فصل: كتاب العارية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب العارية

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير‏]‏ العارية‏:‏ إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال مشتقة من عار الشيء‏:‏ إذا ذهب وجاء ومنه قيل للبطال‏:‏ عيار لتردده في بطالته‏,‏ والعرب تقول‏:‏ أعاره وعاره مثل أطاعه وطاعه والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويمنعون الماعون‏}‏ ‏[‏الماعون‏:‏ 7‏]‏‏.‏ روي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا‏:‏ العواري وفسرها ابن مسعود فقال‏:‏ القدر والميزان والدلو وأما السنة‏,‏ فما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في خطبة عام حجة الوداع‏:‏ ‏(‏العارية مؤداة والدين مقضي والمنحة مردودة‏,‏ والزعيم غارم‏)‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب وروى صفوان بن أمية ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعار منه أدرعا يوم حنين فقال‏:‏ أغصبا يا محمد‏؟‏ قال‏:‏ بل عارية مضمونة‏)‏ رواه أبو داود وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها‏,‏ ولأنه لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعا إذا ثبت هذا‏,‏ فإن العارية مندوب إليها وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم‏,‏ وقيل‏:‏ هي واجبة للآية ولما روى أبو هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها الحديث قيل‏:‏ يا رسول الله‏:‏ وما حقها‏؟‏ قال‏:‏ إعارة دلوها‏,‏ وإطراق فحلها ومنحة لبنها يوم وردها‏)‏ فذم الله تعالى مانع العارية وتوعده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما ذكر في خبره ولنا‏,‏ قول النبي‏:‏ ‏(‏إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك‏)‏ رواه ابن المنذر وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ليس في المال حق سوى الزكاة‏)‏ وفي حديث الأعرابي ‏(‏الذي سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ماذا فرض الله على من الصدقة‏؟‏ قال‏:‏ الزكاة فقال‏:‏ هل على غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا أن تطوع شيئا أو كما قال‏)‏ والآية فسرها ابن عمر والحسن البصري بالزكاة‏,‏ وكذلك زيد بن أسلم وقال عكرمة‏:‏ إذا جمع ثلاثتها فله الويل إذا سها عن الصلاة وراءى‏,‏ ومنع الماعون ويجب رد العارية إن كانت باقية بغير خلاف ويجب ضمانها إذا كانت تالفة تعدى فيها المستعير أو لم يتعد روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وإليه ذهب عطاء والشافعي وإسحاق وقال الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن شبرمة‏:‏ هي أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه‏,‏ عن جده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ليس على المستعير غير المغل ضمان‏)‏ ولأنه قبضها بإذن مالكها‏,‏ فكانت أمانة كالوديعة قالوا‏:‏ وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏العارية مؤداة‏)‏ يدل على أنها أمانة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏ ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث صفوان‏:‏ ‏(‏بل عارية مضمونة‏)‏ وروى الحسن عن سمرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏على اليد ما أخذت حتى تؤديه‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف‏,‏ فكان مضمونا كالغصب والمأخوذ على وجه السوم وحديثهم يرويه عمر بن عبد الجبار عن عبيد بن حسان‏,‏ عن عمرو بن شعيب وعمر وعبيد ضعيفان قاله الدارقطني ويحتمل أنه أراد ضمان المنافع والأجزاء وقياسهم منقوض بالمقبوض على وجه السوم‏.‏

فصل‏:‏

وإن شرط نفي الضمان‏,‏ لم يسقط وبهذا قال الشافعي وقال أبو حفص العكبري‏:‏ يسقط قال أبو الخطاب أومأ إليه أحمد وهو قول قتادة والعنبري لأنه لو أذن في إتلافها لم يجب ضمانها فكذلك إذا أسقط عنه ضمانها وقيل‏:‏ بل مذهب قتادة والعنبري أنها لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها فيجب لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لصفوان‏:‏ ‏(‏بل عارية مضمونة‏)‏ ولنا أن كل عقد اقتضى الضمان‏,‏ لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع صحيح أو فاسد وما اقتضى الأمانة‏,‏ فكذلك كالوديعة والشركة والمضاربة والذي كان من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إخبار بصفة العارية وحكمها وفارق ما إذا أذن في الإتلاف‏,‏ فإن الإتلاف فعل يصح الإذن فيه ويسقط حكمه إذ لا ينعقد موجبا للضمان مع الإذن فيه‏,‏ وإسقاط الضمان ها هنا نفي للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك ولا يملك الإذن فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا انتفع بها‏,‏ وردها على صفتها فلا شيء عليه لأن المنافع مأذون في إتلافها فلا يجب عوضها وإن تلف شيء من أجزائها التي لا تذهب بالاستعمال‏,‏ فعليه ضمانها لأن ما ضمن جملته ضمنت أجزاؤه كالمغصوب وأما أجزاؤها التي تذهب بالاستعمال كحمل المنشفة والقطيفة‏,‏ وخف الثوب يلبسه ففيه وجهان أحدهما يجب ضمانه لأنها أجزاء عين مضمونة‏,‏ فكانت مضمونة كما لو كانت مغصوبة ولأنها أجزاء يجب ضمانها لو تلفت العين قبل استعمالها‏,‏ فتضمن إذا تلفت وحدها كسائر الأجزاء والثاني لا يضمنها وهو قول الشافعي لأن الإذن في الاستعمال تضمنه‏,‏ فلا يجب ضمانه كالمنافع وكما لو أذن في إتلافها صريحا وفارق ما إذا تلفت العين قبل استعمالها لأنه لا يمكن تمييزها من العين‏,‏ ولأنه إنما أذن في إتلافها على وجه الانتفاع فإذا تلفت قبل ذلك فقد تلفت على غير الوجه الذي أذن فيه فضمنها‏,‏ كما لو أجر العين المستعارة فإنه يضمن منافعها فإذا قلنا‏:‏ لا يضمن الأجزاء فتلفت العين بعد ذهابها بالاستعمال فإنها تقوم حال التلف لأن الأجزاء التالفة تلفت غير مضمونة‏,‏ لكونها مأذونا في إتلافها فلا يجوز تقويمها عليه وإن قلنا‏:‏ يجب ضمان الأجزاء قومت العين قبل تلف أجزائها وإن تلفت العين قبل ذهاب أجزائها ضمنها كلها بأجزائها وكذلك لو تلفت الأجزاء باستعمال غير مأذون فيه مثل أن يعيره ثوبا ليلبسه‏,‏ فحمل فيه ترابا فإنه يضمن نقصه ومنافعه لأنه تلف بتعديه وإن تلف بغير تعد منه ولا استعمال كتلفها لطول الزمان عليها ووقوع نار عليها‏,‏ فينبغي أن يضمن ما تلف منها بالنار ونحوها لأنه تلف لم يتضمنه الاستعمال المأذون فيه فأشبه تلفها بفعل غير مأذون فيه وما تلف بمرور الزمان عليه يكون حكمه حكم ما تلف بالاستعمال لأنه تلف بالإمساك المأذون فيه‏,‏ فأشبه تلفه بالفعل المأذون فيه‏.‏

فصل‏:‏

فأما ولد العارية فلا يجب ضمانه في أحد الوجهين لأنه لم يدخل في الإعارة‏,‏ فلم يدخل في الضمان ولا فائدة للمستعير فيه فأشبه الوديعة‏,‏ ويضمنه في الآخر لأنه ولد عين مضمونة فيضمن كولد المغصوبة والأول أصح فإن ولد المغصوبة لا يضمن إذا لم يكن مغصوبا وكذلك ولد العارية إذا لم يوجد مع أمه وإنما يضمن ولد المغصوبة إذا كان مغصوبا‏,‏ فلا أثر لكونه ولدا لها‏.‏

فصل‏:‏

ويجب ضمان العين بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال فإن لم تكن مثلية ضمنها بقيمتها يوم تلفها‏,‏ إلا على الوجه الذي يجب فيه ضمان الأجزاء التالفة بالانتفاع المأذون فيه فإنه يضمنها بقيمتها قبل تلف أجزائها إن كانت قيمتها حينئذ أكثر‏,‏ وإن كانت أقل ضمنها بقيمتها يوم تلفها على الوجهين جميعا‏.‏

فصل‏:‏

وإن كانت العين باقية‏,‏ فعلى المستعير ردها إلى المعير أو وكيله في قبضها ويبرأ ذلك من ضمانها وإن ردها إلى المكان الذي أخذها منه أو إلى ملك صاحبها‏,‏ لم يبرأ من ضمانها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لأنها صارت كالمقبوضة فإن رد العواري في العادة يكون إلى أملاك أربابها فيكون مأذونا فيه من طريق العادة ولنا‏,‏ أنه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها فلم يبرأ منها كما لو دفعها إلى أجنبي وما ذكره يبطل بالسارق إذا رد المسروق إلى الحرز‏,‏ ولا تعرف العادة التي ذكرها وإن ردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يديه كزوجته المتصرفة في ماله ورد الدابة إلى سائسها‏,‏ فقياس المذهب أنه يبرأ قاله القاضي لأن أحمد قال في الوديعة‏:‏ إذا سلمها المودع إلى امرأته لم يضمنها ولأنه مأذون في ذلك عرفا أشبه ما لو أذن فيه نطقا ومؤنة الرد على المستعير لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏العارية مؤداة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏على اليد ما أخذت حتى تؤديه‏)‏ وعليه ردها إلى الموضع الذي أخذها منه إلا أن يتفقا على ردها إلى غيره لأن ما وجب رده‏,‏ لزم رده إلى موضعه كالمغصوب‏.‏

فصل‏:‏

ولا تصح العارية إلا من جائز التصرف لأنه تصرف في المال فأشبه التصرف بالبيع وتعقد بكل فعل أو لفظ يدل عليها‏,‏ مثل قوله‏:‏ أعرتك هذا أو يدفع إليه شيئا ويقول‏:‏ أبحتك الانتفاع به أو خذ هذا فانتفع به أو يقول‏:‏ أعرني هذا أو أعطنيه أركبه أو أحمل عليه ويسلمه إليه وأشباه هذا لأنه إباحة للتصرف فصح بالقول والفعل الدال عليه‏,‏ كإباحة الطعام بقوله وتقديمه إلى الضيف‏.‏

فصل‏:‏

وتجوز إعارة كل عين ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها على الدوام كالدور والعقار‏,‏ والعبيد والجواري والدواب‏,‏ والثياب والحلي للبس والفحل للضراب‏,‏ والكلب للصيد وغير ذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعار أدرعا وذكر إعارة دلوها وفحلها وذكر ابن مسعود عارية القدر والميزان‏,‏ فيثبت الحكم في هذه الأشياء وما عداها مقيس عليها إذا كان في معناها ولأن ما جاز للمالك استيفاؤه من المنافع‏,‏ ملك إباحته إذا لم يمنع منه مانع كالثياب ولأنها أعيان تجوز إجارتها فجازت إعارتها كالثياب ويجوز استعارة الدراهم والدنانير ليزن بها‏,‏ فإن استعارها لينفقها فهذا قرض وهذا قول أصحاب الرأي وقيل‏:‏ ليس هذا جائزا ولا تكون العارية في الدنانير‏,‏ وليس له أن يشتري بها شيئا ولنا أن هذا معنى القرض فانعقد القرض به‏,‏ كما لو صرح به‏.‏