فصل: فصل: حد أرض الصلح وأرض العَنْوَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ويخرص النخل والكرم لما روينا من الأثر فيهما ولم يسمع بالخرص في غيرهما فلا يخرص الزرع في سنبله وبهذا قال عطاء‏,‏ والزهري ومالك لأن الشرع لم يرد بالخرص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه‏,‏ لأن ثمرة النخل والكرم تؤكل رطبا فيخرص على أهله للتوسعة عليهم ليخلي بينهم وبين أكل الثمرة والتصرف فيها‏,‏ ثم يؤدون الزكاة منها على ما خرص ولأن ثمرة الكرم والنخل ظاهرة مجتمعة فخرصها أسهل من خرص غيرها‏,‏ وما عداهما فلا يخرص وإنما على أهله فيه الأمانة إذا صار مصفى يابسا ولا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله ولا يحتسب عليهم وسئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك‏؟‏ قال‏:‏ لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه وذلك لأن العادة جارية به‏,‏ فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم فإذا صفى الحب أخرج زكاة الموجود كله ولم يترك منه شيء لأنه إنما ترك لهم في الثمرة شيء لكون النفوس تتوق إلى أكلها رطبة‏,‏ والعادة جارية به وفي الزرع إنما يؤكل شيء يسير لا وقع له‏.‏

فصل‏:‏

ولا يخرص الزيتون‏,‏ ولا غير النخل والكرم لأن حبه متفرق في شجره مستور بورقه ولا حاجة بأهله إلى أكله‏,‏ بخلاف النخل والكرم فإن ثمرة النخل مجتمعة في عذوقه والعنب في عناقيده‏,‏ فيمكن أن يأتي الخرص عليه والحاجة داعية إلى أكلهما في حال رطوبتهما وبهذا قال مالك وقال الزهري والأوزاعي‏,‏ والليث‏:‏ يخرص لأنه ثمر تجب فيه الزكاة فيخرص كالرطب والعنب ولنا‏:‏ أنه لا نص في خرصه ولا هو في معنى المنصوص‏,‏ فيبقى على الأصل‏.‏

فصل‏:‏

ووقت الإخراج للزكاة بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار لأنه أوان الكمال وحال الادخار والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال لأن الثمرة كالماشية ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها والقيام عليها إلى حين الإخراج‏,‏ على ربها كذا ها هنا فإن أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء‏,‏ ويرده إن كان رطبا بحاله وإن تلف رد مثله وإن جففه وكان قدر الزكاة‏,‏ فقد استوفى الواجب وإن كان دونه أخذ الباقي وإن كان زائدا رد الفضل وإن كان المخرج لها رب المال‏,‏ لم يجزئه ولزمه إخراج الفضل بعد التجفيف لأنه أخرج غير الفرض فلم يجزئه‏,‏ كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار‏.‏

فصل‏:‏

وإن احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها خوفا من العطش أو لضعف الجمار‏,‏ جاز قطعها لأن حق الفقراء إنما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الإنسان من ذلك ما يهلك أصل ماله ولأن حفظ الأصل أحفظ للفقراء من حفظ الثمرة‏,‏ لأن حقهم يتكرر بحفظها في كل سنة فهم شركاء في النخل ثم إن كان يكفي تجفيف الثمرة دون قطع جميعها جففها‏,‏ وإن لم يكف إلا قطع جميعها جاز وكذلك إن أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز وإذا أراد ذلك فقال القاضي‏:‏ يخير الساعي بين أن يقاسم رب المال الثمرة قبل الجداد بالخرص‏,‏ ويأخذ نصيبهم نخلة مفردة ويأخذ ثمرتها وبين أن يجذها‏,‏ ويقاسمه إياها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين أن يبيعها من رب المال أو من غيره قبل الجداد أو بعده‏,‏ ويقسم ثمنها في الفقراء وقال أبو بكر‏:‏ عليه الزكاة فيه يابسا وذكر أن أحمد نص عليه وكذلك الحكم في العنب الذي لا يجيء منه زبيب كالخمري والرطب الذي لا يجيء منه تمر جيد‏,‏ كالبرنبا والهلياث فإن قيل‏:‏ فهلا قلتم لا زكاة فيه لأنه لا يدخر فهو كالخضراوات وطلع الفحال قلنا‏:‏ لأنه يدخر في الجملة‏,‏ وإنما لم يدخر ها هنا لأن أخذه رطبا أنفع فلم تسقط منه الزكاة بذلك‏,‏ ولا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ حدا يكون منه خمسة أوسق تمرا أو زبيبا إلا على الرواية الأخرى وإذا أتلف رب المال هذه الثمرة فقال القاضي‏:‏ عليه قيمتها‏,‏ كما لو أتلفها غير رب المال وعلى قول أبي بكر‏:‏ يجب في ذمته العشر تمرا أو زبيبا كما في غير هذه الثمرة قال‏:‏ فإن لم يجد التمر‏,‏ ففيه قولان‏:‏ أحدهما يؤخذ منه قيمته والثاني‏:‏ يكون في ذمته وعليه أن يأتي به‏.‏

فصل‏:‏

فأما كيفية الإخراج‏,‏ فإن كان المال الذي فيه الزكاة نوعا واحدا أخذ منه جيدا كان أو رديئا لأن حق الفقراء يجب على طريق المواساة فهم بمنزلة الشركاء‏,‏ لا نعلم في هذا خلافا وإن كان أنواعا أخذ من كل نوع ما يخصه هذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك والشافعي‏:‏ يؤخذ من الوسط وكذلك قال أبو الخطاب‏,‏ إذا شق عليه إخراج زكاة كل نوع منه قال ابن المنذر‏:‏ وقال غيرهما‏:‏ يؤخذ عشر ذلك من كل بقدره وهو أولى لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي أن يتساووا في كل نوع منه ولا مشقة في ذلك‏,‏ بخلاف الماشية إذا كانت أنواعا فإن إخراج حصة كل نوع منه يفضي إلى تشقيص الواجب وفيه مشقة بخلاف الثمار‏,‏ ولهذا وجب في الزائد بحسابه ولا يجوز إخراج الرديء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 267‏]‏‏.‏ قال أبو أمامة سهل بن حنيف في هذه الآية‏:‏ هو الجعرور ولون الحبيق فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يؤخذ في الصدقة‏)‏ رواه النسائي‏,‏ وأبو عبيد قال‏:‏ وهما ضربان من التمر أحدهما إنما يصير قشرا على نوى والآخر إذا أثمر صار حشفا ولا يجوز أخذ الجيد عن الرديء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏إياك وكرائم أموالهم‏)‏ فإن تطوع رب المال بذلك جاز‏,‏ وله ثواب الفضل على ما ذكرنا في فضل الماشية‏.‏

فصل‏:‏

فأما الزيتون فإن كان مما لا زيت له‏,‏ فإنه يخرج منه عشره حبا إذا بلغ النصاب لأنه حال كماله وادخاره يخرج منه‏,‏ كما يخرص الرطب في حال رطوبته وإن كان له زيت أخرج منه زيتا إذا بلغ الحب خمسة أوسق وهذا قول الزهري‏,‏ والأوزاعي ومالك والليث قالوا‏:‏ يخرص الزيتون‏,‏ ويؤخذ زيتا صافيا وقال مالك‏:‏ إذا بلغ خمسة أوسق أخذ العشر من زيته بعد أن يعصر وقال الثوري وأبو حنيفة‏:‏ يخرج من حبه كسائر الثمار ولأنه الحالة التي تعتبر فيها الأوساق‏,‏ فكان إخراجه فيها كسائر الثمار وهذا جائز والأول أولى لأنه يكفي الفقراء مؤنته فيكون أفضل‏,‏ كتجفيف التمر ولأنه حال كماله وادخاره فيخرج منه‏,‏ كما يخرص الرطب في حال رطوبته ويخرج منه إذا يبس‏.‏

فصل‏:‏

ومذهب أحمد أن في العسل العشر قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد الله‏:‏ أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة‏؟‏ قال‏:‏ نعم أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر‏,‏ قد أخذ عمر منهم الزكاة قلت‏:‏ ذلك على أنهم تطوعوا به‏؟‏ قال لا بل أخذه منهم ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري‏,‏ وسليمان بن موسى والأوزاعي وإسحاق وقال مالك‏,‏ والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح‏,‏ وابن المنذر‏:‏ لا زكاة فيه لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن قال ابن المنذر‏:‏ ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة‏,‏ وإلا فلا زكاة فيه ووجه الأول ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل‏,‏ من كل عشر قرب قربة من أوسطها‏)‏ رواه أبو عبيد والأثرم وابن ماجه وعن سليمان بن موسى ‏(‏ أن أبا سيارة المتعي قال‏:‏ قلت يا رسول الله‏:‏ إن لي نحلا قال‏:‏ أد عشرها قال‏:‏ فاحم إذا جبلها فحماه له‏)‏ رواه أبو عبيد‏,‏ وابن ماجه وروى الأثرم عن ابن أبي ذباب عن أبيه عن جده أن عمر ـ رضي الله عنه ـ أمره في العسل بالعشر أما الابن فإن الزكاة وجبت في أصله وهي السائمة‏,‏ بخلاف العسل وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى- ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ والأرض أرضان‏:‏ صلح وعنوة ‏)‏ وجملته أن الأرض قسمان‏:‏ صلح وعنوة‏,‏ فأما الصلح فهو كل أرض صالح أهلها عليها لتكون لهم ويؤدون خراجا معلوما فهذه الأرض ملك لأربابها‏,‏ وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم ولهم بيعها وهبتها ورهنها لأنها ملك لهم‏,‏ وكذلك إن صالحوا على أداء شيء غير موظف على الأرض وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها كأرض المدينة وشبهها‏,‏ فهذه ملك لأربابها لا خراج عليها ولهم التصرف فيها كيف شاءوا وأما الثاني‏,‏ وهو ما فتح عنوة فهي ما أجلى عنها أهلها بالسيف ولم تقسم بين الغانمين‏,‏ فهذه تصير للمسلمين يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها في كل عام‏,‏ يكون أجرة لها وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها‏,‏ سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم لأنه بمنزلة أجرتها ولم نعلم أن شيئا مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبر‏,‏ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قسم نصفها فصار ذلك لأهله لا خراج عليه‏,‏ وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ومن بعده كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شيء‏,‏ فروى أبو عبيد في ‏"‏ الأموال ‏"‏ أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمين‏,‏ فقال له معاذ‏:‏ والله إذا ليكونن ما تكره إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة‏,‏ ثم يأتي بعدهم قوم أخر يسدون من الإسلام مسدا وهم لا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فصار عمر إلى قول معاذ وروى أيضا قال‏:‏ قال الماجشون‏:‏ قال بلال لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في القرى التي افتتحوها عنوة‏:‏ اقسمها بيننا‏,‏ وخذ خمسها فقال عمر‏:‏ لا هذا عين المال ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه لعمر‏:‏ اقسمها بيننا فقال عمر‏:‏ اللهم اكفني بلالا وذويه قال فما حال الحول ومنهم عين تطرف وروى‏,‏ بإسناده عن سفيان بن وهب الخولاني قال‏:‏ لما افتتح عمرو بن العاص مصر قام ابن الزبير‏,‏ فقال‏:‏ يا عمرو بن العاص اقسمها فقال عمرو‏:‏ لا أقسمها فقال ابن الزبير‏:‏ لتقسمنها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خيبر فقال عمرو‏:‏ لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إلى عمر‏,‏ فكتب إليه عمر‏:‏ أن دعها حتى يعروا منها حبل الحبلة قال القاضي‏:‏ ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الصحابة أنه قسم أرضا عنوة إلا خيبر‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ ومن يقوم على أرض الصلح وأرض العنوة ومن أين هي وإلى أين هي‏؟‏ وقال‏:‏ أرض الشام عنوة‏,‏ إلا حمص وموضعا آخر وقال‏:‏ ما دون النهر صلح وما وراءه عنوة وقال‏:‏ فتح المسلمون السواد عنوة‏,‏ إلا ما كان منه صلح وهي أرض الحيرة وأرض مانقيا وقال‏:‏ أرض الثرى خلطوا في أمرها‏,‏ فأما ما فتح عنوة من نهاوند إلى طبرستان خراج وقال أبو عبيد‏:‏ أرض الشام عنوة ما خلا مدنها فإنها فتحت صلحا‏,‏ إلا قيسارية افتتحت عنوة وأرض السواد والحل ونهاوند والأهواز ومصر والمغرب قال موسى بن على بن رباح‏,‏ عن أبيه‏:‏ المغرب كله عنوة فأما أرض الصلح فأرض هجر والبحرين وأيلة‏,‏ ودومة الجندل وأذرح فهذه القرى التي أدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجزية‏,‏ ومدن الشام ما خلا أرضها إلا قيسارية وبلاد الجزيرة كلها وبلاد خراسان كلها أو أكثرها صلح وكل موضع فتح عنوة فإنه وقف على المسلمين‏.‏

فصل‏:‏

وما استأنف المسلمون فتحه‏,‏ فإن فتح عنوة ففيه ثلاث روايات‏:‏ إحداهن أن الإمام مخير بين قسمتها على الغانمين وبين وقفيتها على جميع المسلمين لأن كلا الأمرين قد ثبت فيه حجة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قسم نصف خيبر‏,‏ ووقف نصفها لنوائبه ووقف عمر الشام والعراق ومصر وسائر ما فتحه وأقره على ذلك علماء الصحابة وأشاروا عليه به‏,‏ وكذلك فعل من بعده من الخلفاء ولم يعلم أحد منهم قسم شيئا من الأرض التي افتتحوها والثانية أنها تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها لاتفاق الصحابة عليه‏,‏ وقسمة النبي - صلى الله عليه وسلم- خيبر كان في بدء الإسلام وشدة الحاجة فكانت المصلحة فيه‏,‏ وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض فكان ذلك هو الواجب والثالثة أن الواجب قسمتها وهو قول مالك‏,‏ وأبي ثور لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك وفعله أولى من فعل غيره مع عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 41‏]‏‏.‏ الآية يفهم منها أن أربعة أخماسها للغانمين والرواية الأولى أولى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل الأمرين جميعا في خيبر‏,‏ ولأن عمر قال‏:‏ لولا آخر الناس لقسمت الأرض كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم- خيبر فقد وقف الأرض مع علمه بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- فدل على أن فعله ذلك لم يكن متعينا كيف والنبي - صلى الله عليه وسلم- قد وقف نصف خيبر ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها قال أبو عبيد‏:‏ تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في خيبر حين قسمها‏,‏ وبه أشار بلال وأصحابه على عمر في أرض الشام وأشار به الزبير في أرض مصر وحكم عمر في أرض السواد وغيره حين وقفه‏,‏ وبه أشار على ومعاذ على عمر في أرض الشام وليس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- رادا لفعل عمر لأن كل واحد منهما اتبع آية محكمة‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 41‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 7‏]‏‏.‏ الآية فكان كل واحد من الأمرين جائزا والنظر في ذلك إلى الإمام فما رأى من ذلك فعله وهذا قول الثوري‏,‏ وأبي عبيد إذا ثبت هذا فإن الاختيار المفوض إلى الإمام اختيار مصلحة لا اختيار تشه فيلزمه فعل ما يرى المصلحة فيه ولا يجوز له العدول عنه‏,‏ كالخيرة بين القتل والاسترقاق والفداء والمن في الأسرى ولا يحتاج إلى النطق بالوقف‏,‏ بل تركه له من غير قسمة هو وقفه لها كما أن قسمها بين الغانمين لا يحتاج معه إلى لفظ وإن عمر وغيره لم ينقل عنهم في وقف الأرض لفظ الوقف ولأن معنى وقفها ها هنا‏,‏ أنها باقية لجميع المسلمين يؤخذ خراجها ويصرف في مصالحهم‏,‏ ولا يخص أحد بملك شيء منها وهذا حاصل بتركها‏.‏

فصل‏:‏

فأما ما جلا عنها أهلها خوفا من المسلمين فهذه تصير وقفا بنفس الظهور عليها لأن ذلك متعين فيها‏,‏ إذ لم يكن لها غانم فكان حكمها حكم الفيء يكون للمسلمين كلهم وقد روي أنها لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام وحكمها حكم العنوة إذا وقفت وما صالح عليه الكفار من أرضهم‏,‏ على أن الأرض لنا ونقرهم فيها بخراج معلوم‏,‏ فهو وقف أيضا حكمه حكم ما ذكرناه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فتح خيبر وصالح أهلها على أن يعمروا أرضها‏,‏ ولهم نصف ثمرتها فكانت للمسلمين منهم وصالح بني النضير على أن يجليهم من المدينة‏,‏ ولهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة - يعني السلاح - فكانت مما أفاء الله على رسوله فأما ما صولحوا عليه على أن الأرض لهم‏,‏ ونقرهم فيها بخراج معلوم فهذا الخراج في حكم الجزية تسقط بإسلامهم والأرض لهم لا خراج عليها لأن الخراج الذي ضرب عليهم إنما كان من أجل كفرهم‏,‏ بمنزلة الجزية المضروبة على رءوسهم فإذا أسلموا سقط كما تسقط الجزية‏,‏ وتبقى الأرض ملكا لهم لاخراج عليها ولو انتقلت الأرض إلى مسلم لم يجب عليها خراج لذلك‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز شراء شيء من الأرض الموقوفة ولا بيعه‏,‏ في قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عباس‏,‏ وعبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـم ـ وروى ذلك عن عبد الله بن مغفل وقبيصة بن ذؤيب ومسلم بن مسلم‏,‏ وميمون بن مهران والأوزاعي ومالك‏,‏ وأبي إسحاق الفزاري وقال الأوزاعي‏:‏ لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ويكرهه علماؤهم وقال الأوزاعي‏:‏ أجمع رأى عمر وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- لما ظهروا على الشام‏,‏ على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها‏,‏ ويؤدون خراجها إلى المسلمين ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعا ولا كرها وكرهوا ذلك مما كان من اتفاق عمر وأصحابه في الأرضين المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين لا تباع ولا تورث‏,‏ قوة على جهاد من لم تظهر عليه بعد من المشركين وقال الثوري‏:‏ إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها وروى نحو هذا عن ابن سيرين والقرطبي لما روى عبد الرحمن بن يزيد أن‏,‏ ابن مسعود اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها وروى عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن السفر في الأهل والمال‏)‏ ثم قال عبد الله‏:‏ فكيف بمال بزاذان وبكذا‏,‏ وبكذا وهذا يدل على أن له مالا بزاذان ولأنها أرض لهم فجاز بيعها وقد روى عن أحمد‏,‏ أنه قال‏:‏ إن كان الشراء أسهل يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس هو رجل من المسلمين وكره البيع في أرض السواد وإنما رخص في الشراء - والله أعلم - لأن بعض الصحابة اشترى ولم يسمع عنهم البيع‏,‏ ولأن الشراء استخلاص للأرض فيقوم فيها مقام من كانت في يده والبيع أخذ عوض عن ما لا يملكه ولا يستحقه‏,‏ فلا يجوز ولنا‏:‏ إجماع الصحابة ـ رضي الله عنه ـم ـ فإنه روى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‏:‏ لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أرضهم وقال الشعبي‏:‏ اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطئ الفرات ليتخذ فيها قصبا‏,‏ فذكر ذلك لعمر فقال‏:‏ ممن اشتريتها‏؟‏ قال‏:‏ من أربابها فلما اجتمع المهاجرون والأنصار قال‏:‏ هؤلاء أربابها‏,‏ فهل اشتريت منهم شيئا‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فارددها على من اشتريتها منه وخذ مالك وهذا قول عمر في المهاجرين والأنصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم فلم ينكر‏,‏ فكان إجماعا ولا سبيل إلى وجود إجماع أقوى من هذا وشبهه إذ لا سبيل إلى نقل قول جميع الصحابة في مسألة‏,‏ ولا إلى نقل قول العشرة ولا يوجد الإجماع إلا القول المنتشر فإن قيل‏:‏ فقد خالفه ابن مسعود بما ذكرناه عنه قلنا‏:‏ لا نسلم المخالفة وقولهم اشترى قلنا‏:‏ المراد به‏:‏ اكترى كذلك قال أبو عبيد والدليل عليه قوله‏:‏ على أن يكفيه جزيتها ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره وقد روى عنه القاسم أنه قال‏:‏ من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار والذل وهذا يدل على أن الشراء ها هنا الاكتراء وكذلك كل من رويت عنه الرخصة في الشراء فمحمول على ذلك وقوله‏:‏ فكيف بمال بزاذان فليس فيه ذكر الشراء ولأن المال أرض‏,‏ فيحتمل أنه أراد مالا من السائمة أو التجارة أو الزرع أو غيره ويحتمل أنه أرض أكتراها ويحتمل أنه أراد بذلك غيره‏,‏ وقد يعيب الإنسان الفعل المعيب من غيره جواب ثان أنه يتناول الشراء وبقي قول عمر في النهي عن البيع غير معارض‏,‏ وأما المعنى فلأنها موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الأحباس والوقوف‏,‏ والدليل على وقفها النقل والمعنى أما النقل فما نقل من الأخبار أن عمر لم يقسم الأرض التي افتتحها‏,‏ وتركها لتكون مادة لأجناد المسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى يوم القيامة وقد نقلنا بعض ذلك وهو مشهور تغنى شهرته عن نقله وأما المعنى‏,‏ فلأنها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثتهم أو لمن انتقلت إليه عنهم‏,‏ ولم تكن مشتركة بين المسلمين ولأنها لو قسمت ولم تخف بالكلية فإن قيل‏:‏ فليس في هذا ما يلزم منه الوقف لأنه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامة‏,‏ فيكون فيئا للمسلمين والإمام نائبهم فيفعل ما يرى فيه المصلحة‏,‏ من بيع أو غيره ويحتمل أنه تركها لأربابها كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة قلنا‏:‏ أما الأول فلا يصح لأن عمر إنما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهم‏,‏ ينتفعون بها مع بقاء أصلها وهذا معنى الوقف‏,‏ ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين افتتحوها أحق بها فلا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة والثاني أظهر فسادا من الأول‏,‏ فإنه إذا منعها المسلمين المستحقين كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب‏؟‏‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قلنا بصحة الشراء فإنها تكون في يد المشتري على ما كانت في يد البائع‏,‏ يؤدي خراجها ويكون معنى الشراء ها هنا نقل اليد من البائع إلى المشترى بعوض وإن شرط الخراج على البائع كما فعل ابن مسعود فيكون اكتراء لا شراء‏,‏ وينبغي أن يشترط بيان مدته كسائر الإجارات‏.‏

فصل‏:‏

وإذا بيعت هذه الأرض فحكم بصحة البيع حاكم‏,‏ صح لأنه مختلف فيه فصح بحكم الحاكم كسائر المجتهدات وإن باع الإمام شيئا لمصلحة رآها‏,‏ مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارة لا يعمرها إلا من يشتريها صح أيضا لأن فعل الإمام كحكم الحاكم وقد ذكر ابن عائذ في كتاب فتوح الشام‏,‏ قال‏:‏ قال غير واحد من مشيختنا إن الناس سألوا عبد الملك والوليد وسلمان أن يأذنوا لهم في شراء الأرض من أهل الذمة فأذنوا لهم على إدخال أثمانها في بيت المال فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك الأشرية لاختلاط الأمور فيها لما وقع فيها من المواريث ومهور النساء وقضاء الديون ولم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك وكتب كتابا قرئ على الناس سنة المائة‏,‏ أن من اشترى شيئا بعد سنة مائة فإن بيعه مردود وسمى سنة مائة سنة المدة فتناهى الناس عن شرائها ثم اشتروا أشرية كثيرة كانت بأيدي أهلها تؤدي العشر ولا جزية عليها‏,‏ فلما أفضى الأمر إلى المنصور رفعت تلك الأشرية إليه وأن ذلك أضر بالخراج فأراد ردها إلى أهلها فقيل له‏:‏ قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها فبعث المعدلين‏,‏ منهم‏:‏ عبد الله بن يزيد إلى حمص وإسماعيل بن عياش إلى بعلبك وهضاب بن طوق‏,‏ ومحمد بن زريق إلى الغوطة وأمرهم أن لا يضعوا على القطائع والأشرية العظيمة القديمة خراجا ووضعوا الخراج على ما بقي بأيدي الأنباط وعلى الأشرية المحدثة من بعد سنة مائة إلى السنة التي عدل فيها فينبغي أن يجري ما باعه إمام أو بيع بإذنه أو تعذر رد بيعه‏,‏ هذا المجرى في أن يضرب عليه خراج بقدر ما يحتمل ويترك في يد مشتريه‏,‏ أو من انتقل إليه إلا ما بيع قبل المائة السنة فإنه لا خراج عليه كما نقل في هذا الخبر‏.‏

فصل‏:‏

وحكم إقطاع هذه الأرض حكم بيعها في أن ما كان من عمر‏,‏ أو مما كان قبل مائة سنة فهو لأهله وما كان بعدها ضرب عليه‏,‏ كما فعل المنصور إلا أن يكون بغير إذن الإمام فيكون باطلا‏,‏ وذكر ابن عائذ في كتابه بإسناده عن سليمان بن عتبة‏,‏ أن أمير المؤمنين عبد الله بن محمد - أظنه المنصور - سأله في مقدمه الشام سنة ثلاث أو أربع وخمسين عن سبب الأرضين التي بأيدي أبناء الصحابة‏,‏ يذكرون أنها قطائع لآبائهم قديمة فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله تعالى لما أظهر المسلمين على بلاد الشام وصالحوا أهل دمشق وأهل حمص‏,‏ كرهوا أن يدخلوها دون أن يتم ظهورهم وإثخانهم في عدو الله فعسكروا في مرج بردي‏,‏ بين المزة إلى مرج شعبان وجنبتي بردي مروج كانت مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها ليست لأحد منهم‏,‏ فأقاموا بها حتى أوطأ الله بهم المشركين قهرا وذلا فأحيا كل قوم محلتهم وهيئوا بها بناء‏,‏ فبلغ ذلك عمر فأمضاه لهم وأمضاه عثمان من بعده إلى ولاية أمير المؤمنين قال‏:‏ وقد أمضيناه لهم وعن الأحوص بن حكيم‏,‏ أن المسلمين الذين فتحوا حمص لم يدخلوها بل عسكروا على نهر الأربد فأحيوه‏,‏ فأمضاه لهم عمر وعثمان وقد كان منهم أناس تعدوا إذ ذاك إلى جسر الأربد الذي على باب الرستن‏,‏ فعسكروا في مرجه مسلحة لمن خلفهم من المسلمين فلما بلغهم ما أمضاه عمر للمعسكرين على نهر الأربد سألوا أن يشركوهم في تلك القطائع وكتبوا إلى عمر فيه‏,‏ فكتب أن يعوضوا مثله من المروج التي كانوا عسكروا فيها على باب الرستن فلم تزل تلك القطائع على شاطئ الأربد وعلى باب حمص‏,‏ وعلى باب الرستن ماضية لأهلها لا خراج عليها‏,‏ تؤدي العشر‏.‏

فصل‏:‏

وهذا الذي ذكرناه في الأرض المغلة أما المساكن فلا بأس بحيازتها وبيعها وشرائها وسكناها قال أبو عبيد ما علمنا أحدا كره ذلك وقد اقتسمت الكوفة خططا في زمن عمر ـ رضي الله عنه ـ بإذنه‏,‏ والبصرة وسكنهما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكذلك الشام ومصر وغيرهما من البلدان فما عاب ذلك أحد ولا أنكره‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ فما كان من الصلح‏,‏ ففيه الصدقة ‏)‏ يعني ما صولحوا عليه على أن ملكه لأهله ولنا عليهم خراج معلوم‏,‏ فهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم وإن انتقلت إلى مسلم لم يكن عليهم خراج‏,‏ وفي مثله جاء عن العلاء بن الحضرمي قال‏:‏ ‏(‏بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى البحرين وإلى هجر فكنت آتي الحائط تكون بين الإخوة‏,‏ يسلم أحدهم فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج‏)‏ رواه ابن ماجه‏,‏ فهذا في أحد هذين البلدين لأنهما فتحا صلحا وكذلك كل أرض أسلم أهلها عليها كأرض المدينة‏,‏ فهي ملك لهم ليس عليها خراج ولا شيء أما الزكاة فهي واجبة على كل مسلم ولا خلاف في وجوب العشر في الخارج من هذه الأرض قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ على أن كل أرض أسلم أهلها عليها قبل قهرهم عليها أنها لهم وأن أحكامهم أحكام المسلمين‏,‏ وأن عليهم فيما زرعوا فيها الزكاة‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان في غلة الأرض ما لا عشر فيه كالثمار التي لا زكاة فيها والخضراوات‏,‏ وفيها زرع فيه الزكاة جعل ما لا زكاة فيه في مقابلة الخراج وزكى ما فيه الزكاة‏,‏ إذا كان ما لا زكاة فيه وافيا بالخراج وإن لم يكن لها عليه إلا ما تجب فيه الزكاة أدى الخراج من غلتها وزكى ما بقي وهذا قول عمر بن عبد العزيز روى أبو عبيد‏,‏ عن إبراهيم بن أبي عبلة قال‏:‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن أبي عوف عامله على فلسطين في من كانت في يده أرض يحرثها من المسلمين‏,‏ أن يقبض منها جزيتها ثم يأخذ منها زكاة ما بقي بعد الجزية قال ابن أبي عبلة‏:‏ أنا ابتليت بذلك ومني أخذوا ذلك لأن الخراج من مؤنة الأرض‏,‏ فيمنع وجوب الزكاة في قدره كما قال أحمد‏:‏ من استدان ما أنفق على زرعه واستدان ما أنفق على أهله‏,‏ احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله لأنه من مؤنة الزرع وبهذا قال ابن عباس وقال عبد الله بن عمر‏:‏ يحتسب بالدينين جميعا ثم يخرج مما بعدهما وحكي عن أحمد أن الدين كله يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة فعلى هذه الرواية يحسب كل دين عليه‏,‏ ثم يخرج العشر مما بقي إن بلغ نصابا وإن لم يبلغ نصابا فلا عشر فيه وذلك لأن الواجب زكاة فمنع الدين وجوبها كزكاة الأموال الباطنة‏,‏ ولأنه دين فمنع وجوب العشر كالخراج‏,‏ وما أنفقه على زرعه والفرق بينهما على الرواية الأولى أن ما كان من مؤنة الزرع فالحاصل في مقابلته يجب صرفه إلى غيره‏,‏ فكأنه لم يحصل‏.‏

فصل‏:‏

ومن استأجر أرضا فزرعها فالعشر عليه دون مالك الأرض وبهذا قال مالك والثوري‏,‏ وشريك وابن المبارك والشافعي‏,‏ وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ هو على مالك الأرض لأنه من مؤنتها فأشبه الخراج ولنا أنه واجب في الزرع‏,‏ فكان على مالكه كزكاة القيمة فيما إذا أعده للتجارة وكعشر زرعه في ملكه‏,‏ ولا يصح قولهم‏:‏ إنه من مؤنة الأرض لأنه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ولوجب على الذمي كالخراج‏,‏ ولتقدر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ولوجب صرفه إلى مصارف الفيء دون مصرف الزكاة ولو استعار أرضا فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع لأنه مالكه وإن غصبها فزرعها وأخذ الزرع‏,‏ فالعشر عليه أيضا لأنه ثبت على ملكه وإن أخذه مالكها قبل اشتداد حبه فالعشر عليه وإن أخذه بعد ذلك احتمل أن يجب عليه أيضا لأن أخذه إياه استند إلى أول زرعه‏,‏ فكأنه أخذه من تلك الحال ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب لأنه كان ملكا له حين وجوب عشره وهو حين اشتداد حبه وإن زارع رجلا مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له وإن كانت صحيحة‏,‏ فعلى كل واحد منهما عشر حصته وإن بلغت خمسة أوسق أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه إليها خمسة أوسق وإلا فلا عشر عليه وإن بلغت حصة أحدهما دون صاحبه النصاب‏,‏ فعلى من بلغت حصته النصاب عشرها ولا شيء على الآخر لأن الخلطة لا تؤثر في غير السائمة في الصحيح ونقل عن أحمد أنها تؤثر‏,‏ فيلزمهما العشر إذا بلغ الزرع جميعه خمسة أوسق ويخرج كل واحد منهما عشر نصيبه إلا أن يكون أحدهما ممن لا عشر عليه‏,‏ كالمكاتب والذمي فلا يلزم شريكه عشر إلا أن تبلغ حصته نصابا وكذلك الحكم في المساقاة‏.‏

فصل‏:‏

ويكره للمسلم بيع أرضه من ذمي وإجارتها منه لإفضائه إلى إسقاط عشر الخارج منها قال محمد بن موسى‏:‏ سألت أبا عبد الله عن المسلم يؤاجر أرض الخراج من الذمي‏؟‏ قال‏:‏ لا يؤاجر من الذمي‏,‏ إنما عليه الجزية وهذا ضرر وقال في موضع آخر‏:‏ لأنهم لا يؤدون الزكاة فإن آجرها منه ذمي أو باع أرضه التي لا خراج عليها ذميا‏,‏ صح البيع والإجارة وهذا مذهب الثوري والشافعي وشريك‏,‏ وأبي عبيد وليس عليهم فيها عشر ولا خراج قال حرب‏:‏ سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر‏؟‏ قال‏:‏ لا أعلم عليه شيئا إنما الصدقة كهيئة مال الرجل‏,‏ وهذا المشترى ليس عليه وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا يقولون‏:‏ لا نترك الذمي يشترى أرض العشر وأهل البصرة يقولون قولا عجيبا يقولون‏:‏ يضاعف عليهم وقد روى عن أحمد‏:‏ أنهم يمنعون من شرائها اختارها الخلال وصاحبه وهو قول مالك وصاحبه فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر‏,‏ وأخذ منهم الخمس لأن في إسقاط العشر من غلة هذه الأرض إضرارا بالفقراء وتقليلا لحقهم فإذا تعرضوا لذلك ضوعف عليهم العشر‏,‏ كما لو اتجروا بأموالهم إلى غير بلدهم ضوعفت عليهم الزكاة فأخذ منهم نصف العشر وهذا قول أهل البصرة‏,‏ وأبي يوسف ويروى ذلك عن الحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري وقال محمد بن الحسن‏:‏ العشر بحاله وقال أبو حنيفة‏:‏ تصير أرض خراج ولنا أن هذه أرض لا خراج عليها‏,‏ فلا يلزم فيها الخراج ببيعها كما لو باعها مسلما ولأنها مال مسلم يجب الحق فيه للفقراء عليه‏,‏ فلم يمنع من بيعه للذمي كالسائمة وإذا ملكها الذمي فلا عشر عليه فيما يخرج منها لأنها زكاة فلا تجب على الذمي‏,‏ كزكاة السائمة وما ذكره يبطل بالسائمة فإن الذمي يصح أن يشتريها وتسقط الزكاة منها‏,‏ وما ذكروه من تضعيف العشر تحكم لا نص فيه ولا قياس‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وتضم الحنطة إلى الشعير‏,‏ وتزكى إذا كانت خمسة أوسق وكذلك القطنيات وكذلك الذهب والفضة‏]‏ ‏,‏ وعن أبي عبد الله رواية أخرى أنها لا تضم‏,‏ وتخرج من كل صنف إن كان منصبا للزكاة القطنيات بكسر القاف‏:‏ جمع قطنية ويجمع أيضا قطاني قال أبو عبيد‏:‏ هي صنوف الحبوب من العدس‏,‏ والحمص والأرز والجلبان‏,‏ والجلجلان - يعني السمسم - وزاد غيره‏:‏ الدخن واللوبيا والفول‏,‏ والماش وسميت قطنية فعلية من قطن يقطن في البيت‏,‏ أي يمكث فيه ولا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والثمار أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب فالماشية ثلاثة أجناس‏:‏ الإبل‏,‏ والبقر والغنم لا يضم جنس منها إلى آخر والثمار لا يضم جنس إلى غيره‏,‏ فلا يضم التمر إلى الزبيب ولا إلى اللوز والفستق‏,‏ والبندق ولا يضم شيء من هذه إلى غيره ولا تضم الأثمار إلى شيء من السائمة ولا من الحبوب والثمار ولا خلاف بينهم‏,‏ في أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ولا خلاف بينهم أيضا في أن العروض تضم إلى الأثمان وتضم الأثمان إليها إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به‏,‏ لأن نصابها معتبر به واختلفوا في ضم الحبوب بعضها إلى بعض وفي ضم أحد النقدين إلى الآخر فروى عن أحمد في الحبوب ثلاث روايات إحداهن‏,‏ لا يضم جنس منها إلى غيره ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا هذا قول عطاء ومكحول‏,‏ وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح‏,‏ وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنها أجناس فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا‏,‏ كالثمار أيضا والمواشي والرواية الثانية أن الحبوب كلها تضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب اختارها أبو بكر وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاوس وقال أبو عبيد‏:‏ لا نعلم أحدا من الماضين جمع بينهما إلا عكرمة وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق‏)‏ ومفهومه وجوب الزكاة فيه إذا بلغ خمسة أوسق ولأنها تتفق في النصاب وقدر المخرج‏,‏ والمنبت والحصاد فوجب ضم بعضها إلى بعض كأنواع الجنس وهذا الدليل منتقض بالثمار والثالثة‏,‏ أن الحنطة تضم إلى الشعير وتضم القطنيات بعضها إلى بعض نقلها أبو الحارث عن أحمد‏,‏ وحكاها الخرقي قال القاضي‏:‏ وهذا هو الصحيح وهو مذهب مالك والليث إلا أنه زاد‏,‏ فقال‏:‏ السلت والذرة والدخن‏,‏ والأرز والقمح والشعير‏,‏ صنف واحد ولعله يحتج بأن هذا كله مقتات فيضم بعضه إلى بعض كأنواع الحنطة وقال الحسن‏,‏ والزهري‏:‏ تضم الحنطة إلى الشعير لأنها تتفق في الاقتيات والمنبت والحصاد والمنافع فوجب ضمها كما يضم العلس إلى الحنطة‏,‏ وأنواع الجنس بعضها إلى بعض والرواية الأولى أولى - إن شاء الله تعالى- لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار ولا يصح القياس على العلس مع الحنطة لأنه نوع منها‏,‏ ولا على أنواع الجنس لأن الأنواع كلها جنس واحد يحرم التفاضل فيها وثبت حكم الجنس في جميعها بخلاف الأجناس وإذا انقطع القياس‏,‏ لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم ولا بوصف غير معتبر ثم هو باطل بالثمار‏,‏ فإنها تتفق فيما ذكروه ولا يضم بعضها إلى بعض ولأن الأصل عدم الوجوب‏,‏ فما لم يرد بالإيجاب نص أو إجماع أو معناهما لا يثبت إيجابه والله أعلم ولا خلاف فيما نعلمه في ضم الحنطة إلى العلس لأنه نوع منها وعلى قياسه السلت يضم إلى الشعير لأنه منه‏.‏

فصل‏:‏

ولا تفريع على الروايتين الأوليين لوضوحهما فأما الثالثة‏,‏ وهي ضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض فإن الذرة تضم إلى الدخن‏,‏ لتقاربهما في المقصد فإنهما يتخذان خبزا وأدما وقد ذكرا من جملة القطنيات أيضا‏,‏ فيضمان إليها وأما البزور فلا تضم إلى القطنيات ولكن الأبازير يضم بعضها إلى بعض لتقاربها في المقصد فأشبهت القطنيات وحبوب البقول لا تضم إلى القطنيات‏,‏ ولا إلى البزور فما تقارب منها ضم بعضه إلى بعض وما لا فلا‏,‏ وما شككنا فيه لا يضم لأن الأصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك والله أعلم

فصل‏:‏

وذكر الخرقي في ضم الذهب إلى الفضة روايتين وقد ذكرناهما فيما مضى‏,‏ واختار أبو بكر أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر مع اختياره الضم في الحبوب لاختلاف نصابهما‏,‏ واتفاق نصاب الحبوب ‏.‏

فصل‏:‏

ومتى قلنا بالضم فإن الزكاة تؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصه ولا يؤخذ من جنس عن غيره‏,‏ فإننا إذا قلنا في أنواع الجنس‏:‏ يؤخذ من كل نوع ما يخصه فأولى أن يعتد ذلك في الأجناس المختلفة مع تفاوت مقاصدها إلا الذهب والفضة‏,‏ فإن في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين‏.‏

فصل‏:‏

ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض في تكميل النصاب سواء اتفق وقت زرعه وإدراكه أو اختلف ولو كان منه صيفى وربيعي‏,‏ ضم الصيفى إلى الربيعي ولو حصدت الذرة والدخن ثم نبت أصولهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب لأن الجميع زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعض‏,‏ كما لو تقارب زرعه وإدراكه‏.‏

فصل‏:‏

وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض سواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلف‏,‏ فيقدم بعضها على بعض في ذلك ولو أن الثمرة جذت ثم أطلعت الأخرى وجذت ضمت إحداهما إلى الأخرى فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر وقال القاضي‏:‏ لا يضم وهو قول الشافعي لأنه حمل ينفصل عن الأول‏,‏ فكان حكمه حكم حمل عام آخر وإن كان له نخل يحمل مرة ونخل يحمل مرتين ضممنا الحمل الأول إلى الحمل المنفرد‏,‏ ولم يجب في الثاني شيء إلا أن يبلغ بمفرده نصابا والصحيح أن أحد الحملين يضم إلى الآخر ذكره أبو الخطاب وابن عقيل لأنهما ثمرة عام واحد فيضم بعضها إلى بعض‏,‏ كزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت مرتين‏,‏ ولأن الحمل الثاني يضم إلى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان فإن وجود الحمل الأول لا يصلح أن يكون مانعا‏,‏ بدليل حمل الذرة الأول وما ذكره من الانفصال يبطل بالذرة والله أعلم بالصواب‏.‏

باب زكاة الذهب والفضة‏:‏

وهي واجبة بالكتاب والسنة‏,‏ والإجماع زكاة أما الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 34‏]‏‏.‏ والآية الأخرى ولا يتوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب وأما السنة فما روى أبو هريرة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار‏,‏ فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره كلما بردت أعيدت عليه‏,‏ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد‏)‏ أخرجه مسلم وروى البخاري وغيره في كتاب أنس‏:‏ ‏(‏وفي الرقة ربع العشر‏,‏ فإن لم يكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها‏)‏ والرقة‏:‏ هي الدراهم المضروبة وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ متفق عليه وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم‏,‏ وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه‏,‏ إلا ما اختلف فيه عن الحسن‏.‏

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم‏:‏ ‏(‏ ولا زكاة فيما دون المائتي درهم إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به ‏)‏ وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم‏,‏ لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام وقد بينته السنة التي رويناها بحمد الله والدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب‏,‏ وكل درهم نصف مثقال وخمسه وهي الدراهم الإسلامية التي تقدر بها نصب الزكاة ومقدار الجزية‏,‏ والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك وكانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين‏,‏ سودا وطبرية وكانت السود ثمانية دوانيق‏,‏ والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين‏,‏ في كل درهم ستة دوانيق فعل ذلك بنو أمية فاجتمعت فيها ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏,‏ أن كل عشرة وزن سبعة والثاني أنه عدل بين الصغير والكبير والثالث أنه موافق لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ودرهمه الذي قدر به المقادير الشرعية ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب ومتى نقص النصاب عن ذلك فلا زكاة فيه‏,‏ سواء كان النقص كثيرا أو يسيرا هذا ظاهر كلام الخرقي ومذهب الشافعي وإسحاق‏,‏ وابن المنذر لظاهر قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ والأوقية أربعون درهما بغير خلاف فيكون ذلك مائتي درهم وقال غير الخرقي من أصحابنا‏:‏ إن كان النقص يسيرا كالحبة والحبتين‏,‏ وجبت الزكاة لأنه لا يضبط غالبا فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين وإن كان نقصا بينا‏,‏ كالدانق والدانقين فلا زكاة فيه وعن أحمد أن نصاب الذهب إذا نقص ثلث مثقال زكاه وهو قول عمر بن عبد العزيز وسفيان وإن نقص نصفا لا زكاة فيه وقال أحمد في موضع آخر‏:‏ إذا نقص ثمنا لا زكاة فيه اختاره أبو بكر وقال مالك‏:‏ إذا نقصت نقصا يسيرا يجوز جواز الوازنة‏,‏ وجبت الزكاة لأنها تجوز جواز الوازنة أشبهت الوازنة والأول ظاهر الخبر‏,‏ فينبغي أن لا يعدل عنه فأما قوله‏:‏ ‏"‏ إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به ‏"‏ فإن عروض التجارة تضم إلى كل واحد من الذهب والفضة ويكمل به نصابه لا نعلم فيه اختلافا قال الخطابي‏:‏ لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها فتقوم بكل واحد منهما‏,‏ فتضم إلى كل واحد منهما ولو كان له ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب لأن العرض مضموم إلى كل واحد منهما فيجب ضمهما إليه‏,‏ وجمع الثلاثة فأما إن كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب من الآخر فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخر‏,‏ في رواية الأثرم وجماعة وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابا وذكر الخرقي فيه روايتين في الباب قبله‏,‏ إحداهما لا يضم وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك‏,‏ والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختاره أبو بكر عبد العزيز لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ ولأنهما مالان يختلف نصابهما‏,‏ فلا يضم أحدهما إلى الآخر كأجناس الماشية والثانية‏,‏ يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهو قول الحسن وقتادة ومالك والأوزاعي‏,‏ والثوري وأصحاب الرأي لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر فيضم إلى الآخر كأنواع الجنس‏,‏ ولأن نفعهما واحد والمقصود منهما متحد فإنهما قيم المتلفات وأروش الجنايات‏,‏ وأثمان البياعات وحلى لمن يريدهما لذلك فأشبها النوعين‏,‏ والحديث مخصوص بعرض التجارة فنقيس عليه فإذا قلنا بالضم فإن أحدهما يضم إلى الآخر بالأجزاء‏,‏ يعني أن كل واحد منهما يحتسب من نصابه فإذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة‏,‏ مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ونصف نصاب أو أكثر من الآخر أو ثلث من أحدهما‏,‏ وثلثان أو أكثر من الآخر فلو ملك مائة درهم وعشرة دنانير أو مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير أو مائة وعشرين درهما وثمانية دنانير‏,‏ وجبت الزكاة فيهما وإن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما سئل أحمد عن رجل عنده ثمانية دنانير ومائة درهم‏؟‏ فقال‏:‏ إنما قال من قال فيها الزكاة إذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم وهذا قول مالك‏,‏ وأبي يوسف ومحمد والأوزاعي لأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في وجوب الزكاة إذا كان منفردا‏,‏ فلا تعتبر إذا كان عنده عشرة دنانير مضمونة كالحبوب والثمار وأنواع الأجناس كلها وقال أبو الخطاب‏:‏ ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي أنها تضم بالأحوط من الأجزاء والقيمة ومعناه أنه يقوم الغالي منهما بقيمة الرخيص‏,‏ فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصابا وجبت الزكاة فيهما فلو ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم أو عشرة دنانير وتسعين درهما قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيها وهذا قول أبي حنيفة في تقويم الدنانير بالفضة لأن كل نصاب وجب فيه ضم الذهب إلى الفضة‏,‏ ضم بالقيمة كنصاب القطع في السرقة ولأن أصل الضم لتحصيل حظ الفقراء‏,‏ فكذلك صفة الضم والأول أصح لأن الأثمان تجب الزكاة في أعيانها فلا تعتبر قيمتها كما لو انفردت ويخالف نصاب القطع‏,‏ فإن نصاب القطع فيه الورق خاصة في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه لا يجب في الذهب حتى يبلغ ربع دينار والله أعلم‏.‏