فصل: فصل: لا يجوز الحلف بالبراءة من الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏أو بالعهد‏]‏

وجملته أنه إذا حلف بالعهد أو قال‏:‏ وعهد الله وكفالته فذلك يمين‏,‏ يجب تكفيرها إذا حنث فيها وبهذا قال الحسن وطاوس والشعبي‏,‏ والحارث العكلي وقتادة والحكم‏,‏ والأوزاعي ومالك وحلفت عائشة رضي الله عنها بالعهد أن لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة‏,‏ وكانت إذا ذكرته تبكي وتقول‏:‏ واعهداه قال أحمد‏:‏ العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله‏:‏ ‏{‏وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 34‏]‏‏.‏ ويتقرب إلى الله ـ تعالى ـ إذا حلف بالعهد وحنث ما استطاع وعائشة أعتقت أربعين رقبة‏,‏ ثم تبكى حتى تبل خمارها وتقول‏:‏ واعهداه وقال عطاء وأبو عبيد‏,‏ وابن المنذر‏:‏ لا يكون يمينا إلا أن ينوي وقال الشافعي‏:‏ لا يكون يمينا إلا أن ينوي اليمين بعهد الله الذي هو صفته وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس بيمين ولعلهم ذهبوا إلى أن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يمينا‏,‏ كما لو قال‏:‏ وخلق الله وقد وافقنا أبو حنيفة في أنه إذا قال‏:‏ على عهد الله وميثاقه لأفعلن ثم حنث أنه يلزمه الكفارة ولنا أن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا‏,‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألم أعهد إليكم يا بني آدم‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 60‏]‏‏.‏ وكلامه قديم صفة له ويحتمل أنه استحقاقه لما تعبدنا به وقد ثبت له عرف الاستعمال‏,‏ فيجب أن يكون يمينا بإطلاقه كما لو قال‏:‏ وكلام الله إذا ثبت هذا فإنه إن قال‏:‏ على عهد الله وميثاقه لأفعلن أو قال‏:‏ وعهد الله وميثاقه لأفعلن فهو يمين‏,‏ وإن قال‏:‏ والعهد والميثاق لأفعلن ونوى عهد الله كان يمينا لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله ـ تعالى وإن أطلق فقال القاضي‏:‏ فيه روايتان إحداهما يكون يمينا لأن لام التعريف إن كانت للعهد‏,‏ يجب أن تنصرف إلى عهد الله لأنه الذي عهدت اليمين به وإن كانت للاستغراق دخل فيه ذلك والثانية‏,‏ لا يكون يمينا لأنه يحتمل غير ما وجبت به الكفارة ولم يصرفه إلى ذلك بنيته فلا تجب الكفارة لأن الأصل عدمها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏أو بالخروج من الإسلام‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد‏,‏ في الحلف بالخروج من الإسلام مثل أن يقول‏:‏ هو يهودي أو نصراني‏,‏ أو مجوسي إن فعل كذا أو‏:‏ هو بريء من الإسلام أو من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو من القرآن‏,‏ إن فعل أو يقول‏:‏ هو يعبد الصليب أو يعبدك أو يعبد غير الله ـ تعالى‏,‏ إن فعل أو نحو هذا فعن أحمد‏:‏ عليه الكفارة إذا حنث يروى هذا عن عطاء وطاوس‏,‏ والحسن والشعبي والثوري‏,‏ والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي ويروى ذلك عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ والرواية الثانية‏:‏ لا كفارة عليه وهو قول مالك‏,‏ والشافعي والليث وأبي ثور‏,‏ وابن المنذر لأنه لم يحلف باسم الله ولا صفته فلم تلزمه كفارة‏,‏ كما لو قال‏:‏ عصيت الله فيما أمرني ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الرواية الأولى على الندب دون الإيجاب لأنه قال في رواية حنبل‏:‏ إذا قال‏:‏ أكفر بالله‏,‏ أو أشرك بالله فأحب إلى أن يكفر كفارة يمين إذا حنث ووجه الرواية الأولى ما روي عن الزهري عن خارجة بن زيد‏,‏ عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سئل عن الرجل يقول‏:‏ هو يهودي أو نصراني‏,‏ أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء‏,‏ فقال‏:‏ ‏(‏عليه كفارة يمين‏)‏ أخرجه أبو بكر ولأن البراءة من هذه الأشياء توجب الكفر بالله فكان الحلف يمينا كالحلف بالله ـ تعالى والرواية الثانية أصح‏,‏ إن شاء الله ـ تعالى فإن الوجوب من الشارع ولم يرد في هذه اليمين نص‏,‏ ولا هي في قياس المنصوص فإن الكفارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعظيما لاسمه وإظهارا لشرفه وعظمته‏,‏ ولا تتحقق التسوية‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ هو يستحل الخمر والزنى إن فعل ثم حنث أو قال‏:‏ هو يستحل ترك الصلاة أو الصيام أو الزكاة فهو كالحلف بالبراءة من الإسلام لأن استحلال ذلك يوجب الكفر وإن قال‏:‏ عصيت الله فيما أمرني أو في كل ما افترض علي‏,‏ أو محوت المصحف أو أنا أسرق أو أقتل النفس التي حرم الله إن فعلت وحنث‏,‏ لم تلزمه كفارة لأن هذا دون الشرك وإن قال‏:‏ أخزاه الله أو أقطع يده‏,‏ أو لعنه الله إن فعل ثم حنث فلا كفارة عليه نص عليه أحمد وبهذا قال عطاء‏,‏ والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال طاوس‏,‏ والليث‏:‏ عليه كفارة وبه قال الأوزاعي إذا قال‏:‏ عليه لعنة الله ولنا أن هذا لا يوجب الكفر فأشبه ما لو قال‏:‏ محوت المصحف وإن قال‏:‏ لا يراني الله في موضع كذا إن فعلت وحنث فقال القاضي‏:‏ عليه كفارة وذكر أن أحمد نص عليه والصحيح أن هذا لا كفارة فيه لأن إيجابها في هذا ومثله تحكم بغير نص‏,‏ ولا قياس صحيح‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز الحلف بالبراءة من الإسلام لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏من قال‏:‏ إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبًا فهو كما قال وإن كان صادقا‏,‏ لم يعد إلى الإسلام سالما‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏أو بتحريم مملوكه أو شيء من ماله‏]‏

وجملته أنه إذا قال‏:‏ هذا حرام على إن فعلت وفعل أو قال‏:‏ ما أحل الله على حرام إن فعلت ثم فعل‏,‏ فهو مخير إن شاء ترك ما حرمه على نفسه وإن شاء كفر وإن قال‏:‏ هذا الطعام حرام على فهو كالحلف على تركه ويروى نحو هذا عن ابن مسعود‏,‏ والحسن وجابر بن زيد وقتادة‏,‏ وإسحاق وأهل العراق وقال سعيد بن جبير‏,‏ فيمن قال‏:‏ الحل على حرام‏:‏ يمين من الأيمان يكفرها وقال الحسن‏:‏ هي يمين إلا أن ينوي طلاق امرأته وعن إبراهيم مثله وعنه‏:‏ إن نوى طلاقا‏,‏ وإلا فليس بشيء وعن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا‏:‏ الحرام يمين طلاق وقال طاوس‏:‏ هو ما نوى وقال مالك والشافعي‏:‏ ليس بيمين‏,‏ ولا شيء عليه لأنه قصد تغيير المشروع فلغا ما قصده كما لو قال هذه ربيبتي ولنا‏,‏ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 1‏]‏‏.‏ إلى قوله ‏{‏قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏‏.‏ سمى تحريم ما أحل الله يمينا وفرض له تحلة وهي الكفارة وقالت عائشة رضي الله عنها كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكث عند زينب بنت جحش‏,‏ ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلتقل‏:‏ إني أجد منك ريح مغافير فدخل على إحدانا‏,‏ فقالت له ذلك فقال‏:‏ ‏(‏لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش‏,‏ ولن أعود له‏)‏ فنزل‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 1‏]‏‏.‏ متفق عليه فإن قيل‏:‏ إنما نزلت الآية في تحريم مارية القبطية كذلك قال الحسن‏,‏ وقتادة قلنا‏:‏ ما ذكرناه أصح فإنه متفق عليه وقول عائشة صاحبة القصة الحاضرة للتنزيل المشاهدة للحال‏,‏ أولى والحسن وقتادة لو سمعا قول عائشة لم يعدلا به شيئا‏,‏ ولم يصيرا إلى غيره فكيف يصار إلى قولهما ويترك قولها‏؟‏ وقد روي عن ابن عباس‏,‏ وابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه جعل تحريم الحلال يمينا ولو ثبت أن الآية نزلت في تحريم مارية كان حجة لنا لأنها من الحلال الذي حرم‏,‏ وليست زوجة فوجوب الكفارة بتحريمها يقتضي وجوبه في كل حلال حرم بالقياس عليها لأنه حرم الحلال فأوجب الكفارة‏,‏ كتحريم الأمة والزوجة وما ذكروه يبطل بتحريمها وإذا قال‏:‏ هذه ربيبتي يقصد تحريمها فهو ظهار‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏أو يقول‏:‏ أقسم بالله‏,‏ أو أشهد بالله أو أعزم بالله‏]‏

هذا قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافا‏,‏ وسواء نوى اليمين أو أطلق لأنه لو قال‏:‏ بالله ولم يقل‏:‏ أقسم ولا أشهد‏,‏ ولم يذكر الفعل كان يمينا وإنما كان يمينا بتقدير الفعل قبله لأن الباء تتعلق بفعل مقدر‏,‏ على ما ذكرناه فإذا أظهر الفعل ونطق بالمقدر‏,‏ كان أولى بثبوت حكمه وقد ثبت له عرف الاستعمال قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فيقسمان بالله‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 106‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأقسموا بالله‏]‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 109‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ويقول الملاعن في لعانه‏:‏ أشهد بالله إني لمن الصادقين وتقول المرأة‏:‏ أشهد بالله إنه لمن الكاذبين وأنشد أعرابي عمر‏:‏

أقسم بالله لتفعلنه **

وكذلك الحكم إن ذكر الفعل بلفظ الماضي‏,‏ فقال‏:‏ أقسمت بالله أو شهدت بالله قال عبد الله بن رواحة‏:‏ أقسمت بالله لتنزلنه وإن أراد بقوله‏:‏ أقسمت بالله الخبر عن قسم ماض أو بقوله‏:‏ أقسم بالله عن قسم يأتي به‏,‏ فلا كفارة عليه وإن ادعى إرادة ذلك قبل منه وقال القاضي‏:‏ لا يقبل في الحكم وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه خلاف الظاهر ولنا أن هذا حكم فيما بينه وبين الله ـ تعالى‏,‏ فإذا علم من نفسه أنه نوى شيئا أو أراده مع احتمال اللفظ إياه لم تلزمه كفارة وإن قال‏:‏ شهدت بالله إني آمنت بالله فليس بيمين وإن قال‏:‏ أعزم بالله يقصد اليمين‏,‏ فهو يمين وإن أطلق فظاهر كلام الخرقي أنه يمين وهو قول ابن حامد وقال أبو بكر‏:‏ ليس بيمين وهو قول الشافعي لأنه لم يثبت له عرف الشرع ولا الاستعمال‏,‏ وظاهره غير اليمين لأن معناه أقصد بالله لأفعلن ووجه الأول أنه يحتمل اليمين وقد اقترن به ما يدل عليه‏,‏ وهو جوابه بجواب القسم فيكون يمينا فأما إن نوى بقوله غير اليمين لم يكن يمينا‏.‏