري الجوز الذي يتقامر به الصبيان‏,‏ ولا البيض الذي يتقامرون به يوم العيد لأنهم يأخذونه بغير حق‏.‏

فصل‏:

قال أحمد‏:‏ والضيافة على كل المسلمين كل من نزل عليه ضيف كان عليه أن يضيفه قيل إن ضاف الرجل ضيف كافر يضيفه‏؟‏ قال‏:‏ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم‏)‏ وهذا الحديث بين ولما أضاف المشرك دل على أن المسلم والمشرك يضاف‏,‏ وأنا أراه كذلك والضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر واليوم والليلة حق واجب وقال الشافعي‏:‏ ذلك مستحب وليس بواجب لأنه غير مضطر إلى طعامه فلم يجب عليه بذله‏,‏ كما لو لم يضفه ولنا ما روى المقدام أبو كريمة قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ليلة الضيف حق واجب فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه إن شاء اقتضى‏,‏ وإن شاء ترك‏)‏ حديث صحيح وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن نصره على كل مسلم حق‏,‏ يأخذ بحقه من زرعه وماله‏)‏ رواه أبو داود والواجب يوم وليلة والكمال ثلاثة أيام لما روى أبو شريح الخزاعي قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الضيافة ثلاثة أيام‏,‏ وجائزته يوم وليلة ولا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه قالوا‏:‏ يا رسول الله كيف يؤثمه‏؟‏ قال‏:‏ يقيم عنده وليس عنده ما يقريه‏)‏ متفق عليه قال أحمد‏:‏ جائزته يوم وليلة ‏"‏ كأنه أوكد من سائر الثلاثة‏,‏ ولم يرد يوما وليلة سوى الثلاثة لأنه يصير أربعة أيام وقد قال‏:‏ ‏"‏ وما زاد على الثلاثة فهو صدقة ‏"‏ فإن امتنع من إضافته‏,‏ فللضيف بقدر ضيافته قال أحمد‏:‏ له أن يطالبهم بحقه الذي جعله له النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يأخذ شيئا إلا بعلم أهله وعنه رواية أخرى أن له أن يأخذ ما يكفيه بغير إذنهم لما روى عقبة بن عامر‏,‏ قال‏:‏ قلنا‏:‏ يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا قال‏:‏ ‏(‏إذا نزلتم بقوم‏,‏ فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا‏,‏ فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم‏)‏ متفق عليه وقال أحمد في تفسير قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏فله أن يعقبهم بمثل قراه‏)‏ يعني أن يأخذ من أرضهم وزرعهم وضرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم وعن أحمد‏,‏ رواية أخرى أن الضيافة على أهل القرى دون أهل الأمصار قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن الضيافة أي شيء تذهب فيها‏؟‏ قال هي مؤكدة‏,‏ وكأنها على أهل الطرق والقرى الذين يمر بهم الناس أوكد فأما مثلنا الآن فكأنه ليس مثل أولئك‏.‏

فصل‏:

قال المروذي‏:‏ سألت أبا عبد الله‏,‏ قلت‏:‏ تكره الخبز الكبار‏؟‏ قال‏:‏ نعم أكرهه ليس فيه بركة‏,‏ إنما البركة في الصغار وقال‏:‏ مرهم أن لا يخبزوا كبارا قال‏:‏ رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء وقال مهنا‏:‏ ذكرت ليحيى بن معين حديث قيس بن الربيع عن أبي هاشم‏,‏ عن زاذان عن سلمان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏بركة الطعام الوضوء قبله وبعده‏)‏ فقال لي يحيى‏:‏ ما أحسن الوضوء قبله وبعده وذكرت الحديث لأحمد فقال‏:‏ ما حدث بهذا إلا قيس بن الربيع‏,‏ وهو منكر الحديث قلت‏:‏ بلغني عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام لم كره سفيان ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لأنه من زي العجم قلت‏:‏ بلغني عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ كان سفيان يكره أن يكون تحت القصعة الرغيف‏,‏ لم كرهه سفيان‏؟‏ قال‏:‏ كره أن يستعمل الطعام قلت‏:‏ تكرهه أنت‏؟‏ قال‏:‏ نعم وروي عن عقيل قال‏:‏ حضرت مع ابن شهاب وليمة ففرشوا المائدة بالخبز‏,‏ فقال‏:‏ لا تتخذوا الخبز بساطا وقال المروذي‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ إن أبا معمر قال‏:‏ إن أبا أسامة قدم إليهم خبزا فكسره قال‏:‏ هذا لئلا تعرفوا كم تأكلون وقيل لأبي عبد الله‏:‏ يكره الأكل متكئا‏؟‏ قال‏:‏ أليس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا آكل متكئا‏)‏ رواه أبو داود وعن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏ما رئي رسول الله يأكل متكئا قط‏)‏ رواه أبو داود وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل الرجل وهو منبطح‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:

وتستحب التسمية عند الطعام وحمد الله عند آخره لما روى عمر بن أبي مسلمة قال‏:‏ أكلت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فجالت يدي في القصعة‏,‏ فقال‏:‏ ‏(‏سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك‏)‏ قال فمازالت أكلتي بعد رواه ابن ماجه بمعناه‏,‏ وأبو داود وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي هريرة قال‏:‏ لا أعلمه إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏للطاعم الشاكر مثل ما للصائم الصابر‏)‏ قال أحمد‏:‏ معناه إذا أكل وشرب‏,‏ يشكر الله ويحمده على ما رزقه وعن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله‏,‏ فليقل‏:‏ باسم الله أوله وآخره‏)‏ رواه أبو داود وعن معاذ بن أنس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من أكل طعاما فقال‏:‏ الحمد لله الذي أطعمني هذا‏,‏ ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل طعاما قال‏:‏ الحمد لله الذي أطعمنا‏,‏ وسقانا وجعلنا مسلمين‏)‏ وعن أبي أمامة ‏(‏‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفع طعامه أو ما بين يديه‏,‏ قال‏:‏ الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع‏)‏ رواهن ابن ماجه

فصل‏:‏

ويأكل بيمينه‏,‏ ويشرب بها لما روى ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله‏,‏ ويشرب بشماله‏)‏ رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه ويستحب الأكل بثلاث أصابع لما روى كعب بن مالك‏,‏ قال‏:‏ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الإمام أحمد وذكر له حديث ترويه ابنة الزهري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل بكفه كلها‏,‏ فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث أصابع وروي عن أحمد أنه أكل خبيصا بكفه كلها وروي عن عبد الله بن بريدة أنه كان ينهى بناته أن يأكلن بثلاث أصابع‏,‏ وقال‏:‏ لا تشبهن بالرجال‏.‏

فصل‏:‏

قال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا تقطعوا اللحم بالسكين فإن ذلك صنيع الأعاجم‏)‏ فقال‏:‏ ليس بصحيح‏,‏ لا نعرف هذا وقال‏:‏ حديث عمرو بن أمية الضمري خلاف هذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحتز من لحم الشاة فقام إلى الصلاة‏,‏ وطرح السكين وحديث مسعر عن جامع بن شداد عن المغيرة اليشكري‏,‏ عن المغيرة بن شعبة‏:‏ ‏(‏ضفت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فأمر بجنب فشوي ثم أخذ الشفرة فجعل يحز‏,‏ فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فألقى الشفرة‏)‏ قال‏:‏ وسألت أحمد عن حديث أبي جحيفة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏اكفف جشاءك يا أبا جحيفة فإن أكثركم شبعا اليوم أكثركم جوعا يوم القيامة‏)‏ فقال هو ويحيى جميعا‏:‏ ليس بصحيح‏.‏

فصل‏:‏

وروي عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الإناء‏)‏ وعن أنس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏ما أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- على خوان ولا في سكرجة قال قتادة‏:‏ فعلام كانوا يأكلون‏؟‏ قال‏:‏ على السفر‏)‏ وعن عائشة ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يقام على الطعام حتى يرفع‏)‏ وعن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا وضعت المائدة فلا يقم رجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم‏,‏ وليعذر فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة‏)‏ وعن نبيشة‏,‏ قال‏:‏ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة‏)‏ وعن جابر قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يمسح أحدكم يده حتى يلعقها‏,‏ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة‏)‏ رواهن ابن ماجه‏.‏

فصل‏:‏

وسئل أبو عبد الله عن غسل اليد بالنخالة‏؟‏ فقال‏:‏ لا بأس به نحن نفعله وسئل عن الرجل يأتي القوم وهم على طعام‏,‏ فجأة لم يدع إليه فلما دخل إليهم دعوه هل يأكل‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ وما بأس وسئل عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏,‏ أنه ادخر لأهله قوت سنة‏)‏ هو صحيح‏؟‏ قال‏:‏ نعم ولكنهم يختلفون في لفظه‏.‏

فصل‏:‏

عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى سعد بن عبادة‏,‏ فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أفطر عندكم الصائمون‏,‏ وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة‏)‏ وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعاما‏,‏ فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فلما فرغوا قال‏:‏ أثيبوا أخاكم‏)‏ قالوا يا رسول الله وما إثابته‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إن الرجل إذا دخل بيته‏,‏ فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له‏,‏ فذلك إثابته‏)‏ رواه أبو داود والله أعلم‏.‏