فصل: فصل: لا زكاة فطر لمن له دار يحتاج إلى سكناها أو إلى أجرها لنفقته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏ ‏

فإن لم يفضل إلا بعض صاع فهل يلزمه إخراجه‏؟‏ على روايتين إحداهما لا يلزمه اختارها ابن عقيل لأنها طهرة فلا تجب على من لا يملك جميعها كالكفارة والثانية يلزمه إخراجه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏ ولأنها طهرة‏,‏ فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولأن الجزء من الصاع يخرج عن العبد المشترك‏,‏ فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع

فصل‏:‏

وإن أعسر بفطرة زوجته فعليها فطرة نفسها أو على سيدها إن كانت مملوكة لأنها تتحمل إذا كان ثم متحمل‏,‏ فإذا لم يكن عاد إليها كالنفقة ويحتمل أن لا يجب عليها شيء لأنها لم تجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيره‏,‏ كفطرة نفسه وتفارق النفقة فإن وجوبها آكد لأنها مما لا بد منه وتجب على المعسر‏,‏ والعاجز ويرجع عليها بها عند يساره والفطرة بخلافها‏.‏

فصل‏:‏

ومن وجبت فطرته على غيره‏,‏ كالمرأة والنسيب الفقير إذا أخرج عن نفسه بإذن من تجب عليه صح بغير خلاف نعلمه لأنه نائب عنه وإن أخرج بغير إذنه‏,‏ ففيه وجهان أحدهما يجزئه لأنه أخرج فطرته فأجزأه كالتي وجبت عليه والثاني‏:‏ لا يجزئه لأنه أدى ما وجب على غيره بغير إذنه فلم يصح‏,‏ كما لو أدى عن غيره‏.‏

فصل‏:‏

ومن له دار يحتاج إليها لسكناها أو إلى أجرها لنفقته أو ثياب بذلة له‏,‏ أو لمن تلزمه مؤنته أو رقيق يحتاج إلى خدمتهم هو أو من يمونه أو بهائم يحتاجون إلى ركوبها والانتفاع بها في حوائجهم الأصلية أو سائمة يحتاج إلى نمائها كذلك‏,‏ أو بضاعة يختل ربحها الذي يحتاج إليه بإخراج الفطرة منها فلا فطرة عليه كذلك لأن هذا مما تتعلق به حاجته الأصلية فلم يلزمه بيعه‏,‏ كمؤنة نفسه ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها لا يلزمه بيعها والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو لكراء يحتاج إليه لم يلزمها بيعه في الفطرة وما فضل من ذلك عن حوائجه الأصلية‏,‏ وأمكن بيعه وصرفه في الفطرة وجبت الفطرة به لأنه أمكن أداؤها من غير ضرر أصلي أشبه ما لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلا عن حاجته‏.‏

مسألة‏:‏

قال وليس عليه في مكاتبه زكاة وعلى المكاتب أن يخرج عن نفسه زكاة الفطر وممن قال‏:‏ لا تجب فطرة المكاتب على سيده‏,‏ أبو سلمة بن عبد الرحمن والثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وأوجبها على السيد عطاء ومالك وابن المنذر لأنه عبد‏,‏ فأشبه سائر عبيده ولنا قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ ممن تمونون ‏"‏ وهذا لا يمونه ولأنه لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرته‏,‏ كالأجنبي وبهذا فارق سائر عبيده إذا ثبت هذا فإن على المكاتب فطرة نفسه‏,‏ وفطرة من تلزمه مؤنته كزوجته ورقيقه وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ لا تجب عليه لأنه ناقص الملك‏,‏ فلم تجب عليه الفطرة كالقن ولأنها زكاة فلم تجب عليه كزكاة المال ولنا‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى وهذا عبد ولا يخلو من كونه ذكرا أو أنثى ولأنه يلزمه نفقة نفسه‏,‏ فلزمته فطرتها كالحر الموسر ويفارق زكاة المال لأنها يعتبر لها الغنى والنصاب والحول ولا يحملها أحد عن غيره بخلاف الفطرة‏.‏

فصل‏:‏

وتلزم المكاتب فطرة من يمونه كالحر لدخولهم في عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أدوا صدقة الفطر عمن تمونون‏)‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا ملك جماعة عبدا أخرج كل واحد منهم صاعا‏,‏ وعن أبي عبد الله رواية أخرى صاعا عن الجميع وجملة ذلك أن فطرة العبد المشترك واجبة على مواليه وبهذا قال مالك ومحمد بن سلمة‏,‏ وعبد الملك والشافعي ومحمد بن الحسن‏,‏ وأبو ثور وقال الحسن وعكرمة والثوري‏,‏ وأبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ لا فطرة على واحد منهم لأنه ليس عليه لأحد منهم ولاية تامة أشبه المكاتب ولنا‏,‏ عموم الأحاديث ولأنه عبد مسلم مملوك لمن يقدر على الفطرة وهو من أهلها فلزمته لمملوك الواحد‏,‏ وفارق المكاتب فإنه لا تلزم سيده مؤنته ولأن المكاتب يخرج عن نفسه زكاة الفطر‏,‏ بخلاف القن والولاية غير معتبرة في وجوب الفطرة بدليل عبد الصبي‏,‏ ثم إن ولايته للجميع فتكون فطرته عليهم واختلفت الرواية في قدر الواجب على كل واحد منهم ففي إحداهما على كل واحد صاع لأنها طهرة فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء‏,‏ ككفارة القتل والثانية على الجميع صاع واحد على كل واحد منهم بقدر ملكه فيه وهذا الظاهر عن أحمد قال فوران‏:‏ رجع أحمد عن هذه المسألة وقال‏:‏ يعطى كل واحد منهم نصف صاع يعني رجع عن إيجاب صاع كامل على كل واحد وهذا قول سائر من أوجب فطرته على سادته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أوجب صاعا على كل واحد وهذا عام في المشترك وغيره‏,‏ ولأن نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته التابعة لها ولأنه شخص واحد‏,‏ فلم تجب عنه صيعان كسائر الناس ولأنها طهرة فوجبت على سادته بالحصص كماء الغسل من الجنابة إذا احتيج إليه‏,‏ وبهذا ينتقض ما ذكرناه للرواية الأولى

فصل‏:‏

ومن بعضه حر ففطرته عليه وعلى سيده وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك‏:‏ على الحر بحصته‏,‏ وليس على العبد شيء ولنا أنه عبد مسلم تلزم فطرته شخصين من أهل الفطرة فكانت فطرته عليهما كالمشترك‏,‏ ثم هل يلزم كل واحد منهما صاع أو بالحصص‏؟‏ ينبني على ما ذكرنا في العبد المشترك فإن كان أحدهما معسرا فلا شيء عليه وعلى الآخر بقدر الواجب عليه‏,‏ ولو كان بين العبد وبين السيد مهايأة أو كان المشتركون في العبد قد تهايئوا عليه لم تدخل الفطرة في المهايأة لأن المهايأة معاوضة كسب بكسب والفطرة حق لله تعالى فلا تدخل في ذلك‏,‏ كالصلاة‏.‏

فصل‏:‏

ولو ألحقت القافة ولدا برجلين أو أكثر فالحكم في فطرته كالحكم في العبد المشترك ولو أن شخصا حرا له قريبان فأكثر عليهم نفقته بينهم كانت فطرته عليهم‏,‏ كالعبد المشترك على ما ذكر فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال ويعطي صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة الأموال إنما كانت كذلك لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات‏,‏ ولأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏‏.‏ الآية ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه ولا يجوز دفعها إلى ذمي وبهذا قال مالك‏,‏ والليث والشافعي وأبو ثور‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمداني‏,‏ أنهم كانوا يعطون منها الرهبان ولنا أنها زكاة فلم يجز دفعها إلى غير المسلمين‏,‏ كزكاة المال ولا خلاف في أن زكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن لا يجزئ أن يعطي من زكاة المال أحد من أهل الذمة‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يعطي من أقاربه من يجوز أن يعطيه من زكاة ماله ولا يعطي منها غنيا‏,‏ ولا ذا قربى ولا أحدا ممن منع أخذ زكاة المال ويجوز صرفها في الأصناف الثمانية لأنها صدقة فأشبهت صدقة المال‏.‏

فصل‏:‏ جواز أخذ الصدقة ممن له نصاب من الماشية والزرع وردها عليه إذا لم يكن له قدر كفايته

وإن دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها إلى دافعها‏,‏ أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرقها على أهل السهمان فعادت إلى إنسان صدقته‏,‏ فاختار القاضي جواز ذلك قال‏:‏ لأن أحمد قد نص في من له نصاب من الماشية والزرع أن الصدقة تؤخذ منه‏,‏ وترد عليه إذا لم يكن له قدر كفايته وهو مذهب الشافعي ولأن قبض الإمام أو المستحق أزال ملك المخرج‏,‏ وعادت إليه بسبب آخر فجاز كما لو عادت بميراث وقال أبو بكر‏:‏ مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لأنها طهرة له فلم يجز له أخذها كشرائها ‏(‏ولأن عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد أن يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ لا تشترها ولا تعد في صدقتك‏,‏ فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه‏)‏ فأما إن اشتراها لم يجز له ذلك للخبر وإن ورثها فله أخذها لأنها رجعت إليه بغير فعل منه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ويجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة والجماعة ما يلزم الواحد إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد لا نعلم فيه خلافا لأنه صرف صدقته إلى مستحقها فبرئ منها كما لو دفعها إلى واحد وأما إعطاء الواحد صدقة الجماعة فإن الشافعي ومن وافقه‏,‏ أوجبوا تفرقة الصدقة على ستة أصناف ودفع حصة كل صنف إلى ثلاثة منهم على ما ذكرناه قبل هذا وقد ذكرنا الدليل عليه‏,‏ ولأنها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع وبهذا قال مالك وأبو ثور‏,‏ وابن المنذر وأصحاب الرأي‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن أخرج عن الجنين فحسن وكان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ يخرج عن الجنين المذهب أن الفطرة غير واجبة على الجنين وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر‏:‏ كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه وعن أحمد‏,‏ رواية أخرى أنها تجب عليه لأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الأخبار‏,‏ ويقاس على المولود ولنا أنه جنين فلم تتعلق الزكاة به كأجنة البهائم ولأنه لم تثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية بشرط أن يخرج حيا إذا ثبت هذا فإنه يستحب إخراجها عنه لأن عثمان كان يخرجها عنه‏,‏ ولأنها صدقة عمن لا تجب عليه فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن كان في يده ما يخرجه عن صدقة الفطر وعليه دين مثله‏,‏ لزمه أن يخرج إلا أن يكون مطالبا بالدين فعليه قضاء الدين ولا زكاة عليه إنما لم يمنع الدين الفطرة لأنها آكد وجوبا بدليل وجوبها على الفقير‏,‏ وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على غيره ولا تتعلق بقدر من المال فجرت مجرى النفقة ولأن زكاة المال تجب بالملك‏,‏ والدين يؤثر في الملك فأثر فيها وهذه تجب على البدن‏,‏ والدين لا يؤثر فيه وتسقط الفطرة عند المطالبة بالدين لوجوب أدائه عند المطالبة‏,‏ وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالإعسار وكونه أسبق سببا وأقدم وجوبا يأثم بتأخيره فإنه يسقط غير الفطرة‏,‏ وإن لم يطالب به لأن تأثير المطالبة إنما هو في إلزام الأداء وتحريم التأخير‏.‏

فصل‏:‏

وإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل أدائها أخرجت من تركته فإن كان عليه دين وله مال يفي بهما قضيا جميعا‏,‏ وإن لم يف بهما قسم بين الدين والصدقة بالحصص نص عليه أحمد في زكاة المال أن التركة تقسم بينهما‏,‏ وكذا ها هنا فإن كان عليه زكاة مال وصدقة فطر ودين فزكاة الفطر والمال كالشيء الواحد لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدين‏,‏ وأصل هذا أن حق الله سبحانه وحق الآدمي إذا تعلقا بمحل واحد‏,‏ فكانا في الذمة أو كانا في العين تساويا في الاستيفاء

فصل‏:‏

وإذا مات المفلس‏,‏ وله عبيد فهل شوال قبل قسمتهم بين الغرماء ففطرتهم على الورثة لأن الدين لا يمنع نقل التركة‏,‏ بل غايته أن يكون رهنا بالدين وفطرة الرهن على مالكه‏.‏

فصول في صدقة التطوع‏:‏

فصل‏:‏

وهي مستحبة في جميع الأوقات لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 245‏]‏‏.‏ وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها وروى أبو صالح‏,‏ عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله تعالى يقبلها بيمينه‏,‏ ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل‏)‏ متفق عليه وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم‏,‏ ويكفر عنكم من سيئاتكم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 271‏]‏‏.‏ وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه‏)‏ متفق عليه وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏أن صدقة السر تطفئ غضب الرب‏)‏ ويستحب الإكثار منها في أوقات الحاجات‏,‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أو إطعام في يوم ذي مسغبة‏}‏ ‏[‏البلد‏:‏ 14‏]‏‏.‏ وفي شهر رمضان لأن الحسنات تضاعف فيه ولأن فيه إعانة على أداء الصوم المفروض ومن فطر صائما كان له مثل أجره وتستحب الصدقة على ذي القرابة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يتيما ذا مقربة‏}‏ ‏[‏البلد‏:‏ 15‏]‏‏.‏ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان‏,‏ صدقة وصلة‏)‏ وهذا حديث حسن ‏(‏وسألت زينب امرأة عبد الله بن مسعود رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هل ينفعها أن تضع صدقتها في زوجها وبني أخ لها يتامى‏؟‏ قال‏:‏ نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة‏)‏ رواه النسائي وتستحب الصدقة على من اشتدت حاجته‏,‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أو مسكينًا ذا متربة‏}‏ ‏[‏البلد‏:‏ 16‏]‏‏.‏

فصل‏:‏

والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول‏)‏ متفق عليه‏,‏ فإن تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته ولا كسب له أثم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏كفى بالمرء إثما أن يضيع من يمون‏)‏ ولأن نفقة من يمونه واجبة‏,‏ والتطوع نافلة وتقديم النفل على الفرض غير جائز فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة بجميع ماله وكان ذا مكسب‏,‏ أو كان واثقا من نفسه يحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة‏,‏ فحسن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏سئل عن أفضل الصدقة فقال‏:‏ جهد من مقل إلى فقير في السر‏)‏ وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي‏,‏ فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئته بنصف مالي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما أبقيت لأهلك‏؟‏ قلت‏:‏ أبقيت لهم مثله‏,‏ فأتاه أبو بكر بكل ما عنده فقال له‏:‏ ما أبقيت لأهلك‏؟‏ قال‏:‏ الله ورسوله فقلت‏:‏ لا أسابقك إلى شيء بعده أبدا‏)‏ فهذا كان فضيلة في حق أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لقوة يقينه وكمال إيمانه‏,‏ وكان أيضا تاجرا ذا مكسب فإنه قال حين ولي‏:‏ قد علم الناس أن كسبي لم يكن ليعجز عن مؤنة عيالي أو كما قال ـ رضي الله عنه ـ وإن لم يوجد في المتصدق أحد هذين كره لما روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ ‏(‏كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب‏,‏ فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك‏,‏ فأعرض عنه ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فقال مثل ذلك‏,‏ فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته‏,‏ وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ يأتي أحدكم بما يملك ويقول‏:‏ هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى‏)‏ فقد نبه النبي - صلى الله عليه وسلم- على المعنى الذي كره من أجله الصدقة بجميع ماله وهو أن يستكف الناس‏,‏ أي يتعرض لهم للصدقة أي يأخذها ببطن كفه يقال‏:‏ تكفف واستكف إذا فعل ذلك وروى النسائي ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطى رجلا ثوبين من الصدقة ثم حث على الصدقة‏,‏ فطرح الرجل أحد ثوبيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ألم تروا إلى هذا دخل بهيئة بذة فأعطيته ثوبين‏,‏ ثم قلت‏:‏ تصدقوا فطرح أحد ثوبيه خذ ثوبك وانتهره‏)‏ ولأن الإنسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر وشدة نزاع النفس إلى ما خرج منه فيندم‏,‏ فيذهب ماله ويبطل أجره ويصير كلا على الناس ويكره لمن لا صبر له على الإضافة أن ينقص نفسه من الكفاية التامة والله أعلم‏.‏