فصل: فصل: اعتبار النصاب تحديدًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولا تسقط الزكاة بموت رب المال‏,‏ وتخرج من ماله وإن لم يوص بها هذا قول عطاء والحسن‏,‏ والزهري وقتادة ومالك‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبي ثور‏,‏ وابن المنذر وقال الأوزاعي والليث تؤخذ من الثلث‏,‏ مقدمة على الوصايا ولا يجاوز الثلث وقال ابن سيرين والشعبي‏,‏ والنخعي وحماد بن أبي سليمان وداود بن أبي هند‏,‏ وحميد الطويل والمثنى والثوري‏:‏ لا تخرج إلا أن يكون أوصى بها وكذلك قال أصحاب الرأي‏,‏ وجعلوها إذا أوصى بها وصية تخرج من الثلث ويزاحم بها أصحاب الوصايا وإذا لم يوص بها سقطت لأنها عبادة من شرطها النية‏,‏ فسقطت بموت من هي عليه كالصوم ولنا أنها حق واجب تصح الوصية به‏,‏ فلم تسقط بالموت كدين الآدمي ولأنها حق مالي واجب فلم يسقط بموت من هو عليه‏,‏ كالدين ويفارق الصوم والصلاة فإنهما عبادتان بدنيتان لا تصح الوصية بهما‏,‏ ولا النيابة فيهما ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو ذي حاجة شديدة‏,‏ فإن كان شيئا يسيرا فلا بأس وإن كان كثيرا‏,‏ لم يجز قال أحمد‏:‏ لا يجزئ على أقاربه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئا فأما إن عجلها فدفعها إليهم‏,‏ أو إلى غيرهم متفرقة أو مجموعة جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها وكذلك إن كان عنده مالان‏,‏ أو أموال زكاتها واحدة وتختلف أحوالها‏,‏ مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لأنه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها‏.‏

فصل‏:‏

فإن أخر الزكاة‏,‏ فلم يدفعها إلى الفقير حتى ضاعت لم تسقط عنه كذلك قال الزهري والحكم‏,‏ وحماد والثوري وأبو عبيد وبه قال الشافعي‏,‏ إلا أنه قال‏:‏ إن لم يكن فرط في إخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى ماله‏,‏ فإن كان فيما بقي زكاة أخرجها وإلا فلا وقال أصحاب الرأي‏:‏ يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة‏,‏ فرط أو لم يفرط وقال مالك‏:‏ أراها تجزئه إذا أخرجها في محلها وإن أخرجها بعد ذلك ضمنها وقال مالك‏:‏ يزكي ما بقي بقسطه وإن بقي عشرة دراهم ولنا‏,‏ أنه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك‏,‏ كدين الآدمي قال أحمد‏:‏ ولو دفع إلى أحد زكاته خمسة دراهم فقبل أن يقبضها منه قال‏:‏ اشتر لي بها ثوبا أو طعاما فذهبت الدراهم‏,‏ أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لأنه لم يقبضها منه ولو قبضها منه ثم ردها إليه‏,‏ وقال‏:‏ اشتر لي بها فضاعت أو ضاع ما اشترى بها فلا ضمان عليه إذا لم يكن فرط وإنما قال ذلك لأن الزكاة لا يملكها الفقير إلا بقبضها‏,‏ فإذا وكله في الشراء بها كان التوكيل فاسدا لأنه وكله في الشراء بما ليس له وبقيت على ملك رب المال‏,‏ فإذا تلفت كانت في ضمانه‏.‏

فصل‏:‏

ولو عزل قدر الزكاة فنوى أنه زكاة فتلف‏,‏ فهو في ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على أن يدفعها إليه أو لم يقدر‏,‏ والحكم فيه كالمسألة التي قبلها ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

ولو أسلم في دار الحرب وأقام بها سنين لم يؤد زكاة أو غلب الخوارج على بلدة‏,‏ فأقام أهله سنين لا يؤدون الزكاة ثم غلب عليهم الإمام أدوا الماضي‏,‏ وهذا مذهب مالك والشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا زكاة عليهم لما مضى في المسألتين ولنا أن الزكاة من أركان الإسلام‏,‏ فلم تسقط عمن هو في غير قبضة الإمام كالصلاة والصيام‏.‏

فصل‏:‏

إذا تولى الرجل إخراج زكاته فالمستحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز دفع الزكاة إليهم ‏(‏فإن زينب سألت النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ أيجزئ عني من الصدقة النفقة على زوجي‏؟‏ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ لها أجران‏:‏ أجر الصدقة‏,‏ وأجر القرابة‏)‏ رواه البخاري وابن ماجه وفي لفظ‏:‏ أيسعني أن أضع صدقتي في زوجي وبني أخ لي أيتام‏؟‏ فقال ‏"‏ نعم لها أجران‏:‏ أجر الصدقة وأجر القرابة ‏"‏ رواه النسائي ‏(‏ولما تصدق أبو طلحة بحائطه‏,‏ قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ اجعله في قرابتك‏)‏ رواه أبو داود ويستحب أن يبدأ بالأقرب فالأقرب إلا أن يكون منهم من هو أشد حاجة فيقدمه ولو كان غير القرابة أحوج أعطاه قال أحمد‏:‏ إن كانت القرابة محتاجة أعطاها‏,‏ وإن كان غيرهم أحوج أعطاهم ويعطي الجيران وقال‏:‏ إن كان قد عود قوما برا فيجعله في ماله ولا يجعله من الزكاة‏,‏ ولا يعطي الزكاة من يمون ولا من تجري عليه نفقته وإن أعطاهم لم يجز وهذا - والله أعلم - إذا عودهم برا من غير الزكاة‏,‏ وإذا أعطى من تجري عليه نفقته شيئا يصرفه في نفقته فأما إن عودهم دفع زكاته إليهم أو أعطى من تجرى عليه نفقته تطوعا شيئا من الزكاة يصرفه في غير النفقة وحوائجه‏,‏ فلا بأس وقال أبو داود‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ يعطى أخاه وأخته من الزكاة‏؟‏ قال‏:‏ نعم إذا لم يق به ماله أو يدفع به مذمة قيل لأحمد‏:‏ فإذا استوى فقراء قراباتي والمساكين‏؟‏ قال‏:‏ فهم كذلك أولى فأما إن كان غيرهم أحوج‏,‏ فإنما يريد يغنيهم ويدع غيرهم فلا قيل له‏:‏ فيعطي امرأة ابنه من الزكاة قال‏:‏ إن كان لا يريد به كذا - شيئا ذكره - فلا بأس به كأنه أراد منفعة ابنه قال أحمد‏:‏ كان العلماء يقولون في الزكاة‏:‏ لا تدفع بها مذمة ولا يحابي بها قريب‏,‏ ولا يبقي بها مالا وسئل أحمد عن رجل له قرابة يجري عليها من الزكاة‏؟‏ قال‏:‏ إن كان عدها من عياله فلا يعطيها قيل له‏:‏ إنما يجري عليها شيئا معلوما في كل شهر قال‏:‏ إذا كفاها ذلك وفي الجملة‏,‏ من لا يجب عليه الإنفاق عليه فله دفع الزكاة إليه ويقدم الأحوج فالأحوج‏,‏ فإن شاءوا قدم من هو أقرب إليه ثم من كان أقرب في الجوار وأكثر دينا وكيف فرقها بعد ما يضعها في الأصناف الذين سماهم الله تعالى‏,‏ جاز والله أعلم‏.‏

باب زكاة الزروع والثمار‏:‏

والأصل فيها الكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 267‏]‏‏.‏ والزكاة تسمى نفقة بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 34‏]‏‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا حقه يوم حصاده‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 141‏]‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ حقه‏:‏ الزكاة المفروضة وقال مرة‏:‏ العشر‏,‏ ونصف العشر ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ متفق عليه وعن ابن عمر ‏(‏عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ فيما سقت السماء والعيون وكان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر‏)‏ أخرجه البخاري وأبو داود‏,‏ والترمذي وعن جابر أنه ‏(‏سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ فيما سقت الأنهار والغيم العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر‏)‏ أخرجه مسلم‏,‏ وأبو داود وأجمع أهل العلم على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر‏,‏ والزبيب قاله ابن المنذر وابن عبد البر

فصل‏:‏

ولا شيء فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلا بأخذه كالبطم‏,‏ والعفص والزعبل وهو شعير الجبل وبزر قطونا‏,‏ وبزر البقلة وحب الثمام والقت وهو بزر الأشنان إذا أدرك وتناهى نضجه حصلت فيه مرورة وملوحة‏,‏ وأشباه هذا ذكره ابن حامد لأنه إنما يملك بحيازته وأخذ الزكاة إنما تجب فيه إذا بدا صلاحه وفي تلك الحال لم يكن مملوكا له‏,‏ فلا يتعلق به الوجوب كالذي يلتقطه اللقاط من السنبل فإنه لا زكاة فيه نص عليه أحمد وذكر القاضي في المباح أن فيه الزكاة إذا نبت في أرضه‏,‏ ولعله بنى هذا على أن ما نبت في أرضه من الكلأ يكون ملكا له والصحيح خلافه فأما إن نبت في أرضه ما يزرعه الآدميون مثل أن سقط في أرض إنسان حب من الحنطة أو الشعير‏,‏ فنبت ففيه الزكاة لأنه يملكه ولو اشترى زرعا بعد بدو الصلاح فيه أو ثمرة قد بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك‏,‏ لم تجب فيه الزكاة لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

ولا تجب فيما ليس بحب ولا ثمر سواء وجد فيه الكيل والادخار أو لم يوجد فلا تجب في ورق مثل ورق السدر والخطمى والأشنان والصعتر والآس ونحوه لأنه ليس بمنصوص عليه‏,‏ ولا في معنى المنصوص ومفهوم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق‏)‏ أن الزكاة لا تجب في غيرهما قال ابن عقيل‏:‏ في ثمر السدر فورقه أولى ولأن الزكاة لا تجب في الحب المباح‏,‏ ففي الورق أولى ولا زكاة في الأزهار كالزعفران والعصفر‏,‏ والقطن لأنه ليس بحب ولا ثمر ولا هو بمكيل فلم تجب فيه زكاة‏,‏ كالخضراوات قال أحمد‏:‏ ليس في القطن شيء وقال‏:‏ ليس في الزعفران زكاة وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر وروى عن على في الفاكهة والبقل والتوابل والزعفران زكاة وعن عمر أنه قال‏:‏ إنما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وكذلك عبد الله بن عمر وحكي عن أحمد أن في القطن والزعفران زكاة وخرج أبو الخطاب في العصفر والورس وجها‏,‏ قياسا على الزعفران والأولى ما ذكرناه وهذا مخالف لأصول أحمد قال‏:‏ المروي عنه روايتان‏:‏ إحداهما أنه لا زكاة إلا في الأربعة والثانية‏:‏ أنها إنما تجب في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة والسلت والأرز والعدس‏,‏ وكل شيء يقوم مقام هذه حتى يدخر ويجري فيه القفيز مثل‏:‏ اللوبيا والحمص والسماسم والقطنيات ففيه الزكاة وهذا لا يجري فيه القفيز‏,‏ ولا هو في معنى ما سماه‏.‏

فصل‏:‏

واختلفت الرواية في الزيتون فقال أحمد في رواية ابنه صالح‏:‏ فيه العشر إذا بلغ - يعنى خمسة أوسق - وإن عصر قوم ثمنه لأن الزيت له بقاء وهذا قول الزهري والأوزاعي‏,‏ ومالك والليث والثوري‏,‏ وأبي ثور وأصحاب الرأي وروى عن ابن عباس لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا حقه يوم حصاده‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 141‏]‏‏.‏ في سياق قوله‏:‏ ‏{‏والزيتون والرمان‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 141‏]‏‏.‏ ولأنه يمكن ادخار غلته أشبه التمر والزبيب وعن أحمد‏:‏ لا زكاة فيه وهو اختيار أبي بكر‏,‏ وظاهر كلام الخرقي وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيدة‏,‏ وأحد قولي الشافعي لأنه لا يدخر يابسا فهو كالخضراوات والآية لم يرد بها الزكاة‏,‏ لأنها مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه وقال مجاهد‏:‏ إذا حصد زرعه ألقى لهم من السنبل‏,‏ وإذا جذ نخله ألقى لهم من الشماريخ وقال النخعي وأبو جعفر‏:‏ هذه الآية منسوخة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده بدليل أن الرمان مذكور بعده‏,‏ ولا زكاة فيه ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

الحكم الثاني أن الزكاة لا تجب في شيء من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابر‏,‏ وأبو أمامة بن سهل وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد‏,‏ والحسن وعطاء ومكحول‏,‏ والحكم والنخعي ومالك‏,‏ وأهل المدينة والثوري والأوزاعي‏,‏ وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف‏,‏ ومحمد وسائر أهل العلم لا نعلم أحدا خالفهم إلا مجاهدا‏,‏ وأبا حنيفة ومن تابعه قالوا‏:‏ تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ ولأنه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب ولنا‏,‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ متفق عليه وهذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به كما خصصنا قوله‏:‏ ‏(‏في سائمة الإبل الزكاة‏)‏ بقوله‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس ذود صدقة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏في الرقة ربع العشر‏)‏ بقوله‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ ولأنه مال تجب فيه الصدقة‏,‏ فلم تجب في يسيره كسائر الأموال الزكائية وإنما لم يعتبر الحول لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه واعتبر الحول في غيره لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال‏,‏ والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه فلهذا اعتبر فيه يحققه أن الصدقة إنما تجب على الأغنياء‏,‏ بما قد ذكرنا فيما تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب كسائر الأموال الزكائية ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

وتعتبر خمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب‏,‏ والجفاف في الثمار فلو كان له عشرة أوسق عنبا لا يجيء منه خمسة أوسق زبيبا‏,‏ لم يجب عليه شيء لأنه حال وجوب الإخراج منه فاعتبر النصاب بحاله وروى الأثرم عنه‏:‏ أنه يعتبر نصاب النخل والكرم عنبا ورطبا‏,‏ ويؤخذ منه مثل عشر الرطب تمرا اختاره أبو بكر وهذا محمول على أنه أراد يؤخذ عشر ما يجيء به منه من التمر إذا بلغ رطبها خمسة أوسق لأن إيجاب قدر عشر الرطب من التمر إيجاب لأكثر من العشر وذلك يخالف النص والإجماع فلا يجوز أن يحمل عليه كلام أحمد‏,‏ ولا قول إمام ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

والعلس‏:‏ نوع من الحنطة يدخر في قشره ويزعم أهله أنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ويزعمون أنه يخرج على النصف فيعتبر نصابه في قشره للضرر في إخراجه‏,‏ فإذا بلغ بقشره عشرة أوسق ففيه العشر لأن فيه خمسة أوسق وإن شككنا في بلوغه نصابا‏,‏ خير صاحبه بين إخراج عشره وبين إخراجه من قشره ليقدره بخمسة أوسق كقولنا في مغشوش الذهب والفضة إذا شككنا في بلوغ ما فيهما نصابا ولا يجوز تقدير غيره من الحنطة في قشره‏,‏ ولا إخراجه قبل تصفيته لأن الحاجة لا تدعو إلى إبقائه في قشره ولا العادة جارية به ولا يعلم قدر ما يخرج منه‏.‏

فصل‏:‏

ونصاب الزيتون خمسة أوسق نص عليه أحمد في رواية صالح ونصاب الزعفران والقطن وما ألحق بهما من الموزونات‏,‏ ألف وستمائة رطل بالعراقي لأنه ليس بمكيل فيقوم وزنه مقام كيله ذكره القاضي في ‏"‏ المجرد ‏"‏ وحكى عنه‏:‏ إذا بلغت قيمته نصابا من أدنى ما تخرجه الأرض مما فيه الزكاة‏,‏ ففيه الزكاة وهذا قول أبي يوسف في الزعفران لأنه لم يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالعروض تقوم بأدنى النصابين من الأثمان وقال أصحاب الشافعي في الزعفران‏:‏ تجب الزكاة في قليله وكثيره ولا أعلم لهذه الأقوال دليلا ولا أصلا يعتمد عليه ويردها قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ وإيجاب الزكاة في قليله وكثيره مخالف لجميع أموال الزكاة واعتباره بغيره مخالف لجميع ما يجب عشره‏,‏ واعتباره بأقل ما فيه الزكاة قيمة لا نظير له أصلا وقياسه على العروض لا يصح لأن العروض لا تجب الزكاة في عينها وإنما تجب في قيمتها‏,‏ تؤدى من القيمة التي اعتبرت بها والقيمة يرد إليها كل الأموال المتقومات فلا يلزم من الرد إليها الرد إلى ما لم يرد إليه شيء أصلا‏,‏ ولا تخرج الزكاة منه ولأن هذا مال تخرج الزكاة من جنسه فاعتبر نصابه بنفسه‏,‏ كالحبوب ولأنه خارج من الأرض يجب فيه العشر أو نصفه فأشبه سائر ما يجب فيه ذلك‏,‏ ولأنه مال تجب فيه الزكاة فلم يجب في قليله وكثيره كسائر الأموال‏,‏ ولأنه لا نص فيما ذكروه ولا إجماع ولا هو في معناهما فوجب أن لا يقال به لعدم دليله ا هـ انتهى

فصل‏:‏

الحكم الثالث‏,‏ أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة كالذي يشرب من السماء والأنهار وما يشرب بعروقه‏,‏ وهو الذي يغرس في أرض ماؤها قريب من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغنى عن سقي‏,‏ وكذلك ما كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية ونصف العشر فيما سقى بالمؤن كالدوالي والنواضح لا نعلم في هذا خلافًا وهو قول مالك والثوري‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم والأصل فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر‏,‏ وما سقى بالنضح نصف العشر‏)‏ رواه البخاري قال أبو عبيد العثرى‏:‏ ما تسقيه السماء وتسميه العامة‏:‏ العذى وقال القاضي‏:‏ هو الماء المستنقع في بركة أو نحوها‏,‏ يصب إليه ماء المطر في سواق تشق له فإذا اجتمع سقى منه واشتقاقه من العاثور‏,‏ وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأنها يعثر بها من يمر بها وفي رواية مسلم‏:‏ ‏(‏وفيما يسقى بالسانية نصف العشر‏)‏ والسواني‏:‏ هي النواضح وهي الإبل يستقى بها لشرب الأرض وعن معاذ‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقى بعلا‏,‏ العشر وما سقى بدالية نصف العشر‏)‏ قال أبو عبيد‏:‏ البعل ما شرب بعروقه من غير سقي وفي الجملة كل ما سقي بكلفة ومؤنة‏,‏ من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورة أو غير ذلك ففيه نصف العشر وما سقي بغير مؤنة‏,‏ ففيه العشر لما روينا من الخبر ولأن للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة بدليل المعلوفة‏,‏ فبأن يؤثر في تخفيفها أولى ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي وللكلفة تأثير في تقليل النماء‏,‏ فأثرت في تقليل الواجب فيها ولا يؤثر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة لأن المؤنة تقل لأنها تكون من جملة إحياء الأرض ولا تتكرر كل عام وكذلك لا يؤثر احتياجها إلى ساق يسقيها‏,‏ ويحول الماء في نواحيها لأن ذلك لا بد منه في كل سقي بكلفة فهو زيادة على المؤنة في التنقيص‏,‏ يجري مجرى حرث الأرض وتحسينها وإن كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقر في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلا بغرف أو دولاب‏,‏ فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة على ما مر لأن مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر والضابط لذلك هو أن يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض بآلة من غرف أو نضح أو دالية ونحو ذلك وقد وجد ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

فإن سقي نصف السنة بكلفة‏,‏ ونصفها بغير كلفة ففيه ثلاثة أرباع العشر وهذا قول مالك والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه‏,‏ وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما فوجب مقتضاه وسقط حكم الآخر نص عليه وهو قول عطاء‏,‏ والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال ابن حامد‏:‏ يؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي لأنهما لو كانا نصفين أخذ بالحصة‏,‏ فكذلك إذا كان أحدهما أكثر كما لو كانت الثمرة نوعين ووجه الأول أن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية يشق ويتعذر فكان الحكم للأغلب منهما كالسوم في الماشية وإن جهل المقدار‏,‏ غلبنا إيجاب العشر احتياطا نص عليه أحمد في رواية عبد الله لأن الأصل وجوب العشر وإنما يسقط بوجود الكلفة فما لم يتحقق المسقط يبقى على الأصل‏,‏ ولأن الأصل عدم الكلفة في الأكثر فلا يثبت وجودها مع الشك فيه وإن اختلف الساعي ورب المال‏,‏ في أيهما سقى به أكثر فالقول قول رب المال بغير يمين‏,‏ فإن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم ا هـ‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان لرجل حائطان سقي أحدهما بمؤنة والآخر بغير مؤنة‏,‏ ضم غلة أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب أو أخرج من الذي سقي بغير مؤنة عشره ومن الآخر نصف عشره كما يضم أحد النوعين إلى الآخر‏,‏ ويخرج من كل واحد منهما ما وجب فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي‏]‏ أما كون الوسق ستين صاعا فلا خلاف فيه قال ابن المنذر هو قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم وقد روى الأثرم‏,‏ عن سلمة بن صخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏الوسق ستون صاعا‏)‏ وروى أبو سعيد وجابر‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك رواه ابن ماجه وأما كون الصاع خمسة أرطال وثلثا ففيه اختلاف ذكرناه في باب الطهارة وبينا أنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي‏,‏ فيكون مبلغ الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع وهو ألف وستمائة رطل بالعراقي والرطل العراقي‏:‏ مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم‏,‏ ووزنه بالمثاقيل سبعون مثقالا ثم زيد في الرطل مثقال آخر وهو درهم وثلاثة أسباع فصار إحدى وتسعين مثقالا‏,‏ وكملت زنته بالدراهم مائة وثلاثين درهما والاعتبار بالأول قبل الزيادة فيكون الصاع بالرطل الدمشقي‏,‏ الذي هو ستمائة درهم رطلا وسبعا وذلك أوقية وخمسة أسباع أوقية‏,‏ ومبلغ الخمسة الأوسق بالرطل الدمشقي ثلاثمائة رطل واثنان وأربعون رطلا وعشر أواق وسبع أوقية وذلك ستة أسباع رطل‏.‏

فصل‏:‏

قال القاضي‏:‏ وهذا النصاب معتبر تحديدا فمتى نقص شيئا‏,‏ لم تجب الزكاة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ والناقص عنها لم يبلغها إلا أن يكون نقصا يسيرا يدخل في المكاييل‏,‏ كالأوقية ونحوها فلا عبرة به لأن مثل ذلك يجوز أن يدخل في المكاييل فلا ينضبط‏,‏ فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين‏.‏

فصل‏:‏

ولا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب أخرج منه بالحساب فيخرج عشر جميع ما عنده فإنه لا ضرر في تبعيضه بخلاف الماشية‏,‏ فإن فيها ضررا على ما تقدم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وجب عليه عشر مرة لم يجب عليه عشر آخر‏,‏ وإن حال عنده أحوالا لأن هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل بل هي إلى النقص أقرب والزكاة إنما تجب في الأشياء النامية‏,‏ ليخرج من النماء فيكون أسهل فإن اشترى شيئا من ذلك للتجارة صار عرضا تجب فيه زكاة التجارة إذا حال عليه الحول والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

ووقت وجوب الزكاة في الحب إذا اشتد وفي الثمرة إذا بدا صلاحها وقال ابن أبي موسى‏:‏ تجب زكاة الحب يوم حصاده لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا حقه يوم حصاده‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 141‏]‏‏.‏ وفائدة الخلاف أنه لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب‏,‏ لا شيء عليه لأنه تصرف فيه قبل الوجوب فأشبه ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول وإن تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة عنه‏,‏ كما لو فعل ذلك في السائمة ولا يستقر الوجوب على كلا القولين حتى تصير الثمرة في الجريب والزرع في البيدر ولو تلف قبل ذلك بغير إتلافه أو تفريط منه فيه فلا زكاة عليه قال أحمد‏:‏ إذا خرص وترك في رءوس النخل‏,‏ فعليهم حفظه فإن أصابته جائحة فذهبت الثمرة سقط عنهم الخرص‏,‏ ولم يؤخذوا به ولا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن الخارص إذا خرص الثمرة ثم أصابته جائحة‏,‏ فلا شيء عليه إذا كان قبل الجذاذ ولأنه قبل الجذاذ في حكم ما لا تثبت اليد عليه بدليل أنه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائع‏,‏ وإن تلف بعض الثمرة فقال القاضي‏:‏ إن كان الباقي نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا وهذا القول يوافق قول من قال‏:‏ لا تجب الزكاة فيه إلا يوم حصاده لأن وجوب النصاب شرط في الوجوب‏,‏ فمتى لم يوجد وقت الوجوب لم يجب وأما من قال‏:‏ إن الوجوب ثبت إذا بدا الصلاح واشتد الحب فقياس قوله‏:‏ إن تلف البعض إن كان قبل الوجوب فهو كما قال القاضي‏,‏ وإن كان بعده وجب في الباقي بقدره سواء كان نصابا أو لم يكن نصابا لأن المسقط اختص بالبعض‏,‏ فاختص السقوط به كما لو تلف بعض نصاب السائمة بعد وجوب الزكاة فيها وهذا فيما إذا تلف بغير تفريطه وعدوانه فأما إن أتلفها أو تلفت بتفريطه أو عدوانه بعد الوجوب‏,‏ لم تسقط عنه الزكاة وإن كان قبل الوجوب سقطت‏,‏ إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة فيضمنها ولا تسقط عنه‏,‏ ومتى ادعى رب المال تلفها بغير تفريطه قبل قوله من غير يمين سواء كان ذلك قبل الخرص أو بعده‏,‏ ويقبل قوله أيضا في قدرها بغير يمين وكذلك في سائر الدعاوى قال أحمد‏:‏ لا يستحلف الناس على صدقاتهم وذلك لأنه حق لله تعالى‏,‏ فلا يستحلف فيه كالصلاة والحد‏.‏

فصل‏:‏

وإن جذها وجعلها في الجرين أو جعل الزرع في البيدر‏,‏ استقر وجوب الزكاة عليه عند من لم ير التمكن من الأداء شرطا في استقرار الوجوب فإن تلفت بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه‏,‏ وعليه ضمانها كما لو تلف نصاب السائمة أو الأثمان بعد الحول وعلى الرواية الأخرى في كون التمكن من الأداء معتبرا‏,‏ لا يستقر الوجوب فيها حتى تجف الثمرة ويصفي الحب ويتمكن من أداء حقه‏,‏ فلا يفعل وإن تلف قبل ذلك فلا شيء عليه‏,‏ على ما ذكرنا في غير هذا‏.‏

فصل‏:‏

ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما فإن باعه أو وهبه بعد بدو صلاحه‏,‏ فصدقته على البائع والواهب وبهذا قال الحسن ومالك والثوري‏,‏ والأوزاعي وبه قال الليث إلا أن يشترطها على المبتاع‏,‏ وإنما وجبت على البائع لأنها كانت واجبة عليه قبل البيع فبقي على ما كان عليه وعليه إخراج الزكاة من جنس المبيع والموهوب وعن أحمد أنه مخير بين أن يخرج ثمرا أو من الثمن قال القاضي‏:‏ والصحيح أن عليه عشر الثمرة فإنه لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة‏,‏ على صحيح المذهب ولأن عليه القيام بالثمرة حتى يؤدي الواجب منها ثمرا فلا يسقط ذلك عنه ببيعها ولا هبتها ويتخرج أن تجب الزكاة على المشتري‏,‏ على قول من قال‏:‏ إن الزكاة إنما تجب يوم حصاده لأن الوجوب إنما تعلق بها في ملك المشترى فكان عليه ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها‏,‏ ثم بدا صلاحها في يد المشترى على وجه صحيح مثل أن يشترى نخلة مثمرة ويشترط ثمرتها‏,‏ أو وهبت له ثمرة قبل بدو صلاحها فبدا صلاحها في يد المشتري أو المتهب أو وصى له بثمرة فقبلها بعد موت الموصي‏,‏ ثم بدا صلاحها فالصدقة عليه لأن سبب الوجوب وجد في ملكه فكان عليه‏,‏ كما لو اشترى سائمة أو اتهبها فحال الحول عليها عنده ا هـ.

فصل‏:‏

وإذا اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها‏,‏ فإن لم يكن شرط القطع فالبيع باطل وهي باقية على ملك البائع‏,‏ وزكاتها عليه وإن شرط القطع فقد روى أن البيع باطل أيضا‏,‏ ويكون الحكم فيها كما لو لم يشترط القطع وروى أن البيع صحيح ويشتركان في الزيادة فعلى هذا يكون على المشتري زكاة حصته منها إن بلغت نصابا‏,‏ فإن لم يكن المشتري من أهل الزكاة كالمكاتب والذمي فلا زكاة فيها‏,‏ وإن عاد البائع فاشتراها بعد بدو الصلاح أو غيره فلا زكاة فيها إلا أن يكون قصد ببيعها الفرار من الزكاة‏,‏ فلا تسقط‏.‏

فصل‏:‏

وإن تلفت الثمرة قبل بدو الصلاح أو الزرع قبل اشتداد الحب فلا زكاة فيه وكذلك إن أتلفه المالك‏,‏ إلا أن يقصد الفرار من الزكاة وسواء قطعها للأكل أو للتخفيف عن النخيل لتحسين بقية الثمرة‏,‏ أو حفظ الأموال إذا خاف عليها العطش أو ضعف الجمار فقطع الثمرة أو بعضها بحيث نقص النصاب‏,‏ أو قطعها لغير غرض فلا زكاة عليه لأنها تلفت قبل وجوب الزكاة وتعلق حق الفقراء بها‏,‏ فأشبه ما لو هلكت السائمة قبل الحول وإن قصد بقطعها الفرار من الزكاة لم تسقط عنه لأنه قصد قطع حق من انعقد سبب استحقاقه‏,‏ فلم تسقط كما لو طلق امرأته في مرض موته‏.‏

فصل‏:‏

وينبغي أن يبعث الإمام ساعيه إذا بدا صلاح الثمار ليخرصها‏,‏ ويعرف قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبي حثمة ومروان‏,‏ والقاسم بن محمد والحسن وعطاء‏,‏ والزهري وعمرو بن دينار وعبد الكريم بن أبي المخارق‏,‏ ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور‏,‏ وأكثر أهل العلم وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة وقال أهل الرأي‏:‏ الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان الخرص تخويفا للأكرة لئلا يخونوا‏,‏ فأما أن يلزم به حكم فلا ولنا ما روي الزهري‏,‏ عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏,‏ والترمذي وفي لفظ عن عتاب قال‏:‏ ‏(‏أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يخرص العنب كما يخرص النخل‏,‏ وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا‏)‏ وقد عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم- فخرص على امرأة بوادي القرى حديقة لها ورواه الإمام أحمد في ‏"‏ مسنده ‏"‏ وعمل به أبو بكر بعده والخلفاء وقالت عائشة‏,‏ وهي تذكر شأن خيبر‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه‏)‏ متفق عليه رواه أبو داود وقولهم‏:‏ هو ظن قلنا‏:‏ بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير‏,‏ فهو كتقويم المتلفات ووقت الخرص حين يبدو صلاحه لقول عائشة ـ رضي الله عنه ـا يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم النخل حين يطيب‏,‏ قبل أن يؤكل منه ولأن فائدة الخرص معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها والحاجة إنما تدعو إلى ذلك حين يبدو الصلاح‏,‏ وتجب الزكاة

فصل‏:‏

ويجزئ خارص واحد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يبعث ابن رواحة فيخرص ولم يذكر معه غيره‏,‏ ولأن الخارص يفعل ما يؤديه اجتهاده إليه فهو كالحاكم والقائف ويعتبر في الخارص أن يكون أمينا غير متهم‏.‏

فصل‏:‏

وصفة الخرص تختلف باختلاف الثمرة‏,‏ فإن كان نوعا واحدا فإنه يطيف بكل نخلة أو شجرة وينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا‏,‏ ثم يقدر ما يجيء منها تمرا وإن كان أنواعا خرص كل نوع على حدته لأن الأنواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره‏,‏ ومنها ما يكون بالعكس وهكذا العنب ولأنه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع‏,‏ حتى يخرج عشره فإذا خرص على المالك وعرفه قدر الزكاة‏,‏ خيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف‏,‏ فإن اختار حفظها ثم أتلفها أو تلفت بتفريطه فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص وإن أتلفها أجنبي‏,‏ فعليه قيمة ما أتلف والفرق بينهما أن رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ولهذا قلنا في من أتلف أضحيته المتعينة‏:‏ عليه أضحية مكانها وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها وإن تلفت بجائحة من السماء‏,‏ سقط عنهم الخرص نص عليه أحمد لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها وإن ادعى تلفها بغير تفريطه فالقول قوله بغير يمين‏,‏ كما تقدم وإن حفظها إلى وقت الإخراج فعليه زكاة الموجود لا غير‏,‏ سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل وبهذا قال الشافعي وقال مالك‏:‏ يلزمه ما قال الخارص‏,‏ زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة لأن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي بدليل وجوب ما قال عند تلف المال ولنا‏,‏ أن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة ولا نسلم أن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي‏,‏ وإنما يعمل بقوله إذا تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها لأن الظاهر إصابته قال أحمد‏:‏ إذا خرص على الرجل فإذا فيه فضل كثير‏,‏ مثل الضعف تصدق بالفضل لأنه يخرص بالسوية وهذه الرواية تدل على مثل قول مالك وقال‏:‏ إذا تجافى السلطان عن شيء من العشر يخرجه فيؤديه وقال‏:‏ إذا حط من الخرص عن الأرض‏,‏ يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص وإن أخذ منهم أكثر من الواجب عليهم فقال أحمد‏:‏ يحتسب لهم من الزكاة لسنة أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لأن هذا غاصب وقال أبو بكر‏:‏ وبهذا أقول ويحتمل أن يجمع بين الروايتين فيحتسب به إذا نوى صاحبه به التعجيل‏,‏ ولا يحتسب به إذا لم ينو ذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإن ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير يمين وإن لم يكن محتملا‏,‏ مثل أن يدعي غلط النصف ونحوه لم يقبل منه لأنه لا يحتمل فيعلم كذبه وإن قال‏:‏ لم يحصل في يدي غير هذا قبل منه بغير يمين لأنه قد يتلف بعضها بآفة لا نعلمها‏.‏

فصل‏:‏

وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع‏,‏ توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة وينتابها الطير وتأكل منه المارة‏,‏ فلو استوفى الكل منهم أضر بهم وبهذا قال إسحاق ونحوه قال الليث وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده‏,‏ فإن رأى الأكلة كثيرا ترك الثلث وإن كانوا قليلا ترك الربع لما روى سهل بن أبي حثمة ‏(‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول‏:‏ إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع‏)‏ رواه أبو عبيد‏,‏ وأبو داود والنسائي والترمذي وروى أبو عبيد‏,‏ بإسناده عن مكحول قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا بعث الخراص قال‏:‏ خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة‏)‏ قال أبو عبيد‏:‏ الواطئة‏:‏ السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والأكلة‏:‏ أرباب الثمار وأهلوهم‏,‏ ومن لصق بهم ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال‏:‏ لولا إني وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته تسعمائة وسق‏,‏ وكانت تلك العرش لهؤلاء الأكلة والعرية‏:‏ النخلة أو النخلات يهب إنسانا ثمرتها فجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏ليس في العرايا صدقة‏)‏ وروى ابن المنذر عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لسهل بن أبي حثمة‏:‏ إذا أتيت على نخل قد حضرها قوم فدع لهم ما يأكلون والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواء‏,‏ فإن لم يترك لهم الخارص شيئا فلهم الأكل بقدر ذلك ولا يحتسب عليهم به نص عليه لأنه حق لهم‏,‏ فإن لم يخرج الإمام خارصا فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ذكره القاضي وإن خرص هو وأخذ بقدر ذلك‏,‏ جاز ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر مما له أخذه‏.‏