فصل: فصل: عدم الخروج مع الإمام أو القائد إذا عرف بالهزيمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب الجهاد

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي‏,‏ وتصديق برسولي فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه‏,‏ نائلا ما نال من أجر أو غنيمة‏)‏ متفق عليه ولمسلم‏:‏ ‏(‏مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم‏)‏ وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها‏)‏ رواه البخاري‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والجهاد فرض على الكفاية‏,‏ إذا قام به قوم سقط عن الباقين‏]‏

معنى فرض الكفاية الذي إن لم يقم به من يكفي‏,‏ أثم الناس كلهم وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع‏,‏ كفرض الأعيان ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات‏,‏ في قول عامة أهل العلم وحكي عن سعيد بن المسيب أنه من فروض الأعيان لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 41‏]‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 39‏]‏‏.‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القتال‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏216‏]‏‏.‏ وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏"‏من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو‏,‏ مات على شعبة من النفاق‏"‏ ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 95‏]‏‏.‏ وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 122‏]‏‏.‏ ولأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يبعث السرايا ويقيم هو وسائر أصحابه فأما الآية التي احتجوا بها‏,‏ فقد قال ابن عباس‏:‏ نسخها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 122‏]‏‏.‏ رواه الأثرم وأبو داود ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى غزوة تبوك وكانت إجابتهم إلى ذلك واجبة عليهم ولذلك هجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كعب بن مالك وأصحابه الذين خلفوا‏,‏ حتى تاب الله عليهم بعد ذلك وكذلك يجب على من استنفره الإمام لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏ إذا استنفرتم فانفروا ‏"‏ متفق عليه ومعنى الكفاية في الجهاد أن ينهض للجهاد قوم يكفون في قتالهم إما أن يكونوا جندا لهم دواوين من أجل ذلك أو يكونوا قد أعدوا أنفسهم له تبرعا بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم‏,‏ ويكون في الثغور من يدفع العدو عنها ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على العدو في بلادهم‏.‏

ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع أحدها إذا التقى الزحفان‏,‏ وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 45‏]‏‏.‏ وقوله ‏{‏واصبروا إن الله مع الصابرين‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 46‏]‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 16‏]‏‏.‏ الثاني إذا نزل الكفار ببلد‏,‏ تعين على أهله قتالهم ودفعهم الثالث إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه لقول الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 38‏]‏‏.‏ الآية والتي بعدها وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إذا استنفرتم فانفروا‏)‏‏.‏

ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط الإسلام والبلوغ‏,‏ والعقل والحرية والذكورية‏,‏ والسلامة من الضرر ووجود النفقة فأما الإسلام والبلوغ والعقل فهي شروط لوجوب سائر الفروع‏,‏ ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد والمجنون لا يتأتى منه الجهاد والصبي ضعيف البنية وقد روى ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏عرضت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة‏)‏ متفق عليه وأما الحرية فتشترط لما روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد‏)‏ ولأن الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة‏,‏ فلم تجب على العبد كالحج وأما الذكورية فتشترط لما روت عائشة قالت‏:‏ ‏(‏يا رسول الله‏,‏ هل على النساء جهاد‏؟‏ فقال‏:‏ جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة‏)‏ ولأنها ليست من أهل القتال لضعفها وخورها ولذلك لا يسهم لها ولا يجب على خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه ذكرا‏,‏ فلا يجب مع الشك في شرطه وأما السلامة من الضرر فمعناه السلامة من العمى والعرج والمرض وهو شرط لقول الله تعالى ‏{‏ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 61‏]‏‏.‏ ولأن هذه الأعذار تمنعه من الجهاد فأما العمى فمعروف‏,‏ وأما العرج فالمانع منه هو الفاحش الذي يمنع المشي الجيد والركوب كالزمانة ونحوها‏,‏ وأما اليسير الذي يتمكن معه من الركوب والمشي وإنما يتعذر عليه شدة العدو فلا يمنع وجوب الجهاد لأنه ممكن منه‏,‏ فشابه الأعور وكذلك المرض المانع هو الشديد فأما اليسير منه الذي لا يمنع إمكان الجهاد كوجع الضرس والصداع الخفيف‏,‏ فلا يمنع الوجوب لأنه لا يتعذر معه الجهاد فهو كالعور وأما وجود النفقة فيشترط لقول الله تعالى ‏{‏ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 91‏]‏‏.‏ ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة‏,‏ فيعتبر القدرة عليها فإن كان الجهاد على مسافة لا تقصر فيها الصلاة اشترط أن يكون واجدا للزاد ونفقة عائلته في مدة غيبته وسلاح يقاتل به‏,‏ ولا تعتبر الراحلة لأنه سفر قريب وإن كانت المسافة تقصر فيها الصلاة اعتبر مع ذلك الراحلة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏92‏]‏‏.‏

وأقل ما يفعل مرة في كل عام لأن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام وهي بدل عن النصرة‏,‏ فكذلك مبدلها وهو الجهاد فيجب في كل عام مرة إلا من عذر‏,‏ مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عدد أو عدة أو يكون ينتظر المدد يستعين به أو يكون الطريق إليهم فيها مانع أو ليس فيها علف أو ماء‏,‏ أو يعلم من عدوه حسن الرأي في الإسلام فيطمع في إسلامهم إن أخر قتالهم ونحو ذلك مما يرى المصلحة معه في ترك القتال‏,‏ فيجوز تركه بهدنة فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد صالح قريشا عشر سنين وأخر قتالهم حتى نقضوا عهده وأخر قتال قبائل من العرب بغير هدنة وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة وجب ذلك لأنه فرض كفاية‏,‏ فوجب منه ما دعت الحاجة إليه‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏قال أبو عبد الله‏:‏ لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد‏]‏

روى هذه المسألة‏:‏ عن أحمد جماعة من أصحابه قال الأثرم‏:‏ قال أحمد‏:‏ لا نعلم شيئا من أبواب البر أفضل من السبيل وقال الفضل بن زياد‏:‏ سمعت أبا عبد الله وذكر له أمر العدو‏؟‏ فجعل يبكي‏,‏ ويقول‏:‏ ما من أعمال البر أفضل منه وقال عنه غيره‏:‏ ليس يعدل لقاء العدو شيء ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم‏,‏ فأي عمل أفضل منه الناس آمنون وهم خائفون قد بذلوا مهج أنفسهم وقد روى ابن مسعود‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ الصلاة لمواقيتها قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال ثم بر الوالدين قلت ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ الجهاد في سبيل الله‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ أي الأعمال أفضل‏؟‏ أو أي الأعمال خير‏؟‏ قال‏:‏ إيمان بالله ورسوله قيل‏:‏ ثم أي شيء‏؟‏ قال‏:‏ الجهاد سنام العمل قيل‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ حج مبرور‏)‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وروى أبو سعيد الخدري قال‏:‏ ‏(‏قيل‏:‏ يا رسول الله أي الناس أفضل‏؟‏ فقال‏:‏ مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله‏)‏ متفق عليه وعن ابن عباس‏,‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ألا أخبركم بخير الناس‏؟‏ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وروى الخلال بإسناده عن الحسن قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏,‏ ما بين السماء والأرض من عمل أفضل من جهاد في سبيل الله أو حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال‏)‏ ولأن الجهاد بذل المهجة والمال‏,‏ ونفعه يعم المسلمين كلهم صغيرهم وكبيرهم قويهم وضعيفهم‏,‏ ذكرهم وأنثاهم وغيره لا يساويه في نفعه وخطره فلا يساويه في فضله وأجره‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏وغزو البحر أفضل من غزو البر‏]‏

وجملته أن الغزو في البحر مشروع‏,‏ وفضله كثير قال أنس بن مالك‏:‏ ‏(‏نام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم استيقظ وهو يضحك قالت أم حرام‏:‏ فقلت‏:‏ ما يضحكك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله‏,‏ يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة‏)‏ متفق عليه قال ابن عبد البر‏:‏ أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم خالة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرضاعة‏,‏ أرضعته أخت لهما ثالثة ولم نر هذا عن أحد سواه وأظنه إنما قال هذا لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينام في بيتها وينظر إلى شعرها‏,‏ ولعل هذا كان قبل نزول الحجاب وروى أبو داود بإسناده عن أم حرام عن ‏(‏النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ المائد في البحر‏,‏ الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين‏)‏ وروى ابن ماجه‏,‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏شهيد البحر مثل شهيدي البر والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر‏,‏ وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله وإن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح‏,‏ إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين‏,‏ ويغفر لشهيد البحر الذنوب والدين‏)‏ ولأن البحر أعظم خطرا ومشقة فإنه بين العدو وخطر الغرق ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه‏,‏ فكان أفضل من غيره‏.‏

فصل‏:‏

وقتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم وكان ابن المبارك يأتي من مرو لغزو الروم فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إن هؤلاء يقاتلون على دين وقد روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال لأم خلاد‏:‏ ‏(‏إن ابنك له أجر شهيدين قالت‏:‏ ولم ذاك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لأنه قتله أهل الكتاب‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

‏[‏ويغزى مع كل بر وفاجر‏]‏

يعنى مع كل إمام قال أبو عبد الله وسئل عن الرجل يقول‏:‏ أنا لا أغزو ويأخذه ولد العباس‏,‏ إنما يوفر الفيء عليهم فقال‏:‏ سبحان الله هؤلاء قوم سوء‏,‏ هؤلاء القعدة مثبطون جهال فيقال‏:‏ أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم‏,‏ من كان يغزو‏؟‏ أليس كان قد ذهب الإسلام‏؟‏ ما كانت تصنع الروم‏؟‏ وقد روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان‏,‏ أو فاجرا‏)‏ وبإسناده عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال‏:‏ لا إله إلا الله لا نكفره بذنب‏,‏ ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال والإيمان بالأقدار‏)‏ ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطع الجهاد‏,‏ وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر وفيه فساد عظيم‏,‏ قال الله تعالى ‏{‏ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 251‏]‏‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ لا يعجبني أن يخرج مع الإمام أو القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين وإنما يغزو مع من له شفقة وحيطة على المسلمين فإن كان القائد يعرف بشرب الخمر والغلول يغزى معه‏,‏ إنما ذلك في نفسه ويروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

ولا يستصحب الأمير معه مخذلا وهو الذي يثبط الناس عن الغزو‏,‏ ويزهدهم في الخروج إليه والقتال والجهاد مثل أن يقول‏:‏ الحر أو البرد شديد والمشقة شديدة‏,‏ ولا تؤمن هزيمة هذا الجيش وأشباه هذا ولا مرجفا وهو الذي يقول‏:‏ هلكت سرية المسلمين‏,‏ ومالهم مدد ولا طاقة لهم بالكفار والكفار لهم قوة‏,‏ ومدد وصبر ولا يثبت لهم أحد ونحو هذا‏,‏ ولا من يعين على المسلمين بالتجسس للكفار وإطلاعهم على عورات المسلمين ومكاتبتهم بأخبارهم‏,‏ ودلالتهم على عوراتهم أو إيواء جواسيسهم ولا من يوقع العداوة بين المسلمين ويسعى بالفساد لقول الله تعالى ‏{‏ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 47‏]‏‏.‏ ولأن هؤلاء مضرة على المسلمين‏,‏ فيلزمه منعهم وإن خرج معه أحد هؤلاء لم يسهم له ولم يرضخ وإن أظهر عون المسلمين لأنه يحتمل أن يكون أظهره نفاقا وقد ظهر دليله‏,‏ فيكون مجرد ضرر فلا يستحق مما غنموا شيئا وإن كان الأمير أحد هؤلاء لم يستحب الخروج معه لأنه إذا منع خروجه تبعا‏,‏ فمتبوعا أولى ولأنه لا تؤمن المضرة على من صحبه‏.‏

‏[‏ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو‏]‏

الأصل في هذا قول الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 123‏]‏‏.‏ ولأن الأقرب أكثر ضررا وفي قتاله دفع ضرره عن المقابل له‏,‏ وعمن وراءه والاشتغال بالبعيد عنه يمكنه من انتهاز الفرصة في المسلمين لاشتغالهم عنه قيل لأحمد‏:‏ يحكون عن ابن المبارك أنه قيل له‏:‏ تركت قتال العدو عندك‏,‏ وجئت إلى ها هنا‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء أهل الكتاب فقال أبو عبد الله‏:‏ سبحان الله ما أدرى ما هذا القول يترك العدو عنده‏,‏ ويجيء إلى ها هنا أفيكون هذا أويستقيم هذا‏,‏ وقد قال الله تعالى ‏{‏قاتلوا الذين يلونكم من الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 123‏]‏‏.‏ لو أن أهل خراسان كلهم عملوا على هذا لم يجاهد الترك أحد وهذا والله أعلم إنما فعله ابن المبارك لكونه متبرعا بالجهاد والكفاية حاصلة بغيره من أهل الديوان وأجناد المسلمين‏,‏ والمتبرع له ترك الجهاد بالكلية فكان له أن يجاهد حيث شاء ومع من شاء إذا ثبت هذا‏,‏ فإن كان له عذر في البداية بالأبعد لكونه أخوف أو لمصلحة في البداية به لقربه وإمكان الفرصة منه أو لكون الأقرب مهادنا‏,‏ أو يمنع من قتاله مانع فلا بأس بالبداية بالأبعد لكونه موضع حاجة‏.‏

وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده‏,‏ ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك وينبغي أن يبتدئ بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بإزائهم من المشركين ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم‏,‏ وجميع مصالحهم ويؤمر في كل ناحية أميرا يقلده أمر الحروب‏,‏ وتدبير الجهاد ويكون ممن له رأي وعقل ونجدة وبصر بالحرب ومكايدة العدو ويكون فيه أمانة ورفق ونصح للمسلمين وإنما يبدأ بذلك‏,‏ لأنه لا يأمن عليها من المشركين ويغزو كل قوم من يليهم إلا أن يكون في بعض الجهات من لا يفي به من يليه فينقل إليهم قوما من آخرين ويتقدم إلى من يؤمره أن لا يحمل المسلمين على مهلكة‏,‏ ولا يأمرهم بدخول مطمورة يخاف أن يقتلوا تحتها فإن فعل ذلك فقد أساء‏,‏ ويستغفر الله تعالى وليس عليه عقل ولا كفارة إذا أصيب واحد منهم بطاعته لأنه فعل ذلك باختياره ومعرفته فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة‏,‏ قسمها أهلها على موجب الشرع قال القاضي‏:‏ ويؤخر قسمة الإماء حتى يظهر إمام احتياطا للفروج فإن بعث الإمام جيشا وأمر عليهم أميرا فقتل أو مات‏,‏ فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جيش مؤتة لما قتل أمراؤهم الذين أمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمروا عليهم خالد بن الوليد‏,‏ فبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرضي أمرهم وصوب رأيهم وسمى خالدًا يومئذ‏:‏ ‏"‏ سيف الله ‏"‏‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ قال عمر‏:‏ وفروا الأظفار في أرض العدو فإنه سلاح قال أحمد‏:‏ يحتاج إليها في أرض العدو‏,‏ ألا ترى أنه إذا أراد أن يحل الحبل أو الشيء فإذا لم يكن له أظفار لم يستطع وقال عن الحكم بن عمرو‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا نحفى الأظفار في الجهاد فإن القوة الأظفار‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ يشيع الرجل إذا خرج ولا يتلقونه‏,‏ شيع على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك ولم يتلقه وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام ويزيد راكب وأبو بكر رضي الله عنه يمشي‏,‏ فقال له يزيد‏:‏ يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل أنا فأمشي معك قال‏:‏ لا أركب ولا تنزل‏,‏ إنني أحتسب خطاى هذه في سبيل الله وشيع أبو عبد الله أبا الحارث الصائغ ونعلاه في يديه وذهب إلى فعل أبي بكر أراد أن تغبر قدماه في سبيل الله وقال‏:‏ عن عوف بن مالك الخثعمي‏,‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار‏)‏ قال أحمد‏:‏ ليس للخثعمي صحبة وهو قديم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وتمام الرباط أربعون يوما‏]‏

معنى الرباط الإقامة بالثغر‏,‏ مقويا للمسلمين على الكفار والثغر‏:‏ كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم وأصل الرباط من رباط الخيل لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم كل يعد لصاحبه‏,‏ فسمى المقام بالثغر رباطًا وإن لم يكن فيه خيل وفضله عظيم وأجره كبير قال أحمد‏:‏ ليس يعدل الجهاد عندي والرباط شيء والرباط دفع عن المسلمين وعن حريمهم‏,‏ وقوة لأهل الثغر ولأهل الغزو فالرباط أصل الجهاد وفرعه والجهاد أفضل منه للعناء والتعب والمشقة وقد روي في فضل الرباط أخبار منها ما روى سلمان‏,‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏يقول‏:‏ رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه فإن مات جرى عليه عمله الذي يعمل وأجرى عليه رزقه‏,‏ وأمن الفتان‏)‏ رواه مسلم وعن فضالة بن عبيد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله‏,‏ فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر‏)‏ رواه أبو داود والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال على المنبر‏:‏ إني كنت كتمتكم حديثا سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كراهية تفرقكم عني ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ منكم لنفسه‏,‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏يقول‏:‏ رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل‏)‏ رواه أبو داود والأثرم‏,‏ وغيرهما إذا ثبت هذا فإن الرباط يقل ويكثر فكل مدة أقامها بنية الرباط فهو رباط قل أو كثر ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏رباط يوم ورباط ليلة‏)‏ قال أحمد‏:‏ يوم رباط‏,‏ وليلة رباط وساعة رباط وقال‏:‏ عن أبي هريرة‏:‏ ومن رابط يوما في سبيل الله كتب به أجر الصائم القائم‏,‏ ومن زاد زاده الله وروى سعيد بن منصور بإسناده عن عطاء الخراساني‏,‏ عن أبي هريرة رباط يوم في سبيل الله أحب إلى من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الحرام‏,‏ أو مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن رابط أربعين يوما فقد استكمل الرباط وتمام الرباط أربعون يومًا روي ذلك عن أبي هريرة وابن عمر وقد ذكرنا خبر أبي هريرة وروى أبو الشيخ‏,‏ في ‏"‏كتاب الثواب‏"‏ بإسناده عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏تمام الرباط أربعون يوما‏)‏ وروي عن نافع عن ابن عمر أنه قدم على عمر بن الخطاب من الرباط‏,‏ فقال له‏:‏ كم رابطت‏؟‏ قال‏:‏ ثلاثين يوما قال‏:‏ عزمت عليك إلا رجعت حتى تتمها أربعين يوما وإن رابط أكثر فله أجره كما قال أبو هريرة‏:‏ ومن زاد‏,‏ زاده الله‏.‏

‏:‏ وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفا لأنهم أحوج ومقامه به أنفع قال أحمد‏:‏ أفضل الرباط أشدهم كلبا وقيل لأبي عبد الله‏:‏ فأين أحب إليك أن ينزل الرجل بأهله‏؟‏ قال‏:‏ كل مدينة معقل للمسلمين مثل دمشق وقال‏:‏ أرض الشام أرض المحشر‏,‏ ودمشق موضع يجتمع إليه الناس إذا غلبت الروم قيل لأبي عبد الله‏:‏ فهذه الأحاديث التي جاءت‏:‏ ‏"‏ إن الله تكفل لي بالشام ‏"‏ ونحو هذا‏؟‏ قال‏:‏ ما أكثر ما جاء فيه وقيل له‏:‏ إن هذا في الثغور فأنكره وقال‏:‏ أرض القدس أين هي‏؟‏ ‏"‏ ولا يزال أهل الغرب ظاهرين ‏"‏ هم أهل الشام ففسر أحمد الغرب في هذا الحديث بالشام وهو حديث صحيح‏,‏ رواه مسلم وإنما فسره بذلك لأن الشام يسمى مغربا لأنه مغرب للعراق‏,‏ كما يسمى العراق مشرقا ولهذا قيل‏:‏ ولأهل المشرق ذات عرق وقد جاء في حديث مصرحا به‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم‏,‏ حتى يأتي أمر الله وهم بالشام‏)‏ وفي الحديث عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل‏,‏ قال‏:‏ ‏"‏ وهم بالشام ‏"‏ رواه البخاري في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ وفي خبر عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة بدمشق ظاهرين‏)‏ أخرجه البخاري‏,‏ في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ وقد رويت في الشام أخبار كثيرة منها حديث عبد الله بن حوالة الأزدي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق‏,‏ وجندا باليمن فقلت‏:‏ خر لي يا رسول الله قال‏:‏ عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده‏,‏ فمن أبي فليلحق باليمن ويسق من غدره‏,‏ فإن الله تكفل لي بالشام وأهله‏)‏ رواه أبو داود بمعناه وكان أبو إدريس إذا روى هذا الخبر قال‏:‏ ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه وروي عن الأوزاعي‏,‏ قال‏:‏ أتيت المدينة فسألت‏:‏ من بها من العلماء‏؟‏ فقيل‏:‏ محمد بن المنكدر ومحمد بن كعب القرظي‏,‏ ومحمد بن على بن عبد الله بن العباس ومحمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت‏:‏ والله لأبدأن بهذا قبلهم فدخلت إليه فأخذ بيدي‏,‏ وقال‏:‏ من أي إخواننا أنت‏؟‏ قلت‏:‏ من أهل الشام قال‏:‏ من أيهم‏؟‏ قلت‏:‏ من أهل دمشق قال‏:‏ حدثني أبي عن جدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏يكون للمسلمين ثلاث معاقل فمعقلهم في الملحمة الكبرى التي تكون بعمق أنطاكية دمشق‏,‏ ومعقلهم من الدجال بيت المقدس ومعقلهم من يأجوج ومأجوج طور سيناء‏)‏ رواه أبو نعيم في ‏"‏ الحلية ‏"‏‏,‏ وفي خبر آخر عن أبي الدرداء أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة‏,‏ إلى جانب مدينة يقال لها‏:‏ دمشق من خير مدائن الشام‏)‏ أخرجه أبو داود وروى سعيد بن منصور في ‏"‏ سننه ‏"‏ بإسناده عن أبي النضر‏,‏ أن عوف بن مالك ‏(‏أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ يا رسول الله أوصني قال‏:‏ عليك بجبل الخمر قال‏:‏ وما جبل الخمر‏؟‏ قال‏:‏ أرض المحشر‏)‏ وبإسناده عن عطاء الخراساني‏:‏ ‏(‏بلغني أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ رحم الله أهل المقبرة ثلاث مرات فسئل عن ذلك‏,‏ فقال‏:‏ تلك مقبرة تكون بعسقلان‏)‏ فكان عطاء يرابط بها كل عام أربعين يوما حتى مات وروى الدارقطني في ‏"‏ كتابه المخرج على الصحيحين ‏"‏ بإسناده عن ابن عمر ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى على مقبرة‏,‏ فقيل له‏:‏ يا رسول الله أي مقبرة هي‏؟‏ قال‏:‏ مقبرة بأرض العدو يقال لها‏:‏ عسقلان‏,‏ يفتتحها ناس من أمتي يبعث الله منها سبعين ألف شهيد فيشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر‏,‏ ولكل عروس وعروس الجنة عسقلان‏)‏ وبإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه ‏(‏أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ إني أريد أن أغزو فقال‏:‏ عليك بالشام وأهله‏,‏ ثم الزم من الشام عسقلان فإنها إذا دارت الرحى في أمتي كان أهلها في راحة وعافية‏)‏‏.‏

‏:‏ ومذهب أبي عبد الله كراهة نقل النساء والذرية إلى الثغور المخوفة وهو قول الحسن‏,‏ والأوزاعي لما روى يزيد بن عبد الله قال‏:‏ قال عمر‏:‏ لا تنزلوا المسلمين ضفة البحر رواه الأثرم بإسناده ولأن الثغور المخوفة لا يؤمن ظفر العدو بها وبمن فيها‏,‏ واستيلاؤهم على الذرية والنساء قيل لأبي عبد الله‏:‏ فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم‏؟‏ قال‏:‏ كيف لا أخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين‏؟‏ وقال‏:‏ كنت آمر بالتحول بالأهل والعيال إلى الشام قبل اليوم فأنا أنهى عنه الآن لأن الأمر قد اقترب وقال‏:‏ لا بد لهؤلاء القوم من يوم قيل‏:‏ فذلك في آخر الزمان قال‏:‏ فهذا آخر الزمان قيل‏:‏ فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقرع بين نسائه‏,‏ فأيتهن خرج سهمها خرج بها قال‏:‏ هذا للواحدة ليس الذرية وهذا من كلام أحمد محمول على أن غير أهل الثغر لا يستحب لهم الانتقال بأهلهم إلى ثغر مخوف‏,‏ فأما أهل الثغر فلا بد لهم من السكنى بأهلهم لولا ذلك لخربت الثغور وتعطلت وخص الثغور المخوفة‏,‏ بدليل أنه اختار سكنى دمشق ونحوها مع كونها ثغرا لأن الغالب سلامتها وسلامة أهلها‏.‏