فصل: مسألة: إذا حلف‏‏ فقال‏:‏ إن شاء الله ـ تعالى فإن شاء فعل وإن شاء ترك ولا كفارة عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وإن كان الحنث في اليمين محظورا فعجل الكفارة قبله‏,‏ ففيه وجهان أجل أحدهما تجزئه لأنه عجل الكفارة بعد سببها فأجزأته كما لو كان الحنث مباحا والثاني‏,‏ لا تجزئه لأن التعجيل رخصة فلا يستباح بالمعصية كالقصر في سفر المعصية والحديث لم يتناول المعصية فإنه قال‏:‏ ‏(‏إذا حلفت على يمين‏,‏ فرأيت غيرها خيرا منها فكفر‏)‏ وهذا لم ير غيرها خيرا منها ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كما ذكرنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا حلف‏,‏ فقال‏:‏ إن شاء الله ـ تعالى فإن شاء فعل وإن شاء ترك ولا كفارة عليه‏,‏ إذا لم يكن بين الاستثناء واليمين كلام وجملة ذلك أن الحالف إذا قال‏:‏ إن شاء الله مع يمينه فهذا يسمى استثناء فإن ابن عمر روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من حلف‏,‏ فقال‏:‏ إن شاء الله فقد استثنى‏)‏ رواه أبو داود وأجمع العلماء على تسميته استثناء وأنه متى استثنى في يمينه لم يحنث فيها والأصل في ذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏من حلف فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث‏)‏ رواه الترمذي وروى أبو داود‏:‏ ‏(‏من حلف‏,‏ فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك‏)‏ ولأنه متى قال‏:‏ لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشأ الله ذلك‏,‏ فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن إذا ثبت هذا فإنه يشترط أن يكون الاستثناء متصلا باليمين‏,‏ بحيث لا يفصل بينهما كلام أجنبي ولا يسكت بينهما سكوتا يمكنه الكلام فيه فأما السكوت لانقطاع نفسه أو صوته‏,‏ أو عى أو عارض من عطسة‏,‏ أو شيء غيرها فلا يمنع صحة الاستثناء وثبوت حكمه‏,‏ وبهذا قال مالك والشافعي والثوري‏,‏ وأبو عبيد وإسحاق الرأي لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏من حلف فاستثنى‏)‏ وهذا يقتضي كونه عقيبه‏,‏ ولأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله به كالشرط وجوابه‏,‏ وخبر المبتدأ والاستثناء بإلا ولأن الحالف إذا سكت ثبت حكم يمينه‏,‏ وانعقدت موجبة لحكمها وبعد ثبوته لا يمكن دفعه ولا تغييره قال أحمد‏:‏ حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن بن سمرة‏:‏ ‏(‏إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها‏,‏ فكفر عن يمينك‏)‏ ولم يقل‏:‏ فاستثن ولو جاز الاستثناء في كل حال لم يحنث حانث به وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أنه يجوز الاستثناء إذا لم يطل الفصل بينهما قال في رواية المروذي‏:‏ حديث ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏والله لأغزون قريشا ثم سكت‏,‏ ثم قال‏:‏ إن شاء الله‏)‏ إنما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره ونقل عنه إسماعيل بن سعيد مثل هذا وزاد قال‏:‏ ولا أقول فيه بقول هؤلاء يعني من لم ير ذلك إلا متصلا ويحتمل كلام الخرقي هذا لأنه قال‏:‏ إذا لم يكن بين الاستثناء واليمين كلام ولم يشترط اتصال الكلام وعدم السكوت وهذا قول الأوزاعي‏,‏ قال في رجل حلف‏:‏ لا أفعل كذا وكذا ثم سكت ساعة لا يتكلم ولا يحدث نفسه بالاستثناء فقال له إنسان‏:‏ قل‏:‏ إن شاء الله فقال‏:‏ إن شاء الله أيكفر‏,‏ يمينه‏؟‏ قال‏:‏ أراه قد استثنى وقال قتادة‏:‏ له أن يستثني قبل أن يقوم أو يتكلم ووجه ذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استثنى بعد سكوته إذ قال‏:‏ ‏(‏والله لأغزون قريشا ثم سكت‏,‏ ثم قال‏:‏ إن شاء الله‏)‏ واحتج به أحمد ورواه أبو داود وزاد‏:‏ قال الوليد بن مسلم‏:‏ ثم لم يغزهم ويشترط‏,‏ على هذه الرواية أن لا يطيل الفصل بينهما ولا يتكلم بينهما بكلام أجنبي وحكى ابن أبي موسى‏,‏ عن بعض أصحابنا أنه قال‏:‏ يصح الاستثناء ما دام في المجلس وحكى ذلك عن الحسن وعطاء وعن عطاء أنه قال‏:‏ قدر حلب الناقة الغروزة‏,‏ وعن ابن عباس أن له أن يستثني بعد حين وهو قول مجاهد وهذا القول لا يصح لما ذكرناه وتقديره بمجلس أو غيره لا يصلح لأن التقديرات بابها التوقيف‏,‏ فلا يصار إليها بالتحكم‏.‏

فصل‏:‏

ويشترط أن يستثني بلسانه ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي‏,‏ ومالك والثوري والأوزاعي‏,‏ والليث والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وأبو حنيفة وابن المنذر‏,‏ ولا نعلم لهم مخالفا لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏من حلف فقال‏:‏ إن شاء الله‏)‏ والقول هو النطق ولأن اليمين لا تنعقد بالنية‏,‏ فكذلك الاستثناء وقد روي عن أحمد‏:‏ إن كان مظلوما فاستثنى في نفسه رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه فهذا في حق الخائف على نفسه لأن يمينه غير منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول وأما في حق غيره فلا‏.‏

فصل‏:‏

واشترط القاضي أن يقصد الاستثناء فلو أراد الجزم‏,‏ فسبق لسانه إلى الاستثناء من غير قصد أو كانت عادته جارية بالاستثناء فجرى لسانه على العادة من غير قصد‏,‏ لم يصح لأن اليمين لما لم ينعقد من غير قصد فكذلك الاستثناء وهذا مذهب الشافعي وذكر بعضهم أنه لا يصح الاستثناء حتى يقصده مع ابتداء يمينه فلو حلف غير قاصد للاستثناء‏,‏ ثم عرض له بعد فراغه من اليمين فاستثنى لم ينفعه ولا يصح لأن هذا يخالف عموم الخبر فإنه قال‏:‏ ‏(‏من حلف فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث‏)‏ ولأن لفظ الاستثناء يكون عقيب يمينه‏,‏ فكذلك نيته

فصل‏:‏

يصح الاستثناء في كل يمين مكفرة كاليمين بالله تعالى والظهار‏,‏ والنذر قال ابن أبي موسى‏:‏ من استثنى في يمين تدخلها كفارة فله ثنياه لأنها أيمان مكفرة‏,‏ فدخلها الاستثناء كاليمين بالله تعالى فلو قال‏:‏ أنت على كظهر أمي‏,‏ ـ إن شاء الله تعالى ـ أو‏:‏ أنت على حرام إن شاء الله أو‏:‏ إن دخلت الدار فأنت على كظهر أمي‏,‏ إن شاء الله أو‏:‏ لله على أن أتصدق بمائة درهم إن شاء الله لم يلزمه شيء لأنها أيمان فتدخل في عموم قوله‏:‏ ‏(‏من حلف فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ والله لأشربن اليوم‏,‏ إلا أن يشاء الله أو‏:‏ لا أشرب إلا أن يشاء الله لم يحنث بالشرب ولا بتركه لما ذكرنا في الإثبات ولا فرق بين تقديم الاستثناء وتأخيره في هذا كله فإذا قال‏:‏ والله إن شاء الله‏,‏ لا أشرب اليوم أو‏:‏ لأشربن اليوم ففعل أو ترك لم يحنث لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء قال الله ـ تعالى‏:‏ ‏{‏إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 176‏]‏‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ والله لأشربن اليوم‏,‏ إن شاء زيد فشاء زيد لزمه الشرب فإن تركه حتى مضى اليوم حنث‏,‏ وإن لم يشأ زيد لم يلزمه يمين فإن لم تعلم مشيئته لغيبة أو جنون أو موت انحلت اليمين لأنه لم يوجد الشرط وإن قال‏:‏ والله لا أشرب‏,‏ إلا أن يشاء زيد فقد منع نفسه الشرب إلا أن توجد مشيئة زيد فإن شاء فله الشرب وإن لم يشأ لم يشرب وإن خفيت مشيئته لغيبة أو موت أو جنون‏,‏ لم يشرب وإن شرب حنث لأنه منع نفسه إلا أن توجد المشيئة فلم يكن له أن يشرب قبل وجودها وإن قال‏:‏ والله لأشربن‏,‏ إلا أن يشاء زيد فقد ألزم نفسه الشرب إلا أن يشاء زيد أن لا يشرب لأن الاستثناء ضد المستثنى منه والمستثنى منه إيجاب لشربه بيمينه فإن شرب قبل مشيئة زيد بر وإن قال زيد‏:‏ قد شئت أن لا يشرب انحلت اليمين لأنها معلقة بعدم مشيئته لترك الشرب‏,‏ ولم تتقدم فلم يوجد شرطها وإن قال‏:‏ قد شئت أن يشرب أو‏:‏ ما شئت أن لا يشرب لم تنحل اليمين لأن هذه المشيئة غير المستثناة فإن خفيت مشيئته‏,‏ لزمه الشرب لأنه علق وجوب الشرب بعدم المشيئة وهي معدومة بحكم الأصل وإن قال‏:‏ والله لا أشرب اليوم إن شاء زيد فقال زيد‏:‏ قد شئت أن لا تشرب فشرب حنث‏,‏ وإن شرب قبل مشيئته لم يحنث لأن الامتناع من الشرب معلق بمشيئته ولم تثبت مشيئته‏,‏ فلم يثبت الامتناع بخلاف التي قبلها وإن خفيت مشيئته فهي في حكم المعدومة والمشيئة في هذه المواضع أن يقول بلسانه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا استثنى في الطلاق والعتاق‏,‏ فأكثر الروايات عن أبي عبد الله ـ رحمه الله ـ أنه توقف عن الجواب وقد قطع في موضع‏,‏ أنه لا ينفعه الاستثناء يعني إذا قال لزوجته‏:‏ أنت طالق إن شاء الله أو لعبده‏:‏ أنت حر إن شاء الله فقد توقف أحمد في الجواب لاختلاف الناس فيها‏,‏ وتعارض الأدلة وفي موضع قطع أنه لا ينفعه الاستثناء فيهما قال في رواية إسحاق بن منصور وحنبل‏:‏ من حلف‏,‏ فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث وليس له استثناء في الطلاق والعتاق قال حنبل‏:‏ قال‏:‏ لأنهما ليسا من الأيمان وبه قال مالك والأوزاعي‏,‏ والحسن وقتادة وقال طاوس وحماد‏,‏ والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي‏:‏ يجوز الاستثناء فيهما لقول النبي‏:‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏من حلف فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث‏)‏ ولأنه علق الطلاق والعتاق بشرط لم يتحقق وجوده‏,‏ فلم يقعا كما لو علقه بمشيئة زيد ولم تتحقق مشيئته ولنا‏,‏ أنه أوقع الطلاق والعتاق في محل قابل فوقع كما لو لم يستثن‏,‏ والحديث إنما تناول الأيمان وليس هذا بيمين إنما هو تعليق على شرط قال ابن عبد البر‏:‏ إنما ورد التوقيف بالاستثناء في اليمين بالله ـ تعالى‏,‏ وقول المتقدمين‏:‏ الأيمان بالطلاق والعتاق إنما جاء على التقريب والاتساع ولا يمين في الحقيقة إلا بالله ـ تعالى وهذا طلاق وعتاق وقد ذكرنا هذه المسألة‏:‏ في الطلاق بأبسط من هذا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ولو حلف أن لا ينكح فلانة‏,‏ أو‏:‏ لا اشتريت فلانة فنكحها نكاحا فاسدا أو اشتراها شراء فاسدا لم يحنث وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا قال لعبده‏:‏ إن زوجتك‏,‏ أو بعتك فأنت حر فزوجه تزويجا فاسدا لم يعتق‏,‏ وإن باعه بيعا فاسدا يملك به حنث لأن البيع الفاسد عنده يثبت به الملك إذا اتصل به القبض ولنا‏,‏ أن اسم البيع ينصرف إلى الصحيح بدليل أن قول الله ـ تعالى‏:‏ ‏{‏وأحل الله البيع‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏‏.‏ وأكثر ألفاظه في البيع إنما ينصرف إلى الصحيح فلا يحنث بما دونه كما في النكاح‏,‏ وكالصلاة وغيرهما وما ذكروه من ثبوت الملك به لا نسلمه وقال ابن أبي موسى‏:‏ لا يحنث بالنكاح الفاسد وهل يحنث بالبيع الفاسد‏؟‏ على روايتين وقال أبو الخطاب‏:‏ إن نكحها نكاحا مختلفا فيه‏,‏ مثل أن يتزوجها بلا ولي ولا شهود أو باع في وقت النداء فعلى وجهين وقال ابن أبي موسى إن تزوجها تزويجا مختلفا فيه‏,‏ أو ملك ملكا مختلفا فيه حنث فيهما جميعا ولنا أنه نكاح فاسد‏,‏ وبيع فاسد فلم يحنث بهما كالمتفق على فسادهما‏.‏

فصل‏:‏

والماضي والمستقبل سواء في هذا وقال محمد بن الحسن‏:‏ إذا حلف ما صليت ولا تزوجت‏,‏ ولا بعت وكان قد فعله فاسدا حنث لأن الماضي لا يقصد منه إلا الاسم‏,‏ والاسم يتناوله والمستقبل بخلافه فإنه يراد بالنكاح والبيع الملك‏,‏ وبالصلاة القربة ولنا أن ما لا يتناوله الاسم في المستقبل لا يتناوله في الماضي‏,‏ كالإيجاب وكغير المسمى وما ذكروه لا يصح لأن الاسم لا يتناوله إلا الشرعي ولا يحصل‏.‏

فصل‏:‏

وإن حلف لا يبيع‏,‏ أو لا يزوج فأوجب البيع والنكاح ولم يقبل المتزوج والمشتري‏,‏ لم يحنث وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا لأن البيع والنكاح عقدان لا يتمان إلا بالقبول فلم يقع الاسم على الإيجاب بدونه فلم يحنث به وإن حلف لا يهب‏,‏ ولا يعير فأوجب ذلك ولم يقبل الآخر فقال القاضي‏:‏ يحنث وهو قول أبي حنيفة‏,‏ وابن سريج لأن الهبة والعارية لا عوض فيهما فكان مسماهما الإيجاب‏,‏ والقبول شرط لنقل الملك وليس هو من السبب فيحنث بمجرد الإيجاب فيهما‏,‏ كالوصية وقال الشافعي‏:‏ لا يحنث بمجرد الإيجاب لأنه عقد لا يتم إلا بالقبول فلم يحنث فيه بمجرد الإيجاب كالنكاح والبيع فأما الوصية والهدية والصدقة‏,‏ فقال أبو الخطاب‏:‏ يحنث فيها بمجرد الإيجاب ولا أعلم قول الشافعي فيها إلا أن الظاهر أنه لا يخالف في الوصية والهدية لأن الاسم يقع عليهما بدون القبول ولهذا لما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 180‏]‏‏.‏ إنما أراد الإيجاب دون القبول‏,‏ ولأن الوصية صحيحة قبل موت الموصى ولا قبول لها حينئذ‏.‏

فصل‏:‏

وإن حلف لا يتزوج حنث بمجرد الإيجاب‏,‏ والقبول الصحيح لا نعلم فيه خلافًا لأن ذلك يحصل به المسمى الشرعي فتناوله يمينه وإن حلف ليتزوجن بر بذلك‏,‏ سواء كانت له امرأة أو لم يكن وسواء تزوج نظيرتها أو دونها أو أعلى منها إلا أن يحتال على حل يمينه بتزويج لا يحصل مقصودها‏,‏ مثل أن يواطئ امرأته على نكاح لا يغيظها به ليبر في يمينه فلا يبر بهذا وقال أصحابنا‏:‏ إذا حلف ليتزوجن على امرأته‏,‏ لا يبر حتى يتزوج نظيرتها ويدخل بها وهو قول مالك لأنه قصد غيظ زوجته ولا يحصل إلا بذلك ولنا‏,‏ أنه تزوج تزويجا صحيحا فبر به كما لو تزوج نظيرتها‏,‏ ودخل بها وقولهم‏:‏ إن الغيظ لا يحصل إلا بتزويج نظيرتها والدخول بها غير مسلم فإن الغيظ يحصل بمجرد الخطبة‏,‏ وإن حصل بما ذكروه زيادة في الغيظ فلا تلزمه الزيادة على الغيظ الذي يحصل بما تناولته يمينه كما أنه لا يلزمه نكاح اثنتين ولا ثلاث ولا أعلى من نظيرتها‏,‏ والذي تناولته يمينه مجرد التزويج ولذلك لو حلف لا يتزوج على امرأته حنث بهذا‏,‏ فكذلك يحصل البر به لأن المسمى واحد فما تناوله النفي تناوله في الإثبات وإنما لا يبر إذا تزوج تزويجا لا يحصل به الغيظ‏,‏ كما ذكرناه من الصورة ونظائرها لأن مبنى الأيمان على المقاصد والنيات ولم يحصل مقصوده ولأن التزويج ها هنا يحصل حيلة على التخلص من يمينه بما لا يحصل مقصودها‏,‏ فلم تقبل منه حيلته وقد نص أحمد على هذا فقال‏:‏ إذا حلف ليتزوجن على امرأته فتزوج بعجوز أو زنجية‏,‏ لا يبر لأنه أراد أن يغيرها ويغمها وبهذا لا تغار ولا تغتم فعلله أحمد بما لا يغيظ به الزوجة ولم يعتبر أن تكون نظيرتها لأن الغيظ لا يتوقف على ذلك‏,‏ ولو قدر أن تزوج العجوز يغيظها والزنجية لبر به وإنما ذكره أحمد لأن الغالب أنه لا يغيظها‏,‏ لأنها تعلم أنه إنما فعل ذلك حيلة لئلا يغيظها ويبر به‏.‏