فصل: فصل: في إعطاء من يظن فقره فبان غناه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى من بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وسد البثوق‏,‏ وتكفين الموتى والتوسعة على الأضياف وأشباه ذلك من القرب التي لم يذكرها الله تعالى وقال أنس والحسن‏:‏ ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية والأول أصح لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏‏.‏ ‏"‏ وإنما ‏"‏ للحصر والإثبات‏,‏ تثبت المذكور وتنفي ما عداه والخبر المذكور قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد‏,‏ وسئل‏:‏ يكفن الميت من الزكاة‏؟‏ قال‏:‏ لا ولا يقضى من الزكاة دين الميت وإنما لم يجز دفعها في قضاء دين الميت لأن الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه وإن دفعها إلى غريمه صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم وقال أيضا‏:‏ يقضي من الزكاة دين الحي‏,‏ ولا يقضي منها دين الميت لأن الميت لا يكون غارما قيل‏:‏ فإنما يعطى أهله قال‏:‏ إن كانت على أهله فنعم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أعطى من يظنه فقيرا فبان غنيا فعن أحمد فيه روايتان‏:‏ إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر وهذا قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطى الرجلين الجلدين وقال‏:‏ إن شئتما أعطيتكما منها‏,‏ ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب‏)‏ وقال للرجل الذي سأله الصدقة ‏(‏إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك‏)‏ ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم وروى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏قال رجل لأتصدقن بصدقة‏,‏ فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون‏:‏ تصدق على غنى فأتى فقيل له‏:‏ أما صدقتك فقد قبلت‏,‏ لعل الغنى أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله‏)‏ متفق عليه والرواية الثانية لا يجزئه لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته‏,‏ كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابته وكديون الآدميين وهذا قول الثوري والحسن بن صالح وأبي يوسف وابن المنذر وللشافعي قولان كالروايتين فأما إن بان الآخذ عبدا‏,‏ أو كافرا أو هاشميا أو قرابة للمعطي ممن لا يجوز الدفع إليه‏,‏ لم يجزه رواية واحدة لأنه ليس بمستحق ولا تخفى حاله غالبًا‏,‏ فلم يجزه الدفع إليه كديون الآدميين وفارق من بان غنيا بأن الفقر والغنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 273‏]‏‏.‏ فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ إلا أن يتولى الرجل إخراجها بنفسه فيسقط العامل‏]‏ وجملته أن الرجل إذا تولى إخراج زكاته بنفسه‏,‏ سقط حق العامل منها لأنه إنما يأخذ أجرا لعمله فإذا لم يعمل فيها شيئا فلا حق له فيسقط‏,‏ وتبقى سبعة أصناف إن وجد جميعهم أعطاهم وإن وجد بعضهم اكتفى بعطيته‏,‏ وإن أعطى البعض مع إمكان عطية الجميع جاز أيضًا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن أعطاها كلها في صنف واحد أجزأه إذا لم يخرجه إلى الغنى‏]‏ وجملته أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية‏,‏ ويجوز أن يعطيها شخصا واحدا وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروى عن النخعي أنه قال‏:‏ إن كان المال كثيرا يحتمل الأصناف‏,‏ قسمه عليهم وإن كان قليلا جاز وضعه في صنف واحد وقال مالك‏:‏ يتحرى موضع الحاجة منهم‏,‏ ويقدم الأولى فالأولى وقال عكرمة والشافعي‏:‏ يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجود من الأصناف الستة الذين سهمانهم ثابتة قسمة على السواء‏,‏ ثم حصة كل صنف منهم لا تصرف إلى أقل من ثلاثة منهم إن وجد منهم ثلاثة أو أكثر فإن لم يجد إلا واحدا‏,‏ صرف حصة ذلك الصنف إليه وروى الأثرم عن أحمد كذلك وهو اختيار أبي بكر لأن الله تعالى جعل الصدقة لجميعهم وشرك بينهم فيها فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كأهل الخمس ولنا ‏(‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ‏:‏ أعلمهم أن عليهم صدقة‏,‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏)‏ فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد‏,‏ ولم يذكر سواهم ثم أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف ثان سوى الفقراء‏,‏ وهم المؤلفة الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة وزيد الخير قسم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه على من اليمن وإنما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم- يسأله‏,‏ فقال‏:‏ ‏(‏أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها‏)‏ وفي حديث سلمة بن صخر البياضي أنه أمر له بصدقة قومه ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد‏,‏ ولأنها لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي فلم يجب دفعها إليهم إذا فرقها المالك كما لو لم يجد إلا صنفا واحدا‏,‏ ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهم‏,‏ ويخرج على هذين المعنيين الخمس فإنه يجب على الإمام تفريقه على جميع مستحقيه واستيعاب جميعهم به بخلاف الزكاة‏,‏ والآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم إذا ثبت هذا فإن المستحب صرفها إلى جميع الأصناف‏,‏ أو إلى من أمكن منهم لأنه يخرج بذلك عن الخلاف ويحصل الإجزاء يقينا فكان أولى‏.‏

فصل‏:‏

قول الخرقي‏:‏ ‏"‏إذا لم يخرجه إلى الغنى‏"‏ يعنى به الغنى المانع من أخذ الزكاة وقد ذكرناه وظاهر قول الخرقي أنه لا يدفع إليه ما يحصل به الغنى‏,‏ والمذهب أنه يجوز أن يدفع إليه ما يغنيه من غير زيادة نص عليه أحمد في مواضع وذكره أصحابه فيتعين حمل كلام الخرقي على أنه لا يدفع إليه زيادة على ما يحصل به الغنى وهذا قول الثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي‏:‏ يعطى ألفا وأكثر إذا كان محتاجا إليها ويكره أن يزاد على المائتين ولنا‏,‏ أن الغنى لو كان سابقا منع فيمنع إذا قارن كالجمع بين الأختين في النكاح‏.‏

فصل‏:‏

وكل صنف من الأصناف يدفع إليه ما تندفع به حاجته‏,‏ من غير زيادة فالغارم والمكاتب يعطى كل واحد منهما ما يقضى به دينه وإن كثر وابن السبيل يعطى ما يبلغه إلى بلده‏,‏ والغازي يعطى ما يكفيه لغزوه والعامل يعطى بقدر أجره قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد قيل له‏:‏ يحمل في السبيل بألف من الزكاة‏؟‏ قال‏:‏ ما أعطى فهو جائز‏,‏ ولا يعطى أحد من هؤلاء زيادة على ما تندفع به الحاجة لأن الدفع لها فلا يزاد على ما تقتضيه ‏.‏

فصل‏:‏

وأربعة أصناف يأخذون أخذا مستقرا فلا يراعى حالهم بعد الدفع‏,‏ وهم‏:‏ الفقراء والمساكين والعاملون‏,‏ والمؤلفة فمتى أخذوها ملكوها ملكا دائما مستقرا لا يجب عليهم ردها بحال‏,‏ وأربعة منهم وهم الغارمون وفي الرقاب‏,‏ وفي سبيل الله وابن السبيل فإنهم يأخذون أخذا مراعى فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها‏,‏ وإلا استرجع منهم والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم‏,‏ وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين وإن قضى هؤلاء حاجتهم بها‏,‏ وفضل معهم فضل ردوا الفضل إلا الغازي‏,‏ فإن ما فضل له بعد غزوه فهو له ذكره الخرقي في غير هذا الموضع وظاهر قوله في المكاتب أنه لا يرد ما فضل في يده لأنه قال‏:‏ وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان قد تصدق عليه بشيء فهو لسيده ونص عليه أحمد أيضا في رواية المروذي والكوسج ونقل عنه حنبل‏:‏ إذا عجز يرد ما في يديه في المكاتبين وقال أبو بكر عبد العزيز‏:‏ إن كان باقيا بعينه استرجع منه لأنه إنما دفع إليه ليعتق به ولم يقع وقال القاضي‏:‏ كلام الخرقي محمول على أن الذي بقي في يده لم يكن عين الزكاة‏,‏ وإنما تصرف فيها وحصل عوضها وفائدتها ولو تلف المال الذي في يد هؤلاء بغير تفريط لم يرجع عليهم بشيء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ ولا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة ‏)‏ المذهب على أنه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد‏؟‏ قال لا قيل‏:‏ وإن كان قرابته بها‏؟‏ قال‏:‏ لا واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وقال سعيد‏:‏ حدثنا سفيان عن معمر‏,‏ عن ابن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ بن جبل‏:‏ من أخرج من مخلاف إلى مخلاف‏,‏ فإن صدقته وعشره ترد إلى مخلافه وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه رد زكاة أتى بها من خراسان إلى الشام إلى خراسان وروى عن الحسن والنخعي أنهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة ولنا ‏(‏قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ‏:‏ أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم‏,‏ فترد في فقرائهم‏)‏ وهذا يختص بفقراء بلدهم ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر عليه ذلك عمر وقال‏:‏ لم أبعثك جابيا‏,‏ ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ‏:‏ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني رواه أبو عبيد في الأموال وروي أيضا عن إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين‏,‏ أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران على الصدقة‏,‏ فلما رجع قال‏:‏ أين المال‏؟‏ قال‏:‏ أللمال بعثتني‏؟‏ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولأن المقصود إغناء الفقراء بها فإذا أبحنا نقلها أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين‏.‏

فصل‏:‏

فإن خالف ونقلها أجزأته في قول أكثر أهل العلم قال القاضي‏:‏ وظاهر كلام أحمد يقتضي ذلك‏,‏ ولم أجد عنه نصا في هذه المسألة وذكر أبو الخطاب فيها روايتين‏:‏ إحداهما يجزئه واختارها لأنه دفع الحق إلى مستحقه‏,‏ فبرئ منه كالدين وكما لو فرقها في بلدها والأخرى لا تجزئه اختارها ابن حامد لأنه دفع الزكاة إلى غير من أمر بدفعها إليه‏,‏ أشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف‏.‏

فصل‏:‏

فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها نص عليه أحمد فقال‏:‏ قد تحمل الصدقة إلى الإمام إذا لم يكن فيها فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم‏,‏ وقال أيضا‏:‏ لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل عنهم لأن الذي كان يجيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر من الصدقة‏,‏ إنما كان عن فضل منهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيد‏,‏ في كتاب ‏"‏ الأموال ‏"‏ بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند‏,‏ إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى مات النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس‏,‏ فأنكر ذلك عمر وقال‏:‏ لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية‏,‏ لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم فقال معاذ‏:‏ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة‏,‏ فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه‏,‏ فقال معاذ‏:‏ ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها إليه فرقها على فقراء أقرب البلاد إليه‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏,‏ في رواية محمد بن الحكم‏:‏ إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلى أن تؤدي حيث كان المال‏,‏ فإن كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو فإن كان غائبا عن مصره وأهله‏,‏ والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا البلد‏,‏ وبعضه في البلد الآخر فأما إذا كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته إلى بلد آخر فإن كان المال تجارة يسافر به فقال القاضي‏:‏ يفرق زكاته حيث حال حوله‏,‏ في أي موضع كان ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول وقال في الرجل يغيب عن أهله‏,‏ فتجب عليه الزكاة‏:‏ يزكيه في الموضع الذي كثر مقامه فيه فأما زكاة الفطر فإنه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه‏.‏

فصل‏:‏

والمستحب تفرقة الصدقة في بلدها‏,‏ ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان قال أحمد في رواية صالح‏:‏ لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في أثنائها ويبدأ بالأقرب فالأقرب وإن نقلها إلى البعيد لتحرى قرابة أو من كان أشد حاجة‏,‏ فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أخذ الساعي الصدقة واحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفه في نقلها أو مرضها أو نحوهما‏,‏ فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها‏؟‏ فقال المصدق‏:‏ إني ارتجعتها بإبل فسكت‏)‏ رواه أبو عبيد في ‏"‏ الأموال ‏"‏‏,‏ وقال‏:‏ الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها فإن لم يكن حاجة إلى بيعها فقال القاضي‏:‏ لا يجوز والبيع باطل‏,‏ وعليه الضمان ويحتمل الجواز لحديث قيس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا باع ماشية قبل الحول بمثلها‏,‏ زكاها إذا تم حول من وقت ملكه الأول‏]‏ وجملته أنه إذا باع نصابا للزكاة مما يعتبر فيه الحول بجنسه كالإبل بالإبل‏,‏ أو البقر بالبقر أو الغنم بالغنم أو الذهب بالذهب‏,‏ أو الفضة بالفضة لم ينقطع الحول وبنى حول الثاني على حول الأول وبهذا قال مالك وقال الشافعي‏:‏ لا ينبني حول نصاب على حول غيره بحال لقوله‏:‏ ‏(‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ ولأنه أصل بنفسه‏,‏ فلم ينبن على حول غيره كما لو اختلف الجنسان ووافقنا أبو حنيفة في الأثمان ووافق الشافعي فيما سواها لأن الزكاة إنما وجبت في الأثمان لكونها ثمنا وهذا المعنى يشملها‏,‏ بخلاف غيرها ولنا أنه نصاب يضم إليه نماؤه في الحول فبنى حول بدله من جنسه على حوله‏,‏ كالعروض والحديث مخصوص بالنماء والربح والعروض فنقيس عليه محل النزاع‏,‏ والجنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة فيبيعها بضعفها من الغنم‏,‏ أيزكيها كلها أم يعطي زكاة الأصل‏؟‏ قال‏:‏ بل يزكيها كلها على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي لأن نماءها معها قلت‏:‏ فإن كانت للتجارة‏؟‏ قال‏:‏ يزكيها كلها على حديث حماس‏,‏ فأما إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول وإن كان عنده مائتان فباعهما بمائة فعليه زكاة مائة وحدها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وكذلك إن أبدل عشرين دينارا بمائتي درهم أو مائتي درهم بعشرين دينارا‏,‏ لم تبطل الزكاة بانتقالها‏]‏ وجملة ذلك أنه متى أبدل نصابا من غير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف حولا إلا الذهب بالفضة‏,‏ أو عروض التجارة لكون الذهب والفضة كالمال الواحد إذ هما أروش الجنايات وقيم المتلفات‏,‏ ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة وكذلك إذا اشترى عرضا للتجارة بنصاب من الأثمان أو باع عرضا بنصاب لم ينقطع الحول لأن الزكاة تجب في قيمة العروض‏,‏ لا في نفسها والقيمة هي الأثمان فكانا جنسا واحدا وإذا قلنا‏:‏ إن الذهب والفضة لا يضم أحدهما إلى صاحبه‏,‏ لم يبن حول أحدهما على حول الآخر لأنهما مالان لا يضم أحدهما إلى الآخر فلم يبن حوله على حوله كالجنسين من الماشية وأما عروض التجارة‏,‏ فإن حولها يبنى على حول الأثمان بكل حال‏.‏

فصل‏:‏

وإذا حال الحول أخرج الزكاة من جنس المال المبيع دون الموجود لأنه الذي وجبت الزكاة بسببه ولولاه لم تجب في هذا زكاة‏.‏

فصل‏:‏ جواز التصرف في النصاب الذي وجبت الزكاة فيه

ويجوز التصرف في النصاب الذي وجبت الزكاة فيه‏,‏ بالبيع والهبة وأنواع التصرفات وليس للساعي فسخ البيع وقال أبو حنيفة تصح إلا أنه إذا امتنع من أداء الزكاة نقض البيع في قدرها وقال الشافعي‏:‏ في صحة البيع قولان أحدهما‏,‏ لا يصح لأننا إن قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين فقد باع ما لا يملكه وإن قلنا تتعلق بالذمة‏,‏ فقدر الزكاة مرتهن بها وبيع الرهن غير جائز ولنا ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها‏)‏ متفق عليه ومفهومه صحة بيعها إذا بدا صلاحها وهو عام فيما وجبت فيه الزكاة وغيره ونهى عن بيع الحب حتى يشتد‏,‏ وبيع العنب حتى يسود وهما مما تجب الزكاة فيه ولأن الزكاة وجبت في الذمة والمال خال عنها فصح بيعه‏,‏ كما لو باع ماله وعليه دين آدمي أو زكاة فطر وإن تعلقت بالعين‏,‏ فهو تعلق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع بيع جميعه كأرش الجناية وقولهم‏:‏ باع ما لا يملكه لا يصح فإن الملك لم يثبت للفقراء في النصاب‏,‏ بدليل أن له أداء الزكاة من غيره ولا يتمكن الفقراء من إلزامه أداء الزكاة منه وليس برهن‏,‏ فإن أحكام الرهن غير ثابتة فيه فإذا تصرف في النصاب ثم أخرج الزكاة من غيره وإلا كلف إخراجها‏,‏ وإن لم يكن له كلف تحصيلها فإن عجز بقيت الزكاة في ذمته كسائر الديون‏,‏ ولا يؤخذ من النصاب ويحتمل أن يفسخ البيع في قدر الزكاة وتؤخذ منه ويرجع البائع عليه بقدرها لأن على الفقراء ضررا في إتمام البيع‏,‏ وتفويتا لحقوقهم فوجب فسخه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ وهذا أصح‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ والزكاة تجب في الذمة بحلول الحول وإن تلف المال فرط أو لم يفرط ‏)‏ هذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة‏:‏ أحدها‏,‏ أن الزكاة تجب في الذمة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي لأن إخراجها من غير النصاب جائز فلم تكن واجبة فيه‏,‏ كزكاة الفطر ولأنها لو وجبت فيه لامتنع تصرف المالك فيه‏,‏ ولتمكن المستحقون من إلزامه أداء الزكاة من عينه أو ظهر شيء من أحكام ثبوته فيه ولسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط‏,‏ كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني والثانية أنها تجب في العين وهذا القول الثاني للشافعي وهذه الرواية هي الظاهرة عند بعض أصحابنا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏في أربعين شاة شاة وقوله‏:‏ فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بدالية أو نضح نصف العشر‏)‏ وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف ‏"‏ في ‏"‏ وهي للظرفية وإنما جاز الإخراج من غير النصاب رخصة وفائدة الخلاف أنها إذا كانت في الذمة‏,‏ فحال على ماله حولان لم يؤد زكاتهما وجب عليه أداؤها لما مضى‏,‏ ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني وكذلك إن كان أكثر من نصاب لم تنقص الزكاة‏,‏ وإن مضى عليه أحوال فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها وجب عليه ثلاث شياه‏,‏ وإن كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب لكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه‏,‏ احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها لأن الدين يمنع وجوب الزكاة وقال ابن عقيل‏:‏ لا تسقط الزكاة بهذا بحال لأن الشيء لا يسقط نفسه وقد يسقط غيره بدليل أن تغير الماء بالنجاسة في محلها لا يمنع صحة طهارتها وإزالتها به‏,‏ ويمنع إزالة نجاسة غيرها والأول أولى لأن الزكاة الثانية غير الأولى وإن قلنا‏:‏ الزكاة تتعلق بالعين وكان النصاب مما تجب الزكاة في عينه فحالت عليه أحوال لم تؤد زكاتها تعلقت الزكاة في الحول الأول من النصاب بقدره‏,‏ فإن كان نصابا لا زيادة عليه فلا زكاة فيه فيما بعد الحول الأول لأن النصاب نقص فيه‏,‏ وإن كان أكثر من نصاب عزل قدر فرض الحول الأول وعليه زكاة ما بقي وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية جماعة وقال‏,‏ في رواية محمد بن الحكم‏:‏ إذا كانت الغنم أربعين فلم يأته المصدق عامين فإذا أخذ المصدق شاة‏,‏ فليس عليه شيء في الباقي وفيه خلاف وقال في رواية صالح‏:‏ إذا كان عند الرجل مائتا درهم‏,‏ فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر يزكيها للعام الأول لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم وقال في رجل له ألف درهم‏,‏ فلم يزكها سنين‏:‏ يزكى في أول سنة خمسة وعشرين ثم في كل سنة بحساب ما بقي وهذا قول مالك والشافعي‏,‏ وأبي عبيد فإن كان عنده أربعون من الغنم نتجت سخلة في كل حول وجب عليه في كل سنة شاة لأن النصاب كمل بالسخلة الحادثة فإن كان نتاج السخلة بعد وجوب الزكاة عليه بمدة‏,‏ استؤنف الحول الثاني من حين نتجت لأنه حينئذ كمل‏.‏

فصل‏:‏

فإن ملك خمسا من الإبل فلم يؤد زكاتها أحوالا فعليه في كل سنة شاة نص عليه في رواية الأثرم قال في رواية الأثرم‏:‏ المال غير الإبل إذا أدى من الإبل‏,‏ لم ينقص والخمس بحالها وكذلك ما دون خمس وعشرين من الإبل‏,‏ لا تنقص زكاتها فيما بعد الحول الأول لأن الفرض يجب من غيرها فلا يمكن تعلقه بالعين وللشافعي قولان‏:‏ أحدهما أن زكاتها تنقص‏,‏ كسائر الأموال فإذا كان عنده خمس من الإبل فمضى عليها أحوال‏,‏ لم تجب عليه فيها إلا شاة واحدة لأنها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شيء كما لو ملك أربعا وجزءا من بعير ولنا‏,‏ أن الواجب من غير النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداه‏,‏ وفارق سائر المال فإن الزكاة يتعلق وجوبها بعينه فينقصه‏,‏ كما لو أداه من النصاب فعلى هذا لو ملك خمسا وعشرين فحالت عليها أحوال‏,‏ فعليه في الحول الأول بنت مخاض وعليه لكل حول بعده أربع شياه وإن بلغت قيمة الشاة الواجبة أكثر من خمس من الإبل فإن قيل‏:‏ فإذا لم يكن في خمس وعشرين بنت مخاض فالواجب فيها من غير عينها‏,‏ فيجب أن لا تنقص زكاتها أيضا في الأحوال كلها قلنا‏:‏ إذا أدى عن خمس وعشرين أكبر من بنت مخاض جاز فقد أمكن تعلق الزكاة بعينها لإمكان الأداء منها‏,‏ بخلاف عشرين من الإبل فإنه لا يقبل منه واحدة منها فافترقا‏.‏

فصل‏:‏

الحكم الثاني‏,‏ أن الزكاة تجب بحلول الحول سواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ التمكن من الأداء شرط‏,‏ فيشترط للوجوب ثلاثة أشياء‏:‏ الحول والنصاب والتمكن من الأداء وهذا قول مالك حتى لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لا زكاة عليه‏,‏ إذا لم يقصد الفرار من الزكاة لأنها عبادة فيشترط لوجوبها إمكان أدائها كسائر العبادات ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ فمفهومه‏,‏ وجوبها عليه إذا حال الحول ولأنه لو لم يتمكن من الأداء حتى حال عليه حولان وجبت عليه زكاة الحولين‏,‏ ولا يجوز وجوب فرضين في نصاب واحد في حال واحدة وقياسهم ينقلب عليهم فإننا نقول‏:‏ هذه عبادة‏,‏ فلا يشترط لوجوبها إمكان أدائها كسائر العبادات فإن الصوم يجب على الحائض والمريض العاجز عن أدائه‏,‏ والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم ومن أدرك من أول الوقت جزءا ثم جن أو حاضت المرأة والحج يجب على من أيسر في وقت لا يتمكن من الحج فيه‏,‏ أو منعه من المضي مانع ثم الفرق بينهما أن تلك عبادات بدنية يكلف فعلها ببدنه‏,‏ فأسقطها تعذر فعلها وهذه عبادة مالية يمكن ثبوت الشركة للمساكين في ماله والوجوب في ذمته مع عجزه عن الأداء‏,‏ كثبوت الديون في ذمة المفلس وتعلقها بماله بجنايته‏.‏

فصل‏:‏

الثالث أن الزكاة لا تسقط بتلف المال فرط أو لم يفرط هذا المشهور عن أحمد‏,‏ وحكى عنه الميموني أنه إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة عنه وإن تلف بعده‏,‏ لم تسقط وحكاه ابن المنذر مذهبا لأحمد وهو قول الشافعي والحسن بن صالح وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وبه قال مالك‏,‏ إلا في الماشية فإنه قال‏:‏ لا شيء فيها حتى يجيء المصدق فإن هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه وقال أبو حنيفة‏:‏ تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال إلا أن يكون الإمام قد طالبه بها فمنعها لأنه تلف قبل محل الاستحقاق‏,‏ فسقطت الزكاة كما لو تلفت الثمرة قبل الجذاذ ولأنه حق يتعلق بالعين‏,‏ فسقط بتلفها كأرش الجناية في العبد الجاني ومن اشترط التمكن قال‏:‏ هذه عبادة يتعلق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان أدائها‏,‏ كالحج ومن نصر الأول قال‏:‏ مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين‏,‏ أو لم يشترط في ضمانه إمكان الأداء كثمن المبيع والثمرة لا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوض‏,‏ ولهذا لو تلفت بجائحة كانت في ضمان البائع على ما دل عليه الخبر وإذا قلنا بوجوب الزكاة في العين فليس هو بمعنى استحقاق جزء منه‏,‏ ولهذا لا يمنع التصرف فيه والحج لا يجب حتى يتمكن من الأداء فإذا وجب لم يسقط بتلف المال‏,‏ بخلاف الزكاة فإن التمكن ليس بشرط لوجوبها على ما قدمناه والصحيح‏,‏ إن شاء الله أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء لأنها تجب على سبيل المواساة‏,‏ فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ومعنى التفريط أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها‏,‏ وإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط سواء كان ذلك لعدم المستحق‏,‏ أو لبعد المال عنه أو لكون الفرض لا يوجد في المال ويحتاج إلى شرائه‏,‏ فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء أو نحو ذلك وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال‏,‏ فأمكن المالك أداؤها أداها وإلا أنظر بها إلى ميسرته وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه لأنه إذا لزم إنظاره بدين الآدمي المتعين فبالزكاة التي هي حق الله تعالى أولى‏.‏